روايات

رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم مريم محمد غريب

 رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم مريم محمد غريب

رواية وقبل أن تبصر عيناك البارت الثامن والعشرون

رواية وقبل أن تبصر عيناك الجزء الثامن والعشرون

رواية وقبل أن تبصر عيناك الحلقة الثامنة والعشرون

_ أريدك أنتِ ! _
ترددت قليلًا قبل أن تحسم ذاك الصراع الهزلي بداخلها بين كبريائها الأخرق و رقة قلبها، ضربت بهذا الكبرياء عرض الحائط لتفوز رقة القلب بالطبع.. فور أن خفتت أصوات المشاجرة التي تنصتت على جزءً منها
أغلقت باب شقتها.. الشقة الجديدة التي أمست تتقاسمها مع “رزق”… زوجها !
هبطت الدرج ثلاث طوابق وصولًا إلى شقة عمها “عبد الله”.. كان الباب مفتوحًا، فقرعت عليه رغم ذلك و هي تمد رأسها عبره قليلًا، لترى كلًا من “عبير” و “نجوى” و أيضًا “فاطمة” معهما..ثلاثتهن يجلسن بغرفة المعيشة المفتوحة أمامها… و كما ترى “فاطمة” المسكينة، في حالة يرثى لها كما توقعت، رغم أنها لا زالت جاهلة بالتفاصيل …
-مساء الخير ! .. هتفت “ليلة” بصوتها الرقيق في بادرة لطلب إذن الدخول
جاء رد “عبير” الأكثر حفاوةٍ فورًا :
-ليلة !
إدخلي يا حبيبتي. خطوة عزيزة. تعالي تعالي ماتقفيش على الباب كده …
إبتسمت “ليلة” و هي تلج بخطوات متحفظة و قالت :
-أنا جاية أطمن على بطة. بصراحة سمعت صوتها من فوق بتصرخ.. خير يارب !
قامت “عبير” لتستقبلها بنفسها و هي تقول بتلطيف :
-بطة زي الفل أهيه يا حبيبتي. ماتقلقيش.. إنتي إيه إللي نزلك بس يا عروسة ؟ ده يصح بردو إحنا إللي حقنا كنا نطلع و نطمن عليكي. حقك علينا يابنتي و الله
-و لا يهمك يا طنط عبير.. المهم بطة !
و أطلت على إبنة عمها التي جلست فوق الأريكة وحدها ضامة ساقيها إلى صدرها و تبكي في صمتٍ، ألمها قلبها حين رأت ذلك، و ما كادت تقتري منها أكثر
إرتعدت بقوة عندما قفز صوت السيدة “نجوى” من خلفها فجأة شبه صارخًا …
-يعني مصممة تتجاهلي أمك يا بطة ؟ بتعاقبيني بسكوتك و حتى مش قابلة تبصي في وشي ؟؟؟
أنا كنت عاملتلك إيه ؟ كان في إيدي إيه أعمله و ماعملتوش ؟؟؟ روحي
و الله مش مسمحاكي.. مش مسمحاكي يا بطة. و أديني أهو غايرة من وشك !!!
و هرعت تجاه باب الشقة لتخرج، لتتبعها “عبير” راكضة في إثرها …
-إستني يا نجوى.. يا نجوى مش كده.. بقولك إستني !!
أصدرت “ليلة” تنهيدة مرتاحة في هذه اللحظة، هكذا صارت الأجواء أفضل بكثير.. و قد خلا وجه المسكينة.. تطمئن عليها و تؤازرها جيدًا …
-بطاطا !
إرتفع رأس “فاطمة” في الحال محملقة بقوة بوجه “ليلة” المبتسم في وداعة متناهية …
كان تلك الكنية المحببة لقلبها، الآن عندما سمعتها، خاصةً منها هي.. أحست و كأنها ملحًا يضاف فوق جروحها
لكن مع ذلك لم تستطع رفض اليد التي مدتها “ليلة” نحوها، حين جلست إلى جوارها ماسحة على رأسها باليد الأخرى بحنانٍ يليق بها… أفلتت من بين شفاهها شهقة باكية.. و ما كانت هي إلا إذنًا داخليًا دفعها بالقاء نفسها بين أحضان الأخيرة، و من ثم الإنتحاب على صدرها بكل قهرٍ و مرارة
و كم أحسنت الاختيار، التوقيت المناسب و الشخص المناسب، من المفترض أن تكرهها و تحقد عليها، لكنها لا تعلم كيف يحدث هذا !
لا يسع “فاطمة” بوجود “ليلة” المتخم بكافة مظاهر مد العون و كل هذا اللين و اللطف.. إلا أن تنسى الضغينة و الخصومة المبطنة بينهما.. كما يحدث الآن، و هي تضمها بحنوٍ هكذا و تهون عليها
إنها مثل قوة جذب خفية.. علاقة ودّية لا تخضع لأيّ قانون أو ليس لها أيّ صفة …
_______________
لم تستغرق رحلته بالعودة إلى الوعي وقتًا طويلًا …
بل كما قال الطبيب، إن هي إلا ساعة أو أقل و سيفيق.. و رغم أنه قضى الليلة السابقة ساهرًا… إلا أنه كان أكثر حرصًا على اليقظة باكرًا
لكنه لم يكن يتوقع أن يشعر بكل هذا الحجم الهائل من الألم.. بمجرد تحريك حدقتيه أسفل جفنيه المغمضين …
-آاااااااااااااااه !
خرجت الآهة من أعماقه خافتة محمّلة بآلامه و معاناته التي إنبثقت من نقطةٍ ما بذاكرته الآن …
فما لبث أن شعر بذراعيّ أمه تحيطان به، ثم سمع صوتها يهمس باكيًا بالقرب منه :
-مصطفى !
حمدلله على السلامة يابني يا حبيبي.. ماتخافش يا حبيبي. أنا أمك.. أنا أمك جمبك.. ماتخافش يا حبيبني إنت كويس يا مصطفى …
كافح “مصطفى” بكل قواه الخائرة ليزيح أجفانه و يحرك أطرافه في آنٍ و هو يغمغم بصوتٍ متحشرج ألمًا :
-فـ.. فا طمة… فاطمة ….
و بعد عدة محاولات نجح في أن يبصر كليًا رغم قطرات العرق المنداحة فوق جبهته مبللة أهدابه.. كان يقاوم ذراعيّ أمه بجهدٍ ضئيل بغية النهوض، بينما تواصل الأخيرة تهدئته :
-على مهلك يا حبيبي. ماينفعش تقوم من السرير كده.. طيب إنت عايز إيه أجبهلك ؟!
لكنه لم ينصت لها …
فاضطرت “هانم” إلى الإذعان له، فساندته حتى جلس معتدلًا فوق السرير الطبي، و هنا بدأ يعي الأمر تدريجيًا
بدءً من النظر إلى الشاش العريض الذي يلف جزعه العلوي بالكامل، وصولًا إلى فحصٍ سريع لمحتويات الغرفة الطبيّة.. ثم أخيرًا حطت نظراته فوق محيا أمه الشاحب المخبر عن ساعاتٍ طوال قضتها في البكاء عليه
بينما كان مستمرًا بالنظر إليها هكذا، أخذت الذكريات تنهال فوق رأسه كالمطر، ذكريات ليلة أمس كلها، و وصمة الخزي التي صنعها له و لزوجته.. و ذكريات ساعة الظهيرة… حيث أبيه يحط من شأنه و يجلده أمام قومه.. يعذبه و يهينه و يذله.. يفعل كل هذا دون أن يرف له جفن
لا إراديًا… لا شعوريًا.. تجمعت الدموع بعينيّ “مصطفى” و هو ينظر إلى أمه مكسورًا مهزومًا… ثم يغمغم بين شهقتين باكيتين :
-أبويا… أبويا !!!!
لم تحتاج “هانم” أكثر أو أقل من هذا، لتجهش من جديد بالبكاء المرير و هي تضم رأس إبنها في صدرها، لتختلط أصوات بكائهما معًا، و تتضافر نفس المعاناة و القهرة لكليهما
و السبب واحد.. “سالم الجزار” …
°°°°°°°°°°°°°°°°°°
مزاجه لم يختلف عنهما شيئًا في هذه اللحظة، و هو يقف الآن أمام واجهة الغرفة الزجاجية ناظرًا نحوهما، كانت الدموع تترقرق بعينيه بالفعل
خشى كثيرًا لو يتطور الوضع به دون داعٍ، إذ بطالما كان فياض المشاعر، لكن الشكر، كل الشكر له، الذي أتى و أنقذه قبل ذلك …
-إيه الأخبار ؟
إنتفض “حمزة” بخفةٍ حين تسلل صوت “رزق” إلى مسامعه بهذه الطريقة المباغتة …
أدار وجهه نحوه، فإذا به يقف إلى جانبه تمامًا، تنهد “حمزة” بثقلٍ و هو يفرك عينيه قائلًا بتعبٍ واضح :
-زي ما إنت شايف.. لسا مصطفى فايق مابقلوش كتير. بس حالته النفسية واضحة !
ربت “رزق” على كتف أخيه نصف الشقيق و هو يقول مطمئِنًا و ناظرًا بنفس الوقت عبر الواجهة الزجاجية نحو “مصطفى” و أمه :
-ماتقلقش.. أخوك مصطفى عنيد. حتى الحالة إللي هو فيها دي. هايعند فيها و هايقوم أشد من الأول
-إن شالله ! .. تمتم “حمزة” قبل أن يتطلع إليه ثانيةً
-عملت إيه مع أبويا ؟
-إللي كان لازم يتعمل.. قولتلك ماتقلقش.. كل حاجة هاتبقى تمام
-أنا خايف بس لما مصطفى يرجع يــ آ ا …
-حمزة ! .. قاطعه “رزق” بضيقٍ به نسبة إنفعال، و أردف بحزمٍ  :
-أخوك أنا هاطلعه بنفسي بكرة. و هاخده بإيدي لحد البيت.. و أبوك يبقى أبوك. هو الكبير و لا نسيت ؟ الكبير عارف كويس تصرفاته
أومأ “حمزة” له و غمغم منكس الرأس :
-ماشي يا رزق.. ماشي إللي تشوفه !
قاطعهما معًا الآن رنين هاتف “رزق” …
نبش “رزق” بجيب سرواله و أستلّ الهاتف، ليلمح إسمها يتوسّط الشاشة المضاءة.. زفر بنفاذ صبرٍ… لكنه أدرك أنها المرة فوق العاشرة التي تتلفن له منذ البارحة و قد أهملها و لم يرد
لذلك قرر أن يفعل هذه المرة خشية أن تكون في ضائقة ما أو أن شيئًا أصابها …
-هارد على المكالمة دي و راجعلك ! .. خاطب أخيه بذلك، ثم مضى بعيدًا على عجالة و أجاب الإتصال :
-آلو ! .. أيوة يا نسمة
أتاه ردها نزقًا و حافلًا في الحال :
-أيوة يا نسمة !!!
إنت بتهرج يا رزق ؟ و توك ما افتكرت ترد عليا ؟!!
إنت جايبني هنا في الشقة دي و راميني زي الكلبة عشان يخلالك الجو مع عروستك صح ؟؟؟
وفوقيها مش بترد على مكالماتي. مافكرتش أبدًا إن ممكن يكون حصلي حاجة مثلا و لا وقعت فوق راسي أي مصيبة و إنت بعيد ؟؟؟؟
أنا نفسي أفهم إيه وضعي في حياتك. أنا مش بقيت مراتك ؟ و لا إنت لسا فاكرني الـ×××××× بتاعة زمان !!!!
-نسمــــــــــــة !
كان قد فر من داخل رواق الغرف و إنتقل إلى الشرفة العامة المفتوحة كي ما يستطع الصياح بحدةٍ هكذا …
ضغط بقبضته الفولاذية على الهاتف و هو يستطرد بخشونة لا تخلو الغضب :
-الكلمتين دول لما أشوفك هاتتحاسبي عليهم.. بس كفاية دلوقتي أقولك رزق الجزار مابيتجوزش ×××××× إنتي سامعة ؟
لو كنت أعرف إنك شايفة نفسك كده قبل ما أتجوزك ماكنتش عملتها. بس ملحوقة. كل حاجة ملحوقة. و جايلك و هاعملك إللي في نفسك حاضر
توقع أن تتراجع عن موقفها و تعتذر عن أقوالها، لكنها عوض ذلك صرخت بضراوةٍ أشد :
-هو ده إللي ناقصك. دلوقتي بتذلني ؟؟؟
و أنا إللي كنت بسأل اتأخرت ليه !!!
أقولك. أعمل إللي إنت عايزه. ياكش تيجي تو٠لع فيا عشان ترتاح …
في هذه اللحظة أدرك جيدًا مدى سوء حالتها، فقرر هو أن يتراجع عن هجومه قليلًا و هو يقول بحنقٍ عبر أسنانه :
-إنتي مالك ؟ جرالك إيه بالظبط ؟ عمرك ما كنتي كده و ياما أنا اتأخرت عليكي أكتر من كده
إيه إللي حصل دلوقتي ؟؟؟؟
توقع ردًا …
لكن بكاء !
هذا ما لم يخطر له الآن أبدًا …
-و كمان بتعيطي ؟ .. غمغم بانفعالٍ، و تابع :
-في إيه يا نسمة إنطقي.. مالك ؟؟!!
إنتظر بفروغ الصبر جوابها، و هو ما لم تعطيه إياه إلا بعد نصف دقيقة.. إذ قالت بصوتٍ ممزق بالنحيب :
-حاول تجيلي من فضلك… أرجوك تعالى يا رزق. أرجوك !
و أغلقت الخط …
أجفل “رزق” بشيءٍ من التوتر و هو يرفع الهاتف عن أذنه و يلقي نظرة بالشاشة المطفئة الآن… فكر بكلامها لبرهةٍ.. تعذر عليه رفض طلبها بعد أن حدثته بتلك النبرة و توسلته بهذه الطريقة
إنها حقًا منفعلة، غضبى، مِما يا ترى !
شد “رزق” ياقة قميصه و تشممها، كانت هناك رائحة دماء بالفعل، ربما يخفي آثارها لون قميصه الأسود، لكنه يعرف مسبقًا.. فقد حمل أخيه على كتفيه و هو مضرجًا بدماؤه
و الآن لا يستطيع أن يذهب لها على هذه الهيئة، يعلم أنها فرصة ذهبية، فوالده لن يرد إلى ذهنه في هذه الظروف بأنه يفكر مجرد التفكير بالذهاب إلى عشيقته التي أمست زوجته
و لكن يتحتم أن يمر إلى البيت أولًا، يغتسل و يبدل ثيابه، ثم يتجه رأسًا إليها ….
_______________
مثلها مثل أيّ فتاة حديثة السن مهووسة بالحواسيب المصغرة و الهواتف الذكية …
كانت “سلمى” معتادة بأن تمضي بوقتها كله بين تصفح التطبيقات الشهيرة Facebook, Instagram, Tik Tok, Snapshot
و غير ذلك الكثير… كانت مولعة بتفقد العالم الخارجي، و تهوى أن المكوث هكذا أمام هاتفها الذي يشكل نافذة تطل منها على العوالم التي تحلم بزيارتها، رغم أنها تعرف بأن هذه الأحلام مستحيلة.. لكنها لم تكف أبدًا عن التأمل… فمن ذا يدري كا تخبئه الأيام ؟
في شقة جدتها “دلال”.. حيث الهدوء التام و الخصوصية التي تنعم بها، بينما تجلس الجدة أمام التلفاز محاولة إلهاء نفسها عن الحزن الذي يعتصرها على حفيدها الراقد الآن بالمشفى
جلست “سلمى” بالصالون المقابل وحدها، نصف ممدة فوق الأريكة الكبيرة، كانت تشاهد و هي تضع سماعات الرأس مقطعًا لفتاةٍ تضع مساحيق التجميل بحرفيةٍ باهرة على أنغام غنوة غربية.. عندما تلقّت إتصالًا مجهولًا فجأة على تطبيق واتساب …
إنتفضت جالسة بشكلٍ معتدل، توترت بشدة، فهي لا تعرف أحد.. بمعنى أصح لا تعرف سوى عدد من الفتيات هنا بالحي و بقية أفراد عائلتها.. و جميعهم مسجلون لديها بالقائمة
فمن أين يا ترى جاء هذا الرقم الغريب ؟؟؟؟
حاولت “سلمى” أن تسترخي قليلًا و ترد المكالمة، لعلها إحدى صديقاتها ضيعت خطها و أرادت أن تعلمها بذلك.. و لكن بعد فوات الأوان
قبل أن تضغط باصبعها إنقطع الخط …
و قبل أن تستوعب جاء إتصالًا آخر، نفس الرقم، لكنه على الخط العادي
ألقت “سلمى” نظرة نحو جدتها، بيّد أنها لم تنتبه عليها مطلقًا، لذا سارعت “سلمى” و قامت بخفةٍ ماشية نحو إحدى الغرف.. تخفت داخلها و فتحت الخط و قلبها يخفق بسرعة لا تدري لما …
-آلو !
-كنت خايف ماترديش !!
جحظت عيناها بصدمة عندما سمعت ذلك الصوت الرجولي …
ردت بصوتٍ أجش :
-مين معايا ؟!!
أجاب الطرف الآخر بلهجةٍ عذبة رخيمة :
-لو كنتي بتركزي مع الناس كنت قولتلك حزري. لكن إنتي إمبارح ماكنتيش شايفة حد خالص.. كنتي بس فراشة. زي الفراشة بالظبط و إنتي بترقصي في حضن أخوكي و بتضحكي و هو شايلك و إنتي بردو مش طايلة كتفه حتى.. قوليلي صحيح إنتي عندك كام سنة يا سلمى ؟
كانت أنفاسها مهتاجة و هي تستمع إلى كلامه و راسها يدور من فرط الارتباك و التوتر، لكنها وجدت القوة لتقول بحدة مهددة :
-بقولك إيه.. أنا ماعرفش إنت مين. بس أنا متأكدة إنك إنت تعرف أنا مين.. أقفل بالذوق كده و ماتتصلش على الرقم ده تاني. أحسن و الله أروح و أقول لابويا و اخواتي و هما هايجبوك من قفاك لو كنت فين !!
أجفلت باضطرابٍ حين سمعت ضحكته المجلجلة بانطلاقٍ، يعقبها صوته ذي اللهجة الكسولة :
-الله عليكي يابنت الجزارين. تعجبيني و الله.. أنا كنت متوقع ردك ده و مستنيه. عامةً إنتي استني.. لو عايزة تعرفي أنا مين.. الاجابة هاتعرفيها قريب جدًا
تمتمت “سلمى” بانفاسٍ لاهثة :
-إنت عايز مني إيه ؟ جبت رقمي منين ؟ مين إدهاولك ؟؟؟؟
-كل ده هاتعرفيه قريب قولتلك.. بس ممكن دلوقتي أقولك أنا عايز منك إيه… أنا عايزك إنتي يا سلمى. عايزك إنتي !
و إنقطع الإتصال …
لتبقى هي كما هي، تحدق في اللاشيء ببلاهةٍ و ى كلماته يرن بأذنيها بوقعٍ مخيف و مثير في آنٍ !!!
-يا سلمــــــى !
إرتعدت فرائصها لحظة سماعها نداء جدتها الجهوري، خلعت سماعة الرأس و رمت بالهاتف فوق السرير القريب، ثم إنطلقت إلى الخارجه مهرولة …
-أيوة يا ستي !!
-كنتي فين يابت و أنا بندهلك ؟!! .. قالتها “دلال” بنزقٍ غاضب
بررت “سلمى” بمزيد من الاضطراب :
-الموبايل ياستي كان هايفصل شحن و مافيش كخربا في الصالون ف دخلت أحطه يشحن في الأوضة.. كنتي عايزاني في إيه طيب !!
إلتوى محيا السيدة العجوز بقرفٍ و هي تشير لها بتلويحة يد قائلة :
-خال ليلة بت عمك جه يباركلها. واقف برا قصاد باب الشقة.. حطي حاجة على راسك و إطلعي وياه لحد شقتها. وصليه و تنك نازلة على هنا.. يلا بسرعة يا بت !
______________
لم تشاء أن تضغط عليها أكثر …
و إكتفت بأن حملت معها و لو قليلًا من الأثقال التي كادت تزهق روحها، لولا وجودها إلى جوارها، لم تذكي نفسها، و لكنها سعيدة بتقديمها القليل من المساعدة المعنوية لتلك الفتاة المسكينة
لا زالت لا تعرف ما هي المشكلة تحديدًا.. لكن بحدسها خمنت… و كم تتمنى لو يخطئ هذا التخمين.. فتاة مثل “فاطمة” لا ينبغي أن تصارع هذا النوع من البلايا.. إنها رقيقة للغاية و عديمة الخبرة !
الآن تتركها “ليلة” بشقة عمها “عبد الله” و زوجته، كان مكانٍ آمن و ملاذ يحتضنها، فلم تقلق بشأنها
و بينما كان في طريقها للصعود إلى شقتها، إنتبهت لخطوات ضئيلة فوق الدرج من الأعلى، ثم لمحت “سلمى” تهرع نحوها  …
-سلمى ! .. هتفت “ليلة” متفاجئة
-إنتي كنت طالعة عندي و لا إيه يا حبيبتي ؟!
إبتسمت “سلمى” لها فبانت غمازتها و هي تقول بصوتٍ متقطع بعض الشيء :
-آه كنت طالعة عندك.. خالك لسا جاي و ستي قالتلي أوصله لحد شقتك و أنزل علطول. بس طلعت مالقتكيش. ف سيبته قدام الباب و نزلت أدور عليكي.. أنا هانزل لستي بقى قبل ما صوتها يطلع و تزعقلي. يلا باي !
و تجاوزتها “سلمى” مسرعة للأسفل …
أما “ليلة”.. فقد نظل عليها الخبر كالصاعقة… ماذا يفعل ذاك الحقير هنا ؟
ما الذي جاء به ؟ لا تقسم… لكنها حتمًا نهايته اليوم !!!
-إنت إيه إللي جابك هنا ؟؟؟؟؟
كان رجلٌ ربما جاوز منتصف الخمسين نحو الستين من عمره، متوسط القامة، نحيل بغير نحافة، صاحب بشرة، أصلع الرأس، بلحية رمادية، و شاربٌ كث
كانت يرتدي نظارة شفافة، و هندامه الذي يخبر عن مدى ثرائه و مستوى معيشته، لا يمكن أن يوحي للرائي كم هو في الحقيقة شخصٌ حقير و وضيع و سافل …
-ليلة ! .. هتف “عزام الوديدي” و هو يلتفت نحوها حاملًا بين يديه علبة كبيرة ملفوفة بورق الهدايا
-صباحية مباركة يا عروسة. يا حبيبة خالوا !
كانت إبتسامته السمجة آخر ما ينقصها لتحل أمام مباشرةً، لا يفصلهما سوى ثلاث خطواتٍ، توسعت عيناها و هي تفتح فاها كأفعى تبث كلماتها كالفحيح :
-إنت مستعجل على قضاك للدرجة دي. جايلي لحد هنا برجليك ؟
قولتلك أنا رجعالك.. إيه. نفسك تموت أوي كده يا عزام ؟؟؟!!
ابتسم لها بوقاحةٍ و قال :
-لأ الصراحة مش نفسي في الموت خالص دلوقتي.. بس في حاجة تانية نفسي فيها موووووت !
و إنحدر بنظراته إلى فتحة كنزتها …
تمالكت “ليلة” نفسها بصعوبة، لكنها في الوقت ذاته رفعت طرف كنزتها بحركةٍ عصيبة لتظهر له سلاحها الخاص مغمغمة بخشونة تحاكي أصوات الرجال من شدة إنفعالها :
-قسمًا بربي.. لو مامشيتش من هنا حالًا لافجر راسك دي و استحمى في بركة دمك قصاد الكل !!!
من جديد، و تأثرًا بوصف تعبيراتها الدموية التي تثيره كثيرًا، إلتمعت في وجهه إبتسامة أخرى سادية و هو يقول بخبثٍ :
-إهدي. إهدي يا حبيبتي. أنا مش جاي أعكر مزاجك يا عروسة.. بالعكس. ده أنا جاي أباركلك و أشرفك قدام أهلك زي ما شرفتيني. أومال.. مش أنا خالك بردو ؟!
و أغتنم فرصة شلل الغضب الذي أصابها الآن بسبب كلماته، لينحني نحوها قليلًا و يهمس كما لو أنه يبوح لها بسر :
-بصراحة كنت قلقان و مارضتش أقرب منك خالص لحد ما يتم الفرح و أشوفك هاتتصرفي إزاي.. بس زي ما أنا شايف. طلعتي بت بصحيح و عملتي شو قصاد حي الجزارين كله مش بس قصاد جوزك.. فاجئتيني …
و إرتد للخلف كما كان محركًا لسانه فوق شفاهه بايحائية فاحشة مغمغمًا :
-قوليلي بجد.. عملتيها إزاي يا ليلة ؟!
فقدت السيطرة على أعصابها في هذه اللحظة و سحبت السلاح الذي يعرفه تمامًا من غمده، حررت صمام الأمان بحركة محترفة من كعب حذاؤها، ثم أشهرته فورًا نحو رأس الأخير و هي تشهق و تزفر أنفاسها باهتياجٍ مستوحش
مع ذلك، لم يرمش للمدعو “عزام” جفن و هو يقف أمام هذا التهديد.. بل ثبت بمكانه رامقًا إياها بتحدٍ سافر …
-ليلة !
توقف المشهد للحظة، عندما غطى صوت “رزق” على الأجواء فجأة !
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية وقبل أن تبصر عيناك)

اترك رد