روايات

رواية براثن اليزيد الفصل السادس والعشرون 26 بقلم ندا حسن

رواية براثن اليزيد الفصل السادس والعشرون 26 بقلم ندا حسن

رواية براثن اليزيد البارت السادس والعشرون

رواية براثن اليزيد الجزء السادس والعشرون

براثن اليزيد
براثن اليزيد

رواية براثن اليزيد الحلقة السادسة والعشرون

“امتثالًا لأوامر عقلها ستقتل قلبها الضعيف،
الذي جعل حياتها كالجحيم بسبب حبها له،
ولتترك زمان الأمور إلى عقلها هذه المرة”
ُهُدم المعبد!.. ولكن على رأسه هو فقط، هو الوحيد المتضرر بين الجميع، ربما هو حزين والقهر يسيطر عليه أكثر من زوجته فـ حبه لها لم يكن بهين، ولكن الخطأ يعود إليه وعليه أن يفعل الصواب كما فعل الخطأ، يعلم أن ذلك سيكون أصعب شيء مر بحياته ولكن سيفعل..
رآها وهي تبكي وتنتحب بضعف شديد أمام ناظريه بسبب حبها له، بسبب الثقة التي أعطتها إياه، بسبب خذلانه لها والسبب الأول والأخير خيانته لها..
هو الآخر كان يعاني ولا يعلم ذلك غير الله، ضميره لم يتركه لينام براحة ولو ليلة واحدة، عشقه لها يحدثه كل يوم عن الإفصاح عما حدث، وروحه تناجيه منذ اللحظة الأولى خائفة الفقد والبعد عنها وهي روحه أليس؟..
الآن الندم هو سبيله الوحيد عما فعل، لقد أخطأ عندما أنتظر كل هذا الوقت حتى يعترف لها، كان عليه الإعتراف مبكرًا ربما كانت سامحته، لا ليس ربما حتمًا كانت ستسامحه فهو من أعترف لها وهو من قال أنه يحبها..
هناك كثير من المشاعر تجتاحه لا يعرف ماهيتها غير الحزن والقهر لا يعرف غير الخذلان والندم، استباح لنفسه كل شيء والآن يندم لفعله!. الآن لا يريد غيرها!.. لا يريد مالها ولا ماله هو الآخر لا يريد أهله الذين ألقوا به في التهلُكة، لا يريد غيرها..
حزنه الأكبر من أي شيء الآن هو منها، حامل!.. دون إخباره ولو كانت ستخبره كما قالت شقيقته لما أرادت الطلاق والذهاب من دون إخباره؟!.. كانت ستذهب دون أن يعلم بحملها!..
لقد كانت ستذهب دون أن يعلم أنها تحمل داخل أحشائها طفل له وحده!، ستذهب بعيد عنه به وهو لا يدري!.. وتعلم كم كان منتظر طفلًا صغيرًا منها ومنه!.. هل ما فعله بها كان كثير عليها إلى هذا الحد؟..
تذكرها عندما احتضنته، لقد داهمت عقله الآن هذه الكلمات منها ليعود بذاكرته إلى داخل تلك الكلمات ربما كان مقصدها منذ اللحظة الأولى أن تبوح له حقًا..
“ألقت نفسها بين أحضانه دون سابق إنذار، لفت يدها حول عنقه تحتضنه بشدة إليها وبكائها يزداد وصوت شهقاتها يعلو في أذنه:
-مش قادرة اصدقك يا يزيد.. مش قادرة، أنا كنت عملالك مفاجأة الاوضه كانت متزينه علشانك.. كنت هقولك إني..
صمتت لبرهة وهي تبتلع ما وقف بجوفها، فكرت للحظة ثم عادت عن ما برأسها لتقول وهي تنتحب وتشدد على احتضانه:
-كنت هقولك إني بحبك.. ليه يا يزيد أنا عليتي معملتش أي حاجه فيكم، عمي قالي كل حاجه حرام عليك ليه تعمل فيا كده”
مرة أخرى يعود إلى واقعة بعد أن تذكر ما قالته، لقد كانت الغرفة مُزينة لأجله، كانت ستخبره، ساعدتها شقيقته كما قالت، هي ودت أن يكون يومًا لا يُنسى وقد كان ولكن بعد أن خرب هو كل شيء..
يجلس على المقعد في رواق المشفى ينتظر خروج الطبيب من الداخل، وضع رأسه بين يديه منحني على نفسه بعد أن كثر التفكير على عقله..
وقف على قدميه وأخذ يسير ذهابًا وإيابًا، والقلق ينهش داخله بقوة، لقد تأخر الطبيب في الداخل هي بغرفة الطوارئ منذ قدومهم إلى هنا، شيطان عقله يصور له الكثير من الأشياء البشعة الذي لو حدثت لبقى نادم طوال عمره..
حك مؤخرة رأسه بيده وهو ينظر إلى باب الغرفة المغلق، ثم دون مقدمات وجد من يجذبه من ذراعه بقوة لينظر إليه وقد وجده ابن عمها البغيض، الطفل الصغير كما رآه:
-مروة فين؟.. أنتَ عملت فيها ايه
زفر بضيق شديد وكأن ما كان ينقصه هذا الأبلة ليأتي إليه الآن، أجابه بضيق وحنق قائلًا:
-هكون عملت فيها ايه دي مراتي
أردف “تامر” بضيق هو الآخر وود لو فتك به الآن ردًا على ما فعله بهم جميعًا هو وعائلته:
-ماهي المصيبة أنها مراتك.. عملت فيها يا ابن الراجحي؟ مروة جات عندنا ومنظرها ميصورش لا عدو ولا حبيب
نظر يزيد إلى باب الغرفة وقد كان كل شيء به معلق مع فتح هذا الباب ثم نظر إلى ذلك الأحمق الذي يقف أمامه وتحدث مُجيبًا إياه بهدوء ربما يصمت:
-مشكلة وحصلت زي ما أي مشكلة بتحصل بين أي اتنين متجوزين
لم يتغير أي شيء بتفكير “تامر” فهو يعلم كيف تفكر ابنة عمه يتحدث هكذا وكأن هذه أول مشكلة وهذا أول رد فعل لها، أجابه بتهكم صريح:
-والمشكلة اللي بين أي اتنين دي تستدعي أن مروة تيجي عندنا وتفتح القديم وتقولي لو مجتش قبل الساعة عشرة من بيت الراجحي تعالى خدني
نظر إليه بغتة وقد احتلت الدهشة كيانه، هل قالت ذلك؟ هل كانت خائفة منه إلى هذا الحد؟ لقد قالت أنه أمانها الوحيد ماذا حدث الآن؟ لا يستطيع أن يصدق هذه الكلمات المسمومة!..
أكمل “تامر” حديثه قائلًا بجدية:
-ولما روحت بيت سعادتك قالولي أنها وقعت من على السلم وجت المستشفى
أردف “يزيد” بهدوء قائلًا بجدية حتى يصمت ذلك الحقير:
-آه مشكلة عادية هي بس اللي مخنوقة وعايزة ترجع القاهرة شوية، متشغلش بالك أنتَ بينا
ضغط “تامر” على كفه بعصبية ثم أجابه وقد أحمر وجهه عضبًا لكذب “يزيد” عليه:
-أنتَ شايفني عيل قدامك ولا ايه.. الشويتين دول تعملهم على حد غيري يا ابن الراجحي
ابتسم يزيد بتهكم وسخرية شديدة ناظرًا إليه بهدوء شديد ولم يتحدث عندما وجد الطبيب أخيرًا قد خرج من الغرفة، تقدم سريعًا منه ولحق به “تامر” ليعرف ما الذي حدث لابنة عمه..
وقف الطبيب أمامهم ولم يمهل “يزيد” الفرصة للسؤال عنها فقد رأى القلق بوضوح على وجهه فتحدث هو بلهجة عملية هادئة:
-اطمن يا أستاذ يزيد المدام بخير والجنين كمان بخير الوقعة بس سببت شوية كدمات في جسمها والإغماء بسبب الخضة وإرهاق ظاهر جدًا عليها لكن هي الحمدلله كويسة، محتاجة شوية محاليل وأدوية وتقدر تخرج بكرة الصبح لو حبت
شكر الله سريعًا وقبل أي شيء، أنها بخير بفضل الله كان من الممكن خسارة طفله، سريعًا استعاذ من الشيطان وشكر الطبيب طالبًا منه الدلوف إليها ولكنه أعترض معللًا حاجتها للراحة ثم أنصرف عنهم..
جلس “يزيد” على أقرب مقعد له وأخذ يحمد الله على سلامتها وسلامة طفله القادم بأمر الله، لقد كانت حياتهم على المحك وقلبه كان ينتظر فزعة قادمة له بسبب ما فعله..
جلس “تامر” جواره ثم ألقى عليه سؤاله وقد كان مستغرب حقًا:
-هي مروة حامل؟
أومأ إليه “يزيد” بالايجاب دون أن يتحدث فنظر “تامر” أمامه ثم أردف بخفوت:
-مبروك
نظر إليه “يزيد” بهدوء شديد مطولًا في صمته ثم أجابه بصوت أجش:
-الله يبارك فيك
____________________
تُدافع عن صديقتها التي انتهكوا حقها في هذا البيت الظالم، تُدافع عن ابن أخيها القادم في الطريق إليهم وقد كان سيلقى حتفه اليوم قبل أن يروه حتى!..
صرخت يسرى بصوتٍ عالٍ وقد فاض كيلها من هذه العائلة التي يحمل الجميع داخلها عيوبٍ لا تُطاق:
-كفاية كدب بقى أنا شيفاكي بعيوني دول وأنتِ بتفضي الزيت على السلم بقصدك ونفس العيون دول شافوكي وأنتِ بتسمعي كلامي أنا ومروة لما كانت بتقولي أنها حامل
عمود البيت “نجية” والدة الصبية الذي دفعتهم إلى الانتقام وهي لا تعلم شيء سوى بعض الكلمات المفبركة من شقيق زوجها، منذ ذلك اليوم الذي عاد به ولدها “يزيد” مهمُومًا من سفرة وهي تفكر هل كانت على خطأ؟.. ولكن شيطان عقلها لا يتركها تعود عن خطأها ما فعلته في تلك المدة هو جعلهم يتركون “يزيد” حتى يستريح ثم يعودون مرة أخرى للحديث معه ولكن الآن حديث “يزيد” جعل ضميرها الميت يستيقظ مرة أخرى، تفكر هل كانت أمًا له؟. هل كان سعيد مع زوجته؟.. وكثير من الأشياء تدور داخلها وأكثرها حرقه عليها هو ذلك الطفل الذي كانت تتمنى كل يوم أن ينجبه “فاروق” أو “يزيد”
تحدثت متسائلة بجدية واستنكار غير مصدقة أن “إيمان” من الممكن أن تقتل روح:
-أنتِ اللي عملتيها؟ كنتي هتقتلي ابن ابني!..
صرخت “إيمان” وكأنها المجني عليها، تقول بعصبية وحرفية شديدة نافية التهمة عنها:
-انتوا هتصدقوها دي محروقة على الست مروة وعايزة تلبسني مصيبة
لوحت “يسرى” بيدها بعصبية وحقد دفين تجاه تلك الحقيرة الكاذبة ثم قالت بتأكيد:
-كدابة يا إيمان.. أنتِ سمعتي ومروة بتقول أنها حامل وأنا شوفتك وقولت يمكن ربنا يحنن قلبها علشان مخلفتش وأهو حتى طفل للبيت تعتبره ابنها هي كمان.. لكن مكنتش أعرف أن قلبك أسود للدرجة دي
نظر “فاروق” على زوجته وضميره يعبث معه على أكمل وجه.. زوجته كانت ستقتل طفل أخيه!.. هذه ليست أول أفعالها الدنيئة هو يعلم ويتوقع أن تكون قد فعلت ذلك أيضًا لن يكذب شقيقته، استمع إليها تصرخ بغضب:
-بت أنتِ مش هتتجنني عليا إذا كان جوزها مايعرفش أنا اللي هعرف
أكملت “يسرى” للجميع دون النظر إلى ما تقوله:
-وأنا خارجة من المطبخ شوفتك بعيوني بتحطي زيت على السلم وعلى ما دخلت اجيب حاجه امسحه كانت مروة نزلت عليه وملحقتش احظرها.. ده غير القهوة اللي كبتيها عليها وحرقتي رجليها ومروة مردتش تقول لحد.. وغير الفستان اللي جبتيه على اسم يزيد وبردو منعت يزيد عنك.. أنتِ ايه يا شيخه شيطانه!.. عملتلك ايه لكل ده
تحدثت والدته قائلة بحزن قد ظهر على ملامحها:
-لو كنت أعرف أنها حامل كنت وقفت كل حاجه… كله إلا عيال عيالي دا أنا بقالي سنين بتمنى ضفر عيل تقومي أنتِ عايزه تموتيه
صرخت “إيمان” بغل وحقد ظهر الآن بعد أن استمعت إلى حديث والدة زوجها وهذا هو بالتحديد الذي كانت تخاف منه:
-أهو أنا بقى عملت كل ده علشان كده.. لو كنتي عرفتي أنها حامل مكنتيش هتكملي وكنتي هتخليها تقعد على قلبي العمر كله وتبقى هى الكل في الكل ماهي أم الواد
لم ترى شيء بعد ما فعله زوجها… لطمها على وجهها بكل قوته وغله وحقده الذي كان يدفنه داخل قلبه معللًا أنه يحبها.. متغاضيًا عن كل أفعالها، سال خيط رفيع من الدماء بجانب شفتيها بينما هو لم يجعلها تستوعب ما الذي حدث لتراه يمسك خصلاتها القابعة أسفل حجابها وهو يصرخ بغضب شديد:
-هي حصلت يا بنت الك**، حصلت تقتلي ابن أخويا.. بس أنا اللي غلطان أنا اللي سبتلك الحبل وخليتك تعملي اللي أنتِ عايزاه، بس على مين دا أنا فاروق الراجحي
دفعها إلى آخر الرواق ثم تقدم منها مرة أخرى وهي مذهولة ولا تصدق ما الذي يحدث وكيف تجرأ “فاروق” على فعل ذلك، لم يمهلها الفرصة للتفكير حيث دفعها مرة أخرى وأخرى إلى أن أصبحت عند باب المنزل ثم فتحه ودفعها للخارج وهتف بعنف وقسوة قائلًا:
-مش عايز أشوف وشك هنا تاني يا بنت الك** يلا في ستين داهية
ثم دفع الباب بوجهها ودلف إلى الداخل وهو يفكر كيف عليه الإعتذار من شقيقه؟. كيف عليه أن يبرر ما حدث؟. وكيف وكيف وكيف وكأن كل ما فعله بحياته لم يكن إلا خطأ..
ولم يكن حال والدته أفضل منه بل كانت أكثر ندمًا وحزنًا على ما فعلته..
بينما عمه كان يقف في الأعلى ينظر إلى ما حدث تحت أعينه بهدوء داعيًا في داخله أن يكون ذلك الصغير قد مات داخل أحشاء والدته..
أن تستوعب ما حدث كان من أصعب الأشياء عليها لذا وجدت نفسها تجر قدميها وخيباتها ذاهبة إلى منزل والدها دون التفكير في أي شيء عليها فقط الجلوس والراحة ثم تفكر فيما حدث وما سيحدث..
____________________
دلف إلى الغرفة القابعة بها بعد أن أذن له الطبيب لرؤيتها، ببطء شديد أخذته قدميه إليها وهو خائف من مواجهة أخرى، خائف من كلمات تخرج منه ومنها لتقتل روحين البراءة هي عنوانهم..
نظر إليها بهدوء بعد أن دلف الغرفة، ممددة على فراش المشفى، مغطاة بملاءة بيضاء، وجهها شاحب كشحوب الأموات، عينيها منتفخة ربما من البكاء، ونظرتها حزينة ربما من فعلته بها..
جلس على الفراش جوارها، لم يتجرأ على الإمساك بيدها وقد كان يود فعلها وبشدة، ولكن نظرتها له تجعله يرى نفسه دنيء إلى أبعد حد، حقير من الدرجة الأولى وقد كان حقًا هكذا!…
ابتسم بتهكم صريح رأته هي أيضًا بوضوح ثم استمعت إليه يقول بتساؤل ونبرة خافتة:
-كنتي هتمشي من غير ما أعرف إنك شايلة ابني!.. وكمان عايزة تطلقي يا مروة
وزعت نظرها على كل أنش به، تود أن تشبع عينيها منه فقد كان زوج وحبيب وكل شيء في فترة من فترات حياتها، هل جعلتها فترة وتناست أنه مازال زوجها؟!… نظرت إلى تهكمة وكأنه ترك لها خيار آخر تفعله ليأتي الآن يعاتبها..
أجابته بصوت خافت مرهق وهي تنظر داخل عينيه بهدوء حاولت التحلي به:
-أنتَ مسبتليش إختيار تاني
ضيق ما بين حاجبيه بدهشة متسائلًا وهو يحاول إقناع نفسه أيضًا بحديثه:
-وحبي ليكي كان ايه؟.. ده مش اختيار يا مروة تقدري تاخديه
ابتسمت بذهول واستغراب شديد لحديثه الغير منطقي بالمرة، تتسائل هل هو نفسه مقتنع بهذا الحديث، أجابته بهدوء تحلت به وهي تضغط على يدها أسفل الملاءة:
-حب ايه ده؟. أنتَ كدبت الكدبة وصدقتها؟.. لأ يا يزيد كل اللي عملته علشان تاخد فلوسي مني وتخليني ابقى مزلوله ليك ولأهلك.. انتقام من أهلي المظلومين ولو في يوم حسيت بحب ليا فده مش حب ده يمكن علشان شكلي عجبك.. أو العلاقة هي اللي عجبتك، أو كنت بتعشلك يومين معايا بما إني مراتك لكن محبتنيش مفيش حد بيحب وبيعمل كده أبدًا
كلماتها ليست محسوبة وجميعها ليست صحيحة، لقد أحبها، عشقها، كانت بالنسبة له اكسجين الحياة، كيف تتحدث هكذا؟.. أقترب أكثر منها ثم تحدث بصدق يتلألأ داخل عينيه وينطق به لسانه:
-أنتِ بتقولي ايه؟. كل اللي بتقوليه ده أنتِ نفسك مش مصدقاه.. أنا حبيتك، حبيتك ده ايه!. أنتِ بالنسبة ليا النفس اللي باخده يا مروة، أنتِ الحاجه الوحيدة الحلوة اللي في حياتي.. أنا غلط وبعترف بغلطي كان لازم اصارحك من الأول، كان لازم أقولك كل حاجه من يوم ما قولت إني بحبك بس أهو ده اللي حصل… أنا مش طالب منك أي حاجه غير إنك تاخدي وقتك في التفكير
أقترب منها أكثر إلى أن أصبح أمامها مباشرةً لا يبعد بينهم كثيرًا، تجرأ وأمسك بيدها بين كفيه يضغط عليها بهدوء ثم تحدث بترجي مُكملًا:
-يزيد بيحبك ومايقدرش يعيش من غيرك أرجوكي بلاش تخليني أموت بالبطئ، يزيد ومروة جايلهم ابن في الطريق أرجوكي خلينا نبني عيلة خاصة بينا بعيد عن الكل
الصدق يتجسد داخل كلماته لقد رأته وشعرت به ولكن.. سحبت يدها منه بهدوء شديد بينما تفر دموعها هاربة إلى الخارج ليرى ضعفها مرة أخرى، تحدثت بخفوت وهي تبتسم ويدها تزيل تلك المياة من على وجنتيها:
-يزيد لو بيحب مروة بجد كان حماها من كل حاجه بتاذيها سواء كانت أهله أو هو، يزيد لو بيحب مروة كان قالها اتجوزتك علشان كذا وكذا لكن أنا بحبك وعايزك، يزيد لو بيحب مروة مكنش سمح لحد يقرب منها ومن اللي يخصها، يزيد ضعيف وجبان، يزيد خايب وخايف هو ده يزيد الحقيقي اللي للأسف أنا حبيته وأمنته على نفسي.. هو في ثقة أكتر من كده؟
أخفض وجهه ينظر إلى الفراش غير قادر على مواجهة حديثها الذي يراه صحيح ولكن يصعب المهمة عليه استمع إليها تكمل حديثها بتهكم واضح وصريح وكما هي الدموع لا تتوقف عن الخروج من مقلتيها:
-حياة ايه وعيلة ايه اللي بتتكلم عنها دي.. نبني عيلة بالكدب والغش؟، أنتَ مش فاكر كام مرة جيت على نفسي علشان أكون معاك؟.. مش فاكر كام مرة اتعرضت للإهانة بسببك وبسبب أهلك؟.. مش فاكر كرامتي اللي اتمسح بيها الأرض؟.. وفر عليا وعليك يا يزيد وطلقني هو ده الحل الوحيد بينا
رفع رأسه سريعًا إليها مندهش من حديثها فهي أخذت قرار ولا تريد الرجوع عنه، تريد الإبتعاد عنه وتركه وحده، يعلم أن كل ما تتحدث به ما هو إلا من قهر قلبها، يعلم أنها تحبه مثله تمامًا ولكن هو لا يستطيع، تحدث بلهفة وخوف مترجيًا إياها:
-بلاش تقولي كده يا مروة اديني فرصة أصلح اللي حصل أرجوكي أنا مش هقدر أعمل اللي بتقولي عليه ده، مش هقدر
أزالت دمعاتها ثم هتفت بهدوء شديد وكأن ما تقوله شيء تافهه بلا قيمة:
-طلقني وابنك هتشوفه وقت ما تحب مش همنعه عنك أبدًا ولو خايف عليه من إني اتجوز بعدك متقلقش أنا عمري ما هعملها
تجرأت يداه بشدة، أقترب منها وأخذ وجهها بين كفيه مقربًا وجهه هو الآخر منها غير مصدق حديثها الذي تتفوه به، لقد أخطأ ولكن لا يستطيع تحمل هذا العقاب، تحدث بخفوت وحزم:
-مستحيل.. مستحيل أعمل كده مش هطلقك أنا بحبك وعايزك وابني هيتربى بينا إحنا الاتنين يا مروة افهمي الكلام ده كويس علشان متتعبيش.. شيلي فكرة الطلاق دي من دماغك، خدي الوقت اللي أنتِ عايزاه لحد ما نرجع مش هعترض وهعمل كل اللي تطلبيه ومش هنرجع البلد نهائي لكن طلاق مش هيحصل
دفعته بيدها الاثنين في صدره بحدة وعصبية بعدما استمعت إلى كلماته، عاد للخلف قليلًا ليراها تصرخ به وهي تبكي بشدة وتنتحب وكأن البركان قد فاض داخلها ليقرر الخروج:
-أخرج بره، أنا مش عايزه أشوف وشك.. أنتَ واحد كداب وخاين أنا مستحيل أأمن على نفسي معاك من تاني.. أبعد عني وسبني أعيش وأصلح اللي بوظته فيا
حاول الإقتراب منها فدفعته مرة أخرى بحركات هوجاء وبكائها يزداد بحدة حرقة على حبه، وقهر على خيانته، أقترب منها هو الآخر بجدية شديدة أمسك بيدها الاثنين رافعًا إياهم أعلى رأسها وأقترب من وجهها بهدوء ليتحدث بجدية شديدة وكلمات حازمة:
-اطلبي أي حاجه غير البعد، أنا مقدرش على كده.. بلاش ندمر نفسنا علشان غلطة أرجوكي يا مروة.. أرجوكي
اسلبت عينيها عنه وشهقاتها تعلو، ثم دون سابق إنذار تحدثت بقهر قائلة بعد أن نظرت إلى عينيه الساحرة:
-أنا كمان مقدرش على بعدك، أنا حبيتك وبحبك وهفضل أحبك لآخر نفس فيا، بس مش هقدر أكمل وكأن مفيش حاجه حصلت.. مستحيل
اعترافها أول طريق العودة، يا لها من ملاك لا يدري أي شيء بخبث البشر، اعترفت أنها تحبه وستظل تحبه وهو الخائن الوحيد هنا، تحدث بهدوء وصوت أجش:
-هنحاول سوا.. أنتِ عايزاني وأنا عايزك وفي طفل جاي في الطريق يبقى ليه البعد يا مروة
صرخت بوجهه بصوتٍ عالٍ وبعصبية شديدة بسبب إلحاحه عليها أن تظل، وإن تحدث أكثر سترتمي داخل أحضانه الآن وتتناسى كل شيء:
-أخرج بره بقولك وكفاية لحد كده.. كفاية بقى
نظر إلى عينيها الذي تقول غير شفتيها، نظر إلى شفتيها الذي ترتعش من كثرة البكاء، أشبع عينيه من ملامح وجهها أجمع، ولم يستطع إلا الإقتراب وطبع قبله على شفتيها..
وضع شفتيه على خاصتها محاولًا أن يأخذ ما يريد وأن يلين قلبها ويجعل ضعفها يتسرب إليها عائدة عن قرار الإنفصال ولكن..
وجد يزيد من يجذبه بحدة من أمامها ليقف على قدميه ثم شعر على حين غرة لكمه في وجهه بشراسة جعلته يترنح للخلف فاقدًا توازنه ليستمع إلى صرختها الذي خرجت بإسمه:
-يــزيــد
وضع يده على وجهه بجانب شفتيه يتحسس لكمة هذا الأبلة له، حاول الإقتراب منه ليردها إليه بأضعاف مضاعفة ولكن استمع إليها تقول بلهفة وخوف وتوسل زادها ضعفًا:
-أرجوك كفاية علشان خاطري.. علشان خاطري
استمع إلى الأبلة هو الآخر يقول بعصبية وغضب عارم:
-في ايه يا ابن الراجحي بقالها ساعة بتقولك أمشي كفاية بقى لحد هنا وسيبها في حالها
ابتسم بتهكم شديد وهو يدلك وجهه بيده ويعلم نوايا ابن عمها الحقير لذا تحدث قائلًا:
-حالها هو حالي.. مروة مراتي ومش هتخلى عنها أبدًا
نظرت مروة إلى “تامر” الذي وجدته يهم الإقتراب منه مرة أخرى وهي تعلم إن حدث هذا ستكون مذبحة، صرخت قائلة بحدة:
-تامر إياك تقرب منه
استدارت إلى “يزيد” ثم أردفت بجدية:
-لو سمحت أمشي بقى
نظر إليها باستغراب كيف لها أن تطلب من زوجها الرحيل ومن ذلك الأبلة البقاء، من الأولى بها؟:
-أمشي واسيبك معاه؟.. وأنا عارف نواياه كويس
أشار عليه “تامر” مُتحدثًا باستغراب ودهشة:
-نواياه ايه اللي المجنون ده بيتكلم عنها؟..
نظرت إليه بخوف شديد تخاف أن يتحدث ويقول ما لا يروق الجميع خاصة شقيقتها!، هو لا يحب “تامر” ولكن لا يستطيع أن يصمت ويرى أنه يريدها إليه، تحدثت بتوسل قائلة:
-يزيد كفاية أرجوك
استدارت إلى ابن عمها متحدثة بجدية شديدة وودت أن تغلق أبواب الجحيم عليها قبل أن تأخذ الجميع في طياتها الحارقة:
-تامر لو سمحت ممكن تروح تجيب عمي.. أنا عايزاه يتكلم مع يزيد
سألها باستنكار ودهشة قائلًا بجدية وهو يشير على “يزيد”:
-واسيبك معاه؟..
نظرت إلى “يزيد” الذي رأت بعينه نظرة عتاب خالصة وكأنه يقول لها هل أصبحت غريب إلى هذه الدرجة؟.. فعادت إلى “تامر” قائلة بحزم:
-أنتَ مش هتسبني مع حد غريب يزيد يبقى جوزي يا تامر
ابتسم “يزيد” بزهو وذهب ليجلس على الأريكة التي بالغرفة ناظرًا إلى “تامر” بهدوء مستفز وود بشدة أن يرد له لكمته مضاعفة، سيفعلها لا محالة، ولكن لما تريد عمها الآن؟..
خرج “تامر” من الغرفة ليفعل ما قالت عليه هي وابتلع نظرات “يزيد” له، وود لو لقنه درسًا ليجعله يعلم ما الصواب وما الخطأ ويجعله يعاملها باحترام فقد هُلك بسبب نبرتها وهي تترجاه أن يتركها..
بينما مروة نظرت إلى “يزيد” الذي يعتقد أنها هكذا ستجعل الود يعود وتعطيه فرصة ثانية!.. تشفق عليه حقًا فما فعله لا يغتفر ولو بعد حين..
______________________
-ممكن تحكيلي ايه اللي حصل؟.. إيمان روحت البيت وكل اللي طالع عليها إنك السبب في اللي حصلها حتى مردتش تخليني أكلم فاروق
نظرت إليه وهو يقود السيارة متجه بها إلى زوجة أخيها القابعة بالمشفى، تحدثت بجدية مُجيبة إياه:
-أنا السبب؟.. لأ السبب هو غل أختك وحقدها على مروة اللي من غير أي سبب
زفر بضيق ثم نظر إليها سريعًا وأعاد نظرة إلى الطريق ليتسائل مرة أخرى:
-طيب ممكن أفهم في ايه
استدارت بجسدها قليلًا لتكن في مواجهته ثم تحدثت بضيق وحنق وهي تنوي أن تقص عليه كل شيء حدث:
-احكيلك من الأول بقى مع أن مكنتش عايزاك تعرف أي حاجه من دي، إيمان يا سامر من يوم مروة ما جت البيت وهي وماما عاملين عليها عصابة.. سواء كان تريقة ولا تلقيح ولا مشكلة يوقعوها فيها!… واللي إيمان عملته كتير بصراحة، مرة رفعت ايديها على مروة لولا يزيد لحقها ومرة تانية وقعت القهوة عليها حرقتها ومرة تانية جابت الفستان اللي اتعمل عليه المشكلة ولبستها فيا وهي السبب المرة دي كمان.. حطت الزيت على السلم لمروة علشان البيبي ينزل بعد ما عرفت أنها حامل
وجدته ينظر إليها بعدم تصديق وصدمة شديدة احتلت ملامح وجهه وألقى عليها سؤاله قائلًا:
-إيمان اللي عملت كل ده
أجابته بتأكيد وهي تجعله هو يجاوب:
-اظنك عارف أختك أكتر مني وعارف كويس أوي أنها تعمل أكتر من كده..
لم يُجيبها بل أبعد نظرة عنها وهو يفكر لما تفعل كل ذلك بتلك الفتاة المسكينة فهي في كل الأحوال تُخدع من الجميع وأولهم زوجها..
وجدها تُكمل مبتسمة بسخرية:
-وأنا عارفه كمان أنها عاتبتك أنتَ ووالدتك على خطوبتك مني وقالتلك أنك لازم تسيبني علشان أنا مش هنفعك، صح؟
مرة أخرى يسألها وعقله لا يعمل ولو بنسبة واحد بالمئة، مستغرب من أين لها أن تعلم بهذا الحديث:
-عرفتي الكلام ده منين؟
-منها هي نفسها وعرفت ليه لما كنت بتيجي عندنا مكنتش بتتكلم معاها
أكمل هو بعد أن مسح على وجهه بيده:
-علشان شدينا سوا لما رفضت اسيبك وقالت كلام كتير غلط في حقي وحق أمي
أومأت إليه بتفهم ثم أردفت بأمل وهي تعتدل في جلستها:
-مروة بنت كويسة جدًا اتمنى مايكونش حصلها حاجه ولا هي ولا البيبي
تحدث قائلًا بهدوء وهو يأمل مثلها أن يكونوا بخير لأجل صديقه الذي على وشك الإنهيار:
-إن شاء الله يكونوا بخير
________________________
غابت في أفكارها مشتتة بين الواقع والحقيقة المُرة الذي وجدتها، بين الحب والكره، الخداع والأمل، غابت بين حنانه وخذلانه لها، أليس لها حق في أن تعشق رجلًا؟..
منذ البداية وهي ليست مُخيره، قالوا تزوجي “يزيد” لينتهي الثأر ففعلت!، تحملي “يزيد” وقساوته وغروره وعنجهيته لتُسير المركب بكم فتحملت!، أنها عائلته ولن يتغيروا عليكِ بالصبر فصبرت!، أحبك “يزيد” فأحببته!، يُهين “يزيد” فـ أفعل وكأني لا أعلم!، يبتعد “يزيد” فـ أقترب!، يقسوا “يزيد” فـ ألين قلبه!، يضرب “يزيد” فـ أعتذر في سبيل العيش معه وجعل المركب تُسير، في سبيل حُبه وقُربه، في سبيل لمساته وكلماته، في سبيل أحضانه وتلك اللحظات بها..
ولكن ماذا فعل “يزيد” الآن ما كان إلا رجل يعمل مُحتال تزوجني ليحتال علي ويأخذ ما أملكه أنا وعائلتي بسبب شيء لا أعلمه إلى الآن..
ماذا فعل “يزيد” إلا رسم الحب على لوحة ورقية تمزقت عندما علمت الحقيقة المُرة؟
ماذا فعل “يزيد” إلا أنه سلب مني أعز ما أملك وجعله ملك له في ليالي معدودة إلا وهو قلبي؟..
نظرت إليه وهو يجلس على الأريكة والدموع عالقة بعينيها بعد هذا التفكير الصريح بما فعله بها، وجدته ينظر إليها والتوسل داخل عينيه، الأمل يود أن يحتل ملامحه ولكنه خائف، الحب بدأ بالظهور مرة أخرى وإن فعل لن تستطيع المقاومة!..
نظر إليها بخوف وضعف غريب تسلل إليه، عاجز عن جعلها تسامحه أو حتى تفكر في ذلك، عاجز عن قربه منها، عاجز عن كل شيء يخصها..
ولكن عليه أن يقص كل ما حدث لها الآن قبل حضور عمها ربما تُشفق عليه!..
وجدته يتحدث بهدوء بعد أن اعتدل على الأريكة وأصبح وجهه ينظر إلى الأرضية أسفل قدميه:
-كُنا أغنيا.. جدي وجدك كانوا صحاب وشركا في كل حاجه، عملوا شغل كويس مع بعص وجم هنا في البلد دي بعد ما سابوا بلدهم.. في يوم جالهم واحد علشان يدخلهم في تجارة الحديد ويبقوا ناس ليهم وزنهم لما يعملوا مصانع ويظهروا لكن جدك رفض وجدي هو اللي كمل مع الراجل ده
كلماته هذه صحيحة عمها قال هذا بالضبط إذًا ليكمل وتعرف أين تلك الثغرة التي لا تفهمها، أكمل هو مرة أخرى بعد أن أخرج سيجارة ووضعها بين أسنانه دون إشعالها:
-الراجل طلع نصاب وجدي كان ساهم معاه بكل اللي يملكه وبقينا على الحديدة، جدي مات… ووراه أبويا وعرفنا من عمي أن جدك هو اللي بعت الراجل ده وكانوا متفقين سوا أنهم ينصبوا عليه… كل الأملاك راحت ليكم من وقتها وإحنا مصممين نرجع كل حاجه أخدها جدك مننا
-لحد ما جه اليوم اللي زود كل الكره اللي في قلوبنا بعد ما كامل قتل زاهر ووراه ماتت مرات عمي.. البيت كان في حداد على أربع أشخاص طلعوا منه من غير رجعة بسبب عيلتك… وصمننا على الانتقام وأننا نرجع حقنا حتى لو بالجواز
مددت جسدها بأكمله على الفراش وعادت برأسها إلى الوسادة بعد أن رفع نظرة إليها، ثم هتفت مصححة له:
-قصدك بالحب.. الحب يا يزيد أسوأ طرق استرداد الحق، ويا سلام بقى لو كان زي حالتك كده الحق بتاعك باطل
لم يفهم ما الذي تقصده بحديثها عن الباطل، نعم هو يعلم أن الحب هو أسوأ الطرق لاسترداد الحق وقد ظهر هذا الآن ولكن ما الذي تقصده بحديثها عن حالته والباطل:
-مش فاهم تقصدي ايه
سألته بجدية لتستطيع أن توضح له أكثر:
-هو عمك عرف منين أن جدي هو اللي نصب عليه؟
أتى ليُجيبها وقارب على النطق ولكنه عاد وأغلق شفتيه وهو ينظر إليها باستغراب شديد، فهو حقًا لا يعلم من أين عمه علم بهذا الشيء؟ نظر إليها وقال باستنكار:
-مش عارف
ابتسمت بسخرية متحدثة بهدوء وهي تضع يدها على بطنها أمامه وتضغط عليها:
-دلوقتي لما عمي يوصل هتعرف
حديثها غامض؟ هل تعلم شيء هو لا يعلمه؟ ماذا سيقول عمها؟ ولما تريده أن يتحدث معه؟.. وضع رأسه بين يده بعد أن انحنى على نفسه وقد أصبح التفكير مرهق للغاية وهو لا يود شيء غير احتضان زوجته في غرفة نومه على فراشه ثم أن يخلد للنوم!…
أتى عمها بعد لحظات ثم جعلته “مروة” يقص على “يزيد” كل ما قاله لها عن ما حدث بالماضي، وكيف رفض جدها المشاركة محذرًا جده أيضًا، كيف حاول جدها المساعدة أكثر من مرة ومن خلفه عمها وهم لا يريدون، جعلته يتحدث بكل شيء حتى يرى أن ما فعله لم يكن إلا شيء فاضح له ولعائلته، جعلته يأكل أنامله ندمًا..
لم يصدق “يزيد” ما هذا الحديث الذي يُقال أمامه!.. ولكن هو بالفعل منطقي ليس مفبرك أو لا يُصدق!.. كيف علم عمه بما حدث إذا كان الرجل ذهب ولم يعد؟.. لما قال إن جدها أخذ أموالهم وهو في هذا الوقت كان غني وعنده كثير من الأملاك والأموال؟.. لما يفعل ذلك بصديق عمره الذي توفى من بعده؟..
نظر إليها بقهر وضميره يعبث معه بكل الطرق، الحزن سيطر على قلبه وفعل حداد إلى النهاية أو الرجعة، ملامحه بُهتت وعينيه اختفى بريقها، وكأن الحياة من أمامه وقفت.. أو أنه وجد نفسه وحيد على كوكب آخر.. أو أن هناك بركان على جزيرة ما سيثور وهو الوحيد عليها..
خرج من الغرفة وتركها خلفه حزينه عليه.. لقد كان يُسير خلف عمه الذي أعتقد أنه أبًا له ولم يُخَونهُ في يوم من الأيام، حزينه على ضعفه وخوفه، حزينه على كل شيء يمر به الآن…
_____________________
دلف إلى المنزل ثم إلى غرفة الصالون الذي يأتي منها الصوت ووجد أن عمه يجلس ومعه ووالدته وشقيقه فنظر إليهم بحزن شديد وقد خفق قلب والدته ووقفت على قدميها ثم سألته بخوف كان حقيقي هذه المرة:
-ابنك حصله حاجه يا يزيد
لم يُجيبها بل أكمل في سيره إلى أن وقف أمام عمه ونظر إليه بغضب وضيق وحزن وقهر لا يعلم كيف يتخلص منهم ثم سأله بهدوء شديد حافظ عليه:
-ليه عملت كده؟

يتبع…

اترك رد

error: Content is protected !!