روايات

رواية أترصد عشقك الفصل التاسع عشر 19 بقلم ميار عبدالله

رواية أترصد عشقك الفصل التاسع عشر 19 بقلم ميار عبدالله

رواية أترصد عشقك البارت التاسع عشر

رواية أترصد عشقك الجزء التاسع عشر

رواية أترصد عشقك الحلقة التاسعة عشر

اسمعي يا امرأة

انا رجل لم اعتاد على سماع كلمة لا

قاموسي لا يوجد به رفض ابدا

تقبلي مني غزوك برضاك أم عدمه

فلا يفارقني معك رفضك الانثوي المغموس في الدلال المستفز

ثم انطقي حروف اسمي

تهجئيه ببطء ونعومة … كملمس يدك علي كفي..

تدللي يا فاتنة كما تشائين .. فلا امانع ان تدللي بين جنبات صدري .

عيناه تستبيحان ببطء ولذة في ملامح وجهها الفاتن الصبوح ، بحياته لم يتعلق بامرأة الى تلك الدرجة .. بل بعمره لم يركض خلف امرأة ، الأمر يشعل مراجل رجولته .. وكأنه لم يمر بمراهقة ابدا .. يشعر كأنه في تحدي جديد

ليثبت قوة سحره المهلكة على النساء ، كيف لم تتأثر به ؟!! .. كيف لم تضعف ولم تستسلم ؟! … قيود تكبله عنها ، وحدود تفصله عنها  … كأن أمر اجتماعهم

أمر مستحيل غير محقق ..

لما لا ؟!!… تلك جملته .. لما لا يستشعر تلك اللذة المتشوق معها ، لتذوقها ويتجرع تفاصيلها الأنثوية المهلكة لعينيه ،وبدا خياله الجامح ينطلق دون حدود …. وحينما يشعر أنها على شفا جرف للوقوع في شركه … تهرب .. تتسرب من بين أنامله

لا يعلم ما الخطأ ؟! وما الصحيح ،،،، هو يغوي امرأة مرتبطة لرجل غيره

أيدري أحدا فداحة ما يقوم بفعله ، وياليته يتوقف في كل ليلة عن التفكير بها وعن سرواليها الفضفاضة المهلكة ، وعقدة شعرها الحازمة .. عبوس وجهها ، تقطيبة حاجبيها ، وشفتيها المذمومين المستفزتين لجولة رائعة من نعيم جنته الخاصة التي تحرم نفسها من الدخول أو إلقاء نظرة نحوها …

لكنها صارة حــــــــــــرة ، يستشعر لذة تلك الكلمة ويعيدها مرارا ، لقد قامت بأول شئ صحيح في حياتها ، انها ابتعدت عن ذلك الغول الغير مكترث وغبي هو إن فرط بها ..

هي كنز ثمين .. بكل ما بها عبارة عن كنزه المفقود ، وخلال سنوات بحثه المضنية عثر عليها في أرض الحضارات التي تجاوزت الآلاف السنين … سمارها الناعم تاركا علامة مميزة عن مكان موطنها ، ثم منحيات جسدها المتفجرة الانوثة داخل ملابسها العملية ليكسبها مظهر جدي فاتن .

هي فتنة

الهة الاغواء

وجحيمه الخاص

عينيه هبطت إلى بنطالها الأسود العملي ، هل غيرت سراويلها الواسعة ؟!! تسائل بعبوس وهو يرتفع بعينيه ليري سترتها السوداء اللعينة اسفله قميص أخضر تفاحي ، كيف تتلائم بشرتها مع تلك الالوان … بالله كيف لون يكون ملائما لها وبشرتها السمراء …

تقابلت الأعين وانجلي ما يخفونه

هي بتوترها الذي يربكها ويفضحها ، وهو رغبته المميتة بها

ازدردت حلقها .. لينظر سرمد نحو فتحة قميصها وهو يري صعود وهبوط صدرها دلالة على تنفسها السريع .. عينيها تهربت من عينيه حينما أسودت عينيه قتامة وتصاعد جرس الخطر لتهمس بتفاجئ

– سرمد

ألقي نظرة خاصة إلى بنصرها الخ….. لما ترتديه تلك الغبية !!! ، أسودت ملامحه قتامة وهو يدفعها بكل حدة داخل المكتب ، ثم أغلق باب المكتب ليبقي هو وهي .. وثالثهما الشيطان الذي يغويه وهو أكثر من مرحب حقيقة لتلبية ذلك الأغراء … غمغم بنبرة لعوب

– مرحبا يا برتقالية

تفاجئت .. بل للمرة اللامعدودة لها يعاملها بتلك الطريقة الهمجية في الحديث ، تشك ان ذلك الرجل ..إنسانا من الأساس ، فغرت فاهها بصدمة وهي تراه يقف كالطود وضخامة جسده وعينيه العازمتين أجبرت على أن تقف في وجهه كند لتهمس وبدأ غضبها يندلع في جسدها

– ماذا تفعل

ابتسم ببرود شديد وهو يمرر أنامله على شعر لحيته الكثيفة ليهمس باستفزاز

– ماذا افعل برأيك ، احرص على معرفة ان الجرذ تم طرده

لن تخبره انها طردته ، تتذكر انها ساومته على استخدام سلطتها للمرة الأولى حينما رأت في عينيه حقد ورغبة في الانتقام من خلال إصابته ، ساومته أن تجعل سجله نظيفا حتى يستطيع أن يجد وظيفة وإلا ستستخدم قوة اسم عائلتها ولن تجعله يجد وظيفة محترمة في تلك البلدة والا هو يطرد … الرجل جبن .. بل ارتعب وقرر ان يصمت ويتجاهل ذكر سرمد ووضع اسمها في شبهه .. أنهت الأمر مع ضابط المباحث حتى أغلقت القضية تماما ،، رفعت حاجبها الايسر وهي تتعجب من وقاحة ذلك الرجل

بل متبجح لدرجة لا تتخيلها

تتعجب ماذا أطعموه وهو صغير

بل وهي الغبية و ضعفها الأنثوي الذي يستسلم لوقاحته وعبثه ، بل تنتعش انوثتها الميتة وتزدهر من خلال نظرة

لمسة عارضة !!! سخرت من نفسها .. بل هو متعمد أتم التعمد للمسها .. وتحطم عظامها التي ستتهشم يوما !!

صاحت بتأفف شديدة وأظهرت من خلال تعابير جسدها ونزقها عن عدم ترحبيه في مكانها الخاص

هل تستشعرون تلك اللذة في كلمة الخاص !!!

شئ خاص بكنزه الخاص المفقود ، يكون بداخله .. وخياله يرغب أكثر الأماكن الخصوصية ليشاركها اياه ..

يوما سيفعلها .. يوما قريبا .. آتي لا محاله !! .

– لا دخل لك بهذا الأمر ، اعتقد من المرة السابقة اخبرتك انك لا تملك السلطة لتأمرني

انفرجت عن شفتيه ابتسامة ساخرة وهو يتفحص قدها بوقاحة متعمدة وعبثية في صوته زادت جرأة

– لا تطري بنفسك كثيرا يا شادياااه ، امتلك السلطة والقوة رغما عن أنفك

ثم انقلبت تعابير وجهه مائة وثمانون درجة ، وجه صارم ، عبوس ، منعقدا حاجبيه بشرر وشعرت ان عضلات جسدته زادت ضعفا لتقف كالعصفور المبلل ، دون دفاع او محاولة مجدية لها بالفرار منه !!

– هل طرد  ذلك الجرذ أم لا

رغم الأسلم لها أن تأمن شره .. لكن كل ذلك مستفزا داخل شادية التي كونتها بعد سنين من حطام ، كيف يأتي رجل يقتحم تفاصيل حياتها ، متدخلا بعملها بكل بجاحة .. ابيها .. الذي هو أقرب شخص لها في الحياة ووتدها لا يتدخل في عملها ، من هو إذا ؟!!!!

مزمومة الشفتين ، غاضبة الوجه ، تكاد تحافظ علي برود اعصابها كي لا تصرخ لتقول بكل برودة أعصاب وهي تنفيه نفيا خارج حياتها

– لا تتدخل بشؤوني

لفها بنظرة تملكية

خشنة .. جدا

تكونت غصة في حلقها لضيق تنفسها والمكتب الشاسع يغلفه برائحته الخاصة وعبق انفاسه عالقا انفها قائلا

– انت وكل ما بك أصبح من شؤوني الخاصة يا شاديااه

انفجر سد لم يتحمل الضغط الناتج ليصمد … انفجر وارتفع معدل قلبها وبدأ الشحوب يزحف وجهها رويدا .. رويدا ، نظرت اليه متلمسة صدقه وكذبه وعبثه

انتظرت أن تفرق بين وهمها والحقيقة

إلا أنها فشلت ، كما فشلت كثيرا في حياتها

وهو سيكون قشتها التي قصمت ظهر البعير ..

ارتعشت شفتيها وهي تبتعد خطوتين حينما اقترب منها .. عادت خطوتين وهو يتقدم خطوة حتى اصطدم جذعها بحافة المكتب ، تشبثت واضعة كلا ذراعيها علي المكتب لتقول بصوت خاوي

– توقف

توقف عن التحرك وارتفع عيناه ناظرا لها ، يحاول معرفة سبب جديد من أسبابها الخاصة المتمنعة عنه بعد استسلامها اللحظي له … تفاجئ باندفاع كلماتها الحادة

– توقف عن قول تلك الكلمات المتلاعبة ، لن اضعف

كاد أن ينفجر ضاحكا ، مستهزئا بها … لتنظر الي حالتها اليائسة

كل ما بها … حرفيا ، يناديه بشوق لتصبح جزء خاص منه …

اقترب ولفحت انفاسه الحارة وتكونت فقاعة عازلة … عزلتهما عن الناس ، الوقت ، المكان … كانت هي وهو … بكل مشاعره المتأججة وكل ضعفها الذي يزيد من ثورة الآخر

مال هامسها بنبرة خاصة جدا ، خفيضة ولكن خشنة تداعبها برقة

– حقا ، انت اضعف مما تدعين .. كل ما بك ضعيف .. بل قابل للعطب ، لكن لسانك يا امرأة يود أن يتقلع من مكانه

ثم اتسعت عيناها حينما علمت ما يدور في خلده حينما قال بنبرة خاصة

– أو يصمت لبعض الوقت

وبقي لثواني ينظر الي شفتيها برغبة شهوانية ، نكست رأسها أرضا وهي تحاول ان تخرج من تلك الفقاعة

زادت يديها تشبثا علي مكتبها وهي تهمس بصوت آمر

– أخرج

تساءل باستخفاف

– وإن لم أفعل ، هل ستتصلي بالأمن

رفعت عينيها والجمود هو ما ظلل عينيها الكهرمانيتين لتصيح بحدة

– أخرج لدي عمل وحتما لست متفرغة

مال برأسه وهو يمرر أنامله على خصلات شعره قائلا بعبث

– ومن قال انني متفرغ ، بل أؤدي عملي

ثم قرر رمي السؤال في منتصف الملعب تاركا لها الكرة تعبث بها بحريتها

– بالمناسبة سمعت خبر فسخ خطبتك ، هل هذا صحيح ؟

اذا هذا هو سبب مجيئه ، أشاحت برأسها للناحية الأخرى وقررت تجاهله متخطية اياه بلحظة تمرد طفولي منها

– لا دخل لك

صرخت حينما جذبها بعنف من مرفقها ليعيدها مرة اخرى الى مكانها ، همت بالصراخ في وجهه الا انه اخرسها وهو يهدر في وجهها

– توقفي عن قول تلك الكلمة ، انتي تثيرين غضبي وغضبي لن يعجبك حتما ، ستتمنين لو لم تدفعيني للجنون

رفرفت بأهدابها بنعاس شديد كاد أن يفلت لجام عقله ، لتحاول نزع ذراعها من قبضة يده .. حقا جديا ، تفكر ان تقطع ذراعا من ذراعها وتقدمها له كهدية بدلا من تعذبيها المؤلم هذا …

صاحت بحدة وهي تحاول ان توقف عبثة التي لا حد لها

– لا أعرف أي ثقة تلك التي تتحدث بها معي ، غادر المكان فورا

آنت بألم شديد ليستفز من بركانها المتمثل امامها وهو يهذر بالايطالية ، مؤلما ذراعا وساحبا جسدها لتسقط اسيرة له ، بكل هيمنته ورجولته يلفها من كل جانب

جاعلا فرائصها ترتعد وهو يصرخ بها بحدة

– اللعنة .. انتي تحبين اذا رؤيتي غاضب

امسك ذقنها رافعا وجهها اليه ، تري نظرة الغضب المميت في عينيه ، ليقترب منها لافحا حرارة بركانه الثائر في جوفه … مصدرا تصريحا محذرا

– سأقولها لمرة واحدة ،واحفظيها لأنني لن أكررها لك .. عاطفتي محرقة وغضبي انتقام أهوج .. ستؤلمك كثيرا عزيزتي

تلك النبرة الواثقة ، بانها ستكون له شئ خاص

لا تعلم كهنة ، لكن ستصبح شئ خاص له في وقت محدد ، تفكيرها هذا مرعب .. بل جعل عقلها لا يستوعب … ماذا سيحدث ان قررت العبث لفترة من الوقت

رجل تعلم انها لن تقابله مرتان …لما لا تندفع متهورة لتلك التجربة التي ستضيفها من ذكرياتها

بهدف التسلية والمرح !!! … بلعت غصة مريرة في حلقها .. هي فقط لو لم تندفع بعاطفتها لم تأذت .. لما المرة الوحيدة التي لا تستسلم لعاطفتها

يكون لحوحا بشكل مزعج مثير لعاطفتها للاستسلام بعد تعذيبه ببطء مستلذة بذلك .

همست بضعف شديد وهي تنظر بعينيها المغويتين إلي ظلمة عينيه

– غ .. غادر

افترقت عن شفتيه ابتسامة ذئبية ، وهو يهمس بصوت أجش

– ولما ؟

زاد من صب المزيد من نيرانه ولفظها … لتتحمل قليلا من نيران كلماته كما يحترق هو منها

– هل ستضعفين وتستسلمين يا فاتنة ؟ ، املك سحرا وقوة مزلزلة لأنوثتك التائقة لي

ارتجف جسدها أثر كلماته لتزم شفتيها ورغبة سرت لها بالبكاء … وأدتها وهي تخرسه بضعف

– اصمت

انفجر صائحا بثورة .. مغيظة لذلك الكائن الحجري الغير مراعي والمتفهم لمشاعره

– كوني صريحة معي ولو لمرة كما انا صريح معك

انفجرت تصيح في وجهه وافلتت اسر ذراعها منه بنجاح بعد محاولات مستميتة انتهت بالفشل

– تلك ليست صراحة ، بل وقاحة .. تغويني وتظنني سأستسلم لك

وياليته لم يعترف انه يغويها ، ليته لم يعترف كي لا ترى أنها في عينيه رخيصة ليزيد من رصيد ذنوبها ذنبا آخر

– ولما لا … انظري إلى يا امرأة .. لن اغادر مكاني حتى تنتمين لي .. تنتمين لسرمد النجم بكل عيوبه ومساوئه

هزت رأسها نافية … بكل ما أوتيت بقوة تهز رأسها نافية .. لن تضعف .. لن تستسلم ابدا .. ستموت هي ولا تقدم على تلك الفعلة ابدا

– لن افعل … لن افعل

صرخت بألم حينما شعرت شئ كالكماشتين تضغطان على مرفقيها لترفع رأسها تنظر اليه وعينيه متأججة بالغضب

– إذا ما سبب تشبثك بذلك الخاتم اللعين وانتي فسختي خطبتك

هزت رأسها نافية ، وبداخلها وعيد لشقيقتها ، تعلم تفكير تلك الخبيثة ، لا ترمي طعما حتى تعلم من هو قادر على التقاطه … انفجرت تصيح بغضب

– لست انا ، ابتعد عني

عقد حاجبيه ونظر بدهشة وهو يتمتم

– هل فسخها هو؟؟!!! ، غبي لا يعلم ما أضاعه هو

رفعت عينيها برجاء خاص ، وصل لصميم قلبه وهي تهمس بطلب مناجي

– لا تتحدث بقذارة عني ، توقف ارجوك

الكلمة بعثرت بكيانه وهدمته ، قذارة !!!

كانت قوية .. تردد صداها كثيرا في أذنيه ليقول بحدة

– صدقيني انا حتي الان لم اتواقح معك في شئ

استكان جسدها وكفت عن المقاومة ، وهي تقتله قتلا بتلك العينين المغويتين لتتابع همسها

– كل هذا وتقول لم تتواقح ، تلمسني وتجذبني إليك، وتكاد تحطم عظامي وتقول لم تتواقح معي .. ابتعد ايها النجس عني

ابتسم بشر ، تراقص الجنون في حدقتيه وهو ينظر الي عينيها الناعستين وشفتيها المغويتين ليهمس بصوت اجش

– لسانك يا برتقالية ، حاد كالسيف ، وعينيك بهما الأغواء والرذيلة

اتسعت عيناها ونظرت اليه بجحوظ وهو يتابع هذره الخاص

– وشفتيك … اممم اللعنة

شهقت بعنف وهي تحرر مرفقيها من اسره لتصيح بكل قوة وثبات ، تحاول أن تعلن موضعها

– انا لن استسلم لك  … اتسمع لو اخر رجل علي الكوكب لن ادعك .. لا اعلم كيف تغويني .. تغوي امرأة ليست ولن تكون ملك لك .. ثم بكل تبجح تنعتني بصفات قذرة كلسانك ثم ..

قاطعها قائلا بهدوء ونظرة خطرة تظلل عيني واتجاه هدفه ثابت تعلمه

– المرة القادمة سأقبلك ، الحواجز التي تبنيها لن تعيقني

همت بالرد الا انه صاح بهدوء مثير لجسدها الرجفة وقلبها يهدر بعنف

– سأقبلك يا شادية هذا ثاني تحذير ، المرة الثالثة ستكونين بين ذراعي

كان يهم الاقتراب نحوها وهو يعلم أن مصيدته تلك المرة أحكمت الفريسة للوقوع ، إلا أنها انفجرت تبكي … بمرارة شديدة ووجع لتجفل منه اقترابه وهي هامسة

– ابعد

ظل ينظر اليها يراها تلف ذراعها حول جذعها ، تحمي نفسها من نظرات عينيه وعيون غيره ، كانت طفلة تائهة في عالم الكبار ، تنظر بتيه شديد … وبراءة تكاد تتقافز من عينيها ، صاح بصراخ ساخط وهو يراها تمتنع عنه بل وتتحاشاه كأنه سم زعاف

– اللعنة ، توقفي عن البكاء لستي طفلة

تحاول تحمي نفسها

لقد انهارت حصونها كليا

انهار ما تبقى لها من ثبات

يعريها دائما داخليا وخارجيا ، كيف تكون كمرآة مكشوفة أمام عينيه الخبيرتين ، ما الحاجة المميتة له بها ، لما الآن بعد سلسلة تجارب فاشلة مكللة بالخزي يأتي هو لينسف تماما بها ….

انهارت في البكاء وعلا نشيج صوتها وارتعدت نتيجة صراخه لتصيح في وجهه بحدة

– وماذا تريدين مني أن أقول ، وانت ما زلت مستمرا في جعلي امرأة فاسقة

نظرت حولها متحاشية النظر إليه ، تشعر أنه واقف مشدوها مما يحدث ، كيف بالله لأمرأة سيدة أعمال تبكي أمام رجل غريب للمرة …. لم تكن الأولي حتي !!!

زاد من حرقتها وهي تمسح دموعها متابعة بصوت أجش

– هل العيب بي إذا .. الجميع يراني امرأة لا تستحق أن تحظى برجل يقدرها ، كلكم مندفعون بذكوريتكم المقززة

ثم القت سهم طاعن في صدره تماما كما فعل وهي ترفع عينيها المغرورقتين في الدموع هامسة بألم

– انت تلوثني اكثر سرمد ، تلوثني .. الا يكفي خطاياي

تلوثني … ما أصعبها من كلمة مرت في كل حياته ، لم يكن يعلم أن كثرة الضغط يتولد منها نتيجة عكسية مع تلك المراة ، ظنها ستستسلم بعد الحاح كثير … لكن كيف تظن بنفسها فكرة خاطئة عما يراه بعينيه ، اقترب رغم تحذيرها بعدم تماديه

الا انها اعطته الاشارة الخضراء مسبقا ، اقترب منها هامسا

– لا اريدك ان تحزني ، حتما اخر شئ افكر به هو احزانك

أخرج من جيب بنطاله منديل خاص به توقيع لاسمه لتلتقطه مجففة دموعها وهي تحاول السيطرة على نفسها ، عودتها للمرأة السابقة .. لكن تعبت من المظاهرة ، همست بمرارة شديدة وزوبعة افكارها لم تهدها لشئ

– انت تحزني .. بل وتجعلني امرأة رخيصة سرمد .. هل تراني رخيصة ؟ .. هل الجميع يراني امرأة رخيصة لن تحظى برجل محترم حتي

استفزه انها لا تراه رجلا … ثم بالله أي عصر تعيشه هي لتحظي برجل محترم

بل تريد مثله .. هو بذاته ليكملها ويريها عالما لم تكن لتعلم عنه شيئا ، نظر الي ملامحها برقة بداية من تورد وجنتيها وارنبة انفها نتيجة البكاء ودموعها الغائرة …. همس بصوت ناعم

– لست رخيصة في عيني يا برتقالية ، اشعر بك كالسراب كلما اقتربت منك تبتعدين أكثر

ثم ليضع ختم ملكيته الخاصة ، تجرأ اخيرا ان يمسك معصمها الأيمن .. نازعا خاتم خطبتها بعدم صبر ملقيا اياه على الأرضية غير مكترثا بوجهته .. تفاجأ علي شهقتها الناعمة هامسة اسمه بعتاب

– سرمد

حذرها بعينيه ان تتمادى ، إلا أنه رأي تمرد لذيذ في عينيها … قال ببرود مغيظ

– لقد أعطيتني الاشارة الخضراء

ابتأست بشدة وهي تبحث بعينيها عن الخاتم بل تجرأت ان تنزع معصمها من أنامله حينما أخذها على حين غرة ، قائلة بصوت انثوي

– لكن ليست لدرجة ان تنزع خاتم خطبتي

وقف امامها … صادا إياها عن البحث الغبي لخاتم لا معي له قائلا بصرامة

– لا تفكري حتى في العودة لذلك الغبي ، لا تهدري من كرامتك كأنثى أمامه وتطلبين وصاله

زمت شفتيها بعبوس شديد ، عقدت ساعديها على صدرها هامسة بحنق

– وانت ألا تنتقص رجولتك وكبريائك حينما أخبرك برفضي ؟

لم يعبأ ولم يكترث بالرد علي سؤالها بل قال بتملل ونزق شديدين

– أين هاتفك ؟

عقدت حاجبيها بعدم فهم وهمست

– لما ؟

حدجها بنظرة مميتة بلعت بها جميع اعتراضاتها ، ليعيد مكررا بنفاذ صبر

– أين هاتفك ؟

أصدر هاتفها رنينا من حقيبتها الجلدية الملقاة ارضا امام باب المكتب ، لتجده هجم عليه مخرجا هاتفها وقاطعا اتصال محدثها ، اتسعت عيناها وهي تراه يعبث به لثواني ثم تصاعد هاتف رنينه الخاص ليقول بجمود

– أصبح معي رقم هاتفك ، تجرأي في يوم تمتنعين عن لقائي .. سآتي إلى عقر دارك يا فاتنة وخمني ما أنا بفاعله .. انا وانتي وفراش مراهقتك

اتسعت عيناها وشعرت بلسانها قد التصق في حلقها حينما أخذ حقيبته وغادر تاركا حقيبتها على سطح المكتب ، انهارت جالسة على أول مقعد رأته وهي تنظر الى الباب المغلق ببهوت شديد .. والحلم والواقع اندمج كلاهما غير قادرة علي فصل الحقيقة من الخيال …

لن تقدر على منعه أكثر ، انهارت كل أسلحتها ودفاعاتها وحطم خط دفاعها الأخير … وأعلن نفسه منتصرا على مملكتها … يا للمصيبة !!

******

في حي عاصي ،،،

تدور تحية في أرجاء الشقة تبخر كل ركن من أركان المنزل ، داعية بأن تطرد العين الحاسدة.. صوت القرآن من المذياع يصدح بصوت مرتفع .. غير مكترثة بالنميمة التي ستحدث لاجتماع النساء … حفيدها وقرة عينها كان على وشك أن يلقى حتفة ولولا ستر الله لكان وافته المنية … وضعت المبخرة في الصالة وانفرطت الدموع تخرج من مآقيها .. عاصي فلذة كبدها ، وابنها الذي ربته حتى أصبح رجلا تستطيع أن تعتمد عليه .. رجلا في زمن انقرض به الرجال … رأته يخرج من غرفة نومه مستندا بالعكاز وأخذ يسعل من الدخان الناتج من البخور لتقترب منه قارئة المعوذتين .. تمرر يديها المجعدة على صدره الصلب وذراعه الأيسر الملفوف بالجبس .. انفجرت تبكي بلوع

– والله كنتي عارفة عين وهتصيبك ، يا حبيبي يا ابني

سعل عاصي لعدة مرات ومال مقبلا جبين جدته قائلا بصوت واهن

– يا توحة الله يكرمك قربت اتخنق من ريحة البخور

شرست ملامح توحة لتضربه علي صدره مما جعل عاصي يتوجع ،، رقت ملامح توحة إلا أنها قالت بحدة

– اسكت يا واد ، لازم ابخرك يا حبيبي دي عين وصابتك .. ولو اني عارفة مين صاحبة العين اللي هروح افقعهالها عشان تبص عليك

هز عاصي رأسه يائسا ، الا يكفي انها قامت بعمل حظر تجوال عليه في المستشفي ومنعت بعض رجال الحي ليزورونه بمن فيهم عادل ، معللة انه السبب وان خطبته التعسة حلت علي سماؤه ايضا … قال بتهاون وهو ينظر إلى ساقه التي أصابها التواء على عكس ذراعه الأيسر المكسور

– يا توحة قضاء وقدر ، انت هتعترضي على امر ربنا

اومأت برأسها قائلة بجدية شديدة وعقلها يفكر أي من النسوة اللاتي حسدن صغيرها ، لطالما اخبرته ان يتوقف عن يعتلي السلم العالي لتزين المصابيح، لكن من كان يستمع !!

– ونعم بالله يا بني ، لكن هو عين والحسد مذكور في القران ، لازم أرقيك

هز عاصي رأسه يائسا عالما ان لا فائدة ترجي لتغيير رأس جدته اليابسة ، مكوثه لأربعة أيام دون رؤية اميرته جننته .. خصوصا ان اخر لقاء بينهم لم يقدر علي سيطرة ذلك الغضب المستفحل بفؤاده .. يخشى أن تتسرب من أنامله … ويكون ذلك الناعم أعلن امتلاكه عليها قبله ، سيجن .. يقسم انه سيجن ان لم يراها … قال بنبرة هادئة وهو يراها تهذر بصوت خفيض

– انا رايح استحمي ، هنزل اشوف عادل .. كفاية انه أجل الخطوبة علشاني

مصمصت توحة شفتيها لتجلس علي مقعدها قائلة بسخرية

– تستاهل اسماء ، هي قعدت تزمزق من وقت لما قولنا هتتخطب ، انا غلطانة اني بعبرها اصلا خلي المدرسة تنفعها

نظر اليها محذرا بعينيه الشبيهة بعيني زوجها الراحل ، رقت ملامح وجهها المتجهمة .. نسخة مصغرة من زوجها رحمه الله ، اختنقت انفاسها والوحشة انفجرت تسري في اوردتها لتسمعه يقول محذرا

– توحة ، هاخد دش مطلعش الاقيكي ماسكة خناق في حد

تنبهت انه يريد الخروج من المنزل … أجن هو .. حتى تصيبه عين ترقده على الفراش ، هبت من مقعدها قائلة بخشونة

– يووه .. تنزل تروح فين انت اتجننت ، ده  لسه الجبس متفكش

ابتسم نحوها بوهن وهو يشعر بالألم الذي يسري في ساقه المصابة ليقول بابتسامة شاحبة

– جت بسيطة يا توحة ، ساعة زمن وهجيلك وتشربيني شوربة الخضار

قلبت توحة عينيها بملل قائلة بتهكم

– وانت الصادق ، عملالك شوربة عدس

اتسعت عينا عاصي بصدمة ، الشئ المسمى بالعدس … لا يستطيع أن يضع به لقمه في فمه اطلاقا ، اشمأزت ملامح وجهه قائلا باعتراض

– عدس يا توحة .. انتي عرفاني مبحبهوش

مصمصت توحة شفتيها ممتعضة من عدم حبه للعدس ، رغم انها كانت سابقا لا تطيقه .. لكن المرحوم حسين هو من أحببها في جميع ما كرهته ، رفعت رأسها بأنفة قائلة

– دي الحارة كلها تشهد بشوربة العدس بتاعتي ، يا واد بتتبطر على النعمة هاا .. قولي بتتبطر على النعمة

لوي عاصي شفتيه ساخرا ، محاولا تهذيب رده ليقول بنبرة خاصة

– تسلم ايدك يا توحة هانم يا بنت الذوات

ثم استدار متوجها نحو الحمام ، ظلت توحة تنظر الي أثره قائلة بامتعاض من عدم حبه للعدس

– مالها شوربة العدس .. طب ده المعلم حببني فيها ، الله يرحمه ويغفرله

استقامت من مجلسها لترتب غرفة ذلك الكارهة لشوربة العدس ، اخذت الغطاء عازمة ان  تضعه علي سور الشرفة .. الا ان استوقفها قدميها نتيجة تصاعد رنين هاتفه .. رفعت صوتها عاليا قائلة بحدة

– يا واااد تلفونك بيرن

انتظرت ان يرد عليها ، الا انه بكل صبيانية لم يلقي بالا للرد

– شوف الواد ولا بيرد عليا

زفرت بحدة و رنين هاتفه أصابها بالانزعاج لتلقي الغطاء آخذة هاتفه من على الكومود محاولة التعرف على اسم المتصل ، لكن نتيجة علامات تقدم العمر لا تستطيع قراءة شئ دون نظارتها … خرجت نحو الصالة باحثة عن نضارتها .. وحينما لم تجدها توقف رنين هاتفه لتتوقف عن البحث وتترك هاتفه على طاولة السفرة … همت بالعودة لغرفته لترتيبها الا ان الرنين تصاعد مرة اخرى … زفرت بحدة قائلة بحنق وهي تبحث عن نظارتها

– هي فين النضارة دي كمان

انشرحت أساريره حينما وجدت نضارتها .. ارتدتها وهي تمسك هاتفه لتنظر الى اسم المتصل ، متوعدة أشد الوعيد للمدعو عادل هذا ان كان المتصل … إلا أن الصاعقة شطرتها نصفين حينما رأت أن اسم المتصل مكتوب ” وجدي ” … دارت تحاليل كثيرة محاولة معرفة اسم تلك المرأة المميز وأي علاقة قد تربطهما معا دون علمها ، وهي التي ظنته ذلك الذئب المخادع في علاقة عمل … وهو أبعد ما يكون في عمل … هل اشتاق لمراهقته لتلك الدرجة … اجابت على الاتصال دون ان تصدر صوتا لتسمع صوت انثوي به لهفة ونبرة قلق لم تستطيع انكارها

– عاصي ، انت كويس .. طمني عليك ارجوك

شتمته .. بكل شتيمة تعلمها توحة شتمته ، المرأة فتاة صغيرة السن .. كلاهما ناعم به نبرة دلال غير مصطنعة ، ياويله .. يا ويله ذلك العاصي .. هل يعربد خارج أرجاء منزلها ، هي التي علمته كل تلك السنين تأتي تلك المرأة لتذهب بكل مبادئه ..

اذنيها المترصدتين استمعت الى شهقة مؤلمة لتهمس توحة بتوعد

– انا قلبي حاسس فيه بنت من موضوع شغله

زفير ثم شهقة وصوت انثوي مرتبك منادية اسمه

– عاصي ، الو .. عاصي

الفتى ضاع ، ابنها ضاع من تلك المرأة ، حمحمت جدته وهي تبتعد عن الصالة لتقول بصوت هادئ

– ايوا يا حبيبتي ، انا جدته

لفهما الصمت لعدة ثواني … ثم تبعه صوت ناعم جدا ونبرة معتذرة

– اسفه بجد يا طنط .. قوليلي عاصي كويس ، اسفه سمعت ان عاصي في المستشفى حبيت اطمن عنه

نبرة الارتباك الحقيقية الغير مصطنعة كما تفعل بنات اليوم جعلتها تستشف معدن تلك الفتاة ، انفجرت توحة تبكي بحرقة وبين الفينة والاخرى تنظر الى باب الحمام

– عاصي ، ده يا حسرة عيني رقدوه في المستشفى جاله كسر في الرجل والايد وربنا ستر ، حالته تصعب علي الكافر .. انا مش عارفة كان مستخبلنا من فين

ارتسمت ابتسامة خبيثة على شفتيها حينما استمعت الى صوت الفتاة وردها الذي جعلها تفخر بما حققته

– قوليلي من فضلك انتوا من مستشفي ايه

صمتت توحة قليلا ثم قالت بمكر خادع وهي تمثل الألم في صوتها

– لا يا حبيبتي احنا رجعنا البيت ، مقدرتش استحمل المستشفيات وريحتها

لفهما الصمت لثواني … كانت تعلم أن الفتاة لن تجرؤ على القدوم الى منزله الا اذا كان الامر جدي بينهما ، لو كانت لا تكن له شيئا لاكتفت باتصال فقط … انشرحت أساريرها حينما جاءها صوت الفتاة الجاد

– طب يا طنط ممكن تقوليلي عنوان بيتكم ، عشان ازوره

قالت بابتسامة خبيثة مضيفة بعض البهارات

– خدي يا حبيبتي العنوان بالتفصيل ، يا حبيبي يا ابني حالك ده يصعب علي الكافر

اغلقت الاتصال الهاتفي حينما اخبرتها انها خلال فترة قصيرة وستأتي لمنزلهما … احتدت عينيها بشراسة لحفيدها .. لتقول بوعيد

– بتخبي عليا يا ابن صفاء .. طب والله لاربيك من اول وجديد ، شكلك كدا وحشتك عزيزة بتاعتي

لكن أولا يجب معرفة تلك الأنثى وصلة التي بينهما … ليعطي لها حفيدها المحترم ، البرئ اسما خاصا !!

*****

يتوارى الجميع خلف الظلام

خشية من عيون الناس

يتخذون بقعة من الأرض .. لفعل كل ما يشتهي لهم عقلهم وغريزتهم ..

يتوارى الجميع خلف الظلام

حتى تنكشف اقنعتهم المزيفة الخادعة

والبراءة هي منبع الشيطانية في قلوبهم

والرقة هي بذرة القسوة في أفعالهم

ولسانهم المعسول هو السم الزعاف الذي يسير في أوردتهم .

يتوارى الجميع خلف الظلام

عالمين بخطيئتهم

وذنوبهم الملطخة بالعار

غير قادرين علي التخلص من معاصيهم .

تنهد لؤي زافرا بسخط .. الجميع بارعون حقا في ايلامه

وجعله هو الجاني ، والمعذب الأول .. وما هو سوى أداة انتقام بسيط بين الطرفين

يتخبط هو بينهما .. غير عالما مصيره النهائي

أو يعلم لكنه منكر

الإنكار في بعض الأحيان مفيد ، رغم انه لا يؤخر الأمر المحتوم

لكنه مفيد في بعض الأحيان  …

من بين جده وامرأته المغموسة في حقدها وانتقامها الأهوج حتى أطرافها  ، يشعر بنزاع يكاد يقتله … كلاهما يتلذذان بعذابه وجعله الرجل السيئ في الساحة … من ناحية جده الذي ابتعد عن العائلة نهائيا مقررا أن يكون في محرابه الخاص.. متعاشيا مع ذكرياته الخاصة

ومن ناحية أخرى تلك الشيطانة التي اعتزلت الطعام ، قررت الصيام حتى يوم افراجها ، يتعجب لامرأة مثلها بالكاد تتناول الفتاة والمياه دون الاكتراث لباقي الطعام الذي يلقي بالنهاية في القمامة …

تركها لأيام … تختبر طعم الوحدة .. يذيقها كأسا مرير كما جعلته يتجرع كؤوسا مثلها ، لا يصدق امرأة مثلها تمتلك كل ذلك الجبروت وانتزع منها الحب الذي تتغنى به في سنوات تعارفهم وزواجهم … لتعامله كغريب .. بل عدو تأمن مكره ..

من منهما المخطئ ؟ ومن منهما المظلوم ؟ ومن منهما الجاني ؟ ومن الضحية

هي في طفولتها

أم هو حينما كبلته بقيود عشق لم يقدر على التخلص منه

أم الجد الذي ندم بعد  سنين من جبروته … كأن علي وشك أن يغادر ذلك العالم ملتمس المسامحة من كل الخصوم ..

يريد هو الراحة ، التخلص من كل شئ والتحرر من القيود وتتحرر هي ، تعطي لنفسها فرصة كما قلبه الميت في عشقها يعطيها فرصة أخيرة ، سألها بجفاء شديد وهو يقتحم غرفتها

– فكرتي

انقشعت من عالمها الساكن .. لتبدأ الاستقرار في ضجيج الارض ، عينيها بهما نظرة ناعسة ثم بريق يعمله جيدا … تلك اللمعة التي كانت في لحظاتهما الخاصة … لتنفرج عن شفتيها ابتسامة ساخرة لتقول ببرود وهي تلف خصلة حول اصبعها

– كرم اخلاق منك يا لؤي انك تديني مهلة افكر فيها

أمر ايام ذاقتها هنا .. وهو حريص أشد الحرص على تحطيمها نفسيا .. دون داعم نفسي ، يضعها في أشد الاختبارات صعوبا .. حتي كانت على وشك الجنون … استقامت من رقدتها لتقترب منه .. تتأمل ضخامة جسده المرعبة .. عينيه التي رغما عنها اشتاقتها ، من تلك القبلة المجنونة … كلاهما يهذبان من طباعهم الجامحة كي لا يفقدوا سيطرتهم تاركين للقلب العنان للتحدث …

كلاهما يقفان على جمرات متقدة .. منتظر من سيجر أذيال خيبته للخروج من ذلك التحدي الخاسر .. نطق بنبرة اجشة وعينيه انسابت لتأمل تفاصيلها الأنثوية التي يحفظها عن ظهر قلب

– هتخسري كتير

أطلقت ضحكة مرتفعة مجنونة .. ليشتعل فتيل الغضب في عينيها وهي تقول بحدة

– اكتر من اللي خسرته

مال برأسه واضعا كفيه في جيب بنطاله ، جبانة

هذا ما تقوم به .. قلبها جلمود لا يستجيب لنداءته

تصر وضع نفسها في الوحل

وجره معها

– انتي ليه مصرة تحطي نفسك ضحية

قالها بصراخ حاد ، ونفاذ صبر وهو يسحب عضدها ليرتطم جسدها الرقيق بجسده المفتول العضلات ،، تشعر انه كمصارع أكثر من كونه رجل أعمال مهندم

بل رجل أعمال خطر .. كالمافيا !!

