روايات

رواية في حي الزمالك الفصل التاسع و العشرون 29 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك الفصل التاسع و العشرون 29 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك البارت التاسع و العشرون

رواية في حي الزمالك الجزء التاسغ و العشرون

رواية في حي الزمالك الحلقة التاسعة و العشرون

الرِّسَالَة الْأَخِيرَة 🤎🦋✨

“وي أر إن ديب ديب شيت!!!”

نبست أفنان بنبرة أقرب إلى الهمس وهي تشعر بأن قلبها على وشك أن يتوقف، تلتفت لرحيم الذي توتر هو الآخر بالرغم من أنه ليس من نوعية الأشخاص الذين يُصابون بالتوتر أو القلق بسهولة لكن لغة جسد أفنان نقلت إليه ذلك الشعور، نظر نحوها بهدوء تام وهو يهمس لها بالآتي:

“بصي Calm down & act normal ‘اهدأي وتصرفي بطريقة طبيعية’.” أومئت هي على الفور بدون تفكير وهي لا تدري ماذا ينوي أن يفعل لكن لا خيار لديها على أي حال، لذا أخذت تدعو ان يستطيع أن يُنقذها من ذلك المأزق.

“يعني ديه مش ال Birthday party ‘حفل عيد الميلاد’؟” سأل رحيم بصوتًا مسموع إلى حدٍ ما كي يصل إلى ريماس لتُجيبه أفنان بجديه وبنبرة الصوت ذاتها وهي تُردف:

“لا حضرتك أحنا حاجزين المكان هنا لخطوبة أختي.”

“تمام، I am so sorry ‘أنا أسف’، واضح أن ال GPS مهنج.”

“حصل خير يا فندم.” علقت أفنان قبل أن تبتعد لترحل ويفعل رحيم المثل، كانت ريماس تراقب المشهد عن كثب وهي تضع أحدى يديها على خصرها وتبتسم نصف ابتسامة تقترب منها أفنان وهي تُخفي العُلبة خلف ظهرها.

“في حاجة يا ريماس؟”

“أنتي فاكرة التمثيلية الخايبة اللي أنتوا عملتوها دي هتخيل عليا؟”

“تمثيلية أيه؟ وأنا ومين أصلًا؟” سألت أفنان بمراوغة وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها.

“الشاب الحلو اللي كان واقف ده، عارفة الحاجة الوحيدة اللي ممكن تخليني أصدق أنك متعرفيهوش هو أنه شكله ابن ناس أوي عن أنه يصاحب واحده شَلق زيك، أنتي آخرك تبقي خدامة عنده.”

قالت ريماس بنبرة مُستفزة للغاية، في البداية حاولت أفنان أن تتحكم في أعصابها لكن مع تزايد كلمات ميرال المُهينة لم تشعر أفنان بنفسها سوى وهي تجذب ميرال من خصلات شعرها البنية بقوة لتصرخ الآخرى بآلم بينما تقول أسنان من بين أسنانها:

“أنتي لو اتكلمتي عني كده تاني يا ريماس محدش هيعرف يخلصك من ايدي أنتي سامعة!!”

“ابعدي يا مجنونة أنتي! وعلى فكرة بقى أن هكلم خالو أحكيله عاللي شوفته وهو هيتصرف معاكي.”

صاحت ريماس وهي تحاول الإفلات من قبضة أفنان بينما وقعت عين أفنان بالصدفة عالبقعة الزرقاء التي اتخذت موضعًا على ذراع ريماس، كانت ريماس تنظر نحو أفنان بتحدٍ شديد.

“بابا عارف عني كل حاجة، أنا مش بخبي عنه حاجة.” كذبت أفنان ولكن نبرتها كانت ثابتة نوعًا ما لكن الآخرى قهقهت بسخرية وهي تُردف بثقة:

“هتصل ونشوف الكلام ده سوا بقى!”

“اتصلي، وأنا برضوا هكلم باباكي وأقوله على فلوس المحل اللي أمك بتلهفها مننا كل أول شهر، تعب أبويا وشقاه اللي أنتوا بتاخدوه من ورا أبوكي.”

اضطرت أفنان إلى استخدام البطاقة الأخيرة التي في صالحها، فوالد ريماس لا يعرف الكثير عنهم بحكم سفره الدائم وكانت أفنان واثقة تمام الثقة أنه لا يعرف أن زوجته تحصل على ورث شقيقها ظُلمًا.

“هي.. ماما بتعمل كده بجد؟”

“بطلي تمثيل يا ريماس ما أنتي أكيد عارفة متعمليش فيها ملاك برئ، عمتًا براحتك كلمي بابا وأحرجي نفسك واستحملي بقى المشاكل اللي هتحصل بين باباكي ومامتك.”

ازدادت نبرة أفنان ثقة وهي تراقب الإضطراب البادي على ملامح ريماس، ابتسمت أفنان ابتسامة جانبية وقد شعرت بأن إنهاء تلك المشكلة أصبح أمرًا وشيكًا لذا أضافت على حديثها السابق الآتي:

“وبعدين تفتكري أني لو في بيني وبينه حاجة هجيبه لحد هنا وكل الناس موجودين؟ أنا مش مغفلة للدرجة دي.”

صدقت أفنان فما كانت لتفعل شيئًا غبيًا كهذا، ولكن كل ذلك حدث بسبب المُغفل الآخر الذي يظن نفسه يعيش داخل أحدى قصص أميرات ديزني الرومانسية أو أحدى المسلسلات التركية وها هو قد رحل الآن بعد أن حلت الكارثة على رأس أفنان.

“ولو برضوا مش هتعرفي تخليني معملش كده، برضوا هكلم خالو.”

“ريماس أنتي فين؟ كل ده بتشوفي قريبتك!!!”

صاح خطيب ريماس بحنق والذي جاء من اللامكان لتنتفض كلتاهما بفزع، تنظر نحوه ريماس ببعض الإضطراب قبل أن تُردف:

“كان معاها تليفون فكنت مستنياها تخلص.” نظرت أفنان نحو ريماس ببعض الدهشة، فهي لم تتوقع أن تكذب من أجلها بل توقعت أنها ستُخبر كل من تراه بما حدث قبل قليل.

“طيب يلا ادخلوا بدل ما حد يضايقكوا.”

“اسبقوني أنتوا وأنا هحصلكوا.”

حاولت أفنان التملص منهم كي تستطيع مهاتفة والدها قبل أن تفعل ريماس لكنها فوجئت بريماس تنظر نحوها بترجي نوعًا ما وهي تقول:

“لا، تعالي معايا عايزاكي في كلمتين جوا.” نظرت نحوها أفنان بتعجب قبل أن تومئ بهدوء وتتجه نحو الداخل برفقتها.

“أنتي كنتي فين وسايباني لوحدي؟”

سألت ميرال وهي تجذب أفنان لتجلس بجانبها بينما يجلس نوح في الجهه الآخرى، دنت أفنان من أذنها وهي تُفسر لها بهمس:

“في كارثة، رحيم عملي سربرايز زي وشه وجه لحد هنا ابن المجنونة، لا متتخضيش كده الكارثة مش هنا، الكارثة أن ريماس شافتني معاه وعايزه تقول لبابا.”

“يا خبر أبيض!!! طب وهتعملي أيه؟” سألت ميرال بفزع وبصوت مسموع نسبيًا لينظر نحوها نوح بقلق فتنظر نحوه أفنان بإبتسامة سمجة وهي تنبس:

“خليك في حالك ها.”

“سيبك من نوح وخليكي معايا، هتعملي أيه؟”

“مش عارفة.. أنا والله كنت هقوله أصلًا لأني مش هقدر اخبي عليه أكتر من كده، بس هي لو فتحت بوقها وكلمته هي هتخرب الدنيا خالص.”

“طيب قومي اتصلي بيه دلوقتي وقوليله أنك لما نروح هتحكيله حاجة مهمة، عشان حتى لو ريماس نفذت تهديدها يبقى أنتي سبقتيها وحكتيله قبلها.”

“عندك حق، أنا هخرج أكلمه.”

غادرت أفنان المكان مجددًا واتجهت نحو الخارج لتحاول الإتصال بوالدها نظرًا لأنه لم يكن معهم بالطبع فلقد كان ذلك الإحتفال شبابي، أجاب والدها سريعًا بنبرته الحنونة المعتادة لتشعر أفنان بغصة في حلقها، تُحمحم بصعوبة ثم تُردف:

“بابا أنا عايزة احكي لحضرتك حاجة مهمة، حاجة كان المفروض حضرتك تعرفها من بدري.. مش هينفع نتكلم في التليفون لازم لما أشوفك بس أنا قولت أعرفك عشان لازم تسمع مني أنا، خوفت حد يسبقني ويوصلك الموضوع غلط…”

كان والدها صامتًا يستمع إلى حديثها حتى ظنت أنه أغلق الخط لتسأله هي بنبرة مُرتجفة:

“بابا أنت سامعني؟”

“سامعك، أنا مستنيكي لما ترجعي عشان ندردش براحتنا يلا روحي خليكي مع أختك متسيبهاش لوحدها.”

“حاضر يا بابا..”

أنهت أفنان المكالمة وتنهدت بحزن وقلق قبل أن تعود نحو الداخل مجددًا، حاولت أفنان جاهدة أن تبتسم وألا تُفسد احتفال شقيقتها لكن من داخلها كاد قلبها أن يهرب من موضعه هلعًا مما ينتظرها في المنزل، بالرغم من أنها تعلم أن والدها ليس بشخصًا عنيف أو شيئًا من هذا القبيل لكن غضبه منها ونظرة الخذلان في عيناه تكفي لجعلها حزينة مدى الحياة…

بعد ثلاثة ساعات توقفت سيارة نوح أسفل المنزل، ودع ميرال بكلمات مُبتذلة لم تستمع لها أفنان جيدًا فلقد كانت شاردة الذهن، لاحظت ميرال أن يد أفنان ترتجف أثناء صعودهم للسُلم لتقترب منها ميرال وتُمسك بيدها وهي تطمئنها قائلة:

“متخافيش يا أفنان، بابا طول عمره متفهم هو بس هيزعل منك شوية بس صدقيني لو خبيتي عليه ومخدتيش الخطوة زعله هيكبر أكتر والمشكلة هتكبر أكتر وأنا جنبك متخافيش.”

“شكرًا يا ميرال وبجد أسفة أني خليتك تشغلي دماغك بالموضوع ده في يوم زي النهاردة..”

“قدري بقى أنك تبقي أختي الصغيرة هعمل أيه بس؟ حكمة ربنا.”

نبست ميرال بمزاح وهي تضحك بلطف في محاولة منها لتلطيف الأجواء وجعل أفنان تهدأ قليلًا، طرقت أفنان الباب بخفة ليفتحه والدها على الفور وهو يبتسم لهم ابتسامة لطيف بينما يضم كلتاهما وهو يتمتم:

“وحشتوني لما غبتوا عني كام ساعة، أومال لما تتجونوا وتسيبوني أيه اللي هيحصل؟”

تمتم والدهم بنبرة حنونة لتنظر نحوه أفنان بقلبٍ مفطور لكن يقطع المشهد المؤثر قدوم والدتهم وهي تشكو لهم من والدهم مُردفة:

“ده أبوكوا جنني كل شوية يقولي اتصلي بيهم شوفيهم بقوا فين، الوقت اتأخر والساعة عدت عشرة.. ده حتى كان واقف قرب الباب من قبل ما تخبطوا.”

“ربنا يخليك لينا يا حبيبي وميحرمناش منك.” قالت ميرال ولم تجرؤ أفنان على التفوه بحرف، ألتفت نحوها والدها وهو يُخبرها الآتي:

“أفنان أنا هعملنا كوبايتين شاي وهجبلنا كحكتين من الأمك عملاهم ونقعد نتكلم في البلكونة على رواقة.”

“ماشي يا حبيبي..”

بدلت أفنان ثيابها سريعًا ثم غادرت الحجرة لتلمح والدها يجلس على كرسي داخل الشرفة وأمامه كرسيًا آخر وفي المنتصف طاولة صغيرة وُضعت عليها صينية، أقتربت بخطى بطيئة نحو الداخل قبل أن تجلس أمامه وهي تعبثت بأصابعها في توتر، يقطع والدها الصمت المُوتر وهو يقول:

“قولي يا أفنان أنا سامعك.”

“أنا.. مش عارفة ابتدي منين..” تفوهت أفنان بتلعثم وهي تفرك كلتا يديها بقوة لينظر نحوها والده بتعابير هادئة وهو يضع يده أعلى يديها لطمئنتها ثم يقول:

“اتكلمي يا أفنان متخافيش.”

“أنا هقولك بصراحة كل حاجة، أنا اتعرفت على شاب.. وبكلمه. مش بكلمه يعني.. بص هو الموضوع لما أنا كنت ماشية في الشارع و.. وكان في واحد متثبت وأنا ساعدته.. هو بعدها طلع اللي بيدربني في الشركة وكده..”

“وبعدين؟”

كان والدها يستمع إليها بإهتمام، بينما كانت تشعر أفنان بأن الكلمات كخناجر تجرح حلقها كلما حاولت التحدث، كانت تعابير والدها هادئة في البداية حتى وصلت أفنان إلى تلك النقطة حيث تطور حديثهم وتحديدًا عند المرة الأولى التي وافقت هي على الجلوس معه في المقهى.

“أحنا كنا في مكان عام والله، وطبعًا أنا مركبتش معاه العربية ولا عمره لمس أيدي ولا أي حاجة والله العظيم يا بابا، أنا عارفة أني غلطانه واتماديت في الغلط بتاعي.. هو بعدها احنا اتقابلنا مرتين كمان.. هو جيه النهاردة.. وأنا قولتله يمشي وكده.. أنا أسفة..”

“أسفة على أيه؟” سألها والدها بإستنكار وبنبرة منفعلة لم تعهدها أفنان من قبل، تتجمع الدموع في عينيها وهي تُردف بنبرة مُرتجفة:

“عشان خذلتك، عشان ضيعت الثقة اللي أنت اديتهالي..”

“كويس أنك مدركة كويس يا أفنان، أنا عيشت طول حياتي بدافع عنكوا وعنك بالذات قصاد أي حد وبقول أن بنتي حبيبتي عمرها ما تخبي عليا حاجة بس أنتي خذلتيني يا أفنان! أنا واثق أنه ملمسشي ايدك وواثق أنكوا مقعدتوش في مكان لوحدكوا لكن ده ميلغيش كون اللي عملتيه غلط ومش مقبول! وبعدين ما هي بتبدأ كده.. كلام ومقابلات وتنازلات صغيرة عن مبادئك وأخلاقك وواحدة الموضوع بيكبر.”

كان والدها يتحدث تارة بإنفعال وتارة بهدوء بينما جلست أفنان تستمع إلى حديثه وهي تعلم أنه لا يوجد تبرير مقبول لما فعلته لذا أخذت تدعو الله أن يعفو عن ذنبها وأن يُسامحها والدها… ساد الصمت لبرهة قبل أن تُعلق أفنان:

“أنا عارفة أني غلطانه والله، أنت عندك حق يا بابا.. أعمل فيا اللي أنت عايزه.. أنا أصلًا عملتله بلوك على كل حاجة ومش هكلمه تاني حتى بص حضرتك لو مش مصدقني خد تليفوني..”

“مش عايز أشوف حاجة، ولا حتى عايز أتكلم معاكي تاني، لسانك ميخاطبش لساني يا أفنان وأنا مش هاخد تليفونك عشان خلاص أنتي مبقتيش عيلة صغيرة عشان أعمل كده وأعملي حسابك أني هوصلك وأجيبك من الجامعة ما هو أنا مش عارف أنتي بتروحي فين من ورايا.”

أعلن والدها بحزم لتنظر نحوه أفنان بأعين مُحمرة ليُشيح بنظره بعيدًا عنها فتتنهد هي بحزن قبل أن تُردف بترجي:

“يا بابا أنا أسفة والله.. اعمل فيا اللي أنت عايزه بس متخاصمنيش أنا مش هستحمل اليوم يعدي عليا وأنت مش بتكلمني..”

“أنا قولت اللي عندي، ولو كلمتيه تاني من ورايا يا أفنان مش هيعجبك اللي هيحصل.”

“طب بص يا بابا خد التليفون وأنا مش هروح في حته من غيرك ووعد بجد مش هكرر اللي حصل ده تاني بس متعملش كده..”

“تصبحي على خير يا أفنان.”

تركها والدها غارقة في دموعها والندم يحرقها حية، أعادت خصلات شعرها نحو الخلف وهي تحاول كتم شهقاتها، لم يضربها والدها، لم يصرخ في وجهها بقوة لكن نظرة اللوم في عيناه، الخذلان في نبرته وكونه سيتجاهلها في الأيام القادمة كان ذلك كافيًا لجعلها تتمنى أن تختفي من الوجود، لعنت رحيم أسفل أنفاسها ولعنت نفسها ألف مرة أنها انساقت وراء كلامه المعسول وجاذبيته، فأين هو الآن بعد أن تسبب في جزء مما حدث؟!

دلفت أفنان إلى حجرتها لتدفن وجهها في وسادة سريرها وتُطلق العنان لدموعها بينما نظرت نحوها ميرال بحزن شديد قبل أن تقترب من وتضمها حتى تغفو أفنان بتعب بعد مرور ساعة من البكاء المتواصل.

أما عن رحيم فبعد أن ترك أفنان أخذ يتجول بسيارته بلا هدف، تمكن الضيق منه فأصبح يقود السيارة بطريقة جنونية لولا أن انتبه أنه قد تخطى السرعة المسموح بها وأنه قد يتعرض للمسألة أو مُخالفة، حاول أنس مهاتفته عدة مرات لكن رحيم لم يُجيب وقرر الإنتظار حتى يعود إلى المنزل فأنس يمكث هناك على أي حال.

“عجبتها السلسلة؟ أكيد عاجبتها دي غالية أوي، أيه ده مالك قالب وشك كده ليه؟!”

“هحكيلك بس من غير تهزيق..” نبس رحيم وهو يُلقي بسرتة بذلته الرسمية على السرير بعشوائية، سرد رحيم ما حدث لأنس لتتسع أعين الأخير بإستياء وهو يصيح بتوبيخ:

“يا خبر أبيض!!! أنت أيه اللي أنت هببته ده يا رحيم؟!”

“أنا حاسس بالذنب أوي.. أنا مكنش قصدي أسببلها مشكلة بس ده اللي حصل..” نبس رحيم بصدق وهو يمسح وجهه بيده بضيق لينظر نحوه أنس بطرف عيناه وهو يُردف بعتاب:

“أنا قولتلك مليون مرة تبعد عنها، حرام عليك يا أخي!”

“أنا بس كنت عايز أعملها مفاجأة وأفرحها…”

“مشكلتك يا رحيم أنك مش مستوعب أنت فين وبتعمل أيه مع مين، وعشان كده أنا قولت من البداية أن الموضوع كله غلط… أحنا في مصر يا رحيم وأفنان بنت من أسرة متوسطة ومتدينة، حياتها وتربيتها وعيشتها غيرنا خالص… أنت مش في England ‘إنجلترا’ عشان تعمل حركة رومانسية وتروح تفاجئ حبيبتك… ده على اعتبار أن أفنان حبيبتك أساسًا، اللي أنت عملته ده مش مقبول إطلاقًا وربنا يستر بقى وأبوها ميضربهاش ولا يمنعها من الخروج.”

أفصح أنس عن ما يجول في صدره منذ أن علم بعلاقة أفنان ورحيم، كانت كلمات أنس صادمة بالنسبة لرحيم ولربما بدت طريقته عنيفة بعض الشيء لكنه كان صادقًا في كل حرف تفوه به، أتسعت أعين رحيم برعب وهو يسأل أنس الآتي:

“هو بجد ممكن يعمل كده؟ لا أنت أكيد أوڤر، محصلش حاجة تستاهل أنه يعمل كده!!”

“أنت نسيت فريد كان بيعمل أيه معانا يا رحيم؟ الظاهر أن كتر السفر والعيشة برا نسوك المجتمع هنا عامل ازاي، بص يا رحيم.. أنت تنسى أفنان دي خالص ولا كأن مر عليك حد بالإسم ده.”

“مقدرش يا أنس… أنا ما صدقت لاقيتها!” نبست رحيم بقلة حيله ونبرة هادئة لينظر نحوه أنس بإمتعاض وهو يقول:

“الموضوع ده آخرته هتبقى غم عليكوا أنتوا الإتنين، براحتك بقى.”

“ليه كل حاجة صعبة كده؟ ليه مش متاح ليا اختار الحاجة اللي بحبها والموضوع يمشي زي ما أنا عايز؟”

“رحيم أنت نظرتك سطحية أوي، أفنان مش حاجة أنت بتحبها أو نفسك فيها، دي إنسانة وعندها مشاعر، شخصية وكيان وليها أهل مش مجرد حاجة أنت شبطان فيها عشان أهلك طول عمرهم بيتحكموا فيك.”

“أنا مش قصدي كده.. أنت فاهمني غلط، محدش قادر يفهمني! هي الوحيدة اللي كنت بحس أني مرتاح وأنا بتكلم معاها، مكنتش بحتاج أزيف ابتسامة أو أقول كلام مش عايز أقوله.. أنا تايه يا أنس.”

“وأنا جنبك يا رحيم وهفضل جنبك لحد أما نشوف الموضوع هيمشي ازاي، بس أبوس دماغك يا أخي سيبها في حالها على الأقل لحد أما تاخد قرار.”

“حاضر..”

في صباح اليوم التالي استيقظت أفنان بإرهاق شديد وسرعان ما تذكرت أن عليها الذهاب للجامعة اليوم بالرغم من أنها لا تذهب إلى الجامعة عادة في يوم السبت، فور اعتدال أفنان من نومتها أجتاحها آلم شديد في الرأس وشعرت بعدم الإتزان، قفز إلى رأسها ما حدث بالأمس وحديثها مع والدها، كلماته الحزينة، بكاءها المُستمر وعناق ميرