روايات

رواية هدية القدر الفصل الأول 1 بقلم شمس محمد

رواية هدية القدر الفصل الأول 1 بقلم شمس محمد

رواية هدية القدر البارت الأول

رواية هدية القدر الجزء الأول

رواية هدية القدر
رواية هدية القدر

رواية هدية القدر الحلقة الأولى

“دي نوفيلا صغيرة كنت كتبتها من فترة و قررت أنزلها يمكن تعجب حضراتكم لحد ما أخلص فترة الامتحانات إن شاء الله و ارجع للروايات اللي وعدت حضراتكم بيها و أتمنى تعجبكم، هينزل منها اول فصل النهاردة و الباقي هحاول اخليه النهاردة أو بكرة بالكتير إن شاء الله”
****************
“هدية القدر”
“الفصل الأول”
****************
_”لعل القدر يُرسل لك ما تزهده أنتَ و يرغبك هو، فينقلب السحر على الساحر، لترغبه أنتَ و يتركك هو”
***************
“اعمل حسابك يا عـز يا بني قبل العيد الكبير تكون اتصرفت في شقة علشان فرحك على جومانا التطويل دا كدا غلط”
تفوه “أنور” بذلك الحديث أمام خطيب ابنته الوحيدة بنبرةٍ غليظة و بها لهجة آمرة، جعلت الأخر يزدرد لُعابه بتوترٍ ثم قال بتشوشٍ:
“ازاي بس يا عمي ؟! إحنا متفقين إنها هتخلص السنة الجاية في الجامعة و أنا مقدم على الشقة في الاسكان و الحمد لله جت في العبور، و هبدأ أدفع الأقساط بتاعتها و في خلال سنة هستلمها”
رد عليه”أنور” برفضٍ قاطع:
“بص من غير كلام كتير إذا كنت عاوزها فعلًا اتصرف و خدها، إن شاء الله حتى تأجر شقة مفروش و تتجوزوا فيها”
رفع “عز” حاجبيه للأعلى بغير تصديق، هل يمكن أن يطلب أب مثل ذاك الطلب ؟ كيف له أن يتحدث عن ابنته بتلك الطريقة ؟ لذا حاول استجماع بعضًا من شجاعته و هو يقول:
“اعذرني يا عمي هو إيه اللي جد في الموضوع علشان يخلي حضرتك تعمل كدا ؟! مش كان فيه اتفاق بيننا ؟!”
زفر “أنور” بحدة ثم شبك كفيه ببعضهما و هو يقول بثباتٍ دون أن يُرمش له جِفن:
“فيه أني هتجوز على العيد الكبير إن شاء الله، و العروسة رافضة إن يكون فيه حد في الشقة، و أظن دا حقها، لو مش هتقدر تتجوز، فيه عريس كان متقدم ليها قبلك و جاهز و شاري ولسه عاوزها، ها قولت إيه ؟!”
صُعق “عز” مما وصل لسمعه ناهيك عن تلك القبضة التي اعتصرت قلبه، لذا تحدث بنبرةٍ ضائعة:
“طب و لو معرفتش أجهز نفسي و الأمور اتأزمت معايا ؟! هعمل إيه يعني ؟! و هي هتعمل إيه؟”
رد عليه بمنتهى البرود و القسوة:
“والله اللي عندي قولته، فيه غيرك جاهز من مجاميعه، حتى شنطة هدومها مش لزماه، و هي تشوف مكان تاني تقعد فيه”
تحدث “عز” بجمود و قد وصل لذروة الغضب من ذلك الفظ:
“أنا مش مصدق إن فيه كدا !! دي بنتك مش بيعة و شروة، بتتكلم عنها كأنها كرسي انتريه ياخده اللي يدفع أكتر !!”
رد عليه “أنور” بلامبالاةٍ:
“البت مسيرها للجواز و لبيتها، و أنا بقولك أهو حاول علشان قبل العيد تكون معاك، يا كدا يا تروح لحالك و تروح لحالها هي كمان”
أغمض “عز” عيناه يحاول التحكم في نفسه، فبالطبع ذلك القاسي متحجر القلب لم يفهم أن تلك هي ابنته الوحيدة، و على ذكرها انتبه إلى عدم تواجدها، فنطق منفعلًا بغير قصد:
“جومانا فين طيب ؟!”
وقف “أنور” يقول بلامبالاةٍ:
“جوة هنديهالك”
تحرك من أمامه تاركًا الأخر ينظر في أثره بدهشةٍ لا يصدق أن كل ذلك تعاني هي منه دومًا، لطالما كانت صامتة تتوقف عن الحديث معه بل تعامله معاملةً فاترة و في بعض الأحيان تمتنع عن مكالمته من الأساس.
***********
_”عز التوفيقي” شابٌ في العام السابع والعشرون من عمره، يعمل في إحدى شركات الاتصالات، طويل القامة و جسده متناسق بشكلٍ طبيعي لم يكن مبالغًا به، ملامحه هادئة تميل للاسمرار قليلًا، خصلاته سوداء و عينيه باللون البني الداكن أقرب إلى السواد، شابٌ ذو خُلق مع الجميع، عُرف بحسن خلقه
لديه شقيقة من والديه و يعيش معهم في نفس الشقة من أسرة ميسورة الحال، ألقاه القدر صدفةً بخطيبته “جومانا” تلك الفتاة التي تعرف عليها عن طريق شقيقته و حينما تقدم لخطبتها منذ ما يقرب العام وجد الترحيب من عائلتها، دون أن تظهر عليها الفرحة، لكنه فسر أن ذلك بسبب خجلها و عدم معرفتها المسبقة له، لكنه دائمًا يحاول كسب ثقتها و رضاها لكن دومًا هناك ما يحول بينهما ليصد ارتواء ظمأ تلك العلاقة المتعطشة.
“جومانا أنور” فتاةً في الواحد و العشرون من عمرها في عامها الدراسي الأخير كلية “خدمة إجتماعية” لديها أخٌ كبير من والديها لم يهتم لأمورها كثيرًا خاصةً بعد انفضال والديها عن بعضهما و رحيل والدتها من البيت و بعد انقضاء شهور عدتها بثلاثة أيام تزوجت من رجلًا أخر لديه فتاتين و تركت حياتها القديمة دون أن تسأل عن أحوال تلك التي تعيش أسوأ أيام عمرها منذ ذلك اليوم خاصةً بسبب معاملة والدها الغليظة لها.
فتاة جسدها مثل غيرها من الفتيات متناسق و طولها متوسط، ملامحها هادئة ببشرةٍ بيضاء و وجهٍ مستدير و عينيها باللون العسلي يخالطه خيوطٌ من اللون البُني، و وجنتيها دومًا يحاوطهما الاحمرار، فتاة بريئة لم تقترف ذنبًا في حياتها سوى أنها ولدت في تلك الأسرة،
تعرفت على خطيبها عن طريق شقيقته حينما اضطرت لمساعدتها في جامعتها و بدأت بينهما الصداقة صدفةً قرر “عز” أن يستغلها لتكون أكثر من مجرد صدفة عابرة لغريب وطأت قدماه بالخطأ، لتكون وطنًا يأوي الشريد.
خرجت “جومانا” من الداخل تفرك كفيها معًا بتوترٍ يصاحبها في كل مرة يجتمعان فيها سويًا تحاول هي جاهدة تقبل وجوده في حياتها و يحاول هو جاهدًا كسب قلبها و ثقتها، حينما لاح خيالها رفع رأسه نحوها بسرعةٍ كبرى يود أن يركض إليها و يؤازرها في محنتها لكنه دومًا يفضل التعقل في التعامل.
أما هي فلم تحتاج للكثير من الوقت حتى تعلم بماذا تحدث معه والدها، لأنها على علم مسبق بذلك حينما باشرها والدها في ذلك الموضوع، كان يظهر عليها أثر البكاء و الحزن خاصةً أن عينيها حاوطهما السواد و غلفهما الاحمرار و ظهر عليهما التورم.
جلست مقابلةً له على استحياءٍ لم تقو على رفع رأسها و خاصةً أنها تحاول كتم دموعها عن الانفجار، بينما هو تنحنح يُجلي حنجرته ثم سألها بنبرةٍ هادئة:
“ازيك يا جومانا، عاملة إيه ؟!”
حركت رأسها دون أن تتحدث فقال هو يمازحها بنبرةٍ هادئة يحاول الحد من التوتر المخيم عليهما:
“طب ارفعي راسك و ردي عليا، مش معقول قربنا على سنة اهو و أنتِ لسه كل مرة تعملي كدا، أمشي طيب ؟!”
