روايات

رواية ديسليكسيا الفصل الأول 1 بقلم أسماء عبدالهادي

رواية ديسليكسيا الفصل الأول 1 بقلم أسماء عبدالهادي

رواية ديسليكسيا البارت الأول

رواية ديسليكسيا الجزء الأول

ديسليكسيا
ديسليكسيا

رواية ديسليكسيا الحلقة الأولى

تجلس القرفصاء بأريحية على المقعد المبطن بقماش مزخرف ومسنده من الخشب الزان الأصلي، في الفناء الذي يطل على الشارع أمام منزلها الصغير المتواضع، ويظلله شجيرات الليمون الصغيرة وفي يدها عصاة طويلة من الخرزان .. تلك التي يهابها الجميع ليس لبطشها ولا لقوتها فهي ضعيفة للغاية وإنما لأنها على حق وما تريد سوى تعليم أبناء قريتها الصغيرة ،
رفعت عصاتها تضرب بها تلك السيدة التي تجلس جوارها والتي صرخت من ألم ضربة تلك العصاة التي تلقتها على ظهرها
_اااه..هو أني عملت ايه بس يا أبلة

لفحتها مرة أخرى على ظهرها وهي تكشر عن انيابها بغيظ من فعلتها
_جومي من جدامي بدل ما أكسر العصاية داي علي جتتك ..كل ديه وبتسألي عملتي إيه؟..جومي فزي جومي.

ركضت السيدة عدوا من شدة تلك العصاة التي معها
فلا أحد يستطيع أن يعارض كلامها ولا الجلوس في حضرة عصاتها التي تترجم كلماتها بضربات على أنحاء جسدهن.

زفرت بضيق وهي مغتاظة من تلك المرأة التي لا تنفذ ما تقوله ولا تتبع تعليماتها ولا نصائحها

لتهتف تلك التي تجلس على المقعد في مقابلتها وتتحدث بتلعثم خائف
_وأني يا أبلة أعمل إيه في مشكلتي داي …المشكلة عويصة جوي ومنيش عارفالها حل .

قامت من مقعدها لنلاحظ أنها ذات قامة قصيرة وجسد نحيل يظهر على وجهها مسحة حزن اطفأت بريق عينيها رغم كونها في سن النضج والشباب …ذلك السن الذي يضج بالحيوية والأمل
رغم عنفوانها ونشاطها لكن من ينظر لها عن كثب يعرف كم أن بداخلها حزن لا تكفي سنوات لبُرءه
لتجلس جوار تلك الفتاة اليافعة التي في عمر الزهور فانتفضت الفتاة في مكانها خوفا من تلك العصاة التي في يدها
فابتسمت لها وتركت عصاتها بعيدا وقالت بجدية يتخللها الثقة بالنفس
_مفيش مشكلة عويصة على الأبلة شوق يا بت ..انتي مش عارفاني ولا إيه

_لاه لاه عارفاكي يا أبلة ..علشان إكده جيتلك تساعديني
مدت شوق يدها ووضعتها على أرجل الفتاة
_قوليلي يابت يا آيات إنتي جد يا بت عايزة تكملي علام وهتذاكري وهتلتزمي ولا هو لعب عيال وخلاص

حركت أيات رأسها مسرعة
_لاه لاه والله يا ابلة مهواش لعب عيال… أني عايزة اتعلم واتنور وأكون أبلة زيك إكده .. أنا معيزاش أكون جاهلة واتجوز وأجعد في البيت …عايزة ألف العالم كله واتعلم من هنا وهناك

 

 

 

 

ربتت شوق على أرجلها وابتسمت لها بإعجاب فهي تذكرها بنفسها مذ أن كانت صغيرة
_برواة عليكي يا بت تعچبيني … أني بحب الناس اللي طموحهم عالي في السما إكده

أخفضت أيات رأسها تنظر للأرض بأسف
_بس أهلي يا أبلة شوق .. أهلي ممانعين وأبوي حالف عليا وعلى أمي يمين طلاج … علشان يخليني اتچوز ولد عمي وأنا مريداهوش … أني رايدة العلام ومبفكرش في چواز دلوك من أصله

جاءت نسرين وتحمل في يدها صينية دائرية الشكل وعليها كوبا من الشاي السادة الثقيل
_الشاي يا أبلة شوق.

مدت شوق يدها وحملت منها كوب الشاي
_من يد ما نعدمها … تسلم إيدك يا نسرين ..هبجى أعطيكي درس بحج الشاي يابت .

وضعت نسرين يدها والتي تمسك بطرف شالها على فمها بحرج
_يووه … بعد ما شاب ودوه الكتاب يا أبلة شوق.. أني هجيبلك عيال عيالي تعلميهم وتنوريهم … حاكم أني أسمعك علطول تجولي إن العلم زينة

لتهتف شوق وتقول الابيات والتي تحبها كثيرا ودائما ما ترددها على مسامع من تجلس معهم حتى باتوا يحفظونها عن ظهر قلب دون حتى أن يدروا معانيها فأصبح يتغنى بها الصغير والكبير بالبلدة

_إن المعارف للمعالي سُلَّمٌ ***** وأولو المعارف يجهدون لينعموا

والعلم زينة أهله بين الورى ***** سيان فيه أخو الغنى والمعدم

فالشمس تطلع في نهار مشرق ***** والبدر لا يخفيه ليل مظلم

وأخو العلا يسعي فيدرك ما ابتغى ***** وسواه في أيامه يتظلم

والخاملون إذا غدوت تلومهم ***** حسبوك في أسماعهم تترنم

في الناس أحياء كأموات الوغي ***** وخز الأسنة فيهم لا يؤلم

فاصدم جهالتهم بعلمك إنما صدم ***** الجهالة بالمعارف أحزم

واخدم بلادا أنت من أبنائها ***** إن البلاد بأهلها تتقدم

كانت تقول الابيات وترددها معها آيات والتي كانت تعتبر شوق قدوة ومثل أعلى لها فابتسمت لها شوق بمحبة وتعهدت أن تقف جوارها… وألا تتركها الا وقد حققت حلمها التي تهفوا اليه .

ضيقت نسرين أعينها بعدما تأكدت أن من تجلس جوار شوق هي آيات لتهتف بقلق…فهي تعرف أن والدها لم يعد يسمح لها بالخروج من المنزل لأنه يرفض أن تكمل تعليمها ويبغى تزويجها من ابن أخيه ….لكنها تتسلل خفية من أجل أن تقضي بعض الوقت بصحبة معلمتها شوق لتستفيد من علمها ونصائحهها
_يا نهار مش فايت يابت يا آيات أبوكي زمانه هيعاود من شغله يا بت و لو عرف إنك سايبة الدار وخرجتي من غير إذنه هيطين عيشتك ومش بعيد يربطك في الدار كيف البهيمة .

وقفت آيات كالصريعة يرتجف بدنها برعب من أبيها

لتهتف شوق بغضب

_كلام ايه اللي بتجوليه ديه يا نسرين …ياشيخة حرام عليكي فزعتي البت.

مدت يدها وأمسكت بيد آيات التي كانت ترتجف
_اقعدي يا بت ويبقى ياجي أبوكي بس يتحدت وأني اللي هجف قصاده ويبجي يوريني هيقدر يعمل إيه.

اهتزت يد آيات بين يدي شوق وهتفت برعب من تصور ما قد يحدث لها من بطش والدها
_أني ..أني خايفة يا أبلة

شددت شوق على يدها وطالعتها بحزم
_أني جلت لك متخافيش ..أني في ضهرك وان مكانش حد اهني قادر يوقف أبوكي عند حده يبجى أني اللي هقفله

تركت يدها ودفشتها برفق حازم
_يلا روحي انتي على الدار وأني هخلص الحصة اللي وراي وجايالكم ..اوعي تعتلي هم .

ابتسمت لها أيات ورمقتها بارتياح قبل أن تعود فارة الى بيتها تطوي الطريق بسرعة لتصل للبيت قبل أن يعلم والدها بذلك

عادت شوق إلى مكانها وهتفت باهتمام وهي تنظر لساعة يدها
_ده وجت حبايبي الصغيرين مش إكده يا بت يا نسرين؟؟

_ايوة يا أبلة …زمان العيال على وصول

_طب روحي شيعيلي العيال اللي جلتلك عليهم
_متجلجيش يا أبلة أنا لسه من شوية جلت لأهلهم وكل عيل أمه هتجيبه وتاجي دلوك.

رمقتها شوق بابتسامة رضا .. وحركت رأسها بحركة جانبية
_عفارم عليك يا بت يا نسرين ..عفارم
أسماء عبد الهادي
بعد عدة دقائق استمتعت فيهم شوق بشرب كوب الشاي الذي أعدته نسرين تماما كما تحب شوق أن تشربه
بدأت الأطفال بالقدوم والجلوس في أماكنهم كما اعتادوا
رحبت بهم شوق بفرحة ونهضت من مكانها وانحنت برأسها تجاه الأطفال تقبل كل واحد منه من رأسه حبا لهم وفرحة وتعلق بهم

لاحظت قدوم إحدى الأمهات ومعها طفلا واحدا من أطفالها فأخذت تنظر خلفها باحثة عن طفلة بعينها لكنها لم تجدها معها
فهتفت باهتمام
_فين البت يا أم السعد .

 

 

 

 

مدت أم السعد يدها على ظهر ابنها لتدفشه ليجلس جوار زملاءه واقتربت من شوق لترد على سؤالها
_هجيب البت تعملايه يا أبلة شوق…دي بت عبيطة ولا تعرف الألف من كوز الدرا وغلبت معاها ومفيش فايدة دماغها زي البلغة ماعتفهمش

أغتاظت شوق من حديثها ذاك عن ابنتها فرفعت عصاتها وضربت بها أم السعد وهي تهتف بغضب
_والله ما حد بُلغة غيرك يا ولية يا خرفانة إنتي ..والله ما أني راچعة عنك النهاردة

تأوهت أم السعد من قوة الضربات ووقفت بعيدا لتتفادى ضرباتها

شاهدت هذا الحال سيدة ما قادمة بابنها مع نسرين بأمر من شوق …لكن تلك السيدة لم تكن تعرف شوق فهي كانت من بلدة أخرى مجاورة
لذا هتفت بتساؤل وضيق مع مط شفتيها باستنكار
_هيه داي أبلة شوق!!!… ودي مالها جاعدة ناطحة في الكل أكده…لا والولية ساكتة ولا بتهش ولا بتنش.

ضحكت نسرين وهتفت بإعجاب بشوق
_داي أبلة شوق محدش يجدر يكلمها ..لأن أهل البلد كالياتها عيحبوها …وهيه بتعمل إكده لمصلوحة العيال ..وهتضرب الأهل اللي مهيعملوش اللي بتجولهم عليه في تعليم وتربية أولادهم … الأبلة شوق مكرسة حياتها علشان تعلم عيال الجزيرة وتنورهم وكمان بتعمل البتاع الأبصر إيده ديه …كان إسمه إيه يا بت يا نسرين

ضربت على مقدمة رأسها
_ايوة ايوة ..افتكارت ..تدورات تثقيفية مچانية لأولياء الأمور ..بتوعيهم وتعلمهم الطرق الچديدة والإيچابية في تربية أولادهم.
رفعت السيدة أحد حاجبيها بإعجاب ثم تساءلت
_طيب فين أهلها أنا شايفة إنها لحالها..هي ملهاش حد ولا مقطوعة من شجرة!!!

ردت نسرين بنبرة مشفقة
_ هي ياحبة عيني جاعدة لوحدها بعد ما أمها فاتتها وماتت وأبوها اندلى على مصر ومحدش يعرفلوا طريق چرة ولا اتچوزت ولا ليها جريب ولا نسيب..ورغم الحوچة اللي فيها …بتعطي الدروس كلياتها لأهل البلد بالمچان مبتاخدش مليم أحمر واحد وزي ما انتي شايفة عايشة في العشة داي لحالها ..وممكن تقع عليها في أي لحظة …في ناس بتچول ان أبوها ساعات بيبعتلها فلوس بس هيه بترفض ومبترضاش تأخدها .

_واه ..أومال بتعيش امنين وكيف ابتاكل وبتشرب

_أهل البلد بجولك عيحبوها وكل يوم واحدة من الستات تجيبلها غداها ..كانت الأول بترفض وبتتعفف لكن الحوچة وحشة أضطرت يانضري تقبل هبات الناس هتعمل ايه.

_طيب ليه مبتتجوزش لحد دلوك … شكلها مش اصغيرة

حركت نسرين يدها دليل على استياءها من شوق
_يوووه ..غُلبنا فيها كاتير واتقدملها عرسان ياما… بس هيه رافضة وبتجول انها مسخرة حياتها للعلم وبس…دي مش بس بتعلم عيال البلد إهنه لا دي كمان بتتعلم وبتأخد كروسات ازيادة علشان تزيد في العلم أكتر وأكتر.

طالعتها السيدة برضا تام لأنها سترسل ابنها عند تلك المعلمة المثابرة والتي تحاول أن تكرس حياتها ووقتها لخدمة وتعليم اولئك الصغار .

عودة لشوق وأم السعد
حاولت أم السعد أن تختبأ من بطش تلك العصا في احد الأعمدة التي تسند المظلة التي تظلل الفناء التي تجلس به شوق

_واه يا أبلة ..في إيه ..أني بشرحلك حالة البت وإنها مفيش منها رجا خالص ..البت عقلها خفيف ومينفعلهاش علام .

لتهب شوق من مكانها وتنقض على أم السعد بغضب
_وانتي مين يا ولية يا مخبولة إنتي اللي تحكمي على بنتك إكده.

_أسمعيني بس يا أبلة … الناس كلياتها بتجول عليها إكده ..يعني الكل عارف مش أني بس

لتهتف شوق بحسرة من أجل الصغيرة
_وتلاجيكم بتجولهالها في وشها يا حبة عيني وكأنها حيطة مبتحسش وكأنها معندهاش مشاعر… متعرفوش انكم بتجتلوها بكلامكم اللي عامل زي السم ده في اليوم مليون مرة…متعرفوش انكم ممكن تسببوا للبت حالة نفسية بعمايلكم دي..هتخلوا البت تتعجد لبقية عمرها …منكم لله .

تراجعت أم السعد قليلا وهتفت بارتباك
_طب أعمل إيه بس يا أبلة ..ربنا خلجها إكده ..أدي الله وأدي حكمته .

أخفضت شوق يدها وعادت إلى مكانها وهتفت بنبرة حزينة
_متعمليش حاچة أني اللي هعمل … هاتيها وتعالي بسرعة …أنا جاعدة مستنياها .

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *