روايات

رواية براثن اليزيد الفصل السادس 6 بقلم ندا حسن

رواية براثن اليزيد الفصل السادس 6 بقلم ندا حسن

رواية براثن اليزيد البارت السادس

رواية براثن اليزيد الجزء السادس

براثن اليزيد
براثن اليزيد

رواية براثن اليزيد الحلقة السادسة

“رؤية الخيوط الحمراء وسط زُرقة البحر
تجعل قلبهُ يقفز قفزًا حزينًا وكأنه
يلقي نفسه بين قدميه موتًا”

رؤيتها هكذا تجعله ضعيف أمام نفسه وربما أمام الجميع، وجهها الملائكي لا يستحق إرهاقه بكثرة البكاء، قلبها الرقيق لا يستحق أن يحمل كم الحزن هذا، هو يعلم أنه منذ أن ولج حياتها وقد انقلبت رأسًا على عقب ولكن هو الآن يشعر بالاختلاف ناحيتها، يشعر وكأن حديثه مع “ليل” في السابق سيصبح حقيقة..

نظر بحزن إلى درجات السلم الذي صعدت عليه وهي تحمل بكائها معها وعاد نظرته إلى المطبخ الذي كانت خارجه منه بهذه الحالة المزرية، عزم أمره على التقدم ناحيته ليعلم ما الذي حدث وجعلها في هذه الحالة..

وقفت “يسرى” أمام والدتها تهتف بغضب وحدة قد توصلت إليهم بسبب لا مبالاتها وقسوتها على تلك الفتاة:

-حرام عليكي يا ماما بقى البنت والدتها ميته وأنتِ قاعدة تعايريها هو يعني كان بايدها، حرام عليكي اعتبريها زيي

صاحت والدتها بحدة هي الأخرى غير مبالية بكلماتها في حق “مروة” والوقوف بجانبها وقد كان الحقد والانتقام يعمي عينيها:

-اخرسي يا بت أنتِ، بت عيلة طوبار عمرها ما تبقى زيك دول عار ودي واحدة منهم هتتحاسب على كل اللي عملوه

كادت أن ترد عليها ابنتها مرة أخرى ولكن دخول “يزيد” أعاق كلماتها من الخروج وقد رُسم على وجهه كل علامات الاستفهام..

وقف أمامهم واضعًا يديه في جيوب بنطاله أسود اللون، ونظر إلى “يسرى” التي استمع حديثها مع والدته لينظر إليها باستغراب وتساءل بهدوء قائلًا:

-ايه اللي سمعته ده؟ ايه اللي حصل مع مروة؟

سريعًا أجابته “إيمان” بنظرة لعوب ونبرة تحمل الجدية في ذات الوقت لتدافع عن والدة زوجها وتجعل من ارتكب الجريمة بأكملها هي “مروة”:

-ولا حاجه يا يزيد الموضوع كله أننا طلبنا من مراتك أنها تيجي تساعد معانا في المطبخ علشان ضيوفك معجبهاش الحال ولما مرات عمي فهمتها أنها لازم تشتغل فكرت أنها كده بتهزقها وقامت معيطة وماشيه قال يعني بتهرب من الشغل

نظرت إليها “يسرى” بذهول فقد كانت تكذب بكل صدق! تجعلك تشعر وكأن حديثها ليس بعده حديث، نظرت إلى والدتها وجدتها تبتسم بهدوء مستفز، إنهم حقًا لا يشعرون بكونهم بشر، “مروة” فتاة طيبة لا تستحق هذا..

استفاقت على صوت يزيد الذي وجدته ينظر إليها وقد علمت أنه لا يصدقها، قال بهدوء كما هو معتاد في حديثه:

-بس مروة من يوم ما جت وأنا بشوفها معاكم في المطبخ

تحدثت سريعًا بصدق وجدية هي الأخرى مُجيبة على كلماته وقد وجدت أن “مروة” لا تستحق منهم هذا فإذا صدق “يزيد” حديثهم ربما يحدث بينهم مشكلة وبالكاد هم يتحدثون:

-لا يا يزيد محصلش مروة كانت شغاله معانا عادي وماما هي اللي هزقتها بدون سبب وعايرتها بأمها الميته

لو كانت نظرات البشر تحرق لوقعت في حريق وسط نار مشتعلة من نظرة والدتها إليها، نظرت إليها بقسوة شديدة ربما لو استطاعت دفنها حية لفعلتها، ولكن “يسرى” لم تبالي بها فقد اشفقت على حال “مروة” وما يحدث معها..

اعتلت شفتي “يزيد” ابتسامة باردة، وكأنه لا يبالي بما قالته شقيقته، يظهر عليه هذا بوضوح ولكن ما قاله بجدية وحدة شديدة لوالدته و “إيمان” خالف جميع نظراته وتعابيره الذي تظهر بوضوح:

-مش معنى إن في بينا اتفاق يبقى انتوا تعملوا اللي انتوا عايزينه لأ أنا وافقت آه بس أنا اللي هكمله ولوحدي، غير إن دي مراتي واللي يمسها يمسني وأظن الكل عارف زعلي عامل إزاي

تريث قليلًا ثم أكمل حديثه موجهة إلى والدته:

-بلاش… بلاش اللي بتعمليه كلنا عارفين أنها ملهاش ذنب في حاجه اعتبريها زي يسرى

ومن ثم استدار وخرج من المطبخ بدون أن يتحدث أو يضيف حرفٍ آخر فقد كان يعلم ما تريد أن تفعله والدته، هي بداخلها نيران تشتعل بسبب ما حدث في الماضي، يعلم أن قلبها فُتر صغيرًا، ولكن لما نحمل الغير ذنب ليس له علاقة به، “مروة” بريئة، فتاة نقية ولكن حظها العثر هو من جعلها من عائلة “طوبار” لتقع مع عائلته ومع براثنه الذي لا تهدأ، لقد وقعت مع “براثن اليزيد”.

___________________

لم تكن تظن أنه سيفعل هذا لأجلها، لم تتخيل قط!. خيب ظنها به للمرة الثانية، هي اعتادت على بروده، عجرفته، قساوته المسيطرة على ملامحه، لم تكن تتخيل أن يقف بجانبها هكذا وبهذه الطريقة، لقد أنقذها في المرة الأولى عندما نادته بعينيها وها هي المرة الثانية يقف إلى جوارها أمام الجميع..

سردت لها “يسرى” ما حدث بالحرف لتجعلها سعيدة بحديثه مع والدته ولكن لم يسيطر عليها سوى الاندهاش من فعلته تلك، تتساءل لما فعلها؟ وقد أتى إليها يطمئن قلبها من ناحية الجميع!، يبث الأمان داخل روحها بوجوده ببعض الكلمات، يحاول مداواة جرحها من حديث والدته الفظ، لم تكن تظن أنه سيفعل كل ذلك لأجلها.. لم تكن تظن أيضًا أنه سيذهب إليها بعدما حدث لـ يطيب خاطرها

“قبل ذلك الوقت”

ولج إلى غرفته يبحث عنها، لم يجدها بغرفة الصالون ولا حتى بغرفة النوم، ربما بالمرحاض؟ ولكن أيضًا لم تكن به، وقف في منتصف الغرفة واضعًا يده خلف رأسه وهو يدور بعينيه في كل إتجاه، يفكر أين ذهبت وقد رأها تصعد للأعلى، كاد أن يخرج من الغرفة ليبحث عنها ولكن قد استدعى انتباهه صوت شهقات مكتومة، وبكاء خافت..

وقع قلبه بين قدميه وهي ليست أمامه إذًا أين هي؟ توجه خلف الصوت الذي تتبعه ليعلم أين هي متواجدة وقد أخذته قدميه إلى شرفة غرفة نومهم، وجدها تجلس خلف باب الشرفة على الأرضية الرخامية تعطي ظهرها إليه منحنية على نفسها في جلستها وهي تضم إلى صدرها صورة والدتها إليها وتبكي بشدة محاولة كتم صوت بكائها بيدها..

قلبه بات منكسرًا من رؤية ملاكه هكذا، تملكه الضعف مرة أخرى وباتت ملامحه حزينة للغاية، يشعر وكأن قلبه ينقسم نصفين بسببها، بسبب دموعها ومظهرها هذا

ذهب ليقف إلى جوارها ومن ثم جلس على عقبيه لينظر إليها بهدوء وحنان هذه المرة، بينما هي رفعت نظرها إليه لترى نظرة داعمة منه، رفعت كف يدها لتزيل دموعها ولكنه كان الأسرع لـ يمد يده إلى وجهها يزيل دموع عينيها برقة من أعلى وجنييها، شددت هي بيدها على الصورة التي بين يديها في محاولة منها لمدارة الرعشة التي اعترتها وقد شعر هو برجفتها ليبتسم بهدوء..

جلس أمامها واعتدل في جلسته ليواجهها، أخذ نفسٍ عميقٍ ثم أخرجه مرة أخرى، نظر إليها بهدوء والحنان يفيض من عينيه لا تدري كيف! ثم تحدث بهمس:

-ممكن متعيطيش كده تاني.. مبحبش أشوفك كده

اعترتها الصدمة من حديثه الغير متوقع! هل هذا هو “يزيد الراجحي” الذي كان يلقي أي حديث حتى وإن لم يكن يعرف معناه، مؤكد استمعت إليه خطأ هو ليس بهذه الرقة..

استمعت إليه يكمل باقي حديثه بعدما تنحنح وقال بجدية هذه المرة:

-أنا عارف أن أمي ضايقتك، أنا آسف بالنيابة عنها.. بس هي ست كبيرة وده طبعها هي كده دايمًا.. أنا اتكلمت معاها ومش هضايقك تاني

تحدثت هذه المرة ولم تصمت، ستتحدث من الآن وصاعدًا يكفي ما مر ولم تجني منه شيء غير الحزن والقهر، قالت له بصوت ضعيف من كثرة البكاء:

-لأ هي مش كده.. هي معايا أنا بس كده مع إيمان كويسه وزي الفل أنا بس اللي كده، أنا من يوم ما جيت هنا ومعترضتش على أي حاجة هي عايزاها بس هي بتتعمد تعمل كده والله

نكس رأسه بحزن هو يعلم أن حديثها صحيح والدته تتعمد أن تفعل ما يزعجها، رفع وجهه إليها مرةٍ أخرى ينظر إلى عينيها التي تحمل خيوط حمراء مع لونها ثم تحدث بجدية قائلًا:

-خلاص يا مروة أنا اتكلمت معاها وهي مش هتعملك حاجه تاني.. ولو عملت أنا هتصرف المهم أنا مش عايز أشوفك كده تاني، ماشي؟

نظرت إليه باستغراب شديد لا تعلم ما هذا التحول الذي طرأ عليه، دعمها بعينيه لتجيبه بالموافقة وهي تفكر في هذا التغير الشديد الذي ربما يصحبها معه..

__________________

ضعف غريب يعتريه عندما يراها تبكي، وكأن صدره ينطبق على قلبه ليسحقه، أو كأن خنجر قدر ضربه بالمنتصف، لا يعلم ولكن لا يريد رؤيتها هكذا أبدًا، هو إلى الآن لا يدري كيف ستسير حياته معها، لم يضع مخطط إلى الآن، كيف ستكون زوجته وبينهم حيلة، كيف سيحدث وهو لا ينام بسبب ما يقوله إليه ضميره، إنه معذب بسببها، بسبب عائلته، حتى لا يدري كيفية التفكير بشكل صحيح، إنه يأتي من هنا إلى هناك وبدون فائدة، ماذا لو كانت الملاك الخاص به وحدة، الملاك الذي رآه في وسط الحقول الخضراء ومن ثم تقدم لخطبتها والزواج منها! ألم يكن أسهل من كل ذلك؟..

منذ يوم الزفاف وهو يتحدث معها كما الغربيون عن بعضهم، ربما الصمت هو المسيطر بينهم، منذ ذلك اليوم وقد علم ما فعلته والدته بمساعدة “إيمان”، هو لم يكن يدري أنها ستفعل ذلك ولكنه أيضًا عاتبها وبشدة، جعلها تشعر بما فعلته ولكن والدته كما هي وربما تسوء أكتر..

يعلم أن زوجته ليس لها يد بكل ما حدث في الماضي أو حتى الحاضر ولكن قد وقع الإختيار عليها لتكن هي الضحية بينهم، قد عزم أمره من البداية على جلب حق الجميع ولو على نهايته ولكن هي! هي تستحوذ على تفكيره ببراءة وطيبةٍ لم يراها قد، تستغيذ به في أوقات حاجتها وكأنها تتناسى حديثها معه عن أن حياتها دُمرت بسببه، لا يعلم هل هي عفوية للغاية أم مثله تفكر وتفكر وتفكر به كما يفعل..

نظر إلى السماء الذي يحتل مظهرها الغروب، وضع يد في جيب بنطاله والأخرى على فمه ممسكًا بها سيجارة مشتعلة يدخنها، ومن ثم فكر مرة أخرى وهو يحاول ترتيب أفكاره هذه المرة ليتوصل إلى شيء كان يريده من أول لقاء بينهم، لم يريد غير ذلك وقد ألقاه عليه صوت قلبه الذي يريد قربها أكثر من أي شيء آخر، ليقرر بالنهاية أنه سيأخذ هدنة ليرى ما الذي سيحدث بينهم..

______________________

كان الجميع في منزل عائلة “طوبار” يجلسون على طاولة الطعام، “نصر طوبار” وابنته، أخيه وزوجته وابنه، كل منهم يأكل بصمت وهدوء وهو شارد فيما يخصه إلى أن تحدث “نصر” بجدية بعد أن رفع وجهه مقابلًا لأخيه:

-عايزين نروح لمروة بإذن الله علشان أسافر أنا وميار

تحدث أخيه بجدية هو الآخر مجيبًا إياه وهو يترك الملعقة على طاولة الطعام:

-ما تخليكم هنا بقى يا نصر هتروحوا هناك لمين

أجابته “ميار” بابتسامة مصتنعه وهي تنظر إليه بهدوء:

-لأ معلش يا عمي إحنا حياتنا هناك والصيدلية بتاعتي بردو

تنفس بعمق ثم أجابهم بهدوء:

-طيب زي ما تحبوا نبقى نروح نطمن على مروة بكرة في بيت الراجحي

استمع إلى تلك الكلمات التي هبطت على مسامعه كـ القنابل المتفجرة، تذكر ابن “الراجحي” فور نطق والده لاسم العائلة تلك، هو لا يبغض بحياته غيرهم، ولما لا فقد دمروا سعادته وسعادة حبيبته التي من المفترض أن تكن له هو وحده، سلبوا منه حب حياته في لحظةٍ واحدة ليبقى مُشتت هكذا تأكله النيران من الداخل لمجرد التذكر..

ألقى الملعقة بعصبية ثم دفع المقعد من خلفه ووقف ليذهب إلى خارج المنزل منفعل بشدة وقد علم الجميع ما يمر به، نكس والده رأسه بحزن عليه بينما وقفت “ميار” سريعًا وخرجت خلفه..

ذهبت خلفه تناديه إلى أن وقف بجنينة المنزل الكبيرة يوليها ظهره، وقفت هي خلفه، أخذت نفسٍ عميقٍ ثم أخرجته وتحدثت بهدوء مصتنع قائلة:

-قمت كده ليه؟

وضع يديه بجيب بنطاله وزفر بضيق شديد يحتل كل خلايا جسده وهتف بضيق قائلًا:

-عايز اشم هوا نضيف

ابتسمت بسخرية جلية ثم جذبته من ذراع يده الأيمن ليستدير إليها ويكن في مقابلتها، وضعت يدها أمام صدرها وتحدثت بحزم وجدية وهي تعلم ما الذي يمر به ويجعلها تحزن لحظها العثر أيضًا:

-لأ أنتَ قمت علشان اضايقت لما جت سيرة مروة وعيلة الراجحي صح؟ أكيد صح

تغيرت ملامح وجهه من الضيق إلى الغضب، فقد كان في قمة غضبه وهو لم يفعل شيء لها، لم يوقفهم، لم يدافع عنها ولم يستطيع فعل شيء، الغضب بداخله من نفسه ومن الجميع..

تريثت “ميار” ثم عادت الحديث مرة أخرى بجدية شديدة حتى يفهم ما الذي يحدث من حوله:

-تامر..! مروة خلاص اتجوزت، خلاص بح مفيش مروة هنا، أرجوك أبعد عنها وانساها ومتعملهاش مشاكل كفاية اللي هي فيه أرجوك

ابتسم بسخرية بعدما استمع لحديثها هي تظن أنه يؤذيها!؟ غبية هذه “الفتاة”، تحدث بهدوء وابتسامة تزين ثغره:

-أنا أقدر أؤذي مروة؟ أنتِ عارفه أنتِ بتقولي ايه؟ ده طبعًا مستحيل إني أعمله… هو خلاص زي ما قولتي ربنا يسعدها في حياتها

ابتسمت إليه بـ ائتمان وقد صدقت حديثه وهناك آمل طفيف داخلها كي يشعر هو بمن حوله، استدارت وعادت إلى الداخل مرة أخرى بينما تركته هو يقف مُبتسم على تلك الساذجة التي صدقته على الفور، إلى الآن لم يستطيع أحد أن يعلم ما فعله، لم يستطيعوا أن يجدوا صاحب الرقم الغير مسجل، ومن غيره فقد كان دهائه هو الذي جعله يفعل ذلك..

وقف شاردًا يتذكر ذلك اليوم الذي كانت حرقة قلبه تكاد تقتله فيه، عندما أخذها “يزيد” ليأتي بفستان زفاف لها، قد وجدها الفرصة المناسبة لتنفيذ خطته التي لم تنجح بنظره فقد كان في وقت سابق ابتاع خطٍ غير مسجل حتى لا يعلم أحد إلى من هو وقد سجل رقم الخط على هاتف “مروة” بإسم “حبيبي” وهي لم تلحظ ذلك ففي وقتها تحجج بأنه يريد رؤية شيء في إعدادات هاتفها وقد فعلها ومن ثم عندما ذهبت مع “يزيد” قام بإرسال رسائل كثيرة لتزعجها وتزعجه وحتى يلاحظ أن هناك شيء غير طبيعي بينهم ولم يكن يعلم أن “يزيد” هو من رأها أولًا فقد اعتقد أنه لم يرى شيئًا..

عاد من شروده وهو يفكر مرة أخرى، عليه أن يفعل شيئًا ليفعل ما يحلو له..

__________________

لقد عبرت الساعة بعد منتصف الليل بقليل ولم يعد إلى الآن، لقد ودع أصدقائه منذ ساعات إذًا أين هو؟ لم تستطع النوم فقد كانت تتململ كل ثانية والنوم قد ذهب من عينيها لتبقى هكذا، ذهبت إلى شاشة التلفاز وجلست أمامها، حاولت أن تركز بما يُعرض أمامها ولكن دون جدوى عقلها يذهب إلى ذلك الشخص الذي لم يأتي إلى الآن..

وقفت على قدميها فجأة ونظرت إلى ملابسها المكونة من بنطال بيتي لونه أسود يعلوه قميصٍ من نفس اللون وبه بعض النقاط باللون الأبيض، توجهت إلى دولاب الملابس وفتحت دلفتها لتأخذ وشاح كبير من اللون الأخضر كما لون عينيها الآن..

لفت الوشاح حول كتفيها فقد كان الجو بارد قليلًا، خرجت من الغرفة بهدوء وهبطت الدرج بحذر حتى لا تصادف أحد من الذين تبغضهم في ذلك المنزل، إلى أن خرجت حيث الحديقة الكبيرة، أخذت تسير بها وهي واضعة يدها أمام صدرها، ربما يساعدها هذا الهدوء في التفكير بحياتها!..

إذًا لتفكر.. ولكن قد استمعت إلى صوت يأتي من بعيد نسبيًا، ذهبت على حذر إلى مكان الصوت وهي تفكر ربما أن يكون “يزيد”، سارت بحذر إلى هناك ولم ترى أحدًا، حاولت أن تبحث بعينيها ولكن لم يكن هناك أحد حقًا، استدارت لتعود مرة أخرى ولكن خرجت منها صرخة مدوية قد يكون استمع إليها كل من في المنزل ولكن وضع “يزيد” يده سريعًا على فمها ساحبًا إياها من الخلف لتستند بظهرها على صدره..

تحدث في أذنها بخفوت وهو يضع يده على فمها مانعًا إياها من الصراخ:

-اهدي مفيش حاجه تخوف، ده ليل

كان جسدها بأكمله يرتجف من هول المظهر الذي رأته، فقد استدارت لتعود مرة أخرى ولكن قد رأت كائن أسود اللون، لا ليس بأسود أنه حالك السواد، قاتم بشدة وقد اخافها بل كانت مذعورة منه، جسدها يرتجف بسبب الصدمة التي تعرضت إليها..

تحدث “يزيد” مرة أخرى بعد أن أخفض يده عن فمها وجعلها تستدير إليه ليواجهها قائلًا بابتسامة تعتلي شفتيه:

-أنتِ جبانه أوي كده؟ ده ليل حصاني خايفه من ايه

نظرت إلى ابتسامته التي لا تعلم من أين أتت، لتتحدث بخفوت وهي تقترب منه عندما وجدت أن الحصان يقترب منها:

-أنا… أنا بس اتخضيت مكنتش متوقعة ألاقي حاجه في وشي كده، وبعدين ده شكله يخوف أوي

لاحظ اقترابها منه بسبب تقدم “ليل”، أمسك كف يدها بين يديه وسار ناحيته وهو يقول بهدوء:

-لأ متقوليش كده.. ليل مش بيخوف حد هو بس ممكن علشان أنتِ أول مرة تشوفيه

تمتمت من بين شفتيها بسخرية وهي تراه يتقدم منه:

-وأخر مرة إن شاء الله

استمعت إلى ضحكاته التي شقت سكون الليل، يا له من مظهر رائع، أنه يحمل وسامة لم تراها من قبل، هو لماذا لا يضحك هكذا دومًا، إن ضحكته تداوي جروح، ابتسم إليها بمكر ونظرة لعوب ثم تحدث قائلًا:

-وأخر مرة ليه؟ مش يمكن تحبيه بعد ما تجربي.. تعالى أعرفك عليه

حاولت سحب يدها منه معارضه حديثه بشدة ثم قالت بصوت غير مفهوم وكلمات غير مترابطة:

-لأ.. لأ، بص.. يزيد أصل.. أنا لأ مش هعرف، مش بتاعة خيول أنا.. أصل بص بس هقولك استنى

وقف ينظر إليها محاولًا حجب تلك الضحكات التي يريد أن يترك صراحها لـ تدوي في أرجاء المكان، فقد كان مظهرها هذا محبب إلى قلبه بالإضافة إلى حركاتها وتلك الكلمات التي لم تستطيع إخراجها جعله يريد الضحك بشدة..

أخذت نفسٍ عميقٍ ثم نظرت إليه بخجل وإلى يدها الذي مازالت بين يده، رفعت نظرها إلى عينيه ذات اللون الزيتوني لتقول بخفوت:

-أنا عمري ما ركبت خيل ومش بعرف أتصرف في المواقف دي وأنا أصلًا مش عايزه أروح عنده ده شكله يخوف أوي

اقترب منها إلى حدٍ كبير ومازالت يدها بين يده، رفع كف يده الآخر إلى وجنتها ليمرره عليها بحنان بالغ، ومن ثم تحدث بخفوت وعينيه تمرر نظراتها على شفتيها وملامح وجهها بأكمله لتستقر على عينيها ذات اللون الأخضر، تحدث بخفوت وصوت أجش:

-أنا معاكي هنول الشرف وأكون أول واحد تركبي معاه الخيل وهعلمك إزاي تتصرفي في المواقف دي

هل هو قال ما استمعت إليه منذ لحظات أم أنها تتخيل فقط؟ أنه تغزل بها حقًا، لقد قال كلمات بسيطة ولكن أثرها دائم عليها، أحمرت وجنتيها بشدة، لقد خجلت أكثر من السابق

استكمل حديثه قائلًا بهدوء وابتسامة:

-وكمان ليل مش بيخوف هو بس شكله مُهيب تحسيه شايل قساوه وممكن يؤذيكي لكن هو مش كده أبدًا

خرجت منها كلماتها بعفوية وصدق دون دراية منها بعد أن استكمل حديثه:

-يعني زيك

ابتسم باتساع وهو يدير وجهه للناحية الأخرى فهي إذًا تراه هكذا!.. عاد بنظرة إلى عينيها ومن ثم تحدث بهدوء وصوت أجش يبعث القشعريرة داخل أنحاء جسدها:

-هو أنتِ لون عينيكي ايه؟ شويه أشوفها لون البحر وشويه تكون لون الزيتون وشويه لون الخضرة

نكست رأسها للأسفل تبتسم بخفوت وخجل ثم رفعت رأسها تنظر إليه وتحدثت قائلة بهمس يكاد أن يُسمع:

-ودلوقتي لونها أي

-لونها أخضر، زي خضرة الأرض بالظبط بتخلي الواحد يتوه جواها

سعدت كثيرًا بحديثه ومصارحته هذه فقد كانت تحتاج إلى ذلك وبشدة، تريد شيئًا يخرجها من قوقعة أفكارها، ابتسمت إليه وقالت بهدوء خجل:

-على فكرة أنتَ كمان عيونك كده.. شوية زرقا وشوية خضرا

نظر إلى شفتيها التي تتحدث بخفوت، تجذبه إليها بملامحها وجمالها الرقيق، اقترب أكثر منها حتى قطع جميع المسافات بينهم وأصبح ملتصقًا بها، يده تذهب ناحية شفتيها يمررها عليها ببطء، تحدث بخفوت أمام وجهها متسائلًا:

-ولونها ايه دلوقتي؟

نظرت إلى الأرض من تحت قدمها، وجهها سينفجر من الخجل وما يفعله، ولكنها سعيدة بقربه وحديثه، سعيدة بتواجده جوارها، تحدثت قائلة وهي تنظر إلى الأرض:

-لونها أزرق

سألها مرة أخرى وهو على وضعه قائلًا:

-طب تفتكري ليه بيتغير لونها؟

أجابته دون أن تأخذ وقت للتفكير قائلة بهدوء شديد وابتسامة تزين شفتيها وهي تنظر إلى الأسفل كما كانت:

-ممكن علشان أنتَ لابس تيشرت أزرق أحيانًا لون العيون بيتغير مع اللبس وكمان أنا لابسه الشال أخضر ولونهم أخضر زي أنتَ ما قولت

صمتت لبرهة ووجدته لم يتحدث بعد، رفعت وجهها لتنظر إليه وقد رأت بعينيه رغبة شديدة، تظهر كـ وضوح الشمس في النهار، لم يُمهلها الفرصة للتحدث مرة أخرى فقد كان قد أخذ شفتيها في قبلة رقيقة تحمل بين طياتها الحب والحنان، الحب الخفي بين قلبين واحدًا منه يُكابر والآخر لم يعلم بعد أن هناك حبٍ وشغف يعتريه..

يتبع…

اترك رد