روايات

رواية أترصد عشقك الفصل الثاني والخمسون 52 بقلم ميار عبدالله

رواية أترصد عشقك الفصل الثاني والخمسون 52 بقلم ميار عبدالله
رواية أترصد عشقك البارت الثاني والخمسون
رواية أترصد عشقك الجزء الثاني والخمسون
أترصد عشقك
أترصد عشقك

رواية أترصد عشقك الحلقة الثانية والخمسون

بعد مرور شهرين،،،
تركتك
والفؤاد فى بعدك يتلظى فى نيران الغربة
والوحدة
والصمت شريك بائس على رصيف الأمل للغفران
فلا الهجران يشفى
ولا النسيان يدمل الجروح.
تنفس مضطرب يخرجه سرمد وعينيه لم تستأنس بعد غرفته التى شب بها منذ الصغر، بغض النظر عن سفرياته فى السنوات السابقة المنصرمة، لكن كان يشتاق للمنزل
يشتاق لوالدته، لغرفته، لعائلته.. لكن هو عاد منذ شهرين .. منذ آخر مرة هاتفها قبيل سفره
ارخى رأسه وابتسامة شبه موؤدة على شفتيه
يخبر نفسه وهو ينظر الى حاله
طريح الفراش
عاجز الجسد والقلب
حتى فى أشد حالات نوبات جنونه التى تبدأ فى الليل لا يستطيع أن يخرجها من عقله
هى سـم .. سـم مميت قاتل اندس بخسة داخل أوردته، واستحفل حتى انتشر في كامل جسده وأصابه
ابتسامة ساخرة زينت شفتيه، وصراخ صديقه غسان الذى اصبح ملازم كأخ له فى محنته لن ينساها به قط
ربما ما يهون عليه مرارة ايامه وجود صديق يعتمد عليه، فخسارته لعمله بعد اعتذاره عن المشروع الكبير الذي كان يعمل عليه بعد أن قطع أشواطا كبيرة ليظفر بأن يكون هو المصور الذى سيتولى هذا المشروع بذاته وبعدما كاد يلمس عنان السماء بقبضة يده القى بقوة على سفح الأرض… قطع حبل افكاره المتشائمة دخول غسان بابتسامة كئيبة
ونحول سرمد البارز أصبح يقلقه ويفجع عائلته
تسائل بصوت ساخر متهكم فى باطنه
-لم تنساها، حتى الآن.. بل لم تغرب عن بالك قط
يجز على اسنانه وهو لا يتصور سرمد، صديق الدرب يصبح بحالة بائسة، ولم يرى من الفتاة التى ألقى فى فوهة البركان مرتين أى ردة فعل عظيمة تظهر مدى اهتمامها به
بل هو يشك فى مقدار الحب عندها، يراها دائما منكمشة، خائفة، مترددة
لا تناسبه مطلقًا، لا تقدر شخص مثله
لكن جانب خفي في أعماقه يخبره أنها تتأثر مثله
وما فعله الراقد على الفراش، شاحب الملامح، شارد الفكر أنه حطم أواصر الحب بينهما
لكن رغما عنه يدافع عن صديق عمره، ويسب المرأة مئات الشتائم النابية بعيدا عن آذان الآخر الذى يتحول الى ذئب مدافعًا عن أنثاه!!
أنثاه!!! حطم المرأة
ولكونه صديقه، فلا يستطيع سوى أن يقف فى صف دفاع صديقه، استمع الى صوت سرمد المحطم بالألم
-هناك أنواع من الالالم لا تستطيع نسيانها، بل كل ما يمكنك فعله هو أن تعتاد عليه، وأنا أعتاد على ذلك النوع من الألم
اجابته لم يكن يرغبها، وهو يراه يحبس نفسه داخل شرنقة الانعزال، تقدم خطوات غاضبة، تكاد الأرضية تبث شكواها، ليتقدم تجاه فراش الآخر، وبيده الحرة امسك به ذراعه ليهدر فى وجهه
-اللعنة يا رجل، لم نتفق مطلقا على أن نسقط فى حب امرأة، ألم يكن هذا اتفاقنا
يستجدي عودته، عودة الذئب الخاص به، لطالما كانا ثنائيا مثاليا ورجلان بارعان في استقطاب النساء، رفع سرمد عينيه وهو يهمس اسمه بصرامة
-غسان
وصرامته هنا يطالبه بالراحة، والسكون، اللذان بدأ يعتاد عليهما منذ وقت ليس بقليل، رغم انه مر شهران لكن اللعنة يشعر انه فى فراشه لعشرون عاما!!!
ولكى يلهيه تساءل بصوت مرح جاهد في اظهاره
-كيف حال قريبتك، منذ أن سافرت وانت تلازمنى أكثر من أمى التى تبعد عدة أبواب عن غرفتى
عبس غسان بضيق وهو يجلس بجواره على فراشه ليقول بنبرة جادة
-أنت أخي يا أحمق، لن أتركك طريق علاجك سنسيره معًا
ثقة غسان على علاجه الذى يعلم انه ليس سهل ويسير كما اخبروه الاطباء، بل وان تعالج لن يستطيع ممارسة عمله كالسابق، تأفف ظاهريا وهو يضيق عينيه قائلا بتساؤل مستنكر
-وامرأتك
زفر غسان بسخط وهو يعلم سبب اسئلته اليومية عنها، رغم مراوغته فى كل يوم
لكن جانب خفي عن أعين صديقه يغلي كمرجل، الفتاة الله أعلم ماذا تفعل مع خطيبها هي بهيئتها العبثية الأقرب لكائن أنثوي يشتهيها كرجل.. عض على نواجذه وهو يطرد شبح صورتها لينظر الى عينى صديقه المترصدتين له، ومع ابتسامته الواسعة
تم اسقاطه فى الفخ بنجاح!! اضطر اسفًا لأن يقر باعتراف مصغر
-تستطيع أن تقول مجرد حالة انجذاب، وتبدو سعيدة معه.. من أنا لأنغص حياتها انه مجرد اعجاب سيزول مع مرور الأيام
ابتسامة ماكرة زينت شفتى سرمد وهو يمد بذراعه يلكز صدر الأخر الذى تأوه بوجع مصطنع
-عجيب أمرك، حتى الأمس كنت تخبرني انه لا يوجد شئ، ما الذي جد؟
هز رأسه بلا معنى وهو يجيبه بحبور شديد رافعا ساقيه على الفراش
– تعجبنى صراحة عائلة النجم، حتى أصبحت من شيمى هذا الصباح
حدجه سرمد بنظرة قاتلة وهو يرى ساقيه موضوعة على فراشه النظيف غمغم بحدة
-رائع سيد غسان، والان اغرب عن وجهي أريد أن أكون بمفردى لعدة دقائق قبل أن تأتي العائلة
لكن لكون غسان يعلم أن سرمد يراوغ فى الكلام، أخبره بصراحة شديدة
– لم يكن عليك أن تهاتفها يا سرمد
أجفل سرمد لوهلة، لم يكن من المفترض أن يكون موضع حديثهما عنهما، بل عن الأحمق الآخر الذى يراه يضيع فرصة حب عمره، ويقول كالاحمق انها اثارت فقط مشاعر ذكورية بداخله، تبًا لغباء صديقه!!
تنهد بحدة ودوامات عقله تكاد تنفجر من كثرة الضغوطات ليقول ببؤس مشيرًا لموضع قلبه
– معك حق، لكن هذا اللعين يجعلنى اتألم لحالها، لقد حطمتها فوق حطام سنواتها الماضية
اتسعت عينا غسان شررا، والأحمق الغبى ما زال يدافع عنها بل ويعطيها اسبابها، زمجر بخشونة وهو يقول بشراسة
-انظر الى حالك يا رجل، انت من تضررت بغباء عقلك، انت من لن تستطيع السير مرة اخرى ان لم تأتى معى للمشفى.. اخبرنى هيا من سيرابط جوارك حتى موتك .. والدتك تريد من يعتني بها أما شقيقك الاحمق ستمر عليه لحظة سيكون بها عائلته الخاصة، لن يكون أحد متفرغ لك كما الوقت الحالى.. سنكون معك لكن ليس كسابق عهدنا.. ان لم تنفض عنك استسلامك المقيت هذا، أقسم بعزة جلالة الله سأقوم بحملك حتى المشفى
اتسعت عينا سرمد جحوظًا من انفجار صديقه، حسنًا كان الايام السابقة يتعامل معه بحذر، حتى اقتراحه بالعلاج فى المشفى لا يتعدى الدقيقة الواحدة ليتحجج هو بالتعب، لكن يبدو ان الاخر قد بلغ الصبر منتهاه، نكس رأسه متخاذلا وهو يعلم أنه يؤذي نفسه
ولكن كيف يفعلها ومعذبة فؤاده لن ترضى عنه مطلقًا… لم تعطيه أى اشارة خضراء، أو بادرة ليحاول حتى!!
تركته فى ظلمات وحوشه..
صاح صوت انثوى صارم من باب غرفته
– غسااان
احتقن أذنى غسان حرجًا وهو يرى نظرات والدته اللائمة، أكثر ما يود أحزانهم هي غيداء، المرأة التي تعامله كطفل ثالث حقيقى بين اطفالها المجانين، نكس رأسه بخجل حقيقي ليغمغم
– اسف والدتى
امتنعت غيداء عن الابتسام كى لا تفسد منظر الأمومى الصارم، حدجت سرمد الغاضب الذى صاح باستنكار تام كابنها سامر
-كف عن قول والدتى، هى والدتى انا
لاعب غسان حاجبيه بشقاوة ماكرة وهو يغمز له بخبث
– اثبت لى اذا عكس هذا
زفرت غيداء بيأس وهى تصرخ لكلاهما قبل أن يتحول المشاكسة الخفيفة لشجار حقيقى
– كفا عن المشاجرة، كل صباح بنفس المشاجرة العنيدة من كلاكما
ألقى غسان نظرة ذات مغزى لسرمد الذي أشاح بوجهه بعناد بغل، يتصرف كبغل حقيقى ولو فقط يعلم كم تبكى غيداء بعيدًا عن عين طفلها
لو تعلم عائلته مقدار ما يخفونه من آهات موجعة كي لا يتأثر هذا الحمـار !!! لكن يبدو أن الآخر بحاجة ان يفيق من جنونه ليعلم إلى مدى تعانى عائلته من رؤيته هكذا، غمغم سرمد بنبرة جادة وهو ينظر الى عينى غسان
-اتركيه يا امااه يخرج ما في جعبته
ابتسم غسان بخفة ونظرات الشرر انطلقت كعلامات تحذيرية للآخر الذي لن يستقبل طلبه سوى بكلمة نعم ليعود بنظرة نحو غيداء التى تنظر نحوهما بهدوء..
ايماءة خافتة التقطتها غيداء من غسان لترتسم شبح ابتسامة تفاؤل ليقول غسان بنبرة حذرة
-سأتركك حتى المساء لتقرر، وإن لم تقرر دعنى أكون أنا المسؤول عن قراراتك القادمة المصيرية
ثم قرر الاستئذان ليشيعه سرمد بنظرات قاتلة ليغمغم بحنق حينما غادر باب غرفته
-احمق
اقتربت غيداء بتؤدة وابتسامة ناعمة تزين وجهها، استكان سرمد فوريًا وهو يراها تجلس بجواره وتمسك ذراعه، ترفع عيناها تتأمل ملامح وجهه مليًا
لقد تغير صغيرها، لقد تغير وأصاب داء العشق سهامه فى قلبه
وعينيه تصرخان نداءً لإمرأة من الصعب أن تسامحه
مررت اناملها على كف يده لتقول بهدوء
-ألم يحن الوقت لنفكر بنضج يا عزيزى
ادار سرمد عينيه وهو يهمس ببؤس مصطنع
-أمى ليس انتى ايضا
تلك المرة لم تستطيع ان تخفى وجعها ولهفتها على صغيرها، من سيعتنى به لو حدث لها شيئًا، بل من سيهتم به ؟!! غمغمت بحشرجة مختنقة
-انت تؤلمنى هكذا يا صغيرى، لم اعتاد عليك هكذا مستسلم بائس مهزوم
ضغط سرمد بكف يده على اناملها، ودمعة خائنة غادرت عينه ليهمس لها باختناق
-ليس بيدى أقسم لك
يظنون انه معجب بحالته البائسة تلك
مخطئون تمامًا
هو يكاد يصل لحافة الجنون من اداركه لحالته.. ينظر من عين متشائمة لمجرى حياته المستقبلية
هو يعلم ما قاله غسان حقيقى، لكن كيف يتابع حياته وهو يعلم أن الأخرى لن تتابع حياتها كمثله!!
انتبه على صوت والدته من شروده
– أعلم أنك تعاقب نفسك على ما جنيته، وما اقترفته بحقها، لكن يا صغيرى الحياة لا تقف عند هذا اليوم
احتقنت عيناه وهو ينظر اليها يكبح دموع تخرج بدون سيطرة فى حضرة والدته فقط
هو الرجل العظيم، الذى كان يعيش حياته بتهور، فقط امرأة واحدة يكشف لها جوانبه الداخلية، احتياجاته ومشاعره أمام والدته
غمغم بقسوة وهو يشدد على أناملها
-لن تسامحنى يا امااه
مالت تطبع قبلة ناعمة على وجنته الحليقة، وعادت تنظر الى وجهه والألم الموشوم على وجهه.. همست تطرد وساوس شياطينه
– اترك الايام هى تداوى الجروح، وانت يجب ان تفيق من حالتك تلك، تحتاج العودة الى طريقك الذى ضللت عنه
عض باطن خده بقسوة وشعوره بالتقصير تجاه ربه السنوات السابقة جعلته يعلم الى أى مدى قذارة وصل اليها
يعلم انه كاد يصل للوحل بذاته، لكن امه تربت على قلبه بربتات حانية
تطرد وساوس شياطينه التى تجعله يتمادى فى طغيانه
تسكن روعة قلقه، تنحر خوفه
ايمان امه به جعله يحارب كل شئ ليصبح كائن مسالم
ورغم ما وصل اليه خلال الشهرين المنصرمين، انين القلب يصرخ مناديًا الآخرى
يحاول أن يبحث عنها .. يعلم أحوالها
هل ارتبطت كما اخبرته فى المشفى، هل والدها جعلها ترتبط برجل غيره؟!
أيوجد أحد يطبطب و يداوي جروحها؟
أيوجد لمحة رجل مهتم بإزالة آثار حبه ويوشم حبه لقلبها العليل؟!
كل تلك التساؤلات تؤرق جسده، وتجافى عينيه ليعانى السهاد فى لياليه الجحيمية
لعن العشق من بين عقله، والله لو علم ان امرأة كتلك سيكون لها تأثير مدمر على رجل مثله ما غامر وقاتل معها قط!!
رفع عينيه وهو يلاحظ صمت والدته لكن عينيها تبوح بالكثير، يقرأ الألم المرتسم بعينيها وتداريه بابتسامتها
ماذنبك يا امى لتتحملى طفل كبير مثلى؟!!
ماذنبها لتتحمل نتيجة خطؤه هو؟!
ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيه وهو يشدد من احتضانها كف يدها، طالبا فى صمت مؤازرتها لمحنته
-أشعر بالقرف تجاه نفسى يا اماه، اشعر اننى صغير حينما ادعو الله أن يشفى قلبها من سُمى
اتسعت عيناها وقد أجفلها للحظة مدى اهتمامه بالأخرى، لمعت عيناها بالدموع لتسارع باحتضانه بشدة، تسأل الله أن يربط على قلب ابنها والمرأة لتهمس في اذنه لتهمس بصوت ثابت معزز بالأيمان
– اوقف شياطين عقلك يا ولدى، الله عز وجل قال “يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ، وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ، وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا، لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً” ماذا تريد اكثر من هذا، هيا ازيل هذا العبوس والافكارالسيئة وظن خيرا دائمًا
إنبثاقة أمل انفتحت في أبوابه المغلقة والحديث يرن فى أذنه، لف ذراعه حول ظهرها ودفن وجهه في صدرها هامسًا
– احبك
ابتسامة شقية ظهرت على شفتيها، ونبرة صوته أصبحت أقل اهتزازا، طبعت قبلة على شعر رأسه الذي يستطيل عائدا لطبيعته لتهمس
– وانا احبك يا صغيرى
وعلى الباب كان كلا من غسان وسامر ومحمد ينظرون الى الاب وابنها، رفع سامر عيناه تجاه ابيه بتساؤل ليقول محمد بجدية لأبنه
-اتصل بالمشفى، اخبرهم أننا سنخضع للعلاج رغم عن أنفه
ارتسمت ابتسامة ظفر على شفتى غسان ليغمغم بحدة
-ان كنت تعشقها لتلك الدرجة يا احمق، عود لها مرة آخرى على قدميك واطلب المغفرة حتى تغفر عنك
اجابه سامر بشقاوة، وهو يتخيل عودة شقيقه الصاخب مرة اخرى فى المنزل
-يبدو الايام القادمة ستكون مسلية لشقيقي
لوى غسان شفتيه ببؤس، وهو ينظر تجاه سرمد تارة والى سامر تارة أخرى، وهاجس خفى يخبره أن الأحمق ربما يكون مثل أخيه حينما يسقط فى العشق، غمغم بحدة
-ادعو ان لا يكون برأس حمار ويرفض العلاج
همس محمد تلك المرة بصرامة، يخرس كلاهما قائلا
-لن يفعل، لن يكسر بخاطر والدته، هيا انصرفوا الآن كل شخص الى مصالحه
انسحب الرجال من الغرفة ليقول غسان بمشاكسة طريفة لمحمد
-أتطردنى من بيتك يا عمى
صاح سامر بفظاظة شديدة
– بت أشك أنك أخي من مكوثك هنا لولا علمى انني من آخر من سكن رحمها
انهى سامر كلماته بوقاحة شديدة، وفى نفس لحظة انتهائه تفاجئ بمن يسحبه من ياقة قميصه جاذبا اياه بعنفوان ليسقط عيناه على عيني والده العابس والشرر المتطاير فى عينيه جعل يزدرد ريقه متسائلاً بخشية
-هل ستتحول لكائن هالك الآن وتهدم المنزل فوق رؤوسنا
كاد غسان ينفجر مقهقها لولا علمه بجديه الآخر، لذا وضع كف يده على فمه ليسمع هدر محمد فى وجه ابنه بصرامة
-اسمع يا وقح، تواقح مع من شئت من النساء إلا امرأتي أفهمت !!!
اومأ سامر يهز رأسه ببلاهة عدة مرات ليجيبه
-أمرك والدى
ابتسم محمد ببرود ثم دفعه بقوة ليسقط فى ذراعي غسان الذي تدارك والتقطه ليصيح محمد بصرامة
-هيا اغربوا عن وجهي، لا اريد رؤيتكم حتى وقت العشاء يا فاسدين الأخلاق
واستدار راحلا تاركا الرجلان ينظران الى بعضهما ليغمغم سامر ببؤس مصطنع
-اللعنة يا رجل، والدى ما زالت قبضته مؤلمة حتى الآن لا أستطيع التغلب عليه فى الملاكمة الودية الإ ورأيته يبرحنى ضربا واسقط فى الفراش لعشر ايام
ابتسم غسان بخبث وهو يجذبه بقوة قائلا
– هيا بنا لنشغل عضلاتنا القوية فى الملاكمة الآن، لا تقلق ستكون ودية للغاية
وضع سامر يده على يتحسس الكدمات التى ستزين وجهه بعد تلك المباراة الودية ليقول
-اللعنة
******
فى حى عاصي،،،
الأجواء تزداد اشتعالا فى الحى مع اقتراب زفاف عاصى.. تحية تعمل على قدم وساق فى جعل الزفاف أقرب وقت ممكن بعد تأخره لشهر بسبب عمتها التي أخذت مرضها كحجة لعدم حضورها… لكن الآن .. تقف هى على باب منزلها تستقبل التهانى والمباركات، وبالطبع لا تنسى بعض النظرات الحاقدة والغيرة التى تلمع فى أعينهم.. لكن قررت ترك ما يعكر صفوها وركزت بعينيها على أميرة حفيدها
المرأة التى كانت تحلم بها طوال الأعوام السابقة، لن تنكر أن الله رحيم بها جدًا بداية من عاصى حتى الآن اطمئنت على زوجته التى لن تتردد فى اعطاء عينيها له!!
فرت الدموع من عينيها وهى ترى حماسة الفتاة والحنانة تقوم بعرض بعض الرسومات ومن بين حيرتها وترددها اخذت باراء صديقاتها اللاتى جلبتهن معها كي تحتفل بليلة حناء مختلفة عن التى قامت بها منذ يومين…
اقتربت جيهان بكل اريحية من وجد، وبدأت علاقة الفتاتان تتوطد خلال الفترة السابقة لتقول بحماس شديد وهى تشعر بالأجواء فى الافراح الشعبية أفضل بكثير من الذى قامت به منذ يومين حيث قضت الفتيات اليوم من بين صالونات التجميل ومراكز الاستجمام
-ايوا بقى هى دى ليلة الحنة ولا بلاش
انفجرت وجد ضاحكة معر رقصات جيهان المائعة مع بعض الفتيات على أصوات الزغاريد والطبول.. رفعت عينيها تجاه آسيا وقد آلمها قلبها تجاه ملامح آسيا الخالية من أى ملامح حياة!!
لا تعرف كيف انقلبت حياتها منذ يوم وليلة حينما اصرت على الطلاق، و وقتها تقسم أنها رأت لؤى آخر غير الذي تعرفه، بدى أكثر وحشية وشراسة .. بل كائن بدائي يعلن عن ملكيته لأمرأته المتوحشة
كادت تنفلت ضحكة ساخرة وهى ترى ملامح اسيا صارخة الجمال، لتحزن على حالتها، فبعد قرارها الذى لا رجعة به فى الطلاق واصرار لؤى على رفض طلبها، تدخل جدها بأخذ آسيا للعيش معهم مرة اخرى فى المنزل.. وجعل لؤى يسكن بعيدا فى منزلهما وتحت نظرات الدهشة التي ساورتهم أذعن لؤى بالنهاية لكنها لن تنسى رؤية لؤى وهو يرشق نظرات تملكية لآسيا.. كانت أول مرة ترى لؤى يتخلى عن رسميته وبروده وقد طفقت تعابير رجل يحارب لاستعادة حب عمره!!
وبدأت وصلة عذاب لكلاهما، أصبحت آسيا هادئة .. لا تثير جدلا مع عمتها، بل ترمقها بكل شفقة جعل عمتها تتسع عيناها بدهشة، تكرس ذاتها فى العمل، رافعة طلب الطلاق الودى امام جدها طالبة ان يستعيد حفيده التعقل وعدم التكبر ليلبى طلبها
وفى المقابل.. ستعيش مع جدها فى المنزل
وان رفض سترفع دعوى طلاق وحينما تكسب القضية ستسافر عائدة الى بلادها..
لا تعلم ما الجنون الذى تفكر به اسيا، لكن مع ذهابها ليلا كل يوم وسماع بكاءها الخافت قررت دعمها حتى الجد استسلم وبدأ يدفع لؤى لان يلبى طلبها وقد ترك له مهلة حتى يوم زفافها اما بالرفض او القبول.. وفى النهاية سيطلقها منه وستكون حفيدته بجواره..
اقتربت آسيا حينما لاحظت علامات التعاطف على وجه وجد، لا تود عكر صفو مزاجها وهى تميل لتجلس بالقرب منها قائلة بابتسامة ناعمة
– تعرفى احسن قرار انك عملتى ليلة الحنة هنا، تحسى الأجواء هنا شعبية لا وكمان شبه اللى بشوفه فى الافلام
ربتت على يدها قائلة بابتسامة واسعة وعينيها تلمعان بشغف
– اى خدمة يا مدام آسيا انتى عارفة نحن دائما نلبي طلب الزبون
ثم جذبتها ببعض القوة لتجلس بجوارها قائلة
– تعالى ارسمى حنة، انا اتفقت مع الحنانة انها هتعملك رسم عرايس زى ما كنتى عايزة
تجهمت ملامح آسيا وفورا ضاع قلبها للحبيب الجاحد الذي اعتمد على رسائل الضغط، يخبرها فى كل مرة دون حاجة للافصاح بلسانه، بل عينيه كفيلتان لتخبرها انه لن يتنازل عنها
التمليكة منه محببة في وقت سابق، لكن الآن يبدو كوحش قام احد عن طريق الخطأ بشد ذيله ليخرج من مخدعه!!
وهى بكل اصرار تعبث معه، تثير عقله برحيلها وما يجعله يكاد ينهار حارقًا كل الاخضر واليابس أنها تلقت دعم العجوز
لن تكذب وتقول انها صفت كامل عدائها معه، لكنه الوحيد الذي سيجعلها تصل لأهدافها وان كان بينهما مصالح مشتركة، حتى الآن تتعامل معه بألقاب رسمية وهو بدأ يوزع بعض من حنانه الذي أراه مع وجد لها، مرة واحدة فقط رأت دموعه وهو يحدثها عن والدها ومن بعدها رفع ستار مشاعره عنها حينما وجد عدم استجابة منها!!!
القت نظرة تجاه الرسومات الخاصة للحناء، ابتسمت بفتور لتقول بمزاج متعكر اصبح صديقها الدائم لها
– لا مليش مزاج حاليا ليها، انا بحب بس اتفرج وهي بترسم
زمت وجد شفتيها لتقول بحدة
– انا قولت انك هتعملى، يعني هتعملي
رفعت اسيا حاجبيها لتبتسم وجد بنعومة فى وجهها، ونظرة الاستعطاف خاصتها جعل اسيا تزفر بحدة لا تصدق الفتاة تؤثر بها لتلك الدرجة، جاء صوت جيهان مقاطعا لحديث الفتاتان
-على فكرا لو هى رافضة انا موافقة عادى
غمزت لها وجد قائلة بنبرة ذات مغزى
– انتى كدا كدا ليكى دور يا جيجي، متعرفيش وسيم موصينى عليكى قد ايه
عضت جيهان باطن خدها وهى تحاول التحكم فى مشاعرها، أو أن تشق راس ذلك الوقح لنصفين… ألم يخبرها بهذا الامر منذ الصباح ان ترسم فى مناطق معينه لا يراها أحد غيره، ما داعي للتأكيد على ابنه عمه!!!
التفت جيهان رأسها تجاه آسيا، المرأة التي بدأت تتقبلها نوعا ما… ليس لانها صديقة وجد او لأنها ابنة عمهم، بل تراها اقرب صورة لشقيقتها البائسة التى تراها تدفع نفسها داخل العمل دون التفكير بحياتها، قالت بصوت مرح كى لا تعكر صفو وجد
– عموما الحنانة اللى هتيجى ممكن تعملك أشكال معينة، فوفا شاطرة جدا فى الرسومات
همت آسيا بسؤال عن المدعوة بفوفا الا ان صوت فتح الباب وصوت تحية الهادر تجاه الفتاة جعلها تعلم انها المسماة بفوفا
– ما لسه بدرى يا هانم، نموسيتك كحلى
وأفضل وسيلة اتخذتها فوزية هى الهجوم تجاه تحية، لتميل بغتة مقبلة كلتا وجنتيها مرددة عبارات التى يتناولها الجميع فى مناسبات الفرح
-ما عقبال ما شوفت بابا وجهزتله العشا، الف مبروك لعروستنا وعريسنا، فين العروسة
لوت تحية شفتيها تجاه الفتاة، همت ان تعطيها محاضرة عن الوقت، لكنها قررت ان تشد اذنيها بعد انتهاء الفرح لتقول بتهكم
– جوا الاوضة يختي، خشي انجزززى
نظرت فوزية يمينا ويسارا لتسارع بإخراج العسلية كى لا تقبض عليها اسماء متلبسة لتقول بمكر
-الله يا توحا، مكنش العيش والملح، والعسلية يا قمر انت
لمعت عينا تحية بشغف تجاه العسلية، وتلك الفتاة الشقية تعلم ضعفها جيدا، نظرت الى العسلية التى ترشيها به لتهم بأخذه منها الا ان يد أخرى امتدت للعسلية لتقول اسماء بأسف مصطنع تجاه تحية
– ايوااا، ادخلى بقى انتى من الحتة اللى بتوجعها، وبعدين مفيش عسليات غير لما الدكتور عاصى يسمحلها
زمجرت تحية بعصبية وهي ترى اسماء تتناول العسلية بتلذذ لتجز على أسنانها هامسة بصوت منفعل
– الله ما تموتونى احسن، جرا ايه يا اسماء قالبة بوزك ليه .. مش كفاية البومة عمتها مأخرة شهرين عشان رجليها اتكسرت ومرة عشان فيه انتيكات ملهاش لازمة، رغم انى متأكدة لا متكسرة ولا نيلة بس شوية لعب عشان تأجل الجوازة
انفجرت فوزية وهى ترى اسماء تغيظ تحية التى على وشك خلع حذائها وضربها لتصفق بكلتا يديها قائلة
-الله عليك يا ست توحا وانت عامل زى محقق كونان كدا
لوت تحية شفتيها وهى لا تعلم كيف تتحمل فتيات هذا الجيل، كان الله فى عونها حقًا وليعين أى رجل عليهما واولهما تلك فوزية، لتقول بغضب
– كونان ايه ونيلة ايه، انا لو عليا كنت اجيبها من شعرها الولية دى واعرفها ان الله حق، بس مرضاش ازعل البسكويتة.. كله يهون عشان خاطرها
حاولت الفتيات كبح ضحكاتهم وهن تريان تحية تتخيل جميل تحت قبضة يدها، لتنظر تحية بغضب تجاههم لتقول بحدة
-بتضحكى على ايه يا بت منك ليها، يلا كل واحدة تروح شغلها
زمجرت اسماء بعصبية مغمغة بغضب وهى تذهب تجاه المطبخ
– ما ده اللى باخده فى الاخر زعيق وشخط، وناس ليها من جانب الحب وناس ليها من جانب المر
علت تحية بصوتها قائلة
– بتتبرطمى يا بت بتقولى ايه
علا صوت اسماء قائلة بحدة
-بقول لا اله الا الله
اجابتها تحية بحدة مماثلة وهي تقول
-سيدنا محمد رسول الله، روحى شوفى شغلك
لم تسمع ما تقوله اسماء، لتنظر بحدة تجاه فوزية التى نجدتها جيهان جاذبة ذراعها قائلة
– يا فوفا كل ده تأخير، يلا البنات مستنين على ناار
استسلمت فوزية لها لتجلسها بين البنات لتقول فوزية
– طب اخد نفسى طيب، حتى كوباية عصير يا بيت الكرم
اجابتها جيهان قائلة بتعجل
– هيجيلك الاكل لحد عندك، اطلعي بالالبوم بتاع شغلك ووريه لميس هوليوود دى وانتى عارفة رسمتى من ايام الجامعة
وقعت عينا فوزية على آسيا لتفغر شفتيها وهي تنظر إلى امرأة اقل ما يقال عنها، ” صاروخ أرض جو” كما تسمع من شباب الحتة وألفاظهم البذيئة، أخرجت مجلد رسوماتها العصرية كبنات الجيل الحالى، لتمد لها بدفترها تجاه آسيا التي التقطته منها بإيماءة رأس
قلبت اسيا المجلد بهدوء، وهى ترى معظم تلك الرسومات عصرية من طيور، وقلوب ومخطوطات وكما قالت جيهان سابقا، انه من الحناء، غمغمت تجاه فوزية
-شغلك مش بطال
ابتسامة راحة زينت ثغر فوزية لتربت على صدرها قائلة
– والله دى حاجة تشرفنى
لم تجد آسيا شغف لرسم أى شى لذا وضعت المجلد جانبا، ومدت ذراعها قائلة
– معنديش حاجة فى دماغي، اعملى أى حاجة مش هتفرق
ابتسمت فوزية بحرج وهي تغمغم
– ممكن زوقى ميعجبكيش
مالت آسيا برأسها لتجيبها بمنطقية
-لطاما بتعرفى ترسمى، اعتقد انك هتعملى حاجة حلوة، ومش هعترض
وعلى الجانب الآخر البعيد، كانت الحنانة الخاصة بوجد انتهت من ذراعها الاولى لتقترب جيجي منها قائلة بهمس خافت
– ده العريس لو عرف الامكانيات اللى عندك مش بعيد يهرب
تلونت وجنتى وجد بالحمرة القانية، وهي تشعر انها ازدادت بعض الوزن فى بعض المناطق المخصصة نتيجة تناولها لطعام توحة الذى بدأت تدمنه، حتى مع عاصى قضت نهائيا على نظام التغذية الخاصة بها التى علمتها جميلة، وعاصى باخر النهار يصطحبها إلى مركز الرياضة لحرق الدهون، اجابتها فى همس خافت
– جيجي
ضحكت جيجى بانطلاق لتميل بنفس الهمس
– الله مش كنتى قولتيلى الحقك انا بدروس تقوية للرقص الشرقى
لقد قالت تلك الكلمة منذ يومين عن سبيل المزاح حينما رأت ان جيهان لا بأس بها تجاه الرقص الشرقى، اصطبغ وجهها بالحمرة لتهمس بنفى تام
– لا طبعا اتكسف ارقصله ما بالك بالشرقى
اتسعت عينا جيهان تجاه رفض الحمقاء، لتمسكها من ذراعها قائلة
– يا خايبة ده يخلى جوزك ولهاان و لهفان ليكى
هزت وجد رأسها بثقة تامة لتقول
-لأ عاصى محترم على فكرة
ضحكة ساخرة انطلقت من جيهان حتى الحنانة تحاول كتم ضحكاتها من همس الفتيات والذى سمعته بالصدفة، لتشيح جيهان بيدها قائلة بتقزز
-يختى بلا خيبة الرجالة بتتسطل من وسط ست بيهز
لكن وجد ما زالت على اصرارها لتخبرها بثقة
– لا يا جيهان عاصى غير
رفعت جيهان احدى حاجبيها لتميل نحوها قائلة بمكر
– ما بلاش النفخة الكدابة دى، انتى هتزعلى فى الاخر، طب ايه رأيك تيجي نتراهن
عبست وجد وهى تنظر الى ملامح التسلية المحفورة فى وجه جيهان، تخبرها بسخرية عن خطئها العظيم فى معرفة رجلها
– على ايه؟
لمعت عينا جيهان بخبث بعث القلق فى سريرة وجد، لتميل على اذنها هامسة بوقاحة متعمدة
-تتصلى بيه دلوقتى وتكلميه وتسأليه يا عاصى تحب ارقصلك شرقى فى ليلة الدخلة وشوية سبايسي خليه يدخل الجو وشوفى رده، لو قال اه هعزمك على كبدة
اتسعت عينا وجد بصدمة جراء جراءة جيهان، لتحدق تجاهها وهي لا تصدق انها ستخبره أمر كهذا!! ستموت ولا تقوم بفعل هذا الأمر الفاضح!!
ماذا سيقول عنها؟ هل انحرفت اخلاقها قبيل زفافهما؟!! ثم هى لا تضمن ردة فعله!! أزاحت جيهان قائلة
– قومى يا جيهاان من وشى
فكرت جيهان سبب رفض وجد وخمنت انه من شطائر الكبدة، لتقول
– طب والله الكبدة دى ابن عمك ادمنها وبقى يجيبلى سندوتشات وقت الشغل، وقت ما تكون غزالته رايقة، طب بلاش هجيبلك سينابون حلو كدا!!
زمت وجد شفتيها ووجها محتقن بالدماء دلالة غضبها وخجلها لتقول بحدة
-هو انتى مفيش فى تفكيرك الا الاكل
ربتت جيهان على معدتها التى تم تعبئتها بنجاح من وليمة اليوم لتقول
– هو فيه احلى من الاكل، طب ايه عايزة رنجا يعنى ولا ايه؟! شكلك مش اللى بيحبوا الفسيخ … بس وسيم طلع بيحبه .. ماشاء الله بيسلك فى اى أكل مبيقولش لأ
انضمت فوزية داخل حوارهم بعدما استقرت على رسم طائر حر على بداية كتف اسيا الأيمن لتقول
– طب ما تعزميه يا جيجي على حلويات اللى اياها
لمعت عينا جيهان بشغف وهي لم تفكر مرة أن تجذب وسيم الى تلك المطاعم الشعبية، لكن خفت ابتسامتها ما ان تذكرت انها لا تتناول تلك الأصناف من الطعام لتتقزز ملامحها لا اراديا قائلة
– لا يا فوفا انا ممكن يغمى عليا
اتسعت عينا فوزية لتجيبها باستنكار نظرا لملامح جيهان المتقززة
– عبيطة مبتفهميش انتى، يا سلام لما يكون المخ معمول كريسبى بس على مزاج
ولا الفشة بالبصل يختى عليها
استقامت وجد فورا من مكانها متجهه للحمام، لتعبس جيهان قائلة
– يخربيتك يا فوفا عملتى ايه للبت
هزت فوزية كتفيها بلا مبالاة قائلة
– ده انا بقول مخ وفشة قلبت معدتها اومال يا سلام على طاجن الكوارع بالورق العنب او الفريك، انتى كدا روحتى لحتة تانية
وجهت بصرها تجاه آسيا الأخرى التي تحاول إخفاء تقززها، مما جعل فوزية تقول بحمائية لطعامها المقدس
– لا متلويش بقك كدا، دى نعمة ربنا لما تدوقيها على ايد شيف محترم هتدمنيها
صفقت جيهان يدها قائلة بفضول
-انا دايسة معاكى فى الاكلة دى
هزت فوزية رأسها ايجابا، لتدخل اسماء فى تلك اللحظة قائلة بتعجب حينما لم تجد وجد بين الفتيات
-الله هى العروسة راحت فين ؟
لم يجيب احد، لكنها وحدها جيهان التى علمت أن الاخرى وجدت الامر حجة لكى تهاتف الاخر!!
يبدو أن الفتاة ستأكل الكبدة خسارة على مراهنتها!!
….
تنهدت وجد عدة مرات وهى تنظر الى اسمه المزين على شاشة هاتفها، وقلق يعصر داخلها .. وتوترها يجعلها تكاد تفقد تحكمها اعصابها، زفرت عدة مرات وهى لا تعلم ماذا ستفعل!!
اتهاتفه ؟ وتقوم بأمر جنونى التي دفعتها تلك الماكرة جيهان، ام تتقبل الخسارة مع حفظ ماء وجهها امامه؟!
لكن سؤال خافت تساءل.. ماذا ستخسر ان لم يكن يحب تلك الأنواع
ليصدح صوت من جنبات عقلها، ايعقل ان يرفض الرجل أن ترقص امرأته له؟!!
بقت على حافة فقدان سيطرة اعصابها، لتضغط على زر الاتصال حابسة انفاسها وهى تضع الهاتف على اذنها، تسمع صوت دق الاتصال دون الايجاب.. وما ان كادت ان تلفظ انفاسها حينما لاحظت اطالته فى الرد عليها تفاجئت حينما اجابها بصوت خشن محبب
-مبروك يا اميرة
دقات ثائرة تلاعب جسدها، ليصيبها الضعف من نبرات صوته، خرج صوت خافت منها زاجر
-عاصى قولتلك مش بحب الاسم ده
ضحكة رجولية خرجت منه وهو يجيبها
-وفيها ايه لما تبقى اميرتى انا، اميرة العاصى
صمت من كلا الجانبين، إلا من انفاس وجد السريعة مما جعل عاصى يبتسم لأميرته الخجولة، محترمًا صمتها دون مشاكستها كى لا يزيد من الوضع سوءً، خاصة انه يعلم ان الفتيات قبيل الزفاف تتحولن إلى كائنات عصبية، قابلة للاشتعال.
عضت وجد على طرف شفتها السفلى والوضع يزداد سوءً، إن لم تتجرأ وتخبره ما نوت به لن تنطقها مطلقًا، سألته على دفعة واحدة
– بتحب الحنة يا عاصى ولا مش بتفرق معاك؟
لم تجد اجابة صريحة منه، بل صمت تام جعل وجد تعض على اصابعها ندما لسؤاله، لتسمع اخيرا اجابته بعد صمت طويل
– خايف يكون السؤال ده فخ ليا
دفعته دفعا للاجابة على سؤالها، او بالادق كى تستدرجه لفخها
-رد بصراحة يا عاصى، عشان انا معملتهوش قبل كدا بس تحمست وقت ما توحا قالتلى انها عملته فى فرحها
فاجئها بصمته مرة اخرى، قبل ان تسمعه يجيب بنبرة مختلفة تماما عن التى اعتادتها منه
– الصراحة يا وجد انا اعرف انك ممكن تحطيه فى بعض المناطق اللى مش بتبان إلا ليا
ولكونها انثى مصرية!!! تجاهلت الرومانسية التى يحاول إيصالها إليها، وخرج العرق النكدى لتهدر فى وجهه بحدة
-وانت عارف المناطق من فين يا استاذ عاصى
انفجر تلك المرة مقهقها بصوت مرتفع، جعلها تستعيد تعقلها بعد الشئ، لتلتفت يمينا ويسارا محاولة ان ترى أن رآها أحد، لتسمع اجابة عاصى البريئة
-بسمع يا روح عاصى، هعرف من فين، ما انتى عارفة معرفش ست غيرك
لكن يبدو ان محاولات عاصى لتهدئتها بائت بالفشل لتجيبه بحدة
-ومش هتعرف بعدى، لأنك لو فكرت هخزق عنيك
لثانى مرة تندفع فى الحديث معه بل أصبحت تتحدث معه بوقاحة، ماذا ستقول عنها عمتها؟!! لقد اصبحت ألفاظها وقحة!!
استمعت الى نبرة التسلية من عاصى الذى قال بهدوء تكاد تحسده عليه
-بقيتي عنيفة يا وجد، بس مقبولة منك
نادت اسمه تلك المرة يائسة
-عاصى
تخلى عاصى عن تسليته، ونبرة التوسل منها منادية اسمه جعله يقول بجدية تامة
-انا كدا بدأت اقلق، قوليلى
سألته عابسة الوجه، محتقنه الوجه، ترغب فى الوقت الحالى عناقه الدافئ
هو الرجل الوحيد بعد جدها تشعر باستقرار العالم بمجرد عناق
-انت مجتش ليه
ابتسم عاصى وود لو يخبرها ان جدته منعته من ان يتخطى بقدمه داخل الحى، بل ولزيادة التأكيد بعثت عادل معه ليقومان بجولات سريعة فى الصالة الرياضية، همس لها بصوت خشن مثير لمشاعرها
-الليلة ليلتك يا وجد، وبيني وبينك انا مضمنش نفسى ممكن افترسك
شهقت من جرائته لتزجره بحدة
-بطل قلة ادب، انا بسأل باحترام
اجابها بهدوء منطقى
-وانا بجاوبك بصراحة
ترددت لبرهة من الوقت، اتخبره؟ أم لا؟!! .. كانت على وشك انهاء المكالمة لكنها أبصرت جيهان من على بعد تغمز لها بمكر، تخبرها عن خسارتها.. ورغم معرفتها أنها خاسرة وبقوة… يكفي جراءته معها فى الهاتف!! سألته على يأس
– عاصى
تنهد عاصى تلك المرة وهو يقول بجدية متخليا عن عبثه
– اسألى يا وجد، انا حاسس انك مخبية قنبلة وانتى شغالة تلفى وتدورى باسئلتك دى
عضت طرف شفتها السفلى وسألته بحرج بالغ
– بتحب الرقص الشرقى يا عاصى
تنهيدة حارة سمعتها منه ليجيبها عاصى ببساطة
– وفى راجل مش بيحبه
اصرت ان تضعه داخل الصورة لتسأله بنبرة خجلة
– يعنى حابب تشوفنى ارقصلك شرقى
زفير حار تسمعه مرة اخرى وصوت عاصى الخشن يجيبها
– تكونى حققتى حلم المراهقة يا وجد
الجمها رده.. حلم المراهقة؟! حلم المراهقة ذلك الوقح!! أتعلم جدته عن هذا الأمر؟!!!
شهقت تلك المرة بصوت مرتفع حينما سمعت صوته العابث
– عايزك تلبسى بدلة رقص محترمة احمر هتكون عليكى….
قطعت تخيلاته الحارة قائلة كلمتان فقط قبل أن تنهي مكالمتها معه
– قليل الادب
شعرت وجد بحرارة تشتعل فى جسدها، رفعت كلتا يديها محاولة ترطيب وجهها من الحرارة، إلا أنها فشلت نهائيا، لتأخذ أنفاس عميقة وتزفرها على مهل محاولة تهدئة نبضات قلبها المجنونة لتسمع صوت جيهان الماكر
-قالك ايه يا قطة
لم تحتاج جيهان لمعرفة الاجابة، يكفى ملامح وجد التى يبدو أنها كانت تفعل شئ وقح جدا مع زوجها، ولانها اصبحت فتاة مهذبة لن تقول كلمة وقحة لتسمع نبرة وجد البائسة
-شكلى كدا هاكل الكبدة
لم تستطيع جيهان كتم ضحكاتها وهى ترى ملامح الصدمة لم تغادر وجه وجد لتقترب منها مربته على ظهرها، ماذا ستقول؟!! الرجال هكذا اوغاد!! همست في أذنها قائلة
-طلع نمس الاستاذ عاصى ده
رفعت وجد عينيها تجاه عيني جيهان لتقول ببؤس
-انتى بتعرفى ترقصى يا جيهان، ابقى علميني
جذبتها جيهان تلك المرة اتجاه مجلس الفتيات لتقول لها بثقة
-جيتي للشخص الصح انا واخدة كورسات مكثفة بس من غير ما بابا يعرف ولا حتى وسيم.. تعالى تعالى نرقص يلا وسيبك منه.. هينسى
لكن وجد تعلم انه لن ينسى مطلقًا وسينتظر الوقت المناسب لتلبية رغبته منذ وقت المراهقة!!
****
ابتسامة مليئة بالأمل يزين ثغرها، وضعت محتوياتها الخاصة من كتب بدأت تستعيرها من عم صلاح، وبدأت تضع اقلامها الملونة وقلم حبرها الأسود المفضل ودفترها الملئ بالأسرار على طاولتها التى بدأت تشارك اسرار صاحبتها..
تنبعث موسيقى عمر خيرت من سماعات الأذن خاصتها لتنفصل تلقائيا من العالم حولها .. لتبقي هي و دفترها و اقلام التلوين .. بدأت تخط رسومات دون أن تبرز أي معالم وجهه للفتاة، وقلب محمول بين راحتى الفتاة، وبنظرة تقييمية للرسمة ارتضتها قليلا ثم بدأت تخط فى منتصف الصفحة بعنوان بارز بخط كوفى بدأت تتعلمه على اليوتيوب ” رحيلك”
ابتسامتها لم تهتز مقدار انش، وعينيها لم تفتقد ألقها لتخط بسطور ناعمة بسيطة
رحلت وقلت فى الرحيل سبيل الراحة
وكيف الراحة والجفون مشتاقة؟!
يا سيدى كفاك عن العشق تورعًا
فالقلب مشتاق والحنين يزأر للقياك
ضحكة خافتة خرجت من شفتيها لتعتدل فرح بموضع جلوسها وبدأت ترسم شخص بارد الملامح يحمل يغادر الفتاة حاملة القلب بين راحتيها، ورغم قسوة الرسمة إلا أنها استطاعت أن تحمل عتاب عاشق لمعشوقه..
زفرت بيأس وهي تلوي شفتيها ببؤس وهى تنظر الى صورة الفتاة ثم للرجل، كيف يكون هكذا غير عابئ بمشاعر الفتاة، لتبدأ بصفحة جديدة لترسم الفتاة مفطورة الفؤاد وهي واقفة بثقة والرجل الذي تركها راحلا بكل دنائة منه، متذلل راكعا على قدميه يرجو مسامحتها مقدما قلبه لها لتكتب بخط عريض “آسفة”
ترجيتك مئة مرة فما قابلنى سوى اغلاقك لباب الحب آلفان مرة
كلما تقدمت تراجعت غير مكترثا ساخرًا
أتاتى الآن والقلب شفى من عضال لتتذلل على باب مسامحتى
آسفة .. وأعيدها لك مرة واحدة
فقد شفيت وما عاد لك مكان شاغر بقلبى.
لمعت عينيها بتأثر مع رسوم شخصياتها وحالتهما، فلكل شخص منهما أسبابه وحياته ولم يستطيعا أن يتوافقا أو فهم أسلوب الآخر وانتهت القصة بنهاية مأساوية لأحدهم، وباب جديد للآخر.
تركت دفترها جانبا لتسحب روايتها المفضلة لتستأنف من حيث توقفت يوم أمس.. لم تشعر بمرور الوقت ولا توافد الزبائن فى المكتبة سوا ربتة خفيفة على كتفها لتنتفض وهي ترفع عينيها لتسقط على امرأة سمراء الملامح محببة النفس والوجه، وابتسامة شقية تداعب ثغرها لتسارع فرح بانتزاع سماعات الأذن لتقول غالية بشقاوة تشبه عم صلاح كثيرا
-مكنتش اعرف انك عندك نهم للقراية
هزت فرح رأسها وعينيها تدققان للنظر لتلك المرأة، تستشعر بها شئ خفى برغم ملامحها البشوشة، هناك حاجب تخفى به كينونتها عنها، من كثرة مكوثها فى المكتبة وبدأت تتوطد علاقتها بصلاح ترى هناك علاقة مذبذبة بين زوج غالية و اطفالهما، حتى هى علقت صراحة انه غادر من حياتها وما يربطها بعائلته هو فقد أطفالها.. شعرت انها انشغلت بأفكارها الخاصة لتعيد انتباهها للواقع لترد عليها بابتسامة هادئة
– لقيت الكتاب زى ما بيقولوا خير صديق
ابتسامتها ما زالت محافظة عليها لتقول بمكر
-كنت متأكدة أن صلاح مش هيسيبك غير لما تعشقى الكتب
اومأت فرح رأسها قائلة
-الصراحة هو شجعنى على حاجات كتير ومن ضمنهم الكتابة، قالى طلعى كل اللى جواكى فى ورقة حتى لو كان مجرد شخابيط، وفعلا عملت كدا فى مرة وبقيت احس براحة.. مرة عن مرة بقيت اكتب كلام مش مترابط زى الدوشة اللى فى دماغى لحد لما وصلت بحكى عن نفسى عن لحظات معينة ليا
تجهمت ملامح غالية لتجز على أسنانها بقوة، وبدت المرأة البشوشة تتحول لامرأة تنفث نيرانها لتمهس بسخرية مبطن بالغضب
– متقوليش قصة حب بائسة انتهت بيكى زى المجنونة فى الشارع لا عارفة تنسيه ولا عارفة تعيشى حياتك لأنه ملاحق ضلك
اتسعت عينا فرح وهى ترى غالية تقبض على اناملها بغيظ شديد، لتشعر انها ضربت وترًا حساسًا لتلك المرأة لتحاول تلطيف الجو قائلة بمزاح
-لا دى كانت مرحلة قديمة، دلوقتى مركزة على نفسى وبس
رفعت غالية عينيها وبدت شاردة، سابحة في فلكها الخاص، بدى تأثر طفيف يظهر على سحنة وجهها لتهمس بجفاء
-بس من جوا عارفة انك لسه متخطتيش أي حاجة
الأجواء من حولهما أصبحت سوداوية كئيبة، كدوامات لعينة تجرفك لتسقطك فى عالمها الخاص، زفرت فرح بيأس وهي تكبح نفسها من الانجراف، تتشبث بأى انبثاقة امل زرعتها كى لا تكون شبح هائم فى مسارات حياتها
هى أصبحت أفضل، اهدئ، بل بداخلها يقين داخلى أن هناك شئ أفضل لها فى المستقبل
كل هذا اكتسبته من العجوز، الذى جاء حياتها ليداوى كل جروحها بكلامه الرزين، كأب ناصح يخشى على طفلته.. يعطيها مفاتيح حياة خبراته وهى تلتقطها بكل تلهف وشغف.. امسكت بكف غالية التى انتفضت وهي ترفع عينيها لتقول فرح بثبات وابتسامة مشرقة بدت صديقتها منذ افاقتها الحقيقية
-القلب بياخد فترة لما بيداوى، عارفة شوفت فيديو كنت فى لحظة يأس يتملك منى لقيت كان الاستيقاظ الحقيقى ليا.. انا هفضل لحد امتى ابكى ؟ لحد امتى هبقى فى مكانى؟ الناس مش هتساعدنى على التغيير انا اللى اساعد نفسى واحمسها وفعلا اخدت وعد على نفسى بدا لحد لما حسيت انى بطلت شوية ارثى نفسى واركز فى المستقبل بدل الماضى
ابتسمت غالية بضعف لتقبض على يدها قائلة ببؤس
-سعيدة انك حققتى ده غيرك بياخد سنين فى الموضوع ده
هزت فرح راسها يائسة، يبدو حالة المرأة اسوأ من حالتها بكثير، اجابتها فرح بحشرجة خافتة
-مين قالك انى مخدتش سنين، غالية انا حرفيا اتأذيت من اقرب الاشخاص بيا، مفيش حد حرفيا جنبى لا عيلتى ولا عندى حد ألجئله ارميله همى او يجبلى حقى
تمردت الدموع تخرج من مآقي غالية التي فقدت سيطرتها على نفسها لتبكى في صمت، توترت معالم فرح لتستقيم من مكانها محاولة أن تهدئتها لكن الآخرى كانت فى عالم آخر
ترثى نفسها.. وما آلت اليه الامور بغبائها وثقتها المفرطة فى الناس، حاولت غالية تجمعة شتات نفسها وهى تبتسم باطمئنان لفرح التى تمد لها بكوب ماء ومحرمة ورقية .. ارتشفت الماء فى صمت لتقول بهدوء مسيطر
– حاسة بيكى .. الاهم دلوقتى انتى كويسة
لوهلة فقدت فرح وسيلة لتهدئة الوضع، نظرت بتيه الي محتوياتها قبل ان تسحب دفترها وتعطيه لغالية قائلة بابتسامة ودودة
– ايه رأيك تاخدى بصة على الشخابيط بتاعتى، واعرفى ان يدوب بطلع الدوشة اللى فى دماغى
جذبت غالية الدفتر فى فضول شديد، لن تنكر انها كانت منذ أيام ترغب بمعرفة ماذا تفعل تلك الفتاة لكى تكون معزولة عن الجميع لساعات طويلة، جذب انتباهها النقوش والرسومات ذات المعالم المبهمة لتبتسم وهي تتذكر صغيرها يوسف العاشق للرسم، ارتفعت عيناها لتقرأ نصوص الخاطرة، يداها لا اراديا اندمجت مع أسطر خواطرها، وفرح تعض على شفتيها بتوتر لتنظر اليها، سألتها غالية بدهشة
– انتى كتبتى ده
عضت فرح باطن خدها وقالت ببؤس
-وحش مش كدا؟! انا حاسة برضو انى محتاجة اضبط افكارى شوية
اتسعت عينا غالية دهشة، وهى تنظر الى اسطر خواطرها، هل هكذا وهى مشتتة الفكر؟!! استقامت من مجلسها قائلة بصوت مرتفع حينما سمعت أجراس باب المكتبة معلنة عن دخول صلاح
-بتهزرى!!! كدا وافكارك ملخبطة!! يا صلاح تعالى شوف الأستاذة فرح بتكتب ازاى
امتعضت ملامح صلاح بيأس وهو يرمى جريدته على الطاولة ليقول
– يا بنتى قولتلك مية مرة متزعقيش طول ما انا فى المكتبة مش بحب الدوشة
-اركن كل حاجة على جنب، واضح ان تأثيرك الفتاك جيه عليها
جذبته غالية من ذراعه وهى ممسكة بدفتر فرح ووجهها يكاد ينفجر من كثرة الخجل والتوتر، قالت غالية بحماس وهى تعطيه الدفتر، ليعدل صلاح من نظارته الطبية قارئا أسطر من خاطرتها .. واختفت اي معالم معبرة تستطيع فرح معرفة اذا هى على خطوات صحيحة فى الكتابة أم لا!!
قضى صلاح يقلب بين صفحات دفترها وغالية تبتسم لها باطمئنان، لكن فرح تكاد اعصابها تفلت من فرط الترقب والانتظار، اغلق صلاح الدفتر ورفع عينيه تجاه فرح التى تنظر اليه بتساؤل ليبتسم قائلا
– مقولتيش انك بتعرفى تكتبى يعنى
هزت فرح رأسها نافية لتجيبه بتوتر وخجل يعتريها لأول موقف تتعرض له بتلك الطريقة
– لأ مش حكاية انى بعرف، يعنى كنت بطلع الدوشة فى راسى على هيئة مواقف
ابتسم صلاح بفخر ابوى وهو يمد له بدفترها ليقول بنبرة أب حانية
– برافو انا عندى احساس انك لما تنمى موهبتك دى هتبقى فى مكانة تانية، وأى حاجة عيزاها انا هساعدك
صفقت غالية كلتا يديها بمرح لتغمز لها بمكر وهي تندس بين ذراعى صلاح الذى يهز راسه بيأس، رغم أنها تمتلك شياطين صغيرين إلا أنها تمثالهم جنونًا
– يا سيدى يا سيدى هتاخدى مساعدة الأستاذ السيناريست الكبير صلاح رشوان
عضت فرح على باطن خدها، ونغزة قوية تتملك فى صدرها، لم تتوقع دعم كهذا من اشخاص غريبين عنها، لا تربط بينهما أى صلة سوى آواصر ود ورحمة، الرجل وللحق يقال يعاملها كطفلة بل كأبنتيه!!
ومع تعمقها أكثر له، لم يزول عنها صدمة ان الذى امامها من اساطير الكتابة السينمائى.. ابتسمت بخجل هامسة
-انا مش عارفة اشكركم على تشجيعكم ازاى
ابتسم صلاح وهو يربت على كتف غالية التى تندس بقوة بين ذراعيه، ليقول بصرامة زائفة
-هتتغدى معانا، المرة دى مفيهاش عذر يا فرح
ابتسامة ناعمة زينت ثغرها وهي تومئ برأسها موافقة لتتنهد براحة وهى تنظر الى الرجل وابنته ثم الى المكان العتيق حولها.. لقد بدأتِ تنتمين لمكان يا فرح
هنيئا لكِ..!!
تقدم صبي قهوة يضع قهوة الصباح لصلاح على مكتبه، ليخرج الصبى من مكانه وقبل أن يتجه للمقهى، انحرفت يسارا عن الطريق ليتوجه تجاه سيارة سوداء لينظر الشاب بتوتر الى الرجل الضخم الذى خرج من السيارة ازدرد لعاب الشاب وهو ينظر لكتلة العضلات التى أمامه، ليصدر صوت خشن ساخر
-متخفش مبيعضش على فكرا
رفع الشاب بصره للرجل الذي اصدر الصوت ليراه ينفث الدخان من لفافة التبغ، الرجل تفوح منه رائحة الثراء من كل جانب، يكفى بذلته السوداء اللامعة ولكى يزيد من غموضه وضع نظارة قاتمة على عينيه ليقول الشاب
-مفيش أى جديد يا باشا، المدام بتقضى وقت عادى مع عم صلاح وبنته مدام غالية
رفع نضال رأسه للشاب، ليبتسم بوحشية جعل فريسته ترتفص رعبًا ليغمغم نضال
-تؤتؤ مش كدا يا ابو على، مفيش حاجة اسمها مفيش اى جديد، المدام اللى بتعمل هناك يا ابو على كل الوقت ده
عض الشاب على باطن خده، وهو يلعن نفسه عن ضيق عيشته وحاجته للمال ليجعل نفسه ضحية لذلك المرعب، هو لا يعلم ما صلة تلك المرأة الرقيقة برجل مثله.. يستشعر أن المرأة هربت من بطشه وهو حقيقة لا يلومها مطلقًا
– ما يا باشا هى يا اما بتقضى وقت فى الكتب وده كتير بشوفه، يا اما بشوفها بتذاكر وده سمعته من عم صلاح لما طلب منى ابعتلها فى يوم اكل مفيش غير كده
دعس نضال عقب لفافة التبغ وسحقها بقوة لتتسع عينا الشاب ونضال يبتسم بشر يكاد ينفجر ضاحكًا وابتسامة عابثة تزين ثغره، لقد اشتاق لتلك الايام وبشدة، لولا فقط وجود الصغيرة لكان استطاع أن يستأنف كامل نشاطاته القذرة .. استند بجذعه على سيارته وقال بأسف
– يا ابو على كدا هزعل منك، وصدقنى مش عايزك تشوف زعل نضال الغانم
تقدم احدى رجاله من الشاب ليمسكه من تلابيب قميصه مما جعل الشاب يفزع قائلا
-والله يا باشا مفيش أى جديد، كل يوم بتعمل اللى بقوله ليك مفيش أى حاجة تانية
التمس نبرة الصدق فى صوت الشاب، لكنه يكاد ينفجر من عدم معرفته ماذا تفعل تلك المرأة فى الداخل كل تلك الأسابيع هناك!!
اللعنة عليها.. الف لعنة يكاد يفجر بها رأسه كل صباح ومساء، أطلق شتيمة نابية ليرفع رأسه تجاه حارسه ليقول بحدة
– سيب الواد فى حاله
فتح باب مقعده وجلس عليه بغيظ شديد، وكونه يجهل عنها شئ تثير اعصابه، لم يحدث ابدا في حياته أن يفقد سيطرته على حياة أحدهم، هو من يجعل الأشخاص تقترب وما إن يسأم منهم فينبذهم
لكن تلك اللعينة.. تجرأت و تعدت الخطوط الحمراء، ويراها الآن بكل اشراق وبهاء تستعيد حياتها منذ أن تركته وبقى هو على اطلال الماضى..
همس بخشونة لسائقه
-ارجع على الفندق
اومأ السائق بايجاب ليحل نضال اول زرين من قميصه وما زال البركان فى داخله يغلى
لن يسمح لتلك المرأة ان تنهى حكايتها معه دون أن يخط هو سطور النهاية
لم تخلق امرأة قط على وجه الأرض تتخطاه بتلك السهولة…!!
****
فى شركة شادية،،
استعادت شادية بقوة طاقتها مستأنفة عملها، مع تغير لوائح العمل والنظام .. أصبحت صارمة قاسية بعض الشئ.. ليس كثيرًا لكنها بدأت تهلك ذاتها فى العمل.. حتى لا تستطيع السير وتقضى نهاية اليوم تتألم على فراشها تكاد تجذب شعور العرائس يوم الفرح من كثرة الضغوطات اللاتي يتعرضن لها.. وماذا عنها هى؟!!
هل يعلمون مقدار ما تعيشه فى بيت والدها بدأ يتخذ منها موقفًا… تكاد تشعر ان منزلتها عنده تحطمت، لا لا إنها متأكدة من هذا الأمر
أو شقيقتها التى بدأت تتخذ موقف مضاد نتيجة رفضها لبوح ما حدث.. الوحيدان اللذان يعلمان شقيقها وفريال..
شقيقها رفع دروع الحماية حولها، طاردًا أى ذكر من حولها وفريال تدفعها دفعًا للتعرف على رجل آخر..
هزت رأسها بتعب، رجل آخر ولعنة آخرى، وسلسلة لعنات من الرجال لن تنتهى!!
تعمل كآلة طوال الصباح حتى جنح الليل، وحين وقت النوم تتجافى عيونها وتفكر به
ماذا اصبح وكيف حاله
أما زال عابس، بائس، غاضب، حزين
أم متمرد ثائر ؟
أم استطاع تان يتخطاها بسهولة كما قرر بكل بجاحة منه ان يهاتفها وقت رحيله، لن تسامحه ابدا على ما فعله، وحينما غالبها شوقها لمعرفة ولو خبر عنه، تطمئن عليه، حاولت البحث على صفحاته الخاصة عبر الانترنت لكنها لم تجد آى شئ، سوى اعتذار رسمى له بتوقفه عن العمل لأجل غير مسمى!!
ولا شئ آخر، حتى تشعر بالحرج إذا هاتفت والدته، صدح صوت داخلى يزجرها على ضعفها
الم يقذفها خارج حياته، ماذا ترغب اكثر؟!
لكن قلبها يأن بوجع.. أنين موحش لعينين سوداوين تلمعان بعبث رجولى محبب لها حتى وان استنكرته فى بادئ الأمر
شهقت من افكارها المنحلة، أي شوق هذا يا حمقاء!! هل انتى مختلة عقلية لتعودى بقدميك لمن حطمك؟؟
انتفض العقل برفض تام وصريح غير متلاعب، ليتلاعب القلب مصدرا خيوطًا وهمية بمدى ضعف الآخر، وحاجته لمن يعينه!!
لكن العقل صرخ يهدر فى قلبها بعنف
ألم يرحم توسلاتها يومًا، ألم يرحم ضعفها؟ ألم يرحم حتى حرمتها ؟!
تنهدت بتعب وهي تخلع نظارتها الطبية التى بدأت تكون رفيقًا لها خلال الأسابيع السابقة المنصرمة.. استمعت صوت مساعدتها تطرق باب المكتب منادية اسمها بخشية بدأ رفيقها منذ تغيرها
-شادية
رفعت عيناها الكئيبتان لتحدق فى تملل نجوى وهي تقدم آخر وتؤخر اخرى، لتسأل بصوت جاف
-اتمنى متكونش فيه مصيبة حصلت
هزت نجوى رأسها عدة مرات نافية لتقول بصوت منخفض، وهي تعلم أن ما ستقوم به يخالف تعاليم وقوانين شقيقها الصارمة.
شقيقها الذى بدأ يضع يده على شركتها متحكما فى جميع الاشخاص متضمنا ربة عملها، وهذا الأمر يضايقها
بل يثير سخطها، ترغب فى عودة ربة عملها كما هى، ليست كالشبح الذى يهدر بصوت مرتفع هذااا!!
-احم لا مفيش مصيبة
استقامت شادية من مقعدها وهى تحدق تجاه نجوى التي تعلم أنها تخفي سرا ما، وحتما هذا السر لا يعجبها، سألتها بجفاء
-شحنة الورود اتأخرت مش كدا؟!
عادت تهز رأسها نافية مرة أخرى لتقول
-يعنى مش بالضبط، المفروض ميعادهم لحد اخر الليل
اسودت معالم وجه شادية قتامة وهى تكاد تتحكم فى اعصابها كى لا تهدر فى وجه نجوى، لكنها صاحت بحدة
-طب ايه المشكلة، لطاما مفيش حاجة جاية تعطليني وتعطلى نفسك على الشغل ليه
رفعت نجوى عيناها وحسنا نوبة الجنون هذه اعتادت عليها منذ سفر الأجنبي، لم تكن لتصدق أن تلك القصة انتهت بتلك الطريقة بأن كلا منهما سار في طريق آخر
فليسامحها الله على معرفتها لهذا الأمر بالصدفة البحتة حينما سمعت حديثا خاصا بينها وبين شقيقها، لكنها كردت احساس بالذنب وبدأت تضع سعادة ربة عملها على
أوامر شقيقها لتقول
-فيه اتصال دولى ومصمم انه يكلمك
نغزة.. نغزة قوية تحكمت فى صدرها واستفحل الألم حتى ما عادت قادرة على تحمله، أيكون هو؟
سؤال يتلاعب فى عقلها، إنبثاقة امل طفيفة تفتح ذراعيها، لكن صرخ عقلها يائسًا، كفى عن التفكير به، فقد تركك حطامًا… سألتها بشك حينما لاحظت عينا نجوى الفضولية
-دولي؟!
هزت تلك المرة نجوى رأسها بإيجاب لتغمغم شادية قائلة محاولة قطع أي بوابة أمل
-عميل يعني ولا ؟؟
هزت نجوى كتفيها لتقول
-معرفش يا شادية بس مصر انك تكلميه بنفسك وتعرفى كل حاجة، لكن لو مش عايزة ممكن نبلغه برفضك
نظرت شادية لثوانى تجاه نجوى، قبل ان تقول بصرامة
– حوليه
ابتسمت نجوى بسعادة وهى تنطلق راكضة الى مكتبها، تنهدت شادية بجفاء وارتعاشة يداها تحاول ان تتحكم بها
أهو طلب أم يقين أن يكون هو؟
أتعاتبه ام تصرخ فى وجهه
فالعتاب وسيلة للعاشقين للمسامحة، والغضب وسيلة أخرى للمعاتبة!!
قبضت على سماعة الهاتف لتضعه في أذنها قائلة بصوت جاد
-نعم
لم يصل لها من الجانب الآخر سوى ضحكة خافتة، اقشعر بدن شادية ويقين داخلى يخبرها انه ليس هو
نغزة تلك المرة أقوى بعد أن خذلها، لتسمع صوت رجولى أجش
-لم أكن أعلم أن الوصول الى منسقة زفاف يتطلب كل هذا الوقت
لكنته الانجليزية تخبرها انها ليست لغة الأم الخاصة به، لكن اريحية الرجل فى التعامل معها، وكأنه يعلمها جعلها تسأل ببرود
-من معى؟
تلك المرة ضحكة أشدة قوة، وعبث آثار في داخلها الرعب، ليصدر صوته الخشن نفرته شادية فورًا
– لا لا يا صغيرة لا اتوقع نكرانك لى
لم تكلف شادية نفسها للرد على امثاله، فما قامت به هى انها اغلقت الهاتف فى وجهه بعنف، وعلامات الغضب تتصاعد تدريجيا في سحنة وجهها
تقسم ان كانت من العاب ذلك الرجل ستقتله، انتبهت على صوت نجوى المتسائل
– قفلتى السكة!!
رفعت عيناها تجاه نجوى، وحال مساعدتها لا يعجبها مطلقًا، فالفتاة تتحمل منها للأسف ما لم تستطع عائلتها تحمله، تراخت ملامحها المتشنجة لتجيبها فى فتور
– واحد فاضي وانا للأسف مش فاضية لكلامه الفاضى
ترددت نجوى للحظات محاولة كسر تبلد مديرتها لتنادى اسمها
-شادية
رفعت شادية عينيها واكتفت فقط بالتحديق تجاهها، لتغمغم مساعدتها بمرح
– ملاحظة انك روحتى على الغربى شوية
انقبضت معالم وجه شادية ليتحول إلى وجه كالرخام لتدوى بصوت كالرصاص فى اذنى نجوى
– شكلك حابه تترفدى من الشغل يا نجوى
جزعت نجوى لتهز رأسها نافية، ومزاحها لم يزيد سوى الوضع سوءً، رغم فى السابق كانت تتقبلها بصدر رحب وان اصدرت بعض التعابير الممتعضة
– لا وعلى ايه يا شادية الطيب احسن، خلاص مش هتكلم
شمخت شادية رأسها لتقول بصوت آمر
– روحى على شغلك يا نجوى، ولا تحبى تشوفى وشى التانى، اكيد مش حابة
عضت نجوى باطن خدها، وتكاد تولول داخلها وهى على شفا حفرة من خسارتها لوظيفة العمر، فمن أين ستجد ربة عمل مثلها، أو عمل بمرتب كهذا!!
-لا انتى كده زى الفل، استهدى بالله كدا كنت بهزر يا boss
ابتسامة باردة تسللت شفتى شادية، لتقول بنبرة ذات مغزى تجاه مساعدتها
-المرة الجاية هتلاقى كلمة مرفودة يا نجوى، انا عارفة انك عاقلة
وضعت نجوى يدها على شفتيها، مصدرة الاذعان التام بالصمت، لتزيح يدها قائلة بثرثرة محببة لها
– جدا، انتى متعرفيش بيقولوا عليا فى البيت انى ميزان العقل
همت بالرد عليها، الا ان رنين هاتفها رحم نجوى لتركض نجوى نحو مكتبها تأمن من وحش شادية الذى يعمل فى أوج طاقته هذا الصباح..
لم تستطيع شادية سوى الابتسام وهي ترد على هاتفها لتقول بنزق
– ايوا يا فريال
جاءها صوت فريال الصارخ المشابه لصراخ ابنتها اسيل عبر الاثير
– شكلك نسيتي، حفلة العيد ميلاد يا شادية
وكيف لها أن تنسى وهذا رابع مرة تخبرها عن حفلة عيد ميلاد المدللة شمس، زفرت بيأس وهي اصبحت تمقت هذا العمل.. فمن جهة لا تود اقامة حفلات اعياد ميلاد ومن جهة اخرى لا تستطيع رفض طلب من يتقدم لطلب لمساعدته، غمغمت بحدة طفيفة
-فريال متصدعيش راسى دى رابع مرة فى اليوم تقوليلى على الموضوع ده
ضحكة رائقة من فريال وصلتها لتجيبها بكل هدوء
– انا رشحتك لوقاص، مش عايزك تخيبى ظنى
انتفخت أوداجها وهى تصر على اسنانها، هل الآن ستخضع لتقييم لرؤية عملها!!
ما تجرأ أحد على فعلها، وحتما ليست عائلة الغانم المجانين، لتصرخ فى وجهها
-فريال كلمة كمان وهتلاقى انى مش هعمل لا عيد ميلاد ولا حاجة
ضحكت فريال بنعومة، ولا تستنكر ان شراستها الوليدة فى العمل بدأت تعجبها، بعد مغادرة شبح الايطالي من حياتها.. لن تنسى يوم ان اخبرتها بوجه شاحب وعينين تفيضان آلمًا.. وقتها عرضت عليها ان تبقى اليوم فى المنزل كى لا يراها والدها.. بكاءها وهي تتشبث في أحضانها جعلها تنفض الذكريات الحزينة لتقول بمشاكسة محببة
-بتعجبنى شراستك فى الشغل يا شادية، بس بجد ابوها مجنون وممكن يعمل مصيبة عشان عيون البرنسيس بنته
لم تستطيع شادية تلك المرة سوى ان تصرخ فى وجه ابنة عمتها قائلة
-على نفسه يا فريال، انا ورايا شغل دلوقتى هكلمك بليل ونحكى فى التفاصيل
أرسلت فريال قبلة عابثة مبطنة بالدعم، بل الكثير من الدعم الداخلى لتهمس بصوت هادئ
– خدى بالك من نفسك يا بيب، you are doing well
أنهت شادية مكالمتها لتجلس على أقرب مقعد مغمضة جفنيها بتعب تحكم فى كامل جسدها
ترغب في الانزواء .. لاقصى أقاصي الأرض
لقد سئمت من المحاربة .. تود راحة، راحة كبيرة لا افعل بها شئ سوى وضع رأسها بين ذراعى والدتها فقط
هي الوحيدة من تستطيع تفهم تخبطاتها، تتفهم محاربتها لنفسها ألف مرة قبل الناس
حتى أبيها الذي كسرته، كانت تستطيع والدتها تلين من معاملته القاسية لها!!
انتفضت من سباتها الذي لم تشعر به على صوت نجوى الحاد
-استنى هنا يا حضرت، انت فاكرها وكالة من بواب
فتح باب مكتبها لتقع عيناها على نسخة منه.. نسخة اشد مكرًا وشراسة ليبتسم داود بسخرية قائلا بصوته الاجش محملاً بكم من الوعيد الداخلى
– مرحبا يا شادياااه، حقا لقد استهنت بك لفترة من الوقت لكن اليوم لقد غيرتى توقعاتى عنك

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية أترصد عشقك)

اترك رد