روايات

رواية يناديها عائش الفصل الثامن والأربعون 48 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل الثامن والأربعون 48 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش البارت الثامن والأربعون

رواية يناديها عائش الجزء الثامن والأربعون

يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة الثامنة والأربعون

وَإنِّي دُون عَونك يَا إلهي ، شَريدٌ تَائهٌ فِي وَسطِ عَتمة .
*********
شحب وجه بدر و امتقع؛ مخافةً أن تكون عائشة علمت بأمره، ظل لثوانِ يطالعها بدهشة من دخولها المفاجئ و بخوف ظنًا أنها اكتشفت سره.
أعادت عائشة السؤال بقلق من هيئته المذعورة
“سمعتك بتقول هنروح للدكتور امتى ؟.. دكتور ايه و مين اللي هيروحله بالضبط.. بدر أنت كويس؟”
تساءلت بآخر جملة و هي تجلس بالقرب منه و تحتوي كفيه بقلق، نطق أخيرًا بتلعثم
“آآ.. هو.. هو مفيش حاجة تقلق.. متخافيش كده”
” اومال مالك.. في ايه ؟ ”
قال كاذبًا
“أصل زياد عرض عليا نشوف دكتور يتبنى حالة سيف.. و يساعدنا نعمله العملية على نفقة الدولة”
تهلل وجهها لترد بسعادة
“بجد ! .. طب كويس والله.. الحمدلله.. ربنا يسهله الحال و يشفيه يارب”
أومأ بابتسامة شاحبة
“يارب”
عاد الصمت و الشرود يخيم عليه ثانية، فلفت عائشة وجهه لها لتقول باسمة
“لو في حاجة مضيقاك احكيلي.. فضفض معايا أنا مراتك لو مقدرتش أساعدك على الأقل هكون مستمعة ليك.. الإنسان بيتعب من الكتمان بلاش تكتم اللي تاعبك و فضفض بيه.. اعتبرنا صحاب.. ايه رأيك ؟”
تنهد قائلًا بهدوء
“أنا كويس يا عائشة مفيش حاجة.. يلا نروح”
شككت عائشة بحالته و ساورتها الظنون حول أنه قد ملّ منها سريعًا ولم يعد يحبها، نحن النساء عندما نرى تقلبات وجه رجالنا ينحسر تفكيرنا حول شيء واحد فقط وهو
” أن رجُلي لم يعد يُحبني” ربما قد تكون هذه حقيقة وربما قد يكون الرجل منشغل بأمور أخرى تتعبه نفسيًا و ترهقه جسديًا، ولكن إذا حدث و لاحظتِ أن رجُلك منشغل بأمر آخر عنكِ فعليكِ أن تتركي غيرتك و انحسار تفكيرك على جانب و تُفكري بعقلانية قليلًا، عليكِ عزيزتي أن تحتويه و تصاحبيه وقت انفعالاته و تقلبات مزاجه؛ حتى لا يذهب لأخرى لتحتويه و إن ذهب فالباب يسع آلاف الجِمال.
تساءلت عائشة بقلق
“بدر أنت زعلان مني في حاجة ؟.. أنا عملت حاجة ضايقتك ؟”
تأملها للحظات فشعر بالخوف ينتاب قلبها و يظهر على معالم وجهها الرقيق، غضب من نفسه على اظهار ضعفه أمامها و جعلها تشك في حبه لها، لقد قرأ القلق في عينيها، بداخله يُقسم أن لو الأمر متروكًا له و يستطيع التعامل معه كما يشاء لأخفى قلبها بروحهِ حتى يبقى له فقط ولكنه رغمًا عنه أصيب بهذا الاضطراب، الذي يجعله أحيانًا غير متزن و لا مستقر نفسيًا فتارة يشعر بأنه يعشقها بجنون وتارة أخرى يشعر بأن حُبها هو ابتلاء مؤلم لكن مذاقه لذيذ في نفس الوقت يريد الهرب ولا يستطيع، وكيف يهرب و قُلبه مُعلق بعائشة ! أينجو المرء بدون قلبه !.
داعب وجهها ليقول بنبرة مطمئنة
” وكيف الفِرار منكِ و في عينيكِ ملاذي ؟ ”
برقت عيناها بحُب و اطمئن قلبها فور تغزله بالكلمات العذبة التي لطالما أثارت سمعها و داعبت أوتارها و تركت أثرًا واضحًا في ملامحها، لتقول بابتسامة مُشرقة
“دايمًا بتنجح في طمأنة قلبي.. بحبك أوي لما بتتغزل فيا.. أنت بتجيب الكلام ده منين ؟”
بادلها الابتسامة ليردف بلُطف
“مش ببقى مجهزه.. بلاقي لساني بيتحرك بيه تلقائيًا لما بتأمل ملامحك.. يمكن أنتِ عادية بالنسبة لأي حد، لكن بالنسبة لقلبي فهو بيبقى في قمة سعادته لما بيغرق في تفاصيل جمالك..”
ابتسمت بخجل، تشعر بأن قلبها يكاد يطير من الفرح، تستاء من نفسها كثيرًا كلما تتذكر بغضها له سابقًا و رفضها للزواج منه، ولكنها الآن ربحت نعمة عظيمة عندما وافقت عليه، حظيت بزوج حنون يحبها بل يعشقها و يراها أجمل النساء، ويفعل أي شيء ليرضيها يعاملها بحنان كما أوصى رسولنا الجميل.. البعض يرى أن الرجل الذي يعامل زوجته بكل لُطف ورقة مسحور أي أن زوجته سحرت له أو كما يقول التعبير الدارج ” دلدول”
، أنسيتم وصية رسول الله بالنساء !
قالت و الابتسامة الجميلة لا زالت ملء شفتيها
“حظي الحلو من الدنيا كله لاقيته فيك”
اكتفى بالابتسامة فتساءلت بحيرة
“صحيح أنت داخل تصلي و تقرأ قرآن هنا و البيت جنب البيت ! ”
” عادي.. حسيت إني محتاج أتكلم مع ربنا شوية”
“طيب كنت نادي عليا وكنا روحنا و في بيتنا صلي براحتك ”
أخذ شهيقًا عميقًا ليقول وهو ينهض و يوقفها معه
“قلت اسيبك مع البنات شوية.. يلا بقى نمشي”
أخذها متجهين لبيتهم بعد أن ودعا الجميع، بينما هاجر ذهبت لتخبر زياد بأنها ستذهب مع أمها، فرفض معللًا
“لا خليكِ معايا شوية.. لسه بدري وبعدين أنا مقعدتش معاكِ خالص انهارده”
كانت بالفعل بحاجة للكلام معه في بعض الأمور التي تخصهما، استأذنت والدتها أن تبقى قليلًا وسمحت لها بعد أن أخبرها قُصي بمكوث سيف معه لبعض الوقت في حديقة عمه، فاطمأنت أنها ستأتي مع شقيقها.
سار زياد و هاجر يدًا في يد إلى أن بلغا الحديقة ليجلسا بعيدًا عن الثنائي المشاكس
“قُصي و سيف”
أرادت هاجر أن تخبره بشيء ظلت لأيام ترتب له وترتب الكلمات حتى لا تتعثر أمامه ولكن كالعادة كلما جلست بالقرب منه يطير كل ما أعدته في رأسها.. أخذت تفرك يديها بخجل من قربه الشديد منها و احاطته لكتفيها، تتفست بعمق و هي تتزحزح قليلًا من مكانها لتستطيع التحدث بأريحية، تفهم زياد الأمر و استشعر أنها بحاجة لمساحة كافية لترتب كلامها و تخبره بما يساورها.
قالت بهدوء
“الطلب اللي هطلبه منك ده تقيل بس مُريح، هيتعبك بس هيسعدك و هيسيب ذكرى حلوة جوانا مش هننساها أبدًا ”
“أنتِ عارفة إن طلباتك كلها مُجابة، و أي حاجة في مقدرتي أقدر اعملها و هتسعدك مش هتأخر عنها”
قالها بفضول يريد أن يعرف طلبها، فتبسمت قائلة
“هو صعب خصوصًا إن ميعاد فرحنا قرب”
قاطعها بخوف سريعًا
” في ايه ! اوعي تقولي نأجل ميعاد الفرح !.. و الله أخطفك.. أنا مجنون و اعملها ”
ضحكت على انفعاله الجنوني و قالت بحماس
“ايه رأيك نلغي حجز القاعة و نوفر فلوس الفرح و أنا هديك جزء من دهبي تبيعه و نكمل على الفلوس و نعمل عُمره !.. يبقى فرحنا هو زيارة بيت الله.. قُلت ايه ؟ ”
” قُلت بحبك ”
” لأ صحصح كده معايا.. مش وقته ”
قالتها وهي تضحك برّقة، فأردف بجدية
” بصراحة.. دي كانت مفاجأة كنت عاملهالك.. بس أنتِ اكتشفتي نصها ”
تساءلت بعدم فهم
” اكتشفت نصها ازاي ؟ ”
قال و هو ينظر لها بحُب
“احنا بالفعل هنزور الكعبة.. هنعمل عُمره بس بعد فرحنا بأسبوع ”
رمقته بدهشة لثوانِ تعيد ما قاله في رأسها، فصاحت بعدم تصديق
“أنت بتتكلم بجد ! قول والله !.. احنا بجد هنروح بيت ربنا و نزور مسجد حبيبي مُحمد !! يعني.. يعني بجد هنعمل عُمره !!”
رؤية الفرح في عينيها و الدموع على وشك الهبوط جعلته في قمة سعادته فهتف بسعادة مماثلة
“ايوه إن شاء الله.. دي المفاجأة اللي كنت مجهزهالك.. أنا فرحان أوي إنك مبسوطة ”
كانت ردة فعلها لطيفة و عفوية للغاية، قامت بـ إلقاء نفسها بين ذراعيه تعانقه بشدة شاكرة اياه بدموع فرحة لا توصف
“شكرًا يا زياد.. كلمة شكرًا قليلة في حقك.. الحمدلله أنه رزقني زوج زيك.. أنا بحبك أوي”
ابتسامة زياد التي لاحت بفرحة طاغية على وجهه كانت مشابهة لابتسامة الانتصار، كأنه عندما رأى الفرحة في عينيها شعر بشعور الجندي الذي انتصر في الحرب لأجل وطنه.
بادلها العناق بقوة ممتزجة بحنان و حُب للحظات وهو يقول
“أنا عندي كام هاجر عشان أسعدها.. ابتسامتك دي كفيلة إنها تخليني أسعد إنسان في الدنيا”
رغم أنها شعرت بالخجل وهي تحتضنه لكن قلبها المتيم به سعيد للغاية و مسرور بهذا الخبر الذي حمل في نفسها الكثير من البهجة والإرْتِياح، لأول مرة تُحب جراءتها و تحب وجودها بين ذراعيه الحنونتان.
“قد يدفعك حُب شخص واحد صالح لحُب العالم أجمع، ما دمت تجد نفسك معه و تستشعر الأمان و الدفء في محادثه فأنت وجدت الشخص الصحيح، اياك و أن تتركه.. ” نرمينا”
ابتعدت عنه قليلًا متسائلة بقلق
” بس قولي الفلوس كفت عشان نعمل العُمره و الفرح ! أنا مش عايزاك تستلف من حد مش حابة نبدأ حياتنا بديون.. الدين لو متسدش بيفضل متعلق في رقبة صاحبه ليوم القيامة ”
ضغط على يدها و أخذ يدعكها بلطف بإبهامه يبث فيهما الطمأنينة قائلًا
” ومين قالك إن استلفت من حد.. علفكرة أنا كمان حريص على موضوع الدين ده مش حابب يكون عليا ديون لأي حد لو هاكل عيش حاف حتى.. اطمني يا وردتي بابا هو اللي اتكفل بكل مصاريف الفرح.. أنا أول فرحته وهو اللي طلب مني اشيل ايدي من موضوع الفرح.. و طبعًا أنتِ عارفة إني محامي شاطر و أتعاب أي قضية بكسبها كنت بعمل بيها جمعيات و الحمدلله عملت مبلغ كويس جدًا من شغلي من أول مبدأت لحد ما اسمي اتعرف.. فكرت ايه الحاجة اللي تسعدك ممكن أعملهالك مفاجأة لقيت مفيش أحسن من زيارة بيت ربنا ”
توسعت حدقة عينيها و هي تناظره بعيون مبتسمة و باعجاب به.. قالت وهي لا تزال تطالعه بحُب
“كانت دعوتي الدائمة ربنا يرزقني زوج صالح و كنت نفسي تبقى أنت الزوج ده، ويوم ما اتجوزتك عرفت إن دعوتي استجابت، بس انهارده بالذات تأكدت إن ربنا بيحبني عشان رزقني بيك.. أنا ممتنة جدًا لكل حاجة حلوة بتعملها عشاني.. ممتنة لكل مواقفك الجميلة اللي مستحيل أنساها.. ممتنة لكلامك اللي دايمًا بيدعمني و يخليني صابرة و راضية في عز ما كنت قرب اليأس يتملكني.. أنا اتحسد عليك يا زياد.. مش عارفة أوفيك حقك ازاي.. مش عارفة أشكرك ازاي

انتهز الفرصة بمكر و قال يُمازحها
” أنا فعلًا عايزك ترديلي الجمِيل ”
ردت ببراءة
” ازاي ؟ ايه اللي يرضيك و أنا اعمله ؟ ”
اتسعت ابتسامته الماكرة ليقرب خده اليها مشيرًا له
” عايز سُكر ”
في تلك اللحظة سمعه قُصي وكان آتيًا من خلفهما وبيده زجاجة ماء.. هتف بسخرية مما جعل كلاهما ينتفضان بفزع
” سُكر !! بذمتك مش مكسوف من نفسك وأنت شحط في التلاتينات و بتقولها عايز سُكر !! هي بترضع ولا لسه بتسنن قدامك.. يا حبيبي اسمها بوسة قولها عايز بوسة مرضتش.. خدها بالعافية وبلاش تبقى طري كده.. دي نصيحة للزمن ”
احمر وجه هاجر من الخجل وحاولت التخفي وراء زياد، بينما الأخير اشتعل غضبًا و انحنى ليحضر حجرة صغيرة قذف بها قصي ولكنه تفاداها مبتعدًا بسرعة، مما جعل زياد يصيح منفعلًا بغضب
” والله لو وقعت في ايدي يا حيوان لاخبطك علقة تحلف بيها عمرك كله ”
التفت لهاجر و هو يتنفس بتعصب من وقاحة ذلك المشاغب عديم الذوق الذي قطع أسعد لحظات حياته.. ثم بدأ يهدئ ليقول بسذاجة
“وصلنا لحد فين ؟ آه.. ها هتردي الجمِيل ولا أعمل بنصيحة الحيوان ده ؟ ”
رغمًا عنها ضحكت لتقول وهي تنهض
“ده بُعدك.. أنت أخرك معايا حُضن و يكون محترم كمان.. زي حضن الأخوات كده.. أنا مبحبش قلة الأدب علفكرة و يلا بقى عديني عشان النوم حضر”
لوى شفتيه بعدم رضا وهو يقول بصوت خافت
“يارب تتغير و تبقى قليلة الأدب.. يارب صبرني”
سمعته فضحكت لتعقب على قوله
“صدقني مش هيحصل ”
تركته وهي تنظر له نظرات مستفزة تود اشعال غيظه و بالفعل نجحت في ذلك، فصاح مُغتاظًا
“طب ايه رأيك بقى إن الشرع حللي أربعة.. ابقي خلي الاحترام ينفعك ”
ردت عليه ضاحكة لتزيد من استفزازه فقد احبت المجاكرة معه
” عادي يا حبيبي.. شاور بس على أي واحدة تعجبك و أنا اجي معاك تتقدملها ”
رفع حاجبيه مندهشًا
” يعني أنتِ مش فارقة معاكِ ؟ ”
رغم أنها كانت تغلي من الغيرة و الغيظ ولكنها أرادت ألا تظهر ذلك أمامه حتى لا يكسب تحدي الاستفزاز.. فهزت كتفيها بعدم اهتمام لتقول ببراءة مزيفة
” مقدرش اعترض على الشرع.. بس متنساش تعدل بينا.. عشان لو جبتلها باكو لبان و أنا لأ هتحاسب عليه قدام ربنا.. و أنا ميرضنيش جوزي حبيب قلبي يدخل النار ”
اقترب منها ليظهره ضعفه منهزمًا أمام برودها
” أنا ليكِ لوحدك.. قلبي مستحيل يحب غيرك ”
نظرت في عينيه وكلها ثقة لتقول
” منا عارفة.. المفروض تشكر ربنا كل يوم على النعمة اللي رزقك بيها.. اللي هي أنا طبعًا ”
رد بصدق
” أنا فعلًا بشكر ربنا كل يوم أنه رزقني بيكِ ”
صمت لثوانِ ثم تابع بلهجة مرحة
” بالنسبة لرد الجمِيل أنا هعرف أخليكِ ترديه ازاي بس مش دلوقت.. المهم عايزك تفهمي و تعرفي كويس إن لما بعمل حاجة تفرحك باخد جزائي عليها.. وهي إن مع كل ضحكة بتضحكيها بسببي ربنا بيوسع رزقي و بلاقي الدنيا متيسرة قدامي.. أنا بسببك عايش مرتاح و ربنا يديم نعمة راحة القلب دي عليا ”
تناست عنادها معه و ابتسمت بلُطف قائلة
” هزمني حُبك ”
قالتها بمنتهى الرقة و اللُيُونة ثم ارتمت في أحضانه ثانية و تلك المرة و ضعت قُبلة صغيرة على كتفه لتبتعد وهي تمد كفها هاتفة بنبرة مرحة
” كده رديت الجميل.. اتفقنا ؟ ”
صافحها ضاحكًا
” مش عارف ليه حسيتها شبه بوسة الإبن لأبوه وهو مسافر.. بس ماشي هعتبرك ردتيه مؤقتًا ”
سحبت يدها بلطف ثم ودعته ذاهبة للبيت، مرّت على سيف لتأخذه معها فأخبرها قصي أن تدعه يبقى لساعة أخرى مما لجأت في النهاية لزوجها ليقوم بتوصيلها خوفًا من الكلاب الضالة التي تقطع الطريق، رغم أن المسافة صغيرة بين البيتين.

لا زال سيف و قصي يلعبان الشطرنج بنشاط و حماس شديد حتى قاطعهما مُجاهد وهو يربت على كتف قصي و يجلس قبالته بجانب سيف قائلًا
” بكره إن شاء الله هنروح نخطب لأخوك ”
_ أعمل ايه يعني
قالها وهو ينظر لوالده بغباء فضحك سيف و رد مجاهد
” ردودك دي هي اللي بتزهقني منك.. يعني ايه تعمل ايه ! يعني تطلع من امتحانك يا فالح تيجي على البيت علطول..التناحة اللي كنت فيها دي و احنا في ايطاليا تنساها.. تطلع من امتحانك تيجي علينا علطول عشان هنروح للجماعة قرب المغرب كده..”
لف وجهه ينظر لشقيقه الذي اصطنع التجاهل وظل يتصفح حاسوبه.. قال بصوت مُلفت
” مبروك يا أُبي ”
لم يكن قصي بحاجة لتلميح من أخيه أنه مغلوب على أمره، كان ذكيًا كفاية ليحس بما يشعر به أي شخص أمامه.. و لمهارته في قراءة ما يدور في رؤوس الآخرين من مجرد النظر في أعينهم أدرك أن شقيقه غير سعيد بقرار والده ولكنه لا يستطيع معارضته فقد تعود منذ أن كان طفلًا ألا يبدي رأيه في أي شيء يخبره به والده و يقرره من مصلحته.
لم يجيبه “أُبي” و اكتفى بابتسامة بسيطة.. فقال والدهما موجهًا حديثه لقصي
” و أنت اعمل حسابك.. هتروح في الأجازة تشتغل مع أخوك.. و بما إن السنة الجاية هي آخر سنة ليك في الكلية و تتخرج.. فأنت مش هصبر عليك في الجواز.. أنا شفتلك العروسة وأول ما تخلص هتخطبها كام شهر و تتجوز.. أنت لعبي و أنا ميعجبنيش الحال ده.. فالجواز هو اللي يخليك تبقى راجل و تشيل مسؤولية ”
“كش ملك”
قالها قُصي بملل متجاهلًا حديث والده الذي عكر صفو مزاجه و استمر في اللعب، بينما سيف يحاول جاهدًا ازالة الخطر الذي هدد ملكهُ.
اغتاظ والده من تجاهل قصي له فصاح منفعلًا
” أنت يا لطخ.. أنا مش بكلمك ! ”
لأول مرة يُظهر الجانب المظلم من شخصية قُصي، لأول مرة ينظر لوالده تلك النظرة الفعالة القوية ليقول بنبرة غاضبة
” كلمني كويس لو سمحت.. أنا مبقتش صغير عشان كل شوية تهزق فيا ”
_ أنت بترد عليا يا عديم الرباية !
كان أُبي يتابعهما من بعيد دون أن يتدخل و سيف يحاول التهدئة بالكلمات دون جدوى.
ابتسم قصي ابتسامة ساخرة وهو يقول
” من امتى و أنا برد عليك.. أنت علطول بتهزق فيا و بتقل قيمتي قدام أي حد وعمري ما رديت عليك.. كنت باخد كل حاجة بهزار عشان متزعلش مني.. رغم إني ببقى حاسس بنار جوايا وأنت بتهيني قدام صحابك وقدام أهلنا و معندكش مانع تشتمني في الشارع عادي.. دايمًا شايفني فاشل و مش نافع وخسارة فيا اللقمة اللي باكلها.. رغم إني برضو الوحيد في عيالك اللي بطلع الأول كل سنة وكل تقديراتي امتياز.. نسيت المدارس الأجنبية اللي كانت بتكرمك من أفضل أولياء الأمور بسببي.. بسبب اني مجتهد و رافع راسك دايمًا.. ليه بقى بتقول عليا فاشل و مش بتاع مسؤولية ؟ ليه عاوز اعرف ! عشان بحسسكم إني مش فارق معايا أي حاجة و ضارب الدنيا طناش ! يعني هتنبسطوا لو شيلتكم همي ! ”
صاح والده بنفس نبرة السخرية
” هم ايه يا أبو هم ! هم ايه اللي عندك ياخويا ! بتاكل و بتشرب وعايش أحسن عيشة وبتتعلم أحسن علام ! هم ايه بقى ؟؟ ”
تعصب قصي ليقول بغضب أعمى بصيرته
“هو الأكل والشرب أهم حاجة في الدنيا ! يعني الواحد طالما بياكل ويشرب يبقى ميشتكيش و ملوش الحق يفتح بوقه بأي حاجة تانية ! ياكل ويشرب وينام وبس ! ليه احنا بهايم !!
.. عمرك في مرة جيت كلمتني بحنية زي أي أب بيعمل مع ابنه ؟ عمرك شجعتني لما كنت باجي اديك شهادات التقدير في ايدك ! كل اللي كنت بتقوله..” ايوه كده متخليش فلوسي تروح على الأرض ” طيب حتى فرحني بكلمة.. قولي شاطر.. مبروك.. شجعني افضل انجح دايمًا.. لكن علطول كاسر بخاطري كده ! ”
تجاهل والده كل ما قاله رغم أنه يعلم جيدًا صحة كلامه، ليقول بنبرة استياء و يلقي اللوم عليه
” أنا لو غلطت فغلطتي الوحيدة هي إني نسيت أربيك.. أنت واد قليل الأدب.. لما تكلم أبوك بالشكل ده تبقى خسارة فيك اللقمة اللي أنا بطفحهالك.. من هنا و رايح شوفلك شغلانة اصرف بيها على نفسك..أنت فاهم ! ”
تدخل سيف ليقول بتوتر من حدة الموقف
“استهدوا بالله يا جماعة.. وحد الله يا عمي.. اهدى يا قصي.. والله شيطان ودخل بينكم ”
رد عمه بغضب
” عيل قليل الأدب.. ده ابن صاحبي…. ”
قاطعه قصي بحدة عندما بدأ والده يقارنه بأبناء أصدقاءه، فهذا الفعل يضايقه كثيرًا
” في مليون حد أحسن مني لكن متحطنيش في مقارنة مع حد لو سمحت.. أنا.. متحطش.. في.. مقارنة.. مع حد ”
لم يستطيع والده مجاكرته في الحديث فالتفت لـ أُبي يصب غضبه عليه كالعادة
” أنت ساكت ليه ؟ واقف و سامع اخوك بيكلمني ازاي و مهانش عليك حتى تقوله احترم نفسك عيب تكلم أبوك كده ؟ ”
أخفض أُبي رأسه بقلة حيلة دون أن يتفوه بشيء مما زاد غيظ والده ليقول
“اتخرست ليه ؟ ماشي خليك مخروس.. واحد زيك معندوش شخصية هيرد يقول ايه !”
ازداد غضب قصي لاهانة شقيقه أمام سيف و زياد الذي سمع ما قيل وهو قادم نحوهم و كذلك مصطفى الذي جاء مهرولًا على صوتهم العالي.. أراد قصي الثأر لأخيه قليل الحيلة شديد الخجل متناسيًا أن الذي يثأر منه هو والده.. فهتف وهو يشهر سبابته في وجهه محذرًا
“اياك تقوله كده تاني.. اذا كان ضعيف الشخصية فبسببك.. أنت اللي عملت فيه كده..أنت أب مش كويس عشان كده طلعت واحد من عيالك الناس فكراه تافه و ملوش لازمة في الدنيا بسبب كلامك الوحش عليه و التاني انطوائي و عمره ما خد قرار يخص حياته بنفسه”
صفعة قوية نزلت على وجه قصي من والده، دوى صوتها في آذان كل الواقفين.. لكنه لم يتحرك من مكانه إنشًا واحدًا وكأنه لم يتأثر بالأساس.. ظل واقفًا بثبات يرمق والده بحدة و كُره شعر به لأول مرة تجاهه.. بينما مجاهد قال وهو يطالعه باستحقار
” يا ريتك ما كُنت ابني ”
” يا ريتك ما كُنت أبويا ”
رد بها قصي وعينيه تمتلئ بالدموع متأثرًا بما قاله والده للتو ثم ترك الحديقة متجهًا للخارج لا يعرف أين يذهب، يشعر كما لو أن سعة الأرض ضاقت على صدره.. نادم جدًا على التحدث بفظاظة هكذا مع والده و في نفس الوقت يتمنى لو أنه لديه أب حنون يتفهمه و يحتويه، و يكون له صاحبًا و أبًا صالحًا، رغم أن والده يحبه لكنه لا يعرف كيف يظهر مشاعره.. لا يعرف كيفية ايصال تلك المشاعر، مثله مثل أي أب يريد ابنائه ناجحين فيقوم بتوبيخهم كثيرًا ظنًا منه أنه هكذا سيحثهم على التقدم و يشجعهم، ولكنه لا يعلم أن مقارنته بغيره أو التحدث عنه بسوء أمام الآخرين و ذمه دائمًا يزيد الأمر سوءًا ويترك في نفسه أثرًا سيئًا عليه وعلى شخصيته فتتكون لديه اضطرابات الشخصية العدوانية أو الضعيفة أو الحساسة.
خرج سيف وراءه بكرسيه المتحرك وهو يناديه
” قصي.. قصي متمشيش بالله عليك.. طب هتروح فين بالليل كده ؟.. يا بني بلاش تصرف اهبل.. استنى عشان خاطري ”
استدار قصي ليهتف بانفعال
” رايح في ستين داهية تاخدني.. ارجع يا سيف.. سيبني في حالي ”
“مش هسيبك.. طيب تعالى روح معايا ”
” مش مروح معاك ولا راجع البيت ده تاني.. روح يا سيف اسمع الكلام ”
_ مش هينفع يا قصي
” هو ايه اللي مش هينفع ؟ ”
قالها قصي بغضب.. رد سيف بخوف عليه
” مش هينفع اسيبك لوحدك.. ولا هينفع اروح لوحدي.. أنت عُكازي يا صاحبي.. امشي من غيرك ازاي ! ”
تأثر قصي بما قاله ابن عمه و توأمه، فانحنى عليه يعانقه مثل الذي وجد بيت يأويه في بلدة مليئة بالثلج.. ظل سيف يمسد على ظهره بحنان وهو يقول
“الخناقات دي بتحصل بين الأهالي وعيالها دايمًا والله.. بس في الآخر ملكوش غير بعض.. ابوك بيحبك و الله يا قصي وخايف عليك و عاوز مصلحتك بس مش عارف يوصلك الاهتمام ده ازاي.. روح بوس على ايده و صالحه.. رضاهم هو اللي بيسرلنا حياتنا.. والله بتمنى ابويا يرجع يعيش لو هيضربني كل يوم.. بس ميموتش..”
ابتعد قصي عنه وهو يمسح دموعه قائلًا بحزن
” للحظة اتمنيت يموت.. رغم إني بحبه و الله بس دايمًا يكسر بخاطري و مهما أعمل برضو شايفني وحش.. بحس إنه بيعاملنا أكننا جايين من الشارع.. مش ولاده ”
نهره سيف بلطف
“متقولش كده.. والله بيحبكم.. راعي برضه إنه عدا الستين يعني سيبه يقول اللي يقوله.. المهم أنت شايف نفسك ايه و واثق من نفسك و حاببها.. الآباء مشكلتهم إنهم شايفين إن أسلوب الترهيب و العنف ده هيخلي العيل يطلع ناجح في حياته وميكونش لعبي و يعرف يشيل مسؤلية.. للأسف هما فاهمين انهم كده صح.. ولو عدلنا عليهم بيزعلوا.. في السن ده بيبقوا محتاجين معاملة خاصة.. شفت الطفل بنداديه و نكلمه بلين ازاي.. هما بقى عايزين المعاملة دي.. بص يا قصي أبوك عاوز يطمن عليكم قبل ما يموت ”
هتف قصي سريعًا
” بعيد الشر ربنا يطول عمره ”
ضحك سيف عليه قائلا
” شفت انك بتحبه و خايف عليه ازاي !.. هو كمان رغم اللي قالهولك ده بس والله حاسس بالذنب و ندمان لأنه بيحبك بجد.. يا بني الضنا غالي.. احنا منهونش على أهالينا والله ”
” بس فيه أهالي بيهون عليها عيالها ”
” مش اسمهم أهالي.. الأهل يعني السكينة و الأمان.. سميهم أي حاجة تانية غير أنك تسميهم أهالي.. لأن اللي قلبه جاحد على عياله ده حسابه عند ربنا عسير ”
… أما بالداخل كانا مصطفى و زياد يحاولان تهدئة مجاهد و الآخر بدأ الغضب يستبد به و تحدث بنبرة حاسمة
“الكلب بيعلي صوته عليا.. بيقولي يا ريتك ما كنت أبويا.. بعد ما ضيعت عمري عليهم و شقيت وتعبت عشان يعيشوا أحسن عيشة”
رد شقيقه مصطفى بنبرة لينة يعاتبه
” أنت برضو غلطان يا مجاهد.. أنت كمان قولتله ياريتك ما كنت ابني.. نفس تأثير الكلمة عليك هو نفس الشعور اللي قصي حسه.. حس انك بتكره و العيل لما يحس إنه منبوذ من أهله بيبقى الموت هين عليه فممكن يأذي نفسه بأي شكل”
نظره له مردفًا بسخرية
” يعني يغلط فيا و عايزني اصالحه ! ”
” أنا مقولتش صالحه أنا بقولك اتفاهم معاه.. اتكلم معاه براحة.. أنا شايف إن قصي جدع وكويس بالنسبة لشباب جيله فهو محترم و بيسمع الكلام ده كفاية يا عم خفة دمه.. في حد يبقى مخلف عيل زي العسل كده و يزهق منه.. ده يبقى عيب في حقك ”
قالها مصطفى بمداعبة قاصدًا التخفيف عن أخيه و ارجاع الأمور هادئة.
هدأ مجاهد قليلًا ولكن ما زالت علامات الامتعاض على وجهه.. انتهز مصطفى فرصة هدوئه و قرر التحدث معه بجدية تصحبها اللين في الكلام.. فقال
” تعرف إن زي ما فيه عقوق أبناء فيه عقوق آباء ! ”
نظر له بدهشة ليقول
” عقوق آباء ازاي يعني ؟؟ ”
” زي إن فيه آباء مش بيعدلوا بين عيالهم أو بيعاملوهم معاملة وحشة و يقارنوهم بغيرهم.. ده غلط جدًا.. المقارنة دي بتطلعه شخص غير سوي نفسيًا.. و الاستبداد أنك دايمًا شايف نفسك الصح ورأيك هو اللي يمشي.. ده هينتج شخصية ضعيفة.. شفت معاملتي لزياد عاملة ازاي.. من صغره واحنا صحاب باخد رأيه في كل حاجة من وهو طفل بحسسه إنه راجل يعتمد عليه وقد المسؤولية بضحك و اهزر معاه لكن في حدود بيحترمني و بحترمه عمري ما شتمته ولا اهانته.. الراجل ميتشتمش ولا يتقل منه يا مجاهد ولا حتى البنت.. ربنا رزقك بنات و أولاد غير مش لاقي.. نعمة تتحسد عليها.. صاحبهم وقربهم منك وخد رأيهم في كل حاجة و سيبهم يغلطوا و يتعملوا من غلطهم.. علمهم الصح من الغلط عشان لما تموت يقولوا الله يرحمه كان خير الآباء.. فهمت قصدي يا مجاهد ؟ ”
أومأ بهدوء وهو يعيد التفكير فيما قاله شقيقه، وبالتفكير العقلاني أدرك أنه مخطئ وأن ما قاله مصطفى صحيح..
مُجاهد هو نموذج لبعض الآباء الذين يرون أن تشديدهم على أبنائهم في بعض مظاهر الدين و الحياة هو الصحيح، مع أنهم يخطئون في حق أبنائهم، فيتهمون أبناءهم في بعض السلوكيات على أنهم فسقة، و لا يتحملون المسؤولية و منحلون أخلاقيًا، وأنهم يريدون العبث واللهو فقط.. وهذا خطأ من وجهة نظرهم، مع أن هذا الشيء قد لا يكون حراما أو عيب، فهذا التضييق والتشدد و الاستبداد في المعاملة و اهانتهم و السخرية منهم يجعل الأبناء في حالة تشتت و حيرة من أمرهم هل هم حقًا سيئون ولا يستحقون حب والديهم أما أنهم يكرهونهم من الأساس !
على الآباء أن يدركوا طبيعة المرحلة التي يعيشها أبناؤهم، وأن يدركوا أيضًا أن الأجيال مختلفة، وأن التأثيرات في البيئة المحيطة تحدث نوعًا من التغيير.
الرسول صلّ الله عليه وسلّم كان يعالج خطأ الناس بلين و رفق و قول حسن.
“مثال ذلك الشاب الذي جاء يستأذنه في الزنى، وكاد الصحابة أن يجنوا من طلبه وأن يبطشوا به، ولكن حبيبنا النبي قربه منه، وكلمه بحوار العقل والقلب، وطرح عليه أسئلة تهدم بالحوار البناء رغبته الهدامة، فقال له أترضاه لأمك؟
قال: لا والله يا رسول الله.
فقال له صل الله عليه وسلم: فإن الناس لا يرضونه لأمهاتهم، أترضاه لأختك؟
قال: لا والله يا رسول الله؟ قال: فإن الناس لا يرضونه لأخواتهم… وما زال به يذكر أقاربه من عمته وخالته، ثم وضع يده على قلبه، ودعا له بالهداية.. فخرج الشاب وهو يقول
: والله يا رسول الله ما كان أحب إلى قلبي من الزنى، والآن ما أبغض إلى قلبي من الزنى.
أتساءل أحيانًا نحن كمسلمون بمعنى أصح نؤمن بسيدنا مُحمد و بما أننا نؤمن به إذًا نحن نحبه والإنسان إذا أحب غيره حبًا جمًا أطاعه ليسعده، و هذا رسولنا الحبيب شفيعنا يوم القيامة، سيتخلى عن الأهل و الجميع إلا هو، لماذا لا يطيعه بعض المسلمون إذًا ! طالما أنهم مؤمنون به لماذا لا يتخذونه قدوة في حياتهم و يعملون بوصاياه ! لماذا يريد الإنسان دائمًا الشقاء لنفسه ؟
الجميع يتحدث عن عقوق الأبناء لأهلهم، ولكن لا أحد يتحدث عن كيفية معاملة الأبناء.. أنتم مسؤولون عنهم و مسؤولون عن غرس مختلف الصفات فيهم سواء ايجابية أو سلبية و ستسئلون عنهم يوم القيامة.. ماذا علمتوهم ؟
هناك حديث عن النبي صلّ الله عليه وسلّم سأذكره جزء منهم.. يقول
“الرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ”
اعلموا كيف تربوا أبنائكم..خذوا رسولنا الحبيب قدوة، لا تعاملوهم بجفاء و سوء و تنتظرون منهم البرّ !
عليكم إقامة توازن تربوي في طريقة نشأتهم منذ الصِغر؛ لأن ما ينشئ الطفل عليه سيظل معه للمات، إلا إذا لعبت البيئة المحيطة تأثيرها السلبي عليه.
لقد سلك رسول الله صلى الله عليه و سلم الطريق الوسط في موضوع تربية الأطفال، فقد كان يحب أولاده وأحفاده كثيرًا، و يُشعِر هذا الحب لهم، ولكنه لم يكن يسمح بأي استخدام سيء لهذا الحب، هذا علما بأنه لم يكن يوجد بين أولاده وأحفاده من يحاول هذا أصلا، غير أنه عندما يقومون بتصرف خاطئ من دون عمد نرى مِن تصرّف رسول الله صل الله عليه و سلم وكأن ضبابا من الوقار لف هذا الحب العميق. وبسلوك ملأه الدفء يسعى لمنعهم من التجول في مناطق الشبهات؛ وكمثال على صفـة الأبوة لدى النبي فقد مد الحسن رضي الله عنه -وهو طفل صغير- يده إلى تمر صدقة، فأسرع رسول الله صلى الله عليه و سلم وانتزع تلك الثمرة من فيه قائلا له: «أما علمتَ أن الصدقة لا تحل لآل محمد.
فقد رباهم منذ الصغر على التوقي من الحرام وإبداء منتهى الحساسية في هذا الموضوع، وهذا من أفضل الأمثلة على إقامة التوازن التربوي منذ الصغر، وفي كل مرة كان يدخل فيها المدينة تراه وقد ركب معه على مركبه بعض الصبيان ملتفين حوله، فلم يقصر رسول الله صل الله عليه و سلم حبه على أولاده وعلى أحفاده فحسب، بل على أولاد وصبيان جيرانه وغير جيرانه أيضًا.
الخلاصة فيما وددت قوله لكم أعزائي القُراء
” إن رأى الآباء شيئًا يكرهونه من أبنائهم، فليكن الحوار هو السبيل الأمثل للاقتناع لأجل ترك شيء، أو فعل شيء وعليهم حسن مصاحبتهم ومداعبتهم و المزاح معهم في حدود؛ لكي تولد المحبة بينهم فينشئ الطفل نشأة دينية ونفسية صحيحة.
هدأت الأمور و دخل قُصي و معه سيف ليعتذر قُصي لوالده الذي لف وجهه في جهة أخرى يتردد في أن يتقدم ويبدأ هو بالمُصالحة.
وقف قُصي أمامه وهو يخفض رأسه بأدب قائلًا
“أنا آسف يا بابا.. متزعلش مني”
أنهى قوله بأن قبْله على رأسه و ظهر يده، فلم يتردد مُجاهد في أن يضمه اليه قائلا
“و أنت كمان متزعلش مني ”
عاد قُصي لخفة ظله و مرحه
“هو أنا أقدر ازعل منك يا ميجو يا عسل أنت”
ضحك والده متناسيًا ما حدث بينهم منذ دقائق و استدار ليراضي أُبي الذي كسر بخاطره عندما نعته بعيب فيه هو وحده المتسبب في ذلك.. ناداه بلُطف فجاء أُبي وهو ينظر للأرض بصمت.. شده والده ليحتضنه وهو يقول بأسف
“حقك عليا.. أنتم رجالتي عيالي اللي مليش غيرهم.. أنت عارف أبوك يا أُبي كبر وبقى لسانه يفلت منه.. متزعلش مني يا ابني حقك عليا ”
بادله أُبي العناق ليقول بهدوء
“حصل خير يابابا من امتى وأنا بزعل منك.. احنا ملناش غيرك ربنا يباركلنا في عمرك”
فتح ذراعه الأخرى لقصي ليضمه هو الآخر مردفًا بابتسامة جميلة
” و يباركلي فيكم يا أعز ما أملك ”
كان سيف يراقب الموقف العاطفي عن قرب ورغمًا عنه نزلت دمعة من عينيه تشتاق لحنان و حُضن والده، فمسح دموعه سريعًا قبل أن يلاحظه أحد و يشفق عليه.
بعد أن تم اصلاح الموقف استأذن سيف ليذهب و رافقه قُصي ليقوم بتوصيله.
وقفا سويًا يتسامران لدقائق أسفل بيت سيف.. سأله قصي حائرًا
” أنت رأيك ايه ؟ ”
” في ايه ! ”
” إني أشتغل يعني مع أُبي في الشركة ”
“ده عرض كويس جدًا على الأقل تلاقي حاجة تشغلك وقت فراغك ”
“لأ منا معنديش وقت فراغ أصلا.. أنا دايمًا مشغول يابني”
رد سيف هازئًا منه
“آه أنت هتقولي.. كل ساعة مع واحدة شكل”
ضحك قصي ليقول
“هو أنا مش قولتلك مبقتش أكلم بنات.. بس شكلي وقعت ”
“تقصد ايه ؟”
“يعني.. شكلي هحب ”
ابتسامة ساخرة ملأت وجه سيف وهو ينظر له باستنكار ليقول
“أنت تحب ! عليا أنا الكلام ده.. ده مفيش وحده عرفتها وكملت معاه يوم كامل.. يابني أنت اللي زيك ملوش أمان في الحُب.. سيب الحُب لاصحابه”
رد الآخر بنبرة ضاحكًا في محاولة للدفاع عن نفسه
“واخد عني فكرة وحشة علفكرة.. بس عشان مكدبش.. نص اللي قولته صح.. بس مش معنى كده إني مليش أمان يعني.. طب ده البت كارمن تحل من على حبل المشنقة ”
استدار سيف بكرسيه في الحال وهو يهتف بنفاذ صبر
” ولاه أنت مفيش فايدة فيك.. أنا زهقت منك بالله.. اخلص شيلني خليني اطلع اصلي قيام الليل وانام ”
انحنى قصي ليحمله وهو يضحك بشدة
” كلمة شيلني طالعة من بوقك زي العسل ”
“ما تلم نفسك بقى متعصبنيش عالمسا”
قالها وهو يرمقه بغضب و قصي لم يستطيع كتم الضحك وهو يحمل سيف بين ذراعيه و وجهه قريب من وجه.. غاص قصي في عيون سيف لثوانِ كأنه يريد استفزازه.. فقال مداعبًا
” لون عيونك حلو أوي ”
“نزلني.. أنا هاخدها زحف لفوق.. نزلني اخلص”
قالها سيف بعصبية و بالطبع لم ينصاع قصي لطلبه وصعد به للأعلى وهو يحاول جاهدًا ألا يضحك.. أنزله على فراشه وقبل أن ينطق بكلمة صاح سيف
” برا يا بتاع نجلاء.. أنت عيل مش مظبوط أصلًا ”
عاد قصي للضحك بشدة وهو يخرج قائلا
” هجيلك من الصبح أرخم عليك.. تصبح على خير ”
” وأنت من أهل الخير.. خد الباب في ايدك يالاه ”
بعد قليل جاءت والدة سيف لتطمئن عليه فاخبرها بأن تذهب به للمرحاض ليتوضأ، وبعد أن توضأ قصد القِبلة للحديث مع الله كما اعتاد منذ أن اُبتلىٰ بالشلل، لقد كان ابتلاء ذو نعمة و فائدة عليه فجعله يفوق من غفلته و يعود لربه، ليس له سواه.
انهى صلاته ليرفع يده بتضرع قائلا
“رَبَّي أنت أعلم بحالي.. اللهم إنِّي فوضتُ أمري إليك..أنت أبتليتني وأنا لا اعترض فأجعلني عبدًا صبورًا.. اللَّهم اشفيني إن شكيت ألمًا وخفف عني إن بكيت وجعًا و ارحمني برحمتك التي وسعت كل شيء يارب”
بعد ساعة كان قد اوشك على النوم، ففوجئ بقصي يدخل عليه بعد أن فتحت له عمته.. ليلقي بجسده على فراش سيف مستعدًا للنوم وهو يقول بصوت ناعس
“مش عايز صوت عشان أنا فصلان و عاوز انام”
تأمله سيف للحظات بدهشة يستوعب وجوده ببطئ ليقول بغَرَابَة
“أنت ايه اللي جابك تاني ؟! ”
غمغم قصي وهو يفتح فمه الصغير ليتثاءب
“اتخانقت مع ابويا ”
” تــــاني !!! ”
“بس خناقة بسيطة يعني ”
“انا عارف انك بلوة و اتحدفت عليا.. هببت ايه؟”
” كنا بنتناقش في موضوع احتد النقاش بينا فبقوله غيري مني وولعي صعب جدا تعلمعي راح ضربني بالقفا.. سبتله البيت وحلفت منا بايت فيها
_ بتقول لأبوك غيري مني وولعي !
هز رأسه ليكمل “صعب جدًا تلمعي”
“أقسم بالله ليه حق يبيتك عالرصيف”
قالها قصي بغيظ منه وهو يضربه بخفة ليتزحزح قليلا و يترك له مكان ينام فيه..
تقلب قصي على جنبيه ليلتصق بسيف و يضع قدمه على خصره يحتضنه كأنه يحتضن وسادة وهو غارق في النوم مما تأفف سيف بضَجَر وهو يتمتم
” يارب أنا كنت ناقص بلاوي ”
رَبَّتَ قصي على صدر سيف بخفة ليقول بنعاس مثل الذي يهذي بالكلمات وهو نائم دون أن يدري
“نام عشان أجبلك حاجة حلوة”
” ايه.. هتجبلي ايه ! السُكر ! يلا مهو ده اللي ناقص.. الصبر يارب.. الصبر ”
في نهاية الأمر استسلم سيف لجنون قصي ونام الاثنان محتضنين بعضهما كالأخوة أو أكثر.
********
جلس بدر على الأريكة المقابلة للتلفاز يتابع برنامج ما ولكن ذهنه منشغلًا في أمرا آخر.
أخذت الأسئلة تحوم حول رأسه سؤال تلو الآخر
” ماذا لو علمت عائشة بأمر مرضه ؟ هل ستتركه؟ ”
“ماذا سيكون رد فعل عائلته عندما يعلمون ؟ هل سيظلون يكنون له الاحترام و يحبونه ؟ أم يكون حُب من باب الشفقة فقط ؟”
“هل سيتطيع ارجاع ذاته الضائعة و المشتتة ليصبح كما كان سابقًا و علاقته قوية مع ربه لا يهزها أحد ؟”
” إلى متى سيظل منعكف على نفسه و كئيب هكذا ؟ ”
“عندما ينجب الأطفال و يصبح أبًا، هل سيكون أبًا صالحًا و يستطيع توفير الحب و الامان لهم ؟”
كان يشبك اصابع يديه و يضعها خلف رأسه مستندًا على الحائط خلفه و عينيه تتابع البرنامج و ذهنه لا زال شاردًا.. جاءت عائشة تبتسم بحُب و تحمل صينية عليها كوبان من الحليب الدافئ، قالت بحنان وهي تعطيه الكوب
” اتفضل.. اشربه كله.. هيساعدك تنام من غير تفكير كتير ”
” مليش نفس.. اشربيه أنتِ ”
قالها بملل دون أن يطالعها، مما جعلها تضع الكوب و تتساءل بالحاح
” أنت فيه حاجة شغله دماغك.. ايه هي ؟ ايه اللي واخدك مني ؟ ما تتكلم يا بدر.. من ساعة ما جينا من عند عمك وأنت مبتتكلمش معايا وعاوز تقعد لوحدك.. في ايه ؟ طيب لو عملت حاجة زعلتك قولي.. لكن متسبنيش كده زي الأطرش في الزفة مش فاهمة مالك ”
زفر بضيق لينظر لها قائلا بلهجة بدت حادة نوعًا ما
” تعرفي تسكتي.. أنا مش فايق لرغيك ده.. أنا تعبان و عاوز اقعد لوحدي شوية.. لو سمحتِ سيبني مع نفسي و اتفضلي ادخلي نامي ”
هتفت باعتراض
” لا مش هنام يا بدر غير اما اعرف مالك.. ايه اللي غيرك كده ؟ ”
” حجات كتير مش هتفهميها ”
” طيب ايه هي ؟ ”
” قولتلك مش هتفهميها ”
استاءت من أمره و قررت أن تجعله يلين أمامها ليخبرها بما يشغل باله.. تنفست ببطء قبل أن تقول بلهجة حنونة
“من امتى و أنت بتسيبني أنام لوحدي؟ من يوم ما اتجوزنا وأنت دايمًا جنبي.. حتى لما بنتخانق برضو مش بيهون عليك تسيبني لوحدي.. مالك يا بدر.. احكيلي ”
قال بسخرية بعد صمت طويل
“أنتِ مسميه اللي احنا فيه ده جواز ! ده جواز من أنهي نحية ده ! ده في أي شرع ده اللي يخلينا شهرين مع بعض زي الاخوات ؟ ما زهقتيش من التمثيلية دي بقى ؟”
اصابها الدهشة مما قاله، فهتفت بذهول
” تمثيلية !.. جوازنا تمثيلية ؟ ”
لقد عاد الاضطراب ثانية و لثم بصماته القاسية في نفسه، فأصبح يهذي بالكلام الجارح كأنه يُخرج ما بداخله من غضب عليها، يصب كل ضجره و ملله على تلك المسكينة.. هي ليست بمسكينة هي اللعنة التي أقحمت حياته في الجحيم هكذا انتهز ابليس اللعين الفرصة ليخرب علاقتهما.
ضغط على ذقنها برقة و نظرات عينيه المخيفة تعكس رقة أنامله عليها.. همس بنبرة ساخرة و متجهمة
“أنا بحبك و مش هنكر ده.. مش هنكر إني بعشقك و أنك بالنسبالي زي السجن اللي مش عارف اهرب منه و في نفس الوقت مش حابب اهرب.. بس أنتِ جزء كبير من اللي بيحصلي.. أنتِ السبب في إني اتغير و أبقى واحد تاني بالشكل ده.. واحد لا يُطاق و عصبي و الجحود سيطر عليه لدرجة إني مبقاش فارق معايا أي حاجة.. ولا حتى أنتِ فارقة معايا.. بس رغم كل ده عايزك قدامي دايمًا.. عايزك معايا علطول.. سميه حب تملك سميه أنانية سميه زي ما تسميه.. بس اللي احنا فيه ده مش جواز و أنتِ لسه مبقتيش مراتي شرعًا.. أنتِ مراتي على الورق بس.. لكن عايزك معايا لحد ما أموت ”
وقع كلامه كالسهم على قلبها يشق نياطه أيمّا شق، يؤلمها و يشعرها أنها لا شيء، قلبها يغزوه الألم بشدة، تشعر بأن انفاسها تتضائل و جسدها يستغيث بشخص لا مبالٍ.. تحدق فيه بعيون ملأتها دموع القهرة و الحسرة كأنها تخبره
“أنا عائش مُدللتك، حبيبتك، مُهجة فؤادك.. لِمَا كل تلك القسوة ؟”
ظلت تنظر لعيونه بضعف التي تناظرها بلا مبالاة مثل الذي ينظر بخيبةٍ لذات الأمور التي حدّق فيها بأمل.
مرة يذيب قلبها بحلاوة كلمها و غزله المعسول كأنه يشعرها بأنها عصفورته الجميلة و مرة أخرى يُبتر جناحيها غير مهتم لكم الآهات التي خرجت من فاهها بكل ألم و أنين..
لقد خُذلت من شخصها المفضل، الشخص الوحيد الذي تعلق قلبها به و أحبته بصدق.
كان منذ ساعات يتغزل بها، ماذا حدث ؟ ما كُل هذا التناقض في مشاعره ؟
بدت نظرات عائشة له تقول
” لماذا علقت قلبي بك إذا كُنت تنوي كسره ؟ ”
لأول مرة لم يشعر بدر بأي مشاعر تجاه عائشة ولم يضعف أمام دموعها المنهمرة كالنهر الجاري، فقط شعور التبلد المسيطر عليه، وهو أقصى شعور قد ينتاب المرء.. يجعله فاقد للشغف و الحُب تجاه أي شيء في العالم حتى أشياءه المفضلة تصبح بلا قيمة و شخصه الثمين يصبح لا شيء بالنسبة له.
تابع بجفاء
” اتفضلي روحي نامي بقى ”
نهضت لتقف أمامه بانكسار و ضعف قائلة
“ليه رجعتني لنقطة الصفر تاني ؟ أنا بجد حبيتك.. حبيتك أوي و حتى فكرت في اسامي ولادنا و عاهدت ربنا أكون زوجة صالحة.. أما بالنسبة لجوازنا اللي بالنسبالك تمثيلية فأنا اللي كنت هطلب بنفسي يبقى حقيقة عشان املى بيتنا أطفال نعلمهم مع بعض كل حاجة كويسة..
صمتت للحظات تأخذ انفاسها وهي تبكي..تابعت بحرقة
” بس.. بس أنت استعجلت و الكلام اللي قولته ده كسرني.. كسرلي قلبي اللي حبك واتعلق بيك يا بدر.. أنت.. أنت خذلتني.. و أنا مش مسامحة ”
تركته و دلفت لغرفتها تحاول أن تتوقف عن البكاء و تستجمع شجاعتها لتبادله قسوة بأشد منها و جحودًا بجحود، فالمرأة عندما ينكسر قلبها لا ترحم أحد.
لقد تأثر بدر بما قالته حقًا و تألم قلبه لأجلها و بدأ يشعر بالضعف نحوها ثانية، ولكنه تملك نفسه تلك المرة و قرر أن يعطي كل الأولوية لذاته و لا يهتم بأي أحد كان.. لا يدري ما هذا الجحود الذي أصاب قلبه و لكنه يشعر بشعور غريب أصابه لأول مرة “وهو شعور اللذة بعذاب الآخرين و ضعفهم أمامه”.
في تلك الليلة نام بدر في الصالة بينما عائشة لم يزور النعاس جفنها بسبب قسوة كلامه التي ابكتها كثيرًا..
توضأت لتصلي و تشكو حاجتها لله، و بدلًا من أن تدعو عليه، دعت له بالهداية وأن يرده الله اليه معافيًا من وساوس الشيطان، فهي لا تنكر أنها تعلقت به حقًا و أحبته بشدة.
مرّت الليالي القاسية على عائشة ليلة تلو الأخرى و بدر مستمر في تجاهلها، ولكن شيء واحد فقط كان لا يمنع نفسه من فعله، هو أنها عندما تنام كان يجلس بجانبها لدقائق يمسد على شعرها بحنان و يُقبله برقة وهو يخبرها بصوت منخفض أنه لا يدري لما يفعل ذلك ولماذا لا يستطيع أن يستعيد ذاته ولكنه لن يتوقف عن حبها أبدًا مهما غلبته قسوته و مهما حدث بينهما.
هل ستستمر تلك العلاقة الجافية أم سيتدخل القدر ويحسم الأمر ؟
***********
في أحد المناطق النائية من السكان في شبه جزيرة سيناء، توزع رجال الجيش الأسود
” الشُرطة ” في أماكن مختلفة للقضاء على بعض العناصر الارهابية التي تم تحديد مواقعهم بواسطة مخبرين و ضباط ذو كفء.
الذي يقود تلك الكتيبة من رجال الشرطة هو الرائد ” كريم ” لقد آتى فور علمه بذلك، و قام بوضع الخطة منذ يومين و التدريب عليها و البقية قاموا بتوزيع أنفسهم للقضاء على من يهددون أمن الوطن.
أخرج كريم جهاز اللاسلكي خاصته؛ ليعطي أمر الهجوم لبقية زملاؤه.. بدأ الاشتباك بين رجال الشرطة و العصابات الارهابية.. انهال الرصاص بكثرة من الطرفين فوقع الكثير من الرجال بين مصاب و قتيل، أما كريم تسحب ببطء وهو يمسك سلاحه باحترافية غير آبه للكم الهائل من الرصاص الذي يقذف من هنا وهناك.. و بمهارة ضابط كفء صوب سلاحه على رئيس تلك العناصر الارهابية، فخر قتيلا.. حمد الله في جوفه و استدار لينال من ارهابي آخر ولكنه فوجئ بـ رجل منهم يضع مسدسه في رأسه هاتفًا بصوت أجش
“نزل سلاحك و ارفع ايدك”
لم يخاف كريم و لم يتأثر و نطق الشهادة بخفوت ثم قال له بكل شجاعة وهو ينظر في عينيه بقوة
“أنا لو مُت فهموت شهيد عشان بحمي بلدي.. أنت بقى وضعك ايه ؟”
استفز الرجل كثيرًا و تعصب وقبل أن يضغط على الزناد، أغمض كريم عينيه وهو يردد الشهادة ببسالة، و انطلقت الرصاصة بسرعة البرق !
في نفس الوقت و نفس الدقيقة كانت رُميساء تتقلب في فراشها بـإِنْزَعَاجٌ، و جبينها يتصبب عرقًا ثم نهضت بفزع فجأة و هي تشهق
” أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ”
*****

يُتبع ..

اترك رد

error: Content is protected !!