روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثالث و الأربعون 43 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثالث و الأربعون 43 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الثالث و الأربعون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الثالث و الأربعون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الثالثة و الأربعون

~… ابتسامة على شفتيه …~
القت حميدة عليه نظرات نارية ملتهبة .. بين الغضب والعتاب والصدمة .. كانت تحسبه غيرهم ولكنه بالنهاية رجل فلا تتعجب !
زمت شفتيها في عصبية شديدة وودت لو تطيح بكل ما أمامها بما فيه تلك الشقراء الوقحة التي لا تعرف أبجدية الحياء !
تلجلج يوسف وهو يتطلع لنظراتها الغاضبة وظهر عليه القلق بوضوح ، ثم قال بتوتر ليوضح لها :
_ دي ليزا … والدتها تبقى ….
لم يُكمل ولم يتابع .. بل يبدو أنها لم تستطع أن تسمع صوته حتى، فهدرت حميدة بصوتٍ حاد:
_ وأنا مالي تبقى زي ما تبقى … أنت ما تهمنيش!
كلماتها تنفي الاهتمام … وحدة صوتها تفضح غيرتها !
ابتلع يوسف ريقه وهو يطرف عينيه في شبه اعتذار … ولكنه أيضا بمنطقه لم يخطئ ! …. فتلك الشقرا تُعد شقيقته ! …
اكتفت حميدة بما قالت وشعرت بغزو الدموع بمقلتيها فسارعت راكضة للطابق الثاني … حيث توجد غرفة أمها ..
تنهد يوسف بضيق ولم يستطع أخذ حرية التفسير والاعتذار لها وأعين شقيقاتها مسلطة عليه بغيظ وعصبية …
أخذت جميلة شقيقتيها لغرفتها وتركته يقف مع شقرائه الحمقاء ….. همست ليزا بتقطيبة ونظرة تعجب منهن ونطقت بالعربية الضعيفة لأنها تعرف أنه يفضل التحدث بها:
_ جوزيف … مين بنات .. دول ؟
ولأول مرة يشعر بالنفور اتجاه ليزا ولا يحب أن يتحدث معها … فأجاب مختصرا وكأنه مجبر على ذلك:
_ بنات عمي يا ليز …
كانت ليز تفهم العربية سمعا بطلاقة … ولكنها عند التحدث تنطق كلمات متقطعة وبطيئة .. فهزت رأسها بلا اهتمام وسرعان ما تبدل مزاجها للمرح وجذبته بضحكة عالية للحديقة مثلما اعتادت منذ سنوات …

 

******
فتحت حميدة باب غرفة أمها دون أن تطرقه .. حيث كانت أمها وداد على وشك أن تغفو مجددًا بعد أخذ الدواء الذي يزيد من نعاسها نهارا …. نظرت الأم لأبنتها التي تغلق الباب وتقترب بملامح مقتطبة وعلى شفير البكاء …
قالت الأم بقلق :
_ حصل إيه يا حميدة ؟!
جلست حميدة على أطراف الفراش وهي تقضم أظافرها بعصبية وعينيها مسلطة للفراغ وكأنها تتعارك معه!
فاعتدلت الأم ببطء وبألم من وخزات تضرب عامودها الفقري ، وما لبثت أن ربتت على كتف أبنتها الغاضبة فقالت برفق:
_ مالك يا بنتي طمنيني عليكي ؟!
أبعدت حميدة يدها عن فمها وقالت بتكشيرة وغضب يلتمع بعينيها:
_ كنت فكراه غيرهم يمه … طلع أكتر منهم ! ، كنت فاكرة أنه طيب وحنين زي ما جدي أكدلي ! … بس طلع حاجة تانية وأنا اللي عبيطة!
نظرت الام لأبنتها للحظات بصمت مطبق يحمل هموم كثيرة … ثم قالت بجدية :
_ يبقى تنسيه … اوعي تطاوعي قلبك وتتحملي حاجة فوق طاقتك عشان بس بتحبيه ! … الحياة مش كده … ولا المحبة لوحدها بتعمر بيوت.
رفعت حميدة نظرتها التي انهزمت من الدموع الساقطة بحرية … وقالت :
_ هو بس اللي بيوجع أني كنت شيفاه حاجة … وطلع عكس ظني! … ونسيت أنه في الآخر راجل زي كل الرجالة! …
قالت الأم داعمة ومربته على يد أبنتها بحنان:
_ انتوا مش أتفقتوا أنتي وأخواتك انكم تكملوا تعليمكوا ؟! …. يبقى اتحلت …. كملوا تعليم وافرحوا واتهنوا في خير جدكم وتحت جناحه … وانسوا ولاد عمامكم خالص … انسوهم محبة مش صلة رحم.
مسحت حميدة عينيها وقالت بزرع بعض القوة داخلها :
_ عندك حق … ولاد عمامي هيفضلوا شايفنا أقل منهم … هنفضل في عنيهم بنات الريف .. البنات البسيطة في كل حاجة … وهما مش هيملى عينهم غير اللي زيهم .. كنت مفكرة حزن أختي سما الساكت ويأسها انها مكبرة الأمور … بس هي كانت أنصح مني وفاهمة عني … أحنا عمرنا ما هنملى عنيهم !
وابتلعت ريقها المر بغصة مؤلمة من تلك الفكرة …. وهنا لم تجد الأم أي كلمات تستطع مواساة ابنتها بها … فضمتها بحنان واكتفت بذلك …
والصمت أحيانا يكون الاختيار الافضل .. عندما لا نجد بالكلمات كفاية الإجابة!
******
جلس الثلاث فتيات بغرفة جميلة على الفراش ساهمين شاردين … كلًا في عالمها الخاص … كل واحدة تنسج خيوط الوصل بعقلها لمن يدق له القلب … ولكن الخيوط غابت وكأنها هاجرت حتى الخيال … وأصبح الأمل بعيدًا بعيدًا عن الخاطر ودقات القلب .
فقالت جميلة باعتراف:
_ فضفضوا … كل واحدة تقول اللي جواها … أنا عارفة أننا حبيناهم واتعلقنا بيهم … مش عيب طالما ما عملناش حاجة غلط ..
تتحدث وعينيها محراب للألم … فقالت سما بدموع :
_ اتجنبته خالص .. وهو عمل زيي ، عرفت أنه كان بيحب واحدة تانية … واظاهر أن حتى وجودي مش مداري طيفها !
تقيل عليا الحمل ده أوي… يعني ابعد ومحسسهوش أني مهتمة وكمان استحمل احساس أني قليلة في عنيه .. وخوفي الكبير لتصدم في يوم أنه هيخطب ويتجوز! … أنا كرهت ميلي ليه!
تنهدت سما بعمق وصمتت بعدها بحزن شديد …. فقالت رضوى ببكاء واضح:
_ طب أنا جوايا احساس غريب … احساس انتقام لكرامتي ! … كل عصبيته والكام مرة اللي حسيت فيهم انه بيغير عليا مش قادرين يمسحوا أنه هنّي وقلل مني قدام ولاد عمامي ! …. حتى لما بحس أنه بيحاول يقربلي … شيء جوايا مش قابل القرب ده … في حاجة اتكسرت جوايا من ناحيته فعلا … يمكن أنا فعلا بحبه … بس كمان بحب نفسي وما اقبلش أنها تتهان … وهو هنّي!
زفرت جميلة بنظرة حزينة ضيقة وغاضبة … ولكن غضب من نفسها اولًا قبل أي مخلوق … وقالت بصدق:
_ أنا بقا كنت غبية ..
الفت إليها الفتاتان بتعجب … فأكدت دون أن تنظر لهما … وقالت بحزن:
_ آه غبية … غبية لما سيبت قلبي يميل ليه واتغاضيت عن أخلاقه اللي كانت واضحة .. أخلاقه اللي مش شبهي ! …
معرفش أزاي ماشوفتش أنه خبيث وعينه زايغة! …. وأنه زي ما عينه كانت مني كانت بتروح لغيري برضو بنفس الجرأة ! …
صمتت للحظة وبعدها تابعت بعصبية:
_ غبية لما فرحت أنه دافع عني ووقف قدام نبيل … وهو مكنش يفرق عنه أي شيء ، يمكن أسوأ منه! … ساعات لما بفكر في اللي حصل بحس أن ده كان خير لينا …قلم خلانا نفوق من الوهم اللي غطى عيونا وخلانا نتعمي عن كل شيء وحش فيهم … ونعرف أن طريقنا غير طريقهم …. أنا عارفة أنه قرار صعب ، بس لازم ننساهم ..
قالت رضوى بسخرية يلتهب بها المرارة والحزن:
_ ننساهم وهما قدام عيونا في كل وقت !
تدخلت سما وقالت بصدق:
_ وعشان كده قررت نكمل تعليمنا … اهو الدراسة تلهينا عن التفكير فيهم .. وتشغل وقتنا .. ومع الدراسة بفكر كمان نشتغل ، بحيث مايكونش لينا فرصة نشوفهم كتير…. مع الوقت صدقوني هنقدر ..
كانت الكلمات حماسية وبها بريق أمل … ولكن هناك شيء بداخلهن يعلم انه سيحن لا محال.

 

*******
بغرفة الجد رشدي ….
شرح يوسف كل شيء للجد رشدي الذي قهقه من الضحك بصوتٍ مرتفع …. ثم قال بتسلية:
_ طب احمد ربنا أنها ماجبتش ليزا من شعرها … هي فين دلوقتي ؟
قال يوسف بعبوس وضيق:
_ شوفتها خارجة من أوضة أمها ورايحة أوضتها … ارجوك يا جدي كلمها وفهمها …. ليزا أختي في الرضاعة وبعاملها على أساس كده … ولو عايزاني اعتذرلها موافق بس ماتخدش مني الموقف ده .. أنا مصدقت انها بدأت تفهمني وتطمن ليا وتصدق فعلا أني مظلوم في اللي حصل .. والله العظيم يا جدي بحبها هي وبس.
ضحك الجد وهو يتطلع به ويراه وكأنه طفل يقسم على براءته من كسر اللعبة ! …. ثم تحكم بضحكاته عندما لمح ضيق يوسف فقال:
_ خلاص هروح اكلمها وأقولها ..
قال يوسف بتوسل:
_ ما تخطبهالي با جدي بالمرة الله يكرمك… !
لكمه جده بضحكه وقال :
_ ياض اتقل شوية بلاش اللهفة اللي تودي في داهية دي … قول بس يارب ترضى تصدقني … الخطوبة بقا هتيجي بس مش وقت الزعل كده ..
ثم مضى الجد وهو يضحك لخارج غرفته …
******
بغرفــة حميدة …
كانت عينيها متورمة من البكاء وهي ممددة على فراشها تدفن وجهها اسفل الوسادة في نوبة بكاء متوارية حتى عن الضوء…. وفجأة انتبهت لدق على باب غرفتها فنهضت سريعا تمسح عينيها قبل أن يُذل كبريائها اكثر من ذلك أمام الآخرين.
تسلل إليها صوت الجد وهو يستئذن للدخول… فقالت بصوتٍ يغمره بحة البكاء:
_ ثواني يا جدي.
نهضت من فراشها بحركة سريعة لتمضي إلى المرآة وتفحص وجهها الشاحب من الكآبة والدموع .. وبعد دقيقة توجهت للباب لتفتحه حتى وقف الجد أمامها للحظات يتأمل عينيها الملتمعتان بالدموع.. فقال:
_ ممكن نتكلم شوية يا حميدة؟
ابتلعت حميدة ريقها الجاف تقريبًا واشارت له ليدخل.. فدخل الجد رشدي للغرفة .. ولكن ظهر يوسف بعينان يملأها التوتر والترقب من بعيد في الردهة عند أول درجات السلم وكأنه ينتظر رؤيتها … أغلقت الباب بحدة بوجه ممتعض وعادت ملتفته للجد… حيث قال الجد العجوز:
_ على فكرة… أنتي فاهمة غلط… لو صبرتي شوية وفهمتي هتعرفي …
نظرت حميدة لجهة أخرى وادرك الجد أنها لم تقتنع بهذا الدفاع… فتابع موضحا:
_ ليزا أمها تبقى صديقة ام يوسف الله يرحمها … وهي قعدت في مصر هنا لفترة وكانت بتزور أم يوسف تقريبًا يوميًا قبل ما ترجع بلدها مع جوزها وبناتها الاتنين …. المفروض أن يوسف وليزا نفس السن وأخوات في الرضاعة أصلًا… بس ليزا مش مقتنعة بكده وبتعامل يوسف زي ما انتي شايفة كده وهو واخدها أخته مش أكتر …. يوسف طيب أوي يا حميدة وصعب يجرح حد بيعزه.
كادت حميدة أن تتحدث حتى سمعت قرع على الباب مجددًا…فذهبت لتفتحه وهي تمرر يدها على حجاب رأسها بتفحص سريع … حتى وجدت يوسف هو من كان يطرق، ولكن لم تمهله ليزا الوقت ليتحدث … بل أتت بخطوات سريعة وهي ترتدي تنورة قصيرة جدًا وكنزة حريرية دون اكمام تقريبا تكشف كامل عنقها.
وتعلقت بعنق يوسف مجددًا قائلة بلغة عربية ضعيفة ونطقت الحروف بشكل قريب للنطق الصحيح:
_ وهشتني أوي… ł Miss you …
صرخت حميدة بوجهها بعدما غلى الدم بعروقها وهي تردد كلمتها باستهزاء:
_ وهشتني!…وحش يلهفك يا قليلة الحيا.
خبط يوسف يده على وجهه بعصبية وتوتر ولم يكن هذا وقت ظهور تلك الدخيلة بهذا الوقت تحديدا…. ويبدو مع ظهورها أن الأمور ستتأزم أكثر وهو ما كان يريد إيضاح الحقيقة… فحميدة تبدو لن تتفهم أي شيء سوى خلق الشجار مع ليزا متجاهلة أن الشقراء في الحقيقة ليست تصلح له من أي اتجاه…
فغرت ليزا فاها بدهشة من دقات الشراسة على سيماء وجه حميدة وبدأت تسأل يوسف بلغتها الانجليزية وعينيها تتسلل إلى حميدة بعجرفة…. وهذا أيضا جعل الثورة تقام داخل حميدة لأنها لم تفهم ما قالته … فربما كانت تسبها وهي لا تدري؟!
هتفت حميدة بيوسف بغضب:
_ بتقول إيه البت دي ؟!
كاد يوسف أن يتحدث ولكن باغتته ليزا قائلة ببرود وكأنها تغيظ حميدة :
_ بقول … أنتي مين ؟ … أنا أعرف عربو كويس قوي…
كانت ليز تسند راحة مرفقها على كتف يوسف بمعصمها الناعم الناصع البياض …. فأشارت حميدة بسبابتها ليوسف بتهديد :
_ مشيها من قدامي وإلا اقسم بالله هجيبها من شعرها …
ارتفع صوت الجد متدخلا قبل أن يحتدم الشجار بينهن وقال :
_ تعالي يا حميدة هنا ! …. وخد ليز يا يوسف وديها لأوضتها ..
استدارت له حميدة وهي تبرق له عينيها بصدمة … فصحح الجد بتوتر :
_ اقصد وديها الجنينة …
ضمت حميدة شفتيها بغيظ وغضب منه … فصحح مرة أخرى وهو يتنحنح لينقي صوته :
_ ابعت الدادة تاخدها يابني ربنا يعديها على خير.
قالت ليز بعبوس وصوت به غنج مقصود ومستفز :
_ نو …. هقف هنا مع جوزيف بابي …
كشرت حميدة وبدا عليها الخطر فجذب يوسف ليز بعيدًا عنها كي لا تنقض عليها ضربا …. والتجأت ليز خلف ظهره متظاهرة بالرجفة والخوف …بينما استغلت الموقف وتسحبت يديها وحاوطت خصر يوسف .
نظرت حميدة له بصدمة ! … وهنا غفلت تماما عن حديث الجد ! … فالشقراء تتصرف وكأنه زوجها! .. وعلى ما يبدو هو لا يمانع!
أما الحقيقة أن يوسف من توتره لم يشعر بأصابع ليزا التي تحاوط خصره بينما ما خطفه نظرات حميدة المتدفقة الأنفعالات بمائة معنى !
ورمقته بنظرة اشعرته بالتهديد الفعلي … بالتخلي أو الأنسحاب … أو بريق من الهجر ! .. فقال لها وعينيه بها رجاء أن تنتظر قليلا لتفهم :
_ حميدة ..
تراجعت حميدة خطوة ثم سحبت الباب وأغلقته بوجهه …. اغمض يوسف عينيه للحظة كاتما شعور انهزام شديد … حتى شعر بأنامل الشقراء ورأسها المرتمي على ظهره … فاستدار لها بعصبية وهتف:
_ أنا فهمتك مليون مرة بلاش تصرفاتك دي يا ليز ! … أنتي ليه مش عايزة تصدقي اننا اخوات في الرضاعة ! …
أما ليز مع حياتها في البلاد الاوروبية وثقفاته ونشأتها المختلفة لم ترحب بالتفسير الذي يحاول أن يقدم لها لتتزن في تعاملها وخاصة معه.
تحدثت باعتذار سريع وهي تهز كتفيها بابتسامة ناعمة وماكرة …. فتركها يوسف غاضبا وخرج من المنزل بأكمله.

 

*******
نظر الجد لحميدة التي اسهبت عينيها فيض من الدموع وقال :
_ يابنتي مش أنا قولتلك اخته في الرضاعة ! … يعني اصلا مش منها اي خوف!
قالت حميدة وهي تبكي :
_ وهي دي تصرفات واحدة بتعتبر واحد أخوها ؟! … ولا دي هتقتنع بده اصلا ؟! … ده خاف عليها مني وحماها مني ولا حتى كلمها كلمة ! …. كويس أني عرفته على حقيقته … هما الأربعة زي بعض .. محدش فيهم يستاهل وبجد بدأت أندم أني وافقت أجي هنا …
قال الجد بعتاب وبعض الحزن :
_ كلامك ده بيوجعني … أنا مجبتكوش هنا عشان كل شوية أشوف الدموع في عيون واحدة فيكم ؟! …
ابتلعت حميدة ريقها وقالت بقرار حاسم :
_ لو عايز تريحنا بجد يا جدي … تاخدلنا شقة بعيد عن هنا … أنا مش عايزة أقعد هنا وأشوفه معاها كل شوية … وأخواتي أنا متأكدة أنهم هيوافقوا على كلامي ده.
صدم الجد للحظات .. ولم يجد إجابة مناسبة ومرضية لكلاهما … فقال بحيرة:
_ طب سبيني أفكر شوية … صعب برضو أسيب هنا … واكيد مش هسيبكوا لوحدكم … ووجيه مستحيل يوافق أني أمشي من هنا … القرار صعب ومحتاج تفكير .
قالت حميدة بإمأة من رأسها :
_ فكر براحتك … بس كمان فكر في راحتنا ومصلحتنا … وفكر أن مافيش حد فيهم يستاهل أنك تحاول تساعده وتسهله الأمور معانا …. وأفتكر برضو أنهم لو مش عايزين واحنا مش ماليين عنيهم فرغبتك أنك تجمع الشمل هتتعسنا مش هتفرحنا … يا جدي الراجل لو ما نحتش في الصخر عشان يكسب واحدة عمره ما بيقدر قيمتها !
تعجب الجد وقال بصدق :
_ يابنتي يوسف مظلوم على اللي بتقوليه ده ! … ده هو اللي اتحايل عليا عشان اجي أفهمك واصالحك ! … وقالهالي بصراحة أنه بيحبك !
هزت حميدة رأسها بألم وقالت :
_ الحب من غير ما يحترمني ما يلزمنيش … يمكن أنت تشوف أن ده موقف عادي وأنه مايستاهلش زعلي ده كله … بس لو مكنش بان أني زعلت مكنش حس أنه غلطان ! … الموقف ده خوفني منه .. وقلل ثقتي فيه … لو أحترمني هيخاف على زعلي وهياخد باله من أقل شيء ممكن يضايقني … ده حضنها قدامي ولا عمل لأحساسي قيمة ولا فكر لحظة أني معرفش صلته بيها!
وصمتت لتبتلع ريقها بتنهيدة ثم نظرت للجد قائلة :
_ حقيقي الحب مش كل حاجة … أنا مش قليلة، ولا أنا اللي استحق أقف مهزومة كده قدام واحدة انا كبنت اتكسف أبص للي لبساه! … ومش هعديله الموقف ده كده بسهولة.
لم يجد الجد متسع من الكلمات التي تهمس لكبرياءها الجريح كي يهدأ …. فقال وقد قرر المغادرة :
_ هسيبك ترتاحي وتهدي … وهنتكلم تاني .
استند على عصاه وتقدم خطوات للباب ثم خرج من الغرفة ….
مسحت حميدة عينيها وقد اندلعت النيران المتحدية بقلبها …
ونحن نعترف ببساطة بعض الموقف التي تمر أمامنا … نعترف أيضا أنها تستطع أن تهزمنا رغم بساطتها !
ومرت أكثر من ساعة …
وبينما كانت رضوى ترتب دولابها شعورا بالفراغ الذي حاوطها فجأة …. سمعت دق على باب الغرفة وصوت مدبرة المنزل يستأذن بالدخول … فسمحت لها .
وقفت المرأة العجوز عند مقدمة الباب وقالت :
_ جدك عايزك يا آنسة رضوى في مكتب دكتور وجيه … البسي حجابك وتعالي عشان تسلمي على عمك عاصم … عايز يشوفك.
ضيقت رضوى عينيها بتعجب … ولكنها قالت للمدبرة:
_ طب ماشي جاية وراكي .
خرجت المدبرة من الغرفة وابتعدت … بينما ارتدت رضوى حجاب رأسها بهندام على عباءة استقبال أنيقة ارتدتها سريعا ، ثم توجهت لمكتب عمها وجيه مباشرةً…..
وبداخل المكتب …
وقفت أمام العم عاصم وهو ذلك الرجل الذي دق الشيب رأسه ..ووقف عندما دخلت ليصافحها بألفة تثير الشك …. فقال لها بابتسامتة ودودة :
_ كان نفسي اتكلم معاكي أنتي وأخواتك يوم الحفلة بس مكنش في وقت للأسف … فجيت النهاردة واستغليت أجازتي.
قالت رضوى مبتسمة بمجاملة :
_ أهلا وسهلا يا عمي عاصم … تحب تشرب إيه ولا نحضر الغدا ؟

 

قال الجد مبتسما لها .. وأيضا كي يساعدها لتذهب:
_ قوليلهم يحضروا الغدا يا حبيبتي … ويبعتولنا عصير على ما تخلصوا .
انصرفت رضوى وعلى وجهها الابتسامة من نظرات العم المرحة لها …. حتى تفاجئت برعد وهو يأتي بخطوات واسعة وعينيه لا تنذر بالخير…
تابعت سيرها للمطبخ فوقف أمامها ومنعها عن المواصلة … ثم نظر لمكتب عمه وجيه وعاد بنظرته لها بتهديد وعنف :
_ هو عمي عاصم هنا في المكتب؟
تعجبت رضوى من معرفته وأجابت باختصار كي يتركها وشأنها.. فقالت:
_ أيوة … في حاجة ؟!
هدر صوته بصوت أكثر خطرا ونظرة ضيقة متشككا بما يجول بخاطره:
_ وأنتي طالعة من المكتب بتعملي ايه ؟!
اغتاظت من تعنيفه الغريب واجابت بعصبية:
_ وأنت مالك ؟! … أنت هتعد عليا خطواتي كمان ؟!
أغمض رعد عينيه محاولا السيطرة على نيران غضبه ثم قال :
_ روحي أوضتك وما اشوفكيش برا لحد ما يمشي الراجل ده !
اتسعت عينيها بذهول مما يقوله ولدرجة عجرفته التي وصلت لأشدها .. ضيقت عينيها مشيرة له بسبابتها بتحذير اقرب للتهديد:
_ لو وقفت قدامي تاني وكلمتني بالشكل ده هشتكيك لجدي وعمي وجيه وهتحصل مشكلة كبيرة … الزم حدودك يا رعد !
نظر لها للحظات وللعجب ظهرت على وجهه ابتسامة شقت ذلك العنف والشراسة بكل لمحة وتقسيمة … وهمس بدفء مفاجئ:
_ من زمان ما سمعتش اسمي بصوتك ! .. بسمعه منك وكأني أول مرة اسمعه!
ابتلعت ريقها بارتباك وهي تطرف عينيها بتوتر … ثم تذكرت أنها ما زالت توجه أصبع التهديد له … فسحبت يدها سريعا وعينيها تتهرب من نظرته التي وكأنها تفتح سجل أيام مضت … فقالت :
_ نفسي أعرف اعملك إيه عشان تسيبني في حالي ؟!
قال رعد شيء كالقنبلة الموقوته :
_ نتجوز …

يتبع….

اترك رد

error: Content is protected !!