روايات

رواية أترصد عشقك الفصل الرابع عشر 14 بقلم ميار عبدالله

رواية أترصد عشقك الفصل الرابع عشر 14 بقلم ميار عبدالله

رواية أترصد عشقك البارت الرابع عشر

رواية أترصد عشقك الجزء الرابع عشر

رواية أترصد عشقك الحلقة الرابعة عشر

توقع الألم دائما

لانه ملاصق للسعادة ، لا أحد بالنهاية يعيش في العسل طول عمره

توقع الخيانة

تلك هي الحياة ، الحياة ليست عادلة يا صديقي للأسف

توقع الخذلان

كل تلك الأشياء مرادفة لما نبتغيه ، وما هو الأهم ..

الصبر

هو مفتاح سحري للمتابعة قدما .

الصدمة شلت أطرافها عن الحركة ، حتي عقلها بدأ يخرف أو يهذي لكن تلك الملامح الصلبة أمامها

الجدية المرتسمة في عينيه وسحنة وجهه ، كل تلك الأشياء انبئتها أن لا مجال للعبث معها  .. غصة مريرة كادت أن تودي بها والدموع توقفت عند حافة السقوط

تشعر بنفس الطعنة السابقة ، نفس الشعور بعدم الثقة بها وأنوثتها ، بعدم الأمان

حتى من اختارته بعقلها فشل من الدرجة الأولى ، تري العيب بها ؟!!

ارتعشت شفتيها وهي تعيد كلمته ، تعيد ثقل تلك الكلمة في عقلها مرددة اياها عدة مرات حتي لا يتأتى لها الانكار كما يفعل القلب !!

– مراتك

ضم لؤي قبضة يده بعنف ، الأمر بدي مثيرا للقلق من رؤية ملامحها التي تنقبض بشحوب مخيف ، حتى عينيها الصارختين بالحياة الآن تكاد تختل كورقة خريفية للسقوط

زفر ساخطا من نفسه ومن تلك الأخرى ، حينما اعتاد علي خبر صاعقة موتها أخذ فترة من الوقت ليعتاد على عدم وجودها في حياته رغم صراخ قلبه بكونها لا زالت على قيد الحياة ..

اعتزل الحياة حرفيا لثلاث أشهر ، لكن غضب جده وطلبه بالرجوع لمصر جعله يضطر للعودة .. مر عام حتى عاد لقالب العمل فقط ، دون التفكير بحياة أو الارتباط بأمرأة كي لا يظلمها … لكن وجد شادية هي الخلاص له من وجد

وجد بشكل مخيف يذكره بـ اسيا … آسيا المرأة المشاغبة الطفلة المشاغبة الفاتنة تكاد تسقط الرجال صرعي من جمالها الصارخ ، جائعة للحب والاحتواء بشكل يجعل قلبه ومشاعره تنقاد لها دون أن حذر .

لسخرية الأمر لا يعلم ماذا يخبرها أنه كان أرمل قبل حتى ظهورهما !!!

– كانت

قالها بسخرية من نفسه ثم لا يعلم لما تابع معرفا عنها ، يئد صورتها البشعة التي ترسخت في ذهنها

– وتبقي بنت عمي

جحظت عينا شادية ولا هي تصدق الأمر برمته ، أي ابنة عم تلك التي يتحدث عنها .. بنبرة متحشرجة نطقت

– بس

اومأ رأسه متفهم سؤالها .. بالطبع كيف ستصدقه والجميع يعلمون أن هناك فتاة واحدة فقط من عائلة المالكي ، سامحه الله جده … لا يعلم كيف جفي قلبه لتلك الدرجة ليتركهما في عالم موحش ، قال بجمود شديد

– عارف معنديش غير بنت عم واحدة وهي وجد لكن في اتنين آسيا ومارية عزام

الصدمات تتلقاها تباعا دون راحة ، هزت رأسها نافية وهمت بالضحك من سخرية الأمر ، هل زوجة اخيها المهاجر تكون ذاتها من عائلة المالكي ، أم الاسم مجرد تشابه اسماء .. صرح العقل بحدة أنه لن يصرح بمعلومات عن عائلته الا لم تكن طرف لها ، لكن لا تعلم ما الذي تحاول إثباته وهي تنحي كل أفكارها لتسأل

– مارية مرات اخويا !!

لا تعلم أهذا سؤال

أم إعادة تأكيد هوية

هل أخيها يعلم ؟!! ، ووالدها ؟!! … همت أن تسأله وتطرح أسئلة كثيرة إلا أنها ألجمت اسئلتها المندفعة وهو يقول بنبرة متحرجة

– هي ، الموضوع في عيلتنا حساس جدا يا شادية ومش هينفع اقدر اشرحلك في وقت الحفلة

صمتت لثواني وهي تحاول العقل استيعاب ما يحدث ، تمتمت بتردد

– بس ازاي ، ماهر مجبليش سيرة عن الموضوع ده

هذا ما توقعه لؤي ، لا يريدان أي صلة بالأسم لا من قريب ولا من بعيد .. لا يريد تعقيد حياة تلك السمراء الناعمة ومن ناحية يتوجد مصائب حلت علي سماءه بسبب عودة المهلكة لساحة أرضه .. غمغم اسمها والندم يرتسم على ملامح وجهه

– شادية

طحن ضروس اسنانه بغيظ وهو يري التيه في عينيها لترفع عينيها تسأله وتلومه بل وتجلده بقوة من كونه لم يحافظ على عهده ، الألم صعب جدا للغاية

يشعره الأمر أنه الرجل السئ في تلك الرواية من بين الجميع !!

لكن يشعر انه مقيد .. قليل الحيلة ، أواصر العائلة والالتزامات تقيده ومن ناحية اخري ما يهفو اليه قلبه !!

صرح أخيرا متمتما بحرج

– انا اسف اني جرحت مشاعرك بس كان واجب عليا اشرحلك اللي حصل

توقعتها منه .. سيتراجع معتذرا ويخبرها أن تحظى بحياة أفضل مع رجل يستحقها ويقدرها ، نفس الجملة حفظتها .. سحبت نفسا عميقا وزفرت على مهل لعدة مرات تكررها تغالب على البكاء لتهمس بشحوب

– انت فاجأتني يا لؤي

وليظهر برجل الذي لا يوجد من اثنين في الكون ، قال بنبرة لطيفة

– اي كان قرارك ، ارجوكي علي الاقل بعد خطوبة وسيم وجيهان .. العلاقة بين معتصم باشا وغالب للاسف متوترة

لم تري شخصا قبله يلغي الخطبة ثم يخبرها الأمر بيدك !!! ، انفلتت منها ضحكة ساخرة علي شفتيها لترتفع عيناها تحت كلماته

– وقت ما يجي الوقت المناسب اوعدك اني هشرحلهم

ودت أن تصفق له ، تخبره عن روعته في انتقاء كلماته .. علي الأقل هو افضل من معاذ الذي قتلها بدم بارد وهو يلغي الزفاف قبيل الفرح بأيام متعللا أنه كان متعجلا .. بل وأسرع في الارتباط ثم اخبرها كلمتين منمقتين لم تقوم بعدها سوي بصفعة مرتين وألقت الخاتم في وجهه ثم سحبت بأدراجها الي منزلها ، والان هي استقامت من مقعدها لتقول ببرود

– مع السلامة

وضعت نظارتها القاتمة على عينيها تخرج من المقهى بخطوات متعجلة ورنين هاتف يصدر صوتا مزعجا جعلها تجيب عليه بحنق حينما صعدت سيارتها

– خير يا نجوى

أغلقت جفنيها وهي لا تصدق أن المصائب لا تأتي فرادى ، ما حجته تلك المرة !!

غمغمت بصلابة

– طب اقفلي انا جاية

وانطلقت بسيارتها متجه الى مقر عملها لترى نهاية أمرها مع ذلك الإيطالي الذي قرر إلغاء شراكته معها دون أسباب توضيحية  !!

*****

هل يجب عليك يا سيدتي أن تقتلي قلبي شوقا من رؤيتك

وحين اللقاء أموت للمرة الثانية هياما بك ويتجدد أواصر العشق

وأموت للمرة الثالثة حينما يحن وقت الفراق ، ولو بيدي حيلة لحبستك داخل ضلوعي

جعلته لك بيتك وملاذك الوحيد الآمن .

عينيه الخضراوين متوهجتين بلمعة خاصة وهو يراقب ملامحها الأنثوية الناعمة .. يراها كطفلة صغيرة ضلت عن وجود أمها ، وتراه يراها مراهقة مشتتة بين الاستجابة لما يحدث من تغيرات دواخلها وبين ما تربت عليه ، ثم امرأة ناضجة ومحاربة شرسة بطريقة ناعمة تقدر على متابعة حياتها .

حاجبين انقين ملائمين لاستدارة وجهها مع أنف معتدل وشفتين …. صمت قليلا وهو يزفر بحرارة شبت بداخله ، الله يعلم ما يفعله حتى يظهر بصورة رجل هادئ محافظا علي أعصابه التي تكاد تنفلت منه ، استعاد نظره لعينيها المتهربة منه بلقاء رغبة بإرادتها

ولم تخذله لتقع أكثر عينين متطلبتين له بنداء صارخ لباها منذ ان وقعت بين احضانه

تعيد نفس التوسل

والرجاء

متوسلة التحرر

ليطمئنها بابتسامة دافئة ليقاطع صمتهم المقفر رغم الضجيج الملف حولهم، ترى هل تشعر مقدار شعر ما أحس به

أم ستجعله يعاني ؟! … ابتسم بهدوء وهو يلمح ملابسها المنفردة بين الجميع وكونها الفتاة اممم ماذا نقول

الفتاة الوحيدة بهالة البراءة والانوثة لتكون مسقط رواد المطعم ، الأمر يغضبه بل يكاد يقترب من الاحتراق الا انه قال اخيرا مقاطعا صمتهم منذ السيارة

– مالك مستغربة المكان كدا ليه

لم تذهب لأي احياء شعبية سابقا ، ربما فعلتها مع مجموعة من شباب الجامعة لتنفيذ مشروع لكن لم تكررها ، لأنها لم تشعر بالحماسة التي أخذتهم ، لم تشعر بشئ

مجرد فتور مثل باقي حياتها ، عينيها تتحاشى النظر اليه يكفي انها كغبية تشبثت بقميصه طوال رحلتهما نحو المطعم حتى تحرج هو من طلبه لقميصه .. ودت أن تنشق الأرض وتبلعها وهي لا تعلم ما يظنه بها ،هذا الرجل خطير جدا

لها

لضعفها

و حاجتها لتلك العاطفة المظللة في عينيه ، لتهمس بارتباك وخجل فسرته خطئا ان ابدي غضبا أو ندما لانه اصطحبها

– ها . . لا ابدا ، بس عشان اول مرة اكون مع حد معرفهوش

ابتسم بتشجيع شديد وهو يعقد ساعديه مبرزا بنيته الضخمة قائلا

– قلقانة مني ؟

تشعر بالضالة وهي جالسة في مواجهته ، الأصوات الصاخبة رغم أن أذنيها لم تعتادها إلا أنها لم تزعجها بل ألفه وروح جديدة اضافت سحر للمكان وكل ذلك بسببه لتجيب بدون تردد

– لا

اقترب منها وهو يسند ساعديه علي الطاولة وعينيه قبضت عينيها واسرتها ليقول بهدوء ناعم

– خايفة ؟

عينيها تنظر لعينيه دون الجرأة علي ان تنتزعها لترتعش شفتيها من الظلمة التي غطت عينيه بشكل حميمي تشعره ، لتهمس بنبرة خفيضة تكاد لا تسمع

– لا

تجمدت ملامحه والظلمة انقشعت لتعود حدقتيه لطبيعتهما ليقول بنبرة خادعة

– حاسة اني بفرض عليكي حاجه انتي مش قادرة تتحمليه

سؤال خادع يحتمل معنيين ، وليست هي جيدة ولا ضليعة حتى تتلاعب بكلامها ، تمتمت بتردد

– مش فاهمه

ابتسم بهدوء ليغمغم بغموض

– هتفهمي

ثم بكل هدوء انهي أسر عينيها ليعود بجلسته متراخيا على مقعده ليقول

– عايز اسمع صوتك ، احكيلي عنك

ضيقت عينيها والتجهم حل ملامحها الناعمة الفائقة الأنوثة لتقول بضيق شديد

– عايز تكشف عليا يا دكتور

أكثر ما تكرهه ان ما يحدث مجرد اختباراته أو تكون مجرد حالة !!

شحب  وجهها أكثر .. ألم تأتي لتتخذه مسار لها ؟! ، لماذا انزعجت إذا كانت مريضة له ؟! ،، عقلها تمرد بحدة تلك المرة غير مسرور بذلك الوضع

تريد أن تكون على راحتها أكثر معه

لا ورقة ولا قلم

لا جلسات مقيتة

ولا مهدئات

تريده متحررا عن ثوبه الطبي كما ستكون هي الأخرى متحررة عن التي تعلمها .

صمت عاصي لثواني محدقا للصراع القائم وحينما شعر بهدوئها نتيجة استرخاء ملامحها والتقوس في حاجبيها فك اخيرا قال

– ابدا .. حابب اتعرف عليكي

رفعت عينيها تنظر لعينيه تكتشف الصدق أو الكذب منهما وحينما رأت الاهتمام فقط نقرت باصابعها على الطاولة كما لو أنها تضغط على مفاتيح البيانو تابعها عاصي بشغف وعينين لامعتين ليسمع تمتمتها

– صدقني معنديش اي حاجه  اقدر احكي عنها ، هتلاقيني مجرد صورة باهتة

عينيه تنتقل لاصابعها الرشيقة التي تنقرها بهدوء وحركات متقنة كما لو انها تعزف مقطوعة ، لا تتجامل ولا تتفاخر بما تملكه كل ما يظهر عفوي بل تجدها طريقة ومتنفس لتشتتها ، قال بهدوء شديد

– جربي ، احكيلي ايه اهتماماتك وشغفك

ابتسمت والحمرة تغزو وجنتيها لعينيه الشغوفتين لاصابعها لتتوقف عن النقر وهي تمتم بحرج

– بحب الموضة زي اي بنت ، في فترة اخدت دورة تدريبية للتصميم واخدت فترة بتشغل علي مكنة الخياطة

هذا تضيفه مواهب أخرى اختارتها جميلة كي تكون مثل نظيراتها من الفتيات ، رغم أنها لم تجد حبا ولا كره تابعت دروس البيانو والتنس بهدوء وطاعة شديدة ، انتبهت على صوت عاصي الدافئ

– جميل

الخصلة الشاردة اعادتها الى صديقاتها وهي حريصة على التحدث بهدوء

– مكنش حاجه وااو يعني بس كنت مبسوطة وانا بشتغل علي المكنة ، جدو لما شاف شغفي بدأ يزيد قرر يفتحلي ورشة خياطة واكمل باقي كورسات للتعليم برا والورشة كبرت وبقت مصنع صغير ، عاملة خط صغير بأسمي في الموضة وحاليا ماسكة إدارة محل

عقد عاصي حاجبيه وقال

– طب وليه بطلتي

ببساطة اجابته

– الشغف راح

أو كان درب مستحيلا أرادت تحدي عائلتها به ، أرادت أن تخترق بعض القواعد ووجدت انها سريعة التعلم ؟!! ربما

أو وجدت انها بعد قطع ملابسها الاولية لم تجد حافز حتى جدها مجامل من الدرجة الأولى ، وعمتها حانقة للغاية كونها ترى أن هذا يؤذي بشرة اليدين وينزع المرأة من أنوثتها !! لا تعلم ما دخل الأنوثة رغم الأمر يتعلق بالثياب ؟!!

صاح عاصي مستنكرا بشدة

– بكل سهولة دي

انتبه على الصبي الذي وضع الأطباق والتفتت عائدا الى الداخل ليلحق طلبات البطون الجائعة ، نظرت وجد إلى الطبق وهي لثواني تفكر ما حجتها لعمتها حينما تدعوها لطعام الغذاء ؟!!

رفعت عينيها له لتجده لم يزيح بعينيه عنها ، خشت للمرة الثانية أن يفسر نظرها للطعام بطريقة خاطئة ، خصوصا انه معتز بتواضع أصله .. همست بارتباك وهي لا تجد ملامحه قد من الحجر

– رجعت العب تنس بعد ما بطلت ، بس بردو  حاسة فيا حاجة ناقصة

بملامح باردة قال

– عايزة اللي يشجعك

ثم انشرحت ملامحه وهو يراها تضيف الخل علي الكشري لترفع معلقتها تأكل بهدوء كما يتسم ملامحها ، انشرحت ملامحه نتيجة رؤية ذلك البريق في عينيها لتضيف بعض من الشطة وهي تعيد أخذ معلقة بشغف اخر

ابتسم لثواني وهو يقول بنبرة غامضة

– انا اقدر اشجعك ، لأ وكمان اخليكي ترجعي تشتغلي

الحرارة تغزوها من الشطة لكنها تشعر بالمتعة ، وجهها اشتعل حمرة وعينيها اصبحت غائرتين ، انتبهت الى نبرته الغامضة

– الشغل الاول هيكون للمؤسسة والتانية هيكون خاص بيا انا

ضيقت عينيها بتوجس وحذر تحت ملامحه الخالية من أي تعبير

من هذا الرجل

من ثواني يكون مرح ومشاكس وافئ ثم بثانية تتبخر تلك الصفات ليصبح جامد الوجه والتعبير ، انفرجت ملامحه عن انطلاق ضحكة خشنة اثارت قشعريرة في جسدها وهو يخصها بنظرة خاصة لم تفتها

– متقلقيش .. مش بعض على فكرا

بتعثر لم تجد الرد ، لسانها معقود من ذلك الشعور الذي لم تجربه قبلا

وضعت الشطة بكمية أثارت ريبة عاصي ليتوقف عن متابعة طعامه وهو يقول

– خلي بالك دي شطة

ورغم وجهها المضرج بالدماء وعينيها الدامعتين وشفتيها التي التهب أجابت بنبرة مشاكسة

– بحبها

تناولت الكشري بتلذذ شديد رغم كمية الشطة التي ابدا لم يجربها ، كيف بالله تحملتها دون تصرخ متوجعة ؟!!

هز رأسه يائسا وهو يأمر الصبي بجلب طبقين أرز بلبن ثم الذهاب الى صيدلة قبل العودة إلى المؤسسة .. رفع عينيه ليرى عينيها تسيل الدموع ووجهها متعرق من الحرارة ومع ذلك لحد اخر معلقة ظلت محاربة

غمغم بهمس خافت وهو لا يصدق المرأة التي أمامه

– مجنونة

*****

ترجل وسيم من سيارته والحرارة تفلحه بقسوة وتسبب احمرار لبشرته البيضاء ، يمرر أنامله على خصلات شعره الشقراء وعينيه تنظر نحو بوابة السويسري المنفتحة على مصرعيها ، منذ متى لم يتحدثان ؟

بل يجب أن يقول متى تحدثا ؟

هي انقطعت عن رسائلها وهو فقد طعم اعتاده في حياته لفترة ،  الغصة مؤلمة .. كموس لا قادر على ابتلاعه ولا إخراجه من جوفه !!

قدميه خطت البوابة بتهور ، يجب أن يحدثها .. أيامه أصبحت كأيام عجاف

والصخب من حوله والشعلة انطفأت ، ترددت الابتسامة علي شفتيه وهو يراها جالسة علي أرجوحة الحديقة مولية ظهره تحرك الأرجوحة بساقها وعينيها تنظر نحو الفراغ ..

تنهد زافرا بحرارة ليمرر يده مرة أخرى بجزع على خصلات شعره

لما لتلك الدرجة ترغبه

رغم أنه أسوأ شخص تراه بطباع سيئة إلا أنها ترغبه

ولما هو تحديدًا .. ما به تراه مبهرا لتلك الدرجة لتلصق به ؟!!

هو لا يجد شيء يفتخر به ، ولا عمل قامه بيديه حتى يبهرها تلك الفأرة الصغيرة ذات ألوان قوس قزح ،  كل ما فعله هو فقط أصبح صديق مقرب وأخ فقط

أخ .. أي شخص يستطيع أن يصبح أخ وحامي لطفلة صغيرة ، رفع عيناه لينظر نحو الشمس المتوسطة كبد السماء ليعود الضيق يبلغ منتهاه ..

سخرية تمكنت من عقله ، ولما هو يلتصق بها ؟

لما ببساطة لم يقدر على تخطيها ؟! .. دائما ينتظر رسالتها بشغف شديد حتي كاد يفقد أعصابه أيامه السابقة كي تبعث رسائلها المغيظة المبهجة لروحه ، ثم ألا يعتبرها صغيرة ؟!!

كلمة صغيرة بحد ذاتها لا يصدقها عقله ولا يقتنع بها ، يراها أنثي في أبهج صورتها وشفافيتها .. أخذ استراحة لجدال لن ينتهي

فبالنهاية هو يعلم ما هو يضمره حتى وإن لم ينطقه .. وإن أنكر

إلا أنه يعلم ..

اقترب منها وابتسامة مشاغبة تزين شفتيه ليسير بحذر حتى أصبح يخيم عليها بظله ، اتسعت عيناه جحوظا من قشر الموز الملقى أرضا ناهيك عن القشر الملقي بجوارها وبالطبع لينفجر ضاحكا وهو يعود عدة خطوات للخلف وحينما هم هو بمفاجئتها فاجأته الفأرة !!!

– كفاية موز خلصتي الموز اللي في السوق

أغمضت جفنيها وصوته يؤلم فؤادها

تود الصراخ ، كيف يضحك وداخلها يقيم مأتم

الحزن والكآبة تغلف روحها ، حاولت أن تتجاهل تلك الطاقة السلبية وتنقشع من تلك الهالة السلبية لكن لم تقدر ، تقسم انها حاولت الا انها فشلت تماما

تشعر بروحه يكون حاضرا بقربها ، ثم رائحته تداعب أنفها ثم أذنيها حنت له

القاسي

الجلف

صاحب العيون الباردة

و الخصلات الشقراء المستفزة ، اشتقات له

برهبة وقلب يدق بطبول الحرب حاولت التحكم في ملامح وجهها صمتت ، جعل وسيم يلاحظها ويري ذلك اللقاء المحتوم بينهما

– ممكن نبطل تجاهل شوية

– كفاية موز خلصتي الموز اللي في السوق

– ممكن نبطل تجاهل شوية

قالها بحنق شديد وقابله عدم الرد منها .. ليجعله يستشيط غضبا .. أهذا هو الاستقبال الذي سيحظى به بعد أيام من دون لقاء أعين أو شفاه !!!

تمتمت ببرود شديد بأسمه لترفع عينيها وتقع نظرها على عينيه المتقدتين بحرارة

– وسيم

آلمها قلبها لما ستقوله لكنها يجب عليها فعلها ، ألقت القشرة علي الطبق لتقول بهدوء شديد وعينيها لم تتنازل تلك المرة للغرق في عينيه

– انا مش طايقة اشوف وشك حقيقي ، ابعد عني لفترة بعد اذنك

ضحكة ساخرة رده ، ليهبط بجذعه مقتربا منها والعين بالعين

والنزال قائم

الوجهان مقتربان .. مسافة تفصل بينهما .. عيناه تتأمل بشغف ملامح وجهها الشقية و عينينها المنطفئة لن يكذب انه لم يرى تلك اللمعة التي جعلته يقترب منها أكثر … شهقت جيهان وهمت بالهرب منه الا انه مال نحو أذنها هامسا بمكر

– ايه قررتي تهربي من السجن وتسافري

قاطعته بصلابة شديدة لتزيح جسده بكفيها بحدة

– يستحيل اهرب ، عمري ما اتعودت اهرب علي عكس بعض الناس

هذه هي جيهان

يقترب تبعده

يبتعد تقربه

رغم جرأتها الا ان التورد الطفيف في خديها لم يمنع من الظهور أمام عينيه ، وهو تعب

حينما يستقبل احدى اشارتها تزجره ، غمغم بحدة

– عايزة ايه

استقامت من مجلسها لتصيح بغضب لم تقدر على اخماده

– مش عايزة ارتبط بيك يا وسيم ، انا استحق راجل يحارب الكون علشاني ، مش انت قولتلي قبل كدا اللي يستحقني يحارب العالم كله عشاني

تعثرت شفتيها وهي تحدق في عينيه التي ازدادت قتامة … غمغم بنبرة محذرة

– جيهان

اقتربت منه وهي تمسكه من ياقة قميصه تهزه بكل قوتها لتصيح صارخة في وجهه

– انا تعبت اني امثل اني قوية ومش فارق معايا حد ، بس انا محتاجة احب واتحب يا وسيم ، ارجوك سيبني اجرب  الاحساس ده

انفجرت بعدها تركله وتضم قبضتها موجهه ضربات حانقة لصدره ، تأوه وسيم تحت هجومها الضاري العنيف له .. يميل بجذعه ليلتقط كفيها ليديرهما خلف ظهرها .. الا ان الركلات ما زالت مستمرة بساقيها ، لم يرغب أن يتهور ويضبطهما معتصم متلبسين  ليجذب خصلات شعرها بعنف جعلها تصرخ متوجعة من فعلته الغير متوقعة ، اتسعت عيناها حينما قال

– جربيه معايا

نبضة اختلفت عن سابقتها

ونبضة أخرى كانت أعنف من الحالية

وبعدها كانت أكثر ضجيجا من سابقتها

عيناها تنظران له بعدم تصديق ، لتضم شفتيها وقالت بسخرية

– شايفاك اخ كبير للأسف وصديق التهور

حينها أعلنها صراحة وكره ملاوعتها

– انجذبتيلي ليه يا جيهان ، لسه شيفاني اخ بيشاركك كل لحظاتك المجنونة ، بيدافع عنك قدام الناس كلها حتى والدك

عرق صدغه ينبض بقوة لتشحب ملامحها رويدا رويدا وهي تراه ، ثائرا

بعيدا عن حالة المشاكسة واللطيفة .. أكثر انزعاجا

أكثر سوادا

قبض على ذقنها بحدة آلمتها إلا أن عينيها ارتفعت تنظر اليه ببهوت شديد تحت انفجاره

– لسه جواكي صغيرة يا جيهان مهما كبرتي ، صدقيني مكانتي كصديق وجار مختلفة جدا عن  الحبيب والزوج ، عمري ما هسمحلك تمسي من رجولتي كبريائي

متى انقلبت الطاولة ؟!! أي رجولة يتحدث عنها ذلك الاشقر وكبرياء وهي تتوعد له بأيام أشد سوادا من قرن الخروب !!

هل يأخذها بالصوت المرتفع … غمغمت بسخرية ولا مبالاة

– هتمنعني عن حياتي

اتسعت عيناه وهو لا يصدق أي حياة حالكة تتخذها دربا لها ، توقع انها ايام مراهقة ثم حينما تنضج ستتركها .. إلا أنها زادت رعونة وتهور .. ألا يكفي صورها الفاضحة بسبب ملابسها القصيرة وتعليقات الرجال القذرة … هذا إن كانوا رجالا

كلها تلك تمسه هو شخصيا … تطعنه .. تمس من شرفه ، ضغط على ذقنها بقوة غاشمة جعلتها تأن بوجع لينفجر بنبرة هادرة

– وهي دي حياة

صاحت هي مقاطعة بحدة والدموع تطفر من عينيها

– ما هي حلوة ، عايش براحتك محدش يقدر يقيدك ، ليه تمنع عني الحياة

الألم شديد .. بل وصعب ، كيف يكون بكل ذلك البرود معها ثم ينقلب لوحش دون أن حتى أن تحاسبه عن ليالي كان الفراش لها جمر متقد تتقلب عليه ، ضاقت عينيها بوحشية وكل لحظة عاشاها معا تمنت لو لم تحتفظ في ذاكرتها

خبط على رأسها بخفة قائلا

– مفيش داعي انك تحطي نفسك في قالب مش بتاعك ، ورايا اذاعة بليل خليكي هادية ومتتجننيش

ثم ابتعد راحلا لتدب على قدميها تضم قبضتيها كم تود أن تخنقه ، صاحت صارخة بغل

– مش هتجوزك ، على جثتي يا وسيم

علي جثته لو أصبحت لرجل غيره

وعلي جثتها هي إن سلمت له مقاليدها دون أن يقر ويعترف بما يكنه داخل روحه .

***

اغمضت شادية جفنيها وهي تحمد الله أنها لم تخلع نظارتها القاتمة ، لا تصدق أفعال تلك الصغار التي يمارسها ذلك الأيطالي عليها ، ماذا يخال نفسه فاعلا

ألا انها لم تستقبله في المطار اليوم بالورود ولا بتكليف جلب وجه حسن يلغي العقد والعرس أيام وسيعقد ، كل شئ كان على ما يرام .. لكن كيف بوجود شخص يدعي سرمد تسير حياتها بسلاسة ، الا يكفي انفصالها عن خطيبها .

زفرت بسخط وهي تدمدم بحدة

– وهو ده الخبر المهم

مسدت رأسها والصداع يكاد يفتك برأسها ، تذكرت ان اقراص المسكن تركته في مكتبها لتزفر بحنق وهي تسمع لصوت نجوى الهادئ

– يا شادية ، صدقيني رافض يكمل شغله الا لما يغير العقد

جزت على أسنانها تكاد تمسك بعصاه وتضربها بعنف على رأسه ، ذلك الوقح المتصابي

لم تصدق حينما تساءلت عن عمله أن يخبروها انه كان جدي لدرجة أخافت الموظفة .. لم تصدق انه لم ينظر بعينيه الوقحتين لأي امرأة ويغازلها بفحش …

دبت بقدمها على الأرضية المصقولة لتدمدم

– وجيه علي اسبوع الفرح يعمل مشكله

رفعت نجوي ذراعيها وصمتها جعلها تزيد من غضبها المتفاقم ، ظنت حديثهما تلك الليلة ووجهه الهادئ كان بداية سلام لهما ، يتوقف عن عبثه وينهي أيامه المعدودة ويعود بأدراجه لموطنه .. ليس كل مرة يهددها بالإلغاء .. لو عليها لكانت وافقت لكن تلك رغبة العروسين وهما يعتبران بطاقة ذهبية لعملها ، لم تزيد كلمة اخري وهي تتوجه لغرفة مكتبها حيث يجلس السيد المتصابي ويجب عليها أن تتحايل عليه حتى تمر تلك الأيام دون أن تواجه أي نوباته القادمة !!

عيناه تقيم كل ركن في مكتبها بهدوء شديد ، لا ينكر ان الوان المكتب البيج مريحة للعين واثاث مكتبها فاخر .. لكن للأسف خالي من لمسات أنثوية جريئة ، عيناه نظرت الى اطارات الصغيرة على مكتبها ليقترب بفضول لينظر نحو الاطار الاول وهو يرى رجلا اشيب الشعر أسمر البشرة منفجر في الضحك و يحيط خصرها ورأسها مستكين بطاعة علي كتفه ، ابتسم بنعومة شديدة وهو يرفع الإطار يمرر أنامله على طول قدها الرشيق ، و بقبضة يده الأخرى يعتصرها يصبر نفسه ، انها ايام معدودة وسيكون هو قادرا على ما هو أكثر من لف ذراعه حول خصرها .. اعاد الاطار في موضعه لينظر الى الاطار الاخر الصورة تبدو قديمة للغاية عن الاخري رأي امرأة فائقة الجمال ملامحها ناعمة وهالة تلفها تحتضن طفلتين والرجل في الصورة السابقة يبدو أصغر أكثر شبابية يحمل علي ذراعه طفل أكبر من الفتاتين في العمر ، ارتفعت عيناه حينما استمع الى صوت فتح باب المكتب ، ابتسم بلطف شديد ليضع الاطار بهدوء شديد وهو يقول بنبرة كسولة

– صباح الخير

ودت الصراخ ، في تلك اللحظة .. كيف يقتحم اغراضها الخاصة بتلك الطريقة الفجة كطبعه وتصرفاته وعينيه التي ستفقأها قريبا ، عضت شفتها السفلى وهي تسحب نفسا عميقا وتزفره لتقترب منه … بل من مكتبها المستولي عليه !!  وهي تقول بجفاء

– تستطيع اخباري شروطك وسأتفق مع المحامي لنصل إلي حل يرضيني ويرضيك

عينيه تتأمل قدها في تنورتها الطويلة الملتفة بحب شديد حول ساقيها الممشوقتين .. مع كل حركة يرتفع قماش تنورتها ليظهر نعيم ساقيها وتلتهب حرارة في جوفه ، ارتفعت عيناه لينظر نحو سترتها التي اخفت نعيم ما سيراه ليقطب حاجبيه وهو يجدها تحرمه من عينيها ليقول

– كيف تتعمدين فعل ذلك ؟

عقدت حاجبيها الانيقين لتردد قائلة

– فعل ماذا

حدق في ملامح وجهها الغير مقروءة ويده تكاد تمتد لينزع نظارتها اللعينة تلك ، لما عادت للبرود مرة اخرى ؟

كيف ؟! … وتلك الليلة التي كانت بالنسبة له بداية لهما ؟!!!

وهو من حرص على عدم إثارة مشاكل خلال سفره وإنهاء عمله بسرعة وانتظر استقبالها ، لكن يهبط من الطائرة ويجد سائق .. رجل يخبره أنه سيكون مرشده للفندق لم يتحمل ، اقترب منها مسافة وتقلصت مسافة ما بينهما ليقول

– التجاهل والنسيان ، لقد كنتِ علي شفا جرف من السقوط

عادت بعدة خطوات تترك مسافة امنة بينهما ، لا هي امنة بقربه .. ولا تعلم لم الخاتم في بنصرها أصبح باردا عكس الأيام السابقة

زمت شفتيها لتقول بجمود

– مشاكلي الشخصية لا تناقش على طاولة الاجتماع ، لست تحت أمرتك انا حتي اتي اليك ، ولست طفل صغير أنت حينما تشعر بالضجر تبدأ في الصراخ ،  انضج قليلا وكن رجلا مسؤولا

تري نظرته المتسلية وهو يراقبها كما لو انه اسدا ينظر لوجبة شهية تسيل اللعاب ، خشت أن تكون أساءت الوضع قليلا !!

مع كل كلمة تخرج من شفتيه يقترب بكل صفاقة ضاربا الخطوط الحمراء ، حتى شعرت بتلك الحرارة المنبعثة من جسده ورائحة القرفة تخرج من شفتيه وعينيه تكاد تكسر عدسة نظارتها

– حينما اتصرف كرجل حار الدماء تنفرين مني ، وحينما اتصرف كطفل أثير استياءك ، اخبريني ماذا تودين مني أن أفعل يا برتقالية

برتقالية !! … استشاطت غضبا منه ، كيف سمح لنفسه .. بالله كيف سمح لنفسه ، من يظن نفسه .. هل من ليلة تكون صديقة مقربة له ؟؟!!! … جزت على أسنانها صارخة لترجع خطوة وهي تصرخ بحنق

– ضع مسافة وخط احمر بيننا ، ليس اننا جلسنا في مرة وشاركنا بعض الأحاديث أنه يوجد شيء بيني وبينك

في حركة خاطفة نزع نظارتها لتشهق متفاجئة من جرأته ، هل اعتاد عليها لدرجة يفعل ما يحلو له دون التفكير بها ، توقف سرمد عن عبثه حينما رأي ما تخفيه عنه

عينيها عبارة عن جمرتين متقدتين والهالات السوداء زدات من حالتها سوءا .. اسبلت بعينيها وهي تبتعد عنه لعدة خطوات وتوقفت عند سؤاله الذي لا تعلم ما تسميه ؟!

هل كان هادئا أم باردا ؟!!

– هل ازعجك ؟

همت بالرد عليه بما يليق به إلا أنها ارتجفت من نبرته الحادة

– أجيبي .. هل أزعجك وكان رجلا عديم التقدير للمرأة  التي بين يديه

أولته ظهرها وهي تتهرب من الاجابة وتحاول البحث في عن الدواء ليخف الصداع الذي يكاد يفتك رأسها

ارتعبت حرفيا حينما وجدت يد غليظة تسحبها بعنف وتديرها لتقف في مواجهة المارد الغاضب ، عينيها زائغتين وهي تستمع الى نبرته الغليظة

– كفي عن التهرب مني وواجهيني

تأوهت بوهن من غلظة يده على زندها لترتفع عينيها تواجهه بجرأة قائلة

– ماذا تريد ؟

وبصراحة اعتداها قال بدون مواربة

– أريدك

شهقت فزعة لتتراجع خطوة والشحوب يعتري وجهها ليتابع هو دون رأفة بحالها المزرية

– في أمس الحاجة للتقرب منك

ارتعشت شفتيها ونظرة الضياع تشملها لتهمس بتعثر

– لست متاحة لك ، ابحث عن امراة اخري .. لا تلمسني بتلك الطريقة لا يحق لك لمسي ، لست في بلاد الغرب حينما تتيح لك فرصة بأمساكي وتجذبني نحو احدى اماكن منعزلة اني راضية

كادت أن تصرخ متألمة حينما افلتت يدها من براثنه ، فركت يدها بتوجع وهي تسمع رده العنيف

– لا اريد امرأة غيرك

رفعت عينيها وهي تقتله بذلك الضعف لتهمس بهدوء

– لست المنشودة اسفه

توجهت نحو مكتبها وهي تحمد الله انها وجدت قرص المسكن لتخرج واحدة وتبتلعه مع رشفة مياه .. جلست بانهيار تام علي كرسيها تمسد رأسها الذي سيخرج عن سيطرته

الصدمة لم تقدر على تجاوزها منذ الصباح ، ويأتي هو يرغب علاقة قذرة منها

هل لتلك الدرجة رخيصة ؟!! … لا تقدر على جذب شخص محترم ؟! لا تتحكم به شهوته !!

صمت لفهمها وتشكر صمته هو الآخر ، تراه يحدق بها بصمت وتأمل لم يصيبه بالملل لترفع راسها وهي تقول بنبرة ضعيفة

– نستطيع أن نكون حضاريين وندع باقي العمل يمر بسلاسة ، لا أريد اصابة العروس بالتوتر نتيجة لشيء غير مهم

مرر يده علي لحيته الكثيفة ، يحدق بها يتفهم تعبها وصدمتها والضعف يمقته بها ، وما ان تركها لدقائق تستوعب رغبته تفوهت بأكثر حماقة ممكن أن يسمعه ، غمغم مرددا كلمتها

– غير مهم ؟؟!! ، انسى ما قلته .. نستطيع أن نكون صديقين للنهاية .. أعني حتى نهاية الزفاف

لم يصدق ردها المستسلم بضعف

– بالطبع  ، ايام قليلة ما تبقى

نظر لها غير مصدقا لما تقوله ، هل وافقت بسلاسة ؟!

– هل انتِ متأكدة ؟

استقامت من مقعدها وهي تتجه نحو ماكينة القهوة تصنع كوبا لها تنتظر بصبر لصنع قهوتها ، لترد بعقل شارد والفكرة واحدة وهي التخلص منه بأقصى سرعة

– بالطبع ، يوجد لدي حفلتي خطبة بعد الزفاف ، جدول عملي حافل للغاية

ابتهجت ملامحها لتصاعد رائحة القهوة رغم عدم حبها لكن عملها أجبرها عليه ، امسكت الكوب لترتشف منه الا انه صاح معترضا

– لا تشربي القهوة ، انها سيئة للمرأة

نظرت نحو كوبها ثم إليه لتقول بعقل غير واعي

– ماذا

زفر ساخطا ، الا يكفي قرص مسكن كيف تأخذ تلك الغبية قهوة بحجم كوب كبير ، اقترب وهو ينزع الكوب من يديها ويلقيه في القمامة دون حتى التفكير بسكب محتوى الكوب فقط !! … رفعت عينيها مندهشة من تصرفاته الجريئة والصدمة ألجمت لسانها

بحياتها لم تقابل شخصا مثله

غمغم سرمد بحنق شديد

– نصائح امي ، تناولي الاعشاب افضل من القهوة ، لا يجب على المرأة أن تفقد جزء من أنوثتها لتثبت للرجل انها تستطيع ان تجابهه ، افضل سلاح لكن للإطاحة بنا هي انوثتكن فقط

اخرج من حقيبته كوبه الحراري ليقترب منها وهو يقول بنبرة هادئة

– هذا كوب لبداية تعرف جديد بيننا ، تقبليه مني

نظرت إلى كوبه الحراري الأسود ثم إليه لتهمس مترددة

– لكن

علم تفكيرها ليقول بهدوء

– هذا جديد لا تقلقي خاصتي داخل الحقيبة ، وضعت فيه لبن بالقرفة ، توقفي فقط عن تناول العقاقير والقهوة وستصبحين بخير

اسلم حل لها ان تهادنه ، اخذت الكوب منه لترى كتابة باللغة الايطالية كما خمنت مع طباعة أسمها باللون الذهبي ، لتقول بدهشة

– كيف تتغير من حال لآخر

لاحت علي شفتيه ابتسامة وهو يراها تفتح الغطاء لتقترب بأنفها تشم الرائحة باستمتاع مسترخي قليلا قبل ان ترتشفه على مهل شديد

– لم اقدر على اثارة أي مشكلة في رحلتي بسبب جلوسنا في ذلك الوقت من المساء ، وبداية تعارف جديد بيننا

قالها وعينه على شفتيها ، كيف تبتسم وكيف تغلق جفنيها والاسترخاء يداعب قسمات وجهها المتشنجة ، استمع الي همستها الناعمة

– شكرا

ابتسم بغموض شديد ليسحب حقيبة ظهره ليقول بنبرة مشاكسة

– حسنا ، دعيني اوضح لك امرا انني ضعيف جدا تجاه النساء ، احتاجك لتمنعيني منهن

ارتفعت عيناها بصدمة له لتهمس بتردد

– لكن

قاطعها بجمود شديد وعلي شفتيه ابتسامة غامضة كرهتها

– انتِ قلتها سابقا ما تبقي فقط ايام بيننا ، من يعلم ربما سأكون أفضل شخص قابلتيه

ابتأست ملامحها من غروره لترد بحنق

– مغرور

هز رأسه قائلا بنبرة ماكرة

– أشكرك

دقات على باب مكتبها تبعه دخول نجوى التي انصدمت من مشهدهما المريب نوعا ما ، هي وهي منسجمان وهو مقترب منها رغم المسافة التي بينهما ثم … هل هذا كوبه ؟!!! همت أن تسأل إلا أنها وجدته يخرج من حقيبته كوبه وهو يهز راسه بتحية لتتسارع نجوى وهي تقول بعملية

– شادية محتاجينك

هزت شادية راسها لتنظر له بدون حديث تتخطاه وهو يراقبها بطريقة اثارت الريبة ، يكاد يأكلها بعينيه وهو يحدق بساقيها لترتفع عيناه عليها ويفاجئها بغمزة وقحة منه ، سارعت نجوى بإغلاق باب الغرفة بعد خروج شادية لينفجر وقتها سرمد ضاحكا من مساعدتها الخرقاء

هدأت ضحكته رويدا وتذهب ملامح السخرية من وجهه ليشع بريق من عينيه والصبر لا يمتلكه أكثر .. يرغبها .. بصورة سيئة وحاجه لم تحدث أبدا ، غمغم بنبرة غامضة

– يخيفك الاقتراب مني يا برتقالية رغم استجابتك الضعيفة لي ، لكن ما زلتي تصديني وتبنين بروجًا لعدم ايقاعك

****

ظل لؤي أمام مرآة غرفته ينظر إلى صورته العاكسة والوجوم يملأ وجهه ، لم يرغب بفعلها يقسم .. لم يرغب أن يؤذي بحياته لم يحاول أذي أقرب الأشخاص له ..

من ناحية هو مقيد وما فعله جرح وطعن أنوثتها ومن ناحية اخري نداءات قلبه تلك أصبحت مميتة ، زفر متنهدا بحرارة وهو يتذكر عمه .. كان في وقت مراهقته وواعي لما يحدث خلف الأبواب .. عمه عشق بجنون لامرأة ليست من مستوى جده وسنوات القطيعة جعله يري شحوب وجه جده وسنوات عمر أضافت فوق عمره ، سنوات قطيعة جعلته مشتت وحائر في أي يصف ينحاز له الا انه ببساطة قرر الهرب وترك الكبار يتصرفون .. ووقع هو بالنهاية داخل تلك المتاهة .

تبدل الحال من يوم وليلة ليسمع تهديدات جده بعمه بحرمه من المال واسم العائلة ان لم يعود ، كان يقسم بأغلظ الأيمان أنه سيسبب في أذيته ان لم يعود إلى منزله وجاء عمه واضطر أسفا ترك عائلته خوفا من بطش والده ، ولأن روح عمه معلقه مع عائلته لم يشعر انه علي راحة في منزل كان يعتبر منزله .. يتذكر يوم أن طلب منه مساندته وحماية عائلته وهو على فراش الموت

كان ما زال مراهقا والعبء ثقيل علي عودة الذي لم يشتد بعد ، لا يعلم لما وعده بحمايتهم ، وأنه سيظل يحميهم ، وعد رجل علي فراش الموت أنه سيضم بناته الي العائلة .. جز على اسنانه ساخطا من نفسه … كيف وقتها تحمل حمل ثقيل وأصبح ملزم به … البيت تبدل من حالة التوتر الي الحزن يسوده مع وفاة عمه وعاد الجد لقوقعته مرة اخري ، دون حديث وجلب سيرة لهم …

وهو كان حائرا لا يعلم ماذا يفعل وكيف يبحث عنهم ، وحاول بمفرده وبعلاقات بأسم العائلة البحث في السفارة عنهما لكن وكأن الارض انشقت وبلعتهم وسنين البحث كانت عبارة عن البحث في كومة قش !!

استقام من مجلسه وهو يعود من ذاكرته ليسحب مفاتيحه وهاتفه ، يود البحث عن تلك الساحرة ذات عيون القطط المختبئة بذعر عنه ، فقط لا يريد ان تعقد حياته أكثر وخصوصا زواج ابن عمه المرتقب !!

هبط الدرج بسرعة راكضا من اشباحه ليتوقف عن التحرك حينما استمع الى صوت جده الأجش

– أظن سيبتك تلعب براحتك يا لؤي

ضم قبضته بعنف وهو يدير بجسده ليقول بنبرة فاترة

– العفو يا غالب باشا

رفع غالب عينيه وهو يرى نسخه حفيده طبق الأصل من جده ، الا ان الفارق بينهما أن حفيده له حس قوي تجاه المسؤولية بعكس ولده الذي فر الي اجنبية لا يعلم لها أصل من فصل وانجب منها طفلتين ، العداء بينهما شب بعد وفاة احدى حفيدتيه لا يعلم لما كل ذلك العداء رغم انه كان موافقا لارساله نحو بلادهم والتقصي علي اخبارهم بمساعدة محقق اجنبي الذي اختفى كالزيبق … عقد حاجبيه وهو يغمغم بحنق من قسوة حفيده

– أقدر أفهم ايه فيه

ابتسم لؤي بلطف وحاول علي قدر الامكان الا ينسى مكانه جده ليقول

– مفيش حاجه

وقتها استشاط غالب غضبا من تقوقع حفيده ليصرخ هادرا

– اسمع يا ولد مش عشان وثقت فيك وخليتك حمل مسؤولية اسمنا اني اسيبك تلعب من ورايا ، لأ يا لؤي فوق واعرف انت بتكلم مين

ابتسامة ساخرة لاحت علي شفتي لؤي وهو يقول بمكر

– زمانك انتهي يا غالب باشا

انتبه على وجود عمته التي قدمت على صوتهما المرتفع لينظر نحو عمته ببعض من العتب ، لولاها وحبها المريض ما كان مشتت لتلك الدرجة !!

يحملهما ذنبا .. بل ما وصل له ، ما ذنبه أن يكون هو أداة إصلاح القديم رغم الحمل الكبير من المفترض أن يقع عليهما ، لما يشعر بالغضب والحنق من ممارستهما الحياة دون إصلاح أخطائهم ؟!!

رمقهم ببعض من الحنق ليقول

– لو عايزين نلعب على المكشوف انا جاهز، و بالمرة عمتي تكون قاعدة في الحوار ده

صاح غالب بدون مواربة وهو ينظر الى عيني حفيده بنظرة ثاقبة يكتشف ما يخبئه من مصيبة

– فين أحفادي

انفرج عن شفتيه ابتسامة ساخرة ليقول

– أحفادك اللي رمتهم وقت ما جيه عمي هنا وأجبرته انه يتجوزها

كظم غالب غيظه وهو يجد امتعاق وجه جميلة التي شحب وجهها ليقول بصلابة

– جميلة كانت تبقي بنت عمه وهو عارف انه هيتجوزها بس اتمرد عن طوعي وسافر واتجوز واحدة  منعرفش أصلها من فصلها

العرق النابض في صدغه ينبض بجنون لسماع كلمات جده الباردة ليصيح قائلا بحدة

– للدرجة دي مكنش عندك رحمة انك متبعدش اب عن عياله ، انت مشوفتهوش كان عامل ازاي لدرجة انه جالة سكته قلبية ومات

انفلتت من شفتي جميلة شهقة مؤلمة وهي تحدق نحو الرجلين ، جز غالب اسنانه بسخط ليرد

– بلاش نحكي عن الماضي

انفجر لؤي ضاحكا ليصفق بكلتا يديه قائلا بحدة

– والغريب انك عايز تعيد نفس الماضي معايا انا ووجد ، انت للدرجة دي معندكش رحمة ، متعظتش من اللي حصل زمان

نظرت جميلة نحو شحوب عمها لتقول بحدة موبخة

– لؤي

صمت لؤي والذكري تتدفق من ذاكرته ، ذكريات ماضية مؤلمة لروحه التي لم تجد الراحة مطلقا ليهمس بنبرة باهتة

– مقدرتش ابعد صورته لما شوفته ، كان مختلف عن عمي اللي عرفته ، وفي الاخر بعد سنين تقولي روح سافر وشوفهم من بعيد كأنك بتتصدق عليهم

يتذكر وقتها يوم جده الذي أمره بالسفر لأمريكا قائلا ان هناك رجلا سيساعده على الوصول لأبنتي عمه ، لم يتردد وهو يستمع إلى تحذيرات جده من عدم الاقتراب منهم .. يريد فقط معرفة أخبارهم ثم العودة

وافق رغم انه تمرد واقترب بجنون نحو آسيا ، كانت مبتهجة رغم الحزن المظلل في عينيها ، تعمقت صداقتهما الوليدة ثم حدثت الشرارة بينهما وقرر وقتها معاقبة الجد بقسوة وتزوجها … تمردا لجده واندفاعه لتلك المرأة

تزوج نعم ، واخفي هويته وهو يستمع الي حقدها تجاه عائلة أبيها ، لم يقدر وقتها علي كشف ورقته ، خشي أن يخسرها وهو لمرة واحدة يشعر أنه حقق شيئا خاصا له !!

لا يعلم متى علم جده باقترابه منها وهو يصرخ في وجهه بحدة يأمره بأنه أخل باتفاقه ، ثم بعدها انكشفت حقيقته أمامها حتى وصل به الحال الى هذا اليوم

يعاني صراعات لا يعلم احدا عنها شئ وما زالوا يضعون أحمالا فوق ظهره

انتبه إلى  صوت عمته الحازم

– لؤي

تجبره على الصمت لكنه ما عاد قادر على الصمت ليقول بوقاحة متعمدة منه

– عمتي لو سمحتي

ارتفع عينا جميلة لصوت لؤي المرتفع ، حاولت أن تسند عمها بجسدها لتسمع صوت لؤي المتفجر بغضب

– طلبتني أروح وأشوف حياتهم من بعيد وأمد لهم فلوس كأني بتصدق عليهم في الخفا  ، رغم أنه كان حقهم .. كان حقهم ياخدو فلوس ابوهم ويعيشوا حياة محترمة

تمسكت جميلة بقوة بجسد عمها الذي وهن لتصيح بنبرة مرتفعة تخرسه

– لؤي

ملامح وجهه قد من الحجر لينطق بسخرية لاذعة

– بس حياتي انا اللي اتدمرت بعكسكم ، مندمتش لحظة في حياتي أكتر من أني كنت متخاذل قدامكم

استدار راحلا لينكس غالب رأسه وهو يسمع الحرقة في صوت حفيده ، هل لتلك الدرجة حمله ما ليس له قدرة على تحمله ؟!! .. ارتفعت عيناه نحو جميلة ليهمس

– وديني أوضتي

هزت جميلة رأسها وهي تسنده نحو غرفته وعقل الجد يحلل سبب ثورته حتى برغم تلك القطيعة التي فرضها حفيده بعد موت حفيدته لم يقدر على رفض طلب له ، ترى ما الذي استجد وما الذي يخبئه في جعبته ؟!!

***

أمسكت فرح كوب ترتشف الشاي ببطئ وعينيها علي تلك الدخيلة والصغيرة ، الصغيرة متفتحة بإشراق كما حالها دوما وتنثر عبق طفولتها وبرائتها لسكان المنزل ومن ضمنهم تلك الدخيلة التي فاجأتها بوقاحة طالبة رؤية الصغيرة … زفرت فرح بهدوء وهي تنظر نحو ساعة الحائط .. العد التنازلي بدأ وهي تتوقع في أي لحظة عودة نضال من العمل ليثور أمام تلك الفاتنة ..

رغم شعور الضيق وبعض من الحنق من رؤية الجمال الوحشي لتلك المرأة وخشية أن ينجذب نضال لها ويعود لعبثه القديم ، إلا أن كبريائها وقتها لن يتحمل نظرة فقط يمتع بها عينيه ، تقسم أنه ستفقأ عينيه وترحل وتعتمد على ذاتها ..

تشكر بشدة فريال وجيهان لمساعدتهم على ذلك العمل ، رغم أنه ليس من اهتمامها لكن وجدت به متنفس وحياة اخري لتتسع آفاقها وتبعد نضال عن دائرة اهتمامها ، العمل والدراسة أصبح يستحوذ على عقلها مع اهتمامات المنزل ثم غضب نضال المتكرر واحباطه العاطفي لتهربها الدائم بحجة الدراسة ، إلا أنها لا تنكر انه مستمتع برفضها وتلاعبها به لكن وقت حاجته السيئة لا يردعه رادع مطلقا للظفر بما يريده !!

استرخت أكثر وهي تتذكر فترة تلاقي الجسدين والعاطفة التي تندلع بشرارة تجعلها تستسلم بضعف انثوي له ، حتى هو بعزة وقوة رجولته لا يشعر بالاكتفاء فقط من استسلامها أو استسلام ظاهري ، يريدها متطلبة وراغبة كما بحالته

يريدها أن يشعر بالكفاءة بين حاجته وحاجتها ، وكان لقاءاتهما السابقة والحالية تغيرت

فشتان بين السابق والحالي ، أصبح أشد صبرا بل ومتأني وعاطفي عكس اندفاعه السابق وتهوره وهي بخجلها العذري وعدم خبرتها سلمته مقاليدها برضا تام ، لكن نضجها ووعيها الان علمها متى ترخي ومتى تشد كي لا يظن أنه يملك زمام أمورها !! حتى لو لم يعترف وتخشى أنه سيعترف بلسانه لكنها ستكتفي اللعب بأعصابه

وأول شجارهما اللذيذ سيبدأ بعد 3 … 2 .. 1

وصوت صراخ هادر منه سمعته يحدث في الصالة حيث تجلس تلك الفاتنة مع الصغيرة

– بتعملي ايه هنا

ساقتها قدميها وهي تري أن ساعة عودته تضبطها علي الدقيقة ، توجهت بهدوء شديد تري سخط من نضال وبرود لا مبالي منها لتقول

– هكون بعمل ايه بشوف بنتي

استشاط غضبا من برود تلك ليرفع عيناه حينما أحس بوجودها تلك الهاربة ، المشاكسة المتعمدة لإثارة غضبه ، الشرر يتراقص في حدقتيه ليصيح هادرا بسخط دون اكتراث لصوت شمس الباكي

– انتي سمحتيلها تدخل ازاي

بكل برود كما الاخري ردت بهدوء وهي تري تشبث الصغيرة بملابس خالتها مرتعبة من غضب والدها وكأنها تخشي أن يمد بطشه عليها

– نضال ،  شمس مش رفضاها بالعكس مرحبة بيها جدا ومقدرش امنع خالة انها تشوف بنت اختها

مالت عينا اسيا بحنان شديد تقبل ارنبة انفها وتمسد ظهرها تحاول عودة اشراق وجه الصغيرة للضحك ليرتفع وقتها صوت نضال المتذمر

– الكلام ده لو كانت امها اللي خلفتها

تجمدت عينا اسيا وهي ترفع نظراتها نحو نضال المشتعل غضبا ، بكل برود أجابته

– الام اللي تربي يا نضال ، مش اللي تحمل وتخلف .. مارية كانت هتنزل في الوقت ده بس للأسف ظروف منعتها واضطريت انزل

تكذب نعم ، وإن كان .. لا تريد أن تضع صورة سيئة أمامه

لوي نضال شفتيه ليغمغم بصوت خفيض

– وياريت الطيارة وقعت وريحتيني

رفعت عيناها قائلة بتشكك

– بتقول حاجه

رفع عينيه وهو يقول ببساطة شديدة

– اشوف اسماك القرش تاكل لحمك ولو اظن انهم هيقرفوا يشموه

سيطرت فرح علي حالة الضحك الذي انتباها وهي تحدق في آسيا التي ارتسمت ابتسامة بلهاء لتقول

– مكنتش اعرف انك خفيف للدرجة دي

تراقص الشرر في عينيه لتقترب فرح تضع جسدها عازلا عنهما ، امسكت بساعد نضال لتقول بتوبيخ جعل حاجبيه ترتفعان بذهول

– نضال متزودهاش

يعجبه التحدي في عينيها ، القوة والثقة المنبعثة من عينيها الدافئتين ، غمغم بنبرة خفيضة

– حسابي معاكي بعدين

لفت شمس رأسها لترى والدها الذي هدأت ثورته لتقول وابتسامتها تسبق قلب نضال

– بابا .. ارفع

لوت آسيا شفتيها بحنق وهي تري الصغيرة تلغيها من حسابها ، ونظرة الظفر في عيني نضال الذي خطف منها الفتاة لتقول بحنق

– مين مصدق ان الملاك دي ابوها شيطان

لم يتردد نضال في الرد عليها بابتسامة صفراء

– ومين مصدق ان خالتها حية

انفرجت عن شفتيها ابتسامة ماكرة لتقول

– حية بس قدام اللي بتحس قدامهم بالغدر

هم نضال بالرد عليها لتصيح فرح بنبرة  صارمة وبدأت تشعر انها في روضة بين طفلين وليس بين شخصين عاقلين

– خلصتوا خلاص رمي كلام لبعض

لمعت اسيا عيناها وعلي شفتيها ابتسامة ماكرة ، لم تتوقع اسفل ثوب الهدوء والسكينة يخفي وجهها صارما ، رفعت عيناها نحو نضال الذي ينظر بتسلية نحو فرح التي قالت بحدة طفيفة

– أظن لحد كدا انك شرفتيني في بيتي يا آسيا ، اتفضلي

اشارت بيدها نحو باب المنزل ، ليرفع نضال كف صغيرته ويلوحه في وجه آسيا التي تجهمت ملامحها لتدير فرح بوجهها وهي تأخذ الصغيرة من ذراعيه قائلة

– اتفضل حضرتك غير هدومك عشان ريحة السجاير غلط علي البنت

ابتسم نضال باستمتاع وذهبية عينيه لم تخيفها أمام أحد لكن تقدمه منها وهو يهبط بجذعه نحو أذنها هامسا بوقاحة

– بتعجبني شجاعتك قدامها وبيعجبني شجاعتك لحد سريرنا

اتسعت عيناها من وقاحتة العلنية لتقول بحدة

– أظن الكلام ده مش قدام الناس

شعرت اسيا انها طرفا زائدا في الحوار الزوجي لتقول بهدوء شديد وهي تأخذ حقيبتها

– هاجي زيارة تاني وهاخدها معايا في بيتي

انفجر نضال صارخا بقوة

– استحااالة

ضغطت فرح علي ساعد نضال وهي تربت على ظهر شمس التي انتفضت باكية من صوت أبيها لتتولي فرح الرد لتقول بهدوء نحو آسيا

– البنت في حضانة بباها ، عايزة تشوفيها تشرفي هنا في أي وقت لكن شمس مش هتطلع من بيتها الا وهي معايا او مع بباها

صمتت آسيا ونضال الذي ينظر نحو فرح مليا

كم تغيرت تلك الهرة الناعمة ، تغيرت وأصبح لها مخالب ناعمتين حد القتل

هزت اسيا رأسها وهي تتجه نحو الباب مغادرة ، تبعتها فرح بهدوء حتي باب المنزل ، توقفت آسيا عند عتبة المنزل وهي تنظر مليا نحو تلك المرأة

توقفت لثواني قبل أن تغمز بمكر

– استقليت بيكي جامد يا فرح

ابتسامة صفراء زينت ثغرها لترد

– نورتي

أغلقت فرح باب المنزل مع إغلاق باب المصعد ، لتتحول ملامح اسيا للبرود لتنظر نحو هاتفها بوجوم شديد ، هروبها من قبضة لؤي حينما استفزته تلك الليلة مع خطيبته تعلم أنه لن يدع الأمر يمر مرور الكرام ، لكن تلك الغيرة العميائية تقتلها بشدة

لا يحق له العيش والاقتراب من امرأة اخرى من بعد ما عاشاه معا ، حتى وان اظهرت هي بمظهر الفتاة السيئة .. لا يهم ، توقف المصعد عند الطابق الأرضي ، لتخرج وساقيها العاريتان بسبب تنورتها القصيرة الضيقة لا تسمح لها سوي بحركة محدودة ، القت غمزة نحو حارس العقار الذي فتح شفتيه ببلاهة وهو يرى أنجيلينا جولي تسير على ممر عقار عمله ، رمش الرجل أهدابه عدة مرات غير مصدق ما حدث !!!

يسود الشارع السكون المميت لتهز اسيا رأسها وهي تحاول معرفة أين السائق الذي أمرته بالانتظار ، ثواني حتى استمعت الى صوت بوق سيارة الأجرة لتتسع ابتسامتها وهي تراه علي الطريق الاخر منتظرا اياها

همت بتحريك ساقها ناحية الجهة الاخرى ، الا ان في ثواني معدودة تكهرب الجو حينما ظهرت سيارة سوداء من حيث لا تدري تقاطع طريقها ليجذبوها بخشونة أدى إلى تمزق تنورتها طوليا وصوت خفيض متأوه من شفتيها

– اااه

همت باخراج جهاز الصاعق من حقيبتها الا أنها شعرت بنصل حاد يخترق عنقها وبعدها تراخت جفونها والاصوات من حولها أصبحت كهمهمات لتتثاقل جفونها وهي تخر ساقطة كما تتساقط أوراق الخريف على الأرض الصلبة !!

****

في المطار ،،

خطت قدميه أرضا لم يطئها ابدا بحياته ، رفضها وفضل الهجرة في إحدى دول الغرب ، لكن ما جعله يأتي خطب أخيه ، لا ينكر أنه يشعر براحة عكس استقراره في دولة غربية ، لكن ماذا يفعل وصديقه الوحيد تركه وقدم الي هنا وحتى الآن لا ينوي المغادرة

فقط يقابله ويري سر تشبثه بذلك المكان ، نظر بعينيه نحو الجميع … يبحث من بينهم نحو شقيقه يشبه في ملامحه إلا أن هناك فرق طول بسيط بينهما ، اتسعت عيناه وشفتيه ارتسمت ابتسامة هادئة وهو يرى شقيقه هو الآخر ابتسم

تقدم بخطواته هادئة وداخله يغلي شوقا لاحتضانه وشم رائحة الوطن به ، تلاقت العيون بين الشقيقين

ثم العناق الطويل ، انسلت دمعة من عينيه وهو يربت بقوة علي ذراعي نزار الذي صاح بنبرة متفاجئة

– لك شو هالمفاجأة الحلوة ما توقعتك تجي

لم يتوقع منذ الصباح رسالته التي أخبرته أن ينتظره في المطار ، لم يصدق أنه فعلها اخيرا ، لو علم أنه سيأتي لأخبره أنه سيتزوج منذ سنوات ، ابتعد غسان قليلا وهو يشبع عينيه للنظر لملامح شقيقه ليبتسم قائلا

– لك كيف بدك ياني مااجي وكلها كام يوم وتبقي عريس

عاد نزار احتضان شقيقه الأكبر منه بثلاثة أعوام ، وروحه ردت لجسده وشريط لسنوات عمرهما يمر عليه ليبتسم نزار قائلا بعاطفة

– لك اشتقتلك كتيييير ياغسان مابتصدق قدي فرحان انك معي هلا

انتفخت أوداج غسان ليربت على صدره وهو يغمز بمكر

– وهيني هوون ،ومارح روح ل لاقيلي بنت حلوة

ضربه على مؤخرة عنقه ليسحب حقيبته يجرها ليقول بخوف ظاهري إذا استمعت والدتهم

– لك هسس هسس بدك تفضحنا مع عيوش ناوي ماتخليك تسافر مرة تانية

تنهد غسان وعينيه تتابعان النظر للنساء ليقترب من شقيقه قائلا بمكر ، يغريه عن كونه عازبا

– لك تعا وشوف هدنك البنات بقولو للقمر روح لاقعد محلك

أبتسم نزار وهو لا يصدق انه لم يتوقف حقا عن وقاحته بل زادت ، وضع الحقيبة في حقيبة سيارته ليقول بنبرة عاطفية اجشة وهو يفتح باب سيارته

– اخخخخ ألبي ملك لرهف بس هي بس يلي معها مفتاحه

اشمئز غسان من عينا شقيقه الهائمة ليقول بتحذير مرح

– لك اوعك تخلي مرتك تركبك يازلمة لا تكون متل رفيقي عزت

ضاقت عينا نزار وهو يحاول متذكرا إذا سمع ذلك الاسم قبلا من صديقه ، شق بسيارته نحو المدينة ليرد

– عزت

حرك غسان يديه بمسرحية قائلا

– لك هاد رفيقي كان يحب مرته كتير وكان كل يوم يجبلا وردة بس جارتها الحسودة كان تقوللها جوزي بجبلي بوكيه ورد فاختنا حست بالغيرة ولما باليوم يلي بعده جبلا عزت وردة زتتها بوشه ” رمتها في وشه “

هز نزار رأسه وقال بصبر ليعلم نهاية تلك القصة

– وبعدين ؟

اشمأزت تعابير وجه غسان ليرد بقرف

– ولا قبلين ولا بعدين ،من كتر مانو غبي رجع جابلا وردة تاني يوم

ضيق نزار حاجبيه ليرتفع عيناه نحو المرآة مراقبا الطريق وقال

– وهي ؟

أخرج صوتا ساخرا من شفتيه ليقول بحدة

– زتتها بوشه كمان شفت اغبى من هيك زلمة

انفرجت عن شفتيه ابتسامة ساخرة ، يذكره بنفسه حينما كان رجلا واثقا بحاله حتى أتت تلك صاحبة عينا الموج في غضبهما والبحر في أشد هدوئها ليقول

– والله انت يلي غبي

صمتت لثواني ليقول نزار بهدوء شديد موضحا تفسير صديقه بجلب الوردة رغم رفضها

– هو كل يوم بفرجيها بعمرها بحياتها مارح تلاقي حدا يتحملها متله

أطلق غسان ضحكة ساخرة من شفتيه ليقول

– انت غبي

قست ملامح وجهه للحدة ليقول بحدة في وجهه

– ضب لسانك جوا حلقك ولك اخي

اصطف سيارته حينما وصلا للمنزل لينظر الي شقيقه الذي ينظر بتمعن نحو المنزل ، قاطع شرود شقيقه ليقول بحدة

– انزل ولا عجبتك القعدة

تأمل غسان المنزل المكون من طابقين ، يبدو عصري وحديث عن بيتهم القديم الا ان رائحة الريحان والليمون ازكمت انفاسه  لثواني حاول أن يستجمع شتاته قبل أن يترجل من السيارة ليقابل والدته …

في الداخل ،،

جزت بيسان اسنانها ساخطة لا تصدق أنها بعد أن جذبتها من فراشها جعلتها تنظف المنزل ثم لم تدعها حتى تلتقط أنفاسها لتأمرها بتنظيف الخضار وتعبئته داخل كيس بلاستيكي لتضعه في المبرد ، لكن الجنون حينما تخبرها انهما سيخبزان .. عظامها تئن وجعا .. هي بحياتها لم تقم بذلك في منزلها ، صاحت متذمرة

– يا خالتو ماله لو نجيب من محل بدل ما تربطيني جنبك كل الوقت ده

صاحت عايشة بصرامة شديدة وهي تري تقاعس ابنة اختها عن العمل

-اشتغلي من تم ساكت فهمانة وقال شيف قال ، شكله نزار كان عم يدللك

تجهمت ملامحها للوجوم إلا أنها قالت بتذمر شديد

– يا خالتي انا بشتغل حاجة واحدة مش بكنس وانضف واروح المطبخ واغسل المواعين في يوم واحد

استشاطت عايشة غضبا من تلك المتبجحة لتصيح في وجهها بحدة

– لك اسكتي ها العتب مو عليكي العتب على أمك ،لك انا بعمرك كنت اخبز الصبح ،وبعدا ضل بالمطبخ لوقت الغدا

عضت بيسان علي شفتيها بحنق لتستكمل كلام خالتها ببرود

– وبعد العشا تبدأي تمسكي المطبخ تنضفيه عارفة يا خالتو .. الزمن اتغير احنا مش هنبقي الجيل القديم

زفرت عايشة متنهدة بقلة حيلة لترفع يداها تشكو خالقها ثم عادت بعينيها نحو ابنة اختها لتغمغم بحنق

– لك هاد يلي فالحة فيه انت ،لك لو تركتك ماكنت حليتي عن الجوال ليفصل شحنه

صمتت عايشة حينما استمعت الى صوت الباب المغلق ، ارتفع صوتها تنادي ابنها

– حبيبي نزار اجيت

ارتبكت بيسان وشحب وجهها تدريجيا لتنظر الي ساعة الحائط ، هذا ليس وقت انتهاء دوام المطعم ، ما الذي أتى به مبكرا ؟!!!

انتبهت الى وجود رجل ذو ملامح غريبة يقتحم غرفة الصالون ، رافعا سبابته لشفتيه طالبا منها الصمت … صمتت وهي تري نزار ابتسم بشقاوة مستندا بجسده عند الباب .. اقترب ذلك الغريب يميل بجسده نحو اذني خالتها ليقول

– اشتقتلك يا عمري وروحي اشتقتلك ياحبيبة ألبي

شهقت عايشة وصوت فلذة كبدها الغائب يضرب عميقا في أوتارها ، غامت عيناها بالدموع لترفع بوجهها تنظر اليه

هو ابنها .. بهيئته وملامح وجهه الحبيبة ، انفجرت باكية وتكحل عينيها به

ارتعشت شفتيها لتقترب منه تمسك بذراعيه .. تحاول ان تصدق انها لا تحلم بوجوده ، رفعت بيديها تلمس وجهه لتتعثر شفتيها قائلة

– غ غ .. غسان

امسك كلتا كفيها ليقبلهما بدفء وعينيه على والدتها ليقول

– اي ياعمري غسان بشحمه ولحمه ،هي رجعتلك ياروحي انت

يتبع..

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية أترصد عشقك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *