روايات

رواية ديجور الهوى الفصل الثلاثون 30 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى الفصل الثلاثون 30 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى البارت الثلاثون

رواية ديجور الهوى الجزء الثلاثون

ديجور الهوى
ديجور الهوى

رواية ديجور الهوى الحلقة الثلاثون

بعدَ الفراق إلى أين يتّجه من كانت خارطته مرسومةٌ بيدين من يُحب ؟!
#مقتبسة
لا زال الموقف يحرق قلبي دائما أنا لم انسى التظاهر يقتل.
#مقتبسة
رغبتُ ان اتقيئ ما سَمعتهُ أن أتقيئ ما شعرتُ به لم أكن اعرف أن للروح مَعدة تضطّرب !
#مقتبسة
____________________
ليلتان مكثت فيهما في منزله، كفيلة بأن تجعلها أن ترغب في اكتشاف كل شيء يخصه، ورغم فضولها الشديد والكبير حوله، وحول منزله التي لم تدخله ولا مرة، هي مرة واحدة أتت إلى فناء المنزل حينما تحدثت مع أفنان….
ولم تحاول استخدام أي غرفة؛ فكانت تنام على الاريكة المتواجدة أمام الباب، حتى في منزل مريم لم تكن تحب النوم على الفراش في منزل غريب تفضل أن تكون مراقبة للباب ولا تدري سبب فعلتها تلك…..
كانت لا تتحرك كثيرًا في المنزل هو فقط تجلس هنا وتستخدم المرحاض لا أكثر، ولا تحاول اكتشاف أي شيء حفظًا على خصوصيته وخصوصية شقيقته، يكفي أنه جعلها تمكث في بيته لا تصدق كرمه معها، هي لا تستحق كل ما يفعله معها، يقوم باحراجها دومًا، لم تجد رجل مثله ولن تجد، هو مختلف بشكل رهيب، لم يخب ظنها ولو لمرة ..
سئمت من الجلوس وحيدة، وكأن الوحدة كتبت عليها سواء تعيش فيها بمفردها أو مع والدتها وزوجها التي من المفترض أنهما عائلتها…
هي متأكدة من أن تركها للمنزل كانت خطوة صحيحة ولكنها رُبما الشيء الخاطئ أنها لم تتجهز لها جيدًا نفذت بسرعة رهيبة دون أن تقوم بتضبيط الأمور كلها، وها هي الآن لا تستطيع التصرف في شيء..
حاولت ألا تلوم نفسها فهي لو كانت انتظرت من هنا إلى ألف سنة لم تكن لتستطيع فعل شيء وهي معهما..
لكن لن تنكر شيء وحيد يسعدها..
هو اهتمامه وبرغبته في إيجاد حلول لها…
حتى ولو كانت شفقة هي راضية، راضية أن يكن في حياتها بأي شكل، لا تدري هل بات مستواها العاطفي معدوم أم ماذا؟!.
أم ان توقعاتها متدنية؟!..
لا تعلم شيء سوى أنها سعيدة…
ولا تشغل بالها كثيرًا بحسابات عقلها…
وجدت الهاتف يصدع صوته ووجدت رقمه يزين الشاشة كادت أن تجيب عليه في لحظتها ولكن قررت أن تحد من لهفتها…
فقط انتظرت عدة ثواني وأجابت وهكذا أرضت رغبتها في (التقل) كما تخبر ذاتها.
-ألو.
جاءها صوته وهو يقول بجدية:
“محتاجة حاجة؟!”.
لم يتحدث معها بالأمس طوال اليوم فقررت أن تعاتبه.
غمغمت شمس بسخرية فهو ولج إلى صلب الموضوع فورًا:
– لسه فاكر تسأل؟! وبعدين مفيش ازيك يا شمس؟! عاملة ايه يا شمس؟!.
جعلته يندهش حقًا..
هي في مصيبة ويبدو أنها لا تدرك هذا، ام تتجاهل..
فقط ترغب بأن يسألها عن حالها، هل هي معتوهة؟!.
حقق رغبتها وهو يقول:
“عاملة ايه يا استاذة شمس؟!”.
وخرج تعقيبه ساخر أكثر مما هو مهتم..
أجابت شمس عليه بهدوء:
-الحمدلله بخير يا ثائر اهو حياتي ماشية والله أنتَ عامل ايه..
“على العموم لو احتاجتي تعملي اكل او غيره افتحي الثلاجة والفريرز وعيشي حياتك في المطبخ، ولو في اي حاجة ناقصة عايزاها عرفيني، ومش محتاج أقولك اياكي تخرجي من البيت تحت أي ظرف، لأن اكيد جوز امك ممكن يكون حاطط حد في الشارع او حاجة محدش عارف..”
قاطعته قائلة بتهكم:
-هو أنا هفضل محبوسة يعني؟!.
تمتم شريف (ثائر) بدهشة من حديثها العجيب وكأنه يفرض عليه أمر ما:
“أنتِ عبيطة هو أنا حابسك؟!! انا بشوفلك مكان تقعدي فيه، وهخرجك بطريقتي، لكن خليكي قاعدة مكانك دلوقتي وبلاش اي تصرف غبي ملهوش لازمة وتقعدي تتصرفي من دماغك وتخربيها أكتر اديني بحذرك اهو”.
تمتمت شمس مدافعة عن حالها:
-لا أنا مش خرابة ولا غبية وحسن ملافظك هو علشان مش مقعدني في بيتك هتبيع وتشتري فيا لا أنتَ متعرفنيش كله إلا الكرامة…
تحدث ثائر لا يتحمل حقًا ما تفعله:
“أنتِ فيكي عرق بجاحة؟! ولا مبتعرفيش تعملي كنترول وتظبطي كلامك امته دي تتقال وامته متتقالش ولا هو اي حاجة بتروحي قايلاها حتى لو ملهاش علاقة بالموضوع اللي هو احشر الكلام مع بعضه”.
هتفت شمس بهدوء:
-لا عارفة كل حاجة يا حبيبي واه صحيح انا بجحة بس مبحبش حد يقل مني..
“وانا قليت منك فين؟!”.
-قولت عني خرابة وغبية.
سألها شريف (ثائر) بجدية:
“انا راضي ذمتك ده لو كانت موجودة دي تصرفات حد عاقل او بتعملي حاجة تخليني اقول عنك العكس؟!.
فكرت لمدة ثواني ثم عقبت بجدية:
-معاك حق في دي، خلاص اقفل أنتَ هتقعد ترغي معايا ولا ايه سلام أنا ورايا حاجات اعملها.
“أنا اللي برغي برضو؟! وبعدين ايه اللي وراكي؟!”
-اه بترغي وملكش دعوة ورايا ايه، فسلام يا حبيبي يلا روح شوف وراك ايه، وبعدين صحيح أنتَ بايت فين من اول امبارح؟!.
تمتم شريف مستنكرًا:
“أنتِ ليكي أكل وبحلقة؟! ما ابات مكان ما ابات”.
-اسلوبك بَذِيءٍ جدًا.
هتف شريف متهكمًا:
“ودي عرفتيها منين؟!”.
-ايه عرفتها منين دي هو انا جاهلة؟! انا مثقفة عنك كمان، وانا عند كلامي اسلوبك بَذِيءٍ و local.
“لا والشهادة لله أنتِ اللي اسلوبك يُدرس في المدارس، انا اللي مش متربي معاكي حق، سلام علشان المرارة واحدة”.
-سلام..
أغلقت المكالمة وتحدثت بعدها بضيقٍ:
-قال يعني أنا اللي هموت واكلمه، هو اللي بيتلكك وهيموت عليا.
______________
لا يكف طفلها عن الثرثرة معها طوال اليوم بينما هي لا تعطيه أي انتباه، فهو يشعر بالوحدة تحديدًا بسبب غياب أطفال أم شيماء اليوم فلم يأتوا معها في الصباح..
بينما كانت أفنان تجلس أمامه في الغرفة صامتة، صامتة تمامًا تحاول كبح دموعها، منذ شجارها الأخير مع داغر وهي في حالة نفسية سيئة، وما كان ينقصها حقًا الآن بأن كمال في القاهرة ولديه النية بأن يجعل والدتها تعرف الحقيقة وبعدها فردوس…
لا شيء يجعلها تتخلص من هذا العذاب…
ستظل مشكلتها حية أمامها طوال الوقت..
كيف تستطيع أن تكفر عن ذنب مراهقة بأنها وقعت في فخ الحب والهوى وتلك المسميات التي تجعل الفتاة بمشاعر وردية ترغب بأن تشعر بها؟!..
كلما حاولت نسيان ما حدث حتى في وجود فهد، يُفتح الجرح من جديد، ولذلك كان شريف تحديدًا لا يرغب في معرفة أي شخص جديد الأمر لأن شقيقته جرحها لا يعطيه أحد الفرصة ليندمل أبدًا…
تمتم فهد منتشلا أياها من شرودها بعفوية:
-يا ماما أنا عمال اكلمك ومش بتردي عليا أنا عايز أكلم خالو ثائر وحشني اوي…..
تحدثت أفنان بنبرة مقتضبة:
-مش وقته، بكرا هخليك تكلمه يا فهد.
زفر فهد بضيقٍ ثم غمغم معترضًا:
-هو كل ما أقولك حاجة تقوليلي بكرا؟! انا زهقت من القعدة هنا وعايزة اروح عند خالو بقا وارجع بيتنا.
قالت أفنان بعصبية مُفرطة ولم تستطع السيطرة على نفسها أكثر من ذلك، حتى أن نبرتها افزعته دون أن تشعر فهي لديها طاقة ويبدو أنها استنزفت:
-هو أنتَ مبتفهمش؟! مش قولت مش وقته عمال تعيد وتزيد في نفس الحاجة ليه وتخليني أكرر كلامي الكلمة بقولها أكتر من مرة ومش بتتسمع ، ياريت تخرس شوية ومتتكلمش لأني مش طايقة نفسي…
أنكمش جسد فهد وعقد ساعديه وترقرقت عيناه بالدموع هو ليس معتادًا على غضبها…
أو على أن يصرخ عليه أي شخص في العموم، تحديدًا لو كانت والدته التي دومًا تقوم بتدليله….
وحينما وجدت أفنان هذا المشهد هبطت دموعها وهي تقترب منه قائلة بحنان أمومي يتنافى تمامًا مع سلوكها السابق ولكنها كأي أم ليس عليها أن تكون مثالية طوال الوقت:
-انا اسفة يا حبيبي، حقك عليا، أنا بس متعصبة ومضغوطة شوية.
نظر لها بأعين لامعة فهو كان على وشك أن يبكي ولكن لاحظ دموعها التي هبطت بالفعل وبللت وجنتيها ليرفع يده قائلا بصدمة وهو يشير على وجهها:
-ماما أنتِ بتعيطي؟!.
أبتعدت أفنان قليلًا ومدت يدها ناحية الطاولة المتواجدة أمامها وسحبت منديل ورقي من العلبة الموجودة فوقها ثم مسحت دموعها قائلة بهدوء:
-مفيش حاجة يا حبيبي مش بعيط.
تمتم فهد بتردد:
– بس أنتِ عيطتي..
ابتسمت له أفنان ثم أردفت بهدوء:
-يعني قولتلك مخنوقة ومضغوطة شوية يا حبيبي، المهم متزعلش مني.
تأملها وهو يقول بنبرة صادقة:
-أنا عمري ما ازعل منك يا ماما.
قبلت أفنان رأسه ثم داعبت وجنتيه وهي تقول بحنان:
-انزل تحت لطنط زينب قولها تحضر ليك الفطار وروح شوف جدو فطر ولا لسه عقبال ما اخد دش واجي وراك ماشي؟؟!
تمتم فهد باستسلام:
-حاضر.
_________________
‘ في القاهرة ‘
هبطا من عند الطبيب منذ نصف ساعة تقريبًا..
وكان هو مستمر في القيادة وبجانبه تجلس والدته التي هتفت بحنق:
-ما الإشاعات قدامه ليه التعب ده واعمل اشاعات تاني وانا بزهق يا ابني……
تمتم كمال بنبرة هادئة:
-يا أمي ده الروتين والطبيعي، هو شاف القديمة وشاف حالتك بس هو محتاج اشاعات جديدة وتحاليل جديدة اخر تحاليل كانت مش شهريت ونص وهو عايز كده علشان يشوف الوضع واصل لفين.
قالت منى باعتراض:
-أنا مشيت وراك يا كمال، بس ياريت تسيبني بمزاجي انا مش عايزة اروح لدكتور ولا غيره، روحني بيتي وسيبني فيه لغايت ما يجي أجلي…
تحدث كمال بلهفة فوالدته هي كل شيء في حياته، وأصبح يخشى فقدانها تحديدًا بعدما فقد والده في عمر مبكر منذ سنوات طويلة كانت أفنان وقتها طفلة صغيرة حتى أنها لا تتذكره في الغالب سوى في الصور الفوتوغرافية، ومن وقتها كرست والدته حياتها لهم….
-بعد الشر عليكي يا امي، ليه الكلام ده؟!! ايه المشكلة لما نسعى ونشوف ونجرب ده الصح، مينفعش تستسلمي…
سألته منى باستغراب حينما بدأ في الدخول في حي شعبي، وبالتأكيد هذا ليس طريق العودة:
-هو احنا فين يا ابني؟!.
تمتم كمال بصراحة تلك المرة لن يكذب عليها:
-بصراحة مكنش غرض أننا نبجي القاهرة هو الدكتور وبس أنا جايبك تشوفي شريف….
توقفت حواسها بأكملها الآن..
هل ستراه بعد تلك السنوات الطويلة؟!….
التي كانت ترفض لقائه وتدعي أنها أم غاضبة من تصرفات ابنها المتهور، الذي دومًا يسعى للمشاكل وفي ختامها قام بهدم كل شيء، ولكن قلبها كان مفتورًا ومعترضًا على هذا، هي أم قبل كل شيء….
لكنها كانسانة لا تستطيع الوقوف خلف الخطأ…
هي كانت تعلم بأن كمال يخفي شيء في تلك السفرية العاجلة بالنسبة لها ولكنها لم تتخيل بأنه سيجعلها ترى شريف….
-ومين قالك اني عايزة اشوفه؟!.
كانت نبرتها العاطفية المميتة، الدليل الأقوى، حسنًا في البداية كانت قاسية أمام الجميع وانعكس الأمر على صحتها ولكن الآن وبعد مرور تلك السنوات تخشى أن تموت دون رؤيته، اصبح هذا الهاجس يراودها كثيرًا…
عقب كمال بهدوء:
-مش شرط تقولي أنا حاسس بيكي، وبعدين في حاجات كتير احنا الثلاثة محتاجين نتكلم فيها، في حاجات متعرفيهاش وجه الوقت تعرفيها.
“بعد مرور ربع ساعة تقريبًا”.
كان كمال يقف أمام المنزل بسيارته ويقوم بالإتصال بشريف، في المرة الأولى وجد أن معه مكالمة وفي الثانية كان يجيب..
“الو”.
-ايوة يا شريف.
“ايه يا كمال عامل ايه؟!”.
تمتم كمال بنبرة هادئة:
-أنا جاي اقولك عامل ايه بنفسي…
عقب شريف على حديثه بعدم فهم..
“يعني ايه مش فاهم؟!”
-أنا تحت البيت، أنتَ فين؟!.
سأله شريف بغباء حل عليه دفعة واحدة:
“بيت ايه مش فاهم؟!”.
-انا تحت بيتك يا شريف، أنا عندك في القاهرة..
لم يعتاد كمال على مقابلته تحديدًا في بداية الأمر حينما كانت تقوم فردوس بمراقبته ولو ذهب لمقابلته كان يراه في أماكن بعيدة وغريبة عن المنزل ويأخذ كمال كل احتياطاته كلها ولم يكن تلك المرات كثيرة على أي حال، لذلك شعر شريف بالصدمة…
أسترسل كمال حديثه على الرغم من أنه لم يصل له رد من شريف……
-وبعدين في اخر مكالمة أنا قولتلك أنا جايلك قريب بس تقريبًا أنتَ ماخدتش بالي، أنتَ في البيت ولا فين؟!
بالفعل هو أخبره ولكن لم يهتم وقتها فكان يقوم بعتابه ومحاسبته على ما اقترفه بحق داغر…
عقب شريف بتلقائية:
“أنا على القهوة اللي على ناصية الشارع، أسال اي حد معدي على قهوة الرحاية هيقولك”
تمتم كمال بنبرة جادة ووالدته مسلطة بصرها عليه منذ بداية حديثه وهي لا تصدق بأنها ستراه حقًا وأخيرًا:
-أنا مش لوحدي يا شريف.
تمتم شريف بفرحة يتمنى أمنية صغيرة عوضًا عن الحقيقة والمكافاة الكبيرة التي تنتظره:
“معاك أفنان وفهد ولا ايه؟!”.
هتف كمال بهدوء:
-معايا ماما يا شريف، تعالى عند البيت خلص.
“في المقهى”..
بمجرد ما أن سمع شريف تلك الكلمات ارتعشت يده ولم يصدق، حتى أن الهاتف سقط من بين يديه أرضًا…
نهض وأخذ الهاتف، ليذهب نحو المنزل كالمسحور يسير بخطوات سريعة؛ يتسابق مع الزمن…..
كان يكفي سماع الكلمة من فم كمال مرة واحدة ليعلم بأنه جاد كمال لن يكذب في أمر هكذا مدام أخبره بأن والدته معه؛ هي معه…
لكن كيف؟!!
هل أصبحت راضية عنه؟!…
خمس دقائق تحولت فيهما الخطوات السريعة إلى ركض، فهو أتى راكضًا، لتراه والدته من السيارة وهو يركض ناحيتها، انفطر قلبها وهبطت الدموع من عيناها أثر رؤيته….
بعد تلك السنوات رأته أخيرًا مشهد عودته وهو يركض ناحيو السيارة مشهد يشبه مشاهده في الصغر فهو كان دومًا لديه فرط في الحركة بركض في كل مكان ويركض ناحيتها حينما يراها…
لطالما كان دومًا حانق وغاضب، ينفعل على أبسط وأهين الأشياء، يفتعل المشاكل منذ صغره بسبب وبدون سبب، حاولت ترويضه كثيرًا ولكنها لم تفلح أبدًا، كل محاولاتها باءت بالفشل، تحديدًا بعد موت والدته…
أتضحت الرؤية له والدته جالسة على المقعد في السيارة……
اقترب من ناحية الباب المتواجد ناحية مقعدها وفتح الباب بسرعة رهيبة، ولج بنصف جسده داخل السيارة احتضنها بخوف، خوف حقيقي…
الآن يستطيع أن يشعر بالخوف لأنه يعلم بأن والدته ستجعل كل مخاوفة تذهب، جميع المشاكل تحل بوجود الأم، في وجودها تصبح أكبر المصاعب هينة، أن كان لديك أم ليس لديك أي مشكلة حتى ولو العالم بأكمله يكرهك، المهم أن والدتك معك، والعكس صحيح فلو كانت هي ضدك لو أحبك العالم كله لم تشعر أبدًا بالحب…..
جسده كان ينتفض بشكل رهيب لتحتضنه أكثر هي وتبكي بحُرقة، هذا المشهد جعل كمال الدموع تهبط من عينه ولم يتحمل ولكنه مسحها بسرعة ليهبط من السيارة ويذهب إلى حقيبة السيارة ليخرج منها المقعد الخاص بوالدته ثم أقترب منهما قائلا….
-خلينا ندخل جوا احسن.
ابتعد شريف عن والدته وهو يبكي بالفعل أخرج مشاعره المكبوتة كلها دون حرج او خجل….
وكانت مني تبكي هي الأخرى وتمسح دموعه بأناملها بحنان، أخذ شريف وكمال يساعدوها وجعلوها تجلس على مقعدها ليتحدث كمال بنبرة تلقائية:
-روح افتح البوابة وأنا هقفل العربية واجي مع ماما…
هنا لحظة إدراك بأن هناك كارثة في منزله!!!!!!
-الشقة والبوابة!!
لم يهتم كمال بتعقيبه المندهش، ليتمتم شريف وهو يركض:
-أنا نسيت موبايلي على القهوة هروح اجيبه واجي.
-طب هات المفتاح….
كان هذا تعقيبه لكن مع من يتحدث؟!!
شريف كان ركض من الأساس حتى أن الناس التي تسير في الشارع كانت تنظر له باستغراب….
هو أتى راكضًا ويرحل راكضًا أيضًا….
توجه صوب الشارع الآخر الذي يطل عليه بيته من الناحية الآخرى وأخرج هاتفه من البنطال ليتصل بها على الفور، أجابت عليه شمس بنبرة مغنجة:
-شوفت انك أنتَ بتنكشني؟! وهتموت وتتكلم معايا أنا قولتلك أنتَ بتحبني بس بتنكر…
قاطعها شريف بسخرية:
-لا مش وقت كلام امك المستفز ده وشغل السهوكة بتاعك، احدفيلي المفاتيح من الشباك اللي موجود في المطبخ…
“مفتاح ايه يا حبيبي أنتَ هتستعبط ولا ايه أنتَ شكلك شايفني سهلة والله هدومي وحاجتي زي ما هي في شنطتي أنا هخرج دلوقتي وما هتعرف ليا مكان انا اللي غلطانة”.
صرخ شريف بها بانفعال:
-ولا سهلة ولا صعبة يا غبية؛ مش وقتك واياكي تنزلي اياكي، اخويا وامي قدام البيت، لو نزلتي هقطع خبرك.
“اه أسطوانة امي ده انا حفظاها كويس وشوفت افلام كتير، انا مكنتش مأمنة ليك من الاول”.
هتف شريف بغضب:
-اديني المفتاح يا شمس بدل ما اطلع افتح دماغك وهوديكي إيطاليا أنا بس بطريقتي مش هتحتاجي بحر ولا غيره، اخلصي انا واقف في الشارع من ناحية شباك المطبخ..
صمتت ولم تعقب على حديثه وأخذت ميدالية المفاتيح وتوجهت صوب شباك المطبخ المُغلق دومًا لتتحدث بنبرة ساخرة بعد أن حاولت فتحه:
-الشباك مش بيتفتح تقيل خالص.
-بطلي مرقعي وافتحيه وشديه جامد هو بس علشان مش بنفتحه خالص لأنه على الشارع وده دور أرضي…
استطاعت فتحه لتجده في وجهها لتتحدث بانفعال وهي تطل منه عليه:
-خد مفاتيحك انا ماشية دلوقتي لو امك برا فعلا هطلع من هنا من الشباك هنط.
تحدث وهو يشير إلى النافذة الصغيرة التي بالكاد تظهر وجهها:
-تنطي فين بطلي عبط ده أنتِ هتتحشري في الشباك ده مطلع وشك بالعافية، خليكي مكانك أنا هتصرف.
وبعد أن أنهى حديثه رحل لتتحدث بانفعال شديد:
-يعني ايه هتحشر؟! هو في واحده في ليونتي ورشاقتي…
كانت تتحدث بضيقٍ وهي ترفع وجهها فاصطدمت بالشباك لتتأوه وتدخل إلى الداخل وتحاول إغلاقه مرة أخرى…
“عودة مرة أخرى إلى أمام المنزل”
تحدثت منى بحنق شديد ينتابها وهي تمسح دموعها بالمنديل الورقي:
-هو راح فين ده؟! انا زهقت…
كانت بالفعل شعرت بالضجر والحزن في الوقت نفسه من بعض النظرات التي تخترقها بمقعدها المتحرك فهي شخص لم يعتاد الخروج او التواجد في أماكن غريبة عليه بحالتها تلك، أما كمال كان عقله في شيء أخر هو أنه قد رأي هاتف شريف بين يديه….
فكيف ذهب للبحث عن الهاتف؟!!!!!!..
جاء شريف من بعيد ليذهب ناحية البوابة وهو يلعن نفسه الآن، كان يجب أن يعطيها مفتاح الشقة التي تتواجد في الأعلى لتصعد إليها إلى حين عودته!!!
لا يفكر بشكل سليم….
ولا يعطي تركيزه إلى أي شيء رؤيته إلى والدته جعلت عقله في مكان أخر…
كان هذا هو أنسب حل لكن ماذا سيفعل الآن؟!!..
فتح البوابة بأيدي مترددة…
ليقول بغباء:
-ما تيجي نطلع الشقة في الدور الأول.
نظر له كمال نظرة فهمها بأنه لا يزعج والدته بسب بالمقعد تحديدًا بأنها تشعر بالغرابة من المكان ولا تعتاد اليه..
فتوجه شريف صوب الشقة ليفتحها وأغلق الباب خلفه، ولج كمال ووالدته من البوابة خلفه، وكانت والدته تسير أمامه بالمقعد الخاص بها والتي تتحكم به بسهولة، ليجدوا الباب مغلق…
“بداخل الشقة”.
كانت شمس تقف أمامه بمجرد أن فتح الباب وهي ترتدي عبائتها السوداء التي ارتدتها سريعًا…
تمتمت شمس بنبرة ساخرة بمجرد أن رأته:
-شوفت بقا ان الحوار مفيهوش امك والله لاصوت والم الدنيا عليك لو مسبتنيش امشي.
-هو انا ماسكك يابت أنتِ عبيطة؟! وبعدين وطي حنجرتك دي، اسكتي يا متخلفة، هما برا، تعالي معايا.
كادت أن تتحدث ليضع يده على فمها جاذبًا أياها ناحية الغرفة المُغلقة التي تتواجد في نهاية الشقة والتي غالبًا ما تكون مغلقة يتواجد بها فراش فقط، ليجعلها تدخل بها قصرًا متمتمًا:
-انا مش عايز منك صوت، مش عايز منك نفس، لغايت ما أحاول اخرجك، كانك مش موجودة لغايت ما اشوف حل، أنا من ساعة ما عرفتك والبلاوي نازلة تهل عليا.
هتفت شمس بنبرة ساخرة:
-بقولك سيبني انط من شباك الاوضة اوسع وامشي.
أخذ المفتاح المتواجد من الباب متمتمًا بتحذير:
-اياكي تعملي اي حاجة وبعدين تمشي تروحي فين بطلي هبل، واياكي تعملي اي حاجة أنتِ عارفة لو اخويا او امي شافوكي هيبقى الوضع ايه؟!.
قالت شمس بنفاذ صبر:
-قولهم أنك سايبني في بيتك وخلاص مشيني انا هرجع لامي لغايت ما اسافر واخلص.
-اخرسي ونامي ساعتين ولا حاجة وافصلي.
انهي حديثه ورحل ليغلق الباب خلفه بالمفتاح ثم وضعه في جيبه، ليتوجه صوب الخارج ويفتح باب الشقة متمتمًا:
-انا قفلت الباب حقكم عليا مكنتش مركز، دخلت على المطبخ اطلع حاجة علشان اعملها وناكل ماخدتش بالي اني قفلت الباب…
ابتسمت له والدته بحنان فهي تشعر بارتباكه وبالتأكيد بسبب وجودها أما كمال كان ينظر له بشك واستغراب فحديثه مُريب، هل عليه أن يفكر في الطعام الآن؟!!
ولج إلى الشقة بعد والدته وجلس على المقعد ليجلس شريف هو الآخر…
وكل شخص فيهم ينتظر أن يبدأ الآخر الحديث!!.
من فرط المشاعر كانت الكلمات لا تستطيع مجابهتها……….
مرت دقائق..
ثم قررت منى أن تأخذ زمام الأمور:
-مش حاسين أنكم لازم تتكلموا؟!.
ثم وجهت حديثها إلى كمال قائلة:
-مش المفروض أنكم هتعرفوني كل حاجة يا كماب.
هنا بدأ شريف ينتبه لهما بكامل حواسة متمتمًا باعتراض:
-نعرفك ايه؟! مش حضرتك جاية تشوفيني؟!.
تمتم كمال بنبرة هادئة:
-انا جيبتها تشوفك وجيبتها علشان نعرفها كل حاجة حصلت من أول يوم لغايت دلوقتي، لازم الكل يعرف يا شريف وبعدين هلال قال لجدك أنه عنده حلول…
نهض شريف وهو يصيح بضيقٍ:
-مفيش حاجة محتاجين نقولها يا كمال، انا معنديش حاجة اقولها؛ اللي حصل حصل والموضوع اتقفل، أنتَ اللي عايز توجع الكل وتفتحه تاني كل شوية، الجرح كل ما يجي ينشف عند واحد فينا بتيجي تنخرب فيه زيادة.
هتف كمال بنبرة هادئة فهو يحاول الإلتزام بتحضره للنهاية ويتمنى أن يساعده شقيقه الأصغر على ذلك:
-دي مش حياة ومفيش حاجة اتقفلت يا شريف، ولا أنتَ عارف تعيش حياتك صح، مش منطق تعيش هربان طول العمروكل شوية تتجوز واحدة وخلاص تعيش اليوم بيومه؛ طب وبعدين سنين عمرك اللي بضيع دي؟!.
هتفت منى بنبرة حاسمة لديها الكثيرة من الإشارات ولكنها لا تستطيع تجميعها:
-أنتَ اتخانقت مع حسن ليه يومها يا شريف؟! ايه اللي بينك وبينه يا ابني فهمني اصلا، أنتم مكنش ليكم علاقة ببعض.
تمتم شريف وهو يكز على أسنانه:
-خناقة عادية يا امي، مفيش أسباب وانا لما اعوز اسلم نفسي هروح اسلم نفسي وياريت تقفلوا على الموضوع ده.
قال كمال بهدوء:
-مفيش موضوع بيتحل لما بنركنه يا شريف، بالعكس ده بيكبر وده اللي مش عايز تفهمه، مفيش فايدة من العند والمكابرة احنا لازم نحل…
هتف شريف بانزعاج جلي مقاطعًا أياهم:
-وأنتَ مالك؟! أنتَ مشكلتك في ايه؟! دي حياتي وأنا حر فيها ياخي، انا قتلته وبتحمل نتيجة غلطي، أنتَ بس كل مشكلتك من الحوار ده أن فردوس مش راضية عنك، وبتعمل كل ده علشان ست الحسن والجمال ترضى عنك في الآخر….
كور كمال قبضته محاولا التماسك، فردوس وحديثها وكل أفعالها لا تساوي ذرة حقيقة من الغضب الذي يجعله يشعر به شقيقه دومًا وحديثه المتهور دون حساب إلى أي شيء..
هتفت منى بنبرة متوترة:
-شريف احترم نفسك وحاسب على الل أنتَ بتقوله، وبعدين فردوس مراته يعني ومن حقه انه يعوز يصلح علاقته بيها، فهموني يا ولاد انا مش فاهمة منكم حاجة والله العظيم وأنتم بتحدفوني لبعض.
تمتم شريف بجحود بغضب حقيقي متناسيًا كل شيء:
-أنا اصلا مستغرب أنتَ ازاي سايبها على ذمتك الوقت ده كله، وازاي متحمل تبص في خلقتها.
عقبت منى بنبرة حكيمة رغم جهلها قبل أن يتحدث كمال:
-وهي فردوس مالها يا ابني؟!.
-مفيش يا امي.
كان هذا تعقيب بسيط من شريف ليتحدث كمال بعده:
-خلصت قلة أدبك وعصبيتك ولا لسه؟! ولا لسه عندك كلام عايز تقوله؟! حاجة لسه عايز تقولها في وش اخوك الكبير محشورة في زورك؟!!!.
شعر شريف بأنه اندفع قليلًا كعادته فلم يستطيع أن يستمر في وقاحته..
ليتحدث كمال موجهًا حدثيه إلى والدته وكأنه لا يتفوه بشىء:
-حسن اغتصب أفنان، وفهد ابن حسن مش داغر، وهلال صاحبه وابوه عملوله ورق باسم ثائر وافنان كانت حامل وابنك خبى علينا……
شهقة انثوية…
لم تكن تلك الشهقة تخرج من فم منى، بل كانت من شمس التي تقف خلف باب الغرفة وسمعت أغلب الحديث……
كانت أصواتهم عالية وفضولها له عامل كبير فهى كانت تقف خلف باب الغرفة وتلصق اذنيها خلفه……
لكن الآن هي مصدومة ومدهوشة…..
تضع يدها على فمها بعد تلك الشهقة التي خرجت منها……..
____________
-الو يا ايمان عاملة ايه؟!.
كان هذا تعقيب فردوس التي تجلس على فراشها في غرفتها، بعد ان أجابت على اتصال إيمان..
جاءها صوت إيمان الهادئ:
“انا بخير؛ ايه مش جاية الجيم النهاردة ولا ايه؟!”.
تحدثت فردوس بنبرة مختنقة:
-مش عارفة مليش مزاج اجي النهاردة، ممكن اروح بكرا وخلاص.
هتفت إيمان باهتمام:
“ليه في حاجة؟! وبعدين الجيم هيغير مودك”.
هي منزعجة بسبب غياب كمال…
لا تدري لما؟!…
لم يمر سوى بضعة ساعات على رحيله، هو ليس متواجد معها طوال الوقت وتشاركه معها أخرى أخبرت نفسها بهذا وذكرتها بالامر ولكن لم يجعلها هذا تتوقف عن شعورها بالاختناق…..
ولم تكن ترغب في أن تخبر إيمان شيئًا لأنها متأكدة بأن ردها لن يروق لها أبدًا بل ستغضبها..
-مفيش حاجة؛ بكرا هروح وخلاص مكسلة شوية ومعدتي قالبة فحاسة اني لو جيت هتعب اكتر..
تمتمت إيمان بنبرة مهتمة:
“خلاص اللي يريحك، سلامتك يا حبيبتي، وأنا برضو لما اخلص الجيم هروح اجيب طلبات وهحاول اعدي واطمن عليكي، مع السلامة”
-ماشي مع السلامة.
_____________
كان فهد يجلس في بهو المنزل؛ الجد توفيق يلتزم الجلوس في غرفته على أي حال هو ليس راضيًا على ما يفعله كمال ويجد أنه يرتكب خطأ شنيع لن يقدر أحد على إصلاحه فهو يعلم جنون فردوس وكمال على علم به وهو أكثرهم ولكن على الرغم من ذلك هو يُصر على ما في رأسه….
بينما أفنان في غرفتها هي الأخرى تفكر فيما يحدث في القاهرة………
كيف اللقاء؟!.
كيف سيكون رد فعل والدتها؟!..
أسئلة كثيرة كانت تدور بخلدها…
وفردوس كالعادة معزولة عن العالم ولم يندهش الصغير من غيابها، هو يشعر بأن هناك خطبٍ ما لا يفهمه جعل جده يتغيب وكذلك غضب وعصبية والدته، لم يرى إلا دعاء ولكنها تتجهز لاستقبال ابنتها التي ستمكث معها الليلة وهذا اكثر شيء جعله يشعر بالسعادة، أما أفنان لم يكن تركيزها معه لأول مرة تقريبًا تركته بعد تناول الغداء مع أم شيماء التي بين الحين للاطمئنان عليه إذا كان يحتاج شيئًا..
صدع صوت الجرس الخاص بالبوابة الداخلية لتأتي أحدى العاملات في المنزل لتقوم بفتح الباب وكان الطارق هو داغر…
ولج داغر وكان على وشك أن يستمر في سيره المعتاد ويتوجه صوب الدرج ولكنه ما أن نظر أمامه وجد فهد على غير العادة يجلس بالأسفل هنا، ولم يكن هذا الغريب بقدر عدم تواجد أفنان معه التي ترافقه كظله لا تتركه أبدًا..
لم يكن لديه طاقة ليتحدث معه، وكان على وشك أن يتوجه صوب الدرج ولكن استوقفه فهد بصوت مرتفع:
-بابا…
استدار له داغر ليجده نهض من فوق الأريكة واقترب منه متحدثًا بعتاب ولهجة لم يفهمها:
-بقالي كذا يوم مش بشوفك.
تلك الأسئلة تزعجه في أغلب الأوقات لأن وجوده يفتح الكثير من الجروح..
لكنه يتجاهل غضبه معه مجبرًا ويتحدث بهدوء:
-معلش اصلي بنزل بدري اوي وبرجع لما تكون نمت.
سأله فهد باهتمام:
-بتروح فين؟!.
هذا السؤال يسأله لنفسه منذ أيام، أنهى زيارة الأقارب والمعارف، والجلوس في المقهى يوميًا في أغلب الأوقات بمفرده لأنه راغبًا في هذا من جهة ومن جهة أخرى اختلفت الأشخاص التي يعرفها وتغير الجميع خلال تلك السنوات فلم يعد اصدقائه متفرغين كالسابق ولا لغة الحوار بينهما واحدة…
كل يوم يهبط ويسير بلا وجهة حقيقية هو يريد الهروب، الهروب من أجواء المنزل الذي يزعجه ويذكره بالماضي، فهو يحاول تجنب شجار أخر مع أفنان لا يدري لما الأمور دومًا معها تسير بشكل خاطئ هو لا يرغب في جرحها…
لا يرغب في أن يقوم باهانتها ولكن أمامها يتصرف بعكس ما هو يريده، الأمور معقدة بينهما…
وأكبر سبب يهرب منه هو من يحدثه الآن..
-بتروح فين؟
كرر فهد السؤال مرة أخرى، ومن العجيب بأنه أحيانًا ينبهر من شجاعة هذا الصبي في حديثه.
-بقعد مع صحابي.
تحدث فهد بنبرة منزعجة معبرًا عن حنقه:
– المفروض تقعد معانا أحنا وبعدين لو مكنتش عايز تيجي مكنتش جيت، أنتَ من ساعة ما جيت بتبوظ كل حاجة.
ضيق داغر عيناه!!
لا يستوعب ما يسمعه..
كل ما فعله هو أنه نظر في الارجاء خوفًا من أن يكون هناك شخص يسمعه…
وحينما تأكد من عدم وجود أي شخص هبط إلى مستواه سائلا اياه بجدية:
-أنتَ مين اللي قالك الكلام ده وجبت الكلام ده منين؟!.
كان في اعتقاده بأن أفنان هي من قالت تلك الكلام أمام الصبي فهو فقط يرددها فلا يظن بأنه يتفوه بها من تلقاء نفسه، وخيب ظنه وهو يقول بشجاعة:
-محدش قال قدامي أنا اللي بقول..
كل يوم يتلقى صدمة منه…
ليجيبه فهد بنبرة ليست مرتفعة كعادته فهو لم يعتاد على أن يرفع صوته على أي شخص كبير:
-ضربت خالو أول ما جيت، وساعتها خليت ماما تعيط، ولما بطلت قولت أنتم اتصالحتوا ودي حاجات كبار بس ماما رجعت تعيط تاني وأكيد أنتَ السبب.
كان يتحدث بجدية فهو بالرغم من أنه بدأ في الاعتياد عليه ويرغب بأن تكون العلاقة بينهما جيدة لأنه والده إلا أنه لم ينسى ابدًا ما حدث عند اتيانه…
أسترسل فهد حديثه بلا توقف فهو لا يعطيه الفرصة أن يجيب عليه:
-انا مش عايز اعرف أنتم زعلانين ليه علشان هتقولي حاجات كبار مش هتفهمها؛ بس المهم تصالحها ومتخليهاش تعيط.
ختم حديثه وهو يرحل وصعد على الدرج متوجه صوب الغرفة الخاصة بشريف ينتظر أن تناديه دعاء ليقوم باللعب مع ريم، غرفة شريف التي أصبحت غرفته الآن تاركًا اياه داغر يجلس مكانه مصدومًا…
ولم يستوعب الصدمة إلا بعد مرور عدة دقائق ليصعد إلى غرفة النوم، توقع أن يجد فهد هنا ولكن كانت الغرفة مُرتبة وتم تعطيرها وكانت هي تقوم بطي سجادة الصلاة وتضعها على الأريكة فانتهت لتوها من صلاة المغرب….
وحينما وجدته لم تتفوه بشيء بل أخذت تبحث عن هاتفها لتغادر الغرفة، وأثناء بحثها عنه تحدث داغر بصوت مقتضب:
-هو أنتِ بتشتكي مني لفهد دي طريقة جديدة يعني؟!.
أستدارت له متمتمة بعدم فهم:
-طريقة ايه؟! وايه بشتكي لفهد دي؟!.
قال داغر بوضوح:
-ابنك بيقولي أنك بتعيطي واني انا اللي مزعلك.
هل لديه شك؟!.
تحدثت أفنان بنبرة مقتضبة:
-اكيد انا مش متخلفة ولا عبيطة علشان اروح اقول لفهد حاجة، وبعدين انا مبعيطش ولا غيره، دموعي خلصانة، كل الحكاية اني اتعصبت عليه النهاردة فهو مخمن اني مضايقة.
سألها سؤال سخيف بالنسبة لها:
-وأنتِ مش مضايقة؟!.
خرجت منها ضحكة ساخرة ثم قالت بعدها:
-انا وظيفتي في الحياة اني افضل مضايقة، اصلا لما بكون مش مضايقة بحس ان في حاجة غلط، فالموضوع ملهوش علاقة بيك متقلقش.
ابتلعت ريقها وأسترسلت حديثها بهدوء:
-ولو على فهد أنا هخليه يبطل يضايقك بالكلام هو عفوي بيتكلم من غير ما يقصد حاجة وانا مقولتش ليه حاجة اصلا….
قاطعها داغر برفض:
-ملكيش دعوة بعلاقتي بفهد ولا تقولي ليه حاجة…
اندهشت من هذا التعقيب مما جعلها تقول بسخرية:
-أنا مليش دعوة؟!..
هز رأسه بإيجاب لتغمغم برفض:
-على فكرة فهد عيل صغير.
عقب داغر بسخرية:
-هو انا قولتلك هو عيل كبير.
تجاهلت تعقيبه الساخر وأردفت بوضوح:
-يعني مش هيتحمل حالاتك المزاجية والمتقلبة اللي أنا بتحملها وبتقبلها، بلاش تعلقه بيك علشان لو معاملتك اتغيرت معاه بعد كده هو الوحيد اللي هيضر، وأنتَ كده كده هتسافر والحوار ده هيخلص وهتسيبه وفهد بيتعلق بالناس بسرعة.
تمتم داغر وهو يكز على أسنانه:
-لما تحسي انه اضر بسببي اتكلمي.
-وانا لسه هستنى؟!…
قالتها بشيء من الاستنكار لتستكمل حديثها:
-انا ممكن اتحمل أي حاجة لكن مش على ابني، لانه هو الوحيد اللي مغلطش في الحكاية ده ولا عملك حاجة.
جلس على طرف الفراش ينظر لها بأعين حادة:
-طيب، أي أوامر تانية؟!.
منذ أن ولج إلى الغرفة، الشجار بينهما مشتعل…
وفي أشد حالاته ولكن رغمًا عنها كانت ترغب في أن تخبره بما يقلقها وبمخاوفها، وذهاب كمال إلى شريف، تريد البوح بما يؤرقها؛ وهذا شيء عجيب جدًا…..
كيف لها أن ترغب بأن تخبره بما تشعر؟!..
ولأن في حالتها تلك ترغب في من يبث بها الطمأنينة ومن يشعرها بالأمان…
وهو لم يعد داغر التي تعرفه…
تحول إلى شخص يبتكر في إذلالها…
ولكن لما لا تخبره الأمر بشكل أخر؟!.
-كمال خد ماما وراح القاهرة.
عقب داغر بتلقائية:
-عارف الصبح سلمت عليهم وهما ماشيين قابلتهم وانا نازل.
سألته أفنان وهي تضيق عيناها بشكٍ:
-يعني أنتَ عارف أنهم رايحين لشريف؟!.
اتسعت عينه وهو ينهض من مكانه متحدث بصدمة:
-بتقولي ايه؟!.
-بقول اللي سمعته، كمال ناوي يعرف ماما كل حاجة، ومن بعدها ناوي يعرف فردوس.
تحدث داغر برفض لما يسمعه:
-انتِ بتقولي ايه؟! وازاي كمال يعمل كده؟! ده كل اللي قالهولي أنهم رايحين للدكتور..
تمتمت أفنان بتوضيح:
-ماما متعرفش وبرضو هو، كمال بيحطهم قدام الأمر الواقع وهو شايف أن الاحسن ان الحقيقة تنكشف قدام الكل..
قال داغر منفعلًا:
-اخوكي اتجنن، اتجنن أقسم بالله..
سألته أفنان ساخرة:
-ليه؟ مش يمكن فعلا ده الحل علشان محدش يشيل شيلة حد.
-لو ده كان الحل مكنش يبقى له لازمة كل اللي عملناه زمان…
تمتمت أفنان بلا مبالاة:
-مبقتش تفرق، اللي يحصل يحصل، مبقاش في حاجة اسوء من الوضع اللي كلنا فيه، حتى لو الناس كلها عرفت مبقتش تفرق…
سألتها داغر باستغراب وهو يراها تتوجه ناحية الباب:
-وأنتِ رايحة فين أنتِ كمان؟!.
-رايحة لفهد، في مانع؟!.
عقب داغر بعدم اكتراث لهذا الأمر فعقله الآن مشغولا بما يفعله كمال:
-طيب.
_______________
بعد مرور ساعة.
كانت تنادي عليه ولكنه ركض، كان يكفي بأن يرى ابنة دعاء في الحديقة من النافذة ليركض ويذهب إليها فورًا وها هي تركض خلفه ولكن كادت أن تسقط ولكنه لحقها بذراعيه لتنظر له لعدة ثواني ثم تعتدل ليسألها في اهتمام غريب:
-في ايه بتجري كده ليه؟!..
تمتمت أفنان بنبرة هادئة:
-بجري ورا فهد، اصله شاف ريم بنت دعاء جت.
نظر داغر لها يتفحصها بنظرات تربكها دومًا في كل مرة، ليعلق بنبرة فاترة:
-العباية اللي أنتِ لبساها دي طويلة جدا وأنتِ عماله تجري هتتكعبلي بيها…
حينما ترتدي منامة محتشمة لا تعجبه رغم أنه لا يتواجد أي شخص غريب في المنزل بالنسبة له، جدها وشقيقها وعمها، ومع ذلك يعلق، حينما ترتدي عباءة يعلق أيضًا ولا تعجبه…
كل شيء ترتديه او تفعله لا يعجبه!!!!
-انا واخدة بالي كويس.
هتف داغر بسخرية:
-لا واضح اوي؛ انا اللس كنت هقع من دقيقتين.
نظرت له بضيقٍ ثم رحلت واسترسلت سيرها، لتهبط على الدرج وتتوقف في منتصفه تقريبًا بدهشة حينما وجدت إيمان أمامها….
لا تتذكر أنها رأتها بعد حفل زفاف كمال وفردوس!!!!
لم تتغير، مازالت تمتلك الهيئة نفسها، رُبما فقدت وزنها قليلًا في جسدهل لا أكثر أما ملامحها لم تختلف كثيرًا…….
هتفت إيمان بابتسامة مصتنعة:
-ازيك يا أفنان عاملة ايه؟! عاش من شافك.
تمتمت أفنان بنبرة رسمية:
-الحمدلله بخير يا ايمان؛ أنتِ ايه اخبارك؟!.
-الحمد والشكر لله في أفضل حال..
سألتها أفنان بعفوية:
-أنتِ جاية لفردوس؟!.
عقبت ايمان بسماجة:
-اه جاية لفردوس اومال هاجي لمين غيرها يعني، ايه اخبارك؟!، بس مبسوطة جدا اني شوفتك، متعرفيش انا بحبك وبعزك لله في لله كده.
شعرت افنان بأن نظراتها كانت غريبة بعض الشيء لا تعلم هل لأنها باتت تركز في كل شيء ولأنها غاضبة ومتوترة اليوم لا تتقبل شيء أم ماذا؟ا!!!
لكن رؤيتها جعلتها تتذكر لقائها مع حسن الأخير، في احدي الليالي ما قبل الزفاف..
…..عودة إلى الماضي…..
انتظرته ظلت تنتظر إتيانه الليلة لم تتحمل الصمود..
انتظرته في حديقة المنزل…
وحينما ولج إليها في الرابعة فجرًا أقتربت منه ليحاول تجاهلها ويتخطاها ويستكمل سيره ولكنها وقفت أمامه بإصرار:
-هو أنتَ هتفضل تهرب مني كتير؟!.
تمتم حسن بانفعال:
-ما تحلي عن نافوخي بقا خلاص الحوار خلص من بدري وأنتِ لسه مصممة على النكد.
نظرت له بصدمة لا تصدق استهانته بما فعل!!
هي لوهلة على وشك أنك تصدق بأنه لم يقم باغتصابها بسبب برود اعصابه بل انكاره الدائم ورؤيته بأن الأمر لا يستدعي هذا كله…
هتفت أفنان بنبرة جادة:
-أنتَ بتستعبط ولا فقدت الذاكرة ولا نسيت عملت فيا ايه؟! أنتَ اغتصبتني.
تمتم حسن بنبرة فاترة وخافتة:
-معاكي دليل؟!! مين يصدق كلامك، انا ازاي هعمل كده وفي بيتكم؟! انا بعتبرك زي اختي الصغيرة، وبعدين اللي ما شوفت صوت خرج منك ولا حد سمعك فلو فضلتي تجري ورايا انا اللي هفضحك يا أفنان وما هخلي بني ادم يحط وشه في وشك.
يجب أن تصنع له تمثال في الوقاحة…
هو مصمم على أن يجعلها مذنبة لأنها لم تصرخ…
خوفها هو من جعلها تصل إلى تلك المراحل..
استرسل حديثه بتسلية:
-وبعدين انا راجل شبة خاطب وبحبها وهنتفق على فرح وكتب كتاب علطول؛ ايه اللي يخليني اعمل حاجة زي دي؟!.
كانت تنظر له بدهشة….
عقلها صغير جدًا أمام شاب أعتاد على ردع النساء واخافتهم تحديدًا لو كانت فتاة في عمرها، ولأنه علم نقطة ضعفها لذلك يقوم باستغلالها على أكمل وجه…..
-ده اللي هقوله قدام اي حد وشوفي مين هيصدق كلامك الاهبل ده، وهتفتحي على نفسك ألف باب وباب فاسكتي أحسن.
تمتمت أفنان بضعف تحاول محاولتها الأخيرة:
-أنا هقول لايمان يا حسن.
قهقهة حسن بسخرية ليقول بعدها:
-ضحكتيني على العموم لو عندك الجراءة تقوليلها كده هي مش بتثق غير في الكلمة اللي بقولها، أنتِ بالنسبة ليها هتبقى واحدة بتحاول تخرب عليها بعد ما قضت سنين عمرها في قصة حب مع واحد بتموت فيه، زي ما يقولوا هتبقى *****…
…..عودة إلى الوقت الحالي….
شعرت ايمان بشرودها ولكنها تأملتها وتأملت جمالها لم تزيدها السنوات إلا فتنة، بل ومازالت متزوجة حياتها جيدة جدًا وكأن لا شيء قد حدث…..
تمتمت إيمان بنبرة مهتمة:
-صحيح بقالك قد ايه راجعة من السفر؟!.
عقبت أفنان بنبرة هادئة:
-يعني حوالي شهر كده.
-حمدلله على السلامة، ومسافرين امته تاني؟!.
لا تعلم أفنان سر كل تلك الاسئلة ولكنها أجابت عليها:
-الله يسلمك، يعني على حسب داغر ما يقول اجازته هتخلص امته احنا قاعدين.
تمتمت إيمان بود مصتنع وابتسامة يصدقها من يراها:
-اه، طيب عالعموم أنا وفردوس بنروح الجيم، لو حاسة انك زهقانة وكده ومش لاقية حاجة تعمليها ممكن تيجي معانا بجد الجيم بيفرق في المود جدًا..
هتفت أفنان بعد تفكير دام لدقيقة تقريبًا:
-مش عارفة بصراحة مليش في حوارات الجيم والكلام ده.
-جربي مش هتخسري حاجة.
تمتمت أفنان حتى تتخلص من الحديث معها:
-خلاص تمام هفكر وكده واشوف دنيتي، عن اذنك
-اتفضلي….
هبطت أفنان درجتين تقريبًا لتسقط بعدها على الدرج فجأة صارخة وأخذ جسدها يتدحرج، حتى وصلت إلى نهاية الدرج واختلط صوت صراخها بصوت صراخات ايمان التي هبطت خلفها….
وداغر الذي أتى على أصواتهم بعد أن كان على وشك الذهاب إلى جده لاحديث في أمر كمال وقرار قام باتخاذه…
جاء البيت كله تقريبًا…
حتى أن فردوس خرجت من غرفتها…
هبط داغر بسرعة حتى وصل إليها وهو يشعر بالخوف الرهيب رفع رأسها ليجد دماء تسيل منها وفقدت الوعي تقريبًا ليتحدث بخوف وهو يضرب وجنتيها بعاطفة قوية:
-أفنان، أفنان ردي عليا يا حبيبتي……

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ديجور الهوى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *