روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل السابع و الستون 67 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل السابع و الستون 67 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت السابع و الستون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء السابع و الستون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة السابعة و الستون

~.. مواجهة الماضي ..~
_مش هفطر لوحدي !
لم تعهده فرحة لطيفا هادئًا ومبتسمًا أيضا..!
كل تلك الأشياء تتضح لها يوما بعد يوم، هل يتزين بها أمامها فقط، أم أنها من خصاله في الاساس !
لم تعرف، وليتها تعلم، ولما تهتم لتلك الدرجة بأمره ؟!
تتلهف لرؤيته، وعندما يقف أمامها تود لو تركض لأبعد مكان عن عينيه ؟! …. وجهان لعملة واحدة … ولكن ما هي يا ترى تلك العملة تحديدًا ؟!
ابتسمت بمجاملة وللحظات سريعة وابدت رفضها بلطف، ولكنه لم يعتني برفضها … يريد أن يشاركها أي شيء، وكل شيء … والبداية من أبسط الأشياء .. وجبة طعام !
أتى عامل البوفيه ومعه ما طلب منه، ووضع الطعام والمشروبات على مكتب زايد، وتظاهرت فرحة بقراءة أحد الملفات وهي لم ترى شيء من المكتوب بالأوراق، ولكنها كرهت أن تبدو بمظهر المراهقة الساذجة التي يتلون وجهها عند محادثة أي رجل.
وجف ريقها عندما وجدته ينهض متكأ على عكازه ويتوجه للمقعد المقابل أمامها … اللعنة على تلك الالام التي غزت معدتها فجأة من فرط الارتباك والتوتر ! … حتى جلس بسهولة دون مساعدة منها واسند عكازه على ذراع المقعد، وقال مبتسما ورائحة عطره النفاذة تتسلل لأنفاسها بغزو:
_ نفطر الأول وبعدين نكمل …
ازدردت ريقها ونقت حلقها أولًا حتى لا يفضح ارتباكها صوتها المرتجف وبعدها قالت بصعوبة:
_ مش جعانة والله … شكرًا جدًا.
تنفس زايد بقوة ثم ارجع ظهره للمقعد باسترخاء وعم الصمت للحظات ثم قال بصوتٍ يبدو به لمحة عتاب:
_ لسه واخدة موقف مني بسبب ..
ولم يتابع، هو نفسه يكره نفسه عندما يتذكر تهوره بتلك الليلة … ولكنه لم يستطع شرح ما كان خلف كل ذلك … حيث انه في ذلك اليوم تحديدًا كان يود أن يهرب من الجميع مثلما يفعل بتاريخ نفس اليوم في كل عام … ولكنه عوضا ذهب اليها ….!
تجهمت وقد عادت اليها تلك الذكرى السيئة وقالت بضيق وعصببة:
_ ياريت ما نتكلمش في الموضوع ده تاني … بعد أذنك !…
اطرفت عينا زايد للحظات مفكرًا بشيء يستطع به أن يربح ولو بعض من ثقتها … فقال بصدق:
_ مش هتكلم فيه تاني بس خليكي فاكرة أني لو ناوي على أذيتك من البداية مكنتش هخليكي تمشي بسهولة … أنا مكنش في نيتي ااذيكي وهي دي الحقيقة … بس اليوم ده بالذات أنا مابعرفش أفكر .. عقلي بيكون مغيب تقريبًا … و…
وقطع حديثه ولم يستطع أن يتابع دون أن يفصح لها عن سراديب أسراره وماضيه … فعقدت فرحة حاجبيها بنظرة استفهام … تريد المزيد وفهم الموقف على حقيقته …. فقالت :
_ و إيه …؟!
كان قد شرد قليلا للبعيد، ولكنه رفع نظره لها بلمعة معذبة ظهرت بعينيه وقال:
_ وأني لو في الظاهر كنت بهددك تبعدي عن أمجد … بس ده بعد ما عرفت حكايته …. وكويس أنك بعدتي عنه ووثقتي في كلامي …
ابتلعت فرحة ريقها بصعوبة، هل تخبره أنها تعرضت للرفض وأمجد من اعرض عنها وصارحها بحقيقة مشاعره اتجاه ممرضة بالمشفى ؟! … أم سيضعها هذا الاعتراف بموضع من بحثت عن البديل بعدما تعرضت للرفض من رجل آخر ؟!
لا يهمه في الامر سوى انها ابتعدت عن أمجد… إذا ليست ملزمة أن تخبره بشيء. … فقالت لتغير دفة الحديث:
_ أنا مش بحب اتكلم في اللي فات كتير … اللي فات فوته، احنا في النهاردة … ولو شايف أني واخدة منك موقف فالأحسن تثبتلي أنك مش الانسان اللي شوفته قبل كده … ده لو الموضوع يهمك يعني أني اتأكد.
ابتسم زايد ببطء وقال:
_ يهمني جدًا جدًا …. ممكن بقا تفطري معايا ..؟
اعترضت مجددًا وهي تبتسم ولكنه أصرّ وناولها “ساندويتش” وكوب عصير طازج …

 

 

*******
تأهبت الطبيبة مروة لوصول جيهان بأي لحظة … واستعدت بما ستقوله لها … ستكون المواجهة محتدمة بينهما بلا شك … ومر من الوقت ما يكفي جيهان للوصول للمشفى.
ولكنها أتت وبدت شاحبة لدرجة ملحوظة، بعينان ذابلة لا حياة فيهما ! …. وبما أن الطبيبة ارسلت لها لتأت بأسرع وقت إذن فضح أمرها ! …. ولم تتفاجئ أن وجدت وجيه ينتظرها بمكتب الطبيبة أيضا … !
جف ريقها وهي تقف أمام باب مكتب الطبيبة مروة وتعاركت مع مقاومتها للركض من هنا كي تثبت وتتم المواجهة … ويحدث ما يحدث … فتحت الباب وتقابلت نظرة جيهان مع نظرة الطبية في لحظة طويلة … حتى قالت مروة بعدما حاولت الثبات:
_ اتفضلي يا مدام جيهان ..!
دلفت جيهان للغرفة بخطوات بطيئة وظهر على وجهها الخوف والتراجع …. ثم اغلقت الباب واستدارت لمروة في مواجهة محتومة! …. وعندما جلست ظهر أن أنفاسها تتسارع وكأنها مضت فترة طويلة تركض …!
وقالت مروة بصوتً حاد وهي تشبك أصابعها ببعضهما:
_ بداية كلامي ….
قاطعتها جيهان على غير المتوقع وقالت بنظرة منكسرة قريبة للدموع:
_ البداية عندي ….قبل ما تقولي أي شيء، وأي كان اللي هتقوليه …. سبيني اتكلم الأول لو سمحتي ..
نظرت مروة لجيهان بتمعن، وحاولت أن تراقب حركات جسدها وهي تتحدث وتفسرها علميًا …. فقالت:
_ اتفضلي قولي اللي عندك أنا سمعاكِ …
ابتلعت جيهان ريقها وعينيها تطرفان بدموع بدأت تتساقط … عينان خاوية لا حياة فيهما سوى عمر يمضي دون الشعور به !
بدأت جيهان تبك ويزداد بكائها … وقالت برجاء:
_ اكيد اللي هقولهولك ده سر بيني وبينك مش كده ؟
راقبتها مروة بدقة واومأت رأسها بالموافقة…. فقد شعرت بلهفة شديدة أن تستكشف المعالم النفسية المعقدة بداخل تلك المرأة الفاتنة الحزينة …
اشتد بكاء جيهان وتحول إلى شهقات شديدة بعد لحظات قليلة ودموع تأبى التوقف، وتركتها مروة تبك دون مقاطعة … ولكن عينيها تدرسانها بدقة شديدة … حتى قالت جيهان ببكاء شديد :
_ اطلقت من وجيه من عشر سنين، الطلاق مفرقش معايا وقتها، لدرجة كنت بتباهى قدام صحابي وأقول مش فارق، وفعلا مكنش فارق … بعدها بفترة اتخطبت … ومحصلش نصيب، واتخطبت تاني ونفس الشيء …. واتقدملي كتير وقولت بلاش اتسرع في الخطوبة واعرف الشخص الأول …..
عشر سنين محدش بيقرب مني غير وهو طمعان في ورثي !
كل اللي دخل حياتي بعد وجيه كانوا طمعانين فيا بشكل خلاني أفقد حتى الثقة في نفسي مش في الناس بس !
انتبهت مروة لكل كلمة تقولها جيهان حتى لا يفوتها شيء … حتى تابعت جيهان وبكائها يشتد :
_ وجعوني أوي ! … مافيش حد فيهم كان عايزني أنا بجد! …. كانت الفلوس أغلى مني في عنيهم ! …. كنت بقف كتير قدام المراية عشان اتأكد لو كنت حلوة ولا لأ !! …. واسأل نفسي ليه أنا مابتحبش ؟! … ناقصني إيه ؟! …. وقررت ارجع لوجيه !
بأي شكل … استنيته يكلمني ويرجعني، بس ما اتكلمش !
سألت الطبيبة :
_ بتحبيه …؟!
ابتلعت جيهان ريقها واومأت بالايجاب وقالت والدموع تغزو عينيها:
_ الكام شهر اللي اتجوزته فيهم زمان مجرحنيش ومظلمنيش في مرة…. عمري ما حسيت أنه طمعان فيا، وجيه مش محتاج اصلا ورثي عشان يطمع فيه … هو الانسان الوحيد اللي حسيت معاه بالأمان …. وعرضت عليه نرجع ..
تفاجئت مروة بهذا الأمر، ويبدو أن ليلى لم تعرف أن جيهان من طرحت فكرة الرجوع بالاساس ، ويبدو أيضا أن وجيه صان الأمر ولم يعلنه لمخلوق…. فأضافت جيهان:
_ كان تقريبًا رافض، رغم أنه مقالهاش مباشرة بس حسيتها منه، وفجأة وافق بعدها بكام يوم ! …. وليلى كانت ظهرت من تاني ، واعترفلي أنه لسه بيحبها بس بيحاول ينساها …. ووافقت وكملت … وكل شيء كان بيأكدلي أنه عمره ما هينساها …
قالت مروة باستغراب:
_ يعني كنتي عارفة انه بيحب واحدة تانية ومش هيعرف ينساها ومع ذلك كملتي معاه ! … مجرد أنه قالك أنه بيحاول يبقى الموضوع اصعب من المحاولة نفسها!! … كان لازم تفكري كويس !
نظرت جيهان بألم لمروة وقالت:
_ أفكر وأنا خايفة من الوحدة ! .. أنتي عارفة يعني إيه الأول أن مايكونش ليكي أي حد ! … بعد التجارب دي كلها مكنتش هعرف ادخل في تجربة جديدة … وده معناه هفضل لوحدي !
أنا مغلطتش لما قررت ارجع لوجيه …. !
أنا تخيلت أنه ممكن ينساها وهو معايا بكل الحب اللي رجعاله بيه ! ….
وتابعت بمرارة:
_ لما حسيت أنه هيتجوزها سواء رضيت او لأ … طلبتله ايدها أنا ! … سبقته ولميت اللي فاضل من كرامتي ! …. وبرضو تخيلت أنه ممكن يزهد فيها بعد شوية …. يزهق ولهفته ليها تقل ويرجعلي واكسبه وافرح …. بس يوم بعد يوم كان بيحصل العكس !
قربها ليه خلاه يحبها أكتر، ويتعلق بيها أكتر، وأملي في قربه بيتدمر ! …..
سألت مروة بحدة:
_ هددتي ليلى ليه ؟ …. وأزاي عرفتي عنها كل ده ؟!
شهقت جيهان ببكاء مرير للحظات وقالت بعدها :
_ كانت لحظة ضعف مكنتش اقصد اهددها ولا كنت هقول لوجيه حاجة اصلا !! … بس كان جوايا كره ليها كبير في اللحظة دي…. لكن والله العظيم ما كنت هقول لوجيه حاجة !
أنا سمعتك بالصدفة يوم فرح ليلى ووجيه وعرفت اللي حصلها …. يعني عارفة من فترة كبيرة ، لو في نيتي أقول كنت قولت من زمان ! …. أنا مش كده … أنا مش وحشة …. صدقيني أنا مش وحشة للدرجة دي !
بس الشيطان بيغلبني … بيدخلي من ضعفي …. قولي لليلى تسامحني ارجوكي لأني مش قادرة اسامح نفسي …
تنفست مروة بعمق وفكرت للحظات …. ثم قالت وهي تنظر لجيهان التي انخرطت في عاصفة بكاء جديدة:
_ أنا هتصرف في موضوع ليلى ودي فرصة تانية ليكي …. أنا فهمت حاجات كتير من كلامك وللحقيقة عذرتك في بعض الأمور …… ولكن ده مايعفكيش من اللي عملتيه مع ليلى …. أظن غلطتي في حقها غلطة كبيرة ولازم تعتذريلها بنفسك ….
ردت جيهان بموافقة سريعة:
_ لو عايزاني أروحلها دلوقتي أنا موافقة …. أنا مابقتش عارفة أنام أو أغمض عيني من وقت اللي حصل، وكمان وجيه حاسة أنه شاكك فيا بس مش لاقي دليل !
قالت مروة بصدق:
_ عايزة أقولك حاجة بخصوص دكتور وجيه … لازم الحاجة دي تواجهي بيها نفسك ….. أنتي حبتيه احتياج للأمان …. وده مش حب …
ابتلعت جيهان ريقها وقالت وهي تمسج دموعها :
_ أنا فعلا كنت محتاجة للأمان وده لقيته فيه هو وبس … بس أزاي ده مش حب ! … طب والغيرة اللي بحس بيها ودموعي اللي مش بتنشف تقريبًا !
أجابت مروة:
_ في شعرة بين الحب والاحتياج لشخص….. الحب مش مشروط … بس الاحتياج مشروط … الحب انتي بتحبي انسان بذاته مهما كان في احسن منه كتير موجودين …. بس أنتي عايزاه هو وبس …. أنما الاحتياج للأمان ده نابع أنك مش بتثقي في حد غير فيه …. وثقتك جاية من فعل مؤكد لأن هو الوحيد اللي مطمعش فيكي ….. أنتي لو لاقيتي حد غير دكتور وجيه واثبتلك أنه جدير بثقتك هتحسي نفس احساسك لدكتور وجيه ويمكن أكتر!
أما الغيرة ده أمر طبيعي جدًا …. الغيرة مش دايمًا دليل على الحب ! …. الغيرة ممكن تبقى تملك أو أنانية.
اجفلت جيهان عينيها بدهشة ولم تعرف بماذا تقول….. فتابعت مروة :
_ مشكلتك الحقيقية فيكي أنتي …. ليه حد زيك بثقافتك ومكانتك يبقى شايف نفسه ضعيف بالشكل ده ؟! ….. ليه موقفة احساسك بالقوة والأمان على رجل ؟!
وليه شايفة أن الطريق الوحيد للخلاص من الوحدة يتلخص في جوازة ؟! …. طب أنتي دلوقتي متجوزة .. حاسة بإيه ؟!
اتخلصتي من وحدتك ! …. اتطمنتي ؟!
امتلأت عين جيهان بالحزن والكسرة ولم تجيب … ففهمت مروة صمتها وقالت:
_ بصي يا مدام جيهان أنا بكلمك زي ما بكلم ليلى بالضبط … مش بحب أنسى واجبي ك دكتورة نفسية …..
الوحدة الحقيقية في الاختيار مش في الانتظار ! …. انتظارك لزوج مناسب ده شيء طبيعي وفطرة فينا كلنا … أنما لما تختاري انسان انتي عارفة ومتأكدة أن قلبه بعيد عنك وبيحب واحدة تانية بالشكل ده يبقى أنتي اللي اخترتي تبقي وحيدة بس على ذمة رجل ! …. لو كل حد فينا عشان يخلص من وحدته ارتبط بشخص مش مناسب ليه هتبقى الحياة صعبة جدًا …..
وعلى رغم كل اللي قولتيه أنا شيفاكي قوية جدًا ! …
مع كامل تيهتها بما قالته الطبيبة وتفسيرها …قالت بدهشة:
_ شيفاني قوية ؟! …. أزاي؟!
شرحت مروة وقالت:
_ القوة اللي بجد هي اللي بتخلينا نواجه الغلط والعيب والحرام، أنتي حاولتي ما تأذيش ليلى ومانفذتيش تهديدك ليها وقولتي لدكتور وجيه ….. أنتي قوية … لكن لو كنت قولتيله كنت هصدق أنك ضعيفة فعلا.
قالت جيهان بتأكيد :
_ لو بتقولي كده عشان ماتخلنيش أقول لوجيه حاجة فأوعدك أن الكلام ده لا هيطلع ليه ولا لغيره !
ابتسمت مروة وقالت:
_ لا مش ده قصدي …. لأن الحقيقة أنا اللي هقولها لدكتور وجيه بنفسي … لازم ليلى تتخلص من الضغط النفسي ده …. أنا مكنتش عايزاها تقوله بصراحة تنسى اللي حصل ، لكن بعد الموقف ده لازم دكتور وجيه يعرف … وهو اللي هيخلصها بنفسه من الضغط ده …
أخفت مروة أمر الرسالة الصوتية، ريثما أن جيهان اعترفت بكل شيء دون جدال، ولأنها يبدو عليها تمر بأزمة نفسية شديدة ولم ترجح مروة أن تزيدها بذعر تلك الرسالة …فقالت جيهان برجاء:
_ ممكن أطلب منك طلب يا دكتورة مروة ؟
قبلت مروة بهزة من رأسها فتابعت جيهان طلبها:
_ أنا محتاجة اتكلم مع حد زيك، يقدر يفهمني ويوضحلي اللي غايب عني…. ليكِ عيادة اقدر اجيلك فيها ؟
أجابت مروة بقبول طلبها:
_ للأسف لسه مش عندي عيادة خاصة، بس رقم تليفوني هو اللي اتصلت عليكي منه، يوم ما تحبي تتكلمي اتصلي بيا ونتقابل في أي مكان ….
سألت جيهان بقلق:
_ طب وهتكلمي ليلى تسامحني ؟ …. أنا عايزة ضميري يرتاح ارجوكي … حتى لو قالت لوجيه اللي عملته.
قالت مروة بصدق:
_ هكلم ليلى وأفهمها كل شيء وهوصلها كلامك … هحاول اصلح ما بينكم … بس توعديني أنك ما تحاوليش تضايقها تاني ؟
اكدت جيهان بهزة قوية من رأسها وقالت:
_ مش هحاول ابدًا ….. أوعدك …
وخرجت جيهان من المكتب …. واستراحت مروة في مقعدها تفكر بعمق ….قد أخفت ما حدث لليلى من نسيان الموقف بالكامل … حتى لا يلعب بها شيطانها مرة أخرى ويجعلها تستغل مرض ليلى في ايذائها ….و كانت تظن أن المواجهة ستكون أعنف من ذلك ، ولكن صراحة جيهان وندمها الظاهر والواضح دحض كل شيء …. لابد من وجود فرصة ثانية للمخطئ !
وهنا تذكرت أحمد … فتنفست بعمق ونفضت عن فكرها ذكراه.
*********
وأتى موعد الزيارة الأولى لأحد العملاء …. وكانت فرحة قد خرجت للتو من مكتب زايد بعدما شرح لها بعض الأشياء ….. وإثر دخول العميل اعلن الهاتف الخلوي لمكتب السكرتارية اتصالا …. فأجابت ببعض التوتر:
_ مع حضرتك ….
رد زايد وبدا منشغلا مع العميل بالثوان الأولى :
_ هاتي الملفات اللي خدتيها يا آنسة فرحة بعد أذنك ….
نظرت فرحة لعدد الملفات على مكتبها بنظرة متسعة، وتذكرت أنها لم تترك له الملف الخاص بالعميل الذي أتى منذ قليل …. فقالت باعتذار:
_ أسفة مخدتش بالي … حالا جاية لحضرتك…
واغلقت الهاتف ولملمت الملفات ثم توجهت لمكتبه ….
وثوانٍ وكانت بالمكتب تقف أمامه … وعلى جانبا يمكث رجل انتشر الشيب برأسه وذو وجه بشوش ويبدو أنه في الستين من عمره….. فوضعت فرحة الملقات وقالت بنظرة اعتذار:
_ أسفة والله … دي الملفات اللي حضرتك طلبتها …
هز زايد رأسه بنظرة لطيفة ثم قال :
_ طب اقعدي وسجلي اللي هقولك عليه …
جلست فرحة وسجلت ما قاله زايد بدقة شديدة … حتى ابتسم الرجل الستيني وقال ببهجة:
_ كده خلصنا بقا من السبب الأول في زيارتي ليك …
سأل زايد الرجل بلباقة:
_ مش محتاج سبب عشان تزورني في المكتب يا حاج محمود …. بس يا ترى ايه السبب التاني ؟
أجاب الرجل ببشاشة:
_ السبب التاني أن فرح بنتي يوم الجمعة الجاية بأذن الله …. ويشرفني حضورك …
ابتسمت فرحة وقالت بتلقائية :
_ الف مبروك … ربنا يتمملها بخير …
نظر لها الرجل مبتسما وقال :
_ الله يبارك فيكي يابنتي …. وانتي كمان هفرح أوي لو حضرتي … عقبالك يارب ..
تسللت نظرة زايد لوجه فرحة الذي تخضب من الاحمرار وابتسم بمكر … وقال بصوتً ماكر:
_ قريب بأذن الله …
ارتبكت فرحة بدرجة كبيرة وصلت لأن لم تجد كلمات لترد بها … فقال زايد مبتسما ابتسامة مرحة للرجل :
_ بأذن الله هكون موجود انا وآنسة فرحة …. ربنا يتمم بخير …
اتسعت عين فرحة بدهشة ثم نظرت له بغيظ …. ونهض الرجل وغادر المكتب وبعدها وقفت أمام مكتب زايد وقالت بعصبية :
_ انت بتقرر عني ؟! … أنا مش بروح مكان ما أعرفهوش ؟!
نظر لها للحظات وعينيه مليئة بالابتسامة والمكر … ثم قال بهدوء مستفز :
_ حسام أخوكي وفادي هيكونوا معانا … ارتحتي كده ؟! ….
هتفت فرحة بعصبية :
_ هو معزمش أخويا ومايعرفوش أصلًا … هيروح ليه ؟!
استرخى زايد في جلسته وقال مبتسما بتسلية :
_ في الأفراح محدش بيدقق زي ما أنتي فاكرة … واللي بيتعزم بيبقى مسموح له يجيب أي عدد معاه …. ساعتين بس ونمشي …..
قالت فرحة بغيظ من هدوئه هذا :
_ مش رايحة …!
رد زايد وهو يستمتع بغيظها وقال:
_ يبقى كان لازم تقوليله وهو هنا … وبعدين ما تتعوديش تكشفي غلطاتك قدام العملا …. ماتعتذريش قدام حد من العملا على غلطة وحاولي ما تكشفيهاش … حضري نفسك بقا للحفلة …
صرت فرحة على أسنانها بغيظ وخرجت من المكتب بخطوات سريعة …. فاتسعت ابتسامة زايد على طريقتها الصبيانية !
*******
قال وجيه وهو يتأمل مروة التي طلبت مقابلته لبعض الوقت في مكتبه :
_ اكيد في شيء ضروري للمقابلة دي ؟!
ابتلعت مروة ريقها كي تشجع نفسها وتخطو الخطوة الثانية …. فقالت :
_ في شيء لازم أقوله لحضرتك … الشيء ده من الحاجات اللي عرفتها عن ماضي ليلى وكنت مترددة أقولك عليه …. ونفس الشيء ده اللي مخلي ليلى في حالة توتر شديدة من معرفتك بيه في أي لحظة ….
ضيق وجيه عينيه بقلق وقال بشيء من العصبية:
_ في أيه ..؟!
توترت مروة عكس ما كانت تعتقد …. ثم بدأت تتحدث :
_ اللي هكلمك عنه دلوقتي هو اللي خلى ليلى توافق على جوازها من صالح غصب عنها ….
اسودت عينان وجيه وكأنه سيواجه بأسوأ ظنونه وما كان يشك فيه ويحاول الا يفكر به …. حتى شرحت مروة السبب الحقيقي لموافقة ليلى على زواجها من صالح ….
ويبدو أن عينيه اضطرمت فيها النيران وانتفض واقفا بعينان اصبحت ككتل الفحم، وعروق عنقه منتفخة بعنف كأنه يريد العراك مع الد أعدائه ….. قلقلت مروة من مظهره المخيف وقالت برجاء:
_ يا دكتور أنا مقدرة اللي أنت حاسس بيه … بس هو اصلا ما اغتصبهاش والله … هو وهمها بس بكده واكتشفت الحقيقة يوم الفرح …. يا دكتور انا بقولك عشان تشيل من عليها الحاجز النفسي ده مش تزوده !
ليلى ما ذنبهاش حاجة …. دي اتظلمت وشافت المر معاه … ارجوك أهدى وحاول تتحكم في أعصابك …
ولكنه كان بدنيا أخرى … دنيا لا يبحث فيها سوى عن ذلك القذر زوجها السابق … لينتقم منه ويشفي غليله … ولكن الآخر قد مات بالفعل ! …. أطرق وجيه على مكتبه بعنف ارعب مروة منه فقالت بقلق شديد :
_ ليلى ذنبها إيه في اللي حصل ! …
نطق بعينان تلتهب غضب :
_ كان لازم أعرف … كان لازم من عشر سنين فاتوا أعرف وأنتقم منه بنفسي …. مكنش لازم تخبي عني …
وقفت مروة أمامه وقالت بعصبية:
_ اللي شجعني أقولك أني عارفة ومتأكدة أنك بتحبها … أنا مش بقولك عشان تبقى في الحالة دي! ….قولتلك عشان هي خايفة ومرعوبة تعرف في يوم … وغصب عنها مش قادرة تعترف بشيء بشع زي ده …. خليك فاكر يا دكتور وجيه أن ليلى محتاجة اللي يطمنها ويخفف عنها… ولو واجهتها وأنت كده الله اعلم حالتها ممكن توصل لفين … أنت اللي في ايدك الأختيار.
مرر وجيه يده على رأسه وكأنه يكبت انفجار أوشك أن يلتهب ويثور …. ثم توجه للباب وخرج من المكتب وصفق الباب خلفه بعنف …. وضعت مروة يدها على فمها بخوف شديد ….

 

 

فتحت حميدة باب مكتب يوسف وهي تلهث … ووقفت وأنفاسها تتسارع بشدة وقالت:
_ مالك يا يوسف … ؟!
أخفى يوسف ابتسامته بعدما نجحت خطته بامتياز وأتى بها لهنا راكضة بعد مكالمة هاتفية أخبرها فيها أنه يتألم من جانبه الايمن ولا يعرف السبب … فضغط على جانبه وتظاهر بالألم وقال:
_ مش عارف يا حميدة مالي … فجأة لقيت جانبي بيوجعني وجع غريب كده!
فركضت إليه وهي ترتجف خوفا وأوشكت أن تصرخ من الرعب …. تحسست موضع يده على جانبه وقالت :
_ الألم من هنا ؟! …
هز يوسف رأسه متظاهرًا بالألم ولكن عينيه بها شيء لم تتكهن حميدة حقيقته بغمر فزعها هذا …. فقالت وبدا عليها الحيرة والخوف:
_ هروح أقول لعمي وجيه واجيبهولك حالا يشوف فيك إيه …
جذبها من معصم يدها قبل تبتعد وقال ليمنعها من الذهاب وملامح التعب المزيف هربت لثوان :
_ لا بلاش … اقصد يعني هكون كويس بعد شوية …
وعاد متظاهرا بالمرض مرة أخرى فقالت بتعجب:
_ لازم حد يشوف فيك ايه ؟! … هتفضل كده معقول ؟!
همس بصوته قرب وجهها وكأنه يتوسل :
_ خليكي جانبي …
جعدت حميدة ما بين حاجبيها بشك وابتعدت عنه قائلة بنظرة ضيقة:
_ أنت تعبان بجد ولا !!!
نهض يوسف من مكانه بنظرة متوترة … حتى انتبه أن الباب مفتوح على مصراعيه ! … فضيق عينيه بمكر وتظاهر بشدة المرض وهو يعاتبها ويتوجه للباب ليغلقه عليهما دون أن تنتبه لذلك ….وقال بأسى:
_ بتشكي فيا وأنا في الحالة دي ؟! ….. مكنتش متوقع منك كده أبدا يا حميدة ….
ودفع الباب وأغلقه بالفعل وكأنه لم يقصد ذلك … ثم استند عليه بظهره وقال بنظرة شديدة العتاب :
_ أنتي الوحيدة اللي أخترتك تبقي جانبي في أشد أوقاتي !! …. متصلتش بحد غيرك … عارفة ليه ؟!
اقتربت منه سريعا وقالت بنظرة اعتذار واسف:
_ ما تزعلش مني أنا غلطانة …. بس ليه ما اتصلتش بحد تاني ؟!
جذبها إليه بضحكة منتصرة وهمس لها بعد ذلك وقال:
_ عشان وحشتيني … شوفتي بقا أني اقدر أجيبك جري لعندي من غير مجهود !! …
وابتسم ابتسامة واسعة وهو يغمز بعينه في نظرة خبيثة … فزمت حميدة شفتيها بغيظ وحاولت الابتعاد عنه ، ولكنه شدد قبضته عليها كي لا تبتعد …. فقالت بعصبية:
_ حرام عليك انا كنت مرعوبة عليك ! ….. هزارك بايخ وسخيف بجد !!
ثبت ذراعيها التي تدفعه بهما خلف ظهرها بقبضتيه ونظر لها مبتسما بمكر:
_ يعني مش مكفيكي أنك انتي اللي مزعلاني وأنا بصالح كمان متغاظة وبتتنرفزي … تاني يا ميدا ؟!
ارتبكت من قربه ولكنها لم تحب أن تظهر له ذلك … فهتفت بانفعال:
_ إيه ميدا دي ! …. وبعدين أنا مكنش قصدي ازعلك وانت ماسبتليش فرصة اعتذرلك اصلا … سيب ايدي بقا !!
هز رأسه برفض بنفس ابتسامته الماكرة وهمس:
_ لأ …. وبعدين ميدا دي دلع حميدة …. مع أني بحب اسم حميدة، بس حابب أكتر ادلعك …. بصرف النظر مين مزعل مين … بس وحشني الهزار معاكي … مقدرتش استحمل أكتر من يوم … أنتي الكسبانة .. مبسوطة بقا ؟
تسرب طيف ابتسامة على شفتيها وما زالت تتلوى لكي تتملص من قبضته … وراقبها يوسف بعينيه الماكرتين فقالت بتعجب:
_ أنا بدأت أخاف منك … مكنتش كده يا يوسف إيه اللي جرالك ؟!
ترك يدها ولكنه تمسك بها مجددا كي لا تبتعد عنه وقال بنظرة محبة:
_ مش بطمع غير في حقي يا حميدة، مابخدش خطوة غير وهي ليا … تفتكري صح أنك تخافي مني لأني بحبك وبتوحشيني ؟! …. ده أنا لأول مرة تبقي جانبي وعايز الوقت يجري عشان ميعاد الفرح يقرب … وتبقي معايا على طول …
سكنت حميدة للحظات ناظرة له بمحبة شديدة تغزو قلبها … ولكنها تضع لنفسها حدود ولن تخلفها… فقالت برقة وهي تبتسم بمنتهى الصدق:
_ مابقاش كتير يا يوسف، وماتفتكرش اللي بعمله ده عشان مش بحبك بالعكس … بس كل حاجة في وقتها حلوة وأحلى … ده اللي هيريحني …

 

 

ابتسم بعشق وهو يقول :
_ يعني بعدين مش هتتعاملي كده ؟! … مش هتبعدي عني ؟!
احمرت وجنتيها وهي تبتسم وتتهرب من عينيه المدققتان …. ثم هزت رأسها بالنفي … فأشتدت ابتسامته رقة ومحبة وقال:
_ مكنتش محتاج اكتر من ابتسامتك دي وانتي بتجاوبيني …. وأنا مستنيكي يا حميدة تنوري عمري كله.
ابتعدت خطوة واحدة وظل ينظر لها بابتسامة حنونة … ولكنها لا تنكر عن نفسها انها شعرت برجفة من ابتعاده … !
وملأ وجهها ابتسامة حياء ….
وانتبها لصوت قرع على باب المكتب المغلق، ثم طل وجه جميلة وهي تحمل الصغيرة وتنظر لحميدة بنظرة ضيقة … وقالت:
_ ريميه بتسأل عليكي يا حميدة ….
وكانت الصغيرة عابسة كأنها غاضبة من شيء …. فقال يوسف وهو يمد يده لأخذها:
_ ريمولينا حبيبة يوسفي ….
هزت الصغيرة رأسها بالرفض لأن يأخذها وقالت بعبوس:
_ كنافتي أنا زعلانة منك …. خاصم خاصم …
ضحك يوسف وهو يحملها رغما وهمس لها قائلا:
_ مقدرش على خصامك ياروح قلب كنافتك …. قوليلي بقا زعلتك انا في إيه ؟؟
وراقبتهم حميدة بضحك شاركته مع جميلة … واستأذنت الأخيرة لعملها …. فقالت الصغيرة بعبوس أزيد:
_ مش بقيت تلعب معايا، وقولتلي هتجيبلي القطة بتاعتي من البيت ومحصلش !! …. كل ده وأنا ساكتة !
ارتفعت ضحكة يوسف وشاركته حميدة … فضم يوسف الصغيرة وهو ينخرط بموجة ضحك شديدة ثم قال:
_ أنا غلطان وأنتي من حقك ما تسكتيش فعلا … اصالحك أزاي بقا ؟ اكيد حميدة اللي بتتكلم قدامك عني وعلمتك الكلام ده …
نفت الصغيرة وقالت بتلقائية وبراءة:
_ لأ … حميدة بتحضني وتقولي بحب يوسف أوي أوي يا ريمو … وأقولها وأنا كمان ياحميدة … وبتحكيلي قصص كتير اوي وكلهم اسمهم يوسف … أنت يا كنافتي.
ووضعت الصغيرة يدها على فمها وضحكت بشدة، ولكن فغرت حميدة فمها ثم اغلقت بغيظ من الصغيرة وقالت :
_ بقا كده ؟! … طب مش هقولك حاجة تاني !
مطت الصغيرة شفتيها بضيق مرة أخرى … فتنهد يوسف وبعدها ضحك ضحكة خافته ونظر لحميدة بغمزة قائلا:
_ اشمعنى أنا اللي مش بيتقالي الكلام ده !! … هو مش أنا يوسف برضو !
تماسكت حميدة بالثبات حتى خرجت من المكتب واطلقت ضحكاتها …..
********
دخلت ليلى مكتب الطبيبة مروة وعلى وجهها ظهر القلق … ووجدت مروة تقف أمام النافذة بشرود وتواليها ظهرها … فسألت ليلى بتوتر:
_ مروة ماشوفتيش وجيه ؟!
استدارت مروة وبدا وجهها شاحبًا …. فشعرت ليلى بإزدياد منسوب الخوف بداخلها … وتلعثمت مروة في الاجابة:
_ مش عارفة راح فين … في حاجة؟
وقفت ليلى تنظر لمروة بتعجب وحيرة وأجابت بعد قليل :
_ الدكتور اللي كنا مستنينه عشان يشوف ريميه وصل، والمفروض وجيه يكون موجود دلوقتي … أزاي خرج ده بقالنا كتير مستنينه!!! … وحتى بتصل بتليفونه والتليفون غير متاح !
ابتلعت مروة ريقها وقالت بتوتر:
_ اكيد في حاجة عطلته … ما تقلقيش زمانه جاي .
زفرت ليلى بضيق شديد وقالت بيأس:
_ اتصلت بيه من تليفون الممرضة، تليفوني نسيته في البيت للأسف …. هحاول واتصل بيه تاني …
نطقت مروة سريعا وبرفض :
_ لا لا ما تتصليش بيه تاني … سبيه يرجع براحته ..
ضيقت ليلى عينيها بشك على وجه مروة القلق وقالت :
_ في ايه يا مروة مالك أنتي مش طبيعية النهاردة ؟!
ابتلعت مروة ريقها … واحتارت أن تخبرها أو لا … وأن كتمت الامر ستصدم به عندما يواجهها زوجها وجيه … وذلك مع غضبه هذا لا يمكن أن لا يخبرها بشيء ويكتم الأمر … فحسمت أمرها وقالت :
_ أنا قولت لدكتور وجيه على اللي حصلك يا ليلى ….
تجمدت ليلى في مكانها وتخشب جسدها من الصدمة … ثم نطقت بالكاد :
_ قولتيله ايه ؟
قالت مروة بتوتر شديد:
_ على اللي صالح عمله … وفهمته أنك مالكيش …
لم تتابع مروة حتى دخلت ليلى في موجة من الصراخ والبكاء الشديد وهتفت بها:
_ انا مطلبتش منك تقوليله، ليه عملتي كده ؟! ….. أنا عارفة وجيه كويس مش بسهولة يعدي حاجة زي دي ولا ينساها … حرام عليكي … حرام عليكي انتي وعدتيني ان ده سر ما بينا….
وصرخت ليلى ببكاء وكسرة قلب فاسرعت لها مروة وقالت بقوة:
_ لازم يعرف يا ليلى … لازم تتخلصي من خوفك ليعرف … ده جزء من العلاج …
صرخت ليلى فيها مرة أخرى وهتفت:
_ علاج ايه !!! … أنتي عارفة حاجة زي دي ممكن تعمل فيه ايه ؟! … أنا عمري ما هسامحك ابدا منك لله ….
تسمرت مروة وتساقطت دموع عينيها قائلة :
_ أنا عملت اللي شوفته في مصلحتك … ومش هقولك لو بيحبك لانه فعلا بيحبك … أنتي مأذنبتيش في شيء … وكان لازم تتخلصي من الخوف اللي جواكي وتتخطي الموضوع ده …. يمكن الموقف قاسي وصعب عليكي وعليه أكتر … بس لازم يعدي ولازم تبطلي تخافي منه يا ليلى …. أنا مش هعاتبك على اللي قولتيه غير لما تهدي والموضوع ينتهي … أنا متأكدة انه هينتهي زي ما أنا حاسة ….
هزت ليلى رأسها برفض وبكاء شديد أن تسمع كلمة أخرى … وركضت خارج من المكتب …. فجلست مروة على مكتبها وعينيها مليئة بالدموع وقالت:
_ مش معقول يحاسبها على شيء مالهاش ذنب فيه … مش معقول ؟!
*******
اغلقت ليلى باب غرفتها عليها ثم ركضت للفراش وارتمت عليه بعاصفة من البكاء …. سيكسر هذا الاعتراف شيء بينهما ربما … سيكسر فيه هو شخصيا شيء ! … لم تعد قادرة أن تخمن أي رد فعل سيتخذه … لم تعد قادرة على التفكير من الأساس …
وظلت هكذا لساعات حتى دنت الشمس للمغيب …. ودلفت أحدى الممرضات لغرفتها وقالت:
_ دكتور وجيه وصل مكتبه يا مدام ليلى … كنتي بتسألي عليه …
رفعت ليلى رأسها من على الوسادة بعينان منتفخة من البكاء وتعجبت من أمرها الممرصة … ولكنه لم تريد التطفل بالسؤال وغادرت سريعا ….. اعتدلت ليلى بفراشها بجسد متيبس ورجفة شديدة تجتاحها وخوف عاصف تملك منها ….
كيف ستنظر بعينيه وهي موصومة بهذا العار وأن لم يكن في حقيقته سوى كذبة !
ولكنها لابد أن تحدثه ، وتطمئن عليه …. وتدافع عن نفسها … فنهضت وهي تمسح دموعها وتعزم على مواجهته.
********
لطرقت عدة مرات على باب مكتبه ولم تتلقى رد …. حتى فتحته ببطء وتسمرت نظراتها عليه وهو يقف أمام النافذة شاردا كليًا ويبدو أنه لم ينتبه لطراقتها من الاساس !
ارتجفت بشدة وهي تدخل بخطوات ثقيلة وعينيها رحبت بالدموع مجددًا بغزارة حتى اغلقت الباب عليهما… وتباطئت خطواتها إليه وودت لو تركض … المواجهة اعترفت أنها ثقيلة الآن وأقوى من ضعفها الحالي … وقالت بصوت مبحوح من البكاء :
_ وجيه …
ظل واقفا مواليها ظهره بثبات ولكن سمعت صوت تنهيدته العميقة …. وكررتها:
_ وجيه …
وعندما لم يستدير اجهشت بالبكاء بقوة وشعرت بتحقيق أسوأ ظنونها … حتى قالت وقد انشق قلبها لهذا :
_ طلقني ..
وكادت أن تتابع حتى استدار في لمحة بتعابير وجه يكسوها الغضب والعنف … ولكن ما الجمها هو يده التي جرحت والتف بها شاش أبيض ! … فشهقت بخوف وهي تسرع اليه وترى ما فيها ….وقالت:
_ حصل ايه لايدك ؟!
جذبها من معصم يدها باليد الأخرى وهتف بغضب :

 

 

_ أطلقك …؟!!!
قالت وهي تبكي بقوة :
_ أنا عارفاك وعارفة اللي بتمر بيه، مش عايزة أزود عليك بوجودي ! … أنا…
جذبها اليه أكثر واحتدت نبرته بعنف وقال مقاطعا حديثها :
_ خبيتي عني ليه يا ليلى ؟! …
انفطرت دموعها وهي تجيب:
_ كذب عليا ووهمني انه اغتصبني ومن الصدمة اللي كنت فيها صدقت، مكنش ينفع اشيلك ذنب ما عملتوش انت ذنبك ايه ؟! ليه تشيل غلطة غيرك واحط جواك كسرة مش هتعرف تنساها ابدا.
زم شفتيه بعصبية وغضب شديد وصاح بوجهها:
_ وأنتي كنتي مفكرة أني هحاسبك على شيء مالكيش ذنب فيه ؟! … ضيعتي مننا عشر سنين كان ممكن فيهم ننسى اللي حصل واللي اكيد كنت هكتشف بنفسي انه كدبة … كان لازم أعرف … كان لازم تخيريني وكنتي هتشوفي بنفسك هختارك ولا لأ … العشر سنين انا شوفت بكل يوم عذاب اكتر مليون مرة من اللي كنت هشوفه وانتي جانبي … ده لو كنتي مفكرة اني ممكن احاسبك على ذنب انتي بريئة منه …. صالح لو كان عايش كانت نهايته هتبقي على ايدي النهاردة ….
قالت ليلى وهي تنظر بعينيه بدقة:
_ الحمد لله انه مات، الحمد لله أنك معرضتش نفسك للسجن بسبب انسان زي ده … أنا كنت تايهة وضايعة يا وجيه … وصعب عليا كنت اصارحك … خوفت أنزل من نظرك …. خوفت اكسرك واحملك شيء فوق طاقة أي حد …. خوفت عليك تتكسر بسببي ..
أخذها بين ذراعيه بضمة عنيفة، كأنه يبث لقلبها الحماية، ويصبت لها أنه لن يتخلى عنها مهما حدث … ضمة كانت في قوتها تجسيدًا للحماية والأمان …. وبكت بقوة، وتنهد وهو يضمها بكل ثانية اقوى مما كان … وهمس لها بمحبة شديدة:
_ أنا اتوجعت عشانك يا ليلى، رغم زعلي منك عشان خبيتي عليا … ضيعتي عشر سنين من عمري في عذاب، وكان ممكن تسبيلي الاختيار وقتها … والله ما كنت هختار فراقك يوم واحد لو كل الدنيا هتقف قصادي …
صدمت مما قاله ونظرت بعينيه في ذهول … فربت على جانب وجهها بحنان قائلا :
_ يعني بعد ده كله لسه شاكة بحبك اد ايه ؟! …. اللي استناكي السنين دي كلها كان هيستناكي اللي فاضل من عمره لحد ما ترجعيلي تاني …
أنسي اللي حصل يا ليلى … غير انه طلع كذبة فأنا بحبك مهما حصل .. وعمري ما كنت هختار بعدك سواء زمان أو دلوقتي …. والسنين اللي ضاعت مننا دي هنعوضها …
قالت ليلى والصدمة ما زالت متملكة منها وصوتها مرتجف:
_ يعني أنت فعلا …
لم يترك لها مساحة لقولها كلمة زيادة …وأخذها بين ذراعيه بضمة اجابت عن جميع تساؤلاتها … وأشتد بكائها وهي تبتسم بسعادة وتحمد ربها بكل ما أتت من سعادة وعوض..
ثم همس لها بمنتهى العشق قائلا:
_ كل زعلي منك في السنين اللي ضاعت وكنت هتمسك بيكي … زعلي انك حملتي نفسك الذنب وأنتي بريئة ! ، زعلي أنك ما وثقتيش فيا وفي حبي ليكي …. بس حتى الزعل قدام دموعك مابقاش زعل …. بقى كلمة اعتذار … ووحشتيني.

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *