روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الرابع والثمانون 84 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الرابع والثمانون 84 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الرابع والثمانون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الرابع والثمانون 84

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الرابعة والثمانون

اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
صلِ على النبي 3مرات
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات
~.. رجل الصمت الأسود…العاشق من جديد..~
مذاق الذكريات كالعملة ذو الوجهين، مذاق بطعم السكر، والوجه الآخر بمذاق المُر، مختلفان حقاً… ولكنهما يتساويان في نفس النتيجة .. أنهما في نهاية المطاف ذكريات..!
ولكن مشاعرنا دائمًا تحمل بعض الاستثناءات، أشياء ضد تيار المنطق والمألوف.
يتردد صدى الماضي عند كل خطوة، ومن قال أن أجمل لحظاته اعتبرها قلبه ماضٍ ولى ..؟!
هكذا حب يشبه العطور الأصلية، كلما مرت عليه السنوات ومضت على سمائه بأيامها، كلما تعتق وأصبح أكثر جنوناً ودفء..!
يصبح بردا وسلاما لكل ألم بالحياة.
وغادر قرص الشمس في الأفق البعيد بوعد اللقاء القريب، واحتلت الظلمة السماء التي رصعت بالنجوم، وتحوم عاليًا النسمات الرطبة المنعشة، الخفيفة على القلب والأنفاس.
ولكن العجيب أن رداء ليلى كان يشبه ذلك المشهد المسائي الساحر، فستان أسود مخملي طويل، مرصع بحبات اللؤلؤ الفضية اللامعة.
وحذاء يشبه حذاء السندريلا السحري الذي كان طرفا في اسطورتها، كانت قد أعجبت به ليلى وابتاعته في أحدى الخروجات مع طبيبتها النفسية ” مروة” … أما عن زينة وجهها فلم تسرف في الأمر.
أبقت ملامحها هادئة على دفئها الطبيعي، هو يحبها هكذا دون مبالغة، هي مُهلكة الاغراء بالنسبة له بما يكفي ويفيض، حتى لو كانت في أسوأ احوالها..!
تشعر أن هذه الزيارة تأخرت سنوات وعقود، أم لأن انتظرها القلب طويلًا ..؟!
كانت أضافتها الأخيرة هي التأكد من إحكام حجابها كي لا ترتخي ربطته حول عنقها، وحمدت أن وجيه اختار أن يبدل ملابسه في غرفة أخرى كي يترك لها مساحة الحرية في الاستعداد، هو يعرف أنها تحب ذلك، وتحب أن تفاجئه بطلّتها النهائية.
ابتسمت وهي تنظر لنفسها عبر المرآة وقالت :
_ ( كده تمام أوي ..)
تحركت يمينا ويسارا لكي تتأكد من طلّتها بكل الاتجاهات، وشعرت بثقة عالية وهي تبتسم لنفسها ولاشراقة وجهها التي هجرتها لسنوات، اليوم فقط كأنها عادت لصباها .. كم هي جميلة سعادة القلب ..
وعندما التفتت لخزانة الملابس خاصتها لتختار حقيبة مناسبة للرداء، دخل وجيه الغرفة بحلّته السوداء التي اظهرت وسامته بدرجة خطرة، ودائمًا كان يناسبه الأسود .. يبرز وسامته وسحر شخصيته بوضوح لافت للنظر.
وعندما أتى ليفاجئها بمدى جاذبية مظهره، خطفه مظهرها الفاتن الذي سلب لُب عقله للحظات، تسحره تلك الليلى بكل ما فيها، تخطف أنفاسه حتى الجمود.
ليسأل نفسه للمرة المليون، ما قوة هذا الحب الذي يبدو أنه ليس له آخر ؟!
شعرت به وارتبكت حتى توردت وجنتيها حياءً بشدة، ولم تشأ أن تلتفت بتلك اللحظة حتى لا يلحظ عنف ارتباكها هذا، ولكنه اقترب منها وعلى وجهه ابتسامة ساحرة .. وماكرة بآنٍ واحد.
هي فقط التي تستطيع أن تخرج اعمق بقاع مكره كرجل .. لتجد نفسها بلحظه بين ذراعيه وعينيها بعينه الثائرة بشيء جعلها تنتفض من الحياء.
شعورها كان الآن كالعذراء الذي لامس حبيبها أطراف أناملها بالخطأ …
خرجت كلماتها بصوت هامس ومتوتر:
_( في أيه ..؟! )
طافت نظرات عينيه العاشقة على كل تفصيلة بوجهها، وبابتسامة ترتسم دون إرادة منه ولا إشارة حتى لتأت، وقال وكأنه يُحدث عيناها البندقيتان حديثا خاصاً:
_ ( في إيه أنتي ..؟! … مالك ؟! …)
تسحبت ابتسامة لشفتيها لأنها تفهم ما يقصده، ولكنها اظهرت الجدية وهي تسأل :
_ ( وأنا عملت إيه ..؟! )
تباطئ في النظر لتفاصيل وجهها وهو مبتسم بمكر، ثم استقر عند عينيها وقال بدفء وابتسامة متلاعبة :
_( لأ بسيطة … بتخطفيني بس، بتوتريني، بتخليني أغير قراراتي في اللحظة مية الف مرة … طب أنا دلوقتي مش عايز أخرج ؟! )
اشتد المكر بعينه مع ختام جملته، والتمعت عينيها هي بابتسامة جرت على ثغرها بلحظة خاطفة، وقالت بخبث:
_( مش المفروض في مفاجأة بقالها سنين عايز توريهالي ؟! )
تابع بنفس ابتسامته الماكرة وهو تائها بعينيها :
_( المفروض … )
فقالت وهي تنظر لعينيه بدفء وكأنها تريد حقاً نيل تلك السعادة المنتظرة فقالت:
_ ( خلينا نخرج أنا خلاص جهزت، عايزة اعيد كل لحظة من بتوع زمان … وحشاني أوي اللحظات دي … لو بإيدي أعيدها كل يوم مكنتش أترددت ثانية واحدة … )
قبّل وجيه جبينها برقة وببطء، ثم نظر لعينيها بعمق وهمس:
_ ( صدقيني يا ليلى … أنا بعيش معاكي دلوقتي حب أقوى بكتير من اللي عشته زمان … تفاصيلنا وأيامنا كلها جميلة، حلوة زي أجمل الصدف .. حتى لما بنزعل .. زعلنا بيبقى بطعم السكر … )
تعلًقت ليلى برقبته بأجمل ابتسامةّ لها في حركة رقيقة منها، وكأنها تزهر مع كل كلمة من جديد، وتحدثت بصوت خافت كأنها لا تريد أن تسمع حتى النسمات ما تقوله :
_ ( أنا لو عشت مليون سنة بمليون شخصية … مش هعرف أحب غيرك برضه .. )
نظر لها وجيه مبتسما بمكر للحظات، ثم قال وابتسامته تزداد اتساعا:
_ ( طب يلا نخرج قبل ما أغير رأيي …)
ورافقها حتى الباب، وهو يضم أنامل يدها بقبضته الدافئة القوية، وحينما خرجا معاً حتى سيارته الباناميرا السوداء الفخمة جلست بجانبه ليلى وهو يبدأ بالاستعداد للسير.
ضيق عينيه اليمنى بغمزة رافقها أجمل ابتسامة لديه، فتطلعت به ليلى وراقبته منتبهة لأبسط التفاته منه … ولم تهجر الابتسامة وجهها …
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وتحت السماء المضاءة بقمر الليل …
انتعت أنفاسها بالهواء العليل وهي تجلس بشرفة “الكابين” المُطل على البحر مباشرةً، والذي كان منفردًا بعيدًا عن أمثاله من المبان المصيفية ..
اعتركت النسمات بخفة وهي تمرح على بشرة وجهها، وشردت جميلة بعض الشيء ..
في سعادتها واحساسها بجنون العشق لزوجها … وتعجبت من نفسها وما تكنّه لذلك الجاسر!
كيف أنها بالأمس كانت تحمل منه الكثير من الخوف والريبة!
أما الآن النقيض تمامًا !!
أم أنه الأطمئنان والسكينة التي تربعت في جميع تصرفاته بالآونة الاخيرة كانتا الطريق السليم اليها ؟
ابتسمت وهي تغلق أطراف رداء النوم حولها، وتعجبت للحظة من تلك البرودة في هذا الوقت من العام !!…
حتى أتى اليها من الداخل متسحبا بخطوات لا يُسمع لها صوت !
وفجأة أحتواها بين ذراعيه بدفء ورقة، وهمس بصوت ناعس:
_ ( كنت بدور عليكي …)
استدارت له مبتسمة بكل ما تحمل في قلبها من عشق وقالت :
_ ( صحيت ولقيتك نايم ، محبتش ازعجك واصحيك تقعد معايا، رغم أن الجو جميل أوي هنا …)
نظر جاسر ببهجة فيما حوله من فراغ وهدوء، اللهم إلا صوت ارتطام أمواج البحر ببعضها وبالصخور ، واستنشق بعض الهواء باستمتاع ، ثم نظر إليها بعينان لا زالتا ناعستان بعض الشيء وقال :
_ ( كويس أني صحيت من نفسي عشان استغل الجو الشاعري ده ونقعد مع بعض شوية، ولا أقولك تعالي نطلع على الشط احسن …. استعدي على ما أخد دش وأفوق كده …)
ومرر أنامله على ذقنها بمشاكسة، ثم توجه مباشرةً للداخل مرة أخرى لينفذ ما قاله، حتى وقفت جميلة أمام خزانتها وبدا عليها بعض الحيرة في اختيار المناسب …
حتى وجدت رداء من الشيفون الناعم باللون الازرق، راودها لهفة أرتدائه الآن، رغم أن هناك الأنسب منه.
وبعد دقائق كانت تقف أمام المرآة تتفحصه بابتسامة واثقة، وخرج جاسر من الحمام وهو يجفف شعره المبتل بالماء بالمنشفة، حتى وفع نظره عليها فابتسم بأعجاب وهو يتفحصها بنظرة بطيئة …
ودقائق وكانا يسيران على الشاطئ برفقة بعضهما تحت جناح الليل والهواء الرطب، حتى ضحك جاسر ضحكة خافتة وقطع الصمت بها … فقالت جميلة متساءلة بابتسامة:
_ (ضحكني معاك ….؟! )
ترك يدها ليحيط خصرها بذراعه في تملك وليستطيع التحدث بأكثر قرب منها وقال:
_ ( أصلي بصراحة مكنتش متخيل أني هتقبل فكرة الجواز بالسهولة دي !! …. الجواز بالنسبة ليا فعلا كان سجن، مجرد التفكير فيه كان بيخنقني ! … أنما دلوقتي وكأني بقيت واحد تاني ! … حد كأنه معرفش بنت في حياته لحد ما لقى اللي كان بيحلم بيها طول عمره … احساسي معاكي يا جميلة أول مرة أحسه في حياتي … مش متخيل أني كنت هبقى مبسوط كده مع أي واحدة تانية غيرك ….)
ابتسمت جميلة بحياء شديد وسعادة ترفرف بقلبها، واستشعر جاسر برجفتها، فضمها أكثر إليه وقال بمحبة صادقة:
_( فيكي حاجة غريبة مجنناني بيكي ! …. مش عارفها بالضبط، بس حاسسها أوي …. كأنها الحقيقة الوحيدة في وسط أوهام كتير …)
تنهدت جميلة بارتياح شديد وقالت مبتسمة بصوتٍ رقيق:
_ ( أنا عايزة اسمعك … مش هتكلم كتير …)
اعترض جاسر وبعينيه المرح والمكر وقال:
_ ( وأنا كمان عايز اسمعك … اومال هتكلم طول الليل لوحدي ! )
اتسعت ابتسامتها وقالت :
_( بصراحة وأول مرة يعني أقولك الموضوع ده …. أنا بحب صوتك أوي…)
اقترح بابتسامة متلاعبة:
_( أغنيلك طيب ؟! )
ضحكت جميلة بقوة وأجابت :
_ ( لأ مش للدرجة دي ، أنا بحب صوتك وأنت بتتكلم … صوتك حلو … جذاب زيك )
توقف ورفع أناملها لشفتيه وطبع قبلة رقيقة على يدها ، ثم نظر لعينيها الملتمعة تحت ضوء القمر وهمس :
_ ( وبتحبي فيا إيه كمان …؟ )
ابتسمت بارتباك وحياء ، ولكنها اعترفت له بكل صدق:
_( عنيك … نظرتك ليا حلوة، حتى وأنت متغاظ مني بتبصلي حلو أوي .. )
التمعت نظراته بالمكر والابتسامة وقال:
_( والأحلى احساس الراجل لما يتعاكس من مراته …. ولا أروع )
ضحكت جميلة على نظراته المرحة وهو يتحدث وقالت :
_ ( وخفة دمك كمان … هو عمومًا كلك على بعضك بتعجبني …)
قربها اليه وقال مبتسما بمرح وخبث:
_ ( أنا اتحبيت كتير … مافيش واحدة دوختني بكلامها غيرك يا بيوتيفول …)
اعترضت بغيظ وهي تبتعد عنه:
_( مافيش واحدة من اللي عرفتهم حبيتك قدي وابعد عني بقا …. )
جذبها اليه بضحكة قبل ما تبتعد خطوة أخرى وهمس لها بكلمات اعتراف حبه لها … حتى سكنت وعادت ابتسامتها خجولة هادئة …
فقرر أن يجلس بعض الوقت على الرمال ليستريحا، وخلع جاكته الصيفي ودثرها به وهي تسند رأسها على صدره … فأغمضت جميلة عينيها مبتسمة وطمأنينة العالم قد احتلت قلبها….
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وفي تلك الزاوية البعيدة في قاعة الطعام بالفندق، والذي اختارها رعد خصيصا ليقضيا فيها سهرتهما لهذه الليلة.
نظرت رضوى لساعة معصمها لا ارادايًا وابتسامة بعدها باستنكار …!
تساءل رعد مبتسما بمرح من تكرارها للأمر :
_ ( كل شوية تبصي للساعة وتضحكي ليه ؟!…)
أجابت رضوى وقد اندفعت بموجة سريعة من الضحك :
_ ( بفكر نفسي اتأخرت على البيت وأمي هتزعقلي ، بس بفتكر أني اتجوزت وأني مع جوزي في شهر العسل كمان … يعني لو سهرت للفجر معاك محدش يقدر يكلمني …)
ضم يدها بدفء في احضان قبضته أكثر وقال بمحبة :
_ ( محدش يقدر يبصلك حتى بصة وأنتي معايا ….)
ارتبكت رضوى بحياء شديد منه وقالت :
_( ماسبتش ايدي لحظة واحدة من وقت ما حضرنا هنا من شوية …. كأني ههرب منك !!)
وبالفعل كانت دائما تشعر من كل ما يفعله أنه يخاف أن تبتعد عنه ، فقال رعد مبتسما بتأكيد :
_( مش مصدق أننا بعد الحرب اللي كانت ما بينا دي كلها خلاص اتصالحنا ورضيتك وسامحتيني ! …. ده انا كنت افتكرت أن ده ابعد من أحلامي كمان …)
همست له رضوى بإعتراف ونظرة ماكرة تتلاعب بعينيها:
_( بس تعرف بقا أني كنت بضحك من جوايا على كل مرة بنرفزك فيها واستفزك ! …. وبالذات في موضوع وائل، كنت بجيب سيرته مخصوص عشان تتنرفز …. رغم أني كنت زعلانة فعلًا منك ، بس كان في حاجة لذيذة في الموضوع …)
ضيق عينيه عليها وقال:
_( اعترفي بقا أنك كنتي بتفرحي لما بغير عليكي !)
قالت بتأكيد :
_( آه كنت بفرح وببقى عايزة اتنطط كمان، هو أزاي أحبك وما أفرحش بغيرتك عليا ؟! )
قال بابتسامة مستسلمة:
_ ( غلبتيني …. )
وقضيا بعد الدقائق الأخرى في أحاديث مرحة وقد تخللها بعض اللحظات الشاعرية …. حتى قرر رعد أن يصعد لغرفتهما بالفندق ، وأخذ رضوى حتى المصعد …
وبعد أن فتح الباب في الطابق المقصود حيث جناحهما ، خرجت رضوى ووجهها يشتعل احمرارا … والتفت رعد حوله ليتأكد أن لا أحد بالممر الطويل ، ثم حملها بين ذراعيه وقال بمزاح :
_( هوصلك لأوضتنا … عيب تمشي المسافة دي كلها وانا موجود ….)
ضحكت رضوى وقالت :
_ ( طب كنت وقف تاكسي احسن ! )
وضحكا سويا حتى وصلا لغرفتهما وأنزلها رعد على الأرض، وعندما دخلت رضوى الغرفة تنهدت بارتياح وقالت وهي تخلع حذائها ذو الكعب العال:
_ ( قضينا النهار كله نتفسح …. )
وشعرت بارتياح شديد عندما سارت حافية القدمين على سجاد الغرفة … وظل رعد يراقبها بابتسامة عاشقة وهي تجيء وتذهب أمامه … وحمد ربه على تلك النعمة التي لونت ءيامه بالسعادة أخيرًا بعد طريق طويل شائك كاد يفرقهما …
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
رفع وجيه الباب المعدني لـ ” محل الزهور” عاليًا ، حتى وكأنه فتح أبواب الماض، سجل لأجمل ذكريات مرت على قلبه …
وظلت ليلى شاردة أمام واجهة المحل، تتأمل الشوارع التي حفظت عهدها واصالتها، لا شيء تغير … كأن ما مر من سنوات مر بين ليلةً وضحاها !
ورفعت نظرها للوحة المدون عليها اسم المكان، كل شيء لا زال على عهده تمامًا …
لم تشعر بابتسامة ثغرها المليئة بالحنين والدفء ….
حتى انتبهت لصوت وجيه وهو ينظر لها بمحبة شديدة وقال وهو يمد لها ذراعه حتى تقترب منه وتدخل:
_( تعالي يا ليلى …)
دخلت ليلى بأولى خطوات، وتفحصت المكان ببطء، تقسم أن المكان وكأنها تركته بالأمس … اللهم إلا أصص الذرع والزهور الذابلة الجافة من أثر السنوات الماضية.
وماكينة التصوير القديمة المكدس على جانبها مختلف أنواع الكتب بأرفف مزدحمة للغاية …
والمقعد المتحرك التي كانت تعشقه لا زال هنا أيضا … اسرعت للمقعد وجلست عليه بإشتياق وكأنها ستلتقي مع سنواتها الضائعة…
وأغمضت عينيها كعهدها قديما عندما تجلس على ذلك المقعد … لتجد صوت وجيه يهمس لها بفحيح:
_( ناقص صوت الراديو على اغنيتنا المفضلة … وهتحسي أن اللي فات كانوا ١٠ دقايق مش سنين … الفرق بس أنك احلويتي أوي … حلوة ومافيش أحلى منك في عنيا يا ليلى ..)
ابتسمت ليلى ولا زالت مغمضة العينان، كأنها تسبح بحلما جميل لم ترى بروعته من قبل، ثم فتحت عينيها ببطء وقالت برقة :
_( أنت اشتريت المحل عشاني ؟!)
هز رأسه مؤكدا وهو يحتضنها بنظرات عينيه، وقال بعد ذلك :
_( بس مكنتش باجي هنا غير كل فترة كبيرة. .. لما ببقى هتجنن وأشوفك … بلاقي نفسي هنا، احتفظت بكل شيء فيه زي ما هو من وقت ما سبتيه، مغيرتش أي حاجة … حتى الزهور مغيرتهاش من مكانها … الكتب بترتيب ايديكي … كل حاجة بلمسة ايديكي الأخيرة ….)
وقفت ليلى واقتربت منه حتى وضعت يدها على قلبه بنظرة لم يرى وجيه بمدى رقتها من قبل … وقالت هامسة برجاء:
_( مش عايزة أمشي من هنا النهاردة … عايزة أشبع من المكان ده قبل ما ارجع البيت … خلينا هنا )
تعجب وجيه وقال :
_( عايزة تباتي هنا …؟!)
هزت رأسها مبتسمة بموافقة ، وراقب نظراتها المتلهفة لموافقته ، فقال مرغما :
_ ( موافق .. طالما ده هيبسطك …)
وتابع :
_( وبما أننا هنقضي سهرتنا هنا … في سوبر ماركت جنبنا هروح اشتري منه شوية حاجات وجايلك بسرعة مش هتأخر ….)
لم تعترض ليلى، فالمكان بالقرب من هنا وعلى بعد خطوات قليلة فقط … وخرج وجيه من محل الزهور بخطوات سريعة … حتى التفتت ليلى وذهبت عينيها لأرفف الكتب ، اقتربت لهم وبحثت فيهم عن ضالتها … ولكن وجدت تلك النسخة متروكة بأهمال على المنضدة الكبيرة بالقرب منها …. وتذكرت شيء … تلك المقطوعة الغنائية التي شاركتهما أجمل أيامها …
ولكن من المستحيل أن تتقابل الصدف وتأت في تلك الساعة على موجات الراديو ، وهذا اذا كان جهاز الراديو لا زال يعمل بالأساس !
وتعجبت من سذاجتها، فهي دائمًا كانت تحفظ تلك المقطوعة على هاتفها ، لابد أنها لا زالت موجودة على الهاتف أيضا …
اخرجت ليلى الهاتف من حقيبتها بلهفة شديدة ، وبحثت عن المقطوعة على ذاكرة الهاتف ، حتى هتفت بسعادة عندما صدق حدسها وظنها ووجدتها ….
وبدأ صوت الحب ” ليلى مراد” يدندن تلك المقطوعة في هدوء الليل …
ليلة تشبه تمامًا تلك الليلة العائدة لعشر سنوات ماضية … بل يُخيل اليها أن ليلة اليوم أكثر سحرا وحميمية …
” ماليش أمل في الدنيا دي…غير أني أشوفك متهنّي…حتى أن لقيت أن بعادي..راح يسعدك أبعد عني….”.
وجلست على المقعد الهزاز واغمضت عينيها في سلام وسعادة وهي تحتضن الكتاب الذي يحمل عنوان ” لن أبيع العمر ” …
وأتى حبيبها، رجل الصمت الأسود مع الجميع …. إلا مع صاحبة الرداء الأسود والعينان البندقيتان الكحيلة … كان عاشق فقط …
والتهمت عينيه العاشقة رؤيتها بنفس المشهد من جديد … كأنها بقيت جالسة هنا مدة عشر سنوات حتى عاد إليها بعد غياب …

يتبع…

اترك رد

error: Content is protected !!