روايات

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الحادي عشر 11 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الحادي عشر 11 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم البارت الحادي عشر

رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء الحادي عشر

حبيسة قلبه المظلم
حبيسة قلبه المظلم

رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة الحادية عشر

خرجت غالية من غرفة نديم بملامح مكفهرة فالضيق يسيطر عليها بعدما سمعته وهو يهذي بإسم ليلى …
ما زال أخيها مقيدا بحب ليلى بعد كل ما حدث …
ما زالت تسيطر على قلبه رغم كل شيء …
تنهدت بألم وهي تتحرك اتجاه صالة الجلوس حيث جلست على الكنبة وهي تفكر من جديد بوضع أخيها وما يحدث معه …
كم تتمنى لو تجد حلا لكل هذا ..؟! كم تتمنى لو ينسى نديم الماضي تماما ..؟!
اتجهت أفكارها نحو ليلى وشعور إنها تظلمها يؤذيها بقسوة …
هي تعرف مدى حب ليلى لنديم وتعرف إن زواجها من عمار كان إجبارا عنها ورغم هذا كله هي تتمنى لو يتجاوز نديم مشاعره اتجاهها ويبدأ من جديد …
تعترف بإنها أنانية وأنانيتها تعذبها لكن ما في اليد حيلة …
لا يوجد منطق يقبل بزواج نديم ممن كانت زوجة أخيه مسبقا مهما بلغت المشاكل بين الأخوين …
عادت برأسها الى الخلف وهي تشعر بإن هذه الأفكار ترهقها دون رحمة …
أغمضت عينيها بتعب فهي لم تنم سوى ساعات قليلة …
فتحت عينيها مجددا عندما سمعت صوت رنين جرس الباب فنهضت من مكانها تتجه نحو الباب تفتحه لتجد حياة أمامها فتبتسم بسرعة وهي ترحب بها :-
” اهلا حياة .. تفضلي …”
ردت حياة بسرعة وهي تمد يدها بالكيس الذي يحتوي على بعض الأدوية :-
” شكرا ولكن يجب أن أغادر بسرعة … هذه الأدوية ستفيده كثيرا …”
هتفت غالية بجدية :-
” ما هذا الكلام …؟! بالطبع ستدخلين … على الأقل لنتناول شيئا سويا …”
وعندما شرعت حياة بالتحدث رافضة طلبها عاجلتها غالية :-
” من فضلك لا تخجليني برفضك … لن تتأخري … أعدك بهذا … فقط ابقي معي قليلا نتناول شيئا سويا فأنا أشعر بالملل لوحدي هنا ونديم نائما ولن يستيقظ الآن ….”
إضطرت حياة الى الموافقة رغم إحراجها وإستغرابها من إصرار غالية بينما إبتسمت غالية بخفة وهي تفسح لها المجال للدخول …
دلفت حياة على إستيحاء الى الداخل بينما أغلقت غالية الباب وتقدمت نحوها تسألها :-
” ماذا تحبين أن تتناولي معي …؟! انظري سأعد الفطور لنا … هل تفضلين الشاي ام القهوة …؟!”
حاولت حياة ان تخفف من حرجها فغالية تبدو لطيفة للغاية فردت بهدوء :-
” الشاي …”
ابتسمت غالية مرددة :-
” مثلي ..”
ثم أضافت تسألها :-
” ما رأيك أن تأتي معي الى المطبخ ونتحدث هناك أم تفضلين البقاء هنا ..؟!”
أجابت حياة بهدوء :-
” سآتي معك بالطبع ….”
ثم سارت الفتاتان الى الداخل حيث شرعت غالية في إعداد الطعام وساعدتها حياة في ذلك …
أخذت غالية تثرثر معها وتسألها عن دراستها ومختلف الأشياء وتجاوبت حياة معها ببساطتها المعتادة حتى نسيت خجلها تماما …
بعد مدة جلستا على الطاولة وبدئتا في تناول الطعام عندما هتفت غالية تسألها :-
” متى سيخرج والدك من المشفى إذا ..؟!”
أجابت حياة بحزن ظهر جليا على وجهها :-
” لا أظن إنه سيخرج … وضعه حرج للغاية …”
ردت غالية بتعاطف :-
” لا بأس .. شافاه الله وعافاه …”
” اللهم آمين ….”
عادت غالية تسألها :-
” لقد تفاجئت عندما رأيت نديم معكِ في المشفى …”
أردفت عندما وجدت ملامح حياة تنظر إليها بقليل من الإستغراب لما تسمعه :-
” لا تنظري الي هكذا .. نديم يعتزل كل شيء تقريبا منذ خروجه حتى انا ووالدتي .. حتى المنزل تركه وفضل العيش لوحده هنا …”
أومأت حياة برأسها متفهمة وردت بجدية :-
” برأيي إنه يحتاج الى بعض الوقت ليستطيع تجاوز ما حدث …”
تنهدت غالية وقالت :-
” اتمنى حقا ذلك … ما مر به ليس سهلا .. خسر شهادته الجامعية ومستقبله المهني وخسر سنوات من عمره في تهمة لا وجود لها ..”
أضافت بملامح تغضنت تماما :-
” حتى خطيبته تخلت عنه في ذروة أزمته …”
إسترسلت وهي تتأمل الألم الذي ظهر على ملامح حياة لا إراديا :-
” لا أنكر إنها كانت تحبه حقا وإنها كانت مجبرة على هذه الزيجة … ”
” مجبرة ..؟!!”
قالتها حياة بدهشة لتومأ غالية برأسها وهي تردد :-
” نعم ، لقد تزوجت أخي عمار فقط لأجل إنقاذ عائلتها من الإفلاس …”
اتسعت عينا حياة تردد بعدم تصديق :-
” هل تعنين إنها تزوجت أخيكِ …؟! أخ خطيبها السابق …؟!”
ضحكت غالية لا إراديا على صدمة حياة وهتفت بعدما توقفت عن ضحكاتها :-
” إنه أمر مثير للدهشة ، أليس كذلك .. ؟! لكن للأسف هذه الحقيقة …”
قالت حياة بجدية حيث لم تستطع منع نفسها من قول ما يدور في رأسها بعدما عرفته :-
” حسنا أتفهم أسباب خطيبته لكن ماذا عن أخيه ..؟! كيف فعل به هذا …؟!”
تنهدت غالية بتعب ثم أجابت بنبرة سيطر الألم عليها :-
” من الطبيعي أن يفاجئك هذا كونك لا تعرفين طبيعة العلاقة بين نديم وعمار .. ”
إسترسلت تقول :-
” مبدئيا يجب أن تعرفي إن عمار أخونا من الأب فقط … ”
نظرت حياة إليها بإهتمام بينما أكملت غالية بجدية :-
” لم يتعامل عمار معنا يوما على إننا أخوته … دائما كان باردا جامدا معي .. أما نديم فلم يكن يطيقه بل لم يتوانى عن إظهار كرهه له بشكل دائم …”
” لماذا …؟! يبدو الأمر غريبا قليلا …”
سألتها حياة متعجبة مما تسمعه وقد تذكرت وضعها مع حنين التي رأتها منذ يومين ورغم إنها تكره والدتها بشدة لكنها لم تشعر بالكره ناحية حنين ولتكن صريحة مع نفسها فطوال السنوات السابقة كان كرهها منصبا على والدتها ولكن لم تفكر يوما بإخوانها من والدتها حيث كانت تدرك إن والدتها بالطبع أنجبت غيرها وعندما كانت تفكر في هذا لم تكن تحمل الضغينة إتجاههم رغم شعور الألم من كونهم حصلوا على حنان الأم الذي فقدته هي مبكرا ..
أجابت غالية بجدية :-
” ربما لإنه يكره والدتي … ففي نظره كانت سببا في تدمير حياة والدته وحياته … ”
نظرت حياة إليها بترقب بينما أضافت غالية بملامح شردت قليلا في الماضي :-
” ربما لا أعرف الكثير مما حدث في الماضي لكن ما أعرفه إن والدي تزوج من والدة عمار مجبرا لأسباب لا أعلمها ثم تزوج بعدها من والدتي التي كان يحبها بشدة … أظن إن والدة عمار عانت للغاية بسبب أشياء كثيرة أهمها عدم تقبل جدتي لها فوالدتي كانت ابنة اختها ..
المهم مختصر الحديث تطلقت والدة عمار بعدما أنجبت والدتي نديم فعمار يكبر نديم بعام واحد فقط … ويبدو إن والدته لم تتوانى في غرس الكثير داخل عمار الذي كبر حاقدا كارها الجميع وأولهم والدي … وبالطبع كان نديم عدوه الأكبر … ”
سألتها حياة بتردد :-
” ألم تحاولوا التقرب منه وإظهار محبتكم له …؟!”
قالت غالية بسرعة :-
” حاولت وحاولت كثيرا .. انا أساسا أحبه كثيرا … ودائما ما كنت أتمنى أن تصبح علاقتي به كعلاقتي بنديم … أن أشعر بمحبته وأخوته …حاولت كثيرا لكن بلا فائدة … ولكن بعدما فعله وزواجه من ليلى ابتعدت عنه تماما … صحيح ما زلت أحبه لكنني لم أستطع التغاضي عما فعله ..”
” وماذا عن نديم …؟! هل كان يفعل مثلك …؟!”
سألتها حياة بإهتمام لترتشف غالية قليلا من كوب الشاي خاصتها ثم تنظر إليها وتجيب وذكريات الماضي تحاوطها تماما :-
” حسنا عندما كنا صغارا لم يتوانى عمار عن إظهار بغضه وكرهه لنديم وبالتالي كبر نديم وهو يعلم بكره وبغض عمار له … نديم كان يتعمد تجاهله .. يعني لم يفعل مثلي ويحاول التقرب منه لكنني لا ألومه فعمار لم يكن يطيقه أبدا ونديم طبعه حاد قليلا ولذا لم يهتم يوما بعمار ولا بمشاعره نحوه وعندما كنت أطلب منه التحدث معه او محاولة إثبات محبته له كان يرفض رفضا قاطعا ويطلب مني عدم التحدث في هذا الموضوع نهائيا …”
قالت حياة بعدما أنهت غالية حديثها :-
” يبدو الأمر معقدا للغاية …”
ضحكت غالية رغم حزنها ورددت :-
” كثيرا يا حياة … أكثر مما تتصوري …”
توقفت عن حديثها بعدما رن جرس هاتف حياة لتحمل حياة هاتفها وتنظر إليه فتجد حنين تتصل بها ..،
رفعت حاجبها بدهشة فمالذي تريده حنين منها الآن ولم يمر على لقائهما يوما واحدا حتى ..؟!
تنهدت وهي تجيب عليها :-
” اهلا حنين …”
جاءها صوت حنين الرقيق تسألها :-
” اهلا حياة … كيف حالك ..؟!”
ردت حياة بهدوء :-
” انا بخير وانت ..؟!”
” أنا بخير … وددت فقط السؤال عنكِ …”
أضافت بعدها :-
” متى ستنتهي امتحاناتك ..؟! ”
أجابت حياة رغم تعجبها من سؤالها :-
” قريبا باذن الله … ”
” آه حسنا … حياة سنلتقي مجددا أليس كذلك ..؟!”
خرج سؤالها متردد قليلا فرفرت حياة أنفاسها وهي تجيب :-
” ان شاءالله .. ”
” قريبا جدا … أليس كذلك …؟!”
ردت حياة بضيق خفي وهي تشعر إن والدتها وراء كل هذا :-
” ان شاءالله يا حنين …”
ودعتها حنين بعد ذلك لتغلق حياة الهاتف وتعاود التحدث مع غالية ..
بعدها نهضت غالية تطلب منها أن تشرح لها عن الدواء الذي ستعطيه لنديم حيث أخبرتها حياة عن موعد وعدد حبات كل دواء ..
بعدما إنتهت حياة من ذلك إستأذنت غالية أن ترحل فودعتها غالية بعدما أخذت رقم هاتفها وطلبت منها اللقاء مجددا فهي إستمتعت بصحبتها ووجدتها فتاة محبوبة ولطيفة للغاية ..
…………………………………………………………..
في المشفى …
كانت ليلى تجلس على سريرها بملامح مرتاحة قليلا ..
لقد ذهبت والدتها مع مريم قبل قليل الى المنزل بعد إصرارها على ذلك فمريم تلتزم البقاء معها طوال اليوم ووالدتها تأني مبكرا للغاية ولا تتركها حتى ساعات الليل المتأخرة ..
عادت برأسها الى الخلف قليلا تغمض عينيها وهي تتنهد بصوت مسموع تفكر في خطواتها القادمة بعد خروجها من المشفى الذي بات قريبا فوضعها جيد للغاية وجرحها بدأ يلتأم …
فتحت عينيها بسرعة وهي تسمع صوت فتح الباب لتجده يتقدم نحوها بإبتسامة عريضة ..
احتدت ملامحها تماما وهي تصيح به :-
” اخرج من هنا فورا …”
هتف وهو يتقدم نحوها ببرود بعدما أغلق الباب وإبتسامته ما زالت تزين ثغره :-
” هش لا ترفعي صوتك ولا تغضبي .. جرحك ما زال جديدا …”
وقبل أن تتحدث كان ينحني نحوها مقبلا جبينها ببطأ ثم يبتعد عنها قليلا ويخبرها بنفس الإبتسامة :-
” حمد لله على سلامتك يا زوجتي الحبيبة ..”
ثم أخرج من جيبه علبة زرقاء تحوي إسوارة ماسية وقدمها لها يهتف بهدوء :-
” هذه الهدية بمناسبة عودتك لي سالمة …”
لم تصدق للحظات ما يفعله فظهرت الدهشة جلية على عينيها الجاحظتين وملامحها المصدومة …
جذبت العلبة ورمتها أرضا وهي تصرخ بغضب مخيف :-
” اغرب انت وهديتك بعيدا عني …”
لم يهتم او يغضب من تصرفها بل انحنى نحو الارضية يحمل العلبة ويخرج منها الإسوارة يتفحصها بأنامله للحظات ثم يقول ببرود :-
” جيد إنها ما زالت سليمة .. كنت سأحزن كثيرا لو قُطِعت فقد صممها الصائغ خصيصا لأجلك …”
حاولت السيطرة على إنفعالاتها بسبب جرحها الذي بدأ يؤلمها قليلا فردت بصوت حاد قليلا :-
” لا تصبني بالجنون يا عمار .. اخرج من هنا قبل أن أرتكب بك جريمة … ”
تقدم نحوها ووضع العلبة على الطاولة جانبها بعدما أعاد الإسوارة فيها ثم هتف بنفس البرود وكأنه لم يسمع ما تفوهت به منذ لحظات :-
” متى ستخرجين من هنا …؟! انتظر عودتك الى المنزل بشوق شديد …”
كادت أن تشد شعرها من بروده وإستفزازه لكنها سيطرت على أعصابها وهي تردد بقوة :-
” لن أعود إليك يا عمار .. سأخرج من هنا الى منزل والدي .. وسأرفع عليك دعوة طلاق ..”
التوى فمه بإبتسامة غريبة ليردد بإستخفاف :-
” دعوة طلاق إذا …؟! طموحاتك مرتفعة كثيرا يا لولا …”
ردت بتأكيد :-
” نعم سأرفع دعوة طلاق يا عمار .. سأتحرر منك نهائيا … ”
قال عمار بنبرة تشبه نبرتها وهو يضع يده على صدره بإستهزاء واضح :-
” وسأعود الى نديم حبيبي يا عمار … ”
ثم سيطر الجمود على ملامحه وهو يضيف :-
” تعرفين إن لا طلاق لكِ دون موافقتي ..”
قالت ليلى بتحدي صريح :-
” لن تمنعني عن ذلك … ستطلقني يا عمار بإرادتك او إجبارا عنك …”
إسترسلت بثقة جديدة عليها :-
” جهز نفسك حيث سأرفع الدعوة بعد خروجي من هنا مباشرة لذا كن مستعدا لذلك..”
صمت للحظات بدا فيها وكأنه يوازن كلماتها داخل عقله ..
دب الأمل داخلها وهي تتخيل إنه سيدرك صعوبة إجبارها على البقاء معه لكن كل آمالها ذهبت سدى عندما سمعته يهتف بها :-
” إرفعي دعوة طلاق يا ليلى لكن حينها سأتهمك بالخيانة … سأخبر القاضي بإنكِ خنتني مع أخي وتطلبين الطلاق مني للزواج به .. كما إنني سأجعل الجميع يدرك ذلك …”
صاحت به غير مصدقة ما يخرج منه :-
” هل جننت..؟! مالذي تقوله انت ..؟!”
اقترب منها بتمهل ووقف أمامها يهدر بصوت قوي :-
“ماذا ..؟! هل قلت شيئا خاطئا ..؟! ألم تفعليها يا ليلى …؟! ألم تخونيني مع نديم ..؟!”
انقضت عليه تضرب صدره بجنون يوازي جنون نبرتها العالية :-
” أيها المجنون الحقير … أنتَ لا يمكن أن تكون طبيعي … أية خيانة أيها النذل …؟! هل تظن الجميع يتصرف بقذارة مثلك …”
قبض على كفها الذي كان يضرب صدره بقوة مرددا بدهاء :-
” ماذا تسمين إذا زيارتك له في شقته التي يسكنها لوحده …؟! ”
ردت بتوتر :-
“كانت زيارة عادية … تحدثت معه فقط وخرجت …”
ردد هازئا :-
” زيارة عادية إذا ..!! دعيني أتحدث بصراحة تامه … لدي مئة طريقة أثبت من خلالها خيانتك لي ولن أتردد لحظة واحدة في عرضها أمام الجميع إذا ما تهورتِ ونفذت ما في رأسك لذا من الأفضل لكِ أن تتغاضي عما تريدنه وتعودي زوجتي المطيعة كما كنتِ دائما ..”
” لن أفعل … أموت ولا أعود إليك ..”
قالتها بإصرار ليهتف بجمود وتوعد خفي :-
” إذا لا تلوميني حينما على ما سأفعله بك يا ليلى …”
حاولت النهوض من مكانها فضغطت بكفها على الطاولة جانبها تستند عليها وتحاول النهوض بينما هو يتأملها بنفس الجمود لتقف أخيرا أمامه ترجوه وهي تضع كفها على بطنها المتألمة :-
” يكفي الى هنا يا عمار … لقد حققت غايتك من إرتباطك بي … دمرت نديم تماما وحطمت قلبه … طلقني يا عمار … طلقني وأعدك إن كل ما حدث في الماضي سيبقى سرا بيننا … ”
ابتسم بخفة ثم قال وهو يربت بكفه على وجنتيها :-
” تأكدي يا ليلى إنني سأطلقك يوما ما.. لا تظني إنني سعيد بزواجي منك … انا لا أطيقك مثلك تماما …”
صاحت باكية :-
” لماذا تفعل بي هذا …؟! لماذا تؤذيني بهذا الشكل ..؟! ما ذنبي أنا بخلافك مع نديم ..؟! ما ذنبي أنا بكرهك الشديد نحوه ..؟!”
سألها فجأة دون مقدمات :-
” هل تتذكرين ما حدث منذ حوالي ثمانية أعوام يا ليلى ..؟! ”
نظرت إليه بدهشة لكنه أكمل بهدوء :-
” تلك الفتاة .. صديقتك المقربة ….”
همست بصوت خافت :-
” شيرين … !!”
اومأ برأسه مضيفا بتهكم :-
” نعم شيرين .. هي بذاتها … شيرين التي أحببتها يوما و ..”
صمت قليلا يأخذ نفسه ثم يكمل :-
” لكنك قتلتِ هذا الحب في مهده … دمرتِ علاقتنا وهي ما زالت في بدايتها .. ”
هزت رأسها نفيا وهي تهتف بتبرير :-
” انا لم أفعل …”
قاطعها يصيح بقوة :-
” لا تكذبي … الفتاة كانت معجبة بي حتى تدخلتِ انتِ وملئتِ رأسها بكلام سيء عني …”
هتفت مدافعة عن نفسها :-
” انا أخبرتها فقط بما أعرفه عنك … ”
” وماذا تعرفين انتِ عني …؟!”
صاح بها بحدة لتجلس على السرير بتعب وهي تردد بصدق :-
” شيرين كانت صديقتي المقربة وأنا كنت أخاف عليها منك … أخبرتها بحقيقتك وكيف تتصرف مع والدك وأخوتك وعن علاقاتك النسائية …لم أكذب فيما قلته … تلك كانت حقيقتك وهي صديقتي وكنت أخشى عليها من تصرفاتك تلك …”
هتف بصوت حاد مرتفع قليلا :-
” وما شأنكِ أنتِ ..؟! لماذا تحشرين أنفك بما لا يعنيكِ …؟! انا كنت صادقا في مشاعري نحوها … أحببتها حقا وأردتها زوجة لي أيضا …”
هتفت بسخرية :-
” هل تحاول إقناعي إنني الشريرة التي دمرت حياتك بسبب تصرفي هذا …؟!”
رد ببرود :-
” بل أحاول إخبارك إنه لا يوجد أحد بنا مثالي … ولو نسيتِ إتهامك لي بخيانتها مع تلك العاهرة التي لا أذكر إسمها حتى فأنا لن أسى ..”
سألته بإنزعاج :-
” ألم تفعل ذلك يا عمار ..؟! ألم تخنها مع تلك العاهرة …؟! هل ستنكر هذا أيضا ..؟!”
أجاب بقوة :-
” لم أخنها ولم تجمعني علاقة من اي نوع مع تلك العاهرة … لكنكِ فسرتِ ما رأيتي بناء على تفكيرك الأحمق مثلك …”
” إذا أنت تنتقم مني بسبب ذلك …؟!”
سألته بألم ليجيب نافيا ما تقوله :-
” ابدا .. موضوع شيرين انتهى منذ زمن … انا فقط أذكرك بماضي أنتِ نسيته تماما … أذكركِ بإني يوما فقدت من أحببتها بسببك …”
صرحت ليلى :-
” يكفي … لا ترمي اخطائك علي .. تتحدث وكأنك الملاك المظلوم … هل نسيت تصرفاتك الحقيرة يا عمار ..؟! هل نسيت ما كنت تفعله بوالدك ونديم وخالتي ..؟! دعني أسألك يا عمار … هل وجود شيرين في حياتك وحبك لها كان سيمنعك عن تدمير حياة نديم ..؟! هل كان سيجعلك تتراجع عما فعلته به …؟!”
أجاب بجدية وثبات :-
” كلا .. لم يكن ليفعل …”
ضحكت بألم وقالت :-
” الشيء الوحيد الذي يميزك يا عمار هو صراحتك وعدم إدعائك ما ليس بك ..”
أطلقت تنهيدة قصيرة ثم قالت :-
” يكفي حقا يا عمار .. يكفي كرها و حقدا … يكفي محاولات مستمرة لتدمير حياة جميع من حولك …”
رمقها بنظراته الجامدة للحظات قبل ان يهتف بنفس الجمود :-
” حديثك هذا لن يغير أي شيء .. ستخرجين من هنا معي .. هذا آخر كلام عندي ..”
خرج دون ان ينتظرها ردها لتغمض عينيها بوهن قبل أن تفتحها بعد لحظات فتظهر الدموع المتراكمة فيها والتي هطلت على وجنتيها بغزارة ..
……………………………………………………………..
فتح نديم عينيه على صوت غالية وهي تحاول إيقاظه …
نظر إليها بسكون للحظات قبل أن يعتدل في جلسته بتمهل …
استند بظهره على السرير من الخلف وهو يفرك عينيه وشعور الإرهاق يسيطر عليه تماما …
” كيف تشعر الآن ..؟!”
سألته غالية وهي تجلس بجانبه على السرير ليردد بصوت متحشرج :-
” جسمي مرهق قليلا لكنني أفضل من البارحة …”
أخبرته وهي تحمل الدواء الموضوع على الطاولة :-
” لقد جائت والدتي منذ ساعتين ومعها طعام الغداء لنا .. أرادت البقاء حتى تستيقظ وتراك لكنني خفت أن تصاب بالعدوى منك فطمأنتها عليك وطلبت منها الذهاب .. ”
أخذ الحبة منها وتناولها مع الماء ثم قال :-
” وأنت ..؟! ألا تخافين أن تصابي بالعدوى ..؟!”
أجابت بجدية :-
” وهل تقارن صحتي بصحة والدتي ..؟! انا أخشى عليها فقط فمناعتها ضعيفة وهي مثلك تماما لا تتحمل المرض …”
أخذ الحبة اخرى منها وتناولها ليسمعها تقول :-
” سيفيدك هذا الدواء .. هكذا قالت حياة ..”
توقف عن تناول الماء وسألها بدهشة :-
” حياة ..!! هل هي من جلبت الدواء لي …؟!”
أومأت غالية برأسها وهي تشرح له ما حدث :-
” نعم عندما اتصلت بك صباحا أجبت أنا نيابة عنك وأخبرتها إنك مريض لذا أعطتني أسماء بعض الأدوية التي ستعجل شفائك لكنني أخبرتها عن عدم قدرتي على الخروج من الشقة وتركك وحيدا فأنت كنت تعاني من الحمى الشديدة فقالت إنها تستطيع أن تجلبه بنفسها …”
” وأنت وافقت بالطبع ..!”
ابتسمت غالية تردد بخفة :-
” ولمَ لا ..؟! الفتاة هي من عرضت علي هذا وحرارتك كانت مرتفعة للغاية…”
أضافت بنبرة ذات مغزى وهي تأخذ قدح الماء منه وتضعه جانبا :-
“إنها حقا لطيفة ومحبوبة للغاية .. لقد تحدثنا سويا أيضا … تمتلك شخصية مميزة ورائعة …”
سألها بفضول :-
” عم تحدثتما أنتِ وهي ..؟!”
أجابت بهدوء :-
” عن الكثير من الأشياء العامة .. ”
اومأ برأسه متفهما ثم شرد بعيدا وهو يتذكر ما فكر به البارحة وما يشعر به …
هل يعقل إن أفكاره كانت في محلها وإن نظرة حياة إليه ليست عادية كما يظن …؟!
هل تشعر بشيء نحوه كما فكر البارحة ..؟!
أفاق من شعوره على صوت غالية تردد :-
” هاي .. أين شردت ..؟!”
نظر إليها بصمت للحظات ثم قال بعدما تنفس بعمق :-
” لا شيء .. فقط تذكرت شيئا ما …”
سألته بسرعة :-
” هل هذا الشيء يخص حياة …؟!”
تجمدت ملامحه للحظات فشعرت إنها تعجلت في سؤالها …
سمعته يسألها :-
” لماذا تعتقدين إن أفكاري تدور حول حياة ..؟!”
هزت كتفيها وهي تجيب ببساطة :-
” ربما لإننا كنا نتحدث عنها منذ لحظات …”
أضافت بصراحة مطلقة وقد قررت عدم تجاهل ما يدور في عقلها بعد الآن :-
” أو ربما لإنني أشعر إنك تهتم بها مثلما هي تهتم بك ..”
سألها بإهتمام شديد أكد لها حقيقة كونه مهتم بتلك الفتاة مهما أنكر :-
” ومن أين علمتِ إنها مهتمة بي ..؟!”
ردت ببديهية :-
” الأمر لا يحتاج الى ذكاء .. هي مهتمة بك … يكفي نبرتها القلقة وهي تسأل عن أحوالك عندما علمت بمرضك …”
عاد بظهره الى الخلف مرددا بصوت باهت :-
” من الطبيعي أن تقلق يا غالية وهذا لا يدل على اي شيء … عندما تعلمين بمرض أحدهم فسوف تسألين بقلق عنه …”
عاندته :-
” لست غبية يا نديم .. الفتاة تهتم بك وأكبر دليل مجيئها الى هنا كي تجلب الدواء لك .. لكن دعنا من كونها مهتمة بك أم لا .. أخبرني يا نديم .. هل يسعدك إهتمامها بك …؟! ”
تجهمت ملامحه وهو يرد بضيق :-
” من قال هذا …؟! الأمر برمته لا يعنيني … ”
” لا تكدب علي يا نديم .. انت مهتم بها وربما معجب أيضا …”
ضحك محاولا السيطرة على نبضاته التي ارتفعت لا إراديا بسبب ما قالته :-
” يا إلهي وماذا بعد يا غالية …؟! تتحدثين بثقة تسبب الضحك يا أختي …”
ردت غير آبهة بسخريته المصطنعة منها :-
” مهما حاولت الإنكار لن أصدقك .. انظر الى يا نديم … لماذا تصر على إنكار الحقيقة .؟!”
صاح معترضا :-
” أية حقيقة …؟! من أين أصلا خطر على بالك هذا ..؟! كيف أدركت إنني مهتمة بها ..؟!”
ردت بقوة :-
” يكفي إنك في الوقت الذي تنأى به بنفسك عن الجميع ولا تتواصل معنا حتى كنت معها .. تزوها دائما في المشفى وتتواصل معها بإستمرار … هذا كان واضحا للغاية دون أن يخبرني به أحد .. لماذا تفعل هذا إذا ..؟! لماذا تتواصل معها هي دونا عن البقية .. وإياك أن تتحجج بوضع والدها لإنها حجة سخيفة للغاية …”
مسح على وجهه بإرهاق ثم هتف :-
” نعم انا بالفعل أتواصل معها دائما ولأكن صريحا فأنا من أسعى دائما لرؤيتها والتحدث معها .. ”
ابتسمت غالية داخلها وقد نجحت في سرقة إعترافه بذلك أخيرا لتسمعه يردف :-
” لا أعلم لماذا أفعل هذا لكنني بالفعل أشعر بإن هناك شيء ما يجذبني نحوها لا إراديا …”
صمت قليلا يتأمل ملامح أخته التي تتابعه بترقب وإهتمام فيتنهد بحرارة ثم يتحدث مقررا البوح بما يعتمل داخله :-
” حياة مختلفة .. كل شيء بها ينبض بالحياة … عندما تتحدث معي أستمع إليها بإنصات شديد .. حديثها يتغلغل داخلي .. أشعر وكأنه يغسلني من الداخل .. لا أرغب أن تتوقف أبدا عن التحدث … عندما أنظر إليها أشعر بالأمل يغزو روحي من جديد … هي تمنحي شعورا مختلفا … شعورا افتقده منذ اعوام … انا لا أعرف لمَ هي بالذات ..؟! لكنها حقا رائعة .. رائعة في كل شيء … ”
أطلق تنهيدة حارة مجددا ثم سأل غالية الشاردة تماما في كلماته الصادقة :-
” ما رأيك فيما سمعتيه اذا …؟! بماذا تصفين ما أمر به ..؟!”
هزت رأسها بعدم تصديق ثم قالت :-
” بعد كل ما قلته تسألني عن رأيي .. هل تمزح يا نديم …؟! الفتاة سيطرت عليك تماما … أنت تتحدث بطريقة لم أستوعبها بعد .. تتحدث وكأنها …”
صمتت قليلا تحاول التعبير عما يدور داخلها فقالت أخيرا :-
” وكأنها الحياة يا نديم …”
تجمدت ملامحه وهو يستمع الى ما تفوهت به أخته وعقله يردد ما يسمعه .. تتحدث عنها وكأنها الحياة يا نديم …
شعر بكف غالية تقبض على كفه وهي تهتف بسعادة لم تخفَ عنه :-
” لقد شعرت بذلك … انا سعيدة لذلك حقا …”
حرر كفه من كفها مرددا بغلظة :-
” ما هذا الكلام يا غالية ..؟! لا يوجد شيء يستدعي سعادتك هذه …”
عقدت حاجبيها تردد بضيق :-
” بل يوجد وأنا واثقة من ذلك .. ”
أضافت برجاء :-
” يكفي يا نديم حقا .. الى متى ستبقى متمسكا بهذا الوضع المزري …؟! ما سمعته منك يؤكد إن حياة شخصا مهما عندك وإنها تعطيك الأمل وتمنحك الحياة التي ماتت داخلك .. ”
” ماذا تودين أن تقولي يا غالية ..؟!”
سألها بنفاذ صبر لتشدد على كلماتها :-
” الفتاة مميزة حقا .. ذات شخصية لطيفة للغاية .. ذكية ومحبوبة وأنت تصفها بالروعة في كل شيء .. ماذا تنتظر إذا ..؟!”
ضحك مرددا بعدم تصديق :-
” أنت بالطبع لا تقصدين ذلك …؟! ”
لكنها أجابت بهدوء وثقة :-
” بل أقصده … هي تناسبك للغاية … انا واثقة من هذا مثلما واثقة إنها مهتمة بك كثيرا … مالذي يمنعك إذا من الإرتباط بها ..؟!”
انتفض من مكانه وقد بدا كأن مرضه اختفى تماما في هذه اللحظة يهدر بها بعصبية :-
” هل جننتِ يا غالية ..؟! أي ارتباط بالله عليك ..؟! ألا ترين وضعي وما أعيشه ..؟!”
نهضت من مكانها هي الأخرى تجابهه بعزيمة :-
” ما أراه إنك المسؤول عن وضعك هذا … أنت من تصر على البقاء في سجنك هذا .. أنت من ترفض الخروج من قوقعتك .. أفق يا نديم .. الحياة لن تنتهي عند حدث معين او شخص ما .. الحياة تستمر وأنت عليك أن تستمر كذلك .. لا تخسر المزيد من سنوات عمرك .. ”
” وما علاقة ما تقولينه بحياة ..؟!”
سألتها بتهكم يحاول من خلاله إخفاء تأثره بحديثها لترد بجدية :-
” أحيانا نجاتنا تكمن في شخص معين يا نديم .. ”
سيطر الوجوم على ملامحه لتردف :-
” فكر في حديثي يا نديم واتمنى أن تصل الى نتيجة صحيحة .. ”
ثم تحركت خارج الغرفة بعدما قالت :-
” سأذهب وأجهز الطعام لكلينا …”
خرجت من الغرفة تاركة إياه يفكر في حديثها بصمت وفي داخله إن ما قالته لا يخلو من الصحة ..
…………………………………..:………………
كانت تجلس على سريرها تحتضن ساقيها بملامح شاردة …
الوحدة تحيط بها من جميع الجوانب ..
هي وحيدة تماما .. لا أحد بجانبها ..
خسرت والدتها في عمر صغير وخسرت والدها في الوقت الذي كانت تحتاجه بقوة ..
والدتها التي تتذكر مدى حنانها وحبها الشديد لها ورعايتها الدائمة …
والدها أيضا كان يحبها رغم جديته الشديدة معها وإهتمامه الشديد بالعمل فلم يكن لديه الوقت الكافي لها لكنها كانت تتفهمه وتستوعب حاجته لإثبات نفسه في مجال عمله خاصة بسبب مشاكله الطويلة مع عائلته ورغم كل شيء كانت تحبه بشدة ..
لكنه رحل هو الآخر ..رحل تاركا إياها وحيدة ، ضائعة ومنبوذة بين عائلته التي لم تحبها يوما وبين أخيها الذي لا يكف أن يحاصرها بأوامره دون أن يفكر في إلقاء نظرة واحدة عليها ..
أحيانا تود لو تموت وترحل حيث والديها …
وأحيانا تفكر في التمرد على كل هذا الوضع …
لكن كيف وعمار الوصي عليها والمسؤول عن كل شيء يخصها … ؟!
نهضت من مكانها واتجهت نحو الطاولة حيث توجد صورتها مع والديها ..
حملت الصورة وأخذت تلمس برقة على وجه والدتها التي تشببها كثيرا ..
والدتها كانت جميلة خاصة بتلك العينين الخضراوين اللتين أورثتهما لها ولأخيها ..
والدتها التي رحلت في أبشع طريقة ممكنة حيث قُتِلت في منزلها دون أن يعلم أحد هوية القاتل حتى الآن …
تركتها وهي ما زالت طفلة صغيرة تحبو في عالم الحياة ..
همست بضعف من بين دموعها :-
” إشتقت إليكِ ماما .. إشتقت إليك كثيرا ..”
أضافت وهي تشهق باكية:-
” عمار لا يحبني يا ماما … لا يزورني ولا يسأل عني أبدًا .. يبدو وكأنه نسي وجودي حتى …”
أضافت بألم :-
” لم يعتبرني يوما أخته ولم يحبني كما أفعل أنا .. ”
أردفت تبكي بعنف :-
” ولا يحبكِ أنتِ أيضا .. لو كان يحبك ما كان ليؤلمني هكذا .. كان سيصون أمانتك يا ماما .. ألم تؤمنيه علي قبل وفاتك ..؟! ألم تأخذي وعدا منه بحمايتي ورعايتي دائما ..؟! لم يفعل يا ماما … خذلني كما فعل الجميع وأولهم أنتِ برحيلك عني …”
انهارت باكية بشهقات مرتفعة سمعتها خديجة التي اندفعت الى الداخل فوجدتها تجلس على أرضية الغرفة تنتحب بشكل يمزق القلب وتلك الصورة بين يديها …
سارعت تجذبها نحوها تحاول تهدئتها كطفلة صغيرة تحتاج الى الحنان … الحنان فقط لا غير …
اخذت تهدهدها بحنو ثم بدأت تقرأ الآيات القرآنية بصوت خافت ..
سكنت جيلان قليلا بين أحضان مربيتها لتجذبها خديجة من مكانها وتسير بها نحو السرير حيث مددتها عليه ووضعت الغطاء فوق ثم جلست جانبها تربت على شعرها بخفة وهي تقرأ الآيات القرآنية مجددا …
ظلت جيلان ساكنة تماما تنظر الى السقف بعينين مفتوحتين حتى بدأ النعاس يزور أجفانها فغفت بعدها بين أحضان خديجة التي تأملتها بحزن وشفقة شديدة على حال تلك الصغيرة …
نهضت خديجة بعدها وخرجت من الغرفة بخفة …
ظلت جيلان نائمة عدة ساعات حتى إستيقظت بعد منتصف الليل في حدود الساعة الثانية صباحا …
اعتدلت في جلستها تنظر أمامها بملامح باهتة وقلب مجروح لا يكف عن الأنين …
جذبت هاتفها بعد مدة وأخذت تعبث فيه عندما وجدت رسالة من شخص لا تعرفه على موقع الفيسبوك ..
فتحت الرسالة لتنظر الى رسالته حيث كتب :-
” هل هذه صورتك حقا ..؟! لا أصدق إن هناك فتيات عندنا يحملن كل هذا الجمال … ؟!”
ضغطت على الصورة التي أرفقها في رسالته لتجدها نفس الصورة التي إلتقطتها منذ أيام بعدما ارتدت فستانا ذهبيا قصيرا قليلا وذو حمالات رفيعة ووضعت المكياج الذي جعلها تبدو أكبر من عمرها ببعض السنوات …
كانت قد نشرت الصورة على صفحتها الشخصية على الفيسبوك وجاءتها العديد من التعليقات عليها …
عادت تنظر الى صاحب الرسالة والذي يدعى سمير …
فتحت صفحته الشخصية لا إراديا فوجدته له العديد من الصور التي تظهر رجولية ملامحه وتناسق جسده الرجولي .. كان جذابا أكثر مما هو وسيم ..
عادت الى الرسالة تقرأها أكثر من مرة قبل أن تحسم أمرها وتقرر الجواب :-
” نعم إنها صورتي .. وبالطبع يوجد العديد من الجميلات حولنا … ”
أغلقت الهاتف ووضعته على السرير جانبها ثم عادت برأسها الى الخلف وهي مغمضة عينيها عندما وجدت هاتفها يهتز مجددا …
سارعت تحمله وتفتحه لتجدها يرد عليها :-
” ربما معك حق .. يوجد العديد من الجميلات حولنا لكن جمالك مميز للغاية … جمالك يجمع ما بين البراءة المحببة والأنوثة الجذابة … ”
ابتلعت ريقها وقد توترت لا إراديا من غزله بها فلمست الشاشة تكتب بعد لحظات :-
” أنت تبالغ كثيرا … ”
ليأتيها الرد سريعا :
” أبدا .. أساسا لست مجاملا بطبعي يا جيلان …”
وبينما كانت تفكر بما ترد عليه كان يكتب مجددا :-
” هل تمانعين أن نتعرف على بعضنا …؟!”
توقفت عن أفكاره لتجيب :-
” كلا .. لا أمانع …”
أرسل لها ملصقا يبتسم ثم بدأ يكتب حيث كتب لها :-
” اسمي سمير … سمير حافظ … في الرابعة والعشرين من عمري … خريج كلية التربية وأعمل مدرسا للتاريخ في إحدى المدارس الخاصة.. ماذا عنك ..؟!”
كتبت رغم ترددها :-
” اسمي جيلان … في السادسة عشر من عمري … ”
اكتفت بهذا فوجدته يقول :-
” سعدت بمعرفتك حقا يا جيلان … أظن إننا سنصبح أصدقاء …”
ردت عليه :-
” تشرفني صداقتك بالطبع يا سمير …”
عاد يرسل لها نفس الملصق الضاحك ثم بدأ يتحدث معها حيث يسألها عن مختلف الأشياء وهي ترد عليه بعفوية …
ظلا يتحدثان سويا حتى قاربت الساعة على السابعة صباحا قبل أن يودعها على وعد بالتحدث مجددا ..
وضعت جيلان هاتفها على الطاولة جانبها وهي تبتسم بخفة فقد مر الوقت سريعا وإستمعت حقا بحديثها مع سمير …
قررت العودة الى النوم فوضعت رأسها على مخدتها وأغمضت عينيها وهي تبتسم لا إراديا كلما تتذكر ما دار بينهما من أحاديث …
………………………………………………………..
بعد مرور يومين …
وقف نديم أمام المرآة يهندم ملابسه قبل أن يحمل هاتفه ومفاتيح سيارته ..
خرج من شقته واتجه اسفل العمارة حيث ركب سيارته واتجه الى الجامعة فقد علم من حياة إن اليوم ستكون هناك حيث لديها إمتحان وذلك بالطبع بعدما تواصل معها مساء البارحة راغبا برؤيتها ..
وصل الى هناك بعد مدة ليقف في نفس المكان الذي انتظرها فيه مسبقا …
تأملها وهي تخرج مع أحد زملائها وهي تتحدث معه بينما الأخير ينصت لها بإهتمام شديد …
ودعت زميلها ثم تحركت اتجاهه بعدما رأته وعلى شفتيها إبتسامة دافئة …
” مساء الخير ..”
قالتها بنبرة عذبة ليبتسم لا إراديا وهو يرد تحيتها :-
” مساء النور يا حياة …”
سألته بإهتمام ورقة :-
” كيف أصبحت الآن …؟! تبدو بصحة جيدة … ”
أجاب وهو يومأ برأسه :-
” نعم .. أصبحت أفضل بكثير وهذا بفضل الأدوية التي جلبتها لي ..”
إبتسمت بإحراج و قالت :-
“‘عندما علمت من غالية إنك تعاني من الإنفلاونزا نصحتها بأن تعطيك هذه الأدوية …”
هتف بجدية وإمتنان :-
” وأنا أشكرك حقا على إهتمامك حتى إنني جئت بنفسي الى هنا لأشكرك ..”
أضاف بعدها :-
” ولكي أدعوك على الغداء …”
رفضت طلبه بسرعة :-
” لا داعي لهذا … يعني انا لم أفعل شيئا صعبا … انا قمت بواجبي فقط وبإمكانك أن تعتبره ردا بسيطا على ما فعلته مع والدي منذ بداية مرضه …”
قال نديم بجدية :-
” حتى لو كان كذلك فأنتِ تستحقين الشكر والأهم إنك لن تستطيعين التهرب من دعوتي … ”
هتفت تحاول الإعتراض لكنها قاطعها بإصرار :-
” لا تعاندي يا حياة .. لا يوجد لديك سبب يجعلك ترفضين أصلا .. ”
تأملته وهو يشير الى سيارته :-
” هيا اركبي … لا داعي للمماطلة …”
اتجهت نحو السيارة حيث ركبت على الكرسي جانبه وركب هو بدوره في كرسي السائق وشغل سيارته وقادها متجها الى احد المطاعم الراقية ..
بعد مدة كانا يجلسان على احدى الطاولات حيث أخذ النادل طلباتهما ورحل عندما بادر نديم في الحديث متسائلا :-
” إنتهيت من إمتحاناتك ، أليس كذلك …؟!”
أومأت برأسها وهي تجيب :-
” نعم اليوم كان آخر امتحان …”
” ومتى النتائج..؟!”
أجابته بجدية :-
” يقولون الإسبوع القادم لكنني لست متحمسة أبدا لمعرفتها ..”
سألها مستغربا :-
” لماذا ..؟!”
ردت بجدية :-
” أشعر إن أجوبتي في اغلب المواد لم تكن على المستوى المطلوب … ”
هتف بجدية :-
” تشعرين ولستِ متأكدة .. وبكل الأحوال المهم هو نجاحك وتخطيكِ مرحلة جديدة … الدرجات والتقديرات ليست مهمة الى هذا الحد فالنجاح الحقيقي هو عندما يثبت المرء نفسه في ميادين العمل ..”
” معك حق …”
قالتها بجدية لتسمعه يسألها بتردد :-
” اذا وماذا عن ذلك الدكتور الجامعي ..؟! متى ستتم خطبتكما …؟!”
كان قاصدا أن يسألها وفي الحقيقة مجيئه إليها ورغبته برؤيتها كانت لأجل موضوع محدد حيث يريد هو إيصال فكرة معينة إليها لكنه تحجج بما فعلته معه ورغبته بشكرها …
أجابته بنبرة متحشرجة مستغربة سؤاله الذي بدا غير مناسبا لها :-
” لا جديد … لم أوافق بعد …”
حسنا هناك شعور لا يخلو من السعادة غزاه للحظات لكنه أزاحه جانبا يسألها بدهشة مفتعلة :-
” لماذا ..؟! يبدو مناسبا للغاية …”
كلماته تلك كان تقتل كل أمل داخلها فيما يخصه بينما هو يتقصد ما يقوله …
ردت محاولة إنهاء الحوار بسرعة :-
” لا يوجد سبب محدد .. انا فقط لا اريد …”
ثم جذبت قدح الماء ترتشف منه محاولة اخفاء توترها …
” صحيح ، غالية أحبتك كثيرا يا حياة .. رغم إنها لم تركِ سوى مرتين لكنها أحبتك حقا وأخبرتني إنها إستمتعت بصحبتكِ …”
ابتسمت وهي تردد بصدق :-
” وانا أيضا أحببتها حقا .. هي لطيفة للغاية …”
سألها مجددا :-
” إذا ماذا ستفعلين في الإجازة ..؟!”
ردت بحماس دب فيها لا إراديا :-
” سأتدرب في احدى الشركات الأدوية التي يملكها أستاذي في الجامعة …”
” دكتور ثامر ..؟!”
ردت بسرعة ونفي :-
” كلا … إنه آخر غيره .. لقد عرض علي انا ومجموعة من الطلاب المتفوقين التدريب عنده في الشركة خلال الإجازة الصيفية … كما إنني أعمل في احدى الصيدليات مساءا وأفكر أيضا في استغلال بقية وقتي في تعلم بعض المهارات الجديدة …”
ابتسم مرددا:-
” جدولك مزدحم إذا …”
أومأت برأسها وقالت بجدية :-
” نعم .. احاول إستغلال الوقت بشيء يفيدني …”
سألته بدوره بتردد :-
” وماذا عنك ..؟! ألن تبدأ التفكير في انشاء مشروع يخصك ..؟!”
أجاب بجدية :-
” بدأت بالفعل وسألتقي بوسام صديقي الليلة .. لولا مرضي في اليومين السابقين لكنت تحدثت معه مسبقا …”
هتفت بجدية :-
” هذا رائع .. المهم أن تختار العمل في شيء يناسبك وتحبه وحينها ستنجح بالتأكيد …”
سألها :-
” هل تظنين إنني سأنجح حقا …؟!”
أجابت بثقة وسرعة :-
” بالطبع ستنجح .. انا واثقة من ذلك ..”
نظر إليها للحظات وثقتها الشديدة بنجاحه هزت شيئا داخله فهتف دون ترتيب مسبق :-
” هل يهمك نجاحي حقا يا حياة .. ؟!”
أومأت برأسها وهي تجيب بصدق :-
” بالطبع يهمني وسوف يسعدني كثيرا …”
” لماذا …؟!”
سألها بجدية لترتبك ملامحها وتتلعثم في جوابها :-
” يعني سأهتم لإنني ..”
صمتت ولم تعرف ماذا تقول فأجاب نيابة عنها :-
” ربما لإنني أهمك مثلا …”
تشنجت ملامحها كليا وبدت عاجزة عن الحديث فعاود سؤالها رغم شبه تأكده من ظنونه :-
” هل أنا مهم بالنسبة لكِ يا حياة …؟!”
تجمدت أوصالها لا إراديا وهي تستمع لسؤاله الغير متوقع …
ظهر التوتر جليا عليها وهي تحاول صياغة الإجابة المناسبة عندما انحنى بوجهه قليلا نحو وجهها يسألها مجددا وهو يركز عينيه الزرقاوين على بنيتيها :-
” أجيبي يا حياة …؟! هل حقا أنا مهم لديك ..؟! ”
تلعثمت وهي تجيبه :-
” بالطبع يا بك …”
قاطعها بضيق جلي وهو يبتعد قليلا عنها :-
” لا تناديني هكذا … قولي نديم … نديم فقط … كم مرة علي أن أخبرك بهذا …؟!”
نظرت إليه بتردد من عصبيته الغريبة بينما انتبه هو الى الخوف المتشكل داخل عينيها فوجد نفسه يهتف بصوت قوي :-
” اسمعيني يا حياة … انتِ فتاة جميلة وبريئة … فتاة مثالية بحق وتستحقين كل شيء مثالي … لذا سأخبرك بوضوح ، لا ترفضي ثامر يا حياة … لا ترفضيه ثم تندمين فيما بعد …”
لا يعلم لماذا شعر بالمرارة الشديدة تتوسد روحه وهو يقول هذا الكلام لكنه تجاهل كل هذا وهو يرسم على وجهه ملامح تؤكد جدية ما يقوله ..
سألته بصوت متحشرج :-
” لماذا تخبرني بهذا …؟! ما سبب حديثك …؟!”
أطلق تنهيدة حارة ثم رد بهدوء :-
” لإنني أريدك بأفضل حال … أريد مصلحتك حقا يا حياة …”
” هل تهمك مصلحتي الى هذا الحد يا نديم ..؟!”
سألته بنبرة متألمة ليومأ برأسه وهو يرد بإيجاز :-
” نعم يا حياة .. تهمني كثيرا …”
هزت رأسها بتفهم ثم قالت :-
” أشكرك على إهتمامك بمصلحتي حقا ولكن هذا الأمر يخصني وحدي ولا أحد سيعلم مصلحتي أكثر مني …”
ثم همت بجذب حقيبتها والنهوض لكنه قبض على كفها يمنعها من ذلك فوجدها تسحب كفها بسرعة وهي تنظر اليه بقليل من العصبية …
قال بهدوء :-
” الى أين تذهبين …؟! ابقي مكانك …”
لكنها لم تهتم وهي تنهض من مكانها وتسير خارج المطعم لينهض من مكانه يلحقها بسرعة …
ناداها وهو يركض خلفها لتلتفت نحوه وهي تصيح بنفاذ صبر :-
” ماذا تريد مني …؟! دعني وشأني …”
سألها مستوعبا ما تمر به في هذه اللحظة تحديدا وقد أدرك حقيقة مشاعرها نحوه بوضوح لا يقبل أي شك :-
” ماذا حدث …؟! ماذا فعلت كي تغضبي مني هكذا ..؟!”
أخذت نفسها ثم مسحت وجهها بكفيها مفكرة إنه لم يفعل شيئا خاطئا ولا ذنب له في مشاعرها فهي المسؤولة الوحيدة عنها ..
هتفت تجيبه بلهجة هادئة رغم الألم الذي يسكن روحها :-
” لم تفعل شيئا .. ”
أضافت بعدها بحسم :-
” لكن من الأفضل ألا نلتقي مجددا بعد الآن .. ”
” لماذا …؟!”
سألها بصوت متحشرج وفي داخله تناقض غريب بين ضيقه مما قالته وبين كونه كان يسعى لهذا منذ البداية …
نعم أراد أن يخرج من حياتها بعدما أدرك إنها أحبته …
وكل ما قاله في الداخل كان مقصودا لذلك لكنه الآن يشعر بوجع غريب يقيد روحه ما إن أخبرته بضرورة عدم لقائهما مجددا ..
سمعها تجيب بصوت ضعيف مبحوح والألم يغلف ملامح وجهها الناعمة :-
” هذا أفضل لي .. ”
أضافت بملامح شحبت كليا :-
” أساسا هكذا المنطق يقول … مالذي يجعلني ألتقي بك وأتواصل معك ..؟! ”
رفعت عينيها اللامعتين نحوه وأكملت ورغبة شديدة بالبكاء تسيطر عليها :-
” انا أعتذر إذا ما تسببت لك بأي إزعاج يوما ما .. ”
قاطعها بصدق وسرعة :-
” أنتِ والإزعاج لا يمكن أن تجتمعا يا حياة … حياة انظري الي … ربما لم يمر وقت طويل على تعارفنا لكنكِ بالفعل تركتِ آثرا داخلي لا يمكن تجاهله …”
حدقت به مستغربة ليضيف وقد شعر إنه من حقها أن تسمع هذا الحديث منه بعد كل ما شعره بسببها دون أن تدري :-
” أنتِ دخلتِ حياتي في توقيت كان الأسوء في حياتي … استطعتِ بعفويتك وروحك الدافئة التأثير بي في وقت كنت عاجزا عن فعل أبسط الأشياء … ”
صمت يأخذ نفسه ثم اضاف :-
” ربما لو رأيتك في وقتٍ آخر وفي وضع لا يشبه الوضع الحالي لأختلف الأمر تماما لكن الآن وفي هذا الوقت تحديدا أنا لا أستطيع أن أمنحكِ أي شيء مع إنني أتمنى لو كان بإمكاني ذلك …”
لم تستوعب ما يقوله ولا ما فهمته من كلامه المبطن قليلا فسألته بجدية مصرة على معرفة مقصده بصراحة ووضوح رغم خوفها من سماع شيء يؤلمها أكثر :
” ما معنى هذا الآن …؟! لا تتحدث بهذه الطريقة المبهمة …”
” الحب لا يصنع المعجزات …”
قالها بثقة عاشق ملكوم بحب سيطر عليه لسنين طويلة ..
حب انتهى في لحظة فارقة كانت كافية لزعزعة ثباته لسنين طويلة …
أضاف مشددا على حديثه:-
” ضعي هذا في عقلك …”
سألته بهدوء يشبه الهدوء الذي تمنحه إياه في وجودها :-
” إلام ترمي من حديثك هذا …؟! أخبرني بصراحة عن مقصدك …”
أطلق تنهيدة عميقة ثم وضح لها ما يريد منها أن تعرفه :-
” لا تضعي آمالك عليَّ يا حياة فتستيقظي على حقيقة إنني لن أغدو يوما ما تتمنين …”
أردف وعيناه تحاصران ملامح وجهها الهادئة البريئة :-
” لقد خرجت من تجربة كانت كافية لردم أي مشاعر داخلي … تجربة حطمت روحي … قلبي ليس متاحا لأي أحد بعد الآن … قلبي مات منذ رحيلها عني …”
ترقرقت الدموع داخل عينيها وفكرة إنها أحبت المستحيل تؤلم روحها بشدة …
كانت تدرك حقيقة إن تجربته السابقة حطمته وتركت داخله شرخا لن يمحى بسهولة ولكن في داخلها كان هناك أمل .. أمل صغير أن ينجح عشقها له في ردم جروحه … عشقها الذي تغلغل في روحها إجبارا عنها ..
هي في عشقه لا حول ولا قوة لها .. هي في عشقه خاضعة دون إرادة منها …
” هل كنت تحبها الى هذه الدرجة ..؟!”
سألته بصوتها الضعيف المبحوح لينظر إليها للحظات قبل أن يشيح بوجهه مرددا بخفوت :-
” نسيانها ليس سهلا على الإطلاق يا حياة … ”
عاد يتطلع الى عينيها الدامعتين فيهتف برجاء :-
” كلا لا تبكي .. أنا لا أستحق هذه الدموع يا حياة .. ”
ثم إسترسل وكأنه يحدث نفسه لا يحدثها هي :-
” أتعلمين ..؟! بكِ شيئا غريبا يجذبني بقوة … شيء يمنحني شعورا غريبا من الراحة والأمان … شعوران بحثت عنهما طويلا .. أنت مميزة يا حياة وتستحقين الأفضل … ”
أردف رغم الوجع الغريب الذي سيطر عليه وهو يتفوه بهذه الكلمات :
” أنتِ تستحقين رجلا افضل مني .. رجلا كاملا مثله .. رجل يناسبك .. أما أنا …”
صمت قليلا وهو يبتلع غصة داخله ثم يكمل بخفوت :-
” أنا رجل تحمل روحه ندوب لا يمكن أن تختفي يوما .. رجل تلاحقه ذنوب لم يكن له يد فيها وعار إلتصق به حتى آخر العمر ..”
” ولكنكَ في نظري أفضل الرجال وأكثرهم كمالا ..”
وهذا الإعتراف لوحده كان كفيلا بزعزعة ثباته ..
هتف بعد لحظات محاولا السيطرة على مشاعره التي تبعثرت بسبب حديثها :-
” هل تدركين يا حياة ما تقولينه حقا ..؟! أنتِ تتحدثين من بعيد .. دون أن تقتربي وتعيشي التجربة بنفسك … الحياة معي لن تكون سهلة الى الإطلاق .. ستعانين بشدة … وتتعبين بشدة … هل تظنين إن الأمر يقتصر على حقيقة إن مستقبلي ضاع وعملي في مجال دراستي بات ممنوعا … ؟! كلا يا حياة … هناك ما هو أسوء … هناك ماضي لن يتركني وشأني وأوجاع لن تختفي مهما حدث … أنتِ ترين نديم أمامك الآن .. ذلك الذي تتحدثين معه قليلا وتعرفينه قليلا لكن عندما تقتربين مني بحق وتشاركيني حياتي ستدركين ما أقصده …”
” أنت تتقصد أن تقول هذا أمامي ، أليس كذلك ..؟!”
أجاب بمشاعر صادقة ولأول مرة يعترف بما يعتمل داخله من صراع بين رغبته في قربها التي أنكرها دائما وبين إدراكه لتشوهات روحه وقلبه التي ستؤديها بشدة :-
” أنا أخشى من نفسي عليك يا حياة .. أخشى أن أؤذيكي .. أخبرك بهذا كي تخافي وتهربي مني …”
أكمل وهو ينظر الى الإفق البعيد وفي تلك اللحظة لم يعد هناك مجال للإنكار لمشاعره التي أنكرها طويلا بل منع نفسه من التفكير بها فتحررت الآن دون هوادة :-
” لكن لو نظرتِ داخلي لأدركتِ إنني أحتاجك وبشدة … أحتاجك وأريدك رغم كل ما قلته …”
أخبرها بهذا وهو يدرك جيدا مدى أنانية تصرفه لكن حاجته الصادقة إليها تحكمت به في آخر لحظة ..
نظرت إليه بعدم تصديق وقد أدركت ما يعانيه من صراع …
لم تعرف ما عليها أن تفعله وما يجب أن تقول لكنه أنقذها من حيرتها عندما قال :-
” اذهبي فورا يا حياة وانسي إنكِ قابلتني يوما ما … انسي نديم تماما يا حياة وعودي الى حياتك السابقة قبل رؤيتي وأنا واثق إنك ستنجحين وتسعدين كثيرا بدوني …

وهي نفذت ما قاله ورحلت .. رحلت وعقلها يردد كلماته مرارا …
………………………………………………………………..
فتح عينيه على صوت رنين جرس الباب ..
نهض من مكانه بتعب مفكرا في هوية الشخص الذي يزوره الآن ..
نظر الى الساعة المعلقة على الحائط في طريقة فوجدها قد تجاوزت الخامسة عصرا ..
فتح الباب ليراها أمامه تنظر إليه بملامح ثابته تختلف عن تلك التي رأها بها منذ ساعات ..
ربما هو يحلم خاصة وهو لن ينفك عن التفكير بها منذ رحيلها قبل ساعات قليلة …
” حياة …”
قالها بعدم تصديق وهو لا يدرك اذا ما كان هذا حلما أم حقيقة ..

( الجزء الثاني )
عاد الى شقته فورا بعد حديثه الطويل معها والذي أرهق روحه كثيرا …
يشعر بألم حاد في قلبه كلما يتذكر رحيلها عنه .. رحيلها الذي لن يتبعه عودة بالتأكيد ..
هي خرجت من حياته تماما برحيلها كما أراد وكما أخبرها …
من المفترض أن يرتاح لما حدث لكنه في الواقع يتألم بشكل هو نفسه استغربه …
كان يعلم إن رحيلها سوف يزعجه فهو وجد معها شعورا مختلفا ومميزا لكنه لم يكن يدرك إنه سيتألم هكذا ..
بعد مدة من الزمن كان ممددا على سريره واضعا ذراعه خلف رأسه وعيناه ترتكزان على سقف الغرفة بينما الأفكار تنهش عقله بلا رحمة …
اغمض عينيه بإرهاق مزيحا أفكاره تلك جانبا حتى غفا بلا وعي منه ..
بعد مدة من الزمن …
فتح عينيه على صوت رنين جرس الباب ..
نهض من مكانه بتعب مفكرا في هوية الشخص الذي يزوره الآن ..
نظر الى الساعة المعلقة على الحائط في طريقه فوجدها قد تجاوزت الخامسة عصرا ..
فتح الباب ليراها أمامه تنظر إليه بملامح ثابته تختلف عن تلك التي رأها بها منذ ساعات ..
ربما هو يحلم خاصة وهو لن ينفك عن التفكير بها منذ رحيلها قبل ساعات قليلة …
” حياة …”
قالها بعدم تصديق وهو لا يدرك اذا ما كان هذا حلما أم حقيقة ..
لحظات مرت وهو لا يصدق إنه يراها أمامه ولا يعرف ماذا يقول لكن ما يعرفه إن السعادة تسللت لا إراديا ما إن رأها أمامه وفكرة إنها ترفض تركه أسعدته كثيرا …
انتفض نديم من مكانه فجأة لينظر حوله بدهشة قبل أن يستوعب إنه كان يحلم …
تنهد بتعب وهو يمسح على وجهه بكفيه قبل أن ينهض من فوق سريره متجها خارج الغرفة ..
دلف الى المطبخ ليتناول الماء ثم خرج بعدها نحو صالة الجلوس ليجد غالية هناك فهتف قائلا :-
” هل قررتِ الإستقرار هنا يا غالية ..؟!”
ضحكت برقة وقالت :-
” انا هنا لأطمئن عليك … كيف حالك اليوم …؟!”
أجابها بنبرة هادئة :-
” أفضل بكثير …”
” تبدو مرهقا ..؟!”
سألته بإهتمام ليجيب بإختصار :-
” قليلا ..”
سألته بحماس :-
” ما رأيك أن نخرج ونتناول الطعام في احد المطاعم ..؟!”
لا إراديا تذكر ظهر اليوم حيث كان من المفترض ان يتناول طعامه مع حياة لكن للإسف انتهى اللقاء بينهما قبل أن يبدأ ..
” لماذا لا تجيب ..؟!”
سألته غالية بضيق ليجيب بجدية :-
” لا أستطيع اليوم .. اساسا سأتناول العشاء مع وسام حيث سنلتقي في المطعم كي نتحدث بشأن المشروع الذي أفكر فيه …”
قاطعته غالية بحماس :-
” حقا ..؟! هذا رائع …”
ابتسم دون أن يعلق لتتنهد بصوت مرتفع ثم تقول :-
” ستخرج ليلى غدا من المشفى …”
هز رأسه مرددا بهدوء :-
” جيد ..”
” تريد الطلاق لكن عمار يرفض تطليقها …”
نظر إليها بصمت دون أن يعلق لتسأله بتردد :-
” ألن تقول شيئا ..؟!”
سألها بدوره بنبرة باهتة :-
” ماذا سأقول ..؟!”
سألته بصراحة :-
” ألا يهمك أمرها حقا أم إنك تدعي عدم الإهتمام ..؟!”
عقد حاجبيه يردد بضيق :-
” كم مرة علي أن أخبرك إن أمرها بالفعل لا يهمني …؟!”
ترددت وهي تردف :-
” لكنها ستتطلق من عمار قريبا .. هل ستقول بعد طلاقها نفس الكلام …؟!”
زفر أنفاسه وقال :-
” انظري الي يا غالية … انتِ تعرفينني جيدا .. انا لست بحاجة لأن أكذب أو أدعي عكس ما اريده … ليلى جمعنا بها ماضي طويل … لا أظن إنني سأنساها يوما لكنني سأتجاوزها لإنني أدرك جيدا إن عودتنا مستحيلة .. وإن قلبي لن يغفر لها تخليها عني يوما ما مهما حدث …”
صمتت تتأمله بحزن ونبرته المشبعة بالألم أوجعتها ..
حاولت أن تخفي شفقتها وهي تردد بضحكة مصطنعة :-
” لا تقلق .. ستنساها وستجد من تعوضك عنها وقريبا جدا أيضا …”
أنهت جملتها بغمزة من عينها لتسمعه يهتف بصوت جاد :-
” وهذا الموضوع أيضا ستنسيه تماما .. ما تفكرين به لن يحدث .. لقد تحدثت معها وأنهيت كل شيء …”
فرغت فاهها تسأله بصدمة :-
” بمَ تحدثت معها ..؟! ماذا قلت لها يا نديم …؟! ”
تنفس بصعوبة ثم أجاب بجدية :-
” أخبرتها ألا تضع آمالها علي … ألا تربط نفسها برجل مثلي … أخبرتها إنني لا أناسبها ولن أجلب لها سوى التعاسة …”
نهضت من مكانها تصيح بلا وعي :-
” أنت تمزح بالتأكيد .. قل إنك تمزح بالله عليك … ”
ظل على نفس وضعيته وهو يجيب ببرود أغاظها :-
” كلا انا لا امزح .. هذا هو الأفضل لها يا غالية …”
” لست انت من تحدد الأفضل لها يا نديم …!!”
قالتها بقوة ليهتف بتعب من هذا الحديث الذي لا يجلب له سوى الألم :-
” لا تكوني أنانية يا غالية .. لا تحاولي إستغلالها كي تنسيني ليلى … لا تفعلي ذلك ..”
هزت رأسها نفيا تحاول ابعاد تلك التهمة عنها تردد بصدق :-
” انا بالطبع لا أفعل هذا .. من المستحيل أن أسعى لإستغلالها لأجلك … لكنني مشفقة عليها مثلما أشفق عليك … ربما جرحتها بكلامك دون أن تدري … ماذا ستفعل حينها ..؟!”
أجاب بفتور وهو ينهض من مكانه :-
” أجرحها الآن أفضل بكثير من أن أجرحها فيما بعد …”
تركها متجها الى غرفته بينما زقرت غالية أنفاسها بضيق وهي تشعر بالألم لأجل أخيها المستمر في ضياعه ولأجل حياة التي تشعر بأنها تكن شعورا خاصا جدا لأخيها ..
………………………………………………………….
……………………………………………………………….
عادت الى منزلها بملامح واهنة .. رمت حقيبتها ارضا وسارعت تتجه الى غرفتها حيث سريرها فجلست عليه بتعب تضم ساقيها نحو صدرها وعقلها يراجع كل ما حدث وما سمعته منه ..
كلماته ما زالت تتردد داخل أذنها … تحاول تفسيرها بالشكل الصحيح …تحاول إستيعاب حقيقة شعوره نحوها .. تعرف إنه لا يحبها كما تفعل هي وربما ما زال حب خطيبته عالقا داخله .. لا تعرف الكثير عن علاقته بخطيبته لكن تعلم قوة ما جمعهما يوما ..
أخبرها إنه يريدها ويحتاجها .. رغبته في وجودها كانت صادقة .. هو لم يكن يكذب او يجامل …
أخبرها إنه يخشى عليها وهو لا يدرك إنها الأخرى تخشى على نفسها وقلبها المتعلق به ..
تخشى أن تسمح لنفسها بقربه فتتألم وتفقد ذاتها معه ….
شهقت باكية وهي تشعر إن مشاعرها نحوه تؤلمها …
هو يظن إن بكلماته تلك يريحها … إن طلبه بالإبتعاد عنه لصالحها …
هو لا يعلم إنه زاد من حيرتها ، ترددها وصراعاتها الداخليه مع نفسها …
دون أن يدرك وضعها امام خيارين …
الإنصياع خلف مشاعرها والإقتراب منه ومنحه ما يحتاجه منها دون التفكير في عاقبة ذلك او الإبتعاد عنه تماما والنفاذ بروحها حتى لو على حساب قلبها المولع به …
لم تكن تعلم إن الحب مؤلم الى هذا الحد ..
ربما حبها هي فقط هكذا .. ربما لإنها أحبت شخصا لا يناسبها بأي شيء … ربما هي من أحبت الشخص الخطأ …
أغمضت عينيها بوهن تحاول السيطرة على دموعها …
تمددت بجسدها على السرير وهي ما زالت مغمضة عينيها …
مر الوقت تدريجيا حتى غفت في مكانها …
ظلت على وضعيتها لأكثر من ساعتين حتى رن هاتفها فإستيقظت على صوت رنينه لتجد مي تتصل بها ..
أجابتها على الفور ليأتيها صوت مي المرح تطلب منها الخروج للتنزه قليلا بمناسبة بدء الإجازة …
وافقت حياة على الفور وقد شعرت إن هذه فرصة للتوقف عن التفكير بما حدث اليوم والترفيه عن نفسها …
……………………………………………………….
…………………………………………………………………..
دلف عمار الى منزل عائلة ليلى بعدما فتحت له الخادمة الباب وأخبرته إن السيد أحمد والد ليلى في انتظاره …
سار مارا بصالة الجلوس عندما توقف للحظات حيث لمحها تجلس مع ذلك الأحمق ابن عمها وتتحدث بإبتسامة واسعة مرتسمة على شفتيها بكل بلاهة ..
تتحدث معه بكل أريحية ..إشتعلت عيناه بنيران الغضب التي باتت تزداد إتقادا كلما رآها معه …
منذ متى وهو غير مسيطر على أعصابه ..؟! منذ متى وهو هكذا …؟! لماذا الآن بالذات مشاعره نحوها باتت تسيطر على كل إنفعالاته …؟! يحبها منذ أعوام لكنه لم يكن يوما ضعيفا في حبها … لم تظهر مشاعره عليه يوما ..!!
أما الآن مشاعره باتت تتحكم به بشكل يخفيه هو شخصيا … رغبته بها باتت تسيطر على كل حواسه …
يتمنى قربها ويشتهيها كليا بشكل يحرق روحه الهائمة بها …
مالذي تغير ..؟! هو الذي لم يهتم يوما لمشاعره .. هو الذي دعس على قلبه العاشق لها وفضل إنتقامه عليها … كان يدرك إنه يعشقها ولكنه إختار الإنتقام متجاهلا روحه المقيدة بها …
ظل لسنوات يراها بصفة أخت زوجته ولم يظهر عليه يوما أي إهتمام عابر نحوها …
إستطاع أن يحفظ عشقه الشديد نحوها بعيدا داخل قلبه مغلفا إياه بجدار سميك لا يمكن خرقه …
كيف تغير الحال به وأصبح غير مسيطرا على نفسه ..؟!
هل قرب أكرم منها هو السبب ..؟! هل إدراكه لحقيقة إنها تعشق هذا الأحمق وإن إرتباطها الرسمي به بات وشيكا …؟!
حرك قدميه بصعوبة متجاهلا ما يراه متجها حيث مكتب أحمد سليمان والدها …
طرق على باب المكتب ليأتيه صوت أحمد يسمح له بالدخول …
فتح الباب ودلف الى الداخل متقدما نحوه بخطوات رتيبة قبل أن يجلس على الكرسي المقابل له واضعا قدما فوق الأخرى هاتفا بصوت لا يخلو من البرود :-
” نعم يا أحمد بك … ما سبب رغبتك برؤيتي …؟!”
تأمله أحمد بنظرات لا تخلو من الكره والنفور ، لا يعلم كيف وافق يوما على زواج ابنته من هذا الرجل بل كان سعيدا به أيضا …
كان يعلم إن عمار الخولي رجلا قاسيا ، باردا وذو قلب أسود لكن إعجابه بما حققه في مجال الأعمال رغم سنه الصغير وذكاءه الواضح وإسم عائلته جعله يرى فيه الزوج المناسب لابنته الكبرى خاصة بعدما أصاب نديم فسعى لأن ينهي إرتباط ابنته به بسرعة خوفا من إصرارها على البقاء معه وقد تدمر مستقبله تماما وسمعته ايضا لذا جاءت رغبة عمار بالزواج منها في وقتها فظن إن زواج ليلى منه سيحررها من قيد نديم وفي نفس الوقت سيربح هو صهرا يليق به وينتشله من تردي أعماله في تلك الفترة …
أفاق من أفكاره مجيبا على سؤاله :-
” أريد التحدث معك بشأن موضوع طلاق ليلى منك .. علينا أن ننهي الموضوع بسرعة ودون مشاكل …”
نظر إليه عمار بهدوء للحظات قبل أن يسأل ببساطة:-
” ومن قال إني سأطلق ليلى …؟!”
حاول أحمد ضبط أعصابه فردد بجدية :-
” ليلى لا تريد الإستمرار في هذه الزيجة …”
قاطعه عمار بنفس البساطة والهدوء :-
” لكنني أريد …”
بدأ أحمد يفقد أعصابه تدريجيا فقال بنبرة ارتفعت قليلا :-
” ولكنها تريد ذلك ومن حقها أن تنفصل عنك طالما هي تريد .”
منحته عمار إبتسامة ثابته وقال :-
” وهل القرار بيد ليلى وحدها يا أحمد بك … ؟! قرار الإنفصال يجب أن يكون مشتركا بيننا وطالما أنا لا أريد ذلك فلن يحدث الإنفصال ..”
انتفض أحمد من مكانه وقال بصوت سيطر عليه الغضب والحدة :-
” بإمكانها أن ترفع دعوة طلاق عليك وتكسبها يا عمار .. انا فقط طلبت التحدث معك كي ننهي الموضوع بيننا ونساوي كل شيء بالتفاهم لكن إذا كنت مصرا على التمسك بهذه الزيجة فأنا لن أقبل بهذا .. ابنتي تريد الإنفصال ويحق لها ذلك ولا أحد في هذا الكون يستطيع إجبارها على ما لا تريد ..”
هتف عمار ما إن أنهى أحمد حديثه بنبرة شديدة اللامبالاة :-
” إذا المحاكم بيننا يا بك .. ”
أضاف وهو ينهض من مكانه بنبرة لا تخلو من التهديد :-
” ولكن عليك أن تعذرني في حالة قيامي بأي تصرف لن ينال إعجابك أنت وإبنتك المصون …”
” ماذا تقصد ..؟!”
سأله أحمد بملامح محتدة ليسمعه يرد ببرود مغيظ :-
” ستعرف كل شيء في الوقت المناسب ..”
ثم خرج من المكان غير سامحا لأحمد بقول المزيد …
سار خارج المنزل متجها الى الباب الخارجية عندما وجدها تدلف الى الحديقة ويبدو إنها كانت تودع ذلك الأحمق …
توقفت للحظة تتأمل وجوده في منزلها قبل أن تتقدم نحوه تسأله بضيق :-
” أنت ..!! ماذا تفعل هنا ..؟!”
رد بسخرية :-
” جئت لأرى طلتكم البهية ..”
احتدت ملامحها بسبب سخرية فأردف وقد عاد بروده يسيطر على ملامحه ونبرة صوته :-
” والدك من طلبت رؤيتي يا مريم …”
” بشأن طلاقك من ليلي …؟! ”
سألته بإهتمام ليومأ برأسه فجعلها فضولها تسأله مجددا وهي تتمنى أن يصل والدها معه الى اتفاق يحرر ليلى منه :-
” وعلامَ إتفقتما ..؟!”
رد بتسلية :-
” لن تصدقي …!!”
عقدت حاجبيها تسأله بإستغراب وفضول شديد :-
” مالذي حدث بالضبط بينكما .. ؟!”
منحها عمار إبتسامة باردة وأجاب :-
” اتفقنا على إنني سأطلق ليلى …”
إنفرجت ملامح مريم بسعادة وقالت بعدم تصديق :-
” حقا ..؟!!”
لكن كل هذا إختفى ما إن سمعته يضيف بملامح مستمتعة :-
” والمقابل هو زواجك مني …”
صاحت بعدم تصديق وقد تشنجت ملامح وجهها بالكامل :-
” أنت تكذب …”
ردد بهدوء راسما على ملامحه الجدية الشديدة :-
” ولمَ سأكذب ..؟! لقد خيرت والدك .. طلاقي من ليلى مقابل زواجي منك وهو إضطر للموافقة … لا سبيل آخر لديه للحفاظ على حياة أختك بعد محاولاتها قتل نفسها … والدك يعرف جيدا إنكِ لست مثلها فأنتِ قوية ثابته من المستحيل أن تؤذي نفسك مهما حدث اما ليلى فهي للأسف ضعيفة مترددة لا حول لها ولا قوة فلا تعرف القيام بشيء غير البكاء على الاطلال …”
صاحت بصوت منفعل عالي وقد بدت على وشك الإنقضاض عليه وقتله في مكانه :-
” أنت تكذب .. والدي لا يفعل بي هذا … ”
تقدمت بخطوات سريعة منه تقف في وجهه وتصرخ بأعلى صوتها :-
” أنت كاذب لعين يا عمار … والدي لن يفعل بي هذا خاصة إنني سأتزوج من أكرم خلال شهرين وهو بنفسه وافق على هذه الزيجة بل وحدد موعدها …”
الجمود الذي سيطر على ملامحه جعلها تشعر إنها تسرعت فيما قالته وقبل أن تنطق بحرف واحد كان يقبض على ذراعها دافعا إياها نحو الحائط خلفها وجسده الضخم يحيط جسدها …
” أعيدي ما قلته ..؟!”
سألها بصوت قاسي مخيف بث الرهبة داخلها لكنها تماسكت وهي تشمخ برأسها تجيبه بثقة كاذبة :-
” سنتزوج انا وأكرم هذا الصيف … خطبتنا بعد خروج ليلى مباشرة من المشفى والزفاف في غضون شهرين …”
اقترب منها ببطأ فإرتفعت نبضات قلبها خوفا مما سيقدم عليه بينما بدت عيناه الخضراوين كجمرتين مشتعلتين حتى قال بصوت ضاعف من خوفها منه :-
” إياكِ أن تفعليها يا مريم .. سوف تجنين على شاب لا ذنب له بشيء سوى إن حظه الأسود جعله يتقدم لخطبتك …”
حاولت السيطرة على أعصابها وهي ترد بصوت جاف :-
” أنا آخر من تخشى تهديداتك السخيفة يا عمار .. انا لست ليلى ولن أكون …”
” لا تجربي اللعب معي يا مريم لإنك ستخسرين حتما… ولا تستهيني بما أقول لإن هذا سيكون غباءا منكِ .. أنتِ لا تعرفين عمار الخولي وما بوسعه أن يفعل يا صغيرة …”
دفعته وهي تردد بسخط :-
“دعني إذا أرى ماذا بإمكان عمار الخولي أن يفعل …؟!”
اللمحة الشيطانية التي إرتسمت على ملامحه أرعبتها لا إراديا بينما لسانه هتف بهدوء مهيب :-
” سترين يا مريم .. سترين وتندمين حينها …”
نظرة متوعدة أخيرا ألقاها عليها قبل أن يهم بالإنصراف لكنها أوقفته وهي تقول :-
” كنت تكذب بشأن أتفاقك مع والدي .. كنتِ تتلاعب بي … والدي لا يمكن أن يضحي بي مهما حدث …”
منحها نظرة هازئة وهو يرد :-
” تتحدثين عن والدك وكأنه لم يفعلها من قبل .. وكأنه لم يسعَ لتزويج ليلى مني كي يحافظ على أمواله وشركاته ..”
شعرت بطعنة نافذة من كلماته وهي تدرك إن أحد الأسباب التي دفعت والدها لإقناع ليلى بالزواج منه هو خوفه من خسارة شركاته بسبب صفقاته الخاسرة في تلك الفترة ولكم ترك هذا آثرا سيئا داخلها وغير من نظرتها تجاه والدها فلم تستطع تجاوز تصرفه هذاك وظهر هذا بوضوح عليها عندما نأت بنفسها بعيدا عنه ..
حاولت الحفاظ على رباطة جأشها وهي تهتف بثبات :-
” ذلك كان في الماضي أما الآن فهو لن يكرر خطأه ويسلمك ابنته الثانية بعد كل ما فعلته في الأولى …”
هز رأسه بعدم اهتمام ثم اندفع خارجا من المكان ونيران الغضب تحرق قلبه وروحه ..
…………………………………………………………………
بعد مرور ثلاثة أيام ..
رنين جرس الباب أيقظه من نومته لينهض من مكانه متجها خارج الغرفة يحاول تخمين هوية القادم فوسام من المفترض أن يأتي بعد ثلاث ساعات من الآن كما اتفقا مساء البارحة ..
فتح الباب ليجدها أمامه فوقف ينظر إليها بدهشة صريحة فتبتسم هي بضعف قبل أن تحييه بصوت مبحوح :-
” صباح الخير نديم ..”
تأمل وجهها الذي ما زال يحمل آثار تعبها الأيام السابقة بوضوح قبل أن يجيب :-
” صباح النور ليلى…”
ضغطت على حقيبتها التي تحملها بيدها وسألت بتردد :-
” هل يمكنني الدخول …؟!”
” تفضلي …”
قالها بنفس الهدوء لتتقدم الى الداخل تتأمل الشقة الذي زارتها مسبقا وخرجت منها مكسورة مليئة بالخذلان …
إلتفتت نحوه ما إن سمعت صوت إغلاق الباب لتجده ينظر إليها بصمت وترقب فقالت بثبات :-
” كنت عند المحامي … رفعت دعوة طلاق على عمار …”
لم يعرف ماذا يقول فإلتزم الصمت لتضيف :-
” أعلم إنك تتسائل داخلك عن سبب قدومي إليك …”
اومأ برأسه وهو يؤكد حديثها :-
” هذا بالضبط ما أفكر به …”
تنحنت تهتف بجدية :-
” جئت لأحذرك يا نديم …”
” ماذا تقصدين …؟!”
سألها بإستغراب لتأخذ نفسا عميقا ثم تشرح له ما جاءت لأجله :-
” عمار لن يمرر تلك الدعوة مرور الكرام .. سيفعل المستحيل ليؤذيني ويؤذيك …”
” هل هددكِ ..؟!”
سألها بنبرة متحفزة لتجيب بصوت مرتجف :-
” لقد هددني إنه سيتهمني بالخيانة معك اذا ما أصريت على أمر الطلاق …”
صمت للحظة يحاول إستيعاب مدى حقارة عمار ليهتف بلا مبالاة حقيقية :-
” ليفعل ما يريد … أيا ما سيقوله لن يهمني بشيء …”
” انا فقط خائفة عليك منه … ربما يؤذيك عمدا كي يجعلني أتراجع عن قراري …”
قالتها بخوف ظهر واضحا على ملامحها ليتنهد قائلا وهو يحاول إزاحة خوفها هذا فهو لا يريد أن يكون سببا في تراجعها عن قرارها او تعاستها :-
” لا تهتمي لأيا مما يقوله يا ليلى … إفعلي ما تريدين ولا تتردي في ذلك لأجلي مهما حدث …”
تقدمت نحوه بخطوات مترددة فوقفت أمامه تخبره وهي تنظر الى عينيه بقوة :-
” سأفعل يا نديم .. سأتطلق منه … لن أستمر في زيجة فاشلة كهذه … زيجة لم أجنِ منها سوى القهر والعذاب … ”
أضافت ببحة متألمة :-
” انا فقط أحتاجك يا نديم … أحتاج دعمك ووقوفك جانبي …”
سيطر الإرتباك عليه من كلامها هذا ولم يعرف ماذا يقول وهو يراها بهذا الضعف الغريب ..
وقبل أن يفكر في الرد المناسب كان جرس الباب يرن فإتجه يفتحه محاولا الهروب من حصار عينيها …
فتح الباب ليتجمد في مكانه وهو يراها أمامه تنظر إليه بنفس الملامح الثابته التي رأها بها في حلمه …
” حياة …!!”
قالها بنبرة لا تخلو من الإستغراب قبل أن يشعر بليلى تقف وراءه فتتجمد ملامح حياة لا إراديا ما إن رأتها …
لحظات قليلة من الصمت قطعتها حياة وهي تهتف بنبرة مرتجفة قليلا :-
” انا اعتذر .. لم أكن أعلم إن هناك ضيفة عندك .. سأذهب الآن …”
وقبل أن يوقفها كانت تفر هاربة من أمامه ..

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية حبيسة قلبه المظلم)

اترك رد