رواية لماذا انا الفصل الحادي عشر 11 بقلم نورا سعد

رواية لماذا انا الفصل الحادي عشر 11 بقلم نورا سعد

رواية لماذا انا البارت الحادي عشر

رواية لماذا انا الجزء الحادي عشر

رواية لماذا انا الحلقة الحادية عشر

-وأيه تاني يا هانم؟
كانت ذلك كلمات غيث، فوصل للمنزل وحاول أن يُفتح الباب بالمفتاح الخاص بهِ، ونجح بالفعل، فمن الواضح أن أمجد لم يغير القفل الخاص بِباب المنزل، تقدم منهم بكرسيه ثم قال وهو ينظر لهم: دِ العصابة كلها متجمعة أهو.
نظر له أمجد بتوتر وقال: غيث! أنت أيه اللي جابك هنا؟
نظر له غيث بعدم تصديق ثم صاح فيهم: هو أيه البجاحة دِ؟! أنتوا مش مكسوفين من نفسكم!
ردت مايا: عاملنا أيه؟ انت جاي تتبلى علينا!
ضحك بسخرية ثم قال: لا والله، وبالنسبة للرجل اللي وقع زي الخروف وهو اللي سلّمكم ليّا.
اقتربت منه مليكة، ثم انحنت له وقالت: أيوا يا غيث أحنا اللي بعتناه، وأنا اللي مخططه لكل اللي حصل، ها عندك حاجة تعملها؟ ولا أي حاجة، كل اللي في أيدك أنك تروح ترمي نفسك في حضن الحكومة، وهيبقى كلامه قصاد كلامنا.
اقتربت من أذنه أكثر وواصلت بفحيح أفعى: وأنا عندي ألف طريقة وطريقة يا غيث تخرجنا منها ومنغير ما نبات يوم واحد في الحجز.
اقتربت مايا وتدخلت في الحديث لكي تكمل صورة الحيات بأبهى صورها وقالت: وأقل حاجة هنقولها هو أن سامر بيتبلى علينا، عايز ينتقم من امجد، عارف ليه؟ هقولك، عشان يحرام امجد طردته قبل ما يشتغل عندك، طرده عشان عرف أنه بيسرقه، فحب ينتقم منه.
تعالت ضحكات امجد، ثم واصل: وبدل الشاهد في شهود أني طرد سامر من الشركة، وكمان الورق موجود، وكله في السليم.
قهقه عاليا مرة أخرى ثم قال بنبرة خبيثة وتحذيريه: الأحسن ليك يا غيث أن تتقي شرنا، بلاش تلعب معانا عشان هتكون خسران.
اعطاه ظهره ثم واصل: وبعدين مش تحمد ربنا أن بضاعتك محصلهاش حاجة؟ لكن متطمنش اوي كده.
نظر له وواصل بكُره يملى قلبه: أصل أنا مش هسيبك بالساهل كده، أنا ناوي أدمرك يا غيث، هدمرك.
كان غيث ينظر له بثبات، فسأله بنيرة واثقة ثابتة: هو سؤال واحد يا أمجد واوعدك مش هتشوف وشي تاني، وكمان الراجل بتاعك هسيبه ومش هبلغ عنه، ودَ مش خوف مـنك، تؤتؤ دَ بس عشان حضرتك أسمك اخويا، وأنا ميشرفنيش أن أخويا يبقى رد سجون.
نظر أمجد للجميع ثم قال: واللي هو؟
تحرك بكرسيه للأمام ثم قال والغضب يملئ قلبه: هو أنا عملتلك ايه عشان تكرهني بالطريقة دِ؟ طول عمرك بتكرهني عمرك ما حبتني، ليه؟ ليه مع أن عمري ما عَملتك في مرة وحش، بالعكس، دَ أنا على طول بعاملك كويس وعايزك تكون احسن مني كماان، قولي سبب واحد يخليك تكرهني بالشكل دَ يا… يا أخويا!
صرخ بأخر كلماته، كانت عروقه نافره من شدة الغضب، نفسه يعلو ويهبط بشكل غير طبيعي، أما أمجد، فسمع حديث غيث بملامح باردة، خاليه من أي مشاعر، ولكن فور أنهاء حديث غيث دخل في نوبة من الضحك الهستيري! دقائق مَرت عليه وهو يضحك ثم توقف ونظر له بملامح غاضبه! صاح فيه بغضب وكُره: عايز سبب واحد! انت كمان بتسأل أيه سبب كُرهي ليك! طول عمرك أنت المُفضل عند كل الناس، كأن فريد بيه معندوش غيرك! مع… مع أنا كمان أبنه، أنا أبنه زيك على فكرة! كان بيكرهني، طول عمره بيكرهني، عمره ما حبني! تعرف، تعرف أن في كل مرة كان بيكافأك فيها على أي حاجة كان كُرهي ليك بيذيد يا غيث، هو…هو أنا ذنبي أيه أن أمي ماتت! هو أنا اللي موتها؟ عمرها خلص هي وبتولدني أنا أيه ذنبي؟ تعرف أن أبوك عمره ما خدني في حضنه! في عز ما كان نفسي أنه يطبطب عليا ويخدني في حضنه على قد ما كرهته، كل دَ بسببك أنت يا غيث، لو أنت مش موجود مكنش هيبقى في مشكلة من الأساس! كل دَ وبتسأل بكرهك ليه! تعرف… تعرف أني بكره فريد أبوك أكتر منك بمراحل.
اقترب من أذنه ثم واصل بفحيح: تعرف أن أنا اللي دبرتلك الحادثة يا غيث، أنا السبب في أنك تتشل.
جحظت عين الأخر، لم يصدق ما وقع على أذنيه! كانت علامات الصدمة تمتلك وجهه، لم يكترث له امجد فواصل بتشفي: أيوا متستغربش، هو دَ كان انسب حل، ضرب عصورفين بحجر واحد، أخلص منك، وأموت أبوك بحسرته، دماغ مش كده؟
ابتسم بخبث وواصل: بس طلعت زي القطط بسبع ترواح، مموتش، بس برضه العملية مباظتش، لأنك أتشليت، أتشليت وشوفتك مذلول يا غيث، قاعد على كرسي لا حول لك ولا قوة، ولكن ابوك…
صرخ بأخر كلماته وهو يضرب يده في الحائط بغيظ وواصل:أبوك متهدش برضه! ولا أنا ناري بردت، واقرب فرصة جاتلي استغلتها، تعرف؟ أنا السبب يا غيث في موت أبوك، أنا اللي خسرته فلوسه كلها بالقصد يا غيث، مكنش غباء مني زي ما أنت فاكر، ها أي رأيك في تفكيري؟ حلو مش كده؟
نهى حديثه وهو يسقف لحاله بحرارة شديدة، وكانه يهنئ حاله!
نظر له غيث بشمئزاز ثم قال: انت مريض يا امجد، مريض، بس تعرف؟ انا عرفت أنت بتكرهني ليه، وكلنا عارفين أن مليكة كلبة فلوس وحبت تنتقم للسنين اللي قضتها معايا وطلعت في الأخر بلا مولد ولا حمص!
نظر لمايا بخبث ثم واصل: لكن انتِ بقى يا حرم امجد بيه، بتعملي كل دَ ليه؟ بتساعديهم ليه يا مايا؟
تجمعت الأنظار إلى مايا، فرجعت خطوات للخلف وقالت بنبرة مهزوزه: أنت.. أنت قصدك ايه؟
ضحك غيث عاليًا ثم اقترب منها بكرسيه وقال: واضح أن جوزك المَسون ميعرفش أنتِ عايزة تنتقمي مني ليه يا مايا، أي دَ هو انت مفكرتش هي ليه بتعمل كل دَ؟ وليه بتساعدك؟ أصل اكيد هي متبلتش عليا أني عايز أغتص. بها كده من نفسها مثلًا!
وأكيد أنت برضه فاهم أن الحوار التعبان اللي هي حكيته دَ فيك ومش حقيقي، متهيألي أنت دماغك أكبر من كده، شكلك مش عارف صح؟ تؤ تؤ ميصحش، لازم نقوله برضه.
تعلقت انظارهم عليه فواصل: هو انت متعرفش يا امجد أن مراتك كانت بتحبني؟ لا لا عذرًا هي لسه بتحبني.
اقترب من امجد بكرسيه وواصل بخبث: اتجوزتَك يوم ما انا رفضتها، مش صح برضه يا يويو؟
نهى حديثه وهو يغمز لها ثم ضحك عاليًا، اما امجد فنظر لها غير مُصدق ما يُقال وسأل: هو أنتِ مش بتردي ليه؟ ما تنطقي؟
نهى حديثه وهو يصفعها بعنف، وضعت كف يدها على وجهها ثم نظرت له بشر، ثواني ثم صرخت في وجهه: هو مش كلنا بنلعب على المكشوف، وكله بيكشف ورقه؟ يبقى آه أنا كنت ومزالت بحبك ياغيث، بس أنت السبب في كل دَ يا غيث، أنت اللي فتحت على نفسك ابواب جهنم يوم ما رضفني، يوم ما قابلت مشاعري وحبي ليك على أنه لعب عيال! يوم ما جيت بقولك انا بحبك، بحبك وبحب التراب اللي بتمشي عليه وأنت بكل برود تقولي أنا مبحبكيش، أنا بحب مليكة! كسرت قلبي لمليون حته، كان لازم انتقم منك، كان لازم أنتقم لقلبي يا غيث.
نظر لها بسخرية ثم وجه حديثه لأمجد وقال: عارف أنا ليه رفضتها يا أمجد؟
ضحك بسخرية ثم واصل بتهكم: عشان عارف أن اخويا بيعشقك، رفضك عشان عارف أن اخويا بيحلم باليوم اللي هيجي يطلب ايدك فيه.
نظر لأمجد وواصل: عارف أنا لو وحش بجد كنت وافقت على عرضها، يوم ما قالتلي لو على اخوك أنا عرفه أنه بيحبني بس انا بحبك انت، يلا نتجوز ونهرب، هنهرب ومحدش هيعرف عننا حاجة، او على الأقل كنت جارتها، كنت جارتها وكسرت قلبك يوم ما روحت تتقدملها، اصلها جت واعترفتلي بحبها نفس اليوم اللي انت قررت تروح تتقدم لها، أنا لو وحش يا امجد كنت عملت مليون حاجة وحاجة، بس هقول لمين بقى، الكُره والحقد عموا قلبك.
نهى حديثه ثم نظر لجميعهم بستحقار ثم حرك كرسيه في اتجاه الباب وغادر، غادر وتركهم يشعلون غضبًا، فور خروج غيث نظر امجد لمايا ثم صفعها بكُل ذرة كُره وغل في قلبه وهو يصرخ: أنتِ طالق، مش عايز اشوف وشك تاني.
قال ما قاله ثم غادر المنزل، أما مليكة فانسحبت وسط ذلك الهرجلة في هدوء، أما مايا فجلست في ركنٍ بعيدًا وظلت تبكي وتتنحب.
*******************
على الجانب الأخر، كان غيث وصل لمنزله، استقبله مازن ويوسف الذين سألوا فور وصوله عن ما حدث، تنهد وقال: محصلش حاجة، خلاص ورقهم كله اتكشف.
ثم بدأ في قص كل شيء حدث معه، لم يصدقوا ما سمعوا، لم يتخيل أحد منهم أن يصل كُره أخ لأخيه لهذا الحد، والسبب مَن! السبب الرئيسي هو الأب! وتفرقة المُعاملة التي تحدث دون شعور، تنهد يوسف وقال بنبرة حنونه: يمكن ربنا عمل كل دَ عشان يبعد عنك كل الناس المُنافقه يا بني، ربنا بعتلك محنه عشان يختبر صبرك، وعوضك بحاجات كتير ونِعَم أكتر بكتير، احمد ربنا يا غيث.
ابتسم له بأمتنان وتمتم: الحمد لله.
دخل كل منهم لغرفته الخاصة وناموا جميعًا من التعب والإرهاق، فاليوم كان شيق على الجميع.
*******************
استيقظ غيث في صباح اليوم التي باكرًا، كان النشاط يمتلكه، تناول أفطاره ومعه كوب قهوته الفرنسي، جهز ثيابه ثم أرتداها وهندم حاله، فاليوم غير أي يوم، فاليوم قرر أن يعترف لريم عن حبه لها، كان يجلس امام المرآه وهيصفف خصلات شعره وهو يُصفر بستمتاع، دخل عليه مازن وبمزاح قال له: يا سيدي يا سيدي على الروقان والنشاط، صاحي بدري ومتشيك، على فين يا عريس؟
ضحك عاليًا ثم قال: عرفت منين أني عريس؟
اقترب منه وحرك الكرسي لكي يخرجه لردهة المنزل وقال: ايوا بقى الله يسهلك، خلاص احنا ننزل دلوقت وأنت تقولها وأنا أقول للمسكينة التانية.
تذمر غيث وهو ينظر للسُلم: طب أديني فرصة اعترض!
تجاهل حديثه واتصل بملك لكي يخبرها أنه في انتظرها في الكافتريا المجاوره لهم، وأن اليوم عطلة لهم من الشركة، وأنها تأتي ومعها ريم، ثواني وشاهد غيث يتصل هو الأخر بريم ويطلب منها ان تأتي، مَرت دقائق حتى أتوا الفتاتان، رحبوا بهم ثم ابتسم غيث وقال لريم: ريم تسماحيلي أتكلم معاكِ كلمتين كده؟
نظرت لهم بتعجب ثم وافقت وتحركوا الأثنين لمقعد أخر.
الصمت دام بينهم لدقائق حتى تكلمت ريم بملل: وبعدين فقرة الصمت دِ هتطول؟
تنحنح بحرج ثم قال: هو بصراحة أنا عايزة أقولك أني.. أني يعني عايز أتجوزك يا ريم، أنا عارف أن الوضع مختلف، وأني.. وأني يعني هكون عبيء عليكِ، لكن.. لكن صدقيني انا قلبي مدقش لحد من بعد الشيطانة اللي كانت في حياتي غير ليكِ أنتِ، من يوم ما ظهرتي فيها وأنتِ مالتيها بهجة وشقاوة، خليتي لحياتي طعم يا ريم، اوعدك بعمري أني هحافظ على قلبك، هكونلك بيت ووطن وأمان، هعمل كل اللي في وسعي عشان بس تكوني مبسوطة، ولو… ولو يعني ردك أنك رافضة عشان… عشان حالتي أنا هكون مقدر دَ، وأعتبري أي كل.
-بحبك على فكرة!
وهُنا صمت الكل وسَكن معهم الزمن، قلبه كان يرقص، لا يعلم ماذا يفعل في ذلك الموقف، كل ما فعله أنه ابتسم بتساع ثم هتف غير مُصدق: بجد!
خجلت الأخرى من حالها، لا تعلم كيف أعترفت له بذلك البساطة! تصبغت وجنتيها باللون الأحمر وصمتت، أما الأخر فصاح فارحًا: الفرح أخر الأسبوع مناسب؟
لم ترد عليه بل أكتفت أن تداري ضحكتها بكفة يدها.
وعلى الجانب الأخر، كان مازن يجلس أمام ملك، كانا الأثنين يضحكون بشده بسبب أرتطام كوب العصير أمامهم وتلطيخ قميص مازن، فصاح متذمرًا وهو ينظر لقميصه: بقولك أيه عشان أنا حاسس أن العلاقة دِ منحوسه أساسًا، الفرح الأسبوع الجاي أشطا؟
لم ترد عليه بل ضحكت أكثر، وهو ظل ينظر لها ويتأمل ضحكتها هذه، فقال وهو مسحور بروعة عينيها وهي تضحك وقال: تعرفي ان عينك بتحلو وأنتِ بتضحكِ.
توقفت عن الضحك ونظرت له ثم قالت وهي مبتسمة: أزاي بقى؟
سند بيديه على خده وقال بعد تنهيده حارة: يعني، عينك بتقفل وبتضيق قوي، وغمزتك بتظهر، وبتحلوي أكتر!
خجلت كثيرًا، لم تعلم ماذا تفعل في مثل هذا المواقف، فنظرت لغيث وريم وقالت بتلعثم: ما تنده عليهم بقى.
ضحك على خجلها وطريقة هروبها الساذجة وقال: حاضر هخليكِ تهربي المرة دِ، بس دَ بمزاجي على فكرة.
أنت يا عم غيث أنت أستحليت الحوار! ما تيجيوا يا عم.
كان يصيح بأخر كلماته، نظر له غيث بغيظ ولم يعطي له أهتمام، لكن أكملت ريم هدم ذلك لللحظة عندما قالت: آه يلا خلينا نروح لهم.
لم تعطي فرصة لكي يعترض، ففور أنتهاءها من حدثها قامت ومسكت مقبض الكرسي وحركته في أتجاه مازن وملك، نظر لها من أسفل وصاح بتذمر: طب اديني فرصة أعترض حتى!
-هو مش أنت قولت اللي عندك خلاص بقى.
نظر لها بشمئزاز ولم يرد عليها، وعند وصلهم لمازن وملك صاح مازن فارحًا: شباب أنا قررت أن فرحنا أنا وملك الأسبوع الجاي.
ابتسم غيث بأتساع وضرب مازن بكفيه وهو يقول: أي ضااا! وأحنا كمان.
ضحكا الفتاتات وصاحوا ضاحكين: الله يعني هنتجوز في نفس اليوم وأتنين صحاب كمان زي ما كنا بنحلم! أنا مش مصدق يا عبصمد!
تعالت الضحكات أكثر بينهم، ظلوا يتسامرون على جميع الأشياء الذي سوف تحدث الأيام القادمة، وترتيبات الزفاف، وأنتهى اليوم على عزومة الفتيات على الغداء في اليوم التالي لكي يعرفوهم على يوسف، وافقوا بعد فترة قليله، فَهُم قلقوا من مجيئهم لمنزلهم! لكن نظراتهم الصادقة طمئنتهم، أنتهى اليوم وذهب كل منهم لمنزله والسعادة تتخللهم، وعِند وصل الشباب استقبالهم يوسف بسيل من الأسئلة التقريرية عن ما حدث، جلسوا الأثنين وقصوا عليه كل شيء، وبلغوا أن الفتاتان سيأتوا غدا على الغداء، ووصا الشباب يوسف أن يطهي لهم أشهى المأكولات، وأنتهى اليوم بشجار طفيف بين ثلاثتهم كالعادة.
*******************
أما في مكان أخر، بعيدًا كل البُعد عن كل ذلك الأجواء السعيدة، كانت النيران تشتعل داخل منزل مليكة! النيران أشتعلت منذ دقائق، وهي هُناك تقف مثل الذي قرصتها حيه، لا تعلم ماذا تفعل، كل ما تفعله هو أنها تصرخ، كانت تصرخ وتستنجد بمن حولها.
-الحقوني، امي جوه، امي وبنت خالتي جوه، حد يطفي النااار، حد يطلب المطافي، امي جوهه يا خلق.
نهت حدثها وهي تركض نحو المنزل، لكن مَن حولها منعوها من الاقتراب، أما هي فدخلت في نوية من الصراخ الهستيري.
-وحدي الله يا بنتي، وحدي الله.
-امي جوه، امي جوه يا خلق سبوني.
ربتت سيدة على كتفيها وهي تقول: وحدي الله يا بنتي، اقرألهم الفاتحة.
-هو ايه اللي حصل؟
-بيقولوا النار مسكت في القطن اللي كان في الشقة لوحده! وثواني النار مسكت في البيت كله!
-يحول الله يارب، ربنا يصبر البت.
هكذا كانوا سيدات الحي يتسامرون بعد إطفاء الحريق، دقائق اخرى وجاءت الأسعاف، دخلت وخرجت معها جسدين مُتفحمين تمامًا، أقتربت منهم مليكة ثم صرخت بعدم تصديق: أمي! لااااا، لاااا قوموا، سيبني لمين؟ قوموا بقولكم، آهههه، يارب، يارب خدني معاهم يارب.
*******************
عودة مرة أخرى لأبطالنا.
في صباح اليوم التالي، كانا ثلاثتهم يرهلوا هُنا وهناك في الشقة، فالكل يجهز لمجيء الفتيات، يوسف يحضر لهم الطعام، ومازن وغيث يساعدوا في ترتيب المنزل، أنتهوا أخيرًا ودخل الجميع لكي يجهز حاله، ساعات مَرت عليهم ولم يشعروا بالوقت غير وصوت الجرس يصدح في المنزل، أستقبلهم يوسف على الباب ببتسامة ودوده وهو يقول: أهلًا بالقمرات.
ابتسما الأثنين، فبادرت ريم بالرد: أهلًا بيك يا عمو.
-أزي حضرتك يا عمو؟
-زي الفل يا حبايبي.
أتفضلوا أدخلوا.
خرج الشباب ورحبوا بالفتيات، ثم تناولوا جميعًا الطعام، كان الكل يجلس أمام التلفاز يضحكون سويًا، ولكن أوقف يوسف تلك الضحكات عندما كتم صوت التلفاز، أجتمعت الأنظار عليه بتعجب، فنظر لم ببتسامة وقال: عايز أقولكم حاجة مهمة أوي يا حبايبي.
بدل ريم نظراتها لملك ثم قالت: أتفضل يا عمو.
ابستم بود وقال: أنا عارف أن أنتوا ملكوش حد هنا، وعارف ظروفكم، أنا عايزكم من اللحظة دِ تعتبروني في مئام بابا بالظبط، أعتبروني كبيركم، أي حاجة تحتاجوها أطلبوها مني، زي بالظبط لو حصل أي حاجة تزعلكم من العيال دِ تيجوا وتبلغوني وتسيبوني أنا أتظرف، أوعوا تفتكروا أنكم ملكوش حد، أو عشان هما ولادي وفي يوم زعلوكم محدش هيجبلكم حقكم، لأ أنتوا من أنهاردة زيكم زيهم، ويمكن أنتوا اغلى شوية كمان.
كان الجميع ينظر له بمشاعر مُشتته، فَهو حقًا أب رائع، فَهو أب وسند لمن يحتاجة حقًا، ربت غيث على ساقية وهو ينظر له بأمتنان، فذلك الرجل له فضائل كثيرة عليه، وأهمها شعور الأبوه الذي يبثه بداخله دائمًا، أما مازن فكان ينظر له بفخر، فحقًا هو يستحق أن في كل صلاة يشكر الله على مثل ذلك الرجل أبًا له، دائمًا يفتخر بهِ، دائمًا يَفوق توقعاته بأعماله الذي ليس لها مثيل، فَمن كان يُصدق أن أب يفتح بابه لرجل غريب ويأوي في بيته، ويعطي حُب مثل أبنه تمام! أما ملك فعينيها خانتها، مسحت دموعها سريعًا وقالت بنبرة مُمتنه: شكرًا ليك بجد، حقيقي ربنا يخيك لينا، ويحفظك لمازن.
ابتسم لهم ثم نهض غاب لدقائق ثم عاد ومعه كروت دعوات كثيرة، فتح أثنين وقال بفرحة: أي رأيكم؟ من يوم ما العيال دِ قالتلي أنهم خلاض هيتجوزا روحت أطبع الدعوات دِ.
مسكتها ريم بفرحة ثم صاحت: الله دِ حلوة أووي، بص كده يا غيث.
اكد غيث على حديثها وقال: حصل، شكلها قمر.
نظر ليوسف بمشاكسة وقال: لحقت تعملها أمتى دِ يا كبير بس.
أضاف مازن: دَ چو طلع بيعرف يعمل مفاجأت اهو، لا لا، بس تطورنا أوي يا چو.
ضحك يوسف وقال: يكش يطمر فيكم بس.
مسكت ملك دعوة وقالت: حلوين أوي، بصوا أنا هاخد شوية أوزعهم على زمايلنا في الشركة.
-وأنت يا غيث خد كام وحده ووديها لقرايبك، أنت لازم تعرف أخوك.
هكذا قالت ريم، نظر لهم غيث بتردد وقال: تفتكروا ليها لازمه؟
نظر له مازن وقال: على الأقل تكون عملت اللي عليك.
نظر ليوسف فأكد على حديث مازن، فستسلم في نهاية الأمر.
*******************
أنتهى اليوم بفرحة الجميع، أما في مكان أخر، فاليوم أنتهى بخبر عكر صفو ذهنهم، أرسال غيث دعوة زفافه على بيت أخيه أمجد، هو لم يعلم أن أمجد ترك المنزل منذ أيام، مُنذ أيام وهو شارد في الشوارع، يهرتل بكلمات كثيرة وأهمها أن هو مَن فاز! بعد كل هذا هو أيضًا مَن فاز! من الواضح أن عقله لم يبقى كما هو! فهيئة ملابسة المُهرتله وذقنه الذي نَمت بشكل ملحوظ، وكلماته التي أصبحت غير مفهومة، كل ذلك الأشياء تقول أنه فقد عقله! ولكن مَن أستقبل الدعوة كانت مايا التي مزالت تمكث في نفس المنزل، أخذت الدعوة بدماء تغلي، لم تستطيع أن تسيطر على حالها فبدأت في تكسير كل شيء حولها، دمرت كل شيء حولها، لم يعُد شيء کما هو، سقطت في ركن بعيد وظلت تتنفس بعنف، كانت عينيها حمراء مثل كُرات الدماء، شفاتيها تصبغوا باللون الأزرق، ولم يبقى على لسانها غير جملة واحدة.
-مش هتفرح يا غيث، هدمرك زي ما دمرتني.
*******************
دعنا من كل هذا يا عزيزي، فذلك الأسبوع مَر عليهم سريعًا، كان كل منهم يجهز أشياء الزفاف، والشبان أخيرًا أنتهوا من تجهيز منزلهم، فالأثنين قرروا أن يشتروا شقتين في نفس عمارة يوسف، لكي يكونواا جميعهم بجوار بعضهم.
واليوم هو اليوم الموعود، اليوم هو حفل زفاف الشباب، الكُل يغمؤه الفرحة والسعادة، الفتاتان منذ الصباح الباكر وهم في مركز التجميل، أما الشباب فذهبوا لقاعة الزفاف لكي يتمموا على كل شيء، أنتهوا من كل شيء ثم ذهبوا إلى صالون الحلاقة.
*******************
أما في مكان أخر، بعيدًا كل البُعد عن ذلك الأجواء، كانت تقف هذه الفتاة، كانت تنظر لذلك الرجل الذي آتي من بعيد، كان رجل عريض المنكبين ذو وجه طويل وعيون بارزة بعض الشيء وشعر مُجعد، أقترب منها وصافحها، خرجت له الهاتف على صورة لشخصًا ما ثم قالت: التنفيذ أنهاردة.
ابتسم لها ومد يده لكي يأخذ ذلك النقود التي خرجتها من حقيبتها للتو وقال: عُلم يا هانم.
*******************
عودة مرة أخرى حيث الشباب، ها هي اللحظة الحاسمه، وتدق الساعة 7 مساءً، دخل الشباب لكي يستلم كل منهم نصفه الأخر.
كانا الأثنين يعطوهم ظهرهم مثل ما يحدث على السوشيال ميديا، فالعروس تعطي لعريسها ظهرها وهو يتفاجأ بمظهرها، لكن مازن هدم كل تلك الأمنيات عندما صاح فيهم بتذمر عندما طال انتظاره: ما تخلصوا تلفوا ما أحنا كده كده عرفين خلقتكم إلااه!
لفت له ملك بتذمر ثم صاحت فيه غاضبه: يبني أدم بوظت المشهد، أنت أيه حمار!
أقترب منها ثم قال بمشاكسه:يعني هو أنا لسه جاي أتعرف عليكِ، ما أنا عارف القمر يعني، أيه يواد الحلاوة دِ؟
نهى حديثه وهو يغمز لها بوقاحة، ضربته في صدره بخجل ثم مسكت فستانها ومشت قدامه، ضحك عليها ثم لحقها ومسك يدها.
أما عند غيث، فنظر لظهرها وقال: بصي أنا مش هفصلك زي مازن، بس المشهد دَ بيكمل لما العريس يشيل عروسته ويلف بيها وأنا للأسف مش هعرف!
لفت له سريعًا وأقتربت منه في لهفه، مالت عليه وقالت بحب صادق: أنا آسفه مكنتش أقصد، أنت.. أنت أحسن حاجة حصلتلي ف حياتي يا غيث، يمكن ربنا بيعوضني بيك عن كل الأيام السودة اللي شوفتها، أنا… أنا بحبك.
ابتسم لها بأمتنان وعشق، وضع كف يده على وجهها برِقه ثم قال: دَ وجودك في حياتي هو اللي أكبر نعمة.
مسحت عينيها برفق لكي تمنع هبوط دموعها ثم مسكت مقبض الكرسي وبدأت في تحريكه وهي تقول: يعني لحظة رومانسية قلبتها نكد! يسلام عليا وعلى جمالي حقيقي.
ضحك الأثنين ولم يعقبوا على شيء، ثواني وكانا وصلا جميعهم لقاعة الزفاف، كان الكُل يرقص، وفور دخولهم للقاعة اتجه ملك ومازن للأستيدچ لكي يرقصوا، وأيضًا لم تفوت ريم ذلك الفرصة، فأخذت كرسي غيث ووقفوا معًا على الأستيدچ، كانت هي ترقص أمامه وهو يحرك كرسيه بيديه كأنه يرقص معها، كانت الفرحة تغمُر روحها بشدة، فكانت تضحك وترقص بخفة فراشة، نظرت له بعشق ثم صاحت بصوتها لكي يسمع صراخها: بحبك يا غيث، بحبك أوووي.
ابتسم لها بعشق هو الأخر، فلم يتخيل في يوم أن سيأتي اليوم الذي يعوضه الله عن كل شيء سيء حدث له في حياته، ولكن مهلًا، فلم تستمر ذلك السعادة طويلًا! ثواني وأنقلب كل شيء رأسًا على عقب، الموسيقى توقفت، وصوت الصراخ كان يضوي في المكان! وذلك المسكينة واقعة هُناك غارقة في دمائها! كانت ذلك الرصاصة من نصيب ريم…
وقعت أمامه غارقة في دمائها والأبتسامة مزالت على شفتيها، وقع أمامها غيث من على كرسيه غير مستوعب ما حدث! أخذها في أحضانه، كاد أن يزرعها داخل صدره، صرخ بجنون: لااا، لااا قومي، اسعاااف، حد يطلب أسعاف.
ابتسمت له بشحوب، رفعت كف يدها ولمست بهِ وجهه بعشق، ثم همست: متنسانيش، أنا بحبك يا غيث.
صراخ، صراخ فقط هو الذي يسيطر على ذلك الأجواء، هرولت ملك سريعًا، أنتشلت صديقتها من أحضان غيث، غير مصدقه ما يحدث! صرخت وهي تنظر لصديقتها الملقيه على الأرض وهي جثة هامدة! نظرت لها بغير تصديق ثم صرخت بجنون: أي دَ… أي دَ أنتِ مالك؟ في أيه يا ريم؟ ريم…. ريم قومي بلاش هزار، ريم أحنا على العهد، اوعي.. أوعي تنسي!
تسرسبت الدموع لخديها كالشلال، لم تهتم لها، مسحتها بعنف ثم صرخت وهي تهزها بعنف: يا ريم قومي يا ريم، أنا.. أنا مليش غيرك! أنتِ كل حاجة في حياتي، أنتِ أمي يا ريم! ليه هتسبيني، قومي بقولك قوومي، أنتِ عهديني أننا هنفضل مع بعض، ليه عايزة تسبيني دلوقت؟ ليه بعد ما الدنيا بدأت تضحك لينا عايزة تسبيني!
ضحكت بين دموعها وواصلت: طب مش احنا كان نفسنا نتجوز أتنين صحاب؟ اهو هنتجوز، قومي… قومي عشان نعمل الحاجات اللي كنا مخططين ليها، قومي.. قومي عشان ننكد عليهم زي ما اتفقنا، يا ريمم قومي يا ريم..
صرخت بأخر كلماتها ثم فقدت الوعي، جاء مازن وحملها بهدوء واختفى بها، أما غيث، فكان يجلس بجوارها غير مبالي بما يحدث حوله من الأساس، نظر لها غير مُصدق، مد يده وغمض لها عيونها ويكاد قلبه يتمزق، اخذها في احضانه من جديد، كان يريد أن يدخلها داخل صدره، صرخ بآلم: ليه يا ريم؟ ليه سبتيني؟ ليه هتخليني اكره حياتي تاني بعد ما حبتها بيكِ.
نظر للسماء والدموع تمليء وجهه وصرخ: ليه يارب؟ ليه كل ما حياتي تتعدل تيجي حاجة تشقلبها؟ ليه مش مكتوب ليا افرح زي باقي البشر؟ ليه أنا؟ ليه أنا اللي بيحصل فيا كل دَ يارب؟ ليه دايمًا لازم اعيش في حزن؟ ليه البنت الوحيدة اللي مَليت حياتي خدها مني؟ ليه أنا بيحصلي كل دَ ليه…..
وهكذا تنسدل الستار السوداء على أبطالنا.
*******************
بعد مرور عدة أيام، واخيرًا خرجت ملك من المشفى، خرجت بعد تعافيها من الانهيار العصبي الذي دام معها لمدة 3 أيام متواصله، أما غيث؛ فَمنذ الحادث وهو فاقد النطق! يرفض الحديث، ويرفض معه الحياة بأكملها، فالآن هو يجلس في غرفته مُنهزم تمامًا، ينهش اليأس والحزن قلبه وعقله معًا.
بعد عدة تركات على الباب دخل مازن، جلس أمام غيث وقال له بثبات: أنا عايزك تيجي معايا مشوار.
لم يعطي أي أهتمام، فقط أشاح بوجهه بعيدًا، نهض وحرك كرسي في اتجه الباب وهو يقول: مشوار مهم ولازم تروحه، مش باخد رأيك أنا بعرفك.
أخذه وأتجه للشارع، دقائق وكانوا أمام قسم شرطة! كانت نظرات غيث متعجبه، لم يفهم شيء، وغير قادر على السؤال حتى! فَهو كان يعجز عن الحركة والأن يعجز عن الحركة والتعبير أيضًا! ابتلع تلك الغصة التي امتلكت قلبه، نظر لذلك الباب المغلق ثم نظر لمازن في تساؤل، تجاهل مازن ذلك النظرة وفتح الباب، استقبله رجل ذو هيبة يرتدي سترة من اللون الرمادي، يُدعى مراد الألفي-وكيل النيابة- صفحه بود ثم تركه وخرج من الغرفة مع ابتسامة منه لطيفة، ثواني معدودة ثم دخلت عليهم مايا! كانت تلبس عباءة بيضاء وفي يدها مقبدين من حديد! لم يفهم شيء، نظر لها ثم نظر لمازن، كاد أن يُجن، لم يفهم شيء، وغير قادر على الصراخ لكي يسأل ماذا يحدث حوله! أحساس العجز سيطر عليه، بدأ أن يُثير ويغضب، نهض مازن في هدوء وربت على كتفه لكي يُهدئ، نظر لها بشمئزاز وكُره ثم صاح: الهانم هي اللي دبرت حادثة موت ريم، كانت… كانت متفقه مع واحد عشان يقتلها، وفعلًا نجحت في دَ، من يوم اللي حصل وأنا مش ساكت، قلبت الفندق باللي فيه لحد ما جبت أصل كاميرات المراقبة، الهانم بعد ما عملت اللي عملته مسحت سجل اليوم، لما عرفت أن في سجل ممسوح مسكتش، وجبت حد يعمل هكر على السيستم وجابلي السجل اللي اتمسح، والكاميرا كانت لقطت كل حاجة، وهي دلوقت قدامك أهى، مشرفة في التخشيبة لحد ما يتحكم عليها.
قال ما قاله ثم تركه وغادر الغرفة، أما هو فعيناه خانته، لم يستطيع أن يكبت دموعه أكثر من ذلك، حررها وتحرر معها صوته، صرخ فيها بقلب رجل قُهِر قلبه: ليه؟؟ عملتلك أيه عشان تموتيها! أنا.. أنا عملتلك أيه؟ ليه مصممه تدمري حياتي، أنتِ أيه شيطانة!
ضحكت! ضحكت بصوته كله، ظلت تضحك حتى سكتت وصرخت في وجهه!
-عشان حبتها، ماتت عشان حبتها، ليه أنت تعيش حياتك وأنا لأ؟ ليه تحبها هي وأنا لا؟ ليه بعد كل اللي حصل تعيش مبسوط وتروح تتجوز وأنا اعيش في تعاسه، وجوزي يتجنن! كان لازم ادمرلك حياتك، كان لازم ادمرلك حياتك زي ما دمرتلي حياتي يا غيث.
نظر لها نظرات كاره ساخرة، سقف لها ببطئ ثم قال: وفعلًا عرفتي تدمريها برافوو.
حرك كرسي وأتجه للباب، لكنه قبل ان يصل للباب وقف بجانبها ثم همس لها بفحيح: خلي بالك، لو ربنا مفتكركيش هنا، يبقى هيفتكرك على أيدي، سلام.
نهى حديثه ثم تركها، لا يعلم يفرح أن حق حبيبته سيأتي أم يحزن لأنه عُلم مَن فعل ذلك، كان مازن ينتظره في الخارج ولكنه طلب منه أن يمشي ويتركه لحاله، لم يعطي فرصة لكي يستوعب أنه نطق أخيرًا وتركه وحرك كرسيه بعيدًا، بعد قطع مسافة ليس بقليله وصل لكافتريا صغيرة، دخل فيها وطلب فنجان قهوة فرنسي، ومعه أخذ تلك الرواية التي كانت تُزين أحدى الرفوف، وغرق بين كلمات تلك الرواية، فَكانت الرواية المُحببه لريم، وها هي حانت اللحظة لكي يقرأها ومحبوبته مُفارقة الحياة.
*******************
“بعد مرور خمس أعوام”
كانت ملك تجري هُنا وهناك، فاليوم يومًا خاص، اليوم هي عزمت صديقتها على العشاء، وتريد أن كل شيء يجهز على أكمل وجه، كانت ترهل نحو غرفتة غيث وهي تصيح غاضبه: أخلص يا غيث بقى، كل دَ بتلبس!
ربط رابطة العنق هذه بعتراض ثم صاح بتذمر: يا ستي جاي، مش فاهم أنا مالي ومال العزايم دِ!
-غيث يا غيث.
كان ذلك صوت الصغيرة ريم بنت ملك ومازن، فذلك الفتاة ذو الثلاث أعوام، كانت تمسك في يدها كيس الحلوى وتركض نحو غيث، فور رؤيتها ابتسم وهو يميل لكي يحملها ويقول: قلب غيث يا ناس، عامله ايه؟
-أنا عايزة حاجة حلوة يا غيث.
قبلّها وضحك ثم قال: ما في أيدك اهو.
أشاحت بيدها بتذمر وهي تقول: لا يا عم عايزة غيرها.
وضعت ما متبقي من الحلوي في فمها دفعه واحده ثم واصلت وفمها ممتلئ: دِ خلصت أهووو.
قهقه عاليًا عليها ثم تحرك نحو ردهة المنزل وهو يحملها ويقول مشاكسًا أياها: يبنتي هتفطسي مننا مش كده!
بعد وقت، وأخيرًا أنتهت ملك من تجهيز كل شيء، واخيرًا أيضًا وصلت صديقتها عائشة، رحبت بها وعرفتها على الجميع، بعد تناول العشاء مسكت ملك يد مازن ثم قالت بربكة: طب هروح أعمل الشاي بقى ماشي.
نظر لها غيث بشك ثم نظر لمازن وقال: وأنتِ وخده مازن ليه؟
-هيعملوا معايا ملكش دعوة.
قالتها بحدة وهي تنظر له ثم نظرت لصديقتها، ضحك مازن ثم قال مشاكسًا: هعمل الشاي وأجي بسرعة،متقلقش.
لم يفهم شيء، تجاهلهم ثم مسك الهاتف لكي يتصفحه، لكن قبل ان يمسكه سحبته منه عائشة وهي تقول ببتسامة سمِجه: ما أحنا قاعدين مع بعض برضه، ميصحش نمسك تليفونات!
تعجب منها فقال: لا والله!
ابتسمت ببرود وقالت: وأنت بقى بتحب قرائة الروايات؟
-بقيت بحبها.
-من امتى؟
-من يوم ما هي سبتني ومشيت.
وضعت يدها علر خديها وسألت: هي مين؟
-حببتي.
-ينفع تحكيلي الحكاية؟
-بس حكايتي طويلة، وكلها كئابة وحزن.
ابتسمت ابتسامة صافية ثم قالت: يمكن في الأخر تتلون بألوان فاتحة، ألوان مُشرقة ومُفرحة، مين عارف؟
-ميتهيأليش.
-بس أنا متأكدة أن ربنا رحمته واسعه، وأنه قادر أنه يفرحنا، وأن بعد كل ضيق وابتلاء في فرج كبير، وفي سعادة أكبر بكتير.
-تفتكري؟
-لا، أنا متأكدة.
-طب أسمعي يا ستي، كان في مرة شاب هو اللي شايل كل شغل بباه، وفاجأة وبدون أي مقدمات الشاب دَ بقى مشلول لا حول له ولا قوة…..
#تمت

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لماذا انا)