ارتجفت بين جنبات صدره ورائحة عطره التي تحفظها اضعفتها وجعلت مقاومتها هينة .. لتهمس بهدوء شديد وهي ترفع ذراعها لتداعب مؤخرة عنقه

– صوتك عالي

اختلجت عضلة في فكه … لتحتد عينيه وهو يراها تغويه … زوجته تغويه .. ومشتاقة بجنون لوصاله .. نزع ذراعها بحدة قائلا

– انتي ليه مصممة تطلعي اسوأ ما فيا

ابتسمت بهدوء وهي تقول ببرود شديد رغم عنفه الغليظ معها

– لأن الأسوأ ما فيك هو وشك الحقيقي يا لؤي ، واحد اول ما عرف بجوازة حفيده كان عايز يقتلني .. انت بقى ايه هتجلدني

ثم رفعت رأسها ووجها الفاتن كان محتقن بالغضب لتصرخ في وجهه

– انا قرفت منكم .. قرفت منكم كلكم ، طلعتوا ليه في حياتي .. اوعي تفتكر انك لما تحبسني في المكان ده انك منعتني عن اللي بخططله في دماغي .. ليا عيون في كل حته

ابتسم ببرود محافظا على هدوئه المستفز ، لتتوتر اعصابها … وتتشنج ملامحها حينما استمعت انه يلصق اسم العائلة بأسمها

– بس ملكيش عيون هنا يا آسيا المالكي

انتفضت صارخة .. كحية لدغتها وبثت سمومها

– عزام .. اسمي آسيا عزام ، واللي قريبين اووي يقولولي سيا

لانت نبرة صوتها للمكر والخبث الشديد وهي تضع بذرة الغيرة في رجلها الذي انتفض من مكانه مقتربا منها قائلا بتهديد مرعب يكاد يجف الدماء

– ويا تري يا مدام اسيا القريبين دول من جنسك

رفرفت باهدابها و زرقة عينيها تموج بالاغواء والهاوية لتهمس بنعومة لذيذة

– مش بحب ازعل الجنس التانى ، وكله يستفاد يا هركليز

كرر قائلا بنبرة بها الخشونة والضيق

– كله بيستفيد

هزت رأسها موافقة .. منتظرة شعلته وغيرته التي تدفئ قلبها الجليدي مشعلا نيرانا في جسدها

– بأكتر الطرق اللي تتخيلها ومتتخليهاش

ملامح وجهه الساكنة جعلتها ترفع حاجبها بسخرية واستهزاء من عدم رد الفعل التي ترضيها .. لتتفاجئ به يمسكها من مقدمة جلبابها لتشهق حينما جذبها بكل خشونة محكما ذراعه علي خصرها النحيل ليقول بجنون

– نفسك تموتي على ايدي مش كدا

ابتسمت … لترفع عينيها ترى الغضب الأعمى المظللة حدقتيه لتهمس باستفزاز

– متقدرش تقرب شعرة مني يا لؤي ، افتكر انا هنا بمزاجي ولو عايزة امشي من هنا صدقني مفيش حاجه تقدر تقف في وشي .. شكلك متعرفش وش آسيا عزام يا لؤي

يتخيل قذرون يحيطون بفاتنته … يقتربون منها بشهوة .. وهي تسمح لهم بنظرة ولمسة .. ونعيم في عينيها .. ثم حرمانهم من نعيمها ، يعلمها جبارة في جعل أعتى الرجال تشعل جذوة التوق في أحشائه ثم تلفظه من نعيم جنتها … قبض بكفه الغليظ علي عنقها غير مكترثا باتساع عينيها من الصدمة

– مش مهتم اني اعرفه

قالها بفظاظة شديدة وهو يحاول خنقها ، بل صفعها بحدة علي وجهها .. يعلم انها تجعله يتلظى بنيران الغيرة .. لكنه للأسف يستجيب لندائها دائما …. نزعها عنه والقاها بتلفظ وهو ينظر إليها بدونية ليشتعل الجنون في عينيها قائلة

– هتندم

نظر نحوها باستخفاف ولسانه حاد كالبتر

– انتي بالنهاية الوحيدة الخسرانة .. خليكي في دوامة الانتقام لحد لما تبلعك وحدك .. تبقي لوحدك لا ليكي قريب ولا ليكي حد يهتم بيكي .. مش بعيد انك تروحي العباسية تقضي بقية حياتك لحد لما تتعفني

رأي اتساع عينيها … ثم الشحوب الذي بدأ يتاكل وجهها المشتعل بغضب … نظر بظفر شديد الي ما حققه لـ يتابع بجمود

– وانا والباقي هنعيش حياتنا ، هتكوني بالنسبالنا صفحة قديمة قطعناها من دفتر حياتنا

اسودت الدنيا من حولها .. سواد .. سواد يبتلعها من كل جانب ويقتات منها … زمجرت بغضب

– حيوااااان

لم يكلف نفسه عناء للرد عليها بل غمغم بجمود شديد

– وراكي اخر فرصة ، لو جيتلك تاني والعناد راكبك يا آسيا .. انتي اللي هتشوفي من لؤي المالكي وش عمرك ما هتشوفيه .. انا بس بحذرك

الألم محفور في حدقتيها .. والضياع هي كل ما تشعره .. وحيدة ، مهمشة ، لا وجود لشخص لرعايتها والاهتمام من شأنها ، منبوذة من قبل الجميع .. اختنقت انفاسها لتشيح رأسها للجهة الأخرى

تتمني الوصول للسلام الذي يناشده .. رغم حبها العميق له .. لكنها موجوعة منه شخصيا .. غيرت قادرة على اعطائه الفرصة ثانية ، الثقة في محل اضطراب

تخشى أن يخذلها .. صاحت بجمود

– سكة السلامة يا هركليز

ثم استكان الصخب من حولها ، والقلب العليل يبحث عن من يداويه ، ويطمئنه ان سيكون بخير

أحدا حقا يهتم و يكترث من أجلها ، ليس من أجل مصالحه الخاصة … تراخت ساقيها لتجلس ارضا مستشعرة البرودة لتمر قشعريرة باردة سرت في أطراف جسدها .. نكست رأسها أرضا لتخرج صرخة مكلومة لتنهار الملكة أرضا ، لفت ذراعيها حول نفسها بحماية .. تنكر ما قاله .. تنكر انها ستكون شخص منبوذ من الجميع .. لن يحدث ابدا .. لن يحدث !!

*******

في حي عاصي ،،،،

نظرت وجد بعينيها إلى الحي الشعبي الذي يقطنه عاصي ، لن تنكر انها تخيلته أسوأ بكثير مما تتوقعه .. ترجلت من سيارة الأجرة التي أخذتها من بوابة المؤسسة لعدم معرفتها تحديدا لموقع المنطقة بعد ان اخذت العنوان من جدته ، تمسكت بباقة الورد بيديها وهي ترفع نظارة الشمس فوق رأسها لتنظر نحو الحي الصخب ببعض التوتر .. وما زاد توترها سماعها لتعليق أحد الشباب المارين

– اوباااااا .. هو القمر بيطلع في النهار ولا ايه

انكمشت حول نفسها وهي تلتصق بجذعها على جسد السيارة ونظرت بقلق الى الرجل الذي يغمزها بوقاحة شديدة جعل وجهها يحتقن بغضب وحرج .. هبطت بجذعها الي سائق الاجرة متسائلة بخوف

– انت متأكد من العنوان

هز الرجل العجوز رأسه قائلا

– ايوا يا استاذة هو ده الحي

نقدته ثم شكرته قائلة بهمس

– طب شكرا

نظرت بتيه إلى الحي الواسع وهي تشعر أنها لا تعلم ما هي بفاعله .. اندفعت لسانها قبل عقلها لتطمئن عليه ، وتشكر الله أن من اجابتها جدته … لو رد هو لا تعلم ماذا كانت على وشك قوله ، لقد ظهرت كحمقاء غرة لا تتمتع بلياقة في الحديث … أبصرت مقهى على ناصية الشارع لتتوجه بعزم تسأل أحد رواد المقهى خصوصا ان المتاجر داخل الحي  …

كان عادل يرتشف شايه بملل شديد ، يستغفر و يحوقل وهو يشعر بالجنون مما تفعله جدة عاصي ، لولا أنه يعلم أن ما تفعله خوفا علي حفيدها وفلذة كبدها لما صمت مضطرا لرفع حظرها الخاص ، هو من كان لا يريد خطبة بل زواج كي تكون اسماء تحت طوعه .. تلك الغبية ماذا تظن أنها ستستفيد من عملها في المدرسة … بالنهاية يعلم ان المدرسات يأخذن حصصها متعللين بأنه يوجد تراكمات في مناهج دراستهم وحصة الالعاب مجرد ترفيه على الفتيات ،،

لوى شفتيه ساخرا ثم انتبه إلى همهمات الجميع وعيونهم محدقة نحو شخص واحد .. رفع عينيه ليرى من هو صاحب الجلسة النميمة ليجد امرأة خرجت خصيصا من احدي المجلات النسائية ،ثم ماذا تحمل ؟!! باقـة !!! آخر مرة شاهد باقة ورد حينما كانت أسماء تستأجر باقة ورد صناعية … صاح بحدة مزجرا

– هيماااااااا

انتبه هيما من وقفته البلهاء وهو يحدق إلى تلك المرأة الهيفاء المتقدمة نحوهم بثيابها الباهظة ليقترب نحو عادل الذي عاجله قائلا بحدة

– مين دي

هز هيما رأسه ببلاهة قائلا وشفتيه فاغرة بانبهار إلى الفاتنة التي سقطت على أرض حيهم

– معرفش يا استاذ عادل ، تحب اروح اشوفها

صرفه قائلا بحدة

– روح .. انت ما بتصدق اصلا

انطلق هيما فورا نحو الفاتنة التي سقطت علي أرض حيهم ، يقسم ان تلك الفاتنة ستكون حديث الحي لأيام بل لشهور قادمة ، اقترب منها قائلا بصوت سعيد وهو يحدق بها ببلاهة

– أؤمريني يا ست الكل ، تحبي اوديكي فين

ذعرت وجد وارتدت خطوة للخلف حينما تفاجأت بقطار صغير علي وشك سقوطها ، وضعت يدها علي صدرها تهدأ من خفقات نبضاتها الهاربة ، نظرت نحو بتشكك وقلق شديد ، ليسارع هيما قائلا بجدية

– متقلقيش يا انسه مني ، انا هيما صبي قهوة وعارف شبر شبر وشقة شقة في المنطقة

رغم عدم ثقتها كثيرا في ذلك الطفل ، خصوصا أن حوادث الاغتصاب والخطف منتشرة بكثرة في المدينة … الا انها قالت قررت أن تغامر .. فالذي جعلها تقطع نصف الطريق سيجعلها تكمل طريقها لأخره

– تعرف  بيت دكتور عاصي

سألته بتشكك وهي تراقب ملامحه بترقب شديد .. لترى اتساع ابتسامة الصبي ولمعة آعجاب ممتنة ليقول بفخر شديد وهو يتقدمها قائلا

– طبعا .. ده أشهر بيت في المنطقة .. اتفضلي يا انسه اوصلك

نظرت الي المقهي لترى الرجال يشاهدون يكادون يلتهمونها بعيونهم لتهمس بقلق

– طب مش هأخرك علي شغلك

هز رأسه نافيا .. وداخله قلق من تلك الكيكة الهشة حينما تقابل جدة عاصي ، ستأكلها بأسنانها … يشعر أنها ستقوم بأكلها حية …قال بتعجل

– متقلقيش يا استاذة .. اتفضلي من هنا

سارت خلفه وهي تنظر بريبة الي الجميع الذين توقفوا على متابعة عملهم ليروها إلى أي أين مكان هي ذاهبة اليه ، بلعت غصة في حلقها وتابعت طريقها غير مكترثة بنظراتهم ليقف الطفل أمام إحدى العمارات العتيقة التي جارها الزمن ليقول بحماس

– هي دي العمارة ، تاني دور البيت علي ايدك اليمين

ابتسمت بهدوء ورفعت عينيها تنظر الي كل ركن خاص بالعمارة ، ثم التفت برأسها نتيجة صياح بعض أطفال الحي وهم يلعبون بالكرة في الشارع الجانبي بين العمارتين … ابتسمت برقة وهي تري حماسة الطفل الذي سجل هدفا كما لو أنه حقق هدفا في مباراة عالمية هل كانت هذه طفولته ؟!! لقد حظي ذلك العاصي بالكثير من المرح هنا لا تشك … التفتت نحو الطفل الصغير تشكره

– شكرا يا

وضع هيما يده على صدره قائلا

– محسوبك هيما يا ست الكل

رغم تعجبها من اسم “ست الكل ” التي كررها مرتين ، إلا أنها لها وقع خاص عندها جعل شفتيها تتسع بعذوبة شديدة جعل هيما يقف فاغرة شفتيه ببلاهة

– شكرا يا هيما

تنحنح هيما بحرج ، المرأة تخص قدوته وقائده .. اخفض نظراته حرجا وقال

– العفو يا ست الكل ، لو احتجتي أي حاجه ، القهوة على الشارع تنادي اسمي واجيلك جري

هزت رأسها موافقة ثم التفتت مرة اخرى تنظر إلى مدخل العمارة ، تقدمت الى الداخل لتشعر بالتوتر الذي يسري في اطراف جسدها .. ماذا تفعل هي ؟ .. لما قررت برعونة أن تأتي إليه ؟ .. لما لم تأخذ روفيدا وتأتي ؟! .. عصفت الاسئلة في عقلها لتهز رأسها يائسة وهي تضع أول قدم على درج السلم ثم رفعت عينيها لتراه واقفا أمامها

كان الذهول والصدمة ارتسمت ملامح وجهه ، حتي ظن هو أصاب بالخرف انها امامه ، هبطت عينيه متأملا ملامحها الناعمة وتغزلت عينيه قائلا

أنتِ خلاصة كل الشعر

الأنوثة تكمن داخل عينيكِ

والرقة تذوب من شفتيكِ

ذاب قلبي هاويًا على قدميكِ

دون شعور يا.. أميرتي

الخاطرة بقلم الأميرة “أميرة مدحت “.

توردت وجنتيها نتيجة نظراته التي اخترقت ضلوعها ، تشعر بقوة مشاعره التي جعلت تقف امامه مصدومة مما هي قادرة على قراءته من عينيه ، كيف !!! كيف يحمل كل تلك المشاعر ويكنها لها ؟! .. وقفت امامه كامرأة عذراء خجولة بعد اعتراف حبيبها بعشقه …

هبطت عيناه متأملا إياها من خصلات شعرها المعقودة في كعكة مهملة ثم إلى بلوزتها البيضاء القطنية الناعمة …َ ضاقت عينيه بعبوس حينما رأى أن بلوزتها شفافة مبرزا الحمالات التي ترتديها بالاسفل لتندلع غيرة عمياء في قلبه وهو يرى بنطالها الجينز الملتصق بساقيها الرشيقتين .. والمصيبة الأكبر …. باقة ورد يتخيلها تحمل باقة الورد أمام من في الحي لتقدمها له ، الجميع علم بالطبع من صاحب تلك الباقة ، استمع الي همسها القلق

– عاصي

رفع عينيه ليقول بحدة قائلا

– بتعملي ايه هنا

شهقت من وقاحته وشعرت بالندم الشديد انها جاءت إليه ، ظلل الحزن عينيها الداكنتين لتهمس بقلق شديد وعينيها تنظر الي العكاز المستند عليه والي حامل الكتف بألم

– اتصلت بيك وردت عليا طنط وقالتلي انك تعبان جدا

شعر انه في عداد الموتي ، جدته من جلبت الفاتنة الي حي منطقته ، بالطبع ضافت البهارات لتجلب تلك البريئة هنا ، زم شفتيه بقسوة ليقول بجمود

– ملهوش لزوم التعب كل ده ، كنت يومين وهنزل المؤسسة تاني

لم تمنع نفسها من سؤاله وقلبها تشعر انه يتمزق انها تراه مصابا بتلك الدرجة

– الف سلامة عليك .. حصلك ايه

ابتسم عاصي قائلا بنبرة هادئة غير مكترثة

– عادي اصابات ملاعب ، كنت على السلم بعلق اللمض وفيه ولد كان بيعدي الشارع كانت عربية هتخبطه ، مخدتش بالي ان السلم مش متوازن فوقعت

اطلقت وجد صرخة مفزعة ثم كتمتها سريعا بشفتيها وهي تتخيل بعينيها أحداث ما وقع ، بلعت ريقها بتوتر .. ثم اختنقت انفاسها وهي تشعر أن ذلك الرجل كانت على وشك فقدانه ،، الرجل كان على بعد شعرة من الموت وهي لم تعلم .. ولم تهاتفه ظنته غاضبا منذ يوم المؤسسة … ترقرقت الدموع من عينيها لترق ملامح عاصي وهو يقترب منها قائلا بحنان

– متتخضيش ..انا سليم قدامك

رفعت عينيها تتأكد انه معافي أمامها ، الرجل واقفا امامها لكنها تشعر أن يتألم ويخفي ، هطلت الدموع من عينيها لا اراديا لتهمس برعب

– وليه تتشعلق في السلم يا عاصي ، ده خطر جدا

ابتسم عاصي ، لغرابة الموقف ابتسم وانتعش قلبه وهو يراها تخص مشاعر خاصة له فقط .. دونا عن الجميع .. متأثرة بمرضه حتى قدمت اليه ، يعترف انها خطوة جريئة منها لكنها بدون علم مهدت طريقا له للوصول إلى قلبها الذي يشعر أن بات يمتلكه

– بتخافى عليا يا وجد

سألها بنبرة اجشة وهو يرى وجهها الفاتن ينظر إلى وجهه لتجيبه بعفوية تقتله تدريجيا

– طبعا يا عاصي، بخاف عليك .. متعملهاش تاني يا عاصي

كاد أن يجيب عليها الا انه استمع الى صوت نشاز من خلفه

– انت هتسيب الضيفة قاعدة برا ياواااد

رفع عيناه ينظر الى السقف بصبر ، ليدير برأسه نحوها بتحذير شديد ان لا تتمادى .. لم تكترث توحة بشدة لكن لقائها بزوجة حفيدها ومعرفة تفاصيلها هو الأهم ..

افسح لها عاصي مجالا للصعود .. لكن ضخامة جسده آكل المسافة لذا اصطدمت بعفوية بكتفها مرفقه .. أخفي عاصي تأثير تلك اللمسة العارضة وهو يعرف وجد للمرأة العجوز النحيفة قائلا

– جدتي .. توحة

اشتعل وجنتي وجد حرجا وهي تشعر بكفها مشتعل كالجمرات المتقدة أثر تلك اللمسة  ، رفعت عينيها تهمس بخجل

– اهلا بيكي يا طنط

تفرستها توحة لثواني ثم انشرحت اساريرها حينما رأت ان الفتاة ليست وقحة ولا مصطنعة الخجل ، دخلت قلبها فوريا وهي تعلم ان بملابسها المهندمة انها من عائلة مترفة خصوصا لفتة الباقة ، لوت شفتيها قائلة بنزق

– طنط .. طنط ايه بس يا بنتي ، عايزة اهل الحتة تاكل وشي .. والله لانتى داخلة وهتاكلي معانا

صعد عاصي عدة درجات ليميل هامسا قائلا

– توحة .. انتي عاملة عدس ناوية تأكلي البنت عدس دي هتروح فيها

نظرت الي الفتاة التي تقف امامها بخجل ثم قالت ببرود شديد

– وماله يا ولا .. العدس مش عاجبك ولا لأ

اتسعت عينا عاصي وهو يشعر انه فضح امام تلك الفاتنة ، مال هامسا مذكرا اصلها العريق البعيد كل البعد عن الفتاة الشعبية

– ايه يا توحة .. ده انتي اصلك مش من هنا

قلبت عينيها بملل ثم صاحت بحدة دافعة إياه للحركة لتهبط تمسك بساعد وجد قائلة

– ولااااا … امشي من وشي روح جيب كباب وكفتة وسيب ضيفتك معايا

ابتسمت توحة للفاتنة لتلمس ذراعها اللين وعظامها الرقيقة .. لم تأتي وجد بكلمة وهي تشعر انها محاصرة بين يدي تلك العجوز الهرمة ذات صحة امرأة ثلاثينية ، زمجر عاصي بغضب شديد وهو يعلم ما تقوم بفعله تلك العجوز

– توحااا

فسرت وجد صوت عاصي الحانق انها غير مرحبة لتهمس قائلة بعذر

– ملهوش لزوم تتعبي حضرتك ، انا مضطرة

قاطعتها توحة معارضة بحدة

– بت انا حلفت انتي داخلة وهتاكلي .. وحلفاني مش هينزل الارض ابدا

همست وجد باعتراض واهن وهي ترفع رأسها تنظر الي عاصي المتجهم الوجه

– بس مش عايزة اتعب حضرتك

فتحت توحة باب شقتها قائلة بابتسامة مرحبة

– تعالي يا حبيبتي ، شكلك جيتي من مسافة بعيدة

دلفت وجد بحرج شديد إلى شقته لتمسك توحة عاصي من كفه قائلة بهمس خافت

– هو ده الشغل يا عاصي ، من امتي بتشتغل في بسكوت ومولتو

ضيق عينيه عالما مغزى كلامها الوقح ليقول

– توحا

همست بحدة وهي تنظر الي وجد المرتبكة امامهما

– توحة هتعلقك يا ابن بنتي .. بس لما اشوف مرات حفيدي

نظر اليها محذرا من أن تفسد الأمر ليقول اسمها بتحذير

– توحة

لكزته في خاصرته ليتأوه عاصي بألم مستندا بعكازه وهي تمتم بحدة

– اخرس يا ولد .. روح جيب الأكل ومتتاخرش

ثم اقتربت من وجد ببشاشة وترحيب حار من عينيها

– قولتيلي اسمك ايه يا بنتي

نظرت وجد بارتباك شديد بعد ان تفحصت الشقة من نظرة سريعة ، الاثاث حديث والحوائط مدهونة بألوان هادئة … ثم رائحة الشقة المعبقة بالبخور جعلتها تشعر براحة غريبة تتسلل أوردتها لتقول

– وجد يا طنط

امتعضت ملامح توحة بيأس شديد وقالت

– طنط ايه دي ، قوليلي توحة زي حفيدي الشحط

احمرت وجنتيها حرجا وهي تراه يحدج جدته بنفاذ صبر ، انسلت ضحكة من شفتيها لتتسع ابتسامة توحة قائلة

– اللهم صلي وسلم علي سيدنا محمد ، لا لازم ارقيكي .. العين وحشة يا بنتي

دارت برأسها لتنظر الي عاصي بحدة .. تأمره بالخروج .. حوقل وهو يغادر المنزل غير مطمئنا أن تظل توحة وديعة حين عودته …. اجلستها توحة علي الاريكة وذهبت الي المطبخ لتنظر وجد بانبهار شديد إلى كل ركن من اركان المنزل … رغم اتساعه كونه من البيوت القديمة لكنه بها لمسات عصرية استقامت من مجلسها حينما رأت عدة حائط به العديد من الشهادات المعلقة ، أخذت جولة سريعة عن شهادات تقدير لتفوقه خلال مراحل عمره .. حتى الشهادة الثانوية والجامعة الخاصة .. اتسعت عيناها بذهول .. هل درس في نفس جامعتها ؟!!!

انتبهت على صوت تحية وهي تقدم صينية بها كوب من العصير وطبق من الحلويات .. سارعت وجد بمساعدتها حينما لاحظت المجهود الذي تبذله .. ربتت توحة على ظهرها لترسم وجد ابتسامة رقيقة على شفتيها و تجلس علي الاريكة …

تفحصتها توحة بعينين ثاقبتين .. خصلات شعرها معقودة .. تريد ان تعلم ان تلك الفتاة هي اميرة حفيدها ، همست ببشاشة شديدة

-بتشتغلي في مؤسسة روفيدا مش كدا

جملتها لم تكن محل سؤالا .. هزت وجد رأسها وهي ترتشف العصير ثم اتخذت وضعية مهذبة وهي تحاورها قائلة

– بدرب الاطفال التنس يا طنط توحة

تفحصت توحة حركات جسدها العفوية التي تدل علي منشأ الفتاة الراقي ، ثم زاد عينيها انبهارا حينما علمت أنها مدربة تنس .. هذا يفسر جسدها النحيل .. قالت توحة بنفاذ صبر

– توحة .. توحة يا بنتي .. متتعبنيش .. انا صحتي على قدي

تلجلجت وجد لثانيتين سرعان ما قالت وهي تحاول تدريب لسانها علي نطق اسمها

– ربنا يديكي الصحة يا ط..توحة

هزت توحة رأسها باستحسان وهي تنظر الى يديها و اناملها الرقيقة .. هل تعزف على آلة ؟!! .. تساءلت سرا ثم تابعت بفضول عفوي

– وليكي وظيفة يا بنتي

صمتت وجد للحظات ثم سرعان ما تذكرت فستانها الاول .. اتسعت ابتسامتها تدريجيا قائلة

– كنت بصمم فساتين وعملت ورشة وفيه محل ماسكة ادارته ببيع فيه براندات وجزء من ورشتي

أميرة .. هي الأميرة المنشودة .. مرهفة الحس ، ذات مواهب متعددة .. تشكل ثنائي رائعا مع حفيدها .. هي بطولها الممشوق ونحافتها وهو بقامة طوله وعضلات جسده الرياضية … شتمته في سرها لأنه اخفي عليها أمر تلك الفتاة لتهمس من بين شفتيها

– والله وعرفت تنقي يا ولد

القت نظرة على باقة الورد الموضوعة على الطاولة الصغيرة ، ترى كيف استقبل الحي وجود امرأة حاملة باقة ورد في سابقة يشهد لها التاريخ ؟!!! ، تخشى أن يصيب الفتاة أمرا من أول زيارة .. اتسعت ابتسامة توحة وهي تلتقط النظارة بجوار مقعدها قائلة

– بحب اشوف الفساتين .. وريني بقي يابنتي

لفظ ابنتي كان له وقعا خاصا في اثر وجد التي هزت رأسها دون تردد تخرج من حقيبتها الهاتف ، تريها صور التصاميم التي كانت ترتديها بعد انهائها من اللمسات الاخيرة

– طبعا

لا تعلم لما حبت ان تريها فستانها الاول .. استقامت من مقعدها بعد ان وضعت الكوب في الصينية لتقترب منها قائلة مشيرة إلى الصورة

– ده اول فستان صممته ايه رأيك فيه يا توحة

ضاقت عينا توحة وهي تنظر الي الفستان الاحمر ، اتسعت عيناها بإعجاب شديد لتهمس

– الاحمر حلو عليكي يا بنتي

ابتسمت وجد بفخر وهي تنتقل من صورة لأخرى قائلة

– وده تاني فستان عملته

كانت توحة تلقي محاسن تصاميمها ثم بعض التعديلات البسيطة من خلال نظرتها الخاصة لتهز وجد رأسها تسجل بعض النقاط في فساتينها القادمة .. قالت وجد بحماس شديد

– وده اخر فستان ربيعي قررت اعمله

هزت توحة رأسها لتمتم بحرج شديد

– متأخذنيش في السؤال يا بنتي ، هو كله كده مكشوف من فوق ومن تحت

هزت وجد رأسها قائلة بهدوء

– لا يا توحة .. علي حسب الزبونة اللي بتطلبه .. اقدر اقفل الفستان

زفرت توحة مغمغة براحة

– ايوا ريحتي قلبي ، اصلي عارفاه مجنون ويحلف عليكي متنزليش من البيت لمدة شهر زي المعلم الله يرحمه

لم تفهم معظم كلام توحة .. الا ان كلمة معلم جعلت عينا وجد تتسع بانبهار حقيقي قائلة

– المعلم

ابتسمت توحة بشجن وهمست بنبرة عاشقة

– المعلم ده كان حياتي ومثلي الاعلي .. ربنا يرحمه

حدقت بها وجد منبهرة لتهمس باندفاع

– عيشتي قصة حب يا توحة

شعرت حينها بالحرج من سؤالها ، ابتسمت توحة بشجن شديد وهي تسبح في ذكريات الماضي

– قصة حبنا مبدأتش الا بعد الجواز .. كنت افتكر زمان ان ابوه وابويا جيران ولما كبر كل واحد فيهم .. بابا راح في مكان وابوه كبر في شغله ، ولما جيت وكبرت لقيته كان شاب .. راجل مش زي دلوقتي الولد عنده عشرين سنة ومش شايل مسؤولية نفسه .. كان راجل وشهم .. كتير كان بيتقدمولي بس رفضتهم

حدقت توحة نحو وجد الناظرة نحوها بانبهار شديد وشغف لتقترب منها هامسة

– اقولك علي سر

هزت وجد رأسها لتهمس توحة قائلة

– كنت برفضهم عشان اديله رسالة ان مكانه محجوز ومحدش يقدر ياخد مكانه ، بس هو كان متخوف خصوصا ان علاقة الصحبة تتأثر .. كان فيه شوية غباء .. كل الرجالة كده .. الله يرحمه

ثم استرسلت بمرح

– لا كان بيلقط الاشارة ولا كان بيحاول يلقطها ، بس اخر ما جبت اخري جيتله مكان شغله وقولتله يا تكون راجل وتتقدملي يا اما هاخد ابن سفير اللي اتقدملي

اتسعت عينا وجد ونظرت نحوها بترقب شديد لتسمع توحة وهي تقول

– طبعا الكلمة دي خلته شايط ، وخصوصا اني كنت جريئة واخدت الخطوة الاولي في وقت البنت مكنتش بترفض الراجل اللي بيتقدملها وابوها يرتاحله

سألتها قائلة بترقب شديد

– وجيه

ضاقت عينا توحة لتقول بنبرة ذات مغزى

– ولو مكنش جيه مكنتش هكون هنا

اتسعت عينا وجد بانبهار شديد .. لا تصدق ان امرأة مثلها من عائلة قررت ان تتزوج رجلا من حي شعبي ، وطوال تلك السنوات ظلت هنا ولم تغادر . اذلك هو الحب الحقيقي ؟!!

كم تتمني … بل تتوسل أن يكون رجلها مثل ما حظته توحة … ارتفعت عيناها لا اراديا علي صوت أجش حانق

– جبت الاكل يا توحة

رغما عنها كانت تتخيله هو .. رجلها الخاص والأوحد ، تعلقت عيونهم للحظات ليعطيها أروع وادفء ابتسامة حظتها قبلا .. انتبهت على صوت توحة التي قالت بوهن شديد

– جهز السفرة مش قادرة اقوم اسخن الاكل

استقامت وجد تمد يد المساعدة لها

– خليني اساعدك يا توحة

صاح عاصي نافيا وهو يمسك بكيس الغذاء متوجها به ناحية المطبخ لتسخينه رغم انه لا داعي ، لكن يعلم توحة واصرارها العقيم

– لا ملهو

قاطعته توحة قائلة بوهن شديد واضعة يدها علي ركبتيها مشيرة برأسها لوجد ناحية المطبخ

– المطبخ امشي اخر الطرقة ، معلش يا بنتي هتعبك .. زي ما انتي شايفة رجلي مش قادرة امشي عليها

نظرت وجد اليها بقلق متساءلة

– تحبي اكلملك الدكتور

قلب عاصي عينيه بملل شديد ، لن تنتهي جدته من تلك التمثيلات اللانهائية على الفتاة المسكينة ، استمع الي صوتها الواهن

– تسلمي يا بنتي .. ادي الكيس للبنت

كان صوتها امرا وهي تأمره ليقول بنظرة جادة وهو ينظر الي كلتاهما ، غير مصدقا أنه لم يحدث أي كارثة بينهما

– ارتاحي انتي ، هسخنه

قاطعته وجد قائلة بحدة شديدة

– انت شايفني مش هعرف أسخن يعني .. هات الكيس

تقدمت نحوه تسحب الكيس من يديه ثم اندفعت تتوجه نحو المطبخ ، اتسعت عينا عاصي وتوحة تكاد تخرج من شفتيها زغروطة تعبر عن فرحها ، جلس عاصي علي مقعد السفرة مريحا قدمه بعد أن بذل مجهودا في الصعود للسلالم

– ايه ده يا توحة ، الضيفة تدخليها المطبخ

اشاحت بيدها قائلة بنبرة غير مكترثة لعبوسه وحنقه اللامبرر

– لازم تعرف بيتها يا خويا .. روح اتلحلح كدا عشان جعانة

استقام من مقعده عاقدا النية لمساعدتها الا ان صوت توحة الحاد جعله يتجمد من نبرة الوعيد في صوتها

– تعالي يا واد .. انت فاكر انى هسيبك تدخلها ، والله هبلغ عليك البوليس .. وهخلي اللي ما يشتري يتفرج عليك

مسح على وجهه بنفاذ صبر وقال بحدة

– يا توحة … مينفعش كدا دي ضيفة

برمت شفتيها وصاحت تهذر بحدة لتقول بجدية

– اسكت يا ولا .. انت لو قعدت سنة والله ما كنت هتقولي عليها ولا تجيب سيرتها .. انت مش كنت نازل روح شوف مشوارك

عاد يجلس على مقعد السابق قائلا بجمود

– قاعد

عادت وجد تقول بنبرة حماسية شديدة وهي تنظر الي عاصي بنظرات جعلت قلبه يخفق من اجلها وهي تهمس بخجل

– سخنت الاكل

استقامت توحة من مقعدها وهي تتخذ مقعدا لها على الطاولة ، قائلة

– تسلم ايديك يا حبيبتي

تحمد الله ان جهاز المايكرويف في منزله والا كان ستكون فضيحة ، همت بجلب الاطباق الا ان عاصي حدجها بنظرة مميتة جعلتها تنكمش وتجلس في مقعدها بأدب … رأت توحة المحادثات التي تجري بعيونهم لترفع رأسها داعية أن يحقق الله ما يبتغيه حفيدها ، وتكون الفتاة سبب سعادته في الحياة .

********

تحرك غسان بملل شديد في ارجاء منزله .. لولا أن سرمد يربطه الكثير من الأعمال لكانا يقضيان معظم أوقاتهم خارج المنزل كالأيام الخوالي … ابتسم متذكرا تلك الأيام ومغازلة النساء .. لكن سرعان انقلب وجهه للعبوس حينما سمع نباح كلبه … هذا ما ينقصه أن يكون ذلك الضخم في منزله ويزعج نومه والجيران من الجنس الناعم ، انتسل الهاتف من جيب بنطاله وهو يتصل بصديقه الوغد .. الذي لم يراه منذ ايام

– أخبرني ما احوالك يا وغد

حادثه بالايطالية ليبتسم سرمد وهو ينظر عبر الشرفة الى الأسفل ليقول بجمود

– ليست سيئة .. حقا ليست سيئة

عبس غسان وهو يستمع الي نبرة صديقه الغامضة ليسأله باهتمام قائلا

– وما أخبار الشقة ، هل هي جيدة ؟

نظر بعينيه معاينا احوال الشقة بدهانها البسيط وأرضيتها التي سيغير كل ما بها ليقول بنبرة هادئة

– ليست سيئة يا غسان .. لكن احتاج سأجلب مهندس من ايطاليا لتصميم الشقة

انفجر غسان ضاحكا وهو يغمغم قائلا بمكر

– مهندس من ايطاليا والشقة ، ماذا يا رجل .. هل تخطط البقاء هنا للأبد .. كنت تجلس في الفنادق ما حل بك

ترن كلمة ” تلوثني ” مرارا في عقل سرمد .. منذ تلك الليلة حرفيا عاني صراع عنيف بين تهوره وجموحه وعقله الذي يخبره بالتراجع .. المرأة ستحرقه يوما .. ستحرقه بنيرانها وعينيها الكهرمانيتين … استمع الى نبرات صديقه المغازلة

– اعلم انها تلك السمراء الفاتنة ، لن انكر انها جميلة ، بل فاتنة .. حتى الطباخين في مطعم نزار يتحججون بأي شئ للحديث معها ولو لدقائق

انقبضت معالم وجهه ليضم كفه يده على حاجز سور الشرفة بعنف … زفرات حارة ملتهبة هي كل ما تصله إلى غسان … زفر سرمد حانقا مررا يده علي خصلات شعره .. ليهمس لنفسه بحدة

– ما السحر الذي تملكه ، لتجعل كل الرجال يلهثون خلفها ؟!

يشعر بالضيق … بل الغضب .. صديقه يغازلها ، الامر مريب .. مريب انه يشعر انه ليس في مزاج للمزاح ابدا .. وأن الفتاة التي يذكرونها ليست امرأة عابرة .. بل امرأة تخصه هو .. امرأة سرمد النجم ، القي لكمة حانقة تعبر عن سخطه ويأسه الشديدين ليستمع الي صوت غسان المتسائل

– هل قلت شئ ؟

تمتم نافيا وهو يدلف نحو الشقة بعد أن صور الإرجاء ليبعثها إلى صديق له

– لا

صمت كلاهما وران صمت شديد بينهما يحدث لأول مرة ، ليقطع الصمت سرمد سائلا بمرح

– ما اخبار سوزي ؟

زمجر غسان قائلا بحدة

– اسمه سيد يا وغد .. سوزي تلك المائعة البريطانية الصهباء .. كانت ***** لكنك غبي واضعتها من يدك

انفجر سرمد ضاحكا بعبثية وقال بنبرة ذات مغزى

– هل والدتك جانبك لتسمع كلامك المحترم

جاره غسان في مزاحه ليتصنع الحنق قائلا

– لا ولما تظنني اتحدث بلغتك يا وغد ..  سيد كان كلب سئ … سئ للغاية لكن لا انكر ان بعض الفتيات هنا في تلك المنطقة احببن ضخامته

انقبضت معالم وجه سرمد قائلا بجدية

– هل يتوددون له ويطعمونه ؟

انفجر غسان يصيح بثورة وحنق

– نعم ..يطعمونه ورد ومياه ذهب وانا الفقير اتناول الخبز اليابس

انفجر سرمد في الضحك ليقول بنبرة ممازحة

– يا **** انت مع والدتك الآن

تجهمت ملامحه حينما استمع الي نباح كلبه ليقول بعبوس

– لماذا يصرخ هكذا

قلب غسان عينيه بملل شديد وقال

– لا شئ من الممكن جار مار .. سأتصل بك حينما ارى سيد المزعج ماذا يريد

أنهى اتصاله ليخرج بملل شديد الى بوابة المنزل ، انتبه على وجود امرأة يافعة ذو خصلات كستنائية تصرخ بعنف شديد تحاول ان تبتعد عن الكلب  لكن الكلب وقف بقامته وضخامة جسده يرعب تلك المرأة … مال غسان برأسه وهو يعلم ان تلك الملامح رآها قبلا .. لكن أين ؟!!!

حينما رفعت رأسها تنظر اليه بنجدة .. علم صاحبة العينين الخضراوين .. هل يستطيع نسيانها .. ابنة خالته ، صاح بجمود شديد

-اخرسي

انفجرت بيسان تصرخ برعب حقيقي مما زاد من زمجرة الكلب ، يعلو من نباحه لتنكمش بيسان حول نفسها تصرخ بصوت مرتفع … شعرت بيد غليظة مسكتها من زندها ساحبا إياها نحو المنزل ، رفعت عينيها لتنظر اليه وحينما همت بالحديث انفجر في وجهها صارخا

-لك اخرسييي بقا …مو شايفة سيد بيعصب من الضوجة

اتسعت عينا بيسان بجنون ، لا تصدق ذلك الوقح انه يعنفها امامه هكذا ، همت بالصراخ في وجهه إلا أن نباح الكلب الذي اقترب منها جعلها تسارع بالاختباء خلف ظهره ملقية صرخة فزعة … صاحت بتوتر وهي تري الكلب ينظر اليه نظرات شرسة متوعدة لها بالقتل

– انت .. انت مش شايف حجمه ده ياكلني

قلب غسان عينيه بملل نحو سيد والي تلك الخائفة المذعورة المتحامية خلف ظهره ليقول بسخرية

– والله بتاكليه انت بدون ملح قال بياكلها قال

انفجرت بيسان صارخة في وجهه

– بعده .. بعده عني

شعر غسان بطنين في أذنه اليسرى التي تصرخ منها ، قال بجمود وملل شديد الي سيد

– سيد ارجع مكانك

زمجر سيد بحدة ورفض قاطع من عينيه وهو ينظر بوعيد إلى بيسان التي صاحت صارخة

– مش بيرجع .. شايف بيبصلي ازاي

دار غسان رأسه هامسا بوقاحة شديدة وتبرم

– لك معو حق، شكلك بجيب الجلطو

عقدت بيسان جبينها متسائلة بعدم فهم

– انت بتبرطم وبتقول ايه

القي لسيد نظرة زاجرة جعلت الكلب ينظر مترددا  ، إلا أن الوعيد في عيني غسان جعل الكلب ينظر إليه بحدة ثم استدار على عقبيه يتوجه إلى منزله الذي انشأه له غسان بعد يوم من مكوثه … التفتت غسان قائلا بحدة

-نعم ياعيني وانتي شو خصك ،مو ناقصني غير تتحكمي بكلامي

تنفست بيسان زافرة بحرارة حينما رأت الكلب يسير بتباطؤ مغيظ وكأنه مالك المكان ليعود إلى منزله … صاحت في وجه المدعو غسان قائلة بغيظ

– اوففف .. انا مش عارفة بضيع وقتي مع انسان زيك كدا ليه

اشاحت يدها بلا مبالاة في وجه غسان الذي استقبل الامر بصدمة ، الفتاة تلوح له بعدم مبالاة … اللعنة .. لو كان في إيطاليا لأرتمت النساء تحت قدميه ، ما ذلك الجبروت الذي يمتلكونه النساء العربيات ومتى تحولن من قطط وديعة إلى نمور مفترسة !!!

هسهس بغضب شديد وهو يمرر أنامله على خصلات شعره الناعمة

– لك يصحلك يابعدي انا ياعيني نص بنات ايطاليا كانو يلحقوني بس ماكنت شيلن من ارضن

ارتسمت ابتسامة بلهاء على شفتي بيسان ، لتغمغم بتهكم

– اه تقصد الأرامل والستات اللي شوية ويقابلوا ربنا

اتسعت عينا غسان بجحوظ مخيف ليصرخ في وجهها

– لاااااا هيك كتير ..مابسمحلك تهينيني ها

رفعت بيسان كلتا يديها تأمره بالتوقف عن الصراخ ، مررت اصبع السبابة علي جسر انفها ، يكفي انها منذ خطبة نزار وتلك الخاطفة وهي لم تأتي الي بيت خالتها … تحاول جديا ان تبعد نفسها عن مدار نزار كي لا تضعف … وعيد والدتها أخافها إن لم تترك نزار في حالة فستحبسها في البيت دون زواج ، مجرد خادمة تنظف المنزل وستمنع أي زيارات من جيران أو خالتها التي احبتها حبا جما منذ أن قدمت مع ابنها إلى مصر …

رفعت عينيها تنظر الى عيني غسان المتأججة بغضب ، تحاول أن تستشف ملامح وجهه القريبة من شقيقه ، لكن تعابير وجهه الساخطة والمتغيرة من ثانية لأخرى يجعله بعيد الشبة تماما عن نزار العملي الجاد

هذا يبدو انه يعيش مراهقة متأخرة ، بل بمعنى مصري أكثر نسوانجي !!

تمتمت بقرف شديد واشمئزاز

– انا مش عارفة انت نافش ريشك علي ايه ، وانت اصلا متساوش نكلة

ضيق حاجبيه وهو يحاول فهم الكلمة الاخيرة ، رغم أنه يشعر انها تهينه … بل بات متأكدا وهي تظهر تمللها من وقوفها معه لكن تساءل

– شو هي نكلة ؟!

اتسعت ابتسامة بيسان لتجيبه برحابة صدر

– يعني ملكش قيمة … هدي شوية من مستوى غرورك ده .. لان بجد جمالك الشامي ده شوية وهيعمي عنينا

انهت جملتها ساخرة وهي تنظر اليه باستفزاز جعل غسان يكاد ينهار سخطا وغضبا منها الا ان صوت والدته جعله يبتعد عن مجالهما متخذا الصمت ولو كانت النظرات تقتل لاردت بيسان صريعة !!

– وصلتي ياعمري

رفعت بيسان رأسها لترتسم ابتسامة شبه باهتة وقالت

– ايوا يا خالتو جيت

ألقت بيسان نفسها بين ذراعيها لتترقق الدموع من عيني عايشة ، والله يعز عليها الا تترك الفتاة تهرب من يديها ولا يتجوزها رجل يبعدها عنه … لكن نزار وقلبه مشغول ، رفعت رأسها نحو غسان الذي يقف بسخط وتعابير وجهه الساخطة جعلتها تهز رأسها يائسة … وهذا الكبير لا يبدو انه يفكر حتى في الارتباط ، لكنها لن تكرر غلطتها مرة اخري وتعد صغيرتها بشئ هي غير قادرة علي تحقيقه ..

لكن امنية .. امنية قلبها ، ان يزرع الله الحب في قلوبهم

مسحت الدمعة التي انسالت من عينها لتنظر الي ملامح بيسان الناعمة التي ورثت الشقرة من والدها الراحل وعينيها من والدتها ، لتقول بعبوس

– ولي دبة هيك بتتركيني بدون ماتسالي عني

اختنقت انفاس بيسان ورفعت عينيها الزائغتين تحاول أن تنظر في أي جهة بعيدة عن خالتها ، اصطدمت عينيها بالطفل الكبير الذي تجهمت ملامحه اكثر وهو يراها تلتصق بوالدته كما لو أنها ابنتها التي ولدتها ….

عادت تنظر بعينيها نحو خالتها وقالت بهمس خافت

– معلش يا خالتو للأسف كنت تعبانة

انقبض قلب عايشة اكثر ، لتنظر اليها غير قادرة علي مساعدتها … هي من فطرت قلبها … لا تعلم كيف حتى تداوي جروحها ، غمغمت بحزن شديد وهي تري ثياب بيسان العملية البعيدة عن ثيابها المكونة من بنطال وتيشرت

– يييي ياعمري سلامة ألبك حبيبتي ما ع ألبك شر ،لك بس شووو هالئمر

اتسعت ابتسامة بيسان ببهوت وهي ترى خالتها مقيدة ، لا تعلم ما الذي تفعله لكي تخفف من احزانها ، هي حتى الآن لا تعلم .. بداخلها غضب .. غضب كبير من والدتها وخالتها دون عن أي فرد آخر … لكنها لا تقدر على أذيتهم أو حتي الإتيان بحركة تمرد .. هزت رأسها تقول بنبرة هادئة

– روحت عملت شوية مقابلات عشان الشغل وربنا يسهل

اتسعت عينا عايشة ثم فهمت ان الصغيرة تبتعد .. بل وتنزوي بعيدا عنها ، همست بنبرة شاحبة

– الله ييسرلك امورك حبيبتي ،ووعد مني اذا انقبلتي بالشغل لح اعملك البقلاوة يلي بتحبيها من تحت دياتي ياعمري

اتسعت ابتسامة بيسان لتنتبه كلتاهما علي صوت غسان النزق
– استني استني امي ،البقلاوة مابتعمليها غير الي انا بس
ألقت عايشة نظرة ساخطة نحو ثم إلى الكلب الضخم الغير مقيد يسير بتبختر في الحديقة لتقول بحدة
– هس هس بلا كترة حكي رجع الكلب عمكانه وغسل ايدك بالتراب وبعدين بالمعقم يلا لشوف
ثم التفتت نحو بيسان تجذبها قائلة
– تعي حبيبتي فوتي عجوا
كانت تتمني ان يكون لها مكان في منزل خالتها ، لكن لمحت بطرف عينها قدوم نزار وهو يتحدث بصوت هامس الى خطيبته لتهز بيسان رأسها نافية وقالت
– لا يا خالتو .. معلش ، مضطرة ارجع البيت .. هجيلك يوم تاني
استدارت بيسان راحلة لتقف بصدمة تنظر الي نزار الذي كان متحاشيا النظر اليها ، بل كان ملهيا لأن من على الهاتف خطفت اهتمامه ، ابتلعت غصة في حلقها لترمش عينيها تمنع الدموع من الخروج ….
التقط غسان ردة فعل بيسان وهو ينظر بعبوس شديد إلى تلك الواقفة تنظر إلى شقيقها بيأس شديد ثم تبعها رحيلها المخزي ، ناكسة الرأس … تلاعب الافكار في عقله لكنه سرعان ينفض أي شكوك تسري في مخيلته ليقترب من والدته التي تنظر بملامح حزينة على رحيل بيسان ليقول باستفسار
– لك شبها هي بلاحظها بس يجي نزار مابتئعد
زفرت عايشة قائلة بنبرة حزينة
– ليك حبيبي مافينا نحط الزيت جنب النار منشان مايصير في حريقة ،ورغم انو لما مابشوفا بحس حالي عم اختنئ بس الحمد لله انو عم تبعد حالها لحالا ،انا ماصدئت اجتمعت باختي وبنتا
استدارت امه تشق طريقها داخل المنزل ، ليقف غسان شاعرا بوجود حلقة ناقصة … ما الذي فاته على مدار سنوات غيابه ؟!! … تذكر انها لم تأتي لحفلة عقد قران شقيقه .. وخالته جاءت صباح اليوم التالي بمفردها متعللة أن ابنتها مريضة أمس فلم تقدر على الحضور ، رغم أن الأمر كان غير منطقي إلا أنه تجاهل كل شئ .. لكن تلك النظرات يعلمها .. هل تحب شقيقه ؟!!!
عند تلك الخاطرة انقبض قلبه ، دلف نحو المنزل باحثا عن شقيقه ليقتحم غرفته وهو يجد شقيقه في مزاج رومانسي حالم
– كنااافتي الحلوة الطرية ،شو عم تعملي ياألبي
صاح غسان بغضب وتوتر
– انت ياعم روميو اتركلي جولييت شوي وتعا بدي منك شي ضروري
رفع نزار عينيه بحدة يأمره بالخروج إلا أن العناد الاقوي كان لغسان ، اضطر نزار مستأذنا غالقا المكالمة ليلتفت نزار برأسه قائلا بنفاذ صبر
– خيييير
بصراحة واضحة من أبرز الصفات في غسان قال
– كان في شي بينك وبين بيسان
ضيق نزار حاجبيه لا يعلم ما فائدة ذلك السؤال الان ، هز رأسه قائلا بلا مبالاة
– لك يازلمة ماكان في شي امك واختا كان مخططين لشي وانا مااخدت وعطيت ماتحط ببالك
ثم استقام ساحبا هاتفه يعاود الاتصال بزوجته ليقف غسان واقفا في منتصف الغرفة ، هل هم مدركين ما قامت به والدته وخالته ؟!! …. شحب وجهه وهو ينظر الي نزار المنفجر بالضحك ثم استعاد صورة بيسان المنكسة الرأس …. ليقول بصدمة
-لااا هيك مصيبة
ستحدث كارثة ، بل مصيبة ان لم يتدخل هو على وجه السرعة ، محاولا إقصاء بيسان من نزار متأكدا انها ستنساه للأبد .
*******
الحب يكون حق مكتسب
حينما يري الطرف الآخر يسامح دائما
ويغفر دائما
حتى حينما يكون مخطئا الآخر يسارع بالاعتذار
ويكون الطرف الآخر هو يردد كلمات الحب والغزل
يكون الطرف أكثر اهتماما واكثر تفهما واكثر تسامحا .
الحب يكون حق مكتسب
حينما يؤذي الحبيب قلبك
يصفعك بتجاهله
وانت تسامح وتغفر بكل حماقة
يبدأ التجاهل ويقل مقداره اهتمامك
تكون آخر شخص من اهتماماته ..
الحب يكون حق مكتسب
حينما تنزع رداء كرامتك وكبريائك والمتبقي من انسانيك
كما قال شكسبير الحب أعمى ونزار قباني قال في حب من طرف واحد
إن كنتَ لا تحبني فاتركني أحبك وأكون بقربِك
اجعلني على هامش حياتِك أكون خادماً
بين يديك رهنُ إشارةٍ من ناظريك
لا تحرمني أن أتنفسَ عطرك سأرضى أن أكون فى الصفوف الخلفية
ربما يأتي خريفٌ تتساقط فيه أوراقُ صحبِك عندما يوجعك الفراغُ
برداً سأكون مِعطفك وترهِبُك الوحدةُ خوفاً
سأحضنُ خوفَك وسيعلم الجمعُ الذي ضمّه عالمنا أني خيرُ من أخلص في حبِّك.
زفرت فرح بيأس .. وقلبها يوشك على الاحتضار .. تريد كلمة مطمئنة ، دافع ان الوقود لن ينفذ .. هو يستهلك مشاعرها ، وصبرها ، وقوة احتمالها
وهي ما عادت تملك نفسا للمتابعة .. عقلها يفكر في لحظة متمردة أن تتركه
لكن بعد أن تتركه تعود لعائلتها البائسة التي لم تهتم بها ، بل حين طلاقها منه مرة امها كانت تنغص حياتها وتحيلها جحيم … تريد ان تثبت قدمها في مجال تنجح به حتى وإن كانت لا تكترث به ، لكن المال هو السلطة الذي يجب أن تمتلكه …
ترجلت من سيارة الاجرة امام شركة الدعايا لتشق بطريقها داخل الشركة وقدميها تتوجه نحو مكتب ناجي ، تعلم انه عابس ، بل متضايق وغاضب انها غابت يوم الحفلة .. لكن يا ليت الأمر بيدها !!
ثم هي لا تحاول التفكير إذا علم نضال انها هنا ، حتما تريد نسيانه لفترة من الوقت حتى تستعد لحروبها معه الباردة …
وجدته واقفا يتحدث لسكرتيرته وحينما تقابلت اعينهم قرر تجاهلها وهو يتابع حديثه مع السكرتيرة المنصتة له باهتمام .. تقدمت ببعض التوتر امامه لترفع السكرتيرة عيناها إلى التي اقتحمت دائرة حديثهم .. ثم ببعض العبارات الخافتة اعتذرت مغادرة ليقف كلاهما أمام بعضهم
بداخل عينيه اشياء غريبة لأول مرة تقرأها
بعض الاهتمام الذي لاح على وجهه لتبتسم بتوتر شديد وهي تفرك يدها ليصدمها بحديثه البارد
– انتي عارفة خسرتي ايه بسبب انك مجتيش الحفلة
أجلت حلقها وحاولت ان تهدأ أعصابها لتقول بهمس خافت
– مستر ناجي انا اعتذرتلك اليوم ده ، للأسف حصل ظروف ومقدرتش
قاطعها بصوت جاد وعينيه تدقق النظر لوجود أي علامة كدمة مثل المرة السابقة
– خلي بالك لو اتكرر الغلط ده تاني صدقيني انتي بنفسك هتقعي فى المجال ده
اتسعت ابتسامتها العملية وقالت
– متقلقش مش هتتكرر
كيف تعده بشيء هي غير متأكدة منه ، رمقها ببعض الاستخفاف والسخرية ليقول
– عندك حسابات على التواصل الاجتماعي
هزت رأسها نافية لتقول بعدم اهتمام
– مش مهتمة حقيقي بالصفحات دي
مال ناجي رأسه ، محاولا تكهن التي أمامه ، كيف هي في أمس الحاجة للعمل رغم علمه أسم زوجها ، ثم لا تهتم بعملها .. كأنها تريد اثارة غضب وسخط زوجها بعملها
زمجر في وجهها قائلا بغضب من لامبالاتها
– اكبر غلط انك تخسري مفتاح مهم يقدر يرفع من مستواكي ، كتير من البنات اللي هنا قدرت تحقق طموحاتها من خلال حساب ده غير الشركات التي تطلب منك تعلني عن منتجاتهم وتاخدي عمولة منهم
قلبت عينيها ببعض الملل وقالت ببرود
– لو عملت صفحة مش ههتم بيها
زفر بسخط وهو يمرر إبهامه على ذقنه ليقول ببرود
– هنخلي جيجي تهتم بالموضوع ده ، وخصوصا انها اكتر واحدة بتقدر تجذب متابعين بنشاطتها المختلفة
صمت لثواني واتبعها بقنبلة جعلت عيناها تتسع بجحوظ
– المرة دي دورك في فيديو كليب
اتسعت عيناها بجحوظ واستحال وجهها للشحوب المخيف وهي تتخيل دورها ، راقصة عارية تغوي المغني أو أي كان .. مرت خاطرة ان علم نضال بدورها هذا لتهمس بصعوبة وهي تحاول ان تجلي حلقها
– فيديو كليب
هز رأسه قائلا بنبرة خاصة
– مخرج كان في الحفلة شاف ملامحك وعجبتيه
تلك الكلمة لا تعجبه وخصوصا من رجل ، ازدردت ريقها لتنظر اليه باضطراب وعجز شديدين قرأه ناجي لتهمس فرح ببعض بودار الغضب
– عجبته ؟!!
هزت رأسها نافية قائلة
– بس انا مظنش اني هقدر اعمل كده، ولا حتى نضال
انفجر في وجهها قائلا بحدة
– اعتقد انتي اللي وقعتي عقد الشركة بايدك مش كدا ولا ايه
هزت رأسها وهي تلعن ذلك العقد اللعين الذي وقعته لتقول
– يا مستر ناجي ، صعب جدا اظهر في فيديو كليب ارقص فيه
طمئنها ببعض البرود قائلا
– متقلقيش احنا برضو بنهتم بالتفاصيل ، والفيديو مش خادش للحياء ولا فيه عري
ترددت قائلة ببعض الخوف
– بس
لطالما علم سبب معاناتها ذلك المسمى بزوجها ، ذلك القلق والتوتر وشحوب الوجه.. جعل نفسه وحشا مخيفا في قلب زوجته ، ليقول بحدة
– انتي ملكيش سلطة توافقي أو ترفضي، بامضتك للعقد انتي بحد ذاتك وافقتي علي شروط الشركة ، واللي تشوفه الشركة الاصح والمناسب ليها بتوافق
نكست فرح راسها بعجز شديد ، تشعر أن اللعبة التي غامرت بنفسها داخله أكبر منها بل
دوامة تبتلع كل ما تقابله .. رفعت رأسها متفاجئة من ذلك الصوت الأجش الغاضب
– عقد الشركة ده اللي بتهددها بيه تبله وتشرب ميته
دارت راسها تنظر بحدقتين متسعتين لتهمس بخفوت
– نضال
زمجر نضال غاضبا والغيرة العمياء أعمته وهو يرى قلقها وخوفها عليه إن افقد اعصابه ، اخفضت عيناها ارضا لتشعر بانامله الغليظة التي امسكت بزندها لتتأوه بألم ، مما جعل نضال يزمجر بغضب ليقول بصوت مرتفع
– مراتي مش هتظهر في اي اعلان ولا فيديو كليب ترقص وتتمايص فيه
راقب ناجي الوضع بين فرح المنكمشة في وجود زوجها الذي يقودها علي سجيته ، شعر بالأسف على حالها الذي كتبته بيدها .. ألقي نظرة خاصة نحو سكرتيره أن يأتي بحراس المبنى .. فهو غير مستبشر خيرا بوجوده المفاجئ
– مرات حضرتك بنفسها وافقت علي شروط العقد ، انت ملكش اي احقية تتكلم هنا
نزع أنامله من فرح ليقول بنبرة معلنة الحرب
– سمعني كدا قولت ايه ؟! … مليش ايه يا حبيبي . أي أحقية .. انت بتجرني اني اخلي اسوي وشك بالاسفلت يا اسمك ايه
ألقي نظرة حادة نحو المتجمهرين حوله ليقول بنبرة متسلطة
– طلعوه برا
القي نضال نظرة نحو الحراس الهامين بإمساكه ليصيح هادرا في وجوههم بحدة ونبرة مزمجرة
– محدش فيكم يحط ايه عليا … والا قسما عظما لاقوم اهد الشركة باللي فيها واقفلها بالشمع الاحمر ووريني بقي يا حيلتها انت وصاحب الشركة هتعمل ايه لما ادي بلاغ صغير كدا يوديكم في داهية
شهقت فرح وهي تنظر بخشية الى الجميع وهمساتهم التي تسمعها ، بعضهم كان يرتفع بخياله لحد السماء لتهمس برعب
– نضال .. اهدي بس
تقدمت تحاول ان تقف حائلا بينهما وتهدأ الأمر قبل خروجه عن السيطرة
لكنها تعلم ان لا فائدة ترجي من وقوفها أمام الطوفان فهو سيبتلعها اولا !!
صاح ناجي بنبرة متحدية وهو عاقدا ذراعيه
– اسمع .. كل تهديداتك دي متهمنيش في حاجه ، احنا شركة محترمة وسمعتنا معروفة .. ومراتك جت بنفسها محدش ضربها علي ايديها .. شغل البلطجية والحركات البيئة دي مش عليا
ازاح فرح جانبا وهو يقترب من ناجي قائلا بنبرة ساخرة
– لا هو انا مقولتلكش .. بشتغل بلطجي آخر الليل
ثم اتبعها لكمة قوية في وجهه يخرج بها حنقه ، وغيرته ، غضبه المستفحل في ركن من جسده وهو يعلم أن ذلك القذر يهتم بزوجته ، عقله يصور الكثير من التصورات التي تودي عقله إلى التهلكة .. سابقا كان يراهن على قلبها الذي يستسلم له
لكن الان لا يستطيع المراهنة على أي شئ !!
– نضااال
صاحت بها فرح برعب وهي تقف حائط سد هش كي لا يفقد زمام سيطرته .. القت نظرة نحو ناجي الذي انحني خافضا بجذعه نتيجة اثر الضربة ، تفاجأت بصراخه الهادر
– مسمعش صوتك انتي خالص
ترقرقت الدموع في عينيها وأجهشت في البكاء لتصيح بحدة
– سيبه انت اتجننت
كل دفاعها عنه يزيده سخطا وغضبا ، هل شئ هناك لم يعلمه بينهما ؟!! يقسم انه سيقتلها لو علم ان هناك شئ خفي !!
زمجر بغضب وهو يهم بالقاء لكمه في وجهه الناعم هذا
– اخرسي
أشار ناجي بيده إلى السكرتيرة لتقطع الاتصال بالشرطة ، يمرر أنامله على موضع لكمة نضال ليقول بنبرة خاصة
– هحبسك يا نضال
يكره برود ذلك الذي أمامه ، حتى أنه لم يحاول أن يرد له اللكمة ، يهدده والآخر يجيبه بلا مبالاة .. زمجر بحدة
– وريني يا حيلتها
القي ناجي نظرة خاصة نحو فرح التي تنظر إلى كليهما بتيه شديد ليقول بجمود
– اديني قرارك حالا يا فرح
ثم استدار متوجها ناحية غرفة مكتبه وقفت فرح وحيدة تحاول ان تجتاز ذلك الاختبار
هو أم عملها
شعرت برجال الأمن يحدثونه بغلظة للمغادرة لتنظر اليه بألم ثم استدارت تتوجه نحو مكتب ناجي .. تعلم عاقبة ما فعلته وهي تري نظرته المميتة التي حدجها بها !!
فتحت الباب دون ان تدقه كعادتها ثم همت بالاعتذار قبل ان تلحق المجنون زوجها ويهدم المكتب فوق رؤوسهم .. لتتفاجئ بنبرته الغليظة
– كنت متوقع انك جاية هنا عشان مش تبقى مشهورة ، عشان تتمردي على جوزك مش كدا
ابتلعت ريقها تجيبه بنبرة مختنقة
– بحقق ذاتي يا ناجي
الدموع هطلت تدريجيا من عينيها ، تفاجأت باقترابه منها وهو يهسهس بغضب
– بتحققي ذاتك … ويا تري جوزك المحترم بيمد ايه لما بيتعصب
رفعت عينيها ولم تقدر علي اجابته ، فهو يعلم المرة السابقة التي جاءت بكدمة علي وجهها .. انفجرت تبكي دون سيطرة لتسمع شتيمته قبل أن يقول بنبرة حادة
– ليه بتعملي في نفسك كده
شعرت بيده التي وضعت علي مرفقيها ، نظرت الي يديه ثم إلي نظرة عينيه الغريبة بعض الشيء
كأن ناجي هذا لم تعرفه سابقا
وهو يلفها بكل ذلك الاهتمام والنبرة الحادة
همست بتيه شديد وهي غير مدركة مغبة ما تفعله والي اي مقصلة هي تجر إليها !!
– ايه
انتفضت بهلع حينما فتح الباب فجأة لتتسع عينيها وهي مدركة أنها ميتة لا محالة ولا سبيل لها من النجاة !!!

يتبع..

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية أترصد عشقك)

اترك رد