روايات

رواية أترصد عشقك الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم ميار عبدالله

رواية أترصد عشقك الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم ميار عبدالله

رواية أترصد عشقك البارت الرابع والعشرون

رواية أترصد عشقك الجزء الرابع والعشرون

رواية أترصد عشقك الحلقة الرابعة والعشرون

تمر لحظات في حياتنا نقع بين خيارين

ويبدأ صراع العقل والقلب معا

بين الرفض والاستجابة .. يقف الشخص ينظر إلى مقارعة العقل والقلب وحينما لا يزداد الامر تعقيدا يضطر في أغلب المواقف الشائكة أن يختار أهونهما ودائما يكون الإذعان هي الاجابة بعد صراع بدي أنه سيكون ابدي !!!

زفرت شادية عدة مرات تحاول التخلص من تلك الغصة في حلقها ، مررت أناملها سريعة تحاول التأكد من مظهرها أمام مرآتها ، لا تريد أن يظنه انه عشاء أو موعد ، حرصت أن تكون تسريحة شعرها عملية كما اعتادت سابقا ثم ثيابها اختارتها مريحة اكثر ، لشهور لم ترتدي سروال جينز مع بلوزة سوداء حرصت أن لا يكون شئ يجذب الأنظار ..بل كل شئ طبيعي حتى حذائها العملي استبدلته تلك المرة بحذاء رياضي مريح ، عادت تنظر من طرف عينيها إلى المطعم ثم إلى اناملها التي تنقرها على المقود

أترحل ؟

ولما ترحل الآن بعد أن جاءت إلى هنا ؟ واجهة المطعم تبدو من تلك المطاعم التي تميل إلى مطاعم رومانسية أكثر من المطاعم الشبابية ، نظرت الى ساعة معصمها لترى أنها تأخرت ربع ساعة … بالتأكيد رحل !! ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها .. بل يجلس ببرود يحتسي من كوبه الحراري يتلاعب بأنامله كاميرته التي تود تهشيمها

سحبت حقيبتها بعد ان قررت تخرس أي رفض طفق في عقلها ، ألم توافق على المجئ اذا ما المانع لتخرج ما في جعبتها ثم ترحل

رجفة خفيفة لكن شعرت بها قوية .. انها تميل إليه ، تعترف انها تميل إليه بشكل مرعب لكن تصرفاته الجريئة تجعلها ترتعب منه ، بل تستطيع أن تقول انها متحفزة إن تجرأ بخطوة جريئة .. دفنت وجهها متنهدة بسام

أي خطوة أكبر يا غبية .. كنتي حرفيا بين ذراعيه ولم تعترضي ، أصدرتى فقط اعتراض واهن ، عضت على شفتها وهي تشعر بتلك الدموع الغبية تنزلق بشكل مخزي مما جعلها تحمد الله إنها ليست مهووسة مثل شقيقتها بتلك المستحضرات الفاسدة التي تفسد البشرة ، مسحت دموعها بحدة ثم جذبت حقيبتها وترجلت من سيارتها

يجب أن تضع حدا لذلك الرجل ، ارتقت درجات السلم وفتحت الباب لتلسعها هواء المكيف البارد على وجهها .. عينيها مرت سريعا على المطعم بأجوائه الحميمية لتزدرد ريقها بتوتر وهي تتقدم أمام رجل بملابسه المهندمة واقف على بعد خطوات منها جعلها تقترب منه وهي تري بطاقة عمله ثم إلى طاولته موضوع عليها دفتر كبير الحجم ، ترددت للحظات ثم سألته بهدوء

– مساء الخير لو سمحت

قاطعها الرجل بابتسامته الدبلوماسية قائلا

– حضرتك الانسة شادية السويسري

لا تعلم الرجل إن كان يسألها حقا أم يبدو أنه يعلمها ، مما جعلها ترفع حاجبيها دهشة ثم سرعان ما توقعت انه ترك اسمها أمام الرجل الاستقبال لتهز رأسها ايجابا قائلة

– مضبوط بس …

قاطعها للمرة الثانية وهو يبتعد عن طاولته ليمد ذراعه قائلا

– اتفضلي حضرتك من هنا ، اوريكي مكان حضرتك

هزت رأسها وهي تتبعه بخطوات بطيئة ،عينيها تمر على رواد المطعم وبمقارنة سريعة بين ثيابهم المتأنقة الي ثوبها جعلها تهز رأسها لتبحث تلك المرة عنه .. وقعت عيناها حرفيا عليه وهو يرتشف من كوبه الحراري ، عينيه الجريئتين تفحصتها بطريقة جعلت تشعر بتدفق حرارة غريبة ، ثم جلسته المسترخية تلك جعلتها تعلم ان جلوسهم ربما لن يكون سريعا كما خططت له ، لم تنتبه الي حديث الرجل ، بل عينيها عليه ، تنظر اليه بجرأة لم تعتادها ابدا

تحاول الوصول عبثا الى ما يفكر هذا العقل الداهية .. انتبهت الى الرجل الذى ازاح مقعدها إلا انها لم تجلس .. بل نظرت إلى ذلك عديم الذوق

ألا يعلم أبسط القواعد الاتيكيت حتى !! ليكون جالسا مسترخيا يرتشف مشروبه ، رأت ابتسامة عابثة ترتسم علي شفتيه ليقول بصوت بدي مرعب من هدوءه

– مرحبا بالبرتقالية

ألم يكن يصرخ في الهاتف منذ أكثر من ساعة ؟!! تشعر أن تلك البرودة مجرد غطاء لنيرانه التي رأتها في عينيه … رأته يمرر أنامله على لحيته وهو يقول بصوت أجش

– ألن تلقي تحية لصديقك يا فاتنة

للمرة الثانية لم تبادر حتى بالرد عليه ، حتى الرجل استشعر التوتر بسبب الشحنات السلبية ، رأت الابتسامة تتبخر سريعا

ثم نظراته الماكرة والجريئة عليها سرعان ما تحولت الي الوجوم

وملامح وجهه المسترخية أصبحت جادة .. حتى نبرة صوته خلت من التسلية

– اجلسي يا فاتنة .. لا تحاولي حتى استخدام أسلوب قلب الطاولة

رفعت حاجبها الانيق وهي ترمقه بسخرية وهي ما زالت بوقفتها مما جعلها تشعر أن جذبت عدد قليل من الفضولين والرجل حائرا الا انه سرعان ما غادر ليتابع عمله ..

مرر سرمد أنامله على خصلات شعره ليزفر بحنق ، بغض النظر على انتظاره لفترة طويلة لحضور البرتقالية إلا أن ما ان وقعت عيناه عليها اصدمه .. لم يراها قبلا بثياب شبابية بل ذلك السروال الجينز المتسع قليلا و حذائها الرياضي مناقض تماما إلى تسريحة شعرها العملية ، كان يفضل ان تترك خصلات شعرها طليقة أو تجمعهم في عقدة متراخية ، استقام من مقعده وهو يراها تتخذ وضع الخرس والصم ليقترب منها قائلا بحدة طفيفة

– هل سأظل أتحدث أنا طول تلك الأمسية

اكتفت بالرد عليه بابتسامة ساخرة مما جعله يمسك مقعدها قائلا بنبرة صارمة

– كوني مهذبة

هل يأمرها ؟!! من هذا الرجل ليأمرها بالجلوس .. رغم انها تعترف انها من بدأت ذلك الشجار إلا أنها لا تعلم ما الذي يعجبها لاثارة حنقه رغم أنها في أمس الحاجة لأن تأمنه .. تراجعت خطوة حينما هجم عليها حرفيا ممسكا معصمها لتخرج عن صمتها قائلة بحدة

– اترك يدي

اقترب منها هامسا بحدة جعلت تنكمش حرفيا وهي ترى ذلك الرجل مهدد سلاما نفسيا وجسديا .. ثم اقترابه جعلها تبتعد بنفور الا انها شعرت بنغزات شائكة  بسبب لحيته علي خدها حينما مال هامسا بصوت محذر

– انتي تحبين أن ألمسها .. ان كنتي مهذبة ما عاندت كالبغال

حاولت نزع يدها من قبضة يده لتصرخ حرفيا في وجهه ولم تعبأ بالجميع ولا حتى الأنظار التي وقعت عليهم

– اتركها

تنظر اليه بعدائية وجسدها ينفر منه بطريقة جعلت شياطينه علي وشك افتراسها ، هل لتلك الدرجة متساهلة مع حبيبها الجديد .. بل تجلس معه بأريحية شديدة وتنشرها علي صفحتها الخاصة ، لكن لما يشعر بوجود شئ خاطئ

حلقة ناقصة ، تبدو انها ليست من النساء اللاتي تحب ان تكون داخل البؤرة ، لمرات صدته .. بل لمرات حاولت ابعاده ، لكن هو عنيد .. بل مصر لمعرفة تلك المرأة التي يشعر معها بالاكتمال لم يشعره سابقا

تحفز بداخله الغضب والغيرة ثم الحماية والامان ، جذبها بعنف قائلا بحدة

– اجلسي

زفرت بحنق متأففة لتجلس على المقعد شاكرة ربها انه ترك يدها ، مسدت باناملها علي موضع لمسات ذلك الخشن الجلف ، رمقته بنظرات ممتعضة نارية الا انه تغاضى عن كل شئ ليبتسم بهدوء قائلا

– تبدين غاضبة .. لكن جميلة في آن واحد

الكلمة خرجت حميمية بطريقة جعل تشعر باشتعال وجنتيها والغضب بلحظة تطاير ، إلا أنها سرعان عادت تجلد ذاتها

رغم كل ما بذلك الرجل من صفات جيدة الا ان السيئ كثير .. بل كثير جدا

بجانب انها لا تعلم من هو تحديدا ، وسلساله الذي تري بدايته من فتحة قميصه البيضاء مبرزة صدره العضلي ثم تلك الذراعين المفتولتين جعل عينيها ترمشان للحظات خشية أن يقبض عليها متلبسة وهي تسترق النظر إليه … حاولت تهدأ تلك الطواحين في عقلها

الا ان رائحة عطره ازكمت انفاسها وجعل تتشتت ، حضوره طاغي بل تأثيره سيئ عليها ، أغمضت جفنيها للحظة واحدة ثم فتحتها وهي ترفع رأسها لتراه عينيه لم تنزاح بعيدا عن وجهها متفرسا تفاصيل وجهها ، شعرت بالارتباك تبعها انفلات دقات قلبها عن عقاله .. همست بصوت جاهدت أن يخرج هادئا مسموعا لأذنيه

– ما حدث تلك الأمسية خطأ .. بل الحق علي أنا وحدي لأنني تركتك تتجرأ وتلمسني وأنا .. انا لا احب ذلك .. لا احب شخص غريب يقترب مني لتلك الدرجة ، لكن أعيد وأكرر أنا من تركتك تتجرأ كل مرة عن السابقة ، انا لا اريد هذا .. أنت تجعلني أسوأ سرمد .. أسوأ وبشعة بطريقة اتقزز من رؤية وجهي في المرآة .. بغبائي وحماقتي استستلم رغم نفوري لكن استستلم وانا تعبت

رغم شعورها بالاختناق والقنوات الدمعية ترسل رسالة تحذيرية  بالبكاء إلا أنها لم تستطع علي الصمود .. سارعت بمسح الدموع من عينيها وهي تتحاشى النظر إلى عينيه بعد ما قالته ، صمت سرمد حينما استمع الي صراحتها ، إذا ما تكرهه هي تصرفاته فقط كون لها طباع سئ عنه  ، اشار لنادل الذي كان على مقربة منهما ليسألها بهدوء قائلا

– ماذا تتناولين ؟ أم تحبي أن أختار علي ذوقي

رفعت رأسها بحدة مندهشة من رد فعله على ما قالته ، هل لم يكترث لها ؟! .. هل هو للتو تجاهلها ، شعرت بالحماقة بل الندم انها قابلته ، ذلك الفظ .. الذي لم يتعلم الاتيكت بل لم يهتم بها حرفيا ، عضت باطن خدها وهي ترسل له نظرات نارية تكاد تحرقه من مكانه إلا أنه نظر إليها بهدوء وبرود شديد ليخرج صوتها متحشرجا حينما شعرت بالنادل الذي انتظر كثيرا

– أريد ماء فقط

هز سرمد رأسه مغمغما بالايطالية مما جعل شادية تشعر بالاندهاش وهي تري النادل هيئته اجنبية عن الباقين

– كما اخبرتك يا صديق ، املئ الطاولة بالطعام لان امراتي جائعة

بقدر كرهها انها لا تعلم ماذا يجري حولها ، وأنها تراه يتعمد فعلها سألته بحدة قائلة

– ماذا قلت له

أجاب ببساطة شديدة قائلا بابتسامة هادئة

– أطلب الطعام

رمشت بأهدابها عدة مرات ، هل استدرجها ببطء إلى موعد ، انتفضت من مقعدها وكأن عقرب لدغها لتهمس بتوتر

– لا اريد الجلوس لفترة طويلة معك .. انا اخبرتك ما أردت قوله واتمني ان تفهم ما قلته

يبدو ما قالته لم يعجبه اطلاقا اذ سرعان ما استقام هو الآخر من مقعده المقابل لها وحينما شعرت انه اقترب منها تراجعت خطوتين تلك المرة تحذره بعينيها من الاقتراب ، انتفض جسدها من همسه الخافت الملئ بالوعيد

– اجلسي .. لا تستفزيني والمسك ثم تبكين وتقولين اني ألوتك

لاحظت السخرية اللاذعة في جملته لتعود الجلوس مرة أخرى وهو الآخر جلس لكن سحب مقعده مقتربا لمقعدها … انكمشت في جلستها رغم أنها شعرت بالراحة لجلوسه في مقابلتها إلا أن اقترابه منها بمقعدها جعلها تتحفز رغم المسافة الآمنة لكنه قريب منها ، استمعت إلى صوته الغاضب

– تركتك تقولين ما في جعبتك ، والآن حان دوري .. من هذا الذي سمحتي له بلمسك ولمسي انا محظور

رفعت رأسها متفاجئة من ذلك الغضب في صوته ، ونظراته الداكنة المشتعلة ، ماذا يريد هذا الرجل ؟ هل يريدها ان تفقد عقلها ؟! تلك الغيرة من رجل غريب عنها لم تعتادها بعد .. لم تعتادها وحينما تصدر من رجل غربي هذا حتما جنون ، هي ليست حبيبته ولا توجد أي صفة يجعل له الأحقية في سؤالها

زجرته بنظرة تخبره ان لا يتخطى حدوده  في حياتها

– سرمد

لعن سرمد بالايطالية ثم مال برأسه مقتربا منها جعلها تتراجع برأسها وهي تراه علي حافة فقدان سيطرته ، نبضات قلبها يخفق بجنون وهي تختبر ذلك الشعور بالتملك الخانق

– اعتقد اننا جئنا لتسوية الأمر .. من هذا اللعين .. الم اخبرك .. الم اخبرك بان تحافظي على مسافة بينكما .. لما لا تستمعين ، لما تحبين تثيرين غيرتي وغضبي في آن واحد و تتعمدين العناد .. من هذا اللعين ؟ هل حقا حبيب قديم غير خطيبك واخبريني بعدد الرجال في حياتك لانني ارغب في قتلهم حالا حتى لا يتجرأ ذكر ويظهر مرة أخرى

ازدردت ريقها بتوتر ، محاولة ترطيب حلقها لتهمس بهدوء وعينيها المتسعة بصدمة في عينيه الداكنتين

– اخبرتك انه لا يوجد رجال في حياتي ، ولتعلم أنا لم أمر بعلاقة سوى واحدة فقط وفشلت فشل ذريع

لاحت     ذكرى معاذ مما جعلها تشرد للحظات عنه ، متذكرة انها يجب ان تتخلص من ذلك الكابوس من حياتها نهائيا .. اجفلت من ضربة للطاولة وهو يصرخ بصوت خفيض

– إذا من هذا

نظرت اليه بذعر ، ترى ملامحه الإجرامية لتجيبه باستسلام

– انه اخي ، لو نظرت ودققت جيدا سترى أنني هو لكن بنسخة انثوية

خمدت كل النيران المتأججة في صدره لينظر اليها للحظات ، صمت غلفهما وهو يشعر ان اصبح أهدأ لكن ما زالت هناك جذوة مشتعلة تخبره انه يحق له بذلك القرب الدافئ رغم كل شئ ، ارتسمت ابتسامة على شفتيه وكاد ان ينفجر ضاحكا .. نيرانه بردت انه الوحيد وسيظل الوحيد الذي سيمتلك حياة تلك السمراء ليقول بنبرة معارضة

– تبا .. لا يوجد شبه ولو بنسبة ضئيلة بينكما ، انتي جميلة .. جميلة بطريقة مؤلمة لي

تلك النبرة في صوته جعل جسدها يرتجف لتخفض رأسها وهي تسمعه يقول بجدية

– هل تعلمين لو سألتك ان كنتي تريديني في حياتك سأسمع الرفض من لسانك لكن عينيك يا فاتنة تخبرني ان اكون بجوارك ، وهذا يجعلني انتقل للسؤال الثاني هل تودين معرفتي حقا ؟ انتي حتي لم تحاولي معرفتي

بل تريد الآن ، أسئلة كثيرة تود أن تسأله عنها ، هاجمته بسؤالها قائلة

– من انت ؟

ارتسمت ابتسامة علي شفتيه قائلا بنبرة ماكرة

– ان اجبتك علي هذا السؤال ، فهذا يجعلك بكل بساطة توقعين لي عقدا شفهيا بأن تكوني قربي ولا اعني هذا بمعنى سيء بالطبع

توردت وجنتيها رغما عنها حينما شعرت بـ ايحائاته الوقحة  ، قررت تلك المرة أن تجاريه في تياره وهي تسأله قائلة

– ما هي رؤيتك لنا كما ترغب

وضعت له الكرة في ملعبه ، تود معرفة ذلك الرجل إن كان سيتخذها مجرد رفيقة لايام أم حبيبة مؤقتة أم شئ آخر وقح منه … لاحظت تلك اللمعة في عينيه

شئ اخبرها انه يرغبها بطريقة جعل انفاسها تنحبس في صدرها لتفترق شفتيها وهي لا تصدق ذلك … الوقح … الفاسد يرغبها بطريقة مقززة لتلك الدرجة ، ما جعلها تبتلع شتائمها التي تود قذفها في وجهه تلك النظرة منه المتطلبة منه أن تهدأ شياطينها

هل لتلك الدرجة شفافة بالنسبة له ؟

ابتسم سرمد وهو لا يصدق برتقاليته خيالها جامح بطريقة جعلته يود أن يجذب مقعدها ويقبلها هامسا في اذنها ما يود فعله معها ، سرت في عروقه نيران أشعلها بغبائه .. ليهمس بصوت اجش وعينيه على تلك ما يؤرق نومه

– اشياء افضل لا اتحدث عنها الان ، لا ارغب بسماع شتيمة تخرج من شفتين ناعمتين مثلك

لم يعجبها ما قاله لتزم شفتيها بحنق ونظراتها تخبره ” لن تتغير ” ، زفر بحرارة قائلا وهو يرفع كلا يديه قائلا

– حسنا لا تخطي في الحدود .. نعقد صفقة سألتزم بحدودي ولن اقتر منك لكن تسمحين لي بأن اجعلك تعرفيني بدلا من رفضك وصدك المستمر

رغم انها تشك في قدرته على المحافظة لمسافة آمنة بينهما ، هل حقا سيستلزم به ؟ أم لن يقدر ؟ هزت رأسها وهي تقول بنبرة محذرة

– حسنا .. لكن إن حاولت حتى ولو بالتلميح لشئ وقح كل شئ لاغي

ابتسم سرمد وهو يقول بنبرة غامضة

– وعدك هذا دين

تعلم انه جميع مقابلتهم كان علي وشك كسر عظامها ، لذا عليه هو من يقلق وليست هي .. سألته بنفاذ صبر

– أعلم هذا جيدا ، من انت اذا ؟

البرتقالية متعجلة لمعرفته ، قال ببساطة شديدة معرفا عن نفسه

– سرمد النجم ، خلال أشهر سأصبح في الرابعة والثلاثون ، أعزب لم أجد بعد امرأة تشاركني حياتي .. تعلمين عملي لذا هذا كل شئ

هل هذا كل شئ ، نظرت اليه بعبوس وبعض الضيق ، الا انها اندفعت تقول سبب ارقها

– السلسال

عبس وهو يسألها بعدم فهم

– ماذا ؟

نظرت إلى عنقه لتسأله ببرود

– السلسال الذي ترتديه .. هل هو لك ؟

ارتسمت ابتسامة علي شفتيه اشبه بالحنين لتراه يخرج القلادة من مخبأها لتقع عينيها على آية الكرسي وهو يقول بنبرة اجشة

– ليس لي .. انه مني أمي .. جعلتني اعدها بعدم خلعه منذ بدأت أشق طريقي في التصوير واتجول بين البلدان

رأته يميل مقبلا القلادة ثم أعادها مرة أخرى لتختفي بين طيات قميصه ، عضت باطن خدها واجابته التي هدأت دوافعها الغبية لإبعاده سكنت … لكن هذا لا يجعله انه ما زال غربيا بل ووقح ، غمغمت وهي تحاول ان تجره في الحديث

– كثير السفر إذا !!

رغم معرفته أن ما تفعله هو اختبار أنثوي دقيق منها ، لكنه مرحب بشدة لجميع اختباراتها ليجيبها قائلا

– نعم لكن احاول ان اكون فعلت الكثير من الاشياء قبل ان اصاب بالشيخوخة ، ماذا عنك هل سافرتي قبلا في الخارج ؟

تفاجئت حينما أدار الطاولة وهو يوجه السؤال اليها ، أجلت حلقها وهي تجيبه قائلة

– افضل ان اكون في مكان الجميع يتحدث لغة اعلمها واستطيع ان افهمهم ، لا احب ان اكون في منطقة مجهولة ولا افهم ماذا يقول الجميع من حولي او الاسوأ لا اجد شخصا لا يتحدث الانجليزية ويتحدث بلغته المحلية

الجو المشحون اصبح هادئا ، رغم انها متحفزة في إجابتها ومندفعة في اسئلتها الا انه افضل بكثير عن الشد والجذب الذي يحدث كلما تقابلا ، غمغم باريحية شديدة معها قلما حدثت بل لم تحدث اطلاقا مع امرأة

– حسنا اوافقك علي هذا وحدث لي كثيرا ، لكن يا صغيرة فاتك الكثير من انعزالك للجميع

رفعت حاجبا وهي تستنكر كلمة صغيرة التي خرجت منه ، الرجل هل يراها صغيرة !!! أجابت باقتضاب شديد

– افضل العزلة

انتبهت علي النادل الذي جاء واضعا اطباقا كثيرة لتتسع عيناها من احجام البيتزا المارجريتا التي لم تجربها مطلقا وهي ترى لا تبدو شهية وهي تراها مجرد قطعة خبر فوقها صلصة ثم جبنة ثم ما هذه الأوراق الخضراء ؟! هل هذا ريحان ؟ لم تنتبه الي باقي الانصاف الموضوعة بل نظرها على حجم البيتزا تلك … رغم ان معدتها أصدرت زئيرا عن عدم تناولها الطعام منذ بداية اليوم بل واعتذارها عن الغذاء مع عائلتها وشقيقها وزوجته إلا أنها تفضل بيتزا الأخرى المليئة باللحم او الدجاج ، انتبهت على صوته وهو يقول

– دعيني اخبرك ان هذا المطعم افضل مطعم ايطالي هنا ، لكن يجب تجربة البيتزا  في نابولي حيث هناك لذة خاصة

انتظرت النادل ان يضع الكاتشاب ، بالرغم ان المطعم ايطالي الا انها في مصر بالنهاية ويجب ان يكون طبق ملئ بالكاتشاب والصوصات الاخري كالمطاعم التي اعتادتها في فترة جامعتها … رأته يسحب شريحة متناولا إياها بتلذذ لتعبس قائلة

– لما لا يوجد كاتشب ؟

وضع سرمد قطعته على طبقه الخاص وهو ينظر اليها بجنون قائلا

– معذرة !!!

تعلم ان الإيطاليون متحفظين بدرجة كبيرة إلا اطباقهم ، لذا بوداعة شديدة سألته بحنق

– كاتشب سرمد .. اريد كاتشب لانني لا احب تناولها بدون كاتشب

عقد جبينه بسخط قائلا

– تمزحين صحيح … الامريكان أفسدوا طعامنا .. اللعنة لو كنتي هناك لطلبوا منك تناولها خارج مطعمهم

ارتسمت ابتسامة ناعمة على شفتيها وهي تري السخط والحنق مما جعلها تقول ببساطة

– ولحسن الحظ أنا هنا .. لذا سأطلب الكاتشب والمايونيز

رفعت يدها تجذب انتباه نادل ولحسن حظها انه مصري لتقول إليه ببساطة

– عايزة كاتشب ومايونيز لو سمحت

عادت تنظر اليه بهدوء شديد وهي ترى ملامحه المتجهمة مما جعل سعادة خفية تنفجر في أوردتها .. رأته يغمغم بفظاظة

– تذوقي فوكاتشيا

تفاجئت من أنها تأخذ قطعة من شريحة تشبه البيتزا من يده لتأخذ قضمة صغيرة قائلة

– تشبه البيتزا المنزلية لكن بدلا من الصلصة والاضافات مجرد اعشاب

لكن لن تخبره انها اعجبتها ، قضمت بهدوء شديد وهي تكاد لا تصدق انها جائعة لتلك الدرجة … شكرت النادل الذي جاء بالكاتشاب والمايونيز ، نظرت بطرف عينيها الى سرمد الذي أشاح وجهه بتقزز متناولا شريحته لتبتسم بشماتة وهي تسحب شريحة من البيتزا وتضعها في طبقها تضع الكاتشب والمايونيز ثم بهدوء شديد قربت الطبق قائلة بنبرة ناعمة

– تذوقها سرمد

حدجها بنظرة مميتة والي الطبق الذي شعرت انه يود ان يلقيه في القمامة ليقول برفض قاطع

– ابدا

ارتسم الحزن في وجهها لتطلب منه قائلة ببعض التوسل

– من فضلك

ذلك التوسل منها ومن عينيها الكهرمانيتين جعله يأخذ الطبق بحدة لاعنا بالايطالية

– اللعنة على الامريكان

أخذ قضمة وهو ينظر اليها بوجوم شديد ، محاولا ابتلاع ذلك الشئ سريعا قبل أن يوشك على قذفه ، سألته بفضول

– جيدة ؟

أجاب بحنق شديد وهو يعيد الطبق لها بالشريحة المتبقية ، لا يصدق أنه تناول هذا الشئ الذي أفسد حلاوة البيتزا المارجريتا

– مريعة .. افسدتها

هزت رأسها وهي تسحب شريحة اخرى تتناولها دون أن تضع اضافات لتستحسن طعمها الا انها اضافت القليل من المايونيز ثم عادت تلتهمها بتلذذ شديد وهي تسأله بهدوء

– إذا والدتك مسلمة ؟

لا يعلم لما تصر تحديدا لسؤاله عن ديانته إلا أنه يفهمها ، هذا اول شئ محتمل تسأله وهو شخص كتوم ومنغلق عن إفصاح هويته لأحد

– نعم ووالدي

هزت رأسها وهي تسحب شريحة أخرى تتناولها بدون اضافات ، تعترف أن طعمها أفضل بكثير من أي اضافات لكنها لن تعترف له ، ضيقت عيناها حينما وجدته يحدق بها بطريقة اربكتها لتسأله  ما طرأ علي عقلها

– هل والدتك ايطالية ؟

هز رأسه نافيا ليقول

– والدتي عربية تحديدا من الشام وعاشت هنا وهنا التقت بوالدي ثم اخذها الى بلده إيطاليا

اتسعت عيناها قليلا من كم المفاجآت التي تلقتها ، رغم اختصاره الشديد إلا أنها صمتت مكتفية بهذا الوقت من الحديث ستتناول تلك البيتزا ثم ستعود للمنزل .

لم يكن سرمد لديه شهية حيث تناول الطعام منذ ساعات قليلة ، اكتفي فقط ببعض اللقيمات تاركا الفاتنة الجائعة تشحن طاقتها ، كاد ان ينفجر ضاحكا وهو يراها تترك الشيئان المفسدان للبيتزا جانبا … تلك الماكرة المتلاعبة

غمغم قائلا بهدوء

– اريدك ان تكوني معي في رحلتي القادمة  ، لا تذعري هكذا ستكون معي جيجي

مد يده بكوب الماء حينما غصت بطعامها  لتأخذ الكوب وهي ترتشف الماء محاولة ان تنظم انفاسها ، حاولت ان تنظف انفاسها وهي تري الاهتمام من عينيه لتطمئنه بعينيها ثم غمغمت بارتباك

–  لا اظن .. عملي مزدحم للأسف ولا اظن انني

قاطعها قائلا

– خذي عطلة لن تحدث كارثة إن أخذتي يوم ، لن تندمي أعدك

لا تحب ذلك الإصرار منه ، ذلك الإصرار الذي يجعلها مستسلمة له لتقول بحنق

– لا تصر .. لا احب هذا ايضا

ارتسمت ابتسامة ماكرة علي شفتيه وهو يغمغم بلغته الاصلية

– كما تشائين ، تدللي كما ترغبين لا امانع

رأي نظرتها الحانقة من عدم فهمها للغته لينظر إليها ماكرا غير مكترثا بأن يعيد ما قاله بالانجليزية ان كانت مهتمة لتلك الدرجة فلتتعلم لغته وسيكون حريصا علي أن يكون معلمها ، ليعلمها حرفا حرفا بتأني شديد !!*****

تمسح العرق المتصفد علي جبينها ، تلهث بانفاس متقطعة وهي تركض علي آلة الركض ، مستواها في اللعب تدني كثيرا ، والاطفال المشاغبون في المؤسسة يستهلكون طاقتها .. ارتسمت ابتسامة علي شفتيها وهي تتذكر في الصباح انها ارسلت الملابس الرياضية الجديدة للأطفال ، تتمني ان يعجبهم وان يليق علي مقاسهم .. شردت في صاحب العينين الخضراوين .. لا تعلم كيف تحدثه وتخبره انها انهت قميصه ، هل تتصل به ؟!! ام ترسلها لشركة شحن رافعة الحرج !!!!

اخذتها الحماسة والجرأة وهي توقف الآلة لتسحب هاتفها من حقيبتها التي تركتها بجوارها ، تجرعت الماء علي جرعات صغيرة وهي تزفر بتوتر وهي تنظر الي رقمه بتوتر

زحفت الحمرة تدريجيا وهي تتخيله بقميصها الذي صنعته ، ضغطت سريعا على الاتصال قبل أن يخذلها حيائها وخجلها ووضعت الهاتف على اذنها ، قلبها يدق بعنف شديد مزامنة علي أصوات الرنين .. ما ان استمعت الى صوته سارعت تهمس بتوتر

– صباح الخير يا عاصي

خارت قواها وارتمت على أقرب مقعد وهي تسمع الي نبرته الحميمية ، هل هي حميمية أم هي التي أصيبت بالحمى ؟

– صباح الخير يا وجد

تلجلجت شفتيها ، ثم تلعثمت … حاولت ان تشحذ طاقتها للرد عليه ، زاجرة نفسها .. ما بالك يا مخبولة الرجل لم يقل سوى صباح الخير ، رفرفرت بأهدابها وهي تهمس بتلعثم

– انا كنت عايزة اقولك ان القميص جهز .. تحب ابعتهولك

حبست انفاسها وهي تستمع الي رده ، تشعر بالتحفز لسماع رده … عضت طرف شفتها السفلى وهي تنشغل بالاجواء من حولها ، ترى الرياضيين من حولها وعضلات الرجال متباهين بها .. لكن عضلات صاحب العينين الخضراوين نتيجة كداح رجل لم يجد عيبا بالعمل الذي يقوم به ، استمعت الى صوت الضجيج ثم إلى صوته المرتفع

– مفيش داعي انا كدا كدا برا ، قوليلي انتي فين

ردت بعفوية شديدة

– انا حاليا في الجيم وبعد ما اخلص هروح علي المؤسسة عشان اشوف اذا اللبس على الاطفال مناسب ولا لأ

عقدت جبينها حينما استمعت إلى صوته المتسائل

– قربتي تخلصي

نظرت الى الوقت عبر شاشة هاتفها ثم اجابت عليه

– يعني ربع ساعة بالكتير وهتحرك

شهقت منتفضة من مجلسها حينما رد عليها بأريحية شديدة ، كأنه معتاد على توصيلها

– طيب هستناكي قدام الجيم ويبقي نتحرك على المؤسسة

عضت على طرف شفتها ويكاد قلبها يخفق بجنون ، هل ستقابله ؟!! لكن لم تأتي سوي بثياب الرياضة ، ضربت جبهتها وهي تهمس بتوتر

– انا مش عايزة اتعبك يا عاصي ، انت رجلك لسه وجعاك

أغمضت جفنيها حينما استمعت إلى صوته الدافئ

– انا كويس متقلقيش ، ابعتيلي العنوان وهتلاقيني عندك

لا تعلم ماذا فعلت سوى انها ارسلت له موقعها وركضت مهرولة إلى استراحة النساء تنعش وجهها بالماء ثم ارتدت سترتها فوق ثيابها تحاول ان تعيد تصفيف شعرها إلا أنها بالنهاية ربطته على هيئة ذيل حصان ، سحبت جميع متعلقاتها واتجهت خارجا بانتظاره ..

توقفت عن الركض ما إن وجدته واقفا امامها ينتظرها بصبر شديد محتفظا بعكازه ، الا ان هذا لم ينقص منه شيئا بل بدي واثقا ، مهيبا … تخضبت وجنتيها بالحمرة تأمل انه لم يري ركضها السخيف .. اقتربت بهدوء منه حتي صارت علي مقربة منه قائلة بابتسامة خجولة

– صباح الخير

كاد أن يرد التحية لكن احتدت عينيه بالخطر الشديد وهو يرى اسفل سترتها الانثوية ما دفع النيران تغلي في أوردته … رفع رأسه ما ان لاحظ بعض الشباب تخرج من الصالة الرياضية ، ليعيد النظر إليها بجنون .. تراجعت خطوة مستشعرة الخطر لتهمس بقلق

– ايه يا عاصي فيه حاجه غلط

جز على اسنانه ضاغطا بقوة على عكازه كي لا يفقد تهوره … الا ان صوته خرج غاضبا

– هو الجيم ده مش المفروض فترة نسائية

هزت رأسها نافية وهي تجيبه بعفوية شديدة ترفع خصلة شاردة بعيدة عن عينيها

– لا يعني على حسب .. الفترة النسائية ملحقتهاش ودي الفترة المفتوحة

تفحص ثيابها الرياضية ، بداية من ظهور عنقها البض وسترتها التي  تراخت على كتفها الأيمن ليظهر ذراعها المرمري نزولا الي سروالها المستفز الذي يلف ساقيها بحب شديد ، استشاط غضبا وهو يقترب منها هامسا بحدة

– يعني انتي بلبسك ده والله اعلم كنت مبينة ايه جوا قدام الرجالة

نظرت الي ثيابها ثم عادت تنظر اليها لترفع السترة قائلة بعبوس شديد لصراخه الهادئ في وجهها

– عاصي

طحن ضروسه حانقا ليهمس بغضب

– كنت قالعة ولا مش قالعة

شهقت بفزع وهي تقول باعتراض

– ايه قالعة دي يا عاصي ، هو كان كات بس وبنطلون

ابيضت سلميات اصابعه حول العكاز الذي يكاد يهمشه ، ليرفع رأسه قائلا

– الصبر … الصبر يارب

عاد انظاره نحوها بغضب ، وغيرة تقتات من روحه ، الحمية الشرقية تكاد تدفعه لقتلها وقتل من رأي ما يصح له فقط رؤيته ، صبرا .. تصبح زوجته وتلك الاشياء سيحرقها حرقا ويأتي لها بثياب راضي عنها

– فيه ايه يا عاصي

استمع الى صوتها الناعم لأسمه ، ليغمغم بغيرة لم يحاول إخفائها

– فيه يا هانم انك مش فتحاها علي البحري ، لأ ولما بتشوفيني بتقفلي البلكونة

استشفت الغيرة من نبرة صوته الحانقة ثم عينيه التي بدأت تترصد لكل رجل حولهما لتعبس قائلة بعدم فهم

– بحري ايه يا عاصي وبلكونة ايه ، انا مش فاهمة

صاح بلهجة صارمة وعينيه ترسل رسائل مميتة جعل جسدها يرتعد خوفا

– يلا بينا نطلع على المؤسسة

سارت عدة خطوات إلا أنها همست

– بس انا معايا عربيتي

حدجها بنظرة مميتة جعلها تهمس بحنق شديد

– خلاص هجيب حاجتي وهاجي

لمعت عينيه بتسلية إلا أنه صاح بفظاظة

– اقفلي السوستة

احتدت عينيها الداكنتين لتهمس بعدم رضا

-الجو حر يا عاصي

حدجها بنظرة صارمة وهو ينظر الي سحاب سترتها قائلا

– اقفلي

اغلقت سحاب سترتها مصدرة حنق مصطنع ، قلبها يكاد يخرج من ضلوعها وهي تشهد بطريقة ملموسة غيرته نحوها … لن تكذب عينيها تلك الغيرة الحارقة واندلاع النيران في عينيه لتقول بحنق زائف

– تمام كدا

هز رأسه برضا وهو يسير نحو سيارتها لتأخذ متعلقاتها ثم التفت إليه لتراه يشير اليها نحو سيارة اجرة في انتظارهما ، عرض عليها حمل متعلقاتها إلا أنها بكل برود تجاهلته وتقدمته نحو سيارة الاجرة تصعد المقعد الخلفي بهدوء شديد … جز عاصي علي اسنانه مزمجرا بحدة ، عنيدة بل غبية ايضا .. لكنها آسرت قلبه ، مرت ابتسامة هادئة على شفتيه وهو يجلس علي المقعد الامامي ليطلب من السائق أن يتجه نحو وجهته التالية ..

بين الحين والاخر يرفع عينيه عبر المرآة ليراها تعبث بهاتفها ، تتجاهله إذا

تريد ان تلعب معه لعبة التجاهل ؟ .. بصمت شديد نظر عبر النافذة منتظرا وصولهم نحو وجهتهم ……

ترجل من سيارة الاجرة لتتبعه وجد تتبعه وهي تهمس بحلاوة شديدة لاسمه

– عاصي

اضطر أن ينظر إليها لينظر إلى وجهها الذي امتعق بحمرة الخجل ، تلعثمها جلب لقلب بسمة وهي تمد يدها بحقيبة ورقية قائلة

– اتفضل جواه قميصك

امسك الحقيبة ثم اخرج قميصه المحفوظ في حافظة شفافة ليهمس بتعجب

– أسود !!!

صار وجهها كثمرة طماطم طازجة وهي تهمس بارتباك

– اللون كلاسيك وكمان بيدي هيبة للراجل ، ده غير اني مشوفتكش باللون ده قبل كده فقولت اعمله

أجبرت لسانها عن التوقف باخباره بعفوية ما تقوله ، لتبتسم بارتباك وهي ترى نظرة عينيه المليئة بالفخر قلما رأتها في عيون عائلتها ، زفرت براحة وهي تسمعه يغمغم بمكر

– شكرا .. بس ده ميمنعش ان لسه فيه البدلة

هزت رأسها ثم اندفعت قائلة

– لما تقيسه قولي لو مضبوط

نظرت بارتباك إلى التسلية التي لمعت في عينيه وهو يقترب منها خطوة قائلا

– ابعتلك صورة يعني وانا لابسة

شهقت بخجل وهي ترفرف باهدابها تحاول ترطيب حلقها الذي جف لتهمس بتوتر

– لا لا يا عاصي .. يعني تقولي لو كويس ولا لأ

نظراته المتفرسة لها جعلتها تخفض نظراتها أرضا متحاشية النظر إليه ، لا تحب هذا العاصي .. تفضل العاصي الاخر ، صاح نداء طفولي مرتفع مما جعلها تشكر وجود تلك الطفلة التي انقذتها من نظراته اللاهبة التي لا ترحم

– دكتور عاصي

اندفع بعدها عدد غفير من الأطفال لتنفجر ضاحكة برقة قائلة

– جماهيرك يا دكتور

اقتربت تسبيح بملامح مشرقة وهي تحتضنه من ساقيه ليرفعها عاصي علي ذراعه السليمة ، قلقت وجد وهي تري تشنج وجهه وبعض الألم الذي ظهر على صفحة وجهه لتهم بأن تخبر تسبيح ان لا تتعب عاصي ، الا ان عاصي طالبها بالصمت ، منذ متى هي تفهم لغة العيون ؟!!

لم تفهمها سوي معه ، نظرت بقلق شديد اليه والي الطفلة التي ليست واعية إلى ما تقوم به وهي منشغلة بثيابها الرياضية قائلة

– شوفت يا دكتور عاصي اللبس الرياضي الجديد

مال عاصي مقبلا جبهتها ثم اخفض جذعه لتضع تسبيح ساقيها علي الارض ووجد كادت يخشي عليها من فرط القلق ، ابتسم عاصي بين ألمه ، الاميرة تخشي عليه بجنون .. طمأنها بنظرة عينيه ليعبث خصلات تسبيح قائلا

– نشكر المصممة المبدعة بتاعتنا يا تسبيح ولا انتي ايه رأيك

هزت تسبيح رأسها ثم اندفعت تحتضن وجد بقوة مما جعل وجد تهبط بجذعها حتى تصبح في مستوى طولها ، مالت تسبيح تقبل خدها قائلة بسعادة

– شكرا جدا ، انا بحبكم اوووي

ثم اندفعت تعود للداخل ليحدث هجوم التتار نحو عاصي ، عاصي الذي لم يشيح بعينه عن ذلك العناق والقبلة التي فعلتها تسبيح

وجزء داخلي يشعر بالحنق ، كم ود أن يكون هو مكان تلك الصغيرة ويقبلها تلك الأميرة … متى يحن الوقت ليرى تقبل الاميرة لحياته المختلفة عن حياتها المرفهة مائة وثمانون درجة !!

******

في حي عاصي ،،

توقف غالب ينظر إلى الحائط الذي ضم العديد من الشهادات التي حصل عليها الرجل ، لن ينكر اعجابه به وبما حققه ، بل خلال البحث عنه لم يجد بالرجل شائبة … رغم تخرجه من كلية الطب ، إلا أن عمل لسنوات كحارس شخصي ، ومعتاد على الذهاب الى المؤسسة الخيرية التي تذهب إليها حفيدته مؤخرا …

لا يعلم كيف تعرفت عليه حفيدته ، بل من كثرة الشهادات والجوائز التي أخذت حرفيا عرض الحائط بأكمله جعله يتعجب ، هل هذا الرجل حقيقي ؟!!

ولما لا .. يكفي ان جدته تحية الشوربجي ، يتذكر أنها تحدت المجتمع والجميع ورفضت ابن خاله وقررت الزواج من جزار في حي شعبي ، تركت الفتاة رجلا تحلم الفتيات الاقتران به وقررت الزواج من رجل معدم في خانتهم المخملية ، لوظيفته التي تعتبر ليست دائمة …

يتذكر انه كان يشاهدها في النادي الخاص ، امرأة مفعمة بالكثير من الطاقة ، والجرأة .. جرأة لم يراها قبلا في امرأة .. كان هذا سر اعجاب ابن خاله لها وقراره للتقدم إليها ، لكن يبدو ان الرياح تجري بما لا تشتهي السفن !!

اخفض رأسه ولا يصدق أن تحية الشوربجي ، ابنة أكبر صاحب متاجر المصوغات الذهبية والمجوهرات انتهى بها الحال لتعيش في منزل .. لا يليق حقا بمقامها ، لكن تبدو راضية تماما

هل ستتحمل صغيرته ذلك التحول ؟! .. ما علمه من خلال بحثه أن الرجل يعمل في العديد من المجالات بداية من السباكة والنجارة وتلوين الحوائط .. ماذا تبقى من أعمال لم يجربه ذلك الفتي الذي قرر ترك شهادة تجعله يستطيع في أكبر المستشفيات في الشرق الأوسط ، انتبه من شروده على صوت تحية التي قالت بهدوء

– القهوة

ابتسم بهدوء وهو يلاحظ باب منزلها المفتوح دون نية في غلقه ، اتجه ممسكا منها الصينية قائلا بتهذيب

– متشكر جدا

ابتسمت توحة بهدوء شديد وجلست علي مقعدها وهي تنظر الي غالب المالكي ، الرجل الذي جاء إلى عتبة منزلها وبدي متفاجئا من وجودها … رغم منذ زمن بعيد لم تحب مصادقة الأغنياء وابنائهم وفضلت عليهم اصدقائها في حيها  قبل أن يزدهر عمل والدها وتترك حيها إلى حي راقي لا يرتاده سوى الاغنياء .. واجهت العديد من نظرة التقزز .. ينظرون إليها بترفع شديد ، متجاهلين اياها .. وحينما أصبح والدها اسم لامع في عمله .. قابلت كل فرد منهم في متجر والدها .. والدها الذي لم ينجب غيرها مقررا ان يجعلها خليفته في العمل .. عرفها على كل فرد من العائلات الثرية .. ومن ضمنهم المالكي ، وغالب المالكي الذي أرسل دعوة لوالدها لحضور حفل خطبته من امرأة لا تتذكر ملامحها .. بل تلك الليلة كرهتها حقا ، يوم قابلت قريبه الذي لم ينفك عن التقرب منها، زفرت بحدة وهي تحاول ازاحة الذكريات السيئة من عقلها وهي تنظر الي غالب بتساؤل عن سبب وجوده

ليست مغفلة لتلك الدرجة لعدم معرفتها ان زوجة حفيدها المستقبلي هي حفيدة واحد من اهم الاعمدة وأكثرهم ثراء في العائلات المصرية ، لكن منذ مجيئه ومفاجأته بمقابلتها علمت ذلك الرجل ما كان واشك علي القيام به ، لو كان حفيدها هنا وقابله تكاد تقسم ان حفيدها الغبي سيصرف نظره عن زواجه ، ثم ينعزل عن الجميع وتراقبه يذبل حفيدها يوما بعد يوم

نظرت اليه بتحفز شديد وهو يرتشف قهوته بكل رقي ورجل ثري ولد من معلقة من ذهب ليتنحنح غالب قائلا

– الزمن عدى بسرعة

هزت توحة رأسها قائلة واضعة يديها علي مسند المقعد

– بسرعة يا جدا يا غالب

ابتسم غالب واخفض نظراته أرضا ، كما هي لم تتغير .. لسانها اللاذع وهجومها في الحديث كما لو كانت ابنة العشرون من العمر ، رفع عينيه ناظرا اليها

لم يتغير بها شيء

كما هي ..سوى من بضعة تجاعيد تخبره عن عمرها ، لكن ما زالت بروحها الشبابية

– لسه زي ما انتي يا تحية الشوربجي ، مين يصدق اني اقابلك تاني

قالها وهو ينظر اليها بهدوء شديد .. يرى التحفز في عينيها ليسترسل قائلا

– كنت الاولي اللي غيرت القوانين وجريئة كفاية انك تطالبي بحقك

تنهدت توحة بهدوء ثم تمتمت بجمود

– قولتها بنفسك يا غالب .. حقي ، ودي الحاجة الوحيدة اللي بحارب علشانها

تفهم ما تحاول ارساله اليه ، الام تدافع بشراسة عن طفلها ، ارتسمت ابتسامة علي شفتيه ، هو ايضا اب يخشي علي صغيرته من الحياة ، ويريدها أن تكون مع رجل يعلم أنه لن يقدر على المساس بها بأذى ، استحوذ انتباهه الي صورة موضوعة على طاولة صغيره لصورة حفيدها بثياب تخرجه وهي بجواره يميل مقبلا رأسها ، نظر بحنين الي الصورة ثم غمغم

 – حفيدك

عقدت ذراعيها على صدرها قائلة

– عاصي مش مجرد حفيد ليا .. ده سندي في الدنيا ، انا مليش غيره وهو ملهوش حد في الدنيا بعد ربنا غيري

هز رأسه بتفهم شديد قائلا

– وانا واثق في ده يا تحية هانم

اشاحت بيدها متمتة بحنق

– بلاش هانم دي .. انا سبت الالقاب دي من وانا عندي عشرين سنة وقررت اتجوز حب حياتي

الشجن في صوتها جعله يعلم أنها لم تندم ولو للحظة جراء ما فعلته ، ارتسمت ابتسامة على شفتيه وهو يغمغم

– وحد ينسى .. تحية الشوربجي اللي سابت ابن خالي وقررت تتجوز واحد من منطقة شعبية

صاحت بحدة شديدة وتحفز جسدها للانقضاض عليه ان تجرأ ومس زوجها بكلمة

– بس انت عارف اني مكاني مكنش معاكم ، كرهت النفاق والسم اللي بتحطوه في العسل وزواج اللي تبقي ست هي الضحية بين اب كل اللي همه مصالح شغله وجوزها اللي شايفها مجرد قطعة ديكور اتحطت في بيته .. بس هنا اختلاف كبير يا غالب .. تعرف طول عشرين سنة اللي قعدت فيها في الفيلا ما حسيت بالدفا والراحة هنا في المنطقة دي بالذات .. تخيل دلوقتي العيل اللي مكملش سبع سنين تلاقيه بيتكلم بجرأة في حاجات كنا بنقول عليها عيب وغلط واحنا كبار حتي بنتكسف نقولها

يتفق معها لما قالته ، الجيل الجديد قنبلة موقوتة ليهز رأسه متمتما

– كل جيل وليه كوارثه وايجابياته

صاحت باعتراض شديد واحتدت عينيها بشراسة

– مفيش ايجابيات يا غالب … المنطقة الهادية بقت مليانة بحاجة مقرفة اسمها تكتوك ومشغل اغاني قذرة انا للحظات بتصدم من كلامها والاقي عيال بتردد الكلمات ببساطة

اجابها بهدوء شديد

– الانفتاح العالمي بسبب النت ، خلي الطفل غصب عنه مشدود انه يعرف كل حاجة أهله بيمنعوه عنها

اتسعت عيناها لوهلة لتغمغم بغيظ

– عايز تقول ان التربية اللي اتربينا عليها غلط

لطالما يكره الاندفاع بالحديث ، لذا قال بهدوء

– كل جيل وليه طرق تربية تواكب العصر اللي عايشينه

زاد عبوس وجهها الا انه ببساطة ازال عبوسها بكلمات مست قلبها

– بس انا واثق في تربية حفيدك ومتأكد انك علمتيه كويس

انشرحت أساريرها ، ولن تكذب انها شعرت بالفخر لأبنها الذي ربته ، لتقول

– عاصي وامثاله بقوا قليلين يا غالب ، انا عملت كل ما في وسعي اني اربيه منكرش انه متعبنيش ، عاصي بطبعه حنين هو بنفسه محاولش يتعبني .. لحد لما ربنا يكرمه ببنت الحلال

هز غالب رأسه وهو يقول بنبرة ذات مغزى

– وانا متأكد ان حفيدك مفيش بنت هترفضه

ارتسمت ابتسامة على شفتيها وهي تسند ظهرها على رأس المقعد ، لم تتوقع أن تكون المقابلة سلسلة لتلك الدرجة ، لكنه نصيب عاصي أن يحظى بسعادة مع المرأة التي أسرت قلبه .

******

في قصر الغانم ،،

ظلام يغمر المكان ، ساكنة في جلستها ، حائرة في حياتها ، خائفة من خسارتها لذلك الحب الذي بدد من وحشة حياتها

البكاء لم يعد يجدي مثل المرة السابقة ، إن كانت في الماضي تخشى من الناس .. فالان اصبحت لا تخشي شئ سواه ، لا تريد تذوق مرارة الفقد

ووجع القلب

و تجلد ذاتها .. ما قالته وما حدث لن تقدر على تغييره ، تعلمت الشجاعة وأن تكون قادرة على مواجهة عاقبة اخطائها ، لكن ما سببته من وجع لذلك الرجل الذي لم يفعل شيئا خاطئا بحياتها يجعلها تندم أشد الندم على ما سببته له ، لم تكن تريد أن تصل الأمور إلى ذلك الحد .. كانت غاضبة .. ثائرة من ماضيها ، لانها لم تقدر علي تخطيه بعد !!

جروحها التي ظنت انها شفيت لم تبرأ بعد ، ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيها وهي تتمني أن يكون قادرا علي مسامحتها .. بل يكون متفهما ، إلا أنها تشكره في الوقت ذاته لانها استطاعت ان تشعر بالراحة بدلا من تلك الليالي المؤرقة واستجماعها لشجاعة زائفة لأخباره ثم تجر أذيال خيبتها كل ليلة وتصمت .

ارهفت أذناها السمع إلى فتح الباب ثم اضاءة الغرفة لتغلق رهف جفنيها وهي تحاول ابعاد فريال اللحوحة بمعرفة ما حدث تلك الليلة العاصفة

صمتت فريال للحظات وهي تحاول ان لا تنفجر صارخة في وجه تلك الفتاة ، معتزلة وصامتة .. في حالة إضراب عن الطعام بالكاد تتناول ما يسد رمقها وكأنها في حالة تقشف !!!

ثم محاولات نزار الحثيثة للوصول اليها بعد اغلاق هاتفها ، بل حتي عزيمة السيدة عايشة لتناول الطعام لم تعرف ماذا تخبرها .. شعرت بالإحراج الشديد وهي تخبرها عن توعك رهف وحينما طمأنتها انه ليس بأمر جلل وأغلقت معها الهاتف ، جاء اتصال ذلك الشامي القلق متسائلا عن حالتها .. رغم فضولها ورغبتها لمعرفة ما حدث إلا أنها صمتت وكررت ما قالته لوالدته … بل وخبأت الأمر عن وقاص الذي استشعر وجود شيئا خاطئا لكنه صمت واكتفي بالمراقبة لوقت قصير تعلم انه لن يستمر طويلا

صاحت بسخط شديد ضاربة بكل هدوء حاولت الحفاظ عليه قبل اقتحامها لغرفتها

– ما انا مش فاهمة يا رهف ، سبتك تاخدي وقت بس العناد ده انا مبحبهوش

زفرت رهف بيأس شديد لتجيبها بهدوء

– امشي من فضلك يا فريال لو سمحتي ، عايزة اقعد لوحدي

اقتربت فريال منها بلهفة شديدة قائلة بتهديد

– فهميني بس ، والا هتلاقيني روحت لوقاص وقولتله كل حاجه

رفعت رهف راسها لتحذرها من اخباره الا ان صوت خشن اقتحم جلستهما

– تقولوا ايه لوقاص

ابتسمت فريال بهدوء شديد وهي تقترب منه قائلة

– انها مش عايزة تاكل ، وعاملة اضراب عن الاكل

اكتفي وقاص بنظرة أعلمت فريال إن كذبتها كشفت .. ذلك القرصان بات يعلم جميع حيلها ، ستفكر في طرق أخرى للاحتيال على ذلك الرجل حتى يكف عن قراءتها ككتاب مفتوح .. غمغم وقاص بهدوء

– سبينا يا فريال لوحدنا

هزت رأسها وهي تترك الشقيقان بمفردهما غالقة الباب خلفها لينظر وقاص نحو صغيرته التي تنظر اليه بحرج … يتذكر سابقا حينما كانت صغيرة تخشي العقاب تنظر إليه نظرة واحدة فقط يجعله يجذبها إلى ذراعيه بدلا من ضربها

تقدمت رهف نحوه وهي ترتمي بين ذراعيه باكية بانهيار شديد ..ويقين داخلي يخبرها ان حاميها قادرا على أن يشدد من عضدها

شعوره بالعجز ناحيتها وتقصيره في حقها سيظل حبل خانق حول عنقه .. انتظرها تخرج ما تكبته صغيرته داخل روحها التي شوهت ورأت ما لا يتحمله بشرا قط في عمرها الصغير ، مرر يده على خصلات شعرها ليهمس

– مش ناوية تقوليلي ايه اللي مزعلك

رفعت رأسها وهي تنظر الى زرقة عينيه الداكنة لتهمس بألم

– علي حياتي يا وقاص

ارتجفت بين ذراعيه وومضات من الماضي تحاول محاربتها لتهمس والشعور بالفشل يقهرها

– اني وحشة ، وان الماضي طلع زي الكابوس عمره ما هيفارقني ، مش كابوس لأ .. ده عار يا وقاص

ارتجفت شفتيها وهي تبكي بصمت .. ليمسك وقاص ذقنها رافعا رأسها قائلا

– أهدي … انسي كل حاجه صدقيني اخذ جزاءه .. عايزة اقولك ان نضال مسبش فيه حته سليمة وده كان مضايقني اني مش لاقي حاجه ادمره بيها .. بس سابلي حاجة اقدر افش بيها غلي

لأول مرة يتحدث عنه ، رغم شعورها الان بلا شئ اتجاهه ، لا التشفي او الانتصار جعل عينيها الزرقاء تتسع بجحوظ شديد محاولة كشف سر رعبها إن كانت لم تبكي او تذعر من سماعها لما آل إليه بسبب أفعاله

دمر حياتها وقبلها دمر حياة من اعتبرتها صديقتها وبئر اسرارها ، صاحت بقهر

– ونادية يا وقاص ، كنت معتبراها اختي .. سنين كنا صحاب من المدرسة لحد الجامعة ليه عملت كدا ، ليه خلتني بشعة

وضع كلتا يديه علي وجنتيها مجبرا اياها للنظر إليه ثم قال

– الدنيا كلها اختبارات يا رهف ، نادية للاسف كانت لوحدها مفيش لا اب ولا ام حواليها صاحبتك عشان شافتك زيها بالضبط .. بس لما شافت انه عندك حد بيهتم بيكي غارت .. مشاعر طبيعة بتيجي للانسان وميقدرش يتحكم بيها ، بس الغيرة اتحولت لحقد وانتقام وده هي اللي راحتله بمزاجها .. عشان كدا متقارنيش نفسك بيها اوعك يا رهف تحطي نفسك مكانها

لم تستطع الرد .. البكاء هو ما وصله منها ليهمس وقاص

– مش قولنا هنبطل نرجع نتفكر الماضي ونركز في حياتنا والناس اللي بتحبنا

هزت رأسها ايجابا قائلة

– ايوا .. بس يا وقاص

قاطعها وهو يغمغم بامتعاض

– مع اني للاسف بكره وجهه نظر نضال في الحياة ، بس عشان الكابوس ده ينتهي واجهيه بقوة واوعي تخليه يرعبك من تاني

ألقت نفسها بين ذراعيه هامسه

– حاضر

مال مقبلا رأسها ثم شجعها وهو يربت علي ظهرها لتبتعد منفصلة عن عناقه وهي تنظر اليه بامتنان شديد … تشكر ربها انه مازال في حياتها ، ذلك السند الذي لن يخذلها دائما

الشقيق الذي تستطيع الاعتماد عليه في لحظات حطامها … طفق وجه نضال ليشحب وجهها تدريجيا

من كان يخفف عنه حزنه ؟ من كان يعتني به ؟ من كان يسانده ؟ … حياة اخيها خاوية ومع هروب زوجته جعل يجن جنونه ، سألت شقيقتها الذي أوشك على الخروج من غرفتها

– وقاص

سارعت بسؤاله قائلة بلهفة

– نضال عرف يوصل لفرح

صمت وقاص وهو يجيبها ببرود اعصاب جعلت عيناها تتسعان بصدمة

– افضل انه ميوصلهاش حاليا

متى أصبح شقيقها يأخذ الأمور ببرودة ؟!

ومتى أصبح نضال ثائرا مشتعلا

متى تبدلت شخصياتهم ؟!!

*****

الوضع عنده فوضوي

الحالة ناري بل أشبه مشتعل

رجل غاضب ، عصبي المزاج ، كتلة مدمرة متحركة على قدمين

اليوم يمر ببطء قاتل .. وعقارب الساعة تختبر معه قوة الصبر الذي يشك أنه يمتلكها الآن

العجيب في هذا الأمر بل ما يثير السخرية

انه نضال الغانم الذي لا تهرب منه أي تفصيلة وما يريده يحصل عليه في أقرب وقت ، لكن حينما يصل الأمر لزوجته أشبه بشئ مستحيل

قطته متي أصبحت ماكرة لتلك الدرجة لتلعب معه ألعاب هي ليست أهلا لها ؟!!

وبل منذ متى تجيد الاختباء … والي من لجأت بعد علمه بأن عائلتها المؤلفة من رجل قعيد وأم طامعة للفتات الذي يلقيه كل شهر … من المفترض أن يكونا لها سندا . وحماية ، لكن القطة تعلم انهم لن يقدموا لها الحماية الكفاية لذا لجئت إليه … وهذا الشئ الوحيد الذي لم يقدر على رفضه منها

ما هي حالتها الآن ؟ هل يتعرض لها احدا ؟ هل يضايقها احدا ؟ .. هل تناديه الان وتستنجده وهو الآن عاجز … عاجز !!

رغم مرارة الكلمة التي وقفت في حلقه ، الا انه عاجز حرفيا .. من هي تخصه وتحمل اسمه تقاتل بمفردها في الحياة البرية !!

لم يشعر سوى بيده تمتد ليلقي تلك المزهرية المستفزة السليمة وهو يستمع إلى صوت ذلك الرجل

– يا نضال باشا متقلقش ، السفر ده مستحيل لانها متقدرش تسافر بدون موافقة منك .. احنا حاليا بندور في كل الأماكن وهنلاقيها

توقفت يداه عن تحطيم المكتب ليقترب من الرجل ممسكا اياه من تلابيب قميصه هادرا في وجهه

– انت عارف يعني عشر ايام تغيب من عيني ، عارف ولا مش عارف.. نضال الغانم اللي عمره ما كان فيه حاجه غابت عن عينيه تيجي هي تختفي ، واضح أني كنت مدلعكم يا سادة

الرجل أمامه مقدرا لحاله رب عمله جيدا ، رغم امتعاضه إلا أنه حاول بكل هدوء ان يتخلص من يديه حول ياقة قميصه قائلا

– يا نضال باشا .. متقلقش

الكلمات التي من المفترض أن تطمئنه زادته سخطا .. العروق البارزة في عنقه تكاد تنفجر وهو يصيح

– اخرس خالص .. انت عارف انت شغال كل يوم بتردد زي البغبغان وبطمني ، انا مش هطمن غير لما اشوفها قدام عيني ، والا قسما بربي انت ورجالتك دي اللي فرحانلي بيهم هتتشردوا وشوف بقي مين اللي هيرضي يتعامل معاكم

أفلته متقززا منه وإلى ما آلت اليه الامور ، لم يعد لوحده من يحارب بل يوجد شخصين يتربصون له … منتظرين فقط لحظة أن يعثر عليها ليمنعوه عنها

ومضة سابقة جعله يتذكر لسان سليط يصرخ في وجهه ، بل تجرأت وشتمته لولا فقط كونها امرأة لقتلها بدم بارد ، التصاقها التام بزوجته جعله يأمر الرجل الذي كان يفتح باب مكتبه مغادرا

– استني هنا

انتبه الرجل لرب عمله الذي قال بجمود

– جبلي معلومات عن جيهان السويسري ، وراقب تحركاتها كويس اوعى تغيب عن عينك

حدق نضال في نقطة وهمية ليرتسم ابتسامة ساخرة على شفتيه قائلا بوعيد

– احساسي عمره ما كدبني ، اتمنى المرة دي يكدبني والا لا انتي ولا هي ساعتها هتشوفوا نهار

*****

جالسة بملل علي المقعد تراقب ناجي الذي يجئ ويذهب دون هوادة وهو يصرخ لعميل ما .. لكن لم تهتم اطلاقا ، عبثت بهاتفها تري التعليقات المتابعين تتفاعل ببعض التعليقات وأخرى تكتفي ببعض الملصقات ، ثم التعليقات التي تجاوزت الأدب ببساطة تحظرها ، لا وقت لديها للهجوم أو حتي تظهر على لايف خاص تبدأ وصلة “ردح معتبرة ” كما تفعل الأخريات .. تتخلص من المشاكل ببساطة بحذف وحظر .. رغم علمها أنهم باستطاعتهم انشاء حساب آخر لكنها تتمتع بنفس طويل … انتبهت من صوته الحانق

– انا ايه اللي خلاني اوافق عليها ، كله بسببك

علمت انه يشير الي فرح لذلك ببساطة اغلقت هاتفها وقالت ببرود

– الله ما تسترجل كدا اومال ، ايه اللي بسببي .. خليك راجل كدا وشيل المسؤولية ولا عايزني اصدق الاشاعات اللي بتتقال

ضيق بين حاجبيه ليصيح قائلا بحدة

– اشاعات ايه يا جيهان

تنهدت بكل برود وهي ترتخي في جلستها قائلة

– اشاعات انك يعني كدا عيل طري فرفور

تجهمت ملامحه للحنق ، وتحفز جسده للانقضاض ليصيح بلهجة حادة

– مين اللي بيقول

هزت رأسها وهي تقول ببراءة

 – الشركة يا عمري طبعا ، يعني انا مثلا

رأته وهو يجز على اسنانه مزمجرا ، محاولا الفكاك بها إلا أنها نظرت اليه ببرود قائلة

– مش عايزاك تقلق يا ناجي ، فرح كدا كدا هتكمل شغلها بس انسي أي اعلانات وفيديو كليبات رخيصة

رفع حاجبه ليردد كلمتها قائلا

– رخيصة !! … شركتي عمرها ما طلعت حاجة رخيصة

اشاحت يدها ثم قالت بجدية

– المهم مش عايزين نرغي كتير .. اكيد ليها عروض تانية غير الفيديو كليب

يعود للعمل معها ثم ليتفاجئ ليلا بزيارة زوجها المجنون ، هل تريده تلك المجنونة أن يقتل نفسه !! .. صاح قائلا

– مش عايز مشاكل حاليا يا جيهان امشي دلوقتي

اتسعت عيناها وهي تراه أصبح قليل التهذيب ليطردها ، زمت شفتيها حانقة وهي تستقيم من مقعدها قائلة

– الحق عليا اني عايزة  اساعدك

ثم استرسلت ببرود شديد وهي تغادر مكتبه

– بس للأسف متستاهلش

اغلقت الباب خلفها بحدة وتمنت لو وجدت شئ تضربه بها علي رأسه ، تلقي ناجي بطشه من نضال

ثم الاعصار جاء إلى قرية الغانم

لن تكذب وتقول انها في مأمن منه .. الرجل خطر جدا ، لكنها تستطيع أن تدعي جهلها عن مكانها وهي حريصة كل الحرص أن تكون تحركاتها طبيعية ، إن لم تشعر انها مراقبة اليوم ستكون مراقبة للأيام القادمة

خطت خارج المصعد بعد شرود عقلها لتتوجه نحو سيارتها التي ركنتها في الجراج الخاص بالشركة لتجد اخر شخص توقعت أن يكون موجود في تلك اللحظة

لطالما تكره ظهوره الدائم في أشد الأوقات الخاطئة ، مررت أناملها على خصلات شعرها الناعمة بعدما تخلصت من تجاعيده التي  راقتها لأشهر ، وقفت أمامه بهدوء شديد قائلة

– هتفضل كدا كتير يعني ولا ايه ؟!! … عايزة اركب

وضع وسيم يديه في جيب بنطاله وهو يرفع رأسه قائلا بحدة

– امتي في مرة هلاقيكي تردي عليا

هزت كتفيها ببرود قائلة

– زي ما انت شايف مشغولة كدا .. حتي مش لاقية وقت ارد على مكالمات حد

ارتسمت ابتسامة قاسية على شفتيه ثم اندلاع الحريق في زرقة عينيه جعلها ترفع حاجبا واحدا ليفاجئها حينما قبض على زندها بقوة غاشمة جعلها تتأوه مرغمة وهو يصرخ في وجهها

– بس فاضية تطلعي لايف للمعجبين

لم تحاول ان تسحب ذراعها بل تمتمت بهدوء

– بعمل شغلي يا وسيم ، روح انت كمان شوف شغلك

هزها بعنف … لا يعقل تلك أصابت بالبرود لتلك الدرجة ، لا يعقل أن يكون هو المجنون وهي التي تنظر اليه بتشفي

– ممكن نبطل شغل العيال ده ، لاني مش عايز افقد اعصابي

اقتربت خطوة منه وهي ترفع رأسها بتحدي قائلة

– مفكرتش مثلا عايزة اشوف هتتهور وهتعمل ايه يا وسيم

لم يتخذ خطوة جريئة واحدة ، تعلم انه لن يتخذها .. فهو يريد أن يكون الرجل المثالي صاحب الأخلاق والمثل العليا ، نظرت اليه بتشفي وهي تهمس بنعومة

– شوفت ده اللي فالح فيه ، شغل تهديد وكلام فاضي بس

بدا أمامها مذهولا بل مصدوما ليقول

– عايزاني اعملك ايه

ببساطة ردت

– ولا حاجه

هي تريد الكثير .. بل الكثير منه ، بعض الجرأة والاصرار ، شئ يجعلها أنه لن ييأس من محاولاته تلك ، شئ يطمئنها أنه لن ييأس على الأقل ، هي فقط تحاول ان تخرج طاقتها المكبوتة في وجهه ، ليتحمل هو جراء ما صنعه بها

شهقت مذهولة حينما لفحت انفاسه الخشنة بعطره الذي تعلمه جيدا ، هي اشترته سابقا في عيد مولده منذ خمس اعوام ولم تعلم انه يستخدمه سوى الان ، خفق قلبها هلعا واثارة وهي تشعر بوجهه يميل مقتربا منها هامسا بخشونة

– عايزاني اقرب منك مش كدا ، ابقي راجل خسيس واستغلك واخلي الراجل اللي مستأمني عليكي يندم لأنه وثق فيا

أغمضت جفنيها مستشعرة ذلك الدفء اللذيذ منه ، ترى كيف عناقه الملتهب لها ، اقشعر جسديا تزامنا من أفكارها المنحرفة لتتورد وجنتيها وهي تفتح جفنيها تهمس بصوت ابح انثوي

– محدش قالك يبقى تفكيرك قليل الادب

رأت اضطرابه و تفاحة ادم التي جعلت خيالها الخصب يتجه الي انحرافات لم تعتادها ، زفر بحرارة ليعود جسدها للارتجاف مرة أخرى وهو يقول بحدة

– لما اتقدمتلك رفضتي

صححت قائلة بعنف

– قصدك لما بابا اجبرك انك تتقدملي ، ده انت عمرك ما هتفكر فيا اصلا ، لاني معتبرني اختك الصغيرة مش كدا

زمجر بوحشية هادرا

–  ليه مش عايزة تفهميني

ابتسمت ببرود وهي تنزع يدها منه قائلة

– فهمتك وخلاص البنت الصغيرة مبقتش صغيرة .. عايز ايه تاني

 رأي  ذلك في عينيها ، ذلك الجوع المتعطش في عينيها كحاله

هو يعاني منذ سنوات .. ولا يعلم كيف حتى الآن يقف أمامها ببرودة أعصاب حاول أن يفيقها من هيامها التام به ، بكل طاقته الغاضبة لامتناعها عن قربه

وهي التي تكاد تندفع بتهور لفعل شئ لا يحمد عقابه .. صرخ

– لا مفهمتيش مش مستوعبة الجحيم اللي كنت عايشه

تخلت الفأرة الصغيرة عن برودها التام وهي تهمس بحشرجة

– اذتني يا وسيم ، استحمل بقي شوية … دول حتي بيقولوا ضرب الحبيب زي اكل الزبيب

القت نظرة نحو ساعة معصمها ثم إليه لتقول ببساطة

– مضطرة استأذن ، يلا باي

زفرت جيهان مغمضة جفنيها بيأس وهي تصعد سيارتها ، لو كان الأمر بيدها لتزوجته الان وفورا .. لكن الأمر يتعلق بكرامة لعينة تود استرجاعها منه .. ثم مثابرة للنيل بها ، هي ليست سهلة لتلك الدرجة حين يخبرها نتزوج تخر  ساقطة أسفل قدميه تشكره على  تعطفه ، بل تريد أن يخوض حربا ليظفر تلك المرأة بعقلها !!

****

تعيش في حالة من تخمة المشاعر

حالتها تشبه لشخص منتشي من أثر جرعات السعادة

العقل يتوقف عن التفكير

والجسد متراخي

مفرقعات نارية يتخيلها عقلك تجلب ابتسامة بلهاء علي الشفتين ، وببساطة شديدة كل الذكريات السيئة تتوارى في أظلم بقعة في العقل .

جسدها يبحث حثيثا عن جسده الدافئ ، تدفن انفها في جسده تشم عطر رجلها الوحيد والأوحد في حياتها

لطالما ظنت هي بجيناتها الغربية التي لوثت دماء ابيها الشرقية أنها ستعاني من تبلد المشاعر ، ويكسو جليد فوق قلبها .. لكن رجلها … رجلها أستخرج أسوأ ما بها من صفاتها الشرقية

غيورة لدرجة تثير الاختناق

متملكة لرجلها لدرجة تودي بحياته للجحيم

وإذا تجرأت امرأة على أن تتخطى حدودها وتقترب من رجلها ،فأصبحت في عداد الموتى .

هي لا تكرهه .. بل تعشقه لدرجة مثيرة للشفقة لأمرأة مثلها ، امرأة تمتلك جميع مقومات الفتنة والإغواء لتقع في حب رجل قليل الكلام .. لا يخرج عواطفه بمجرد كلمات لا طعم لها …

يستطيع أن يراضيها بل ويرفعها لأعلي عنان السماء .. تسبح معه في غمامة صاخبة ، فوضوية ثم ببساطة يجرفها معه إلى خشونته المحببة ، ببساطة شديدة

قليل الكلام .. لكن أفعاله ترضي أنوثتها .

زفرت اسيا متنهدة برضا شديد وعينيها تنظر بشغف شديد ، تنظر عبر النافذة بمتعة لم تكتشفها لتعود غالقة جفنيها ورائحة عطره

أسكنت وحوشها

وادفئت قلبها

وبعث الاستقرار لروحها المضطربة

تتذكر حينما عانقها بشغف شديد وعينيه تبعثان دفئا وسكينة لم تختبرها مطلقا سوي وهي بين ذراعيه ،عاشت حياتها منذ صغرها أن تكون هي المسؤولة عن عائلتها الصغيرة ضد وحوش العالم

لكن بالنهاية تعبت ، واستهلكت طاقتها كاملا

قلبها ظل يتحرك بجنون ،في حاجة ماسة لأن تستند علي صخرة عالمة انها لن تؤذيها ولن تجعلها نادمة لأن تظهر مشاعر ضعفها ورقتها أمام رجل حياتها ..

بقدر خوفها وبقدر رعبها أن تكشف قناعها الهش ، الضعيف وهي التي ظلت لسنين تعمل جاهدة لتوفير حياة أفضل لها وشقيقتها .. كان صعب جدا وكل رجلا قابلته كان يبحث عن متعة يشبع بها شهوته .. كانت ستصاب بالجنون حتى جاء الى حياتها

نسيم هادئ .. جلب لقلبها السكينة وقررت أن تفتحه له فقط

همساته الخشنة في تلك الليلة جعل جسدها يرتجف بشوق شديد ، قبلاته لأكثر المناطق التي تضعفها .. رقته الممزوجة مع خشونة محببة وهو يهمس بصوت اثخن من العاطفة

– مستعدة تفتحي صفحة جديدة معايا

رفعت رأسها اليه والتردد في زرقاوة عينيها جعله يداعب خصلات شعرها ، يري ذلك الشغف في عينيها ، ليطمئنها هامسا

– مش هتندمي يا آسيا اوعدك لكن اوعديني انك مش هتخليني

زفرت وهي تشيح بوجهها عنه ليمسكها من ذقنها مجبرا إياها على النظر اليه ، تعلم أن تلك الهدنة والفقاعة التي لفتهما ستنقشع لتجيبه

– صعب اللي بتطلبه منى يا لؤي انا

وضع إبهامه على شفتيها ليغمغم

– عايزاني ابعد عنك يا اسيا

تجلي الرفض في عينيها قبل أن تهمس بنفي قاطع

– لأ

قربها لذراعيه معتصرا جسدها اللين بين ذراعيه ، لطالما تعلم أن ذلك العناق تحبه منه ، يجعلها تشعر ان لا احد قادر على ايذائها وهي بين ذراعيه ، عناق ان بكت فيه تعلم ان لؤي سيصمت مقدرا حالتها  ولن يسألها أو لن يهينها في شجارهم ، اقترب منها وانفاسه الهادئة تلفح وجهها

– عايزة تبعدي عن حضني

هزت رأسها نافية مغمغمة بنبرة متحشرجة

– لأ

انامله مرت بشغف على وجنتيها ليهمس بخشونة

– عايزاني اضطر انساكي واكمل حياتي مع واحدة غي..

قاطعته بأن ألصقت شفتيها على خاصته ، تخرسه .. بل تعاقبه بقسوة واسنانها تنغرس بقسوة علي شفتيه .. رغم الالم الذي شعر به لؤي إلا أنه متفهما حالتها المجنونة التي تنتابها بسبب غيرتها الشديدة عليه ، ابتعدت حينما شعرت بالدماء علي شفتيها الا انه لم يتركها تفرح بانتصارها ..  وكان عقابه لها خفيفا ناعما .. سارقا انفاسها .. جاعلا قلبها يخفق بجنون ، انفصل لاهثا ناظرا بشغف الى وجهها الذي تحول إلى ثمرة طماطم ناضجة ، همست باضطراب وهي تضربه بقوة على صدره الضخم

– وقتها هقتلك يا لؤي .. انت فاهم ، هقتلك وهقتلها

جن جنونها ، وارتفع معدل غضبها حينما وجدته يضحك ، لتقترب منه صارخة بجنون

– متضحكش ، انا مبهددش انت عارف كدا

خصلات شعرها الثائرة وهيئتها الفاتنة .. تبدو في حالن مثالية بالنسبة لعينيه ، امسك كلتا ذراعيها لتقع علي جسده الصلب متأوه بتوجع مغري له ، مرر انامله علي خصلات شعرها قائلا بابتسامة ماكرة

– شرسة

لمعت عينيها بالعبث وهي تمرر أناملها على صدره هامسة

-متنكرش انك بتحبه

مالت تقبل قلبه مما جعل جسده يرتجف وكأن صاعقة كهربائية مرت في جسده ، احست اسيا بارتجاف جسده لتعيد تقبل قلبه مرارا ثم اقتربت تدفن وجهها في عنقه تقبله عرقه النابض ، لطاما علمت أن تلك المواضع هي أكثر المواضع الحساسة الخاصة به .. شعرت بذراعيه تبعدانها عنه ليهمس بصوت اجش وعينيه تلمع بالرغبة

-قولتي ايه يا آسيا

هل تفشل كل خططها في أدراج الرياح ، زفرت بحنق ثم قالت ببرود

– مش هوعدك بس ههحاول .. متحاولش تضغط عليا

رفعت اصبعها محذرا اياه في وجهه مما جعله يعقد جبينه بوجوم ثم بكف يده الخشنة صفعها علي يده ، تأوهت بميوعة وهي ترى بقعة احمرار أثر ضربته ، نظرت اليه بتحدي ثم قررت رفع شجار خشن ، انتهي بعد دقائق بأن سحبها خلفه الي رحلاته التي اشتاقت لها !!!

فتحت جفنيها وهي تنظر إلى النافذة ثم يدها التي قرر أسرها وهو يقود سيارته ، فتحت شباك السيارة لتستنشق هواء حريتها من سجن قرر تشيديه

كانت تستطيع الهرب .. لكن لو هربت لما استطاعت ان تحظى بسلام نفسي واستقرار عاطفي مثل تلك الليلة ، ثم اتبعها بليالي بجلوسه معهم ، كالأيام الخوالي .. هي وهو ولا شئ آخر يبعدهما عن بعضهما البعض

صاحت بمشاكسة تبدد من الصمت الذي غلفهما

– السجان قرر يفك حبسه

ألقي نظرة سريعة نحوها ثم أجاب

-انتي اللي عنيدة كنتي في بيتنا

زمت شفتيها وهي ترفع حاجبا شريرا قائلة بحنق

– افتكرها يا لؤي

ألجم لسانها الصمت حينما توقفت السيارة أمام بوابة حديدية ضخمة ، قرأت اسم المنزل لتتجهم ملامحها وهي تندفع بغضب صارخة

– ايه اللي جابنا هنا

حاولت أن تنزع يدها منه وخرج من سيارته ، هل أول يوم خروجهما من المنزل يقرر ان يذهبا الى منزل عائلته ، تأوهت بألم حينما شعرت بطقطقة عظامها وصوته الجاد

– اول خطوة صح ، خليكي عارفة انك بتلعبي بعداد عمرك لو فكرتي انك تلعبي عليا يا آسيا

استشعرت التهديد في صوته وهي ترى الابواب تفتح إلكترونيا .. لتشق السيارة طريقها للداخل ، همست بتهكم

– مش واثق فيا

ارتسمت ابتسامة باردة على شفتيه ، هو يعلم قلبها ملكه .. لكن ذلك العقل اليائس المتحجر لا يرضي ، غمغم بجفاء

– عقلك لأ ، مش واثق فيه

اوقف سيارته امام قصر فخم ، تكاد تقرأ الثراء من كل انش في ذلك القصر المهيب ، انقبض قلبها وشعرت بالاختناق ، احست به يفتح باب سيارتها لترفع رأسها تطلب منه توقفه عن الحاحه هذا ، الا ان التصميم ثم يده التي جذبتها بعنف جعلها تعلم ان لا فائدة ترجي من الهرب .

لطالما تخيلت الكثير من السيناريوهات ، ذلك الرجل الذي دمر عائلتها يطلب منها عفوها و سماحها ، بالكاد عينيها تمر على سكان هذا القصر ، تلمح بصور سريعة الخادمات اللاتي توقفن عن العمل ناظرين بتعجب الى خليفة غالب المالكي يجر امرأة غريبة خلفه ، رفعت اسيا رأسها لتراه جامد الملامح ،وجهه قد من حجر ، يطرق الباب الذي أمامهما ثم تبعه بفتحه ،سحبت اسيا نفسا عميقا وفكرت بالهرب ،الاان ذراعه طوق خصرها باحكام

لا مفر آسيا … لقد قدمت الى عرين الاسد

رفعت رأسها حينما استمعت الى صوت لؤي القوي

– غالب باشا

رأت عجوزا كهيلا لم تتبين ملامحه وهو يضع مصحفه جانبا ، استقام واقفا حينما رأي المرأة التي بجواره .. اتسعت عيناه وهو يخلع نظارته مقتربا من المرأة التي تقبع بين احضان حفيده … عينيها الزرقاوين مناقض لشعر الشديد الحلكة وبشرتها البيضاء … قرأ النفور في عينيها ، والبغض .. اهتز جسده حينما استمع إلى ما كان يخشاه

– آسيا المالكي ، حفيدتك

ألم يخبره انها ماتت ، رغم أنه يري بعض التغير في ملامح وجهها ، لكن تلك الزرقة في عينيها لن يكون قادرا علي نسيانها ، سقطت النظارة من يده حينما صاحت بصوت ساخر

– ومراته

يتبع..

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية أترصد عشقك)

اترك رد

error: Content is protected !!