روايات

رواية في حي الزمالك الفصل الثاني عشر 12 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك الفصل الثاني عشر 12 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك البارت الثاني عشر

رواية في حي الزمالك الجزء الثاني عشر

رواية في حي الزمالك الحلقة الثانية عشر

عِنَاقٌ 🤎🦋✨

جلست أفنان تستمع إلى المحاضرة بسعادة شديدة وكانت الإبتسامة لا تفارق وجهها حتى لاحظ نوح ذلك، وأمتعض وجهه لأنها تبتسم.

“دكتورة هو في سبب للإبتسام؟ياريت تشاركينا يعني.”

“حضرتك بتكلمني أنا؟” أجابات أفنان على السؤال بآخر وهي تدعي أنها لا تعرف أنها المقصودة.

“أظن أني ببصلك يبقى الكلام موجه ليكي.”

“بس أنا متكلمتش يا دكتور ولا عملت حاجة.. أنا بس ابتسمت.”

“مفيش داعي للإبتسام برضوا!”

“صدقة.. الإبتسام في وش الناس صدقة.” هنا صمت نوح فلقد صدقت في ما قالته وقد كان واضحاً أمام الجميع أنه يفتعل شجار من اللاسبب.

بعد نهاية الشرح كالعادة بدء الجميع في التوجه إلى المعامل ككل مرة ما عدا أفنان حيث أوقفها نوح وهز يقول:

“بقولك أيه يا أفنان.. أنا هخليهم يغيرولك المجموعة بتاعتك عشان تبقي بعيد عن رحيم ده.”

“نعم؟ على أساس أيه يعني؟” سألت أفنان بإستياء وهي ترفع أحدى حاجبيها.

“يعني أيه على أساس أيه؟”

“أنت مين معلش عشان تقرر بدالي؟ مين قالك أني عايزة اغير المجموعة بتاعتي؟!!” سألت أفنان بإنفعال ثم أخذت نفساً عميق محاولة إستعادة هدوءها.

“يعني أنتي عجبك القاعدة مع الحيوان ده؟!”

“متغلطش يا نوح!!”

“أيه يا دكتورة مش هنيجي نشوف الشرح اللي ورانا؟” جاء صوت رحيم أشبه بعاصفة في ليلة هادئة.. ساد الصمت لثوانٍ، ينظر نوح نحوه بحدة في الوقت ذاته أخذ يتسأل هل سمعه رحيم وهو يسبه؟

“أنا أسفة يا دكتور رحيم.. أصل دكتور نوح كان بيشرحلي حاجة مفهمتهاش.” اردفت بنبرة جادة وهي تنظر نحو نوح بحدة، يمتعض وجهه وينظر نحو رحيم بإزدراء لكن رحيم ينظر نحوه ببرود تام.

“طب يلا..” اتجه كلاهما نحو الخارج ثم توجهوا إلى المعمل، نظرت أفنان نحو رحيم لتجد ابتسامة جانبية قد ظهرت على وجهه.

“رحيم.. مدام إيڤلين عالتليفون.” صدر صوت أنس من اللامكان وهو يهرول نحو رحيم ويتحدث بنبرة أقرب إلى الهمس وقد غلفها التوتر حتى أن أفنان لم تستطع سماع اسم المتصلة.

“نعم!!! Shit.” لعن رحيم وهو يضغط على أسنانه لتنظر نحوه أفنان بقلق ثم تسأل:

“أيه يا رحيم في أيه؟”

“ضهرك كده يا عروسة.. يبقى يفهمك بعدين!” قال أنس لتنظر نحوه أفنان بإشمئزاز وهي تعلق ساخرة:

“عروسة؟ واقفين في موقف ميكروباصات أحنا يا أخ!!”

“أنس.. خلي حد تاني يشرحلهم العملي.” تحدث رحيم بجديه ثم غادر الممر على الفور تاركاً أفنان بدون تفسير..

“نجيب مين مكان رحيم.. نجيب مين مكان رحيم.. خلاص عرفت.” وقف أنس يفكر بصوتاً عالٍ لتنظر نحوه أفنان من الأسفل إلى الأعلى ثم تغادر المكان متجه إلى المعمل في انتظار بديل رحيم.

جلست تنتظر برفقة الجميع حتى عاد أنس إلى الداخل وبرفقته.. نوح!!!

“الله يخربيتك يا أنس الزفت!” همست بصوتاً منخفض وهي تحاول التحكم في غضبها وعدم الذهاب إلى أنس ولكمه، لقد تصادمت مع نوح بسبب رحيم قبل بضع دقائق والآن تبدلت الأدوار ونوح هنا الآن.. مؤكد سيتعمد إحراجها كما يفعل على الدوام..

“يلا يا دكاترة كله يسيب اللي في أيده ويركز معايا.”

بدء نوح عملية الشرح وإجراء التجارب التي كان يفعلها بطريقة تختلف تماماً عن ما كان يقوم رحيم بفعلها.

“بس دكتور رحيم مشرحش دي كده.” علق أحد الفتيان لينظر نحوه نوح بحده ثم يُردف:

“أنا اللي بشرح هنا دلوقتي لما يبقى يجي دكتور رحيم بتاعك يبقى يشرحلك بالطريقة اللي تعجبه!” هنا نظرت أفنان نحو نوح بمقت شديد، ليس من طبع نوح أن يتحدث بتلك الطريقة أو أن يتحدث عن شخصاً آخر بشكل عام، حاولت أفنان إلتزام الصمت والهدوء طوال الوقت بالرغم من مضايقات نوح لها.

“يا دكتورة فتحي مخك! أنا شرحت الحتة دي أكتر من مرة وقولتها في الزفت النظري!! ولا أحنا بقينا مبنفهنش؟!” صرخ نوح في وجه أفنان لتجفل لثوانٍ ويتوقف الجميع عن ما يفعله وينظروا نحوهم.

“لو سمحت يا دكتور أتكلم معايا بإسلوب أحسن من كده!”

“أنتي هتعلميني أتكلم ازاي ولا أيه؟! لو مش عاجبك أتفضلي برا!” تحدث نوح بغيظ وهو يوبخها بصوتاً مرتفع.

“أنا طالعه اصلاً من غير ما تقول، وأسلوب حضرتك ده مش مقبول خالص!”

“تمام اتفضلي.. ويلا كل واحد يبص عاللي في أيده.”

غادرت أفنان المكان بعصبية شديدة وقامت بصفع الباب بقوة ومن داخلها قد عزمت على شيء واحد.. ستقدم شكوة لإدارة التدريب.. ضد نوح!!

بمجرد خروج أفنان قابلها رحيم وهو ينظر نحوها بتساؤل لا يدري سبب مغادرتها باكراً وسبب الإستياء البادي على ملامحها.

“مالك يا أفنان حصل أيه؟ وأيه اللي مخرجك بدري كده؟ أنتوا خلصتوا؟”

“لا مخلصناش.. دكتور نوح طردني.. يعني هو أنا اصلاً كنت هطلع برا بس هو قالي لو مش عاجبك طريقتي اتفضلي برا.. وكل ده عشان بقوله يكلمني بأسلوب كويس لأنه بيحرجني قدام باقي الناس..”

“نعم!!! بيطردك ليه إن شاء الله؟ وازاي يكلمك كده؟ ده عبيط ده ولا أيه؟” سأل رحيم بإمتعاض وبنبرة غاضبة وهو يتوعد لنوح بداخله.

“أنا عايزة أقدم شكوة ضده.. عشان هو مش بيعامل الناس كلها زي بعض، بيعاملهم كلهم كويس ما عدا أنا وبيكلمني بأسلوب وحش قدام زمايلي.”

“طبعاً من حقك.. تعالي معايا هدخلك للمسئول عن التدريبات هنا، هو هيحلك المشكلة دي Don’t worryy.”

“ماشي يلا بينا.” تبعت رحيم الذي سبقها بخطوة أو اثنتين، هو يعلم أنه من الذوق أن يجعلها تسير أمامه لكنه لم يفعل ببساطة لأنها لا تعرف الطريق إلى وجهتهم.. توقف رحيم أمام باب فخم على الأغلب ينتمي للمسئول، فتح الرحيم الباب دون أن يطرقه لتنظر نحوه أفنان بإندهاش وتسأل قائلة:

“هو مش المفروض تخبط؟ ذوقياً يعني.”

“أتفضلي يا أفنان..” اردف وهو يفتح الباب على مصرعيه سامحاً لها بالدخول أولاً.. كان المكتب فارغ.

“هو مش هنا؟”

“أستني بس.. أتفضلي أقعدي على الكرسي اللي قدام المكتب.” قال بهدوء لتفعل وتجلس منتظرة منه أن يجلس في الكرسي المجاور لها لكنه ذهب بخطوات واثقة ليجلس على كرسي المكتب.

“مساء الخير يا دكتورة..”

“قوم يا رحيم مش وقته استظراف.. لو دخل صاحب المكتب هيعملك مشكلة!”

“مع حضرتك رحيم حامد البكري.. المسؤول عن التدريبات في الشركة.” أعلن رحيم بنبرة هادئة لا تخلو من الثقة وهو يضع اللافته التي تحمل أسمه أمام أفنان مباشرة.

“أيه؟ طب ثواني كده..” سألت بإندهاش ثم حمحمت وهي تعتدل في جلستها وتبدأ في التحدث بنبرة شبه رسمية قائلة:

” يا فندم أنا جاية أقدم شكوى ضد دكتور نوح.. النهاردة أتكلم معايا بإشلوب وحش جداً قدام الناس كلها، وكمان بيتعود أحراجي وحصلت أكتر من مرة سواء في النظري أو النهاردة في العملي..”

“تمام يا دكتورة.. أنا هجبيبه وهديله لفت نظر لو اتكررت هضطر أفصله خالص وأمنعه من أنه يجي يدي تدريبات هنا تاني..”

“شكراً جداً يا دكتور.”

“عفواً أفنان، يلا فين ال Smile ‘الإبتسامة’ الحلوة بتاعتك بقى؟”

“لو بتكلم واحدة في حضانة مش هتكلمها كده بجد.” علقت أفنان وهي تقهقه لينظر نحوها رحيم بلطف ويقول:

“أنتي ازاي Cheerful ‘ميهجة’ وبتهزري كده حتى وأنتي زعلانة؟”

“أصل الدنيا في مواقف كتير وحشة لو وقفت عند كل موقف هعيش أكتر من نص حياتي مكتئبة.” شرحت أفنان وجهة نظرها بصدق لينظر نحوها رحيم بتركيز مستمعاً لم تقوله ثم أومئ موافقاً على ما تقوله ثم علق قائلاً:

“عندك حق فعلاً.. بس مش كل حاجة بنقدر نتخطاها، زي ما نوح مش هيقدر يتخطى اللي هيحصل دلوقتي.”

“هو أيه اللي هيحصل؟ هتعمل أيه؟”

“استني بقى و Watch & learn.” شعرت أفنان بمزيج من الحماس والتوتر في انتظار ما سيفعله رحيم، ضغط على زر الهاتف الموضوع أمامه ليصدح في المكان صوت أنثوي يقول:

“ايوا يا دكتور رحيم.”

“لو سمحتي ابعتيلي دكتور نوح.” اردف لتتسع أعيم أفنان وهي تشير إليه ب ‘لا’ لكنه تجاهلها مُكملاً

“عايزه يجيلي حالاً ولو مخلصش شرح يسيب الشرح ويجي.” أغلق الهاتف لتنظر نحوه أفنان بعبوس ثم تتنهد وهي تصفع جبينها بيديها.

“أنا لازم أمشي.. مش المفروض أكون هنا وأنت بتناقشه في اللي عمله..”

“أناقشه؟” سأل رحيم بسخرية وقد ظهرت ابتسامة جانبية على ثغره.

“أومال أنت ناوي تعمل أيه؟”

“ما قولتلك Watch & learn ‘شاهدي وتعلمي’.” بمجرد أن أنهى رحيم كلمته سمع كلاهما صوت طرقات على الباب ليجيب رحيم سامحاً للطارق بالدخول وكما هو متوقع لقد كان نوح، الذي كان قد انتهى من عمله وجاء ليرى ما يريده رحيم.

توجه نوح نحو الداخل وبمجرد رؤيته لأفنان أعتلت ملامحه الدهشة قبل أن يرمقها بحدة.

“خير يا دكتور رحيم.”

“أتفضل استريح يا دكتور نوح.”

“من غير ما استريح ممكن أعرف حضرتك طلبتني ليه؟” سأل نوح بنفاذ صبر لينظر نحوه رحيم ببرود ويقول:

“أنت حر، على العموم طلبتك عشان دكتورة أفنان مقدمة ضدك شكوى.”

“نعم ياختي؟! مقدمة شكوى ضدي ليه إن شاء الله يا ست أفنان؟” سأل نوح بإمتعاض ليجيبه رحيم بنبرة أشبه بالصراخ يتخللها الغضب قائلاً:

“دكتور نوح! متنساش نفسك أنت في مكان محترم.. أيه الإسلوب اللي بتتكلم بيه ده؟ وبعدين اسمها دكتورة أفنان.”

“أنا أسف يا دكتور رحيم، بس أنا حابب أعرف الشكوى اتقدمت ليه؟”

“الدكتورة اشتكت من أن حضرتك بتعاملها بإسلوب سخيف قدام زملائها ومش بس كده أنت كمان بتتعمد تحرجها قدمهم، رأيك أيه في الكلام ده؟”

“رأي أن ده محصلش وأن أفنان عندها أوهام في دماغها.”

“قولتلك يا دكتور نوح تتكلم عن الدكتورة بإسلوب كويس ومسمهاش أفنان.. اسمها دكتورة أفنان، وبعدين يعني أنا دلوقتي لو جبت حد من المجموعة بتاعتها وسألتهم عن اللي هي حكته هيقولوا أنها بتكذب؟”

هنا توترت معالم نوح فهو يعلم جيداً أنه تعمد إحراج أفنان، لكنها ليست المرة الأولى التي يقدم فيها على شيء كهذا، فلقد كان يفعل ذلك مراراً في الجامعة ولم تكن لتجرؤ على تقديم شكوى ضده هناك، لكن وجود تلك الأفعى من وجهه نظره والتي يقصد بها رحيم قد جعلها تتشجع وتفعل شيء كهذا.

“طبعاً معندكش رد.. دكتور نوح أنا هكتفي بتحذيرك المرة دي لكن لو جالي أي شكاوي ضدك تاني هيكون ليا تصرف مش هيعجبك، وطبعاً حضرتك مدرك كويس معنى أن شركة زي شركة البكري تدي عنك review ‘تقييم’ وحش للشركات والمصانع التانية.” تحدث رحيم بصوته الرخيم وبنبرة أشبه بالهدوء فهو في موضع قوة لذلك لاداعي للإستخدام الصوت العالي.

“طبعاً عارف يا دكتور.. ممكن أعرف أيه المطلوب مني دلوقتي؟”

“تعتذر لدكتورة أفنان.” أعلن رحيم بهدوء لتتسع أعين نوح وهو يقول:

“نعم؟!”

“مالك مستغرب ليه؟ مش أنت أحرجتها وعملتها وحش، يبقى هي تستحق منك أعتذار، وخد بالك أنا متساهل معاك وبقولك تعتذر هنا بدل ما أخليك تعتذر قدام المعمل كله.”

“لا وعلى أيه؟ أنا أسف يا دكتورة، مطلوب مني حاجة تاني؟”

“لا يا دكتور تقدر تتفضل.” هنا غادر نوح الغرفة بعد أن رمق أفنان بنظرة أخيرة، صفع الباب من خلفه ليبتسم رحيم ابتسامة جانبية.

“يلا قوليلي استفدتي أيه من اللي حصل؟”

“من أيه؟”

“اللي أنا عملته قدامك.. دي الطريقة ال professional اللي ممكن تهزقي بيها حد ضايقك وكله بالأدب والحدود بدل ما أنتي ماشية تبهدلي الناس غلط خالص.”

“ما شاء الله بتعلمني حاجات قيمة برضوا.”

“بغض النظر عن نبرة السخرية ولكن اللي بعلمهولك ده ضروري في الشغل والعلاقات الرسمية عمتاً.. و As you like ‘كما تودين’ عايزة تاخدي بنصحتي ماشي مش عايزة أنتي الخسرانة.”

“تعجبني فيك نبرة الثقة اللي بتدي على سنه غرور دي.”

“غرور.. غرور المهم أن عجبك حاجة..”

“طب.. أنا هروح بقى.. أشوفك بعد بكرة إن شاء الله وبجد Thank you عاللي عملته.”

“بقيتي تحطي كلام English في النص أهو بعد ما كنتي بتتريقي.” اردف رحيم بنبرة لطيفة وهو يضحك لتشعر أفنان بوجنتها تشتعل، هل حقاً أصبحت تقلده؟ إذن عليها أن تُقلل مدة الجلوس برفقته.

“يلا سلام بقى.” قالت بتوتر وغادرت على الفور بينما جلس يراقبها بعينيه حتى أختفت.

غادرت مقر الشركة لتجد نوح داخل سيارته ينظر نحوها بغضب ثم قام بفتح زجاج سيارته ويخرج رأسه منه ويقول:

“اتفضلي اركبي.” لم ترد لكنه ذهبت لجهه الآخرى من السيارة لتفتح الباب وتجلس إلى جانبه.

“أنا مش مصدق أنك عملتي كده بجد يا أفنان!”

“مش مصدق أيه؟ أني اشتكيتك!!” سألت أفنان بإندهاش بينما نظر نحوها نوح ببرود قبل أن يُجيبها:

“مش مصدق أنك عايزة تضيعي مستقبلي!!”

“تصدق أول مرة أخد بالي من أنك بجح! يعنيأنت عادي أنك تحرجني قدام الناس وتكلمني بالأسلوب ده وأنا بقى naughty ووحشة عشان أديت رد فعل؟!!! ومتستعبطتش وتقولي مخدتش بالي أني ضايقتك لأني حذرتك أكتر من مرة يا نوح بعد السكاشن في الكلية وكلمتك مرة واتنين واشتاكيت لخالتو بس أنت الظاهر فاكر أنك كده روش وهتكسب إعجابي وهتلفت انتباهي لما تعمل الحركات القِلة دي!!!”

“ثواني بس.. أيه اللي أنتي بتقوليه ده؟!”

“أنا بقول الحقيقة اللي شايلاها في قلبي بقالي مدة! وخد بالك يا نوح طريقتك دي هتخليني بجد أقطع علاقتي بيك في مرة من المرات، واسمحلي أقولك أني مش طايقة أبص في وشك دلوقتي.”

صاحت بعصبية مفصحة عن كل ما يجول في خاطرها ثم قامت بفتح باب السيارة وكانت على وشك المغادرة لكن أوقفها صوته وهو يقول:

“استني بس رايحة فين؟”

“رايحة في ستين داهية.. ملكش دعوة..”

“يا أفنان أركبي خلينا نمشي ونخلص.”

“مش هتزفت.” اردفت بصوتاً مرتفع وهي تبتعد عن السيارة وتقوم بطلب سيارة أجرى بواسطة التطبيق، انتظر نوح في مكانه حتى اطمئن أنها رحلت بسلام ليرحل هو من بعدها.

عادت أفنان إلى المنزل مستاءة، دلفت إلى الداخل دون إلقاء تحية على أسرتها بل توجهت مباشرة إلى حجرتها وصفعت الباب بقوة.

“مالها البت المجنونة دي؟!!” سألت والدة أفنان لينظر نحوها زوجها ويقول:

“سيبيها يا رانيا.. شكلها متضايقة، لما أختها ترجع أكيد هتفضفض وهنعرف مالها.”

“اسيبها براحتها؟ دي حتى مرمتش السلام وهي داخله، أدي اخرة دلعك يا أستاذ أحمد.” علقت والدتها بنبرة أقرب إلى المزاح لينظر نحوها زوجها بلطف ويقول:

“وإن مكنتش أدلع بناتي هدلع مين يعني؟”

“بناتك بس؟” سألت رانيا بغيظ طفولي ليقهقه أحمد ثم يردف بلطف:

“وأم البنات كمان، وبعدين أن مقولتش اسمك معاهم عشان أنتي ليكي دلع ومكانة خاصة.”

“ايوا يا أخويا سبتني بالكلام.”

جلست أفنان على سريرها تضحك على الحوار اللطيف بين والديها، ومن داخلها كانت تدعو الله أن يرزقها في المستقبل بزوج حنون، متفهم، رومانسي كوالدها، أخرجها من شرودها صوت إشعار من هاتفها، تُمسك بالهاتف وقد توقعت أن صاحب الرسالة نوح لكنه كان رحيم.

‘ياريت في نهاية التدريب تكتبي عني Review ‘تقييم’ كويس بقى.’

‘ده على أساس أيه بقى؟’

‘على أساس أني جبتلك حقك النهاردة من اللي اسمه نوح ده.’

‘ثواني بس.. هو ليه أنتوا الاتنين كل ما تجيبوا سيرة بعض تقولوا نفس الجملة؟ (اللي اسمه)، وبعدين اللي عملته النهاردة ده وجبك ودورك ولا أيه يا دكتور؟’

‘اه طبعاً واجبي هو حد اعترض؟ وبعدين أنا مبقولش حاجة زي حد هو اللي بيقلدني.’ أرسل رحيم لتقهقه أفنان على طفوليته، أحياناً تنسى أفنان أنه يكبر ببضع أعوام.

‘أنت محتاج ترجع الحضانة تاني بجد.’

‘حضانة؟’ سأل وقد توقعت أفنان أنه لم يفهم معنى الكلمة لذا ترجمتها على الفور ثم أرسلت قائلة:

‘ال Nursery أقصد.’ كانت تتسأل من داخلهاوكيف يستطيع والديه التواصل معه في حيث أن نصف لغته العربية في الحضيض.

‘يارتني أرجع أيام ال Nursery أو أقولك يارتني أرجع أيام قبل ما أتولد اصلاً.’ علق رحيم وأرسل تعبيرات ساخرة لتبتسم وتجيبه:

‘كلنا نفسنا يسطا والله..’

استمرت محادثات رحيم وأفنان على مدار أربعة أيام، كانت تقابل نوح في الشركة لكنه كان يتجاهلها فتفعل المثل.. لكن ذلك لم يُشعرها بالراحة فحتى وإن كانت مستاءة منه أو من أي شخص فهي لا تُحب أن تمر دون أن تلقي التحية لكن تجاهل نوح لها جعلهت تضطر إلى أن تعامله بالمثل، لم تسرد أفنان ما حدث لأسرتها با أكتفت بقولها أنها تشعر بالضغط لذلك يبدو عليها الإستياء.. وفي ليلة الخميس لم تذهب أفنان إلى منزل خالتها برفقة والدتها وشقيقتها كالمعتاد وقد تحججت بشعورها بالإرهاق والتعب بالإضافة إلا ظهور بعض أعراض الإنفلونزا عليها.

في بداية الأسبوع ذهبت أفنان إلى التدريب كالعادة ولكن نوح لم يأتي في ذلك اليوم وبغض النظر عن غضبها إلا أنها شعرت ببعض القلق فليس من عادته أن يتغيب عن العمل، بعد انتهاء الشرح النظري اتجهت أفنان إلى المعمل لتقابل رحيم، بمجرد رؤيته ارتسمت ابتسامة واسعة على ثغر أفنان.

“النهاردة يا دكاترة هنشتغل شغل كتير أوي وهيبقى titrations ‘معايرة’ كتيرة أوي وأكتر حد هيطلع الأرقام والشغل مضبوط هديله gift ‘هدية’ صغننه كده.” اتسعت ابتسامة أفنان حينما سمعت ما يقول فهي تحب ذلك النوع من المنافسة الدراسية والذهنية، صبت تركيزها على ما يقوله رحيم طوال الشرح وهي تتحرق شوقاً لمعرفة إن كانت هي من سيحصل على الجائزة الصغيرة أو لا..

“كده أنا عندي إجابتين صح وكل واحدة فيهم دقيقة جدا.. فخليني أقول أن أحسن شغل النهاردة عمله أفنان أحمد ومحمود.” أعلن رحيم بعد مرور ساعتين تقريباً لتصفق أفنان بحماس طفولي فينظر نحوها رحيم وهو يضحك ثم يضيف:

“استنوا هروح اجبلكوا ال gifts.” ذهب رحيم وعاد وهو يحمل اثنين من ألواح الشيكولاتة كبيرة الحجم والتي كانت ذات اسم غير مألوف ويبدو عليها أنها باهظة الثمن، أخذت أفنان لوح الشيكولاتة وعلى وجهها ابتسامة واسعة..

“طب ما تيجوا نأخد Selfie كلنا بقى؟” اردف رحيم ليوافق الجميع ويشعر بأن قلبه يكاد يقفز من موضعه.. سيظهر في صورة برفقة أفنان.

“معلش يا دكتور محمود ممكن تشوف حد برا يجي يصورنا؟” طلب رحيم ليومئ الفتى وينفذ ما قاله، اصطف الجميع إلى جانب بعضهم البعض وفي المقدمة أفنان ومحمود حيث يمسكون بألواح الشيكولاتة وفي المنتصف رحيم، كانت تقف أفنان على استحياء وقد ابتعدت عن رحيم بمسافة كافية بحيث تكون أقرب إلى صف الفتيات، ينظر الجميع نحو الهاتف ويبتسموا ويحاول رحيم جاهداً ألا ينظر نحو أفنان أثناء إلتقاط الصورة كي لا تفضح نظرته مشاعره المُرتبكة..

“كده احنا خلصنا يا دكاترة، لو حد عنده أي سؤال يبعته عالجروب بتاعنا وأشوفكوا بعد بكرة إن شاء الله.” قال رحيم ليودعه الجميع ويتجهوا نحو الخارج فينتظر هو دقيقة ثم يتبعهم ويبحث عن أفنان.

“بسم الله الرحمن الرحيم أنت بتطلع أمتى؟ خضتني!” تحدثت أفنان بعد أن شهقت برعب حينما ظهر رحيم من اللامكان وتحدث إليها.

“شوفتي ghost ولا أيه؟ وبعدين قولت أجي أوصلك.”

“توصلني ازاي يعني؟” سألت أفنان بنبرة حادة وهي ترفع أحدى حاجبيها ليجيبها رحيم قائلاً:

“هوصلك لحد تحت.”

” اه إذا كان كده ماشي.” اردفت وهي تقهقه ثم ابتعدت عنه قليلاً تاركة مسافة كافية بينهم، توقفت لثوانٍ ثم سألت قائلة:

“هو مين اللي كلمتك من كام يوم دي وسبتني ومشيت كده؟” سألت أفنان لتتوتر معالم رحيم ويقول:

“هاه؟ مش مهم..”

“حاجة في الشغل يعني؟” سألت أفنان بفضول ليُجيبها بصوتاً خافت:

“اه..”

“حساك بتكدب بس ماشي.. أنت حر يعني تحكي أو متحكيش.” اردفت أفنان وهي ترفع كتفيها بلا مبالاة.

“يعني هو جملتك بتوحي بأنك متفاهمة الوضع لكن نبرتك بتوحي أنك زعلانة.” قال رحيم وهو يحك مؤخرة عنقه لتنظر نحوه أفنان بتعابير وجه غير مفهومة قبل أن تقول بنبرة مرحة:

“يا عم مش فارقة، صحيح أنا في حاجة في التجربة بتاعت النهاردة عايزة اتأكد منها..”

“طب ما قولتيش جوا ليه؟ ما أنا سألت.. كنت عدت شرحها عشان تفهمي كويس.”

“لا هي جزء من التجربة مش التجربة كلها.. ما أنا فاهمة وحليت صح.. بس بص..” قالت وهي تمسك بدفتر الملاحظات خاصتها وتبحث عن الصفحة المقصودة..

“رحيم!!! Omg i missed you so much!! ‘يا إلهي لقد اشتقت إليك كثيراً’. ” اخترق صوت أنثوي مسامع أفنان ورحيم وقبل أن تستوعب ما يحدث وجدت فتاة شابة تُشبه إلى حد كبير دمية باربي تهرول نحو رحيم لتأخذه في عناق عميق!!!!!

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (فب حي الزمالك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *