روايات

رواية براثن اليزيد الفصل السابع والعشرون 27 بقلم ندا حسن

رواية براثن اليزيد الفصل السابع والعشرون 27 بقلم ندا حسن

رواية براثن اليزيد البارت السابع والعشرون

رواية براثن اليزيد الجزء السابع والعشرون

براثن اليزيد
براثن اليزيد

رواية براثن اليزيد الحلقة السابعة والعشرون

“هي ترى أن الفراق هو الحل الوحيد،
وهو يرى أن الفرصة الثانية لن تأتي بضرر
كيف السبيل للتخلص من كم هذا الآلم؟!”
ولجت إلى داخل الغرفة بهدوء وهي تتشوق لرؤية زوجة أخيها بعدما عملت أنها لم يُصيبها مكروه هي أو جنينها..
ولجت للداخل ووجدتها نائمة على الفراش مغمضة العينين فنظرت إليها بحبٍ وهي تحمد الله داخلها لأجل سلامتها وسلامة أخيها المعلقة بها، جلست على مقعد جوار الفراش بهدوء دون أن تحدث أي صوت..
وجدت “مروة” تُميل رأسها ناحيتها بعد أن فتحت عينيها ببطء يبدو أنها لم تكن نائمة، نظرت إليها بسعادة ولهفة قائلة:
-حمدالله على سلامتك يا مروة.. الحمدلله إنك بخير
نظرة “مروة” إليها كانت جامدة ليس بها أي مشاعر سوى الجمود والجدية الخالصة، استغربت “يسرى” لذلك ولكن لم يطول استغرابها فـ “مروة” تحدثت بحدة مردفة:
-أخرجي بره
وزعت “يسرى” بصرها بالغرفة لترى إن كان هناك أحد آخر غيرها توجه له الحديث ولكن ليس هنا سواها!.. هل تقول لها أن تذهب بهذه الطريقة الفظه؟..
سألتها بجدية وهي تنظر إليها مستغربة من حديثها مشيره إلى نفسها:
-دا أنا؟.. أنتِ مالك فيكي ايه مش مظبوطه من ساعة ما رجعتي من بره
ابتسمت بسخرية وتهكم بعد أن استمعت حديثها الغير منطقي، ثم تساءلت هي بتهكم:
-من ساعة ما رجعت من بره ولا من ساعة ما دخلت بيتكم اللي كان جهنم على الأرض ليا؟
اقتربت “يسرى” بجسدها قليلًا وهتفت بجدية وهدوء لعلها تفهم ما الذي يحدث:
-مروة أظن الحوارات دي خلصت من زمان.. أنتِ ويزيد كويسين ومالكيش شأن بحد في البيت دا حتى فاروق لما عرف باللي إيمان عملته طردها
توسعت عيونها بشدة، هل “إيمان” من فعلت ذلك؟، سكبت الزيت على الدرج لتجعلها تجهض جنينها؟.. نعم تفعلها وتتوقع منها أكثر من ذلك أيضًا ولكن من أين عملت أنها تحمل طفل داخلها؟.. نظرت إلى “يسرى” بشكٍ واضح ثم سألتها بحدة:
-إيمان عرفت منين إني حامل؟
رأت “يسرى” هذا الشك بعينيها صريح للغاية، حزنت بشدة وكأنها لا تعرفها أو كأن هناك شيء حل عليها ليجعلها تتغير هكذا مئة وثمانون درجة، أجابتها بجدية:
-سمعتنا وإحنا بنتكلم وقت ما كنتي بتقوليلي
ابتسمت “مروة” مرة أخرى بتهكم ثم أردفت بجدية وانزعاج وهي تعتدل لتجلس نصف جلسة بجسدها:
-اسمعي.. بيت الراجحي هعتبر إني مدخلتوش في حياتي، وأخوكي خلاص خرج منها ومبقاش يلزمني ولا أي حد فيكم يلزمني يا.. يا يسرى
وقفت على قدميها بذهول غير مدركة ما الذي تتحدث به زوجة شقيقها، هل هي بوعيها أم ماذا؟، سألتها باستنكار ودهشة:
-في ايه يا مروة؟، لو أنتِ زعلانه مع يزيد أنا مليش دخل
زفرت بضيق وحزن وقد تكونت الدموع بعينيها الأن مرة أخرى غير الأولى على أشخاص اعتقدت أنهم يُحبونها، هتفت بحزن وحدة بذات الوقت:
-لا أنتِ ولا يزيد ولا إيمان ولا أي حد في البيت بتاعكم كلكم ناس حقيرة، كلكم استغليتوا ضعفي وطيبتي علشان تضحكوا عليا، بس خلاص مروة فاقت وعرفت كل حاجة، عرفت كل اللي كنتوا ناوين عليه بلاش بقى تمثلي أكتر من كده وأخرجي برة بكرامتك
الذهول يحتل ملامحها، لا تدري عن ماذا تتحدث!. ماذا تقول!، هي لم تفعل لها أي شيء غير الخير، وقفت جوارها أمام أهلها وهذا يكون جزائها؟.
_____________________
دلف إلى المنزل ثم إلى غرفة الصالون التي يأتي منها الصوت ووجد أن عمه يجلس ومعه ووالدته وشقيقه فنظر إليهم بحزن شديد وقد خفق قلب والدته ووقفت على قدميها ثم سألته بخوف كان حقيقي هذه المرة:
-ابنك حصله حاجه يا يزيد
لم يُجيبها بل أكمل في سيره إلى أن وقف أمام عمه ونظر إليه بغضب وضيق وحزن وقهر لا يعلم كيف يتخلص منهم ثم سأله بهدوء شديد حافظ عليه:
-ليه عملت كده؟
نظر إليه عمه ببرود قاتل وبقى هكذا لبعض الثواني ثم هتف يسأله بهدوء وهو يريح ظهره للخلف أكثر:
-عملت ايه يا ابن أخويا
تحولت أنظار “يزيد” من الحزن والغضب إلى الدهشة والاستنكار، هل مازال يخفي حقيقته.. لقد فُضح الآن، أردف بقهر وهو يُجيبه بعصبية:
-عملت ايه؟ أقولك، عيشتنا في كدبة من وإحنا صغيرين إن جد مروة السبب في اللي حصلنا، ربتنا على الانتقام من ناس مظلومة، كبرتنا وإحنا مفكرين إن حق الناس حقنا، خلتني ظلمت واحدة بريئة من أي شيء، دمرت حياتها وقتلتها بالبطئ ولسه بتسأل عملت ايه؟
وقف “فاروق” يسأله بجدية ودهشة بعدما استمع حديثه الذي لأول مرة يستمع إليه:
-أنتَ بتقول ايه يا يزيد
أجابه بصوتٍ عالٍ وقد فاض به الكيل على كل ما يحدث وما سيحدث قريبًا بعد أن تتركه زوجته:
-أنتَ مش عارف حاجه، عمك كدب علينا في كل الكلام اللي قاله.. كله كان كدب ومشينا وراه وإحنا مغمضين واديني أهو أنا الوحيد اللي بيدفع التمن في ابنه ومراته
تحدث والدتهم بخوف من أن يكون حديث ولدها صحيح وكل ما فعلته ما كان إلا ظُلم بين ستحاسب عليه:
-ما تتكلم يا أبو زاهر ايه اللي بيقوله يزيد ده
لم يتحدث وتركهم يفعلوا ما يحلوا لهم وهو جالس بهدوء شديد أو برود شديد ينظر إليهم واحدًا تلو الآخر ويأتي بملامحهم بذهنه..
تحدث “يزيد” مرة أخرى بعصبية قائلًا وهو يوجه نظرة إلى والدته وشقيقه:
-هيقول ايه؟ هيقول أن كل أملاك عيلة طوبار من تعبهم وشقاهم وأنه كان كداب لما قال دا حقنا؟ ولا يقول إنهم حاولوا أكتر من مرة إنهم يساعدوا وقت الأزمة وهو اللي رفض وبدل الخير بالشر؟ ولا يقول إنه ضحك على عيال أخوه وكبرهم على الغدر والانتقام وخلاهم يظلموا الناس علشان أهداف محدش يعرفها غيره
وقف عمه على قدميه متقدمًا منه إلى أن وقف أمامه ثم بكف يده صفعة على حين غرة بشدة جعلت وجهه يستدير للناحية الأخرى، شهقت والدته بفزع وتقدمت سريعًا إلى جوار ابنها لتراه إن كان بخير وقد تفاجئ “فاروق” من فعلة عمه الغير مرحب بها بالمرة وتقدم هو الآخر من شقيقه ليراه..
بينما “يزيد” تحسس مكان صفعته بهدوء ولكن داخله يشتعل، نيران ثائرة بداخله بعد هذه الفعلة الدنيئة منه وهو المخطئ الوحيد..
استمع إلى عمه وهو يقول بجدية وحزم وتعابيره قاسية للغاية:
-أنتَ خسرت ايه ابنك اللي لسه مجاش على وش الدنيا ولا مراتك اللي عشت معاها ميكملش سنة… أما أنا، أنا خسرت أبويا وأخويا ومراتي وابني اللي كان راجل، خسرت مالي ومال ابني، خسرت شبابي وحياتي، خسرت كل حاجه
صرخ بحدة وعصبية بهم سائلًا إياه:
-قولي أنتَ خسرت ايه
لم يُجيبه “يزيد” بل الذي تحدث هذه المرة هو “فاروق” قائلًا بجدية شديدة هو الآخر بعد أن وجد أن هناك كثير من الأشياء لا يعرفها:
-كلنا هنموت يا عمي بس هما سبقونا أما يزيد مراته وابنه عايشين هيفضل بقية حياته بيتعذب على فراقهم
نظر إليه “يزيد” وقد كانت مشاعرة متضاربة بين الحزن والفرح الغضب والهدوء، كل شيء ولكن هذه أول مرة يدافع عنه شقيقه!..
أكمل “فاروق” متسائلًا:
-قول يا عمي ايه اللي حصل وايه اللي يزيد بيتكلم عنه
صرخ بهم بعصبية وغضب وهو يقول ما يكِنهُ داخل قلبه منذ سنوات كثيرة ليست واحدة أو اثنين:
-أيوه أنا اللي عملت كل ده.. أيوه هما ناس بريئة بس جدهم السبب ليه محاولش يمنع أبويا بالغصب وهو عارف أنه بيضيع فلوسه، ليه موقفش قصاده.. سابه يضيع كل حاجه بهواه.. أبويا مات بسبب الخسارة اللي لو كان منعه عنها صاحبه مكنش مات ولا كان أخويا مات.. أبوكم، وابنهم اللي قتل ابني ومن وراه مراتي.. كل ده مش كفاية يخليني أخد كل اللي عندهم وأحرق قلبهم عليه.. بقيت لوحدي في وسطكم بتحسر على خسارة كل اللي ليا واللي بعد ما موت هيبقى ليكم مش لابني
صمت للحظة بينما الجميع بحاله ذهول من حديثه الغير منطقي، هذا أمر الله لقد توفاهم!.. والمال له كيف سيجعله يعود عن ما في رأسه بالغصب وهو ماله!..
مرة أخرى بقسوة أكبر من ذي قبل جعلت الجميع قلوبهم بين أقدامهم:
-ولو كنت عرفت أن مراتك حامل كنت نزلت الولد من بطنها بأيدي قبل إيمان ما تعملها.. بس مش من نصيبي إيمان كانت أسرع
ماذا؟ زوجة شقيقه هي من فعلت ذلك بزوجته؟.. نظر إلى شقيقه الذي وجده ينظر بأرضية الغرفة بخجل، نظر إلى والدته التي جلست ووضعت رأسها بين يديها من كم الصدمات بهذا اليوم الذي لا يريد الإنتهاء..
شيء واحد سيطر على الجميع في هذه اللحظة إلا وهو الندم!…
نظر “يزيد” إلى الجميع ثم تحدث قائلًا بجمود:
-بعد كل اللي حصل ده أنا ماليش قعدة معاكم هنا.. انتوا ممكن ترجعوا مع بعض زي الأول لكن أنا لأ
استكمل حديثه وهو يخرج من الغرفة متوجهًا إلى غرفته بالأعلى:
-هروح ألم حاجتي وحاجه مراتي ومش هخليكم تشوفوا وشي ده تاني
خرج وهو عازم أمره على ذلك بعد أن علم بما حدث منذ البداية، عمه مريض مؤكد، كيف له أن يفعل كل ذلك بهم لأجل أشخاص توفاهم الله!.. الحقد والانتقام هو المسيطر الأول عليه وهو وشقيقه كانوا مثل آله يُملي أوامره عليها وهم ينفذون!..
الحزن والندم سيطر على والدته وشقيقه.. لقد كانوا يسيرون وراء وهمٍ حقيقي لم يبحثوا عن الحقيقة ولو مرةٍ واحدة وكان ظلم الناس عليهم سهل!.. كيف يعبرون عن مدى حزنهم وندمهم على كل شيء قد حدث؟، كيف يعتذرون من ابنهم وزوجته؟، كيف يجعلوه يعود إليهم مرة أخرى ويفعلون له ما يريد؟..
تفرقت الأسرة وتفرق جمعهم بسبب وهمٍ وانتقام غريب ليس له أي أساس سوى كلمات عمهم المحروق على فقدان أحبته..
بين كل ذلك صعد “سابت” إلى غرفته وتركهم في حالة ذهول، دلف إليها ثم أخذ صورة زوجته وابنه من على الحائط وتقدم إلى الفراش ليتمدد عليه وهو يحتضن الصور والحزن يتغلغل داخل أعماق قلبه شاعرًا أنه قارب على التوقف.
__________________________
دلفت إلى السيارة جوار “سامر” مرة أخرى لتعود إلى منزلها ولكن كانت مختلفة كثيرًا عن قبل.. الدموع عالقة بـ اهدابها ووجهها أحمر بشدة ولا يبدو عليها أنها بخير..
تسائل باستغراب بعد أن رآها هكذا وهو يقود السيارة إلى وجهته:
-في ايه مالك
خرجت الدموع من عينيها عقب سؤاله وتحدثت بخفوت وحزن:
-مروة طردتني وقالتلي كلام كتير أنا مش فهماه
نظر إليها باستنكار بعد حديثها ثم أعاد نظرة إلى الطريق وهو يهتف بحنان ولين:
-طيب ممكن تهدي علشان أفهم
ازداد بكائها فهي لا تعلم ما الذي حدث لتقول كل هذا الحديث القاسي إليها وهي لم تفعل شيء بها بل اعتبرتها شقيقتها وليست زوجة شقيقها..
أوقف “سامر السيارة بجانب على الطريق ثم نظر إليها بهدوء وهو يزيل دموعها من على وجنتيها وهتف وهو ينظر إليها برجاء بعد أن استدارت له:
-ممكن تهدي وتبطلي عياط
ترك لها مساحتها في البكاء بعد أن عجز عن جعلها تهدأ ثم صمتت بعد فترة فتحدث هو قائلًا بلين:
-ممكن أفهم بقى ايه اللي حصل
أردفت بضيق وانزعاج وهي تروي له ما حدث:
-في مشكلة بينها وبين يزيد ومصممة على الطلاق حتى أنها بهدلتني وقالتلي أننا نصابين وناس ظالمة والمؤامرة اللي اتعملت عليها هي خلاص عرفتها
استدار “سامر” ينظر إلى الطريق بعد أن علم ما الذي حدث.. أنها حتمًا علمت ما سبب الزواج وما الذي أراد فعله “يزيد” بها.. هتف بشرود قائلًا:
-المشكلة اللي بينهم عمرها ما هتتحل بسهولة، ده لو مروة اتنازلت أصلًا
وجهت نظرها عليه.. هو يعلم ما الذي حدث!، يعلم ما المشكلة بينهم!، سألته باستغراب:
-أنتَ عارف اللي حصل؟
توتر من نظرتها وتردد من اخبارها، ولكن أمام تلك النظرة الواثقة بأنه يعلم وبأنه سيتحدث لم يجد حل غير أن يقول لها فهي الشخص الوحيد إلى الآن الذي لا يدري داخل عائلته..
صُدمت من شقيقها وعائلتها ومن خطيبها أيضًا!، كيف لهم أن يفعلوا بها هكذا، مَثل أخيها الحب عليها!، ولكن كيف العشق كان يظهر عليه لها في كل لحظة!.. أرادوا ذبحها بالحب والضعف!، معها كامل الحق وأكثر فيما تفعل لقد خُدعت في حب حياتها، زوجها، ووالد ابنها أيضًا..
سألته بدهشة وهي لا تصدق أنه مشارك بهذه الجريمة:
-أنتَ إزاي تخليه يعمل فيها كده؟ له معتبرتهاش أنا ولا حتى أختك
علم أنها ستقول هذا ومن الآن وصاعدًا لن تأمن له لأنه ساعد في ظلم بريئة، زفر بضيق ثم أردف بخفوت:
-أرجوكي بلاش تقولي كده أنا حاولت مع أخوكي أكتر من مرة وهو اللي كان مصمم على رأيه وخايف تعرف من غيره
-روحني..
حاول الحديث ليجعلها تعلم أنه لم يكن بيده شيء يفعله ولكنها منعته مطالبة بالعودة إلى منزلها دون حديث.. فـ الصدمة صعبة للغاية عليها، كيف إذًا على مروة؟..
________________________
“اليوم التالي”
بعد أن أخذ ما يخصه هو وزوجته من بيت عائلته ووضعه بالحقائب الخاصة بهم، وضعهم بالسيارة وذهب إليها مرة أخرى ومنذ أمس وهو جالس خارج الغرفة في الرواق وحده بعد أن جعلت “تامر” يذهب ولم يكن موافق على هذا ولكنه فعل..
منذ أمس وهو هنا لم يأتي النوم إلى عينيه بل وكأنه نام سنة كاملة ليبقى هكذا، يفكر بالماضي وما حدث به من كوارث هائلة تحمل هو نتيجتها..
يفكر بالكذب الذي افتعله عمه ليبقى هنا الآن، لو كان غير ذلك لكان هو بجوارها بالداخل! ولكن هذا ما حدث، لقد كانت صدمة حقًا في عمه الذي بمثابة والده، لم يكن يتخيل أن يفعل بهم هكذا، ماذا كان سيحدث إذا رفضت عائلة “طوبار” الزواج هل كان سيفتح سلسال دم من الممكن فقدانه هو أو أخيه بداخله؟.. أنها صدمة حياته..
كذب عمه وجعلهم يتحملون النتيجة، كذب وهم ورائه يسيرون، كذب ودمر حياتهم ولكنه المخطئ!.. لم يتبين له الحقيقة من الكذب وهو لم يسعى لمعرفة ذلك..
ترك كل شيء يسير كما عمه ووالدته أرادوا، ترك لهم زمام الأمور وكأنه دُمية يحركونها بأريحية، ومن خلفهم هو كذب، ظلم، انتقم وعاقب شخص برئ أحبه للغاية..
يا له من وغد!.. كيف له أن يفعل بها ذلك؟ كيف له أن يجعل الدموع لا تتوقف عن الخروج من مقلتيها؟ كيف له أن يحزن قلبها الذي أحبه؟ كيف له أن يشعرها بالقهر والخذلان منه هو وحده؟.. أنه لا يستحق حبها.. لا يستحق أن تكون بحياته من الأساس!، لقد أضاع كل شيء بينهم بسبب ضعفه وخوفه.. بسبب حماقته وكذبه..
ياتي إليه في الطريق طفل صغير كان يتمناه منها وحدها، ما السبيل للتواجد معه الآن، أنها قررت وكان الطلاق والفراق قرارها، ما السبيل الآن للتخلص من كل هذه الآلام الذي تعصف به وبكل خليه بجسده..
لو كان يعلم أن كل ذلك سيحدث بسبب زواجه منها لم يكن ليتزوجها.. لم يكن ليقع بعشق زرقة البحر، لم يكن يقع بغرام خضرة الأرض.. لم يكن يفعل كل ذلك وكان بقى “يزيد الراجحي” الذي يحمل القسوة والغرور داخل طياته، كان بقى نفسه الذي يحمل العنجهيه والمراوغة داخله وبقيت هي “مروة طوبار” الملاك الذي لا يوجد مثله في نقائه وبراءته..
زفر بضيق وهو يمسح على وجهه بعد أن اعتدل في جلسته يتكئ بمرفقيه على قدميه ينحني على نفسه للإمام وهو يفكر كيف سيجعلها تعود عن ما في رأسها وتكون زوجته دون أي ضغط من أي أحد، تكون زوجته وكأنها المرة الأولى الذي يريدها بها، تكون زوجته بإرادتها هي وحدها..
_______________________
بينما هو جالس مكانه مثلما كان وجد والدها وشقيقتها يركضون في الرواق بلهفة وخوف!.. من الذي أخبرهم؟.. مؤكد إنه ذاك الطفل الأبلة “تامر”..
تقدمت منه “ميار” سريعًا عندما وجدته أمامها ثم سألته بلهفة واهتمام:
-يزيد مروة حصلها ايه؟
واستمع إلى سؤال والدها هو الآخر من بعدها ولم يعطيه حق الإجابة يقول:
-بنتي فين يا يزيد؟
ابتلع ما بحلقه ثم تحدث بهدوء واحترام وهو يشير إلى باب غرفتها:
-ممكن تهدوا هي جوا هنا ومحصلهاش أي حاجه دي وقعة بسيطة
أجابت “ميار” بسرعة وخوف يحتل نبرتها:
-بس مروة حامل
ابتسم “يزيد” بسخرية شديدة ليست في وقتها المناسب ولكن الجميع حولها يعلم وهو لأ!:
-دا الظاهر إن أنا الوحيد اللي مكنتش عارف.. على العموم هما بخير
نظرت إليه “ميار” باستغراب شديد، هل لم تقول له شقيقتها عن حملها بعد؟ إذًا هو علم فقط عندما سقطت من على الدرج!.. أنها غبية..
ولجت إلى الغرفة هي ووالدها لترى شقيقتها التي عندما رأتهم يدلفون إليها تجمعت الدموع بمقلتيها وأصبحت تبكي بشدة!..
أخذها والدها في أحضانه وهو يحاول أن يجعلها تهدأ فإن كانت بخير وكل شيء على ما يرام لما تبكي؟.. دلف إلى الغرفة ليراها وهي بهذا الوضع فظل واقف جوار باب الغرفة ولم يتقدم ناحيتها وقد كان قلبه يخفق بشدة ود لو كانت بأحضانه هو..
نظرت إليه وهي تزداد في البكاء، عينيها معلقة على عينيه متشبسه بوالدها وكأنه هو الذي تحتضنه وتخفي نفسها داخله، ولكن هيهات فهو من تهرب من براثنه..
حاولت “ميار” أن تجعلها تهدأ قليلًا ولكن ليس هناك فائدة، شعرت أن هناك خطب ما، أنظار “يزيد” و “مروة” متعلقة ببعضهم وكل منهما يقول شيء مختلف تستطيع قراءته بوضوح، تركت ذلك الأمر جانبًا ثم حاولت مرة أخرى هي ووالدها الذي استغرب أيضًا بُعد “يزيد” عنها في هذا الوقت!..
أتى “تامر” أيضًا بعد صف سيارته الذي أتى بها عمه وابنته، جلس على الأريكة بالغرفة وهو لا يريد التدخل فقط لأجل “ميار”..
بعد فترة جفت دموعها وصمتت عن البكاء ومازالت تنظر إليه بضعف وقلة حيلة، عينيها تزف إليه حبها ولكن لن يكمل على كل حال..
سألها والدها باستغراب وجدية وهو يريد أن يعلم ما الذي أصابها في يوم وليلة:
-مالك يا مروة يا حبيبتي.. ايه اللي حصل لكل ده
انتظرت “ميار” لتستمتع الإجابة منها على سؤال والدها ولكن ظلت فترة صامتة لم تتحدث ومازالت نظراتها متعلقة به، ثم فجأة ابتعدت عن والدها نظرت له ثم هتفت بحزن ونظرة ضائعة:
-عايزة أرجع معاكوا القاهرة.. النهاردة
أومأ إليها بهدوء وهو ينظر إلى شقيقتها ولم يفهم ما الذي يحدث بعد فتحدث مرة أخرى:
-ماشي يا حبيبتي اللي أنتِ عايزاه نعمله بس يعني يزيد بيقول إنك كويسه ومحصلش حاجه عايزة ترجعي القاهرة ليه
لن يكون هناك دموع مرة أخرى، ولن يكون هناك ضعف، هو من خان وهو من باع، هو من كذب وهو من راوغ، هو الذي جعلها تشعر بالخذلان، والقهر.. عليه هو أن يشعر بكل هذا وليست هي!.. ولكن هل تستطيع أن تؤذيه بهذا الشكل؟..
أجابت والدها بخفوت:
-علشان مش هقعد هنا تاني أبدًا
نظر كل من “ميار” ووالدها إلى”يزيد” حتى يتحدث يمحي هذا اللغز فلم يكن منه ردًا سوى أنه أخرج سيجارة ووضعها بين أسنانه دون اشعالها فهو ود لو ضغط على أحد بأسنانه ليخرج كل الضغط عليه..
تحدثت “مروة” مرة أخرى بجمود وقد عز عليها أن تفعل ذلك ولكنه لم يترك لها خيارًا آخر بعد ما فعله:
-أنا ويزيد هنطلق
وقفت “ميار” سريعًا من جوارها تهتف بذهول وصدمة ألقتها عليها شقيقتها:
-ايه
والدها لم يكن حاله أفضل منها فالصدمة ألجمت لسانه، تقدم “يزيد” إليها بعد أن ألقى السيجارة على الأرضية وهو يسير سريعًا ناحيتها بحركات هوجاء ثم تحدث بحزم:
-مش هيحصل يا مروة قولتلك مليون مرة مش هيحصل
عاندته وهي تهتف بحدة شديدة وصوت عالي تشير بيدها ناحيته بهمجية:
-هطلقني يا يزيد ولو حكمت هخلعك
تقدم منها ليمسك يدها فدفعته بحدة وقد كان الجميع مذهولًا مما يحدث بينهم!.. أمسك يزيد بيدها الاثنين بحدة ليبقى وجهها أمامه مباشرةً ولا يفصل بينهم سوى أنفاسهم، تحدث يزيد بضعف ورجاء وهو يضغط على يدها:
-أرجوكي كفاية لحد هنا قولتلك أعملي اللي أنتِ عايزاه.. مش هنرجع هنا تاني.. المكان اللي تحبيه هنروحه… خدي الوقت اللي أنتِ عايزاه علشان تكوني معايا لكن بلاش البعد ده يا مروة بلاش.. لو مش علشاني علشان ابنك
ظنت أن عينيها جفت الدموع منها ولكن بكلماته هذه جعل الشلال يفتح أبوابه مرة أخرى، نظرة عينيه الراجية، كلماته أن الفراق صعب عليه، وقربه إليها، كل هذا جعلها تبكي مرة أخرى وأخرى وأخرى..
نظرت إلى والدها ثم قالت بخفوت:
-أنا عايزة أرجع معاكم دلوقتي
أومأ إليها والدها فنظر لها “يزيد” بخيبة أمل وحزن ثم ترك يدها وذهب خارج الغرفة دون أن ينظر إليها مرة أخرى..
ليس هناك أحد يفهم أي شيء مما يحدث، نظرت “ميار” إلى والدها الذي بادلها نظرة الدهشة وأيضًا كانت هذه تعابير “تامر”، لم تفعل أي شيء سوى أنها تقدمت من شقيقتها تحتضنها بحبٍ لتتوقف عن البكاء الذي ازداد بعد رحيله عنها وكأنها لا تريد ذلك..

يتبع…

اترك رد

error: Content is protected !!