روايات

رواية فؤادة الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم ميمي عوالي

رواية فؤادة الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم ميمي عوالي

رواية فؤادة البارت الحادي والعشرون

رواية فؤادة الجزء الحادي والعشرون

فؤادة
فؤادة

رواية فؤادة الحلقة الحادية والعشرون

بعد ان اتجه جلال و استلقى على الاريكة معطيا فؤادة ظهره دون ان يعطيها اى فرصة للحوار ، و تدثر جيدا حتى انه لم يكن يظهر منه سوى بعض شعيرات من رأسه كانت تطل من تحت حواف الدثار و كأنها تقاوم كى تاخذ قسطا من الهواء

ظلت فؤادة مكانها لبرهة بوسط الغرفة ، تقف بذهول حاملة على يدها الملابس التى اصطحبتها إلى عمها و زوجته ، و كانت تنظر الى جلال بغيظ مكبوت ، فقد كانت ترتب امورها على ان تقضى ليلتها مستيقظة على الاريكة ، فكيف لها الان ان تقاوم النوم وهى جالسة على فراش واسع مريح كفراش ابيها

فؤادة فى سريرتها و هى تزفر أنفاسها بخفوت : الله يسامحك يا عمى ، انت السبب فى كل اللى انا فيه دلوقتى ، كان لازم يعنى امسك فيه تبات معانا ، ماكنت سيبته يرجع طنطا براحته ، ادينى اتحبست فى اوضة واحدة مع الاستاذ جلال … بس معلش ، كله يهون عشان خاطر الست نهاد ، ربنا يسعدها و يتمم لها بخير يا قادر يا كريم ، ثم تنهدت و اتجهت الى الفراش ، و وضعت ما بيدها ، ثم جلست و رفعت قدميها تحت الدثار ، فقد كان الطقس شديد البرودة ، و لكنها شيئا فشيئا مالت بجسدها على الوسائد و هى تلف الدثار حول نفسها و ما هى الا بعض الدقائق حتى راحت فى سبات عميق

كانت الاريكة التى يستلقى عيها جلال صغيرة الى حد ما بالنسبة الى طوله الفارع ، فكانت بالكاد تتسع لجلال ، و لكنه ما ان حاول ان يفرد قدميه حتى وجد انه لا يستطيع فعل ذلك من صغر الاريكة بالنسبة له ، و ما ان تقلب فى نومته و هو يحاول ان يجد وضعا مريحا ، الا و وقعت عينيه على فؤادة ، و التى كان شكلها مضحكا للغاية فأول ما جاء الى ذهن جلال ما ان رآها ، هى وجبة ورق العنب المحشو ، فقد لفت فؤادة الدثار على نفسها بطريقة محكمة قد يفشل فيها امهر طهاة محشو الملفوف و ورق العنب

 

 

 

وصع جلال كف يده على فمه يمنع صوت ضحكاته خوفا ان يقلقها صوته ، و ظل على تلك الحالة لبعض الدقائق ، و عندما هدأت ضحكاته ، كانت عيناه على وجه فؤادة ، يا الله ، كم هى شديدة الشبه من حبيبته ، و لكن شتان بين طبعهما ، و عادت به الذاكرة الى ذكرى ما فى حياتهما معا

فلاش باك

كان جلال جالسا فى بهو منزلهم بصحبة امه و زوجته و كريم ، و كان وقتها يوجد خلاف ما بين ندا و كريم ، و كان كريم فى حالة خصام تام مع ندا و لا يبادلها اى حديث

جلال : مش هتكبر دماغك بقى يا كريم ، انت هتعمل عقلك بعقل الستات

كريم : يا عم ماتشغلش دماغك

جلال : يا ابنى انتو اخوات ، و مالكمش غير بعض ، ما يصحش كده ، و بعدين ندا غلبانة ، ما تقساش عليها بالشكل ده

كريم بسخرية : ااه غلبانة فعلا ، كل شئ جايز

جلال و هو يوجه حديثه لهدى : ماتقولى حاجة يا حبيبتى لاخوكى ده تعقليه

حسنة ضاحكة : مين دى ، هدى ، هدى اخر واحدة هتقول لحد فيهم حاجة ، دايما تتفرج و تسكت ، مهما كان الوضع مش عاجبها ، مابتحبش وجع الدماغ

هدى بهدوء : ابدا يا ماما ، مش كده ابدا ، بس هم الاتنين اخواتى ، و لو طلعت حد غلطان التانى هيزعل منى ، و انا ما بحبش حد يزعل منى

عودة من الفلاش باك

 

 

 

قارن جلال بين موقف هدى مع اخوتها وقت خصامهم ، و بين موقف فؤادة مع عمها و ابنه و محاولاتها مرة بعد الاخرى ان ترم صدع خلافاتهما ، و اعترف بينه و بين نفسه ، ان فؤادة تمتلك قوة و عزيمة لم تمتلكها هدى ، فهدى كانت رقيقة .. هشة ، و كانت دائما تخشى ردود الافعال ، و كانت قلما تعترض على حديث ، خوفا من غضب المحيطين بها

اما فؤادة ، فهى صلبة .. قوية المراس ، لا تكتم رأيها و لا تترك حق من حقوقها

و اثناء عقد مقارنته ، تذكر حادثة فؤادة مع مكتب الترجمة و التى قصها عليهم كريم ، و التى لم يستطع جلال ان ينكر اعجابه بشجاعتها و تصميمها على عدم ترك و لو جزء بسيط من حقوقها ، رغم دهشته الدائمة من تشبث يدها بملابسها اثناء الحديث ، فهو يعلم جيدا ان هدى ايضا كانت تمتلك هذه المتلازمة ، و لكنه كان دائما ما يرجع تصرفها هذا الى خجلها و خوفها الدائم ، اما فؤادة .. فتملكته الحيرة الشديدة منذ ان رآها بسبب تلك المتلازمة

حاول جلال الاستلقاء مرة أخرى و محاولة النوم ، و الذى جافاه الى ان بدأت ساعات اليوم التالى ، بعدما تذكر حديث فؤادة مع عمها ، و كم اثارت اعجابه و هى تحاول الرد على اسئلة عمها دون قول الحقيقة ، و لكنها ايضا دون ان تقول كلمة واحدة كذب ، و تذكر دفاعها عنه و هى تثنى عليه وتعدد لعمها مزاياه و خصاله الحميدة

و عندما كانت الساعة فى تمام الواحدة صباحا … اشفق النوم عليه و بدأ وصاله لسويعات قليلة

تململت فؤادة فى نومها و حاولت الاعتدال ، و لكنها لم تستطع الحركة بسبب الطريقة التى دثرت بها نفسها ، فاخذت تتحرك ذات اليمين و ذات اليسار ، حتى استطاعت الحركة و همت بالنزول من الفراش ، و لكن لسوء حظها ان الغطاء لم ينفك عنها بالكامل ، فقد ظل عالقا حول كف قدمها ، و ما ان حاولت الحركة حتى انكفئت على وجهها مصدرة صوتا قويا ، و تأوهت بشدة ، فما كان الا ان نهض جلال مذعورا على صوت الجلبة و التأوه ، و ما ان رآها متكومة ارضا حتى اسرع اليها و هو يحاول مساعدتها على النهوض و هو يقول : ايه اللى حصل .. فى ايه

فؤادة بتأوه : اتكعبلت فى حرف البطانية و اتكفيت على وشى

 

 

 

ليتذكر جلال على الفور مظهرها و هى ملتفة بالغطاء ، فقال و هو يكتم ضحكه بصعوبة شديدة : طب معلش ، قومى قومى ، حصلك حاجة

فؤادة و هى تمسد كتفها المصاب : اتخبطت فى كتفى

جلال و بعفوية شديدة ، امتدت يده الى كتفها قائلا : ورينى كده ، اوعى يكون الجرح انفتح تانى

لتبتعد فؤادة الى الوراء قائلة بتوتر : لا ماتقلقش ، ان شاء الله خير ، انا هخلى محمد يبصلى عليها

جلال بحزم : لا

فؤادة بدهشة : و ليه لا ماهو مهما ان كان دكتور

جلال : خلى امى تبصلك عليه و لو لا قدر الله فيه حاجة ، هوديكى المستشفى يشوفوا الدنيا فيها ايه

فؤادة بامتعاض من تحكمه الغير مبرر : طب لو سمحت عاوزة ادخل الحمام

جلال باستغراب : طب ما تروحى ، عاوزانى اسندك و اللا حاجة ، انتى اتوجعتى للدرجة دى

فؤادة بغلظة : حضرتك واقف قدام باب الحمام ، و سادد السكة

ليلتفت جلال خلفه ليجد انه بالفعل يسد عليها الطريق ، فانزاح جانبا ثم قال ببعض السماجة : طب يا ستى ، اتفضلى ، ادينى وسعتلك السكة

لتحرك فؤادة راسها ذات اليمين و ذات اليسار دلالة على قلة الحيلة ، و دلفت الى المرحاض و اغلقت الباب خلفها بقوة ، لينخرط جلال فى الضحك دون مراعاة لصوته العالى ، فسمعته فؤادة من الداخل فزاد غيظها منه ، و ما ان خرجت من المرحاض و وقع بصرها على جلال ، و الذى ما ان رآها حتى انخرط فى الضحك مرة اخرى فقالت له بغيظ : ممكن اعرف انت بتضحك على ايه

 

 

 

جلال و هو يحاول السيطىرة على ضحكاته : اصل كان نفسى اصورك و انتى نايمة بالليل ولفه نفسك فى البطانية و كنتى عاملة زى صباع ورق العنب المحشى ، ده بوراك نفسه مايعرفش يعمل كده

لتبتسم فؤادة قليلا ثم ضحكت هى الاخرى بشدة : فنظر اليها جلال باستغراب فكان يظن انها ستغضب من حديثه و لكنه تفاجئ بها تقول : ده انا اللى كان نفسى اصورك و انت حاشر روحك فى الكنبة ، و فارد البطانية كلها عليك ، اكنك مغطى قتيل ، و شعرك ياعينى طالع من البطانية بيستغيث يا ولداه ، و نفسه ان حد يلحقه

كان جلال يستمع اليها و هو يفتح عينيه على اتساعها ، و يلامس شعره بكف يده و كأنه يتأكد من حديثها ، فما كان من فؤادة الا ان علت صحكاتها اكثر و هى تقول : لا لا لا … بجد مش قادرة ، هفطس

ثم اتجهت ناحية الفراش و جلست و هى تأخذ انفاسها و بعد ان هدأت رفعت رأسها اتجاه جلال بترقب ، و قد شعرت انها قد تجاوزت حدودها فقالت بلجلجة : انا اسفة …. انا شكلى زودتها اوى ، بس انا كنت بهزر … ارجوك ما تزعلش منى

جلال بسخرية مازحة : لو ماكنتيش عملتى كده كنت قلقت عليكى ، ما انا خلاص عرفت انك مابتسيبيش حقك

فؤادة بابتسامة : يعنى صافى يا لبن

ليشرد جلال سريعا و هو يتذكر هدى ، و التى كانت دائما تقول تلك الجملة عندما يتصالحان بعد خصام لم يدم ابدا اكثر من نصف ساعة

و عندما لاحظت فؤادة شروده قالت : شكلك لسه زعلان

جلال و هو ينفض رأسه : لا ابدا

فؤادة : طب انا هصلى الفجر

 

 

 

جلال و هو ينهض من مكانه : استنى اما اتوضى و نصلى سوا ، و بعد الصلاة تروحى لامى تبصلك على كتفك ، زمانها صحيت ، و المفروض الدكتور يبص عليكى عشان تبتدى العلاج الطبيعى

فؤادة : ان شاء الله

كان سالم و زوجته يستعدان للمغادرة ، و كان الجميع فى وداعهم

حسنة و هى تحتضن ام نهاد : و الله هتوحشينى يا ام نهاد ، يعلم ربنا انا حبيتك اد ايه

ام نهاد : و الله و انتى كمان يا ام جلال ، ان شاء الله الوجوه تتلاقى على خير و مايحرمناش من اللمة الحلوة دى

حسنة : لما نرجع طنطا ان شاء الله لازم تشرفونا فى بيتنا و تنورونا

ام نهاد : يا حبيبتى يجعله عامر دايما باصحابه و منور بيكى

حسنة و هى تغمز بعينيها بمرح : يا اختى انا عاوزاه ينور بالعروسة

ام نهاد : ربنا يا حبيبتى يقدم كل خير و ييسر الاحوال

سالم : ابقى هات مراتك ، و تعالى عشان تعرفها مكان ابوك و اهلك يا دكتور

محمد : اكيد طبعا يا بابا ان شاء الله ، اول ما نرجع طنطا بعد ما البنات يشبعوا من بعض

سالم لعايشة : و انتى خدى بالك من روحك و من اكلك ، انا عاوز حفيدى تبقى صحته بمب

عايشة بابتسامة : على راسى عمو .. عويناتى

سالم موجها حديثه لفؤادة : و انتى يا فؤادة لو فى اى وقت احتاجتى حاجة .. كلمينى على طول

فؤادة بابتسامة : طبعا يا عمى ، ربنا مايحرمناش منك

 

 

 

ام نهاد لابنتيها : و انتو هترجعوا امتى

نهاد : يومين كده ، ما خلاص اجازة نص السنة هتخلص اخر الاسبوع ، ممكن نيجى على الخميس او الجمعة ان شاء الله

سالم : خدوا بالكم من بعضيكم

نهاد و سلمى : حاضر يا بابا

جلال : شرفتنا يا سالم بية ، كان نفسنا نتآنس بيك اكتر من كده

سالم : الجيات كتير ، و لما ترجعوا طنطا بالسلامة ، ابقوا خلونى اشوفكم

جلال : انا ان شاء الله هكون عند حضرتك يوم الاتنين اللى جاى مع عارف

سالم : تنوروا … انا فى انتظاركم ان شاء الله

و بعد ان غادر سالم المزرعة التفتت حسنة لتعود الى الداخل فوجدت نهاد تلعب الكرة مع سلوى و ادهم ، و وجدت سلمى تحمل ليلى و هى تداعبها و تضاحكها كعادتها منذ ان اتوا الى المزرعة ، و ليلى مستمتعة جدا لدرجة انها تنحنى على سلمى لتقبلها بوجنتها بين الفينة و الاخرى ، و كلما تفعل ليلى ذلك تعلو ضحكات سلمى و هى تقول : يا خراشى على العسل و السكر اللى بقى ينقط من وشى ، ابتسمت حسنة على نقاء سريرتهم و حب احفادها لهم ، ثم اتجهت الى المطبخ لتتابع عمل الغداء

كان المحامى قد انصرف متوجها الى نقطة الشرطة ليتابع مستجدات الامور ، اما محمد وعائشة فكانوا يتابعون اللعب و هم يضحكون ، و انسحبت سلوى من اللعب و ذهبت اتجاه فؤادة قائلة : مش هتجيبيلنا توت النهاردة يا طنط

فؤادة بمشاكسة : تدفعى كام

سلوى و هى تحتضن فؤادة بحب : هديكى حضن و بوسة

لتضحك فؤادة و تقول : سعر مغرى الصراحة ، حاضر يا ستى

 

 

 

و ما ان التفتت فؤادة لتتجه الى شجرة التوت حتى اوقفها جلال قائلا بنبرة حازمة : و انتى بقى فاكرة انى هسيبك تطلعى على الشجرة بكتفك ده تانى

فؤادة : ما خلاص اتطمنت عليه و الحمدلله ما حصللوش حاجة

جلال بتصميم : لا برضة مافيش شعبطة على الشجرة تانى ابدا لحد ما تخفى

محمد بفضول : و انتى كتفك حصل له ايه تانى يا فؤادة

فؤادة بامتعاض : اتخبطت فيه الصبح

محمد : يبقى جلال عنده حق ، خفى على روحك شوية ، ثم اشار الى سلوى قائلا : تعالى يا ست لولو انا هجيبلكم التوت

و اتجهت فؤادة بغضب من تحكمات جلال الى داخل المنزل

ليعلو رنين هاتف جلال ، و عندما نظر الى الهاتف وجد ان المتصل هو عارف ، فرد قائلا : السلام عليكم ، ازيك يا عارف

عارف : و عليكم السلام ، الحمد لله انتم اخباركم ايه

جلال : تمام ، مافيش جديد

عارف: انا حبيت اقول لك ان عطوة دبر لك البيت اللى وصيتنى عليه ، موجود قرب جناين الموالح زى ما طلبت

جلال : و يا ترى جاهز على السكن و اللا محتاج لسه سغل

عارف : انا شفته ، هو بالطوب الاحمر ، و متبييض بياض على اد الحال ، بس ممكن يتقعد فيه من دلوقتى لو عاوز

جلال : تمام ، هبعتلك عنوان الناس اللى هتقعد فيه ، و تبعتلهم عربية تاخدهم من مكانهم لحد باب البيت ، و خلى عطوة يشوف اذا كانوا محتاجبن حاجة يجيبهالهم

عارف : تمام ، و كمان حبيت اعرفك انى اتكلمت مع كريم و عرفته باللى حصل

جلال : والنتيجة

عارف : الله اعلم ، بس هو اول ما عرف مشى بسرعة ، و كان شكله على اخره ، و اللى يشوفه يقول هيقتل له قتيل

جلال : هو حر فى اخته بقى

عارف : و ايه اخبار الجماعة عندك

جلال ضاحكا : بيسلموا عليك

 

 

 

عارف ممتعضا : يعنى يرضى ربنا انك تبقى قاعد وسط الكل ، و انا بوزى فى بوز حسين

جلال مازحا : لو حسين سمعك هينفخك

عارف : و على ايه ، انا هروح اشوف موضوع عطوة و العربية ، و ربنا حليم ستار

بعد ان اغلق جلال الهاتف ، اتجه الى الداخل ، باحثا عن ماجدة ، فاتجه الى المطبخ ، فوجد فؤادة تجلس على احد المقاعد معطية ظهرها الى الباب ، و وجد ماجدة تقف خلفها و علم من حديثهم ان ماجدة تجدل لفؤادة شعرها و كانوا يتحدثون بمرح

ماجدة : الصراحة يا ست فؤادة شعرك بسم الله ما شاء الله طويل اوى ، ده الضفيرة واصلة لحد وسطك

ام ابراهيم : قل اعوذ برب الفلق

فؤادة ضاحكة : الحقيقة يا ماجدة انا مش عارفة اودى جمايلك فين ، اصبرى بس عليا لما اخف ، و انا هعملك شعرك كل يوم فورمة شكل

ماجدة ضاحكة : صلى على النبى فى سرك يا ست فؤادة ، ده انا شعرى ممكن تقعدى تعديه كده شعراية شعراية

حسنة : ابقى فكرينى اما نرجع طنطا اوديكى لدكتور يعالجلك شعرك العيان ده

ماجدة و هى تمصصص شفتيها : لا هو الشعر راخر له دكتور ، الا ما بنروح للدكتور و احنا بنفرفر ، هنروح وشعرنا بيقع يا ست الحاجة

ام ابراهيم : اهو تبقى روحتيله و خلاص ، انتى طايلة

 

 

 

لتتحرك ماجدة من خلف فؤادة و هى تتجه الى صنبور المياه ، و كانت فؤادة تنهض من مكانها و هى تبحث عن حجابها لتلتفت بوجهها الى اتجاه جلال ليقف متأملا اياها

كان وجهها باسما مشرقا ، صبوحا ، لم يكن شعرها ناعما ، فبرغم الجديلة الا ان غرتها كانت تحتضن وجهها بطريقة محببة غخرية و فؤادة تحاول ازاحتها و حبسها وراء اذنها ، كى تستطيع وضع حجابها ، و ما ان رفعت رأسها حتى وجدت من يراقبها فى هدوء تام فما كان منها الا ان رمت حجابها فوق راسها سريعا وهى تستعمل كلتا يديها دون ان تنتبه لحركتها ، فما كان الا ان اصدرت صرخة من اثر الالم المفاجئ نتيجة حركتها الغير محسوبة ، ليسرع اليها جلال قائلا بلهفة و غيظ : كتفك وجعك مش كده ، ما حدش ابدا يعمل كده

فؤادة بتأوه و بنظرة ذات مغزى : و ما حدش ابدا برضة يعمل كده

حسنة كانت تقف و تنظر اليهم و لا تفهم منهم شيئا فقالت باستغراب : هو ايه اللى كده و كده ، ايه اللى حصل ، و انتى كتفك ماله ، ما انا بصيتلك عليه و لقيته كويس

فؤادة بخفوت : اصلى نسيت و حركت دراعى مرة واحدة و عشان كده وجعنى

جلال بغيظ : تبقى تاخدى بالك

لتنظر له فؤادة و هى تحاول كبت غضبها فقالت : انت كنت جاى عاوز حاجة

جلال متذكرا : ااه ، كنت هنسى ، و مد يده بالهاتف لماجدة قائلا : كلمى حد من عندك و بلغيهم ان فى عربية هتروحلهم تاخدهم النهاردة تنقلهم بيت تانى

ماجدة بلهفة : هنخرج من البلد يا بية

جلال : لا ، بس هتروحوا الناحية التانية ، و لما يوصلوا بالسلامة قوليلهم يبلغوا عطوة بكل اللى هيحتاجوه و هو هيتصرف و يدبرها لهم

لتنحنى ماجدة على يد جلال فى محاولة لتقبيلها ، الا انه منعها قائلا : انا ما بحبش الكلام ده يا ماجدة ، ياللا شوفى هتكلمى مين

 

 

 

ماجدة بقلق : ما فيش غير خالتى ، هى بس اللى حدانا عندها محمول زى اللى اديتهولى الست ندا ، و اخاف اكلمها الست ندا تعرف و تطين عيشتها

حسنة : خلاص ما تخافيش ، انا هكلمها و افهمها تعمل ايه ، و خليكى انتى بعيد عن الحكاية دى

ماجدة بحب : الهى ربنا يجبر خاطركم و يكفيكم كل شر يارب

فؤادة بفضول : هو انتو بقى يا ماجدة فى بيتكم يعنى ، عندكم عفش هيحتاج يتنقل ، اقصد يعنى هيحتاجوا وقت عشان يوضبوا حاجتهم

ماجدة بسخرية : الله يباركلك يا ست فؤادة ، عفش ايه بس ، ده هو شوية حصىر ، و كنبتين

فؤادة بمرح : تصدقى انى بحب الحصير ده اوى ، و كتير كنت اروح اقعد مع الخالة سعدية و تروح عليا نومة ، و يا سلام بقى لما اصحى و الاقى وشى و دراعاتى متقسمين من علامات الحصيرة عليها

ثم اتجهت الى الخارج قائلة : ياللا بقى خلصوا الاكل ، على ما اروح ابص على الارض و ارجع ، ثم نظرت لجلال و اشارت له انها تريد ان تتحدث اليه

فذهب خلفها و ما ان وصلوا الى الخارج قالت : من فضلك ممكن ابعت مبلغ لعم عطوة ، عشان يفرش لهم البيت ، واضح ان حالتهم صعبة اوى

جلال : ما تقلقيش ، انا هتصرف

 

 

 

فؤادة باعتراض : انت اتصرفت فى البيت و رفضت انى اجيبهم هنا ، سيبنى بقى اساهم بده ، انا كده كده كنت عاوزة اطلع صدقة على روح بابا ، و ما فيش احلى من كده

جلال : خلاص يا ستى ، زى ما تحبى

خلاص انا هجيبلك الفلوس قبل ما اروح ابص على الارض

جلال : هنبص على الارض سوا ، لانى عاوز اتطمن ان كل حاجة تمام قبل ما اسافر لعارف

فؤادة بلهفة : انت هتسافر

جلال : لازم احضر مع عارف مقابلة عمك

فؤادة : ايوة طبعا ، عندك حق ، و كمان انا عطلتك و بعدتك عن ارضك و شغلك كتير ، حقك عليا

جلال : انا جيت هنا برغبتى يا فؤادة ، ما حدش اجبرنى ، و تأكدى انى هكون دايما جنبك

مرت الايام سريعا ، و علموا من المحامى ان النيابة امرت بحبس الزينى خمس و اربعون يوما على ذمة التحقيقات ، بعدما ثبت بشهادة الشهود انه كان وراء عمليات التخريب التى حدثت بمزرعة فؤادة بالكامل

و مع نهاية الاسبوع حان موعد عودة سلمى و نهاد الى منزلهم مرة اخرى ، و بالطبع كان محمد و عايشة بصحبتهم ، و عندما حان وقت الوداع ، و بعد ان صعدت الفتيات الى السيارة التفت محمد الى فؤادة و احتضنها قائلا : انا خلاص مش راجع فرنسا تانى ، يعنى وقت ما هوحشك هتلاقينى ، ثم قال و هو يداعب يدها المصابة المتشبثة بملابسها : و عاوز اقعد معاكى كام جلسة كده عشان نخلص من القفشة دى … و اللا ايه

 

 

 

فؤادة بمرح : هو انت عشان مش لاقى عيانين ، هتيجى تسترزق منى انا

محمد و هو يضرب جبهتها بخفة : بطلى عند ، و اسمعى الكلام ، كنت فاكر ان الحكاية دى قربت تخلص ، لما لاحظت انها قلت اوى عن الاول ، لكن اهى رجعت تانى اهو زى ماكانت بقالها تلات ايام

ثم مال عليها مقبلا رأسها و قال بحنان : صدقينى ، ده عشان مصلحتك

كان جلال يستمع لكل كلمة بوضوح ، ها قد علم ان وراء متلازمة يدها سر ،و وجد بداخله فضولا شديدا لمعرفة ذلك السر

كان جلال كل يوم يذهب مع العم نبيل لمتابعة الزرع ، و احتياجاته و مستلزماته ، و كان يجلس مع المهندس الزراعى المسئول ، و كانت فؤادة معه فى كل خطوة حتى جاء يوم الاحد صباحا موعد عودة جلال الى طنطا

كان الافطار صامتا حزينا لا يتخلله الا حديث الصغار ، فكانت فؤادة تشعر بالحزن لفراقهم ، فقد احست ان المزرعة تشغى بالحياة فى وجود الجميع ، و لكنها بدأت فى وداع الجميع واحدا تلو الاخر

اما جلال فكان بالرغم من علمه بان خطر الزينى قد زال و انه لم يعد هناك اى خوف منه و هو وراء القضبان ، الا انه كان يشعر بغصة لتركه اياها وحيدة فى هذا المكان والذى برغم كل العاملين به الا انه بعيد عن العمران و الاهم انه بعيد عنه

اما حسنة فكانت صامتة احتراما لصمتهم ، حتى نهضت سلوى من مكانها و ذهبت الى جوار فؤادة و قالت : هو انتى يا طنط هتفضلى هنا و اللا هتيجى معانا

فؤادة و هى تحاول الوصول الى صوتها : لا يا سلوى … هفضل هنا

سلوى بحزن : طب ليه هتفضلى لوحدك ، ما تيجى معانا

فؤادة : للاسف .. ما ينفعش

 

 

 

حسنة : و ليه لا يا بنتى ، ما تيجى معانا ، و اديكى اتطمنتى على ارضك

و كله تمام اهوه الحمدلله

فؤادة : هنا مكانى يا امى ، و مهما روحت هنا او هنا ، مسيرى هرجع هنا من تانى ، يبقى لزمته ايه

لتحتضن سلوى فؤادة و هى تبكى و تقول : طب خلاص ، خلينى هنا معاكى

لتمتلئ عينا فؤادة بالدموع و تنظر باستجداء لجلال و تقول : يا ريت يا سلوى ، بس بابا لازم يوافق الاول

لتلتفت سلوى الى ابيها قائلة و هى تمسح عينيها بكفوفها : انا عاوزة افضل مع طنط فؤادة يا بابا لو سمحت

ليقول جلال ، و هو ينظر لفؤادة : ايوة يا سلوى بس طنط فؤادة مش هتبقى فاضية ، او ممكن تتضايق عشان هتعطليها او تشغليها عن المزرعة

لتقول فؤادة بلهفة و هى تمد كف يدها لتزيح دموعها بعيدا عن وجهها : بالعكس ، ما تقلقش خالص ، و بعدين انا و سلوى هنسلى بعض ، و وقت ما هى تزهق او توحشوها هتصل بيكم على طول حد يجيلها ياخدها ليكم

ادهم باعتراض : طب و انا ، انا كمان عاوز افضل مع سلوى

حسنة : انت لازم ترجع معانا يا حبيبى عشان مامتك عاوزة تشوفك ، و اللا ماوحشتكش

ادهم : طب لما اشوفها اجى تانى عند طنط فؤادة

فؤادة : و انا هستناك يا حبيبى

سلوى بفضول و هى تنظر لابيها : خلاص يا بابا ، هتسيبنىى هنا مع طنط

جلال بتنبيه : بس اعملى حسابك لو عرفت انك اتشاقيتى او عملتى اى مشكلة ، مش هجيبك هنا تانى

لتحتضن سلوى فؤادة بيديها قائلة : انا مش هعمل اى حاجة وحشة و هسمع كل الكلام

جلال موجها حديثه لفؤادة : انا هسيب سلوى معاكى تونسك ، على ما نشوف هنعمل ايه فى موضوع عارف ، و هرجع عشان اخودها

و قبل انصرافهم اكد جلال على فؤادة ان تجعل هاتفها قريبا منها باستمرار لكى يستطيع الاطمئنان عليها و على سلوى

و اوصى العم نبيل عليهم ، و كذلك ماجدة التى تركها مع فؤادة لتقوم على تلبية طلباتها و خدمتها

و صعد الى سيارته و قادها متجها الى الخارج وعينيه مصوبة على مرآة السيارة يراقب فؤادة ويدها الحرة تحتضن سلوى ، اما الاخرى المعلقة فرآها تتشبث بقوة بأطراف وشاحها ، بينما تغرق العبرات وجهها بشدة

يتبع…

اترك رد

error: Content is protected !!