روايات

رواية أوصيك بقلبي عشقا الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم مريم محمد غريب

رواية أوصيك بقلبي عشقا الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم مريم محمد غريب

رواية أوصيك بقلبي عشقا البارت الثامن والعشرون

رواية أوصيك بقلبي عشقا الجزء الثامن والعشرون

رواية أوصيك بقلبي عشقا الحلقة الثامنة والعشرون

“سأعطي أيّ شيء ؛ مقابل أن أراكِ تبتسمين !”
_ مراد
يوم الزفـاف …
أخيرًا إنقضت شهور العدة، بعد عناء و عذاب استمر لسنواتٍ طويلة… كل شيء مثالي اليوم، رغم أن الزفاف سيُقام هنا، بمنزل العروس، كان هذا شرطها الوحيد، أن تخرج من بيت أبيها كما خرجت منه أول مرة، أرادت أن تمحي الذكرى الأولى بالثانية، مع إن “مراد” رغب كثيرًا أن يصنع لها عرسًا فخمًا و عرض عليها اقتراحاتٍ عدّة ؛
إذا أحبّت أن يُقام بأبرز فنادق المدينة، أو على الشاطئ، أو حتى خارج البلاد
كان سيفعل أيّ شيء تطلبه، لذا أذعن لإرادتها في الأخير و وافق أن يكون عرسهما بمنزلها …
لكنه أيضًا أصر أن تعيش ليلتها على أكمل وجه، و أن تترسّخ بذهنا أجمل اللحظات، الليلة ستكون ليلة الأحلام لحبيبته
ليلة عمرها الحقيقية
ما مضى بعمرها لم يكن سوى حلمٍ سيئ.. و الليلة ستنال مرادها !
*****

 

إنه هنا منذ البارحة، بعد إنتهاء ليلة “الحنّاء”.. عرض “أدهم” عليه أن يمكثا معًا بشقته بينما “سلاف” و الأولاد سيقضوا الليل بشقة أمه
وافق “مراد” برحابة صدر، و استيقظ في الصباح مليئًا بالنشاط و السعادة، في تمام الثامنة صباحًا، كان هو و “أدهم” قد فرغا من تناول الفطور، و تأهبا للذهاب إلى بيت الأزياء ليحضرا بذلة العريس، ثم بعدها إلى صالون الرجال ليتجهّزا سويًا …
-أنا مش ممكن أدخل أشوف إيمان !؟ .. تساءل “مراد” و هو يقف بجوار “أدهم” داخل المصعد
نظر له “أدهم” معلّقًا باستنكارٍ :
-واضح إن عندك مشكلة في تقدير الأوضاع. حضرتك ناسي إنك لسا ماكتبتش عليها.. بأيّ صفة تشوفها ؟
تأفف “مراد” : يا أدهم مش معقول كده. الدنيا كلها عارفة إن الليلة دي فرحنا أنا و إيمان. يعني في نظر الكل إحنا في حكم المتجوزين بتقفّلها عليا ليـه !؟؟
أدهم بحدة : و جايز بردو يحصل أيّ ظرف و لا قدر الله الجواز يتلغي. يبقى نشيل وزر و خلاص !!
رفع “مراد” حاجبه متعجبًا :
-وزر إيه. هو أنا بقولك أبوسها. ده أنا بقولك اشوفها بس !
عبس “أدهم” مبديًا غضبه و قال بخشونةٍ :
-إتلم يا مراد. خلي يومك معايا يعدي على خير و ماتعكش كل حاجة على أخرتها كده ..
ثم أوقف المصعد بطابق والدته، دفع الباب و خطى للأمام و هو يُملي عليه بحزمٍ :
-استناني تحت. هادخل أطمن عليهم بسرعة و نازل لك !
و أغلق الباب من بعده …
زفر “مراد” بضيقٍ و ضغط زر المصعد مستأنفًا هبوطه للأسفل، خرج من البناية متلفتًا حوله، يرى العمالة لا يزالوا هنا، لم ينصرفوا إلى بيوتهم منذ ليلة أمس، قائمين على تحضير أروع التصميمات لأجل العرس، من النظرة الأولى أطمئن بأن ما أراده هو ما سيكون تمامًا، فقد كلّف الكثير لإحضار أكثر محترفي هذه المهنة ليجعلوا من حديقة هذا البيت العادية قطعة من الجنّة !

 

ابتسم “مراد” بغتةً، و لا شعوريًا جرت يده لتستلّ هاتفه من جيب سترته، أجرى الإتصال بها فورًا.. قرر إنه إن لم يتلقّى ردًا عند الدقة الثالثة فسيغلق لأنها غالبًا ستكون نائمة الآن
و هو لا يريد أن ينتزعها من غفوتها حتى تأخذ كفايتها من الراحة.. فاليوم طويل و لم يبدأ بعد …
-آلو !
ردّت
عند الثالثة تمامًا
تراقصت البسمة على ثغر “مراد” و هو يتذوّق صوتها بسمعه مجددًا، كان مزيج من التوتر و اللهفة، مثل لهفته عليها، إنه بالكاد يطيق صبرًا ليجتمعا وحدهما، فمهما وصف لا يستطيع أن يشرح معاناته طوال ثلاثة أشهر و يومان و هو يراها أمامه و لا يمكنه حتى أن يمسّها …
-إيماني ! .. قالها “مراد” بلهجةٍ هامسة
لترد “إيمان” كدأبها مؤخرًا و كأنها كلمة السر بينهما :
-مرادي !
اتسعت إبتسامته فبانت بصوته و هو يرد عليها :
-عروستي صاحية بدري ليه ؟ مش قولنا تنامي كويس.. اليوم لسا طويل يا حبيبتي
-ماتقلقش أنا نمت بدري إمبارح. لكن غصب عني. نومي كان متقطع.. ف زهقت من نص ساعة و قلت خلاص هقوم بقى !
-قلقانة من إيه يا إيمان ؟ .. سألها “مراد” و قد تلاشت ابتسامته
كان يملؤه التعاطف تجاهها الآن و هو يسمع تجاوبه بلهجةٍ مرتعشة :
-كوابيس.. كوابيس طول الليل يا مراد !!

 

تجعّد جبينه الغضّ و هو يطلق نهدة عميقة من صدره، ثم قال بلطفٍ :
-أوعدك. من الليلة دي. مش هاتشوفي الكوابيس دي تاني أبدًا.. أحط بس إيدي عليكي. و محدش له عندنا حاجة بعد كتب الكتاب. هاتبقي بتاعتي أنا. أنا بس !
سمعها تتنفس بسرعة، فهمهم مبتسمًا و استطرد :
-إنهاردة في جدول مفاجآت عشانك. طبعًا مش هقولك عليهم كلهم.. لكن ممكن ألمّح عن آخر مفاجأة ..
صمتت في انتظاره، فأضاف بحماسةٍ مراعيًا عنصر التشويق عليها :
-بعد الفرح. منغير ما نقول لأي حد. هاخدك زي ما انتي بالفستان.. هانهرب. محدش هايعرف لنا طريق لحد ما نظهر بمزاجنا !
استشف من تموّجات أنفاسها أن الفكرة بالفعل أثارتها، هنا يكمن جنون العشق بينهما، هنا حيث التهوّر، الشغف.. و أحيانًا الخطر …
-قولي إن الفكرة عجبتك ! .. تمتم “مراد” مغمضًا عينيه و هو يتخيّلها حقًا أمامه
بل و يلمسها بالفعل بكلماته …
ردت “إيمان” متأثرة بكل أفكاره النشطة :
-عجبتني. بس.. هانروح فين ؟
فتح عيناه الآن قائلًا بمكرٍ :
-لأ. ماتحاوليش.. مش هقولك
لم تجادل معه عكس توقعاته، و قالت و قد عاود التوتر نبرات صوتها من جديد :
-طيب. بس عشان خاطري.. ماتتأخرش عليا. تعالى بسرعة
عبس مرةً أخرى و هو يسألها بجمودٍ :

 

-مالك يا إيمان. انتي كنتي كويسة طول الفترة إللي فاتت.. هاتخليني أندم ليه إني سرعت جوازنا ؟ انتي كان لازمك علاج فعلًا زي ما أدهم قال !
ردت بجفافٍ : يعني أنا مجنونة يا مراد !؟
-ماقولتش كده. بس انتي أكدتيلي دلوقتي إنك كنتي بتمثلي عليا إنك بقيتي كويسة. انتي لسا ماتجاوزتيش إللي حصل. و الدليل كان قصاد عيني طول الوقت
-و الله ! إيه هو الدليل بقى !؟؟
-لمـى !! .. قالها كأنما يسدد إليها ضربةٍ موجعة :
-مش قادرة تتقبّليها لحد إنهاردة. علاقتك بيها ادّمرت يا إيمان. دي بنتك !!!
أجفل عندما أصاب سمعه شهيق منتحبٍ لها، لم يتبعه شيء آخر، فعلم بأنها تكتم صوت بكائها و هي لا تزال معه على الخط …
-إيمان ! .. دعاها بلهجةٍ متشنجة :
-خلاص يا إيمان. خلاص حقك عليا. كان لازم اختار كلامي. خاصةً في يوم زي ده.. أنا آسف !
لم يصله أيّ رد منها، فكرر بقلقٍ :
-إيمان. انتي كويسة. إيمـان !!!؟
-معاك ! .. نطقت أخيرًا بصوتٍ أبح
تنفس الصعداء، و قال بصوت أكثر لطفًا :
-أنا آسف يا حبيبتي. شوفتي مش لوحدك إللي قلقانة و متوترة. أنا كمان زيك لدرجة مش عارف بقول إيه !
كان يصطنع الآن ليلملم ما بعثره بنفسيتها …
-و لا يهمك. أنا هاحل كل ده. انتي بس قومي روّقي مزاجك كويس. و استعدي.. ساعات قليلة جدًا و هانكون سوا !
*****

 

مع حلول الثالثة عصرًا …
بدأ الإحتفال تقريبًا، بتوافد أعداد أكثر فأكثر من العائلة و الأصدقاء، امتلأت ساحتيّ الرجال و النساء، و كانا يقف كلًا من “مراد” و “أدهم” عند الفاصل بين الطرفان، يمدوا يد المصافحة للضيوف، كلٌ منهما أنيقٌ، و بالأخص “مراد” الذي ازدان بحلّة سوداء كلاسيكية، و قميص ناصع البياض أسفلها، و ربطة عنق قاتمة بخطوطٍ بيضاء
وجه حليقٌ و قد برزت ملامحه و حدوده الحادة، فمه الدقيق، أنفه المستقيم، غمازة ذقنه العميقة جدًا، كل هذا يتألق مع لمعة عينيه الرماديتان.. أما قصّة شعره البسيطة فكانت المتمّمة لكل هذا البهاء و الجاذبية الكبيرة التي يتمتع بها
كان محط الأنظار بمرور الوقت، الرجال و النساء على حد سواء، لا يصدقون بأن “إيمان” المطلقة لمرتان، و الأم لطفلة، واتتها تلك الفرصة المذهلة للإرتباط برجلٍ مثل “مراد أبو المجد” !!
إنه منحة، هدية، لا تشوبه شائبة.. كان السؤال الذي يتبادر إلى ذهن الجميع …
أسحرته ؟ أم ما الذي قد يدفع رجلٌ مثله للزواج من “إيمان” ؟
بل و تبدو عليه السعادة !!!!
كانت أعين النساء أقواسٌ تطلق سهام الغيّرة و الحسد …
-إيمان قدامها كتير يا أدهم ؟ .. تساءل “مراد” و هو يميل صوب أذن “أدهم” :
-أطلع شوف إيه مأخرها. الفوتوجرافر وصل من بدري و كمان المأذون لسا داخل !
دنى “أدهم” قليلًا منه و قال :

 

-لسا قافل مع سلاف من خمس دقايق. خلاص مافضلش كتير. دلوقتي تلاقيها نزلت ..
و بالفعل، لم ينهي “أدهم” جملته، إلا و أُعلن عن ظهور العروس من جهة النساء بالزغاريد التي تعالت و ملأت المنطقة كلها ؛
إندفعت دفقات من الحماسة بشرايين “مراد” و هو يلتفت ورائه، ليمسك “أدهم” بكتفه منبهًا :
-إيه عينك رايحة فين. ده مكان ستات !
يرزت نصف ابتسامة على فم “مراد” و هو يخبره بتباهٍ :
-لأ يا حبيبي انت تنسالي خالص حوار ستات و رجالة ده. أنا مش داخل عليهم الحمام. أنا داخل لمراتي
اقتبس “أدهم” نفس الابتسامة و هو يرد عليه :
-لسا مابقتش مراتك يا حلو !
رفع “مراد” حاجبه و هو يومئ برأسه، ثم أشار لإبن خالته تجاه سرادق الرجال قائلًا :
-تمام يا دكتور أدهم. اتفضل بقى معايا.. عشان نكتب الكتاب. العروسة نزلت و المأذون حاضر !!
_____
بإطلالة ساحرة، و بفضل واحدة من أشهر مصممي الأزياء العرب، ظهرت “إيمان” و هي تهبط الدرج بفستانها الملكي الذي لا يقيّده حجاب، إنها العروس الأولى بهذا البيت التي تظهر بالزفاف دون حجاب، حتى وسط النساء فقط لن ينظر إليها الرجال مطلقًا
لم تكن رغبتها، إنما رغبة “مراد”.. الذي أصر أن تعيش ليلة استثنائية لا تُنسى
بين كلًا من “سلاف” و “عائشة”… نزلت “إيمان” الدرج ممسكة بتنورة الكشكش لفستانها الثلجي الطويل، أكمامه منسدلة إلى جانب طرحة طرحة مطرّزة بالاكسسوارات الفضيّة اللامعة، بالإضافة إلى مكياج دمج بين لوني الزهري الفاتح و الأبيض الشفاف مِمّ جعله يبدو كسنمائيًا

 

و تسريحة شعرها الرقيقة، لم تكن أبدًا متكلّفة، كان شعرها الفاحم الغزير ينساب حاكيًا عن طوله المبهر
كانت “إيمان” الآن هي الثانية بعد “مراد” محطًا للأنظار، لدرجة أن أمها حملت المبخرة و ذهبت نحوها مباشرةً تطوف حولها و هي تردد بعض آيات القرآن الكريم مخافةً عليها من الحسد …
تلقّفتها النساء فور وصولها إلى ساحتهم الخاصة، و خالتها “رباب” التي بدت ممتعضة قليلًا، جاملتها بابتسامة رقيقة و عانقتها لفترةٍ وجيزة، ثم قدّمت لها جدة “مراد” لأبيه :
-ماما نزلي يا إيمان. تبقى جدة مراد والدة محمود جوزي !
نظرت “إيمان” إلى السيدة الهرِمة، كانت تجلس منكمشة فوق كرسي متحرّك، ربما يُقدر عمرها بالنظر إليها إلى الستون نحو السبعون، ابتسمت لها “إيمان” رغم التوتر الذي يجيش بأعماقها و أطرافها الباردة
سلّمت عليها بدفٍ و موّدة :
-إزي حضرتك !؟
رمقتها العجوز بنظرةٍ فاحصة مبهمةٍ و هي تقول آمرة :
-قوليلي ماما نازلي !
أجفلت “إيمان” و أطاعت أمرها تلقائيًا :
-ماما نازلي !!
و لم تتسنّى لها فرصة أخرى، ارتعدت فرائصها باللحظة التالية، عندما صدح صوت المأذون عبر المكبرات يفتتح عقد القران ببعض الوعظ وذكر أفضال الزواج و التعفف به.. ذات السيناريو الذي خاضته لمرتان من قبل …

 

جلست “إيمان” بالركن المخصص لها، فوق منصّة صغيرة، هنا على كرسي وثير أبيض اللون مثل فستانها تمامًا، بقيت ساكنة مكانها، تضم يديها في عصبيةٍ مطرقة الرأس، تعلم أن جميع العيون مصوّبة ناحيتها، و في نفس الوقت تستمع إلى ما يجري بالجهة الأخرى …
حتى حانت اللحظة المرتقبة، و سمعت المأذون يرسل في طلبها إلى المنطقة المحايدة لتدلي بموافقتها على الزواج، و كأنها تفعل ذلك للمرة الأولى !
يخفق قلبها بسرعةٍ مجنونة، حين جاءت “سلاف” مبتسمة لها تلك الابتسامة الصافية، بعد تسوية ما بينهما، رأت “سلاف” أن ما من داعي للخصومة، و أن تقبل الأمر الواقع هو الحل الأصلح للجميع، فشقيقة زوجها ستتزوج اليوم
من هي لتعارض ؟
من هي لتخرب هذا الجمع الذي قدّره الله ؟
ربما فقط إنها وصلت في الوقت الخاطئ.. ما كان ينبغي أن تعود إلى المنزل مبكرًا هذا اليوم… ما كان ينبغي أن تسمع أو ترى شيئًا لا يخصّها !!!
-يلا يا إيمان ! .. هتفت “سلاف” و هي تلقي على رأس العروس بطرحة أخرى لإخفاء شعرها
نظرت “إيمان” إلى يدها الممدودة، ثم لها هي.. لم تجعلها تطلب مرةً أخرى
أودعت يدها بيد الأخيرة، و قامت معها، سارت إلى جانبها بينما ينضممن بقيّة النساء خلفهما ليشهدن بقيّة إتمام العقد …
وقف “مراد” هناك، طويل، ناضجٌ و مثير جدًا، يتألّق بابتسامته الواثقة التي تعبّر أحيانًا عن غروره الفطري، خفق صدرها بالنبضات، بينما قفلت عيناه على عينيها، لتسقط بعدها على ثوبها الأبيض، استطاعت أن تقرأ في نظراته كم هي رائعة، و اكتسبت منه ثقةً كبيرة بنفسها
جلس “مراد” بمجرد أن جلست هي لا يفصل بينهما سوى “أدهم” و المأذون
شرع الشيخ المسن بإنهاء هذا الجزء الأخير من العقد، بوضع يديّ كلًا من “أدهم” و “مراد” أسفل المنديل، و ترديد كلاهما العهود و المواثيق.. تفاجأت “إيمان” في اللحظة التي أعلنهما المأذون زوجين و أوجلتها الهتافات نفسها و كأنها تسمعها لأول مرة الآن :

 

 

-بارك الله لكما. و بارك عليكما. و جمع بينكما في خير …
لم تفيق من كل هذه المفاجآت، إلا و جاء “مراد” كأنما يلحق بها قبل أن تهرب أو تتلاشى من أمامه، رأت ابتسامة النصر تجلل وجهه، بينما يمسك بيده ليوقفها أمامه، مال نحوها ليقبّل خدّها قبلة طويلة و عميقة، ثم عانقها بقوةٍ أمام عينيّ أخيها
لا زالت لا تستوعب كل هذا، و خافت كثيرًا لولا إنها بين ذراعيه تشعر ببعض الأمان …
-تقدر تتكلم دلوقتي يا دكتور أدهم !؟ .. صاح “مراد” مبالغًا في اقترابه و لمسه لزوجته و هو يضع عينيه بعينيّ أخيها
لا يزال “أدهم” جالسًا محله و هو يرد عليه بغيظٍ غير مباشر :
-حقك يا سيدي. لأ طبعًا.. مقدرش أتكلم !
تعالت القهقهات من حولهما
سارعوا بالإنتقال للخطوة الثانية قبل غروب الشمس، بالركن المخصص لإلتقاط الصور، ذهبا الزوجين برفقة المصوّرة الشابة، خلعت “إيمان” الحجاب أمامها بحرية، بينما راحت ترشدهما للوضيعات المُثلى، إلتقطت صور كثيرة لهما معًا، و للعائلة أيضًا معهما، ثم أتمّ “مراد” جلسة التصوير بلقطةٍ خاصة
أدار زوجته مسندًا ظهرها على صدره، و تحرّك لليمين قليلًا متجذبًا رأسها بعينيه ليحقق الإتصال البصري بينهما، طوّق خصرها و بطنها بيده اليمنى، و دس يده الأخرى بجيبه، ثم تفاجأت “إيمان” مجددًا عندما دنى برأسه بغتةً مقبلًا ثغرها قبلة سطحية، و لكنها كانت كفيلة بتجميدها مثل صنمٍ
أعجبت المصوّرة كثيرًا باللقطة، و أثنتعليها و هي تعلن انتهاء جلسة التصوير :
-أكتر لقطة توب هي الأخيرة دي. مبروك يا عروسة. يومين إن شاء الله و الصور كلها تكون جاهزة !
شكرها “مراد” بينما تلوذ زوجته بأحضانه من أيّ عين تترصدّها، و لكنها بقيا وحدهما تمامًا بمجرد خروج الأخيرة من ركن التصوير ؛

 

مسّد “مراد” على رأس زوجته متمتمًا :
-إيمان.. بسرعة من فضلك قبل ما نخرج. هاعمل قصاد الناس دول كلهم حاجة غير قانونية !!
تطلعت إليه في الحال عابسة، لا تفهم ماذا يعني..و لم يكلّف نفسه عناء الشرح
أمسك وجهها بين راحتيّ يديه، و مرةً أخرى، بعد ثلاثة عشر عامًا، تتقابل شفاهما ، يستنشق “مراد” نفسًا عميقصا و هو يضغط شفتيه على شفتيها بقوةٍ و كأنه يتنفسها، يقبلها برفقٍ قدر استطاعته، و باعدت هي من تلقائها بين شفتيها لتسمح له بالتعمّق أكثر، و يفعل هو ذلك، يستمتع بمذاق فمها الحلو و رطوبته الدافئة، لتزلق طرف لسانها بفمه في إندماجٍ أعمى
إنها فعليًا القبلة الأولى الحقيقية لهما
هو أكثر خبرة
هي أكثر حاجة و لهفة
ابتسم “مراد” و هو يكسر القبلة أخيرًا.. يزرع قُبل قصيرة حول أطراف شفتيها مراعيًا إبقاء عينيه بعينيها نصف المفتوحتين الآن …
-كانت فكرة مش مظبوطة ! .. تمتم “مراد” بصوتٍ خافت مقابل شفتيها
نظرت له باستغرابٍ، فاستطرد :
-كان لازم أصبر لما نكون في بيتنا. كده مش هاعرف أفكر في أي حاجة غيرك طول السهرة.. لسا قادرة تأثري عليا بالشكل ده و أكتر يا إيمان !!
يهتز هاتفه في جيب سترته الآن، فيمد يده و يستلّه، ضحك بخفةٍ عندما شاهد اسم المتصل …
-أخوكي شكله بيستعجلنا. شكله خايف يدخل علينا أحسن يتصدم مثلًا !
-مراد ! .. غمغمت “إيمان” مؤنبة
مراد مبتسمًا : خلاص. هانرجع لهم …
و فرك ظاهر أنامله على خدّها برفقٍ و هو يضيف :
-شوية مفاجئتك هاتوصل كمان. مش عايزك تفكري خالص.. عيشي اللحظة و إنسي كل حاجة. ده يومنا يا إيمان. و قصاد العالم كله. بنتجوز أنا و انتي !

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أوصيك بقلبي عشقا)

اترك رد

error: Content is protected !!