روايات

رواية أصفاد الصعيد الفصل السادس والعشرون 26 بقلم ندى عادل

رواية أصفاد الصعيد الفصل السادس والعشرون 26 بقلم ندى عادل

رواية أصفاد الصعيد البارت السادس والعشرون

رواية أصفاد الصعيد الجزء السادس والعشرون

أصفاد الصعيد
أصفاد الصعيد

رواية أصفاد الصعيد الحلقة السادسة والعشرون

يجلس بصمتِ تام مُنذ جلوسه كلما حاول التحدث صمت مره اخرى مُعيدا ترتيب كلماته واختيارها بعناية حتي لا يخطئ بينما تفترسه عيون رحيم الجالس امامه بثباتِ ينتظر حديث ذلك الغريب الجالس امامه في توتر يكسو ملامحه ..
ولكن مع هيئته تلك يرى بانه صاحب مركز مهم ويحتل مرتبة من الرقي والاحترام ..
قاطع صمتهم حديث رحيم قائلاً: قالوا إنك بتسأل عليا بس من ساعه ما شوفتني متكلمتش ولا قولت عاوز اي؟!..
حمحم قليلاً ليعتدل في جلسته قائلاً: انا فعلا بحاول أرتب كلماتي واعرف ابدأ منين ..
ابتسم رحيم قائلاً: اتكلم وانا حاول أرتب عاوز اي بالظبط ..
استكمل حديثه قائلاً: انا كريم السيوفي الدكتور اللي كنت بدرس ل للأستاذة ريم في الجامعه..
ضاق ما بين جبينه قائلاً: دا قبل ما تنقل هنا ولا انت دكتور جديد عندنا في البلد .. !
اعتدل كريم في جلسته مره اخرى قائلاً: لا كنت في القاهرة مش هنا يا أستاذ رحيم..
ابتسم رحيم قائلاً: اهلا بحضرتك يا دكتور كريم دا انت نورت البلد كلها .. بس برضو في اي جايب حضرتك لحد هنا !..
ابتسم كريم ليستكمل حديثه قائلاً: البلد منورة بناسها يا استاذ رحيم .. واللي جابني هنا هو اني اطلب ايد اخت حضرتك ..
نظر رحيم حوله قائلاً: بس مش شايف يعني اهلك معاك ولا انت ناوى تطلبها لوحدك ؟!..
اجابه كريم سريعًا مُرددا: اول ما هي توافق وحضرتك توافق هيجوا علي طول !..

 

امتعن رحيم النظر في وجه كريم قائلاً: يعني انت لغيت فرحك اللي المفروض بكرا!.. عشان تيجي تطلب ايد ريم يا دكتور كريم؟!..
احتلت الصدمة معالم وجه كريم ببراعة وكأنه يُخيل بأنه استمع لكلماتِ أخرى للتو .. والسؤال الذى يدور في عقله الآن هل يعلم رحيم كل شيء قبل أن يتفوه به؟!..
حاول أن يتلاشي صدمته سريعًا قائلاً: مقدرتش ابعد عنها اكتر من كدا يا استاذ رحيم .. كنت بوهم نفسي انها مجرد طالبة عندى لحد ما قلبي هو اللي اتمرد عليا ..
ابتسم رحيم بسخرية قائلاً: واكتشفت دا لما خطبت وكسرت قلبها يعني .. ولا لما خليتها تقضي الليل كله بتفكر هي غلطت في اي !
استولي الحزن علي مُقلتيه قائلاً: صدقني يا استاذ رحيم كان في حاجات كتير وقتها خلتني اخد القرار دا وقتها بس دلوقتي اتاكدت من حبي ليها بجد خليني بس اشوفها ..
نظر له رحيم بشك يحوم بمُقلتيه ولكن تلامس الحزن المستحوذ عليهم ليردد قائلاً: اسمع يا كريم انا هخليك تقعد معاها هي مره واحده بس ولو اقتنعت بكلامك ساعتها هيكون في كلام تاني بس لو مقتنعتش وكانت لسه رافضه ساعتها تاخد بعضك وتروح مكان ما جيت .. انا مش هقدر استحمل دمعه واحده من عيون ريم تاني ..
اؤمي كريم رأسه بالايجاب وهو يعلم بأنه قادم علي معركة خطيرة لم يمتلك سلاحاً واحداً له إلا فؤاده النابض لها.. فهي لن تسامحه بتلك السهولة الذي ظنها أبداً

 

صدح صوت رحيم بثبات وقوة قائلاً: يا ذكريا .. يا ذكريا
هرول ذكريا للداخل سريعاً مُردد : نعم يا رحيم بيه ..
استكمل رحيم حديثه بنبرآت ثابتة قائلاً: جهز المضيفة لدكتور كريم يا ذكريا واتأكد أنه مش ناقصه اي حاجة..
ليعيد أنظاره لكريم مره اخرى قائلاً: في الوقت المناسب هقولك تيجي تقعد معاها ونشوف قرارها اي ..
**********************
انتهت من فرضها ودموعها تتمرد علي وجنتيها بينما تركت الزمام لعلقها ليعيد تلك اللحظات المؤلمة التي مرت بها ..
جلست القرفصاء لتجهش ببكاءِ عنيف يمزق اطيان فؤادها أكثر من ذى قبل ..
أغمضت عينيها وهي تتذكر جلال وهو يهينها علي كل شيء لتصل لضربها المستمر .. نظرت لتلك الندوب المنتشرة طوال عنقها والناشئة بسببه هو !..
رفعت اكمامها لتظهر تلك العلامات الواضحة التي تدل علي حروقها الظاهرة بيديها البيضاء ..
تذكرت زوجته الأولي وهي تقوم بحراقها متحججه بأنها لا تستطيع فعل شيء صحيح ولا تستطيع تحمل المسؤلية لتري إن العقاب الأمثل لها هو الحرق في يديها..!
اجهشت ببكاءِ حاد مره اخرى ولكن تلك المرة كتمت شهقاتها بيدها حتي لا يسمعها والدها ووالدتها ضمت نفسها لمساعدتها كي تهدأ..
لتناجي ربها قائلة : يارب .. يارب ..

 

شعرت ب والدها يجلس أمامها ودموعه تتسابق علي وجنتيه في قهر يحتل معالم وجهه المُجعد مبكراً نتيجه مسؤولياته الكثيرة وحزنه علي عجزه..
اقتربت من والدها لتُزيل دموعه مُرددة بخفوتِ : مش عاوزة اشوفك كدا يا بابا لو سمحت ..
اغمض عينيه غير قادرا علي إيقاف دموعه قائلاً: انا السبب يا بنتي حقك عليا.. عجزت إني احميكي ، خليت ناس زى دى تتلاعب بيكي عشان ضعفي يا بنتي .. سامحني يا منة ..أ..أ
أوقفته منة وهي تزيل دموعها سريعًا بينما تؤمي رأسها بالنفي مُرددة: متقولش كدا يا بابا .. انت معملتش حاجه وبعدين دا كان غصب عنك وعني .. دا نصيبي وانا راضيه بيه يا بابا ولو رجع بيا الزمن كنت هختار اخواتي برضو ومكنتش هخلي حد يإذيهم ابدا..
ارتمت في احضان والدها فإحضتنها بقوة ومازالت دموعه تتمرد علي وجنتيه وهو يربت علي رأسها بينما جسدها ينتفض بعنفِ من شدة البكاء..
تمتم والدها بصوتِ ممزوج ببحة البكاء علي حال ابنته الغالية ليردد بخفوتِ قائلاً: أكيد ربنا شايلك الافضل والاحسن يا بنتي ..ربنا عمره ما كتب لحد حاجه وأنتِ متعرفيش الغيب في اي واكيد ربنا مخبي الخير .. خليكي قوية يا منة ..
رفعت منة رأسها لتحدقه بعينان منكسرة وعاجزة لتهتف بحزنِ دافن : وانا واثقه في ربنا يا بابا وواثقه أنه اكيد كاتبلي الخير ..
ازال دموعه وهو يحاول أن يرسم ابتسامته ليردد قائلاً: ايوا كدا بنتي طول عمرها قوية ..

 

اؤمت رأسها بالايجاب لتترتمي بأحضان والدها مره اخرى ..جاهدت لرسم ابتسامتها فوق تغرها حتي يتحسن والدها ولكن فؤادها شعر بالتحسن من حديث والدها وكأنه لديه تأثير في السلام النفسي ولكن سرعان ما تلاشت ابتسامتها وعادت للعبوث مره اخرى .. ولكن تلك المرة قفز بعقلها حديث ذلك الغريب عن زوجها منه ولكن كيف تتزوج به وهي لا تدرى ما اسمه في الأصل ..؟!
حدقت بوالدها مره اخرى قائلة: مين اللي اتكلم النهاردة يا بابا ويقرب اي لعيلة رحيم بيه والدكتورة فيروز ؟!..
_ دا حسام ابن محمود بيه الكبير .. بس لو مش عاوزة يا بنتي انا مستعد اقول لا مش عاوز اخسرك تاني يا منة ..
ابتسمت بسخرية علي حالها وهي تُبث لنفسها بأنه يشفق عليها لذلك تفوه بحديثه وكأنها حالة خيرية ولكنه عاجلاً أم آجلاً سيتراجع عن قراره.. فهي مجرد فتاة مُطلقة!..
انطلقت منها تنهيدة قوية لعلها تخفف آلالام فؤادها الشعالة.. يجب عليها أن تصمد لأجل عائلتها ولأجل والدها المُتاكل فؤاده بالعجز ..
*************************
في قصر الهواري..
يجلسون حول الطاولة لتناول وجبة الغداء والصمت يغلف الأجواء بينهم فكل واحد يشرد في عالمة الخاص بينما نرمين تراقب أبنائها في صمتِ حزين يتوغل فؤادها علي ما أصابهم من حزنِ باطن في أعينهم.. بينما عيني فيروز لا تحيد عن النظر ل رحيم

 

بضيق فمُنذ أن آتي وهو يتجاهلها لا ينظر لها حتي!.. يتجنب الاقتراب منها أو التحدث معاها وكأنها هي الوحيدة المخطئة وهو لم يكذب عليها..!
بعد دقائق انتهوا من طعامهم لتستقيم كلا من ريم وفيروز لنقل الصحون إلي المطبخ..بينما اتجه رحيم لغرفة مكتبه لينعزل فيها كما يفعل مُنذ يومين ..
وضعت فيروز الصحون علي الرخام وهي تتنهد بضيقِ وحزنِ لتقف ريم لجوراها قائلة: كلميه يا فيروز متفضليش ساكتة .. اكيد كان عنده سبب يخليه دا كله ومقالش الحقيقة..
تجمعت الدموع بمُقلتيها لتؤمى رأسها بالايجاب في محاولة لإيجاد الكلمات المناسبة للحديث معه..
بعد دقائق معدودة وقفت أمام غرفة المكتب وهي تحمل كوب القهوة المُحبب له .. بينما ضربات فؤادها تُقرع كالطبول لتتنفس الصعداء لعلها تحتفظ بهدوئها لتتحدث معه ..
اطرقت باب الغرفة بخفوتِ لتسمع رده وهو يسمح للطارق بالدخول..
كان يجلس خلف مكتبه وأمامه العديد من الملفات الذي يتطلع فيها بتركيز .. ليتوقف تركيزه فور قدومها لتتلاقي أعينهم في عتاب خفي طالت مدته ولكنه سرعان ما تجاهلها مُعيدا نظراته مره اخرى للملفات بيده ولكن تلك المره كانت بدون تركيز ..
اطرقت رأسها للاسفل بينما تجمعت الدموع في عيناها وجاهدت لتحدث لتردد بنبرآت هادئه قائلة : ممكن نتكلم شوية يا رحيم ؟!..

 

طالت نظراته الثاقبة إليها وحين راي دموعها أصابه الغضب والقلق في آن واحد فهو يجاهد أن يتماسك أمامها ..
كان سيهم بالحديث وإخبارها بكلِ شيء ولكن حديثها عن الطلاق قفز أمامه مرة أخرى لتعلو وتيرة غضبه ل يتراجع واكتفي بكلمة واحدة قائلاً: هنتكلم بس مش دلوقتي يا فيروز ..
لم تشعر بدمعتها الهاربة علي إحدي وجنتيها لتؤمي رأسها بالموافقة وابتعدت عنه لتخرج من غرفة مكتبة وتسير نحو الدرج لتصعد للجناح الخاص بهم حتي لا يتمكن أحد من تلك الحمرة المُسيطرة علي مُقلتيها وحزنها المُحتل علي معالم وجهها..
بينما هو مازال جالساً علي مقعده لم يتحرك ولكن تلك النيران تأكل فؤاده وهو يري دموعها والحُزن المُسيطر علي زهرته الجميلة..؟!.
إذا كانَ دمْعي شاهدي
كيفَ أجْحَدُ ونارُ اشتياقي
في الحشا تتوقَّد وهيهاتَ
يخفى ما أُكنُّ من الهوى
وثوبُ سقامي كلَّ يومٍ
يجدَّدُ أقاتلُ أشواقي
بصبري تجلداً ..؟
وقلبيَ في قيدِ الغرامِ مقيدَّ
ليتمتم بغضبِ قائلاً: حسابك بقي تقيل معايا اوى ..
**************

 

بعد مرور أربع ساعات تقريباً كانت كامنة في فراشها يستولي علي جسدها الغطاء بينما تولي ضهرها للباب كالعادة، تحدق بالفراغ أمامها في حزنِ يحتل مُقلتيها اللبنية .. يدور بعقلها الكثير حول علاقتهم التي تتحول للجفاء تدريجيًا ؛ تعلم بأنها تسرعت لطلب الطلاق والتخلي عنه ولكن هو من أجبرها علي ذلك بعدما عاملها بذلك الجفاء أمامهم ..
قُطع شرودها عندما سمعت صوت باب الغرفة يُفتح وتشعر بصخب انفاسة وخطواته..
نزع رحيم جلبابه وعلقه ثم وضع هاتفه فوق الطاولة الصغيرة بجانب فراشهم.. تقدم من الفراش ليتسطح فوقه دون تبديل ملابسه .. يعلم بأنها تتصنع النوم وإن الحزن يكمن في فؤادها كما يفعل بيه ..
كانت تسمع زفيره وأنفاسه العالية خلفها في صخب يدل علي غضبه.. لم تتعدى الدقائق حتي وجدته يقترب منها و يجلس أمام وجهها يتأمله في صمتِ .. يعلم بأنها تتصنع النوم بحركة اهدابها المُشتتة.
فتحت مُقلتيها في يأس لتتعلق بخاصته ليبدأ حديثهم الخفي .. تلألأت عينيها بالدموع وهي تطالبه بالحديث .. ارتسمت بسمته ليحتفظ بيديها داخل كفه ويهم بالحديث لإخبارها ماذا حدث وما سيحدث وما هي خطته …………
************
في فيلا النجعاوي..
يجلس امام منزل الضيافة القاطن به في شرود تام يتذكر حديثه معاها وكيف استمعت له بشأن ترتيبه للزواج بها .. يتذكر جيداً ملامحها الحزينة والباكية وشهقاتها ومحاولاتها لتخبئه حزنها منه ..
عادت ذاكرته لما حدث بالصباح…..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقتا الرواية اضغط على (رواية أصفاد الصعيد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *