روايات

رواية كسرة وضمة وسكون الفصل السابع 7 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية كسرة وضمة وسكون الفصل السابع 7 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية كسرة وضمة وسكون البارت السابع

رواية كسرة وضمة وسكون الجزء السابع

كسرة وضمة وسكون
كسرة وضمة وسكون

رواية كسرة وضمة وسكون الحلقة السابعة

نظرت رقة حولها بخوف وقلق وهي ترتدي ذلك الرداء المكشوف الذراعين … وشهقت عندما انتبهت لدق على باب الغرفة، ثم تحرك مقبض الباب قبل أن يُفتح الباب على مصراعيه …
واندفعت خطوات للخلف من الذعر، ورفعت يدها وكتمت بها فمها وهي ترتجف تحت نظراته الدهشة الثابتة على عينيها، وحضوره المخيف أمامها ..
بينما ظل أشهد متسمرًا للحظات، لم يتوقع ابدًا أن تكون هي من بغرفته السابقة!، والاخطر من ذلك .. لم يدرك إنها بتلك النعومة والأنوثة التي تبدو عليها الآن، لم يحب الشعر القصير يوما بالإناث، ولكنه الآن مع ذلك الوجه الصغير ومع خصلات الشعر الأسود المتعرجة بقوة والتي تصل بالكاد لمستوى كتفيها وتضع وجهها الصغير بين قوسين برقة متناهية .. أعجبه، وسرًا أراد أن تتخلل أصابعه تلك الخصلات، ولم يعرف لمَ كل شيء بتلك الفتاة يخطفه لهذه الدرجة رغم بساطتها!!.
ولكنها تمتلك فتنةً خاصة بها، فتنة وجاذبية غير مفهمومة، جعلته من الوهلة الأولى عندما تعلقت عينيها بعينيه شي، مجهول يدفعه ليأخذها إليه!، كأنها عندما امتلكت ذلك الوجه البريء والعينان الصافيتان أصبحت تمتلك سرًا من أسرار الفتنة التي تسلب عقل أقوى الرجال.
أو كأنها ضلعه الأعوج الذي وجده أخيرًا ليكتمل كيانه وتسكن روحه!.
وأبعد عينيه بمشقة عنها واعترف لنفسه بذلك، حتى خرجت من صدمتها وسحبت غطاء الفراش وسترت جسدها من رأسها حتى أصابع قدميها، اللهم إلا ذلك الوجه الصغير الذي يظهر من بين الستار السميك .. ابتلعت ريقها بارتباك شديد عندما عاد ينظر لها مجددًا بقوة، وبدا عليه أنه يقاوم شيء يهدد ثباته وإتزانه بالفعل، حتى تحكم أشهد بنفسه بأعجوبة واقترب وهو يهتف بعصبية :
_ أنتي جاية بالفستان ده من بيتك ؟!!
ولأول مرة تراه غاضبًا لتلك الدرجة، والأغرب أنها لم تتوقع ذلك السؤال مطلقا، بل كانت تتوقع إن يسألها ما أتى بها لتلك الغرفة وبذلك المظهر؟
توترت رقة وبدأت ترتعش من صوته العال، ويبدو أنه نسى عقدتها النفسية وهو يصيح هكذا .. فقالت بتوتر وعينيها قد أشارت بالدموع :
_ لأ ..
كاد أن يعنفها لإجابتها المختصرة، ولكنه عندما اقترب بعصبية خطوة أخرى تذكر عقدتها النفسية من الأصوات العالية ووقف فجأة، ولكنها عندما عادت خطوة للخلف بخوف تعثرت بأطراف الغطاء وأختل توازنها وسقطت أرضاً وهي تصرخ .. فأسرع اليها أشهد قلقا بعدما تكومت بجسدها الصغير داخل الغطاء كالفأر داخل المصيدة .. رفعت رأسها لتستنشق الهواء وتفاجئت بقربه منها، ودون ادراك رفعت الغطاء ليغطي رأسها ويستر جسدها كاملًا بعينان تنظر له بخوف معلن وهي تتسحب للخلف ببطء مبتعدة عنه .. للحظات نظر لها شاردًا مأخوذا، وادرك أنه قاوم ما وسوس له الشيطان بشراسة وحرب عنيفة مع نفسه الأمارةً بالسوء .. فتحكم بصعوبة ونهض واقفا، والقى عليها نظرة غاضبة لم تفهم سببها، ثم استدار وخرج من الغرفة بأكملها بخطوات واسعة وكأنه يهرب من شيء ..!
ونهضت رقة سريعا واغلقت الباب الذي وللعجب لم يوجد به قفل داخلي !… وبدأت تتنفس الصعداء وهي تعنف نفسها وكرهت ضعفها الذي يقيد حتى صوتها ويخنق الحرية فيه.
ولكن بعد ذلك جلست على الفراش وتسحبت إبتسامة على شفتيها ببطء، غضبه من مظهرها الجريء الغير مقصود جعل قلبها يدق بجنون .. حتى دخلت كبيرة الخدم السيدة ” سعاد” بفستان رقة نظيفا مجففا بعض الشيء ومعها شهد التي شهقت عندما شاهدت رقة بذلك الفستان المكشوف وهتفت :
_ ايه اللي أنتي لبساه ده ؟!
توترت رقة من رد فعلها وتدخلت السيدة سعادة قائلة :
_ أنا اللي جبتهولها ما تقلقيش، على بس ما أنضف الفستان، اتاخرت بس كام دقيقة محصلش حاجة يعني وهي هنا ومقفول عليها الباب.
أخذت رقة منها الفستان وشكرت المرأة بأمتنان وبعدها خرجت سعاد وتركت الشقيقتان بمفردهما، اقتربت شهد لرقة قائلة بحدة :
_ أزاي توافقي تلبسي فستان زي ده وتقعدي هنا لوحدك يا رقة ؟ .. أفرضي حد دخل بالصدفة يقول علينا إيه ؟
ابتلعت رقة ريقها ببعض التوتر ولكن كانت ابتسامتها تسبق أي خوف أو قلق لأول مرة .. فقالت بعفوية وهي تبدأ بإرتداء فستانها مرةً أخرى :
_ أشهد دخل ..
شهقت شهد بذعر ثم قالت بغضب :
_ وشافك كده ؟!!
اجابت رقة ببعض الأرتباك :
_ أنا اتخضيت زيك في أول دقيقة، بس خدت غطا السرير وغطيت نفسي بسرعة، مكنتش حاجة مكشوفة مني .. وهو زعق وقالي أزاي تيجي من البيت بالمنظر ده ! .. لو تشوفي غيرته عليا يا شهد ؟ .. كان هيجنن !
اغتاظت منها شهد وقالت :
_ هو احنا في ايه ولا في إيه ؟ .. أزاي يشوفك كده وفي بيته يا رقة ؟ .. طب على الأقل لما أخوه شافني برقص كنت في بيتي ومقفول عليا بابي وهو اللي اتصنت عليا .. لكن أنتي في بيته أنتي واعية للي بيحصل ؟!
قالت رقة وهي تدور حول نفسها من السعادة بعدما أرتدت فستانها الاصلي :
_ هيعرف اللي حصل وهقوله ما تقلقيش ، بس أنا مبسوطة أوي يا شهد.. أووي .. أنا طايرة من السعادة لدرجة إني حاسة أني هيطلع ليا جناحات ! .. عمري ما حسيت أن الدنيا بالجمال ده قد النهاردة .. عمري ما حسيت إني عايزة اتنطط من الفرحة كده ! .. هو احنا اتعلقنا بعض بالسرعة دي إزاي ؟!
ابتسمت شهد رغما عنها وهي تنظر لشقيقتها وقالت بتعجب :
_ أول مرة أشوفك كده يارقة ؟!
توقفت رقة عن الدوران ووقفت أمام شقيقتها وعينيها دامعتان من السعادة:
_ لأول مرة حد يشخط فيها وما أخفش! .. بالعكس، يمكن كان شكلي خايفة، بس أنا كنت مكسوفة أوي، تعرفي يا شهد أنا نفسي اخطفه وامشي من البيت ده ونعيش في بيت صغير يبقا لينا لوحدنا .. مش عايزة ولا خدم ولا حشم ولا عربيات وفلل .. أنا مكتفية بيه هو وبس .. مش عايزة أي حاجة تانية من الدنيا والله يا شهد.
وشردت بابتسامة وهي تجلس على الفراش :
_ غيرته كانت حلوة أوي، بصته ليا بحبها، وبحب نفسي بعدها، عايزة أتجوزه واجيب منه ولاد كتير كلهم شبهه، ويكون هو ده أبوهم مش حد تاني .. وأعيش معاه على الحلوة والمرة وأبقى نصه التاني .. اللي لما يحب يطمن ويهدى يسيب الدنيا بحالها ويجيلي أنا .. يترمي في حضني واطبطب عليه فيطمن ويهدى.
وتابعت وهي تنهض وتتابع بسعادة:
_ أنا لما ببصله بسأل نفسي بفرحة .. أنا بجد هبقى حبيبته ومراته ؟ .. أنا لأول مرة أحس بالقوة وأني مش خايفة من الدنيا ولا من الناس .. ضهري اتسند وقلبي اطمن في لحظة .. هسلمه قلبي صاغ سليم، مقفول بختم ربه، هو يستاهل يتحب .. يتحب بطريقتي .. طريقتي اللي هيلاقي فيها حنية الدنيا كلها.
اوقفتها شهد عن الحديث وقالت بقلق تسرب لقلبها :
_ على قد ما مبسوطة بفرحتك .. على قد ما خايفة عليكي، انتي لسه ما تعرفهوش!، أعملي حساب للزمن يا رقة .. الدنيا مش بحنية قلبك وبراءتك دي!.
أجابت رقة بثقة وهي تبتسم بسعادة:
_ أطمني عليا .. أنا عارفة إنه لسه ماحبنيش لدرجة الحب اللي أتمناه، بس هيحبني كده وأكتر لما يعرفني بجد، وبكرا تشوفي .. أنا مش هكتفي بالحب بس يا شهد .. أنا عايزة أبقى حتة منه، ده اللي هيسعدني بجد ..
لم تعكر شهد صفو سعادة شقيقتها ومازحتها، بينما كان هو خارج الغرفة، قد عاد لينهي تلك المسرحية اليوم، ويضرب كل شيء بعرض الحائط ويخبرها الحقيقة .. قد ادرك أن وجودها المؤقت بحياته سيشكل خطرا عليها وعليه بالأكثر .. حتى استمع لكل كلمة وهو يفصله عنها ذلك الباب المُغلق ..
ابتعدت أصابع أشهد عن مقبض الباب الذي كاد أن يفتحه منذ دقائق، وسمرته كلماتها .. عاد بظهره بخطوات بطيئة للخلف وهو تائها كليًا .. توقف عند كل كلمة عصفت بقلبه، وعانقت روحه، وضمدت جرحا قديم بمنتهى الرقة .. تلك الرقة تمتلك ما خفي وأعظم من الحنان والدفء، الذي يحتاجه تمامًا .. الذي يحتاجه كل رجل بالأصح .. خصيصا هو ..
تسحبت ابتسامة لشفتيه، لم يدركها، ولكنها ادركته واقتحمته رغما عن أنف جراحه القديمة، وخوفه الدفين من خوض تجربة حب أخرى.. وهو الذي لا يكتفي بالحب فقط عندما يدق قلبه، لا يكتفي الا بالجنون والعشق، لم يكون شعوره الآن بها حبا ليكن صادقا.. ولكنه أطمئنان وسكينة جعلت قلبه لأول مرة منذ سنوات يبدأ بفتح الاقفال المغلقة .. ويسأل بلهفة من الطارق؟!.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
نزل الفتاتان للطابق الأرضي وظهرت رقة بوجه متورد مشرق ومبتسم، بينما انشغلت شهد بهاتفها الذي لاحظت فيه عدد مكالمات فائتة من صديقتها نور ..
جلست رقة أمام مشيرة بالصالون واستأذنت شهد قائلةً:
_ بعد أذنكم، معايا مكالمة ضروري ..
وابتعدت شهد وتوجهت للحديقة وهي ترد على صديقتها نور قائلة :
_ معلش يا نور مقدرتش احضر النهاردة .. ابعتيلي اللي قولتله عليه على الواتساب ضروري عشان لما أرجع البيت الحق أذاكره ومايفوتش عليا ..
أجابت نور عبر الهاتف وهي تضحك :
_ حاضر يا قلبي، بس ياريتك حضرتي النهاردة، نيللي غابت وكرما ورباب عاملين زي المساكين من غيرها، بقوا تريقة الدفعة بحالها ..
وضحكت شهد بصوت عال عندما أخبرتها نور أبرز أحداث اليوم بالجامعة وقالت بفخر:
_ ما هو هما اللي أتحدوني .. على مين ده أنا شهد !!
يعني العقل شديد والقلب حديد ..
واستندت شهد على شجرة عالية وهي تضحك ومندمجة بالحديث بثقة عالية، فسعلت بخنقة وانتبهت لدخان يأت من خلف الشجرة التي تستند عليها!
فقالت لنور بغرابة :
_ هو الدخان جاي منين ؟! … أستني كده ؟
وتتبعت شهد مصدر الدخان حتى دهشت عندما وجدت حازم يستند على نفس الشجرة من الناحية الأخرى وهو يدخن سيجارته بابتسامة واسعة وساخرة على شفتيه .. وحينما نظرت له تطلع بها بنظرته الخبيثة التي تشعر بالخطر .. فتماسكت وقالت لنور بلا اكتراث :
_ أيوة يا نور معاكي .. كنت بقولك أن أنا شهد، يعني اللي يقف في طريقي ابلعه.
ضحك حازم وقال بسخرية :
_ أوعى الرعب .. الأنثى الذي يخاف منها النمل.
لم تعيره شهد أي اهتمام واضافت وهي تقصد أن يسمعها :
_ يابنتي أنا مبخافش من حد وأنتي عارفة.
نفث حازم من سيجارته بابتسامة المستفزة وأشار بتأكيد لها :
_ وأنا كمان عارف ..
وضحك عندما نظرت له بغيظ، وهنا أغلقت شهد الاتصال وقالت له بحدة لتغيظه :
_ مالكش دعوة بيا يا بتاع الأنابيب أنت !!
نظر لها حازم للحظة بنظرة ضيقة حادة ثم قال :
_ بلاش تستفزيني عشان الوش التاني اللي بتعامل بيه مع المجرمين مايطلعش .. اللي مصبرني عليكي إنك في بيتي.
سخرت شهد منه وقالت :
_ ما خوفتش .. والكلمتين دول تخوف بيهم أي حد غيري .. أنما أنا مبخافش من مخلوق.
نفث حازم دخان سيجارته بوجهها بابتسامة ماكرة، ثم استقام ووقف أمامها قائلًا بخبث :
_ متأكدة ؟
قالت بثقة :
_ أيوة ..
ضيق حازم عينيها بابتسامة تسلية، ثم ابتعد عنها وتركها تقف بمفردها، وقد تسحبت ابتسامة مرحة على شفتيها، وبعد ذلك أجرت اتصال هاتفي لصديقتها نور تؤكد عليها إرسال بعض الأمور الخاصة بالدراسة .. وانهت شهد الاتصال وكادت أن تعود للداخل، حتى فوجئت بأكثر مخلوق ترتعب منه .. شحب وجهها وهي ترى كلب يركض نحوها لا تعرف من أين أتى أو ظهر !!
ركضت شهد ولهثت برعب وهي تدور حول الأشجار بالحديقة، ووقفت خلف شجرة كبيرة الحجم تتخفى من هذا المخلوق المخيف بالنسبة لها .. حتى انتبهت لصوت همس يقول :
_ شوشو ..
نظرت شهد بخوف يمينا ويسارا لم تجد مخلوق !! .. حتى همس حازم من جديد وقال :
_ بصي فوق ..
نظرت شهد للأعلى حتى هبط حازم برشاقة على الأرض ويبدو أنه كان جالسا على احدى الجزوع العريضة .. فشهقت برعب، ضحك حازم عليها وقال بسخرية :
_ في حد يخاف من الكلب العبيط ده ؟! … وعملالي فيها فتوة ؟! .. وأنتي طلعتي القطة المشمشية .. حلوة بس غبية !
هتفت بوجهه في غضب وقالت :
_ أنا عندي فوبيا من الكلاب يا غبي!.
جذبها حازم بعصبية وشراسة من معصم يدها وقال بتحذير وغضب :
_ مش كل مرة هعديها يابت أنتي .. أنا واخدك على قد عقلك بس هتتمادي فيها هوريكي الوش التاني بجد !!
تلوت شهد من الم معصمها في قبضته الشديدة، وضربته باليد الأخرى على صدره بعنف قائلة :
_ وأنا مابيهمنيش حد لا أنت ولا غيرك !! ..
غضب واشتدت قبضته على معصمها وهو ينظر لعينيها الثائرتان بتحد، ليتفاجأ انها استطاعت أن تدفعه بعيدًا عنها بشراسة!!!
مسدت شهد معصمها بألم وقالت له بتهديد صريح:
_ المرة الجاية هكسرلك إيدك خالص .. مالكش دعوة بيا أحسنلك.
رفع حازم حاجبه بغضب غير عادي، وشعرت شهد لأول مرة بالقلق وبالخطر منه .. فغادرت من أمامه ودخلت المنزل بخطوات واسعة وتركته واقفا يغلي من الغضب.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
واعدت مائدة الغداء ..
جلست مشيرة على رأس المائدة .. وأتت سميحة وأبنتيها وجلسن على أحد الأطراف بجانب بعضهن، بينما جلست رقة وشقيقتها وجارتهما أم بسنت وولدها على الجانب الآخر .. تاركين المقعدين الأقرب لمشيرة على المائدة .. وأتى حازم بوجه جامد لا تعابير فيه وجلس بجانب والدته .. وترك المقعد الفارغ بينه وبين رقة لشقيقه أشهد .. وبعد قليل أتى أشهد التي اوقفته كبيرة الخدم وروت له ما حدث لرقة بالطابق العلوي، وجلس بالمقعد الفارغ .. فابتسمت رقة بحياءً شديد وتورد خديها.
وتجاهلت نظرات نرمين وعلى رأسهم سميحة وهدير المحتقرة، وانتبهت فقط لنظراته الجانبية الذي يختلسها كل دقيقة .. وشهد كانت متجاهلة حازم تمامًا وبدت وكأن شيء لم يكن .. وعندما وضع الخدم أطباق الطعام الشهية وبدأ الجميع بتناول الطعام .. ظهر على رقة وجارتها أم بسنت وولدها عدم الأندماج والضيق من تناول الطعام بالشوك والسكين .. فقالت هدير بسخرية لرقة :
_ إيه يا رورو … مش متعودة تاكلي بالشوكة والسكينة ولا إيه ؟! .. بصي عليا وكلي زيي الموضوع سهل خالص ..
وضحكت نرمين ضحكة رنانة … فشحب وجه رقة وتوقفت عن تناول الطعام بضيق، ووكزت شقيقتها شهد عندما شعرت أنها سترد، ونظر أشهد لأمه بعصبية، ثم نظر نحو هدير وقال مباشرةً :
_ هو أنا كام مرة هقولك خليكي في نفسك ؟!
انزعجت أم بسنت من الاستهزاء الواضح بحديث تلك الفتاة، وشعرت رقة إنها ستكن سببا للخلاف فنهضت قائلة بابتسامة لا روح فيها :
_ بعد إذنكم .. أنا أكلت الحمد لله.
وعندما نهضت رقة كان قد أكتسى وجهها بالاحمرار والحرج، فتوقف أشهد عن تناوله طعام تحت دهشة الجميع وقال وهو ينهض ونظرته الغاضبة لا زالت نحو هدير :
_ أنا كمان أكلت ..
ابتلع حازم ما بفمه بعصبية وهو لم ينقصه استفزاز تلك التافهة وشقيقتها أبنتا خالته، فقال بسخرية من هدير قبل أن تقف شهد تاركة طعامها أيضا :
_ ملكة الدخول وحشر نفسها في اللي مالهاش فيه .. سقف يا حموكشة للملكة ..
وأطاعه الصبي وفعل ما قاله حازم، فضحكت شهد رغما عنها عندما شاهدت رد فعل هدير الغاضب، ثم نظر حازم لشهد وغمز بابتسامة ماكرة جعلتها تبتسم وهي تنهض وتبتعد .. بينما رمقته مشيرة بعصبية ليتوقف عن السخرية من أبنة خالته أمام الغرباء .. فقال حازم وهو ينهض قائلًا :
_ أنا لساني طويل وأنتي عارفة بقا .. طب مش واكل.
ونهض الجميع باستثناء مشيرة وشقيقتها وأبنتيها ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
جلست رقة بالصالون بعيدة عن مائدة الطعام وحاولت أن تخفي شعورها بالحرج مما حدث .. وتفاجئت بأشهد وهو يجر مقعد ليجلس أمامها مباشرةً بابتسامة دافئة وبيده طبق مليء بالحلوى وقال وهو يطعمها قطعة بالشوكة:
_ ممكن تاكلي معايا .. هتسبيني أكل لوحدي ؟!
اصطبغ وجه رقة بحياء شديد ونظرت حولها بخجل، لتجد شهد وجارتها ينظران لها مبتسمان بحنان .. وتبدل الضيق لابتسامة صادقة وهي تقول له بارتباك :
_ بس …
ابتسم أشهد لها بنظرة جعلتها تعجز عن الرفض واكلت قطعة الحلوى، ثم تناول أشهد قطعة حلوى ووضعها بفمه بنفس الشوكة … مما جعل رقة تنظر بحياء شديد للعيون المسلطة عليها .. وهمس لها قائلًا وكأنه قرأ افكارها :
_ مش أنا معاكي .. متخافيش من حد.
واطعمها من جديد بمنتهى اللطف، حتى قال بنظرة دافئة :
_ أنا عرفت اللي حصل فوق ..
ارتبكت رقة وتهربت بعينيها لجهة أخرى .. حتى وجد أشهد صوت أمه يختف بعصبية قائلا :
_ أشهد .. عايزة اتكلم معاك في مكتبك شوية ..
نظر أشهد لأمه ولعصبيتها بثبات، ثم استأذن وأخذ امه لمكتبه البعيد عن الصالون .. واقتربت رقة لشقيقتها وجارتها قائلة بقلق :
_ أنا حاسة إني غلطت لما قومت من على الأكل .. مكنش ينفع أعمل كده صح ؟
قالت شهد بغيظ :
_ صراحة آه .. كنتي اقعدي وردي عليها .. بس الواد حازم عجبني، نسف جبهتها ..
قالت رقة وقد قررت شيء :
_ أنا لازم اروح وأعتذرلها قبل ما تطلع أوضتها ..
تركتها شهد وأم بسنت تذهب، بينما عندما وقفت رقة أمام باب المكتب انتبهت لصوت مشبرة وهي تقول برفض تام:
_ أنا لا يمكن أوافق على الجوازة دي، دي مش مكملة تعليمها، يعني يعتبر جاهلة .. بقا أنت يا باشمهندس يا محترم تتجوز دي !!
فهمني ليه ؟! .. ايه اللي عجبك فيها ؟!
لا هي يعني الجمال اللي يلفت ولا تعليم ولا بنت حسب ونسب .. عجبك فيها ايه الجاهلة دي ؟!
احسن من بنت خالتك اللي زي القمر ومعاها ماجيستير في إيه ؟!
رد أشهد بعصبية وقال :
_ ماما لو سمحتي .. رقة مش جاهلة ، وعجباني ومقتنع بيها ومصمم عليها ..
سخرت مشيرة قائلة وهي تضرب بعصاها الارض :
_ نفس الكلمتين اللي سمعتهم أيام نهال .. نفس التصميم الأهوج المتسرع والاختيار الفاشل اللي مش بينتهي غير بمصيبة ! .. ولا أنت نسيت كنت بتتحداني أزاي ؟!
أنا يمكن متخيلة إنك من كتر ما حبيتها وكنت عايز تنتقم منها لانها سابتك انت بتدور على أي شيء توجعها بيه .. مش هستغرب أبدًا لو كانت الجوازة دي كمان من ضمن انتقامك منها !.
لإن البنت دي لا هي من ذوقك .. ولا يمكن أصدق أنك اخترتها عن حب واقتناع! ..
وضعت رقة يدها المرتجفتان على فمها وهي تبك، ثم وجدت نفسها تركض هاربة خارج المنزل وجدرانه، وصاحت شهد بذهول وصرحت أم بسنت عندما شاهدتها تبك وتركض هكذا !
وهنا خرج أشهد متسائلًا عن الأصوات التي ارتفعت بالقصر فجأة ، ليخبره حازم عن ما شاهده منذ لحظات، فتنفس أشهد بضيق شديد وقال :
_ يبقى سمعت اللي أمي قالته ..
وخرج أشهد سريعا ليبحث عنها ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
سارت رقة بطرقات جانبية بعد أن ركضت لمسافاتٍ طويلة بلا وجهة محددة… وعندما وهنت قدميها سارت ببطء باكية بالطرقات.
طعنت في كرامتها وبكل شيء بتلك الكلمات المهينة التي سمعتها، والاخطر من ذلك كشف حقيقة حبا قديم لم تكن تعرف عنه أي شيء .. حتى توقفت سيارة خلفها وخرج منها أشهد سريعا.. لتجده رقة فجأة يسير بجانبها في صمت للحظات .. ثم قال بنظرة عميقة لعينيها:
_ ممكن نتكلم شوية؟
سألته رقة بدموع:
_ أنت عرفتني عشان تنتقم منها؟
أجابها بتأكيد:
_ نهال كانت صفحة واتقفلت من زمان.. بس طبعا أمي مش مقتنعة.
بكت رقة وقالت:
_ أنا مش جاهلة.. أنا كنت الأولى على كل زمايلي في اولى ثانوي، ولما سيبت المدرسة كان عشان أختي تكمل .. مكنش لينا حد يتكفل بمصاريفنا بعد أبونا وأمنا .. مخلتش أختي محتاجة حاجة ولا مدينا ايدينا لحد، أنا غلطت في إيه؟!
وقالت له بتصميم وهي تبك:
_ ولو يرجع بيا الزمن هعيد نفس اللي عملته من تاني .. عمري ما ندمت ولا هندم أبدًا
قال أشهد لها بابتسامة مليئة بالعاطفة:
_ وأنا لو يرجع بيا الزمن هختارك أنتي أبدا معاكي من أول خطوة.. حبيني بطريقتك يا رقة .. عايز لما أحب اطمن واهدى اسيب الدنيا كلها وأجيلك أنتي .. أنتي وبس.
دهشت رقة وفغرت فاها من ختام جملته، كأنه كان يستمع لحديثها مع شقيقتها..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية كسرة وضمة وسكون)

اترك رد

error: Content is protected !!