تنفست بعمقٍ ثم رفعت رأسها تطالعه بعينين دامعتين و هي تقول بصوتٍ ظهر به الاختناق:
“ازيك يا عز، معلش أنا بس متوترة شوية و في امتحانات و مضغوطة”
حرك رأسه بتفهمٍ ثم قال:
“يا ستي ربنا يوفقك و تخلصي على خير إن شاء الله، أنا عارف فترة الامتحانات دي بتكون صعبة، علشان كدا جايبلك حاجة حلوة تتسلي فيها و أنتِ بتذاكري”
رفعت كفها تمسح عينيها حينما شعرت بوخز الدموع، بينما هو لاحظ ذلك فاقترب يجلس على المقعد المجاور لها و قال بنبرةٍ هادئة:
“مالك يا جومانا ؟! قوليلي و نتصرف سوا، ساكتة ليه طيب؟”
ردت عليه بصوتٍ مختنقٍ:
“هرد أقولك إيه طيب ؟! فيه إيه في حالتي يتقال يا عز ؟! الحاجة الوحيدة اللي هقولهالك أني جهزت حاجتك جوة علشان تاخدها و معاهم دِبلتك، ربنا يعوض عليك ببنت الحلال يا رب”
ارتد للخلف بدهشةٍ و هو يطالعها بغير تصديق فوجدها تتصنع الثبات و هي تقول:
“ربنا يعلم إنك ابن حلال و مشوفتش منك اي حاجة وحشة، بس صدقني أنا مش نفعاك، حرام عليا أورطك فيا”
سألها بنبرةٍ جامدة:
“لو هو دا كلامك يبقى ياريت تسكتي أحسن مش عاوز أسمعك، بعد كل دا ؟! أخرتها جهزتيلي حاجتي ؟! اللي بينا شوية حاجات يا جومانا ؟!”
تنفست بعمقٍ ثم قالت بصوتٍ مبحوح:
“أفهم بقى !! أنا عملت كل حاجة تخليك تمشي و أنتَ مش راضي، دلوقتي أنتَ بتتورط فيا، معاك مدة شهر ونص علشان تتجوزني، مدرك دا ؟! سيبني و متشغيلش بالك بيا، أنا كلمت واحدة صاحبتي جنبنا هنا و هروح اقعد في شقة أختها الفاضية و هأجرها منها، هي لقتلي شغل في محل جنبنا برضه”
أبتسم بتهكمٍ و قال بسخريةٍ:
“يا شيخة ؟! دا أنتِ مقررة بقى !! لازمتي إيه أنا في حياتك بقى يا جومانا ؟! خلاص خدتي القرار و خرجتيني من الليلة كلها و هاخد حاجتي و أمشي و كأن اللي بيننا شوية هدايا ؟!”
ردت عليه بنبرةٍ أقرب للصراخ:
“علشان أنا جيبت اخري و تعبت خلاص، تقدر تقولي المفروض أعمل إيه ؟! كلمتها أقولها أني همشي من هنا تقولي بنات جوزي ميعرفوكيش و خايفة مياخدوش عليكِ، و أخويا قالي مش فايقلك و بجهز شقتي علشان خطيبته ضاغطة عليه، و أبويا زي ما أنتَ شايف بيرميني للي جاهز و يشيل البهيمة اللي عنده، اللي مني كلهم مش باقيين عليا، أنتَ يا غريب هتبقى ؟!”
قالتها ببكاءٍ و قلب ملتاع من الحُرقة التي تأكله، بينما هو زفر بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة يحاول بها التوصل للحل:
“لو أنا بالنسبة ليكِ غريب تبقي غلطانة أوي في حقي، علشان أنا شايف فيكِ الحياة اللي جاية ليا كلها، يمكن يكون القدر جمعنا صدفة بس ساعات الصدف دي بتكون كافية أوي أنها تمهدلنا للحياة اللي داخلين عليها، أنا عارف إنك وافقتي عليا بالاجبار و عارف إنك ماكنتيش عاوزاني و عارف إن محاولاتي معاكِ طلعت كلها ملهاش لازمة، بس أنا مستاهلش فرصة منك ؟!”
ردت عليه هي بنفس البكاء الذي أدلى عن وجعها:
“أفهم بقى !! أنا اللي مستاهلش منك كل دا، أنتَ كتير عليا و على ظروفي دي، ذنبك إيه تتحمل كل دا، امشي يابن الناس و حاجتك جاهزة جوة ثواني و هتكون عندك”
قبل أن تتحرك أمسك يدها يمنعها من الحركة ثم قال بنبرةٍ جامدة و عينيه تنطق بشررٍ لأول مرّة تراه في نظراته:
“أنا صبري ليه حدود على فكرة، اقعدي و اسمعي الكلام اللي هقوله علشان أنا مش هكرر كلامي مرتين، الخطوبة هتكمل و أنا مش هسيبك حتى لو بالغصب، و أنسي حوار صاحبتك و الشغل دا علشان كلامك اهبل و أنا مش موافق عليه، ماشي ؟!”
نظرت له بذعرٍ ثم شخصت ببصرها نحو موضع كفه الذي يقبض على رسغها، فتركه هو بتوترٍ ثم قال بصوتٍ مهتز:
“أنا آسف بس أنتِ عصبتيني و خرجتيني عن شعوري، و أنا ليا طاقة محدودة ، اعذريني و اتمنىٰ إنك تحاولي تفكري بأي طريقة تانية غير موضوع اننا نسيب بعض دا”
فرت دمعة هاربة من عينينها تود الصراخ في الجميع و التمرد على تلك الحياة كونها ولدت ضحية زيجة فاشلة، كانت نتيجتها المعاناة النفسية لتلك البريئة، بينما هو أخرج المحارم الورقية من قميصه ثم تنهد بعمقٍ و مد يده لها و قال بنبرةٍ أهدأ:
“امسكي امسحي دموعك دي، و خليكِ عارفة إن دموعك غالية مش كله يستاهلها، إلا لو بتعيطي علشاني بقى”
قال جملته الأخيرة بمزاحٍ حعلها تبتسم رغمًا عنها و هي تأخذ منه المحارم بينما زفر هو بقوةٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة:
“عن أذنك أنا مضطر أمشي دلوقتي و هكلمك و ياريت تردي عليا و نتفاهم مع بعض، عاوزة حاجة ؟!”
حركت رأسها نفيًا و هي تراقب انسحابه من أمامها فيما رجع هو لها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
“آه الحاجة الحلوة دي فيها حاجات هتسيح يا تاكليها و تخصلي يا تجيبيها ليا اتسلى فيها و أنا مروح”
اتسعت عينيها بتعجبٍ من حديثه فيما ابتسم هو ثم قال بمرحٍ:
“بضحك معاكِ يا ستي، شكلك بخيلة خلاص مش عاوز حاجة و ربنا يعوض عليا بقى هجيب عصير و أنا مروح”
ضحكت هي للمرة الثانية له رغمًا عنها و عن ظروفها التي قتلت روحها المرحة، فيما قال هو بمشاكسىةٍ عند رؤيته لضحكتها:
“يا وعدي”
قال كلمته العابثة ثم تحرك من أمامها بهدوء بعدما شملها بنظرة حنونة وكأنه يطمئن عليها بذلك أو يطمئن نفسه أنها ستصبح له، بينما هي كانت تراقب انسحابه من أمامها بأعين دامعة و هي تريد حقًا تركه لكن ثمة شيء في ذلك الخاين الذي يقع بين جنبات صدرها يطلب منها التريث و التسمك به، لربما كما جمعهما القدر قد يكون من الممكن أن يغدو هو هدية القدر.
*****************
رحل “عـز” من شقة “أنور” بعقل متخبط حيث خانته الظروف و وضعته فيما لم يقوى هو على مجابهته، حيث كان يعمل بمنتهى الأريحية و قد ظن أن الظروف تهيأت له كما أراد و المسألة أصبحت فقط خلال عام و نصف و ستصبح زوجته، بينما هكذا ؟! فعلاقته بها مهددة بالهدم بعدما شرع في وضع حجر الأساس لتلك العلاقة، ثمة شيء في العقل يطلب منه تركها وفقًا لاستحالة إمكانياته الميسورة و ثمة قلبٌ خائن لأوامر ذلك العقل يطلب منه المحاربة لأجلها و النبش في جدران العالم و أرضه عن عزيمةٍ تجعله هو الفائز بها.
كان يسير على أقدامه نظرًا لتقارب المسافات بين بيته و بيتها و قلبه عندها هناك و عقله لازال معه يفكر و يحلل كافة الأشياء الموجودة في حياته لعل أيًا منهم قد يُصيبه في قراره.
وصل للبيت بكتفين متهدلين كما لو أنه المحارب المهزوم في حربٍ لم يعلم هو عن ميعاد إقامتها لكنها قامت على كل حال و أوشك هو على الخروج منها عزيلًا، وجد أسرته بالكامل مع بعضهم و شقيقته تقوم بعرض مشتريات جهازها على والديها الذي كان يضحك عليها و على ما جلبته هي حتى قال بسخريةٍ:
“هو دا الجهاز اللي فلست بسببه ؟! ملاحات و أطباق على شكل فراخ و سمك ؟! شاطرة يا بسمة”
ردت عليه بمرحٍ:
“والله يا حج و ماليك عليا حلفان أني طلع عيني لحد ما تحصلت على المنتجات دي، و هانت كلها ١٠ أيام اخلص امتحانات و اتخرج و الفرح على العيد الكبير، دي يدوبك الرفايع”
اقترب “عـز” منهم يلقى عليهم التحية بفتور و كأنه أُجبر على التحدث فـ ردوا عليه جميعًا بينما سأله “جلال” والده:
“حمدًا لله على السلامة، عروستك عاملة إيه ؟!”
حرك رأسه موافقًا ثم تنهد بعمقٍ و قال:
“كويسة الحمد لله بتسلم عليكم”
سألته والدته بتعجبٍ من حالته:
“و هو كل ما هتروح ليها هترجع من عندها عامل كدا إن شاء الله ؟! دا إيه الهم و الخيبة دي؟!”
سألها هو بنفاذ صبر:
“فيه إيه يا ماما ؟! ما أنا كويس اهوه قدامك، أنا اللي تعبان و مش نايم كويس”
لوت فمها بتهكمٍ ثم قالت:
“آه ما أنا عارفة، أنتَ مش بتشوف خطيب أختك بيجي هنا عامل إزاي و يمشي عامل ازاي ؟! إنما أنتَ حسرة عليك بقالك سنة أهو بتحاول معاها أنا عارف مصمم عليها ليه دي ؟!”
نظر لوالده و شقيقته فوجد التبرم باديًا على وجوههم لذا قال بنبرةٍ جامدة:
“ماما من فضلك !! البنت كويسة و مفيهاش أي حاجة و أنا راضي و مبسوط معاها، أنتِ اعتراضك على إيه أنا مش فاهم ؟!”
ردت عليه بحنقٍ و قد ازعجها حديثه:
“فيه إن من ساعة انفصال أبوها عن أمها و هي مش لازمانا يا عز، مش على هوايا، واحدة زي دي مش هتعرف تفتح بيت و تحافظ عليه”
انتفض هو من مجلسه ثم وقف يسألها بنبرة منفعلة:
“بتقولي إيه يا ماما ؟! دا نصيب و بتحصل كتير و ناس بنتفصل عن بعضها، و مش شرط كلامك دا يكون سبب في خراب البيوت التانية، أنتِ مش طايقاها ليه، مشوفناش منها حاجة وحشة و برضه مش طيقاها”
علمت هي أن الحديث بتلك الطريقة لن يُجدي معه نفعًا لذا وقفت أمامه تمسك يده و هي تقول بنبرةٍ أهدأ حاولت صبغها بالحنان:
“هدي نفسك بس يا عز، يا حبيبي أنا بخاف عليك أنتَ، فيه أب و أم في سنهم ينفصلوا من غير ما يراعوا بنتهم ؟ مفكروش حتى في منظرها قدامك ؟”
زفر هو بعمقٍ ثم رفع كفيه يمسح وجهه ثم قال بنبرةٍ هادئة:
“عن أذنك يا ماما مش قادر اتكلم و بكرة ورايا شغل الصبح، عن اذنكم”
انتفضت شقيقته تسأله بلهفةٍ:
“طب مش هتاكل يا عز ؟! دا أنا من ساعة ما جيت و أنا مستنياك”
رد عليها بفتورٍ:
“شكرًا، كلت بما فيه الكفاية النهاردة”
كان حديثه مبطنًا في مغزاه و هو يوجه حديثه لوالدته التي نظرت له بتعجبٍ بعدما دلف هو غرفته، فجلست هي بندمٍ حتى قال “جلال” يعاتبها بحديثه:
“ينفع كدا يا عزة ؟! كل مرة تنكدي عليه كدا ؟! مش مستوعبة ليه أنه عاوزها و أنه شاريها ؟! البت مشوفناش منها حاجة وحشة لكل دا”
زفرت هي بقوةٍ ثم صاحت في وجهه بانفعالٍ:
“خلاص يا جلال متقطمنيش بقى !! ماهو أنا شايلة همه هو، من يوم ما خطبها و هو زعلان و مشوفتهاش بلت ريقه حتى بكلمة حلوة، هو حر بقى لما بيته يتخرب ميرجعش يزعل”
شعر “جلال” بالحنق من طريقتها لذا وقف و هو يقول بنبرةٍ جامدة:
“أنا زهقت و جيبت أخري منك خلاص، ربنا يهديكِ لنفسك”
تركها و دلف الشرفة يجلس بها بينما هي ضمت كفيها معًا تضعها على بطنها بينما ابنتها وزعت نظارتها بينهما و كل ما يشغلها هو شقيقها.
في الداخل ارتمى “عـز” على الفراش بعدما بدل ثيابه و كل ما يشغل تفكيره هو حال خطيبته و ما تشعر به بسبب تلك الأوضاع، شرد أكثر في بسمتها و لاح أمامه ذكرى أول مقابلة جمعتهما سويًا.
(منذ عام و أكثر بقليل)
دلف “عـز” ذلك اليوم شقتهم يصيح بصوتٍ عالٍ:
“يا أم عـز !! بت يا بسمة ؟”
أنهى منادته ثم دلف غرفة الجلوس أو ما يطلق عليها باللغة الدراجة “غرفة المعيشة” فوجد فتاةً بها تجلس على استحياءٍ تضم ذراعيها أسفل صدرها و حينما تفاجئت به رفعت رأسها بحدة نحو مصدر الصوت فتقابلت نظراتهما سويًا الاستنكار من جهته و الخجل و القلق من جهتها حتى تنحنح يُجلي حنجرته ثم سألها بتعجبٍ:
“أنتِ مين ؟! و فين أختي و ماما”
بحثت عن صوتها الهارب لكنها لم تجده بينما هو حرك رأسه مستفسرًا ينتظر منها الجواب حتى أتت شقيقته من الخلف تمسك صينية معدنية صغيرة الحجم بها كوبين من العصير و حينما وجدت جسد أخيها حائلًا بين دلوفها و رؤية الاخرى صاحت بضجرٍ:
“وسع يا عم بقى !! العصير هيقع مني، وسع و أنتَ حيطة كدا”
التفت لشقيقته يطالعها ببلاهةٍ فيما قالت الأخرى بتعجبٍ:
“هتفضل مبلم كدا كتير ؟! وسع يا بني بقى”
تنحى شقيقها جانبًا بينما دلفت هي تضع ما في يدها على الطاولة الرخامية حتى تفاجئت بـ “جومانا” تقف و هي تقول بتلعثمٍ:
“طب عن أذنك يا بسمة، هجيلك…. مرة تانية إن شاء الله”
أمسكت يدها و هي تقول بلهفةٍ:
“اقعدي بس علشان افهمك الحاجة اللي واقعة منك دي، دا عز أخويا مش غريب يعني، زي أخوكِ اقعدي بس امتحانك بكرة و أنا أكبر منك بسنة و بقولك الدكتور دا مبيرحمش”
حركت رأسها موافقةً بقلة حيلة و هي تعلم قدر حاجتها لها، بينما شعر هو بمدى إحراجها لذا حمحم ثم قال بنبرةٍ هادئة يعتذر لها عما بدر منه:
“أنا متأسف بس معرفش إن حضرتك هنا و اتفاجئت بوجودك، بعتذر مرة تانية و ربنا يوفقك إن شاء الله، عن اذنكم”
تحرك من المكان و عينيه لازالت تتابعها خاصةً و هي منكسة رأسها للأسفل بينما هي زفرت بقوةٍ بعد رحيله ثم اعتذرت من شقيقته ان كانت تسببت لهما في أي حرجٍ
دلف هو غرفته يبتسم مثل الأبله و هو يرى سكونها و توترها بتلك الطريقة و خاصةً نظرتها المذعورة نحوه و كأنه جلاد آتى لتنفيذ حكمه عليها.
( عودة إلى الوقت الحالي)
تنفس بعمقٍ حينما عاد من رحلة ذكرياته و خاصةً حينما كثرت مقابلتهم سويًا في منزل والديه و حينما كانت تساعدها شقيقته في مذاكرتها و أمور دراستها حتى لاحظ هو انجذابه لها و اعجابه بها و بأخلاقها و خاصةً أنها كانت تتجنب أي حديثٍ معه و تتعمد التخفي من أمامه لذا قرر هو أن يتقدم لخطبتها من والديها و كان الحظ حليفه حينما وافقت عائلتها و شقيقها حتى هي وافقت بعد موافقة أفراد عائلتها.
أخرج هاتفه يطلب رقمها كعادته يتحدث معها ليلًا على الرغم إنها قليلة التحدث معه لكنها دومًا تبعث في نفسه راحة بمجرد استماعها له حتى بقليل الكلام.
أجابت على الهاتف عند مشارف انتهاء المكالمة فرد هو بسخريةٍ:
“يا شيخة ؟؟ دا كله و لسه فاكرة تردي عيب عليكِ”
ردت عليه هي بصوتٍ مختنقٍ لازال به أثر البكاء:
“معلش كنت سرحانة شوية و خدت وقت لحد ما سمعته”
رد عليها بتفهمٍ:
“أنا عارف، المهم أنتِ أخبارك إيه دلوقتي، أحسن شوية ؟؟”
ردت عليه بقلة حيلة:
“بحاول يا عز أبقى كويسة”
شعر هو بالشفقة نحوها لذا قال بنبرةٍ هادئة يحاول بثها الطمأنينة:
“ولازم تحاولي هما خلاص كلهم شافوا حياتهم و أنتِ مش هيهمك غير نفسك بعد كدا، ذاكري و افرحي بنجاحك و شوفي حياتك أنتِ يا جومانا، هما خلاص بيعيشوا لنفسهم”
حركت رأسها موافقةً و كأنه يراها ثم قالت بصوتٍ مختنقٍ:
“هحاول يا عز، هحاول والله رغم أنه صعب و الله”
قبل أن يرد عليها وصلها صوت طرقات جامدة على باب غرفتها لذا استأذنت منه و أغلقت الهاتف دون أن تنتظر جوابه، بينما هو تنهد بعمقٍ ثم تمدد بجسده على الفراش يشرد كعادته في تفاصيل يومه و خصوصًا الجزء الخاص بها.
**************
على الجهة الأخرى دلف “انور” والدها و هو يقول بنبرةٍ جامدة:
“أنا فاتحت خطيبك في الموضوع دا خلاص، لو هو عاوزك يتصرف علشان تتلموا في مكان واحد سوا، مش هقدر آجل الفرح بتاعي أكتر من كدا”
سألته بتهكمٍ:
“و هو هيبقى عليا إزاي بقى ؟! إذا كان أهلي نفسهم باعوني و محدش فيهم طايق وجودي”
رد عليها هو بلامبالاةٍ:
“سيبك من الشويتين دول، أنتِ مش صغيرة علشان يبقى دا شكلك، لو هو مش جاهز، محمد جاهز و هيخلص في اسبوع كمان”
سألته بفزعٍ من هول كلماته:
“طب و لو أنا مش عاوزاه و مش عاوزة اتجوز عز دلوقتي هروح فين ؟!”
حرك كتفيه ببساطةٍ و هو يقول:
“روحي عند أمك، مش جوزها برضه عنده بنات من سنك ؟! هي هتفرح لما تكلميها”
ابتسمت بسخريةٍ فيما حدجها هو بسخطٍ ثم تحرك من أمامها بينما هي أخرجت هاتفها تطلب رقم شقيقها الذي أجابها بمللٍ:
“خير يا جومانة ؟؟ نعم ؟!”
ردت عليه بنبرةٍ أقرب للبكاء:
“يا حسام أنتَ سايبني و مش سائل فيا ليه ؟! أبوك هيتجوز هو كمان و يعتبر بيطردني، و بيقول لـ عـز يتصرف، تعالى اتصرف علشان خاطري”
زفر هو بقوةٍ ثم قال بجمود:
“بقولك أيه أنا مش فايق للهبل دا أصلًا، و بعدين أنا مليش علاقة بيهم خلاص هما احرار شافوا حياتهم و أنا بشوف حياتي أنا كمان، خطيبتي مطلعة عيني و أنا يدوبك بجهز نفسي علشان الفرح قرب، الله يرضى عنك شوفي حالك”
نزلت دموعها رغمًا عنها لا تصدق أن من ظنت به النجاة كان هو مصدر الهلاك و تخلى عنها دون أن يكبد نفسه عناء مساعدتها ويمد يده لها و يعاونها، لم ترد عليه بينما هو أغلق الهاتف في وجهها يهرب منها و من عائلته بالكامل.
مسحت دموعها ثم طلبت رقم والدتها التي أجابت عليها بعد المرة الثانية تقريبًا فردت عليها “جومانا” بلهفةٍ:
“ازيك يا ماما عاملة إيه ؟!”
ردت عليها بفتورٍ:
“ازيك أنتِ يا حبيبتي عاملة إيه؟”
ردت عليها بصوتٍ منكسر:
“أنا مش كويسة خالص و تعبانة أوي و كل حياتي بايظة، بس أنتِ وحشتيني اوي”
ردت عليها والدتها بقليل من التعاطف:
“و أنتِ يا حبيبتي وحشتيني اوي إن شاء الله لو الظروف سمحت هشوفك، أنتِ عارفة جوزي مانع يكون ليا أي علاقة بحياتي القديمة”
علمت هي مغزى حديث والدتها المبطن لذا حركت رأسها موافقةً ثم قالت بفتورٍ:
“على العموم بابا هيتجوز خلاص و أنا بدور على مكان اقعد فيه لحد ما اخلص الجامعة و أشوف حل بعدها”
ردت عليها والدتها بتوترٍ:
“ها….آه ماشي يا حبيبتي ربنا يعينك و لو احتاجتي حاجة قوليلي”
ابتسمت بسخريةٍ ثم ردت عليها:
“آه ما أنا عارفة، عن أذنك”
أغلقت الهاتف مع والدتها ثم ارتمت على الوسادة تبكي بحرقة و قلب مزقه الوجع و أتعبه القدر فهل ستستطيع التحمل أكثر من ذلك ؟! أم أن هناك ما يخبئه لها القدر ؟!”
******************
طُرق باب غرفة “عـز” فسمح للطارق بالدخول حتى طلت شقيقته “بسمة” من الخارج و هي تقول بمرحٍ:
“عـز العـز صاحي ؟!”
ابتسم هو على ذلك اللقب فيما دلفت هي و ركضت بجواره و هي تقول بحماسٍ:
“وحشتني يا زيزو، البت جومانا هتاخدك مني من اولها كدا ؟! أخس عليك، مكانتش عشرة عمر اللي ما بينا دي”
رد عليها هو بقلة حيلة و لهجةٌ اودعت كامل حزنه:
“الدنيا هي اللي واخدة جومانا مني، مش عارف أعمل إيه بس خلاص أنا ليا طاقة برضه و بجيب أخرها، مش هكمل في علاقة بحارب فيها علشان تستمر”
عقدت “بسمة” ما بين حاجبيها فزفر هو بعمقٍ يهرب من نظراتها الموجهة نحوه و كأنها تحاول سبر أغواره من خلال تلك النظرات بينما في تلك اللحظة صدح صوت هاتفه برقمها فرد عليها فورًا دون انتظار و قبل أن يتحدث تفاجأ بها تقول بجمودٍ أجادت رسمه:
“بكرة بعد اذنك تيجي تاخد كل حاجتك و دبلتك معاها كمان، أنا هعفيك من أي حرج ممكن تتحط فيه بسببي…عن اذنك”
أغلقت الهاتف في وجهه قبل أن ينطق هو بكلمةٍ واحدة بينما أصيب هو بحالة ذهول نتج عنها جخوظ في العينين جعل شقيقته تسأله بلهفةٍ:
“مالك يا عز ؟! حصلك إيه ؟!”
أخبرها هو بحديث “جومانا” بتشوشٍ و ضياعٍ حتى غلف الاستنكار ملامحها و نبرة صوتها و هي تقول:
“طب و هي هتقولك حاجة زي دي ليه يا عز ؟! هو حصل حاجة؟”
حرك رأسه موافقًا ثم قرر الحديث مع شقيقته عن ما حدث في بيت “أنور” و عن حديثه عن تكملة تلك الزيجة حتى يتخلص من ابنته.
في الخارج و خاصةً في الشرفة دلفت “عزة” في يدها كوبين من الشاي المزود بوريقات النعناع الخضراء و هي تقول بنبرةٍ هادئة حاولت إضافة المرح لها:
“الشاي يا جلال، هتفضل مبوز في وشي كدا ؟! دا أنا عملاه مخصوص علشانك”
تنهد هو بعمقٍ ثم قال:
“لأ علشان عارفة أنك غلطانة في حق عز و حق خطيبته يا عزة، مشوفناش من البت حاجة وحشة و مصممة تقللي منها”
ردت عليه بقلة حيلة و عاطفة صادقة:
“ماهو دا ابني الوحيد يا جلال، دي بنت وحيدة و أهلها انفصلوا عن بعض محدش فيهم فكر فيها و امها مشيت من غير ما تسأل فيها، دي هتعيش إزاي و تفتح بيت و تحافظ عليه ؟!”
زفر هو ثم تحدث بحدة:
“علشان مش كل الناس غبية زيك كدا يا عزة، دي أكيد هتقدر قيمة جوزها و قيمة النعمة اللي عندها علشان هي اتحرمت من حاجة زي دي، و اللي اتحرم من حاجة هو أحق واحد يقدر قيمتها علشان هو اكتر واحد مفتقدها”
أغلقت جفونها بشدة تستغفر ربها فقال هو مسرعًا يستغل اللين الذي ظهر عليها:
“قومي يلا صالحي ابنك و طيبي خاطره بكلمتين كدا خليه يروق شوية بدل النكد، يلا قومي”
حركت رأسها موافقةً ثم تحركت من أمامه حتى تدلف غرفة ابنها بينما هو رفع رأسه للسماء يقول بتضرعٍ:
“يارب حنن قلبها على البِنية الغلبانة دي و أجبر بخاطر جومانا و عز يا رب”
دلفت “عزة” الرواق المؤدي للغرف و قبل أن تطرق غرفة ابنها وصلها صوت ابنتها تقول بغير تصديق:
“يلهوي يعني أمها اتجوزت بعد شهور العدة و أبوها كمان هيتجوز ؟! و عاوزك تاخدها و تتجوزها علشان عروسته مش حابة وجودها ؟! إيه القرف دا ؟”
حينما وصل ذلك الحديث لـ “عزة” فتحت الباب بقوةٍ كما الاعصار ثم قالت بنبرةٍ جامدة و حِدة تلبستها:
“أعمل حسابك تنسى موضوعك معاها خالص، الجوازة دي مش هتم غير على جثتي، مــفـهـوم ؟!”

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية هدية القدر)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *