روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثاني والثمانون 82 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثاني والثمانون 82 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الثاني والثمانون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الثاني والثمانون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الثانية والثمانون

اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
صلِ على النبي 3مرات
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات
~.. عودة فصول الحب الأولى.~
دقت الساعة العاشرة صباحاً.
وفتحت ليلى عينيها بكسل بعد الساعات الفائتة من السهر والمناقشات والأحاديث الكثيرة، تثاءبت ببطء ولا زال جفنيها يغطيهما النعاس حتى اشرقت عينيها من جديد وتفردت ابتسامة على صفحة وجهها واستكانت.
رماها وجيه بابتسامة مرحة ومتسلية وهو يرتشف قهوته الصباحية قرب الشرفة ثم قال بمكر :
_ ممكن أعرف سر الابتسامة دي ؟
تحركت عينا ليلى وجهته بمفاجأة ثم اعتدلت وهي تخبئ ابتسامتها وقالت بجدية :
_ لأ عادي ، هقوم اخد دش سريع وأجي.
وراقبها وهي تأخذ ملابسها وتتوجه نحو حمام الغرفة وهي تتجنبه، اتسعت ابتسامته وعاد ينظر للجريدة ويرفع كوب القهوة لشفتيه، وبعد دقائق خرجت ليلى بشعرها المبتل وردائها الفضفاض المُبهج بألوان الصيف المشرقة، ثم اقتربت له وجلست قبالته
بهدوء وكي لا يكتشف سعادتها المخبئة تظاهرت بالتلذذ بطوب قهوتها وقالت :
_ القهوة تجنن.
تمتم وجيه وهو يخفي ضحكته :
_ والله أنتي اللي تجنني !!
وضع وجيه الجريدة جانبا وظل يراقبها ببطء وتعمد وهو يشرب قهوته، وازداد ارتباكها تحت نظراته المسلطة عليها بقوة ، فقالت بحدة :
_ بتبصلي كده ليه ؟!
ضيق نظراته عليها بمكر وقال مبتسما وهو يضع كوب قهوته على الطاولة بينهما:
_ بحب أشوفك مبسوطة ، بستمتع بضحكتك.
ابدت ضحكة وكأنها ترد بها على حديثه فقط وقالت :
_ مش فهماك بصراحة ! … بس عمومًا نسيت اسألك صحيح، هما العرسان هيرجعوا أمتى من شهر العسل ؟
تذكر وجيه شباب العائلة المشاكسين الأربعة وضحك بصدق ثم قال :
_ المفروض بعد اسبوع ، بس أنا متأكد أنهم مش هيرجعوا قبل اسبوعين على الأقل ، دول ما صدقوا يتجوزوا البنات!
ابتسمت ليلى وقالت :
_ ربنا يسعدهم ، عقبالنا لما نروح شهر عسل كده ونقضي اسبوع واحد حتى !
قالت جملتها الأخيرة وهي تنظر له بعتاب ولكنه لم يتمالك نفسه وارتفعت ضحكته عاليًا ، ثم قال بغمزة لها :
_ أنتي طماعة ! … بس لو صبرتي شوية كنتي عرفتي أنا ناوي على إيه ؟
ابتسمت ليلى بلهفة وقالت :
_ ناوي على إيه قول قول !!
هز رأسه بالرفض ليستفزها وقال بهدوء يواري مرح متخفي:
_ أسف .. مش هقول.
زمت ليلى شفتيها بغيظ منه وقالت :
_ أنت بتغيظني يعني ؟!
حرك رأسه بموافقته على ظنها فأغتاظت ليلى أكثر ووقفت أمامه بتحدٍ وقالت:
_ أنا بقا مش عايزة أعرف ومش هكلمك غير لما تيجي وتقولي.
همّت أن تبتعد عنه حتى وقف سريعا وجذبها من ذراعها إليه وقال مبتسما بنظرة ماكرة وهو يهمس لها بمرح :
_ مقدرش ما اكلمكيش ، تنكري أن سبب ابتسامتك اول ما فتحتي عنيكي عشان بقيت خلاص ليكي لوحدك ؟!
ابتسمت رغما وهي تستمع لحديثه وتنظر اليه ثم قالت مراوغة:
_ لا مش هنكر ، بس برضو مش هكلمك غير لما تقولي ناوي على إيه ؟
اتسعت ابتسامته وقال مستسلما :
_ ناوي لما الشباب يوصلوا ويرجعوا المستشفى أخدك انتي وريمو ونطلع سفرية صغيرة كده على قدنا ونسافر أسبوعين في أي حته في تختاروها ، هو انا خدت اجازات كتير أوي من وقت ما رجعتيلي بس مش مهم ، ما انا بقالي سنين مغرق نفسي في الشغل ، آن الآوان افكر في نفسي شوية.
وضعت ليلى يديها على صدره العريض وهي مبتسمة بمحبة عميقة لعينيه وقالت :
_ ما تفتكرش اني عشان مبسوطة أني بقيت لوحدي في حياتك أني مبسوطة ان جيهان بعدت واتطلقت !
لا يا وجيه ، مش بعده اللي عملته مع بنتي أفرح فيها، بس غصب عني مش قادرة اقبل حد يشاركني فيك، النهاردة قومت مبسوطة عشان لقيتك جنبي وانا مش خايفة من بكرة ، لأن بكرة برضو هلاقيك جانبي مش مع واحدة تانية.
رفع يديها لشفتيه وقبلهما ببطء ثم همس امام عينيها قائلا بمنتهى الصدق :
_ والله حتى وأنا معاها ما كان بالي وقلبي غير معاكي أنتي !
وظل يتبادلون الكلمات الرقيقة لدقائق حتى قال وجيه بشيء من الجدية :
_ بعد ما تفطري هخدك ونشوف البنت المحبوسة في الجنينة ، عايز أعرف حكاياتها إيه قبل ما اسلمها للشرطة.
ظهر على ه ليلى التردد والخوف وكأنه هناك أشباح تركض امام ناظريها ، فلاحظ وجيه ذلك وقال بتساؤل:
_ مالك يا ليلى ؟! … ليه بتتوتري كل ما اجيب سيرة البنت دي ؟! حاسس كمان انك بتتهربي من المواجهة !
التمعت عينا ليلى بالخوف وقالت له بتشتت :
_ مش عارفة يا وجيه خايفة كده ليه ، حاسة اللي هعرفه منها هيتعبني ، قلبي مش مطمن مش عارفة ليه!.
دب القلق بقلبه وقال :
_ يبقى خليكي أنتي هنا وانا هتولى المهمة دي عنك، انا في الآخر مايهمنيش غيرك انتي وبس ، المهم عندي نفسيتك وراحتك.
اعترضت ليلى وقالت :
_ طالما هتروح يبقى هروح معاك .
اعترض هو الآخر لخوفه عليها وقال :
_ طالما خايفة خليكي انتي هنا ، انا هخلص الموضوع ده بعيد عنك .
ردت ليلى بحدة وتصميم وقالت:
_ وانا قولتلك هاجي معاك، يأما ما نروحش احنا الاتنين وخلاص!
رد بتعجب منها :
_ ماينفعش يا ليلى ، لازم أعرف سبب اللي عملته والدافع ورا كل الكره ده ! … انتي وريميه مسؤوليتي ولازم أحافظ عليكم.
وكادت أن تجيب عليه بالرفض القاطع حتى دق جرس الهاتف الخاص به ، رفع وجيه الهاتف بجوار أذنه وأجاب وعينيه عليها :
_ الو…؟!
وظلت ليلى متجنبه النظر له حتى أنتهى من اتصاله واغلق الخط ثم قال :
_ مضطر اروح المستشفى كام ساعة وراجع على طول مش هتأخر، نأجل أي كلام لحد ما ارجع.
اكتفت بابتسامة ودعته بها حتى استعد وجيه للذهاب وخرج من الغرفة متوجها لعمله بالمشفى لأمر طارئ.
بينما جلست ليلى بغرفتها ترميها الحيرة ويقذفها التردد على دفتيه، تشعر ان هناك الكثير تخبأه تلك الفتاة عن ماضيها، ماضيها التي لا تتذكر ولكن على يقين ان الشيء الذي جعلها تغترب عن نفسها لسنوات وتدخل بعمق عدة أمراض نفسية ليس بالشيء الهين البسيط ، لابد أنه شيء كارثي يجب أن يظل بعيدًا عن حياتها .
وفكرت ليلى في شيء واحتارت في تنفيذه ، ولكن أخيرًا قررت المواجهة بمفردها ، وقبل أن يعود وجيه من عمله ستعرف ما خلف تلك الفتاة قبل أن تطلق سراحها.
**********
جذب يوسف يد حميدة نحو أحدى الصخور قرب الشاطئ وهما يضحكان بمرح ، ثم جلسا سويا وجنبا إلى جنب واخرج هاتفه قائلا :
_ أستني هتصل بريمو نضحك معاها شوية.
ضحكت حميدة على تعابير وجهه وهو يجري الاتصال حتى تلقى يوسف صوت أيسل المشاكس وقالت الأخيرة :
_ واحشني يا يوستفندي.
رد عليخا يوسف بضحكة :
_ وانت كمان يا فتحي واحشني ، بتعمل إيه مع ريمو ياض ؟!
قالت أيسل بثقة :
_ بقالي يومين بايته معاها عندك مانع ؟!
رد يوسف وهو يكتم ضحكته :
_ لا طبعا يا فتحي ، هاتيلي ريمو بقى اكلمها.
همست ريميه لأيسل وقالت بعدما استمعت للمكالمة :
_ قوليله ريمو زعلانة منك ، ومخصماك ، ومش بتاكل خالص خالص .
رددت أيسل ما قالته صديقتها ريميه وقالت بعصبية ليوسف:
_ ريمو زعلانة منك ومخصماك ومش بتاكل خالص خالص وبتعيط ليل نهار ونهار وليل ، والله لعضك يا يوسف لما أشوفك.
قال يوسف بدهشة :
_ يا ساتر يارب ليه كده أنا عملت إيه؟!
سألت أيسل ريميه بجدية وقالت بهمس وهي تضع يدها على سماعة الهاتف لتمنع تسرب الصوت :
_ هو عمل إيه يا ريمو ؟!
قالت ريميه بعبوس:
_ مكلمنيش امبارح طول النهار.
شهقت أيسل بصدمة وذعر ثم ضيقت عيناها بغضب وقالت ليوسف عبر الهاتف :
_ بالذمة مش مكسوف من نفسك ! حد يعمل عملتك دي ؟!
توتر يوسف وقال بضيق :
_ طب اعرف حتى انا عملت إيه ؟!
وقفت أيسل على الفراش وقالت بغضب وهي تتحدث بالهاتف :
_ مكلمتش ريمو امبارح طول النهار ولسه بتسأل ؟! اعمل فيك إيه دلوقتي يا يوسف ! صالحها وإلا انت عارف بقا.
قال يوسف بغيظ لحميدة التي انفجرت بالضحك :
_فتحي بيهددني !
وضعت أيسل سناعة الهاتف بيد الصغيرة ريميه وقالت الأخرى بعبوس :
_ عاوز ايه ؟
ابتسم يوسف بمحبة للصغيرة وقال بمرح :
_ مافيش وحشتني يا يوستفندي ؟! ده انا بقالي يوم كامل مكلمتكيش يا قمر بيتنا.
قالت ريميه مبتسمة بسعادة:
_ انا قمر يا يوستفندي ؟!
رد عليها بكل صدق :
_ وأحلى من القمر كمان ، وحشتيني يا ريمولينا
قالت الصغيرة بابتسامة بريئة وصادقة :
_ وأنت كمان يا يوستفندي ، وحميدة كمان ، وحشتوني قد الدنيا
ابتسم يوسف بمحبة وقال :
_ كلها كام يوم ونرجع نتخانق زي الأول تاني لحد ما تزهقي مني.
ضحكت الصغيرة وشاركتها أيسل في المرح حتى انتهت المكالمة
**********
فتحت ليلى باب الغرفة المحتجزة فيها تلك الخادمة، حتى وقفت الأخيرة وهي مقيدة اليدان بنظرات حاقدة يحتقن فيها الكراهية ونار الانتقام، وراقبتها ليلى بحيرة وتعجب من نظراتها تلك فقالت بعدما اغلقت الباب خلفها:
_ قوليلي أنتي مين ؟! .. أنا مش فاكرة أني كنت أعرفك قبل كده لا زمان ولا دلوقتي !
ابتسمت الخادمة بمرارة وتهكم ثم قالت :
_ ما تتعبيش نفسك ياست هانم، انتي فعلا ما تعرفنيش، اللي تعرفيها ورد أختي الله يرحمها
رددت ليلى الاسم وكأنه مألوف على سمعها حتى احتدت الخادمة وقالت بغضب :
_ آه ورد أختي ، اللي كنتي انتي السبب في موتها !
اتسعت حدقتي ليلى على آخرهما بذهول، كيف ومتى حدث ذلك ! ، ويبدو أن الفتاة قرأت بعيون ليلى علامات الاستفهام فاستطردت قائلة باستفاضة :
_ طبعا ناسية ! … عملتي عملتك ونسيتي !
أختي اللي جتلك تستنجد بيكي من اللي الشيطان صالح عمله فيها وتهديده ليها لو قالتلك على الحقيقة وفضحته ، روحتي انتي ومهمكيش أختي ولا همك اللي هيحصلها وقولتي لصالح بيه اللي ما اترددش لحظة يدبحها وقدامك..!
وضعت ليلى يدها على فمها من قوة الصدمة وتسربت دموعها على الفور وهي تقول بذهول:
_ دبحها وقدامي ! … انا مش فاكرة اي حاجة ، وحقيقة ايه اللي قالتهالي ؟! انا حاسة ان دماغي هتنفجر !
بكت الفتاة بحرقة وهي تتذكر ما رأته عند عودتها في تلك الليلة بالصدفة لتطمئن على شقيقتها :
_ أختي سفرتني برا البلد عشان ابقى في أمان ، كنا متفقين تحصلني ، بس محصلش ، كل يوم كنت بستناها توصل لكن فضلت قاعدة في البلد غصب عنها وخافت صالح
يعمل فيها حاجة، ولما فاض بيها وقررت تريح ضميرها وتعترفلك بالحقيقة قبل ما تمشي من البلد روحتي انتي لصالح وقولتيله وواجهتيه ومهمكيش أختي ، راح لأختي البيت وخدها غصب عنها لحد عندك وقتلها قدامك بدم بارد.
ولجل البخت شوفته وهو بياخد اختي ورد وجريت وراه وشوفت اللي حصل كله ، اغمى عليا والناس شالوني من الطريق ، وعلى ما فوقت كان النهار طلع واختي جثتها اختفت وصالح اختفى هو كمان … وانتي اللي قالوا انك روحتي المستشفى واللي قالوا انك تعبانة والزيارة ممنوعة عنك …
ومن الصدمة فضلت كتير مش قادرة أقف على رجلي ، وبعد كتير على ما فوقت قررت انتقم منكم واخد طاري ، لكن صالح مكنش غبي ، نقل في بيت تاني ومقدرتش اعرفلكم طريق .. حتى البلد مكنش بيجيها، فضلت السنين دي كلها مستنية نص فرصة اوصل لحد فيكم ومش عارفة.
حملقت ليلى ومساحة صدمتها تتسع فيما تسمعه حتى قالت بصدمة :
_ ايه اللي ورد قالتهولي خلى صالح يقتلها ؟! انا مش مصدقة ان كل ده حصل قدامي اصلا !!!
قالت الفتاة القنبلة الموقوته التي كانت السبب في عقدة ليلى النفسية بالاساس :
_ أنا هقولك بس مش عشان اريحك ، عشان أعذبك زي ما عذبتوا اختي وعذبتوني .
اختي المصون ياست ليلى قبل جوازها من صالح غلطت معاه، ماتفتكريش أن محاربتها عشان تتجوزه لأنها كانت بتحبه بس ؟!
لأ … اختك كانت مرعوبة لحد يعرف منكم واستعجلت على الجواز منه ، وبعد جوازها شافت وعرفت ازاي هو انسان قذر وعرف يضحك عليها ، وراها الويل بعد جوازها منه ، مكنش بيسيب نص فرصة غير وبيعايرها وبيشتمها وكان بيضربها كمان ، طبعا محدش فيكم يعرف الكلام ده !
زي برضو محدش عرف أن آخر يوم في حياتها كانت بتحاول تنتحر ، وفر هو عليها المحاولة ورماها من الدور التالت ونزلت على دماغها وماتت في ساعتها ، وأختي شافت كل ده وسمعت كل كلمة قالوها قبل اختك ما تموت.
انتفضت ليلى وارتعش جسدها بعنف وهي تبك ، حتى سقطت على واهتز جسدها بعنف وهي تحارب حالة الصرع العنيفة التي اقتحمت جسدها مجددا.
فتح الباب بقوة وكانت الطبيبة مروة التي أتت بزيارة روتينية ، ولكن عندما أخبرتها المدبرة العجوز أين توجد ليلى هرعت لهنا خوفا على ليلى ، وما كانت تخاف منه قد حدث وانتهى الأمر للأسف !…
ضحكت الخادمة المقيدة بشماتة فيما يحدث لليلى ، بينما الطبيبة مروة صرخت بخوف وهي تحتضن ليلى وتحاول ان تتحكم فيما يحدث .
**********
فتح وجيه باب المنزل وهو يركض بذعر على حبيبته ، وذلك عقب اتصال الطبيبة عليه ليأتِ على الفور ، ولكن خرجت مروة من غرفة ليلى وأوقفته قائلة وعينيها حمراوان :
_ لو سمحت يا دكتور عايزة اتكلم معاك الأول.
رفض وجيه وقال وهو يحاول الدخول للأطمئنان على حبيبته :
_ أشوفها الأول …
قالت مروة بحدة :
_ ليلى فقدت الذاكرة يا دكتور ، المرادي مش زي كل مرة ، ليلى مش فاكرة حاجة خالص عن جوازكم ولا حتى فاكرة جيهان ، ناسية حتى انها اتجوزتك !، بس فكراك أنت.
تجمد وجيه للحظات وبدأ مصدوما كليا ، على الرغم من وجود هذا الاحتمال ويعرفه سابقا إلا أنه لم يعتقد أنه سيحدث بالفعل ، واستطاعت مروة ابعاده عن غرفة ليلى حتى جلست قبالته في مكتبه وقالت :
_ ليلى عرفت من أخت ورد اللي حصل كله ، انا رجعت للبنت المحبوسة ومكنش صعب أبدا اعرف قالت ايه ، اللي حصل بشع بكل المقاييس وليلى مقدرتش تواجه تاني .
واستمع وجيه لما روته الطبيبة عن ماضي شقيقة ليلى المتوفاة وقالت بأسف:
_ مكنتش أحب احكي موضوع زي ده بس لازم تعرف عشان تفهم اللي ليلى فيه ، انا لسه عارفة اللي حصل ده النهاردة ، بقالي سنين مع ليلى مقدرتش أوصله غير النهاردة.
نظر وجيه أمامه وقال بعد تنهيدة طويلة :
_ الحمد لله انها فقدت ذاكرتها .
دهشت الطبيبة من رد فعله وقالت :
_ مش فاهمة !
نهض وجيه من مقعده وتوجه لنافذة المكتب، ثم شرد بعينيه للحظات وقال :
_ رغم ان صعب عليا ان أشوفها ناسية كل اللي فات مابينا ، بس اللي هي عرفته أصعب بكتير ، مش عايزها تفتكره تاني ولا تفكر فيه ، لو هختار بين اني افضل جنبها واعيد كل ذكرى حلوة مرت ما بينا وبين انها تتعذب باللي عرفته وماتعرفش تعيش ولا تكمل حياتها يبقى هختار انها تفقد الذاكرة وتنسى.
وتابع بحزن يملا عينيه :
_ ليلى لو فضلت فاكرة اللي حصل مكنتش هشوف ضحكتها تاني ، اللي حصل لازم يدفن وينتهي ومحدش يعرف عنه حاجة ولا الموضوع ده يتفتح تاني للأبد.
ابتسمت الطبيبة مروة وقالت له بصدق :
_ احساسك وحبك الصادق ليها اتغلب على اللي انا اتعلمته، أنا معاك في اللي بتقوله، ليلى فعلا كان لازم تنسى اللي عرفته عشان تقدر تكمل حياتها من غير عذاب، بس الفترة الجاية هي مش محتاجة ليا، هي محتجالك أنت وبس.
سأل بقلق :
_ اللي خايف منه انها تفتكر اللي البنت دي قالته.
اجابت مروة بجدية :
_ انا فضلت شهور بحاول افكر ليلى ومعرفتش ، هي حتى مع كل اللي مر الشهور اللي فاتت مقدرتش تفتكر اللي حصل غير لما واجهته مباشرة، لأن عقلها رافض يصدق أو يستوعب ، نشتغل على النقطة دي ونشوف هيحصل ايه …
وبعد ذلك تركته الطبيبة بمكتبه ليرتب أفكاره لمواجهة ليلى بعد تلك الحادثة ، فهمس لنفسه قائلا بتصميم:
_ لازم اكون هادي قدامها، مايبانش عليا اي توتر ، وزي ما وعدتك يا ليلى ، لو حصل وفقدت الذاكرة تاني هبني معاكي ذكريات أجمل ، وهعيدلك احلى ذكرياتنا حتى لو هكررها كل يوم.
*********
كانت نائمة…
يرفرف على أرض جفونها النسمات ….
وعلى مقعد وثير…بغرفته ..!
كانت الأمنيات تنسج خيوطها في صفقة حلم ..!
دخل وجيه الغرفة بهدوء، ووقف أمامـها عاقدٌا ذراعيه في ثبات…يتأمل كل طيف يتسلل لملامحها الحبيبة ….
جارة النبض …!
ضي الآمال..
وشعرها الشبيه بلون عينيها الريمية الذي يتدلى في غرور وثقة وكبرياء ..!
رحبت عينيه بعاصفة من الشوق …اقترب منها في هدوء حتى لا يُعكر صفو غفوتها الهادئة…. اسند يديـه بذراعيه الأثنان على ذراعي مقعدها وتأملها عن قرب خطر…!
فتحت عينيها ببطء وكأن شيء ايقظها برقة وأخبرها أنه هنا…
لتقع نظرتها على عينيه العميقة ..
انتفضت من مقعدها وهي تحدق فيه بصدمـة…وقالت بتلعثم ودقات قلب متسارعة :
_« وجيـه ..؟! أنا أزاي هنا ؟! ..»
ظلت نظرته عليها لا تحيد…كأنه يروقه صدمتها !، ويتلذذ بما يختال بتفكيرها الآن، بينما قلبه يعتصر الما على أجمل ذكريات فقدها.. ولكن مهلا هناك دائمًا أمل.
تمردت أحدى خصلات شعرها فاتسعت عينيها أكثر بذعر …كيف هي هنا ..دون حجابها أيضاً…!
ارتجفت بخجل شديد وضيق …وكادت أن تبتعد من أمامه حتى جذبها قائلًا بهمس :
_« ما تخافيش….»
هزت رأسها برفض ودموع، وقالت وهي تحاول التخلص من قبضة يديه على ذراعيها :
_« أزاي مخافش؟!…أزاي أنا هنا في أوضتك؟! ….أزاي أنت قابل ده ؟!»
قــال بابتسامة دافئة :
_« ده الوضع الطبيعي ….لأي زوجة…»
تجمدت ليلى من الصدمة وهي تحدق بعينيه …!.
هي زوجته ولكنها فقدت ذاكرة أجمل أيامهما، أيام أنتظرها عشر سنوات من عذاب الهجر والفراق.
إلى أين سيأخذها؟ … وكيف سينقذها من غربتها النفسية؟
هل سيتركها لتيهتها؟ أم سيقتحم غمار ظلمتها ويسرقها إليه للأبد؟

يتبع…

اترك رد

error: Content is protected !!