روايات

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم آية محمد

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم آية محمد

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) البارت الخامس والثلاثون

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الجزء الخامس والثلاثون

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الحلقة الخامسة والثلاثون

ابتلع ريقه بتوترٍ جليٍ، حينما وجد سيارة أبيه تدنو منه، فأزاح عنه حزام الآمان وردد بتحذيرٍ مسبق لها:
_رحمة بابا مش لازم يعرف اللي حصل من شوية.
هزت رأسها وهي تشير إليه بتأكيدٍ، زُف بحديثها:
_متقلقش مش هتكلم في حاجة!
فتح باب سيارته وخرج منها وهو يخبرها:
_خليكِ هنا أنا راجع.
تابعته بهدوءٍ وهو يدنو من السيارة، متوجهًا للمقعد الخلفي جوار ياسين الجارحي، إنغلق باب السيارة من خلفه وانقطعت عنها الرؤيا، فلم ترى سوى الزجاج اللامع المعتم، إسترخت بجلستها وهي تفكر عن سبب وجوده بذاك الوقت، وأكثر ما شغل عقلها هل رأى ما فعله عمر بهؤلاء؟!
*******
بسيارة ياسين الجارحي.
استقر جواره بالمقعد الخلفي للسيارة بالتحديد، حيث يراقبهما السائق بفضولٍ كان يشتعل بعينيه المتلصصة عليهما من مرآة السيارة الأمامية، يبدو بأنه كان شاهدًا على بطولة عمر منذ قليلٍ وبالطبع شاركه أبيه الأمر، ولكنه حاول استبعاد تلك الشكوك وتمنى أن يكون مرورهما عابرًا لم يتطفل على فعلته، فتنحنح وهو يتساءل بإرتباكٍ صريح:
_هو حضرتك كنت فين؟
مازالت عسليته تراقب توتر معالم ابنه باستمتاعٍ، وكأنه إفتقد لأيام طفولته المثالية، تردد نبرته الثابتة مجيبة على سؤاله:
_كنت في ميتنج وإتاخرنا بالرجوع.
واستند بيده على ساقه الموضوعة فوق الأخرى وهو يسدد إليه سؤاله:
_ بتعمل أيه هنا في الوقت ده؟
حديثه الهادئ ينافر غموض عينيه التي تكشف شيئًا لا يرغب بتأكيده، ومع ذلك أجابه:
_رحمة كانت محتاجة طلب من بره وطلعت معاها.
هز رأسه بتفهمٍ، وأشار إليه:
_هات عربيتك وحصلنا.
فتح باب السيارة وما كاد بإنغلاقه حتى استمع لنداء أباه الخافت:
_عمر.
انحنى من نافذة السيارة يرى ماذا هناك؟ ، فمنحه ياسين بسمة خبيثة وإتبعها صوته الرخيم:
_اللي عملته ميتخفش منه.
برق بعينيه بصدمةٍ، ففقد القدرة على التعبير بما يود قوله، تجاهل ياسين حالته تلك، وردد بحزمٍ للسائق:
_إطلع يا فؤاد.
تحركت السيارة نصب عينيه ومازال يقف محله، فما أن غادرت الشارع الرئيسي حتى تهدل فمه بابتسامةٍ خاطفة، عاد عمر للسيارة مجددًا، ليجدها تسارع بأسئلتها الفضولية والقلق يناهزها:
_طمني يا عمر، عمي عرف حاجة؟
منحها ابتسامة ساخرة قبل أن يحرك مقود السيارة، مردفًا بتهكمٍ:
_هو في حاجة هو ميعرفهاش!!
********
طال وقوفها بالشرفة ومازالت تنتظر عودته، حاولت الإتصال هاتفيًا به كثيرًا ولكنه خارج التغطية، طوفها سكينة فور أن اهتدت عينيها بسيارته التي تنهب الطريق حتى باتت داخل حدود القصر، فأسرعت نور للأسفل لتستقبله بذاتها.
هبط عمر من السيارة متجهًا للصندوق، فحمل الأكياس بين يده، وتلك المرةٍ عاونته رحمة بعد رفضها التام بأن يحمله بمفرده، ولج للداخل متجهًا للمصعد وهي من خلفه فتفاجئ بنور تسرع للأسفل، فدنت منهما متسائلة باستغرابٍ:
_كنت فين يا عمر؟
وتحركت بنظراتها لمن تقف جواره، مرددة بدهشةٍ:
_هو في حاجة ولا أيه؟ قلقتوني!
حك جبهته بمللٍ من اسطوانته المكررة كلما رأهما أحدٌ، فقال بضجرٍ:
_كنا في الماركت يا نور.
ارتسمت بسمة واسعة على محياها، وتساءلت بحماسٍ:
_وجبتلي أيه من هناك بقى؟
رمش بعينيه بدهشةٍ، وكأنه يخبرها بأنه هاجر لبلاد الغرب بزيارة سريعة وعاد إليها، لم يجد ما يجيب به فناولته رحمة أحد الأكياس متوسط الحجم وهي تشير له بأن يقدمه لها، تابعها بذهولٍ ومع ذلك نفذ ما تمليه عليه من اشارات مبطنة، فقدمها لها، فتحت نور الكيس البلاستيكي بفضولٍ لمعرفة ما بداخله، فجحظت عينيها بفرحةٍ وصاحت بعدم تصديق:
_أيه ده مانجا معقول!
وضمته وهي تشكره بسعادةٍ غريبةٍ:
_كده بدأت تفهمني وهبدأ أحبك، مع إن رحمة اللي مساعداك بس ولا يهمني مش هخلي شيء يأثر على فرحتي!
ابتسم عمر وصاح ساخرًا:
_سهلة كل ما تزعلي مني أدخلك باتنين تلاتة كيلو!
غمزت له بمكرٍ:
_بدأت تدخلي من ثغراتي!
تعالت ضحكات رحمة، وهمست لعمر بغرورٍ:
_عد الجمايل.
قالتها وهي تلج للمصعد، تاركته يحتضن نور التي كلما وجدت نوعًا جديدًا من ثمار المانجو كانت تعود لمعانقته، فجذب الكيس البلاستيكي وولج لاحد غرف الطابق السفلي وهو يهمس لها بمكرٍ:
_تعالي جوه نكمل كلامنا، هنا ميصحش!
*******
انتهى بها المصعد بالطابق الثاني، فحملت الأكياس وتوجهت لجناحها الخاص، وإبتسامة الحماس مشتعلة على معالمها، كادت بالوصول لمبتغاها حينما توقفت على صوتٍ رجوليٍ يناديها:
_رحمة!
استدارت لتتفاجئ بياسين يدنو منها سريعًا، وعاد ليهمس لها وهو يلتقط منها الأكياس:
_تعالي معايا فورًا.
ضيقت عينيها باستغرابٍ، وتساءلت:
_في أيه يا ياسين؟!
خطى تجاه جناحه وهو يشير لها بتحذيرٍ:
_ادخلي جوه وهنتكلم.
وجدته مريبًا للغاية، خاصة وهو يكبت ضحكاته بصعوبةٍ، فاقتربت وهي تتساءل:
_طيب فهمني، مليكة كويسة؟
فتح الباب وهو يشير لها لتطمئن:
_مليكة جوه.
وبنفاذ صبرًا قال:
_ادخلي قبل ما عدي يلمحك!
مجرد نطقه لتلك الجملة حملت طرف اسدالها الطويل وهرولت للداخل برعبٍ إجتاز تعابيرها.
أغلقت مليكة مصحفها الشريف وتأملت تلك التي تهرع للداخل برعبٍ، نهضت عن فراشها وأسرعت إليها، توزع نظرات الدهشة بينها وبين زوجها ومن ثم تساءلت باستغرابٍ:
_في أيه يا ياسين؟
وضع الأغراض عن يده أرضًا، ثم إتجه للمقعد المقابل إليهما وقال بضحكة فشل بكبتها:
_عدي خرج يشتري برفيوم وشوية حاجات خاصين بيه وبعد ما خرج بنص ساعة لقيته بيتصل بيا وكان شكله متعصب جدًا، فروحتله ودفعنا المبلغ بس طبعًا عرف إن رحمة اللي عملت فيه كده!
ضربت بيدها على فمها بصدمةٍ، وعينيها تتطلعان إليه بذعرٍ، جلست مليكة جوارها بهدوءٍ تامٍ وهي تراقب ما فعلته، مرددة برعبٍ:
_عملتيها ازاي دي يا رحمة!
واسترسلت بحدةٍ:
_ما بابا عمالنا حساب بنكي ومعاكي الفيزا بتاعتك!
أجابتها بحزنٍ رغم مرح نبرتها:
_كنت عايزة أحرق قلبه على فلوسه زي ما حرق قلبي على المانجا!
وبضيقٍ استرسلت:
_بس للاسف عمر هو اللي دفع الحساب!
ضحك ياسين بصوته كله، فحانت منها نظرة ضيق إليه، فرفع يده واستعاد ثباته وهو يردد:
_آسف.
ونهض عن المقعد وإتجه للغرفة الصغيرة الملحقة بالجناح، متلفظًا ببسمته الجذابة:
_عندي شوية شغل هخلصهم، لو احتاجتم حاجة أنا جوه.
تركهم ياسين وولج للداخل يستكمل عمله، فعادت لتتطلع لمليكة التي تساءلت بحيرةٍ:
_طب هتعملي أيه دلوقتي!
هزت كتفيها بضجرٍ وهي تسحب إحدى ثمار المانجو تلتهمها بشرودٍ:
_ولا أعرف بس تقريبًا هستخبى في أي أوضة، القصر مفيش أكتر من الأوض فيه!
جذبت منها مليكة الأكياس، ثم التقطت إحدى الثمار تتناولها وهي تشير بضجرٍ:
_على أساس إنه مش هيجيبك!
جذبت رحمة المناديل الورقية تجفف بها ملابسها وعادت لتخبرها بعد تفكيرٍ:
_يبقى خليني هنا أنا في أمان، ويمكن يفكرني لسه مجتش!
هزت رأسها بتفهمٍ، ثم عادت لتردد:
_مش بتقولي إن عمر كان معاكي يبقى برجوعه عدي هيتأكد إنك هنا وآ..
ابتلعت باقي جملتها حينما تعالى الطرق على باب الجناح الخاص بهما، تعلقت رحمة بمليكة وهي تتوسل إليها:
_مليكة عشان خاطري أوعي تفتحي!
هزت رأسها تؤكد لها ومازالت تراقب الباب بحيرةٍ، فاتجهت لغرفة المكتب الملحقة بالجناح تنادي بصوتٍ خافت:
_ياسين تعالى، شكل عدي بره!
أبعد المقعد عن مكتبه الصغير وهم للخروج فأسرعت تجاهه رحمة، تسأله بصدمة:
_هتسلمني ليه يا ياسين!!
ابتسم رغمًا عنه وكأنها لصة سيقوم بتسليمها للشرطة، فابتعد عن منفذ الباب وهو يشير إليها:
_خليكي هنا واقفلي على نفسك الباب.
وكاد بالخروج ولكنه عاد إليها يخبرها بجديةٍ تامة:
_بصي يا رحمة عدي لازم يعرف انك رجعتي القصر عشان ميقلقش عليكي، ممكن أخليه ميدخلكيش ده اللي هحاول أعمله وربنا يستر.
هزت رأسها بموافقةٍ سريعةٍ، فإتجه للخارج صافقًا الباب من خلفه، فتح ياسين باب جناحه فتفاجئ بمن يقف قبالته وعينيه تجوب الجناح بالكمال وسؤاله يتردد بثباتٍ وحزمٍ:
_نادي لرحمة يا ياسين، وبطل حركات العيال دي!
اندفعت مليكة بحديثها:
_رحمة مش هنا يا عدي، دور عليها بمكان تاني.
منحها ياسين نظرة محذرة لبلاهتها، تقف أمام شرطيًا ماهرًا وأخبرته بغبائها عما يود علمه دون جهدًا منه، خرجت نبرته صارمة تلك المرةٍ:
_من فضلك يا ياسين خليها تخرج والا هدخل بنفسي لجوه.
ضم شفتيه معًا بحيرةٍ لتأزم الموقف، فابتعد عن باب الجناح مشيرًا إليه بهدوءٍ:
_هي جوه يا عدي بس من فضلك بلاش العصبية هي أكيد مكنتش تقصد اللي حصل!
داعبت بسمة خافتة شفتيه، وردد بعدم تصديق:
_هو أنت فاكرني هعمل فيها أيه؟
أجابته مليكة بضيقٍ:
_باين من عصبيتك وطريقة كلامك يا حبيبي!
منحها نفس تلك الابتسامة الثابتة، واستكمل طريقه للداخل قاصدًا غرفة المكتب الخاصة بياسين، فتح بابها ليتفاجئ بها تجلس على الأريكة الجلدية السوداء تتناول حبات المانجو بخوفٍ وشرود، وكأن أحداهما يجبرها على تناول العقاقير رغمًت عنها!
رفعت رأسها لتجده يقف قبالتها، فابتلعت ما بجوفها ونهضت عن الأريكة تشير له برهبةٍ:
_ما حصلش حاجة يا عدي لما استلفت منك الكريدت كارت، والله فلوسك زي ما هي ما أخدت منك مليم أحمر!
وتابعت وهي تضع المانجو عن يدها:
_ثم إنك رجعت بالسلامة ومحصلكش شيء، وإن كان على برستيجك فبدل ما كان هيضيع بشرا المانجا ضاع بالبرفيوم وهنا تفرق!
زوى حاجبيه بسخطٍ، وضم يده معًا لصدره يستمع لمبرراتها التي مازالت تلجئ إليها، وكلما طال صمته تبتلع ريقها بتوترٍ وتبحث عن حجة أخرى، وأخرهما حينما أشارت على بطنها بحنانٍ:
_ابنك اللي طالب مانجا مش أنا والله.
وتابعت حينما وجدته يتطلع على بطنها المنتفخ من فرط ما تناولته، فظنته قد تعاطف معها فاسترسلت:
_أنا عمري ما كان ليا طلبات، تفرق!
ضم يده لمقدمة أنفه بتعبٍ وصداع يضرب رأسه من ثرثرتها المزعجة، وأنهى سكونه حينما أشار بيده على الباب:
_لو خلصتي ممكن نرجع جناحنا!
ابتلعت ريقها بخوفٍ تام، ورددت:
_هتعمل فيا أيه؟
ردد بحزمٍ:
_رحمة بطلي شغل العيال ده ويلا نكمل كلامنا في جناحنا.
هزت رأسها باستسلامٍ واتجهت لتمر من جواره ثم عادت تهرول وهي تردد:
_المانجا!!
وحملت الأكياس ثم خرجت معه بهدوءٍ، لتجد مليكة وياسين بالخارج، فقالت بسخرية:
_متشكرين على الواجب ده يا ياسين، سلمتني من أول دقيقة فكرتك هتصمد ساعتين تلاته!
ضحك وهو يشير لها مرددًا:
_النمرة غلط، نمرة ياسين الجارحي الصح، لو ضاقت أوي رنيله!
منحه عدي نظرة حادة جعلته يتراجع وهو يردد بهمس خافت:
_اطلبي البوليس أفضل!
*******
ما أن ولجوا معًا للجناح حتى أسرعت إليه تضع بين يده الكريدت كارت، وتختبئ بأحضانه وهي تردد بخوفٍ:
_معاك الكريدت كارت وأنا اعتذرتلك خلصنا يا باشا.
انتظرت أن يحاوطها بذراعه مثلما يفعل كل مرةٍ، ولكنه بقى متخشب كما هو، فهمست بصوتٍ كان مسموع إليه:
_لسه ساعتين على الفجر أغريه عشان ينسى اللي عملته، ولا أعمل نفسي مغمي عليا وهو أكيد قلبه هيحن!
انحنى بقامته الطويلة إليها ليهمس لها بمكرٍ:
_أنا مع الحل الأول، لإنك لو اشتقلبتي وعملتي نفسك ميتة مش هيخيل عليا!
رفعت رأسها إليه وقد انكمشت تعابيرها لتردد بسخطٍ:
_حرام عليك لما تستفرض بيا، وكل ده ليه عشان كان عندي وحم بريء!!
تأمل عينيها للحظةٍ، ثم انفترت بسمته فأرغمتها على الابتسامة، وضع عدي الفيزا جانبًا ثم سألها وهو يراقب عينيها عن كثب:
_أكلتي مانجا أد أيه يا رحمة؟
تلاشت ابتسامتها واستدارت عنه حتى لا يرى مكيدة عينيها:
_مش فاكرة بس مش كتير متقلقش.
قطع عليها تهربها الماكر، حينما أدارها إليه ليشير إليها:
_هتقوليلي الحقيقة ولا أعرفها بطريقتي!
زمت شفتيها وهي تخبره باستياءٍ:
_كتير والله ومش هعمل كده تاني.
وببراءة مصطنعة قالت:
_ممكن أروح أنام بقى لحسن أنا راجعة تعبانه أوي.
أوقفها حينما سألها بتريث:
_رايحة فين مش قولتي هتغريني؟!
وضعت يدها على بطنها الممتليء وهو تردد على استحياءٍ:
_أجلها لبكره لحسن أنا هموت وأنام!
حرك رأسه بخبثٍ وهو يتابع:
_هسمحلك تنامي طبعًا بس إحنا لسه متكلمناش عن سرقتك للكريدت كارت بتاعي! ولا على الموقف السخيف اللي حطتيني فيه من شوية!
لعقت شفتيها بتوترٍ، وادعت الانفعال حينما صاحت:
_مهو الحمد لله رجعت زي الفل أهو ومحدش إتعرضلك.
زوى حاجبيه مجددًا وهو يصيح بشراسةٍ:
_مين ده اللي يقدر يتعرضلي!
همست بمللٍ:
_هيرفعلي حواجبه بقى زي أبوه وأنا راجعه حاسة إني دايخة ومعنديش نفس للمناهدة.
ثم رفعت صوتها قائلة:
_عدي والله أنا نفسي أنام عايز تتخانق إتخانق، تعاقب اتفضل عاقبني وريحني بس بسرعة الله يكرمك أنا تعبانه ومحتاجة للراحة!
منحها نظرة طافت بها قبل أن يقول:
_احنا اتجرأنا أوي!
هزت رأسها ببسمةٍ جعلته يبتسم وهو يشير لها:
_أوكي يا رحمة نامي وبكره نكمل كلامنا.
ارتفعت بجسدها على أطراف أصابعها وهي تطبع قبلة على جبينه وتهمس له:
_ربنا يخليك ليا يا وحش.. تصبح على خير.
وتمددت على الفراش وهي تحتضن بطنها المنتفخ بإرهاقٍ لما تناولته، فكانت تشعر وكأنها تحمل شيئًا ثقيلًا يعجزها تمامًا عن الحركةٍ، بدى عدي مرتبكًا بوقفته لا يعلم كيف سيخبرها بما يود قوله، فتمدد جوارها،وعسليته تراقبها بحيرةٍ ختمها حينما ناداها:
_رحمة!
فتحت عينيها بإرهاق، فتقلب بجسده تجاهها ثم قال وابتسامته تجعل جاذبيته تهاجمها بكل قوتها:
_مهنتيش عليا.
عبست بعينيها بعدم فهم، فانحنى بجسده للخزانة ليخرج منها طبقًا من المانجو مقطع بحرافيةٍ تامة وبشكلٍ راقي، قدمه لها فاستقامت بجلستها على الفراش وفمها يسقط للاسفل ببلاهةٍ، فوزعت نظراتها بينه تارة وبين ما يحمله تارة أخرى،لا تعلم كيف حملت عنه الطبق،فرددت بصدمة:
_أنا بحلم صح!
ابتسم وهو يشير لها بالنفي،فعادت لتخطف نظرة سريعة لما تحمله وقالت:
_بص هو شكله شيك وفخم وميوحيش إنها مانجة بس بالنسبة إنك تنزل وتجبهالي بنفسك فدي بالنسبالي كبيرة أوي، ومن فرحتي حقيقي عايزة احتفظ بيها ومقربلهاش.
ضحك وهو يردد:
_مش للدرجادي!
وضعته جانبًا واتجهت إليه، تحتضنه وهي تردد بحبٍ:
_أنا بأحبك أوي يا عدي.
ضمها إليه بحنان أحاطها بهالةٍ من الدفء، وحينما وجدها تندثر إليه بعاطفةٍ، سألها بهمسه المغري:
_إنتي تعبانه بجد ولا كنتِ بتهربي مني؟
رفعت رأسها إليه بضحكة مغرية فجذب الغطاء عليهما وهو يردد:
_مطلعتيش لصة بس لا كمان مخادعة يا بيبي!
شملها بعاصفة حبه ولم تمانع أن تشاركه، حتى بات حبهما المفتاح لعبور عالمهما الخاص.
*******
اندلاع قرآن الفجر جعله يفيق من منامته، فهز أخيه وهو يشير إليه:
_حازم فوق يلا عشان صلاة الفجر.
هز الأخير رأسه ونهض عن الفراش مغلق العينين، وإتجه ليخرج من الغرفة، ثم استدار إليه وهو يتساءل بجدية:
_طمني أحسن دلوقتي؟
هز رأسه وهو يخبره بابتسامته:
_بخير والله، يلا روح اتوضى وإنزل وأنا كمان هغير وهحصلك.
خرج كلاهما واتجهوا لأجنحتهما، فولج أحمد للداخل ليجدها مازالت تنعم بنومها الثقيل، ابتسم بتهكمٍ وأشمر عن ساعديه وهو يهمس باستهزاءٍ:
_استعنا على الشقا بالله.
وحملها عن الفراش، ثم إتجه بها لحمام الغرفة، ليكرر فعلته المعتادة بالمياه، فتحت عينيها بانزعاجٍ وما أن استردت وعيها حتى احتضنت وجهه بيدها وهي تتساءل بلهفةٍ:
_أحمد حبيبي طمني عليك أنت كويس؟
ضم شفتيه بسخريةٍ اتبعت حديثه:
_وفري مشاعرك الرقيقة دي، الفجر فاضله دقايق.
لم تفهم مغزى حديثه وخاصة حينما تركها وخرج يرتدي ملابسه، فلحقت به وهي تتساءل:
_لو حاسس بحاجة بكره نروح لدكتور.
استدار إليها، وقال وهو يرتدي جاكيته:
_أنا كويس يا حبيبتي.
وأشار لها:
_إلبسي إنتِ وانزلي يلا عشان السحور!
********
اليوم كان مميزًا للغاية بتحضير أطيب أنواع الطعام لاستقبال أصدقاء عدي الهامين، قامت آية بالاشراف على الطعام بنفسها تلبية لرغبة ابنها، فصنعت ما لذ وطاب لأجلهما، ومع اقتراب موعد الافطار جددت الفتيات تنسيق القصر لاستقبال الضيوف على أتم الاستعداد، وبناء على التعليمات الملحقة بالقصر تم الاستعانة بالطاولة الاحتياطية بغرفة منعزلة لتخص الرجلين الغريبن حتى لا يختلط بمجلس النساء، فقامت رحمة ونور بترتيبها بمساعدة آسيل وداليا، وقد حرصت مروج ورانيا على الا ينقص الغرفة شيئًا من عصائر ومياه وفواكه وغيره من المقبلات قبل أن تضع شروق ونسرين الطعام على السفرة..
*****
وبعيدًا عن أجواء آل الجارحي، وخاصة أمام الحاجز الخاص بالقصور الخمس التابعة لعائلة زيدان العريقة، وقفت سيارة فخمة كبيرة الحجم تترقب خروج مسؤولي العائلة الجوكر والاسطورة، لتتحرك بهما لمشوارهما الهام، مازال الحارس ينتظر خروجهما بتأهبٍ تام ومن خلفه سيارتين تخص الحراس المجهزون على أعلى مستوى، وبداخل تلك الامبراطورية وقف الجوكر بالخارج يتآلق ببذلته الرمادية الآنيقة، يجوب طرقات قصره بغضبٍ وضيقٍ يلحق نظراته المتفرقة على ساعة يده، هامسًا بضيقٍ:
_بتعمل أيه كل ده! أنا منبه عليها متتأخرش!
_أنا هنا يا حبيبي، اشتاقتلي صح؟!
قالتها القصيرة ذات اللسان السليط مثلما لقبها الجوكر المزعوم، فالتفت إليها وهالات الغضب تحتل عينيه، فتلاشت كطيفٍ عابرًا حينما رأها تقف قبالته بفستانها الرمادي المتناسب مع لون حلاه، وحجابها الأسود الطويل، وابتسامتها تلك التي تنبع بمشاكسةٍ مازالت تلاحقها حتى اليوم، تلك المشاغبة التي احتلت قلبه منذ أن فرض عليه حمايتها وباتت تصارحه بحبها الشديد إليه منذ أول مرة، أرغمته على الخضوع إليها رغمًا عن ارادته، ربما لم يكن من الهين الوقوع بغرامها، ولكن لين يعد ذاك الجنتل الخبير بتعامله مع النساء على عكس أخيه المنفر من أي تعامل يخص تاء التأنيث.
إعتاد التعامل مع أنواعٍ عديدة من النساء وتلك الفتاة هي من طرقت بابه وسكنت مبناه العتيق، إقترب منها مراد وقال بضيقٍ سعى لأن يبرزه بنبرته:
_ساعة عشان تجهزي يا حنين!
ابتسمت وهي تشير له بعنجهيةٍ:
_مش مهم الوقت المهم النتيجة يا روح قلب حنين.
وأضافت باستنكارٍ:
_والنتيجة مرضية وزي الفل.
وهزت كتفيها بدلالٍ وهي تخبره:
_ولا أنت مش واخد بالك!
وضع يده بجيب سرواله وهو يتابعها بعينيه الساحرة التي كادت باصابتها بالفتنة، فأطلق صفيرًا متغندج بجمالها:
_القمر نزلي من السماء على الأرض.
أخفضت رأسها خجلًا، وطرقته بحقيبتها الصغيرة بخفةٍ:
_عاكس بعد الفطار وأنا هوافقك.
ضحك وهو يغمز لها بمشاكسةٍ:
_أموت فيك وأنت فهمني!
ابتسمت وهي تنحاز بوجهها عنه، فتفحصت طرقات القصور وعادت لتتطلع إليه صارخة بحدةٍ:
_أخوك العم إبليس وشجن كآبة منزلوش لسه يعني! أنت مش شاطر بس غير تتشطر عليا ونازل رن على الموبيل لدرجة إني حسيتك شوية وهتطلع تخنقني!
أتاها صوتًا رجوليًا يجيبها:
_وبعدهالك يا حنين مش هتبطلي لفظ إبليس اللي لازقهولي ده!
قالها من هبط الدرج يضم كف معشوقة طفولته يدًا بيدٍ حتى لا يعيقها فستانها الطويل، فابتسمت أشجان وهي تراقب معركتهما الواشكة على الابتداء، فأجابته حنين:
_والله بحاول أناديلك بشيء تاني بس هعمل أيه يابو زين إبليس هو اللي لازق على لساني.
ضحك مراد وهو يتابع زيتونية أخيه المشتعلة، فأبعد رحيم نظراته الغاضبة عنها وإتجهت لاخيه ليردد بسخطٍ:
_عاجباك أوي!
هز رأسه وهو يضم شفتيه ساخرًا، فردد بثباتٍ لزوجة أخيه:
_ممكن نستبدلها بأي ألقاب تانية.
صاحت حنين بحماسٍ:
_رحيم توابيت أفضل أيه رأيك؟
تحولت عينيه لاحمرار قاتم وصاح من بين اصطكاك أسنانه:
_متنادليش تاني يا حنين.
وتركها واتجه للخارج فلحق به أخيه، وظلت شجن لجوارها تحاول منع ضحكاتها التي تلاشت حينما وجدتها تصيح بصوت عالي:
_في لقب أحسن آ…
كممت شجن فمها سريعًا وهي تصيح بها:
_عدي الخروجة دي على خير يا حنين أبوس إيدك، بلاش تجري شكل رحيم إحنا في رمضان ومش حمل مناهدة.
هزت رأسها تؤكد إليها، فربتت على ظهرها ببسمة واسعة:
_شاطرة.. بينا بقى ليتعصب علينا.
لحقت بها وهي تشير باشمئزاز:
_انتوا اللي نازلين متأخر مش احنا أيه البجاحة دي متأخر وهيتعصب علينا كمان أهو ده اللي كان ناقص!
******
بالخارج.
استقبل الحرس الجوكر والاسطورة بفتح أبواب السيارة لهما، صعدوا من كل جهة، ليتفاجئوا بزين ومرين يجلسان على الأريكة المطولة المقابلة لمقعدهما، جحظت عين مراد صدمة وراح يردد:
_أيه ده؟!
وتابع بنفس الدهشة:
_مش مارال اللي كانت جاية معانا..
انحنى إليه رحيم يهمس إليه هو الاخر:
_مرين من أمته بتحب تخرج معانا!
همس الاخير بصدمة:
_أنا نفسي مصدوم ومش عايز أستوعب لاني لو استوعبت هبتدي أخاف على بناتي الاتنين!
لم يفهم مغزى حديثه الا حينما تساءل بصوت مسموع للصغرين:
_فين مارال؟
تطلعت مرين لابن عمها بحدةٍ، ومن ثم قالت:
_زين زعقلها ومخلهاش تيجي يا بابي، زعقلها وطلعها.
انتقلت زيتونيه لابنه تلقائيـًا، فكاد مراد بسؤاله المندفع تجاه هذا الصغير المتسلط على ابنته منذ ولادتها ولكن منعه رحيم حينما ناب عنه وسأل إبنه:
_أيه اللي حصل يا زين؟
جابه أباه بنفس زيتونته الجذابة، وصاح بضجرٍ:
_بابي حضرتك بتغير على مامي ومسؤول عن كل البنات جوه القصر، يبقى أنا كمان من حقي أغير عليها، نازلة لابسة فستان مبين جسمها ولا محترمة اننا في رمضان ولا إنها خارجة معانا!
وتابع بفخر بقراره الحازم وكأنه رجلًا يبلغ من العمر ما يهيأه لذلك:
_عشان كده زعقتلها وخليتها تطلع أوضتها.
جحظت عين مراد صدمة، وكز على أسنانه وهو يشير لاخيه بعصبيةٍ:
_إبعد ابنك عن بنتي يا رحيم أنا لحد الآن هادي وعاقل بتعاملي معاه بس بعد كده هفقد أعصابي وأنت عارفني لما بتحول!
حك جبهته وهو يخفي ابتسامته، وقال برزانة لم تتخلى عنه حتى بضعف موقفه:
_وماله يا مراد، الولد خايف على بنت عمه ده بدل ما تشكره إنه غيور وبيدافع عن نخوة العيلة قصاد الأغراب!
برق بعينيه وصاح بدهشة:
_نخوة أيه وغيور أيه، رحيم متستفزنيش دول لسه أطفال أنت سامع نفسك!
غمز له بمكرٍ:
_الحب في السن ده شيء مفروغ منه اسمع مني أنا خبير!
كز على أسنانه وهو يصيح بغيظٍ:
_اللهم طولك يا روح.
واتجهت عصبيته للصغير مردفًا:
_زين إبعد عن مارال ده تحذيري الأخير ليك، انتهينا!
ضحك الصغير وهو يهمس له:
_هحاول بس مش هوعدك يا إنكل!
ضحك رحيم واستشاط مراد، وخاصة حينما انضمت إليهم زوجاتهما، فجلست كلا منهما جوار زوجها، فمالت عليه حنين تخبره الضربة القاضية:
_مراد أنا مستغربة جدًا من مرين، عمرها ما قبلت تخرج معانا في مكان، وأول لما عرفت اسم صاحبك اللي ريحنله ده لبست ونزلت على طول!
استقام بجلسته وهو يهمس برعبٍ من القادم على بناته:
_أهلًا.. كده كملت!
******
انتهى طريقهما بعد دقائق قليلة، لتتوجه سيارتهما الفارهة أمام بوابة قصر الجارحي، فإنفتحت على مصراعيها واستكملت الطريق للداخل وكلا من الفتيات تراقبن الحدائق والقصر بانبهارٍ، حتى انتهت السيارة من طريقها لتتوقف أمام مدخل القصر الداخلي حيث يقف عدي الجارحي وزوجته باستقبالهم، ولجواره صغيره المتآلق ببذلة آنيقة مماثلة لما يرتديها أبيه، فما أن رآها تهبط حتى تهللت أساريره بشكلٍ أذهل من يراقبه من الشرفة، وقد بدى له صدق ما أخبره به عدي، وما كان منه الا ترسخ خطته نحو مستقبل حفيده المقرب!

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5))

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *