روايات

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الرابع 4 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الرابع 4 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم البارت الرابع

رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء الرابع

حبيسة قلبه المظلم
حبيسة قلبه المظلم

رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة الرابعة

في صباح اليوم التالي …
عاد الى منزله منهكا يشعر بأثقال الدنيا كلها محمولة فوق جسده …
دلف الى الداخل بعدما فتحت الخادمة له الباب ترحب به بينما هو لا ينظر إليها حتى …
سار بخطواته نحو غرفته في الطابق العلوي تتبعه الخادمة حيث سارعت لإخبار والدته عن عودة إبنها بعد غياب ليلتين كاملتين …
دلف الى غرفته وأغلق الباب خلفه ثم سارع في خلع سترته ورميها أرضا …
اتجه نحو الحمام الملحق بالغرفة حيث وقف أمام المرآة من جديد يتأمل ذاته .. يرى في نفسه شخصا آخرا لا يشبه الشخص الذي كان عليه إطلاقا …
أغمض عينيه مستندا على حافة المغسلة لتزوره ذكرى ما حدث البارحة بسرعة فيفتح عينيه بنفس السرعة وهو يشعر بشيء ما ثقيل يجثم على صدره ..
عيناه الزرقاوان احمرتا بقوة وذكرى ليلة البارحة تقتحم فكره تدريجيا منذ إستسلامه المخزي ونومه مع تلك العاهرة ..
لأي مستوى منحط هبط هو وأي مستنقع قذر أغرق نفسه فيه ..؟!
كان الذنب يقيد روحه بقسوة يفاقمه حقيقة إنه إستسلم لرغبته فيها بكامل وعيه وإرادته ..!
ماذا كان ينتظر مما فعله ..؟! الشعور بالراحة ..؟! الشعور بالسعادة ..؟!
لا يعلم لمَ فعل هذا وكيف انحدرت تصرفاته على هذا النحو لكنه يعلم إن خطيئته كبيرة وإن الأخلاقيات التي تربى عليها ذهبت سدى ..
لقد كان أضعف من أن يقاوم شيطانه ويسيطر على إنفعالاته ورغباته …!!
فتح صنبور المياه وبدأ يغسل وجهه عدة مرات بقوة حتى أغلق الصنبور وحمل المنشفة يجففه عندما سمع صوت والدته وهي تقتحم الغرفة بلهفة …
أعاد المنشفة إلى مكانها وخرج إليها بملامح ذابله لتقترب منه بسرعة وتسأله بلهفة وعيناها تتفحصانه بقلق :-
” هل أنتِ بخير يا نديم …؟! أين ذهبت يا بني ..؟! كدت أن أموت من خوفي عليك ..”
كان ينظر إليها بضعف شديد وملامح تملؤها الهزيمة فهتفت بسرعة وقد شعرت بمدى ما يعتمل داخله من عذاب :-
” ماذا حدث يا بني ..؟! ما بالك تبدو هكذا ..؟! أخبرني يا نديم .. بمَ تشعر يا بني وماذا يحدث معك ..؟! أنا أمك وأكثر من يفهمك …”
” أريد الموت …”
شهقت بعنف ثم جذبته نحو أحضانها تهتف بترجي :-
” بعيد الشرك عنك .. لا تقل هذا يا بني .. لا تفعل بي هذا يا نديم.. أرجوك يا بني …”
إبتعد عنها وجلس على السرير بوهن مرددا :-
” لم يعد لدي رغبة بأي شيء يا أمي … لقد فقدت كل شيء … تدمرت حياتي وانتهى مستقبلي …”
أردف بصوت ضائع :-
” كل شيء من حولي يخنقني … لا أستطيع التعامل مع كل شيء … ليتني بقيت في سجني .. كان سيكون أفضل من وضعي وما أشعر به الآن ..”
” لماذا تشعر هكذا يا بني …؟! أعلم إن خسارتك كبيرة ولكن عليك تجاوزها … نحن جميعنا حولك ومعك ”
” كيف سأتجاوزها وأنا أعلم جيدا إنني لن أستطيع العمل في مجال دراستي الذي أحببته كثيرا الى الأبد ..؟! وماذا عن نظرات الناس التي ستتوجه نحوي بكل تأكيد ..؟! كيف سأتجاوز نظراتهم الموجهة نحوي والمليئة بالإزدراء … ؟! وكيف سأتجاوز حقيقة إنني سجنت بقضية مخجلة لن يتقبلها الناس ..؟!”
جلست بجانبه تربت على كفه وهي تقول محاولة التهوين عليه :-
” لست اول من يسجن ظلما يا نديم ولن تكون الأخير …. هل جميع من حدث معهم ما حدث معك سيفعلون مثلك .. ؟! سيفكرون بالإختفاء او يتمنون الموت ..؟! لا يا نديم .. انت رجل تجاوزت الثلاثين من عمرك .. رجل يستطيع الإعتماد على نفسه وتجاوز عقباته .. الحياة ما زالت طويلة وأنت عليك أن تحارب نفسك قبل أي شيء كي تتجاوز مشاعرك هذه وماضيك الذي لم يكن لك ذنبا فيه …”
نظر إليها بعينين موجوعتين لتكمل بتعقل :-
” أعلم إن طريقك ليس سهلا على الأطلاق وإنه ينتظرك الكثير من الصعاب لكن أعلم أيضا إنك قوي وستهزم كل ما يقابلك من عقبات … ”
وعندما لم تجد ردا هتفت بجدية :-
” إجلس قليلا مع نفسك يا نديم وفكر جديا في الطريقة التي ستهزم خلالها ضعفك هذا .. حاول أن تفكر فيما ستفعله لإحياء ذاتك من جديد يا بني .. فكر في عملٍ مستقل .. فكر بما ينتظرك وكيف ستنظم حياتك من جديد .. اسمع كلامي يا بني .. أعطي لنفسك فرصة كي تتجاوز كل ما مررت به ..”
وبعد لحظات من الصمت هز رأسه بصمت لتبتسم والدته بحنو وهو تربت على كتفه بدعم …
…………………………………………………………….
كان ممددا على سريره بعينين مفتوحتين تتطلعان الى السقف بشرود تام ..
عقله مليء بالأفكار التي لا تنتهي ومشاعره مبعثرة هنا وهناك ..
لا يدري ماذا يفعل وكلمات والدته تتردد داخل أذنه ..
هل ينهض بنفسه من جديد وهل يوجد أمل لذلك ..؟!
هل يستطيع الحياة من جديد في وسط مجتمعه الراقي وهل سيستطيع تجاهلهم تماما ..؟!
الأمر شاقا للغاية عليه وهو الذي اعتاد أن يجذب أنظار الجميع دوما بالإهتمام والإعجاب …
كيف يتعامل مع وضعه الجديد وكيف يتقبله …؟!
عاد يفكر بليلى ووجودها مع عمار في نفس المكان بمشاعر ثائرة …
وجوده في الفيلا معهم يصعب الأمر عليه ويزيد من همومه أضعافا …
كيف يتقبل وجودها مع أخيه أمام عينيه ..؟!
هذا الأمر بالذات لا يستطيع التعامل معه …
إنه لمن المستحيل تقبله والإعتياد عليه ..!!
عند هذه النقطة ومع ذلك الشعور الحارق الذي إقتحمه أخذ قراره بالرحيل ..
سيغادر الفيلا ويذهب الى مكان آخر يبقى فيه ..
لن يبقى معهم في مكان واحد مهما حدث …
لن يتحمل قلبه ولا وضعه المتأزم شيئا كهذا …
نهض من مكانه مقررا جمع بعضا من ملابسه وأغراضه مبدئيا كي يغادر حالا ..
هو غير مستعد لرؤيتها او رؤيتهما سويا أبدا ولن يتحمل ذلك الشعور الذي شعره عندما رأهما لأول مرة قبل يومين ..!!
أخذ يرمي بعضا من ملابسه بعشوائية في الحقيبة …
كان يلملم ما يحتاجه بسرعة حينما سمع طرقات خفيفة على الباب …
ترك ما بيده واتجه نحو الباب وفتحها لينصدم بها أمامه تنظر إليه بملامح يملأها الشوق .. شوق لا يخطأه أحد ..
شعر بالضعف يجتاحه لا إراديا وشوقه يعصف به يأمره بإحتضانها وتفريغ شوقه ذلك ..
سيطر على مشاعره وملامحه التي رقت قليلا بقوة بينما همست هي بصوتها الرقيق :-
” كيف حالك يا نديم ….؟!”
سألها بإقتضاب يحاول السيطرة على مشاعره الثائرة المشتاقة لها والغاضبة منها في نفس الوقت :-
” لماذا جئتِ ..؟!”
ضغطت على شفتيها للحظات وعينيها لمعتا بقوة لترد بعد لحظات بصعوبة :-
” جئت لأقول الحمد لله على سلامتك و …”
” هل زوجك يعلم بمجيئك إلي …؟!”
خرج سؤاله باردا رغم هدوئه المصطنع لتشعر بصفعة قوية تعيدها الى وعيها وإدراكها حقيقة إنه تغير نحوها وهذا ما كانت تتوقعه لكن أن يحدث أمرا واقعا شيئا آخر ..
ترقرقت الدموع داخل عينيها وهي تجيب بصوت مبحوح :-
” كلا ، لا يعلم ..”
ثم أكملت وهي تسيطر على دموعها تحصرها داخل عينيها بقوة :-
” لا أظن إنه توجد مشكلة في رؤية ابنة خالتي والإطمئنان عليه بعد خروجه من السجن الذي بقى به لعدة أعوام ..”
كان يقسو على نفسه بشدة كي يظهر بهذا البرود والثبات …
في داخله شعوران متناقضان .. أحدهما يتمنى أن يحتضنها ويقبلها ويطفئ شوقه نحوها … وشعور آخر يتمنى أن يعاتبها ، يصرخ بها ويفعل أي شيء ليجعلها تشعر بكل ما عاناه بسببها …
” أتمنى ألا ينزعج زوجك حقا من وجودك هنا فلا أظن إن هناك رجل عاقل يسمح لزوجته بزيارة خطيبها السابق حتى لو كان ابن خالتها يا مدام ليلى ..”
نظرت إليه بعينين دامعتين معاتبتين تتمنى لو بإمكانها الصياح عليه بألا يتعامل معها هكذا … ألا يعاملها كغريبة بعدما كانت أقرب الناس إليه …
تطلع إليها بضيق من تلك النظرات التي ترمقها بها بينما أخذت هي نفسها مقررة الرحيل فوجودها هنا كان خطأ خاصة وهي تقف أمامه لا تجد ردا مناسبا على حديثه ولا تستطيع أن تقول أي شيء يناسب هذه اللحظة …
هتفت أخيرا بصوت خافت متردد :-
” انا جئت فقط لهذا السبب وسأرحل الآن …”
ثم تحركت بخطوات آلية بعيدا عن المكان تتابعها عيناه بملامح فارغة حتى إختفت من أمامه ..
………………………………………………………..
أكمل إعداد حقيبته وأغلقها بإحكام فسمع صوت طرقات على بابه من جديد يتبعها دخول غالية عليه وهي تهتف بسعادة :-
” وأخيرا عدت يا نديم …”
إبتسم لا إراديا عندما إندفعت نحوه تضمه فيضمها بدوره …
إبتعدت عنه بعد لحظات تهتف بسعادة :-
” كيف تتركنا ليومين وأنا لم أشبع منك ومن وجودك بعد …؟!”
أكملت بجدية :-
” والدتي كانت ستموت من القلق عليك يا نديم .. لا تفعل هذا بها مرة أخرى أرجوك …”
أضافت برجاء :-
” نحن لا نقوى على الحياة بدونك يا أخي …”
إبتسم بخفة ثم قال بشعور نابع من أعماق قلبه :-
” إشتقت إليك كثيرا يا غالية …”
” وأنا أكثر يا نديم …”
قالها بفرحة وهي ترمي نفسها داخل أحضانه تحيط جسده بذراعيه بعفوية تامة …
طبع قبلة على قمه رأسها بينما انتبهت وهي داخل أحضانه الى تلك الحقيبة فإبتعدت فورا متجهة نحوها تشير إليها وتسأله :-
” ما هذه الحقيبة يا نديم ..؟!”
صمت للحظات ثم أجاب بثبات :-
” سأترك الفيلا يا غالية ..”
صاحت بلا وعي :-
” ماذا تقول أنت ..؟! ستترك الفيلا يا نديم .. !! ستترك منزلك وتتركنا نحن أيضا ..!!”
لم يجب عليها فأضافت بصوت متشنج :-
” لماذا تفعل هذا بنا يا نديم ..؟! لماذا تؤلمنا بهذا الشكل …؟!”
” افهميني يا غالية أرجوك … أنتِ بالذات يجب أن تفهميني … أنا لا أستطيع البقاء معها في مكان واحد … لا أستطيع تقبل هذا … الأمر أصعب مما تتصورين بكثير

كانت تعلم إن هذا سيحدث وإن أخيها لن يتقبل أبدا وجوده مع عمار وليلى في مكان واحد لكنها حقا لا تريده أن يرحل …
طوال السنين السابقة كانت تنتظره مع والدتها وتعدان الأيام سويا وهما تنتظران عودته إليهما سالما ..
” ولكن نحتاجك يا نديم ..”
تكلم محاولا تهوين الأمر عليها :-
” وأنا سأكون دائما معكما يا غالية … ستجداني وقتما تحتاجاني عندكما … انا فقط لا أستطيع … إفهميني من فضلك ولا تضاعفي من همومي أكثر ..”
شعرت غالية بالضيق من نفسها فهي لم تفكر بوضعه هو ومشاعره بينما أرادت بأنانية أن يبقى بجانبها …
تعلم إن معه كل الحق فهو من الصعب عليه أن يتقبل كل هذا …
كما إنها في داخلها تعلم إنه بحاجة الى الأبتعاد قليلا … الإنفراد بنفسه وتنظيم أفكاره عله يستعيد القليل من نفسه الضائعة …
” أعتذر يا نديم … لم أكن أقصد الضغط عليك .. انا فقط ..”
قاطعها بجدية :-
” لا تعتذري يا غالية .. أتفهمك جيدا .. ”
أكمل بعدما أطلق تنهيدة متعبة :-
” إعذريني أنتِ أيضا يا غالية .. إعذريني لإنني أتصرف على هذا النحو ..”
إبتسمت مرددة بصدق :-
” أرجوك لا تفعل .. أنت أخي وأبي وصديقي يا نديم … أنت أخر شخص يمكن أن أتضايق منه …”
إبتسم رغم آلمه ليسمعها تردف :-
” لكن ماذا عن والدتي …؟! ستحزن بالتأكيد …”
نظرت الى تعبه الذي يظهر على ملامحه بوضوح فأكملت بسرعة :-
” سأتحدث أنا معها وأقنعها … لا تقلق من هذه الناحية ”
اومأ برأسه متفهما ثم منحها إبتسامة محبة وهو يخبرها :-
” أشكركِ يا غالية … ”
أسترسل وهو يتجه نحو حقيبته :-
” أنا سآخذ حماما سريعا ثم أذهب لتوديع والدتي وآخذ منها مفتاح شقتها …”
” ستذهب الى شقة والدتي إذا …”
هز رأسه وهو يقول :-
” نعم سأبقى هناك … ”
” جيد .. وأنا سأذهب لأخبر والدتي بقرارك وأقنعها بضرورة ذهابك الى هناك ..”
خرجت غالية بعدها خارج الغرفة متجهة الى والدتها بينما اتجه نديم نحو الحمام ليأخذ حماما سريعا ثم يغير ملابسه ويودع بعدها والدته ويرحل …
……………………………………………………………….
فتح عينيه سامعا صوتها وهي توقظه برفق :-
” إستيقظ يا عمار .. ستتأخر على موعدك …”
إعتدل في جلسته بسرعة بعدما إستعاد وعيه كاملا ليجدها تقف أمامه بقميص نومها القصير تهتف به :-
” الحمام جاهز وينتظرك … ”
نهض من فوق سريره فيظهر جذعه العالي عاريا وبنطاله البيتي …
سار بخطوات متكاسلة نحو الحمام بينما أخذت هي تعدل الفراش …
وقفت بعدها آمام المرآة تتأمل قميص نومها المثير والأنيق في نفس الوقت وملامح وجهها الجميلة والتي زاد من جمالها تزيينها بمستحضرات التجميل بعناية …
إلتقطت روبها القصير فوق قميص نومها وأغلقته بخفة ثم خرجت من الغرفة كي تعد له إفطاره المكون من قهوته الخالية من التحلية وقطعتين من التوست السادة …
خرج بعد مدة وهو يعدل من هندامه لتخبره وهي تبتسم له :-
” قهوتك جاهزة ..”
سار نحوها حيث جلس أمامها حاملا قهوته المرة يرتشف القليل منها ثم يقضم من قطعة التوست بعدها ….
” هل ستعود مساءا هنا ..؟!”
سألته بإهتمام ليرد عليها بإقتضاب :-
” لا أعلم .. ”
تبرمت وهي تهتف به :-
” أصبحتِ لا تأتي هنا إلا قليلا … هل ستأخذك زوجتك مني …؟!”
التوى فمه بتهكم مرددا ببرود :-
” تتحدثين وكأني أطيق البقاء معها ثانية واحدة …”
” لماذا تزوجتها إذا طالما إنك لا تطيقها الى هذا الحد ..؟!”
سألته وهي تنظر إليه بينما إرتشف هو المزيد من قهوته ورد بعدها :-
” ألم أخبرك مسبقا يا بوسي .. زواجي لغرض محدد لا غير … ”
أكمل وهو ينظر الى كوب قهوته بشرود :-
” ليلى كانت هدفي منذ زمن … منذ أن أدركت حقيقة مشاعره نحوها … كانت هي الفريسة التي بإصطيادها سأحقق الجزء الكبير والأهم مما أتمناه …”
” هل تخبرني إنك كنت تخطط لهذا منذ أعوام ..؟!”
سألته بتعجب وإهتمام شديد فهذه المرة الأولى التي تحصل منها على معلومات بشأن زيجته وأسبابها رغم إنها تعلم بالسبب الأساسي لهذه الزيجة وهو الإنتقام من أخيه لكنها لا تعلم بالتفاصيل مما جعلها تشك أحيانا بحبه لزوجته وإنكاره لذلك ليس سوى رغبة في الحفاظ على كبرياءه إلا إن ما تسمعه الآن وتراه من جدية على ملامح وجهه يؤكد صدق ما يقوله …
” منذ أعوام طويلة يا بوسي … منذ أن كبرت قليلا وإستوعبت كل شيء ”
عاد ينظر إليها وهو يهتف ساخرا :-
” هل لديك سؤال آخر يا بوسي ..؟!”
هزت رأسها وهي تسأله :-
” ألا تنوي تطليقها ..؟! ”
قست ملامحه وهو يجيب بهدوء مخيف :-
” مستحيل .. ليلى لن تتحرر مني إلا في حالة واحدة وهي موتها …”
شعرت بالرهبة للحظة من تلك القسوة التي كست ملامحه التي أصبحت جامدة كالرخام وعينيه اللتين أصبحتي قاتمتين سوداوين متخليتين عن لونيها الأخضر الجذاب …
سيطرت على شعورها هذا وهي تهم بسؤاله ليقاطعها ببرود :-
” يكفي الى هنا .. لا مزاج لدي بسماع المزيد …”
ثم حمل هاتفه من فوق الطاولة وخرج من الشقة تاركا إياه تتابعه بملامح منزعجة …
……………………………………………………………
خرجت نانسي من غرفتها وهي تعدل من هندامها الأنيق قبل أن تهبط درجات السلم متجهة خارج منزلها ..
” إلى أين ..؟!”
صدح صوت أختها متسائلا فإستدارت نحوها تجيب بإيجاز :-
” سأخرج مع أصدقائي …”
تقدمت أختها نحوها تهتف بنبرة جدية :-
” أنت تخرجين يوميا منذ الصباح الباكر ولا تعودين حتى المساء …!!”
أضافت تسألها بإرتياب :-
” أين تقضين كل هذا الوقت يا نانسي ..؟!”
إحتدت ملامح نانسي وهي تصيح بها :-
” ماذا تقصدين يا هايدي ..؟! انتبهي على حديثك من فضلك … أخبرتك إنني أذهب مع صديقاتي .. لماذا لا تفهمين …؟!”
ردت هايدي بغضب :-
” وأنتِ لا ترفعي صوتك علي .. أنا خائفة عليكِ .. لماذا لا تفهميني أنتِ أيضا …؟!@
جاءت والدتهما على صوت صياح إبنتيها تسألهما بقلق :-
” ماذا حدث ..؟! لماذا تتشاجران ..؟!”
نظرت نانسي الى والدتها تخبرها بعصبية :-
” ابنتك تحقق معي يا ماما .. إنها تتحدث معي بنبرة غريبة وكأنها تشكك بي ..”
” أنا خائفة عليكِ لا أكثر … لماذا لا تفهميني …؟!”
أردفت تخبر والدها :-
” إنها لا تتواجد في المنزل سوى وقت النوم … أين تذهب كل هذه المدة ومع من ..؟!”
وقبل أن تصيح نانسي بها من جديد كانت والدتها تهتف مؤيدة أختها :-
” أختك معها حق يا هايدي … أصبحتِ لا تتواجدين في المنزل إلا نادرا … أين تذهبين ..؟!”
أكملت وهي تقترب من ابنتها بملامحها التي تجهمت :-
” أين تذهبين يا نانسي ..؟! أخبريني وإلا منعتك من الخروج ..”
صدح صوت نانسي حادا عاليا :-
” تمنعيني ..؟! هل تمزحين يا ماما ..؟! هل أنا طفلة صغيرة حتى تمنعيني من الخروج ..؟!”
” كلا لستِ صغيرة ولكنكِ تتصرفين كذلك … من حقي أن أعرف أماكن خروجك ..”
قاطعتها نانسي بتأفف :-
” أخبرتكِ إنني أخرج مع أصدقائي …لماذا لا تصدقوني ..؟!”
سألتها والدتها بنبرة ذات مغزى :-
” حقا ..؟! ألا يوجد شيء آخر تخرجين لأجله ..؟!”
أكملت وهي تلاحظ توتر ملامح ابنتها :-
” بالتأكيد علمتِ بأمر خروجه …!! ”
” عمن تتحدثين …؟!”
سألتها نانسي بإرتباك بينما تكلمت هايدي بعدم تصديق :-
” من تقصدين يا ماما ..؟! نديم الخولي ، أليس كذلك …؟!”
أردفت وهي تنظر إلى أختها :-
” ألم ننتهِ من نديم هذا … ؟! ألم تنسيه بعد ..؟!”
صرخت نانسي وقد فقدت سيطرتها على أعصابها :-
” كلا لم أنسه ولن أفعل .. أنا أحبه.. لماذا لا تفهمان ..؟!”
جذبتها والدتها من ذراعها تخبرها بشدة :-
” إياكِ أن تنطقيها مرة أخرى .. هل فهمت ..؟! ألم أخبرك مسبقا و أحذرك من العودة الى هذا الموضوع ..؟! ”
حررت ذراعها من قبضة والدتها تصيح بنزق :-
” نعم حذرتني ولم أفعل .. ماذا ستفعلين ..؟! كيف ستجبريني على التخلي عنه ..”
” انا لا أفهم حقا .. مالذي يعجبك بخريج السجون هاذ …؟!”
نظرت نانسي إليها وقالت بنبرة مستفزة متعددة :-
” يعجبني كله … هل إرتحتِ ..؟!”
” لقد فقدت ابنتك عقلها تماما يا ماما …”
قالتها هايدي بعصبية بينما رددت نانسي بلا مبالاة :-
” أنا حرة في حياتي وحرة فيمن أحب وأريد … هل فهمتما …؟!”
اندفعت خارج المنزل بعدم إهتمام تاركة الإثنتين تنظران الى بعضهما بقلق لتنفجر هايدي:-
” ابنتك ستفضحنا …إنها تلتصق كالعلكة به وهو بالتأكيد لن يرفضها هذه المرة كما فعل مسبقا … كيف يرفضها من الأساس وهي أصبحت الوحيدة من ترضى به بعدما حدث معه ..؟!”
أكملت وهي تلوي فمها بتهكم :-
” بالطبع سيقبل .. من سترضى بخريج سجون مثله …؟! لن يجد فرصة كهذه أبدا …”
رمقتها والدتها بنظرات مستاءة ثم تحركت بإنزعاج بعيدا عنها وعقلها مشوش بإبنتها وجنونها بذلك الرجل …
……………………………………………………………
خرج من الفيلا بعدما ودع والدته وأخته يجر حقيبته خلفه يلقي نظرة أخيرة على منزله قبل أن يتفاجئ بها تخرج من الفيلا خلفه ..
تأملها وهي تسير نحوه ثم تقف أمامه تسأله بضعف :-
” ستترك الفيلا حقا ..؟!”
نظر الى الحقيبة للحظة ثم عاد ينظر إليها وهو يهتف ساخرا :-
” ماذا ترين …؟!”
” لماذا يا نديم ..؟! لماذا تترك منزلك ..؟!”
سألته بصوت شجن ليأخذ نفسا عميقا ثم يزفره ببطأ ويقول بعدها :-
” مغادرتي الفيلا يجب أن تحصل لا محالة … وجودي هنا معكما في مكان واحد أمر غير مقبول بالنسبة لي …”
قاطعته بجدية :-
” أنا لم أكن أرغب في السكن هنا لكن عمار من أصر …”
إلتوى فمه بإبتسامة جانبية وهو يردد :
” أعلم ذلك .. تصرف متوقع منه …”
” إذا كانت المشكلة تكمن بي فأعدك إنني لن أخرج من غرفتي أبدا طوال اليوم .. فقط ابقَ هنا يا نديم … ارجوك …”
كانت ترجوه بصوتها الرقيق والذي ما زال يترك آثرا به رغم كل شيء …
سألها بصوت باهت :-
” لماذا تطلبين مني البقاء يا ليلى ..؟! ما غرضك من كل هذا ..؟!”
ردت بعينين ولهتين وصوت حنون :-
” ألم تفهم بعد يا نديم ..؟! ألم تفهم إنني لا أريد أن أكون سببا في إيذائك بأي شكلٍ … لا أريد أن تخرج من منزلك الذي ولدت وكبرت فيه بسببي ..”
” ألم تفعلي يا ليلى ..؟! ألم تكوني سببا في إيذائي ..؟!”
خرجت نبرته حارة معاتبة تحمل الكثير من مشاعر الوجع الذي تسببت هي به دونا عن الجميع …
ترقرقت الدموع الحارة داخل عينيها عندما مدت كفها تلتقط كفه تخبره بعينيها الباكيتين ونبرتها الصادقة :-
” لم أرغب بأن أكون سببا في ذلك أبدا … أنت تعلم يا نديم … تعلم ما أنت بالنسبة لي .. وما أشعره نحوك …”
قبض على كفها الممسك بكفه ضاغطا عليها بقوة هاتفا بقسوة تشبه قسوة قبضته :-
” ربما لم تستوعبِ ِ بعد مع من أنتِ تتحدثين يا مدام ليلى … أنتِ تتحدثين مع أخ زوجك .. أخ زوجك يا مدام … كيف تفعلين هذا وكيف تتجاوزين حدودك الى هذا الحد ..؟!”
أكمل وهو يردد بتهكم مرير :-
” كيف تخبرني عن شعورك نحوي … ؟! هل تظنين إن الذي يقف أمامك الآن هو نديم …؟! خطيبك وحبيبك ..؟! أفيقي يا ليلى .. أنا لم أعد نديم الذي كنتِ تعرفينه .. وأنتِ لم تعودي ليلي حب عمري ورفيقة الدرب .. انا لم أعد خطيبك وحب عمرك ..!! أنا أخ زوجك … فقط لا غير ..”
كان يتحدث وهو يقبض على كتفيها يهزها بعنف وكلماته تقتلها بلا رحمة حتى وجدها تهبط على ركبتيها تصرخ بإنهيار :-
” يكفي .. يكفي أرجوك … لا أستطيع التحمل بعد .. لم يعد لدي القدرة على تحمل المزيد …”
إبتعد عنها قليلا يناظر إنهيارها بقلب منهك بينما رفعت هي وجهها نحوه أخيرا تصيح به بوجع :-
” إرحل .. إرحل يا نديم .. إرحل أرجوك … ”
………………………………………………………..
حل المساء وهو يسير على البحر يتأمل أمواجه الهادئه هذا اليوم بملامح شاردة هادئة …
كان قد قضى اليوم بكامله نائما في الشقة بعدما وصل إليه ليستيقظ بعد العصر وهو يشعر بالجوع فخرج ليتناول شيئا من أحد المطاعم ثم قرر الذهاب الى البحر والمشي هناك قليلا …
توقف بعد لحظات بجانب احدى المسطبات ينظر أمامه وعقله تراوده الكثير من الأفكار ..
لا يستطيع أن يقول إنه شعر بالراحة بعد خروجه من الفيلا لكنه على الأقل لا يشعر بنفس الضيق والإختناق …
تنهد بصمت وهو يفكر فيما سيفعل بعد الآن وماذا سيعمل ..؟! نعم عليه أن يعمل في أقرب وقت فهو بالتأكيد لن يظل يطلب الأموال من والدته …لم يفعلها وهو في سن أصغر وبالتأكيد لن يفعلها بعد الآن …
فجأة صدح صوت صراخ فتاة فإلتفت نحو الخلف ليجدها تصرخ في شابين يحاولان التحرش بها ..
سارع في الذهاب نحوها مبعدا الشابين عنها واللذان هربا فورا ما إن هم بضرب أحدهما …
هبطت الفتاة نحو الأسفل تجذب حقيبتها الملقية الى الأرض ثم رفعت جسدها نحو الأعلى ونظرت الى الشاب الذي أنقذها لتتسع عيناها بعدم تصديق …
لقد كان هو .. بشحمه ولحمه .. من سيطر على أفكارها طوال الأيام السابقة وزارها في حلمها أيضا ..
سألها نديم غير منتبها لنظراتها الغير مصدقة وجودها أمامه :-
” هل أنتِ بخير يا آنسة ..؟!”
بينما هتفت هي بلا وعي :-
” نديم ..!!”
سيطرت الدهشة على ملامحه من معرفتها إسمه وهو لا يتذكر إنه رآها من قبل بينما أدركت هي ما تفوهت به لتعض على شفتها السفلى بقوة ..
” عفوا .. هل تعرفيني ..؟!”
سأله بإستغراب ليجدها تتحرك بسرعة وهي تردد :-
” كلا .. لا أعرفك ..”
نظر إليها غير مستوعبا ما تفعله فمنذ لحظة ذكرت إسمه ويبدو إنها تعرفه جيدا وفجأة تحركت مقررة الرحيل وهي تنكر معرفته ..
وجدها تقدمت خطوات قليلة ثم توقفت في مكانها وهي توليه ظهرها ..
رفع حاجبه محاولا فهم تصرفاتها الغريبة تلك ليجدها تلتفت نحوه وهي تهتف بإستيحاء وتلعثم :-
” أنا أعتذر .. يعني أنا أعرفك ولكن …”
صمتت تحاول صياغة حديثها بينما سألها هو بفضول :-
” من أنتِ ومن أين تعرفيني ..؟!”
قضمت شفتها السفلى قليلا قبل أن تسيطر على توترها الذي تسبب به صدمة رؤيته أمامها بصدفة لا تحدث سوى في الافلام ..
أجابت أخيرا بهدوء وهي ترسم الثبات على ملامحها :-
” انا حياة .. حياة ابنة فاضل حارس الفيلا يا بك …”
…………………………………………………
دلف الى الداخل ليجدها تجلس على السرير وهي تبدأ في كفكفة دموعها ..
نظر إليها مرددا بضيق :-
” كالعادة لا تفعلين شيئا سوى البكاء … اقسم لكِ إنني مللت بل قرفت منك أيضا …”
اندفعت تنهض من فوق مكانها تصرخ بإنفعال :-
” أنت قرفت إذا .. قرفت يا عمار باشا أليس كذلك … ؟! وماذا عني أنا ..؟! هل أخبرك بشعوري نحوك ونحو حياتي معك ..؟! أنا مللت ونفرت وكرهت وقرفت وإشمئزيت منك ومن وجودي معك …”
قبض على شعرها بقسوة يهتف بحدة مخيفة :-
” تتجاوزين حدودكِ كثيرا يا فتاة … أصبحت بحاجة إلى التأديب …”
حرر شعرها وقبض على وجنتيها بأنامله يكمل وعيناه تحومان حول وجهها بتوعد :-
” هل ترغبين بتأديبك على طريقتي الخاصة …؟! هل تودين ذلك ..؟!”
دفعته وهي تصيح متسائلة بإنهيار :-
” لماذا تفعل بي هذا ..؟! مالذي تريده مني ..؟! لماذا لا تتركني ..؟! ألم تحقق إنتقامك بعد ..؟! ألم يكفيك ما فعلته بي حتى الآن ..؟!”
أكملت منتحبة :-
” لفقت له تهمة لم يفعلها وسجنته لأعوام .. أنهيت مستقبله ووصمته بذنبٍ لم يرتكبه سيوصم بعاره حتى الأبد … سرقتني منه وتزوجتني إجبارا و عذبتني معك لسنوات .. مالذي تريده بعد …؟! أخبرني …”
إشتعلت نظراته بحقد دفين بينما لسانه يخبرها بلهجة مخيفة :-
” أريد الكثير .. الكثير يا ليلى …”
” طلقني .. طلقني … لا أريد البقاء معك ..”
قالتها بعدما حملت المزهرية الموضوعة على المنضدة ورمتها أرضا ليرد مستهزءا بها :-
” لن أطلقك يا ليلى .. تريدين الطلاق كي تعودين إليه ، أليس كذلك …؟!”
نظرت إليه بعينين متوسلتين بصمت يقابلها هو بنظراته الباردة ويفكر داخله إن تلك الغبية لم ولن تفهم إنها إنتقامه الأكبر الذي لن يتخلى عنه مهما حدث ..
عندما لم تجد سوى الجمود منه قالت ببكاء:-
” لماذا تفعل بي هذا …؟! أنا لم أفعل بك شيئا .. لم أؤذك يوما .. ما ذنبي لتفعل بي كل هذا …؟!”
” ذنبك هو .. هو ذنبك يا ليلى …”
قالها بإعصاب هائجة ثم أكمل بإبتسامة شامتة :-
” ألم تتزوجي بي لأجله …؟! ألم تضحي بنفسك لأجل حمايته ..؟! تحملي نتيجة تضحيتك يا عزيزتي … ”
مسحت دموعها بأناملها ثم تحدثت بصوتها المبحوح :-
” وماذا إن رفعت قضية طلاق ..؟! ”
قاطعها بقوة :-
” سأطلقك حينها لكنني لن أتردد لحظة واحدة في قتله بعدها .. ”
ذبلت عيناها وقد سمعت ما كانت تنتظره منه …
تهديداته التي لا تنتهي والتي تعلم جيدا إنه يستطيع تنفيذها بسهولة فهو فقد قلبه منذ زمن ولا أمل فيه …
أخفضت وجهها بيأس ليبتسم وهو يعلم إنها تستسلم من جديد …
تقدم نحوها يقبض على ذقنها يرفع وجهها نحوه فتنظر إليه بملامح منهكة لتسمعه يهمس وهو يميل نحوها :-
” إشتقت إليك يا زوجتي العزيزة …”
إبتعدت عنه وهي تنكمش على نفسها :-
” لا أريد … إياك أن تقترب مني …”
إنقض عليها قابضا على رسغيها بكل قوته بينما عينيه لمعتا ببريق مخيف إنبأها بما ينتظرها …

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية حبيسة قلبه المظلم)

‫3 تعليقات

  1. جميل ياقلبي 😍
    بس عندي سؤال محيرنى هو نديم هيبقي مع ليلي ولا حياه
    اتمني يكون مع ليلي

  2. جميل ياقمر بس عندي سؤال محيرنى هو نديم هيبقي مع ليلي ولا حياه في الاخر اتمني يكون مع ليلي بليز بليز ردي ♥️♥️

اترك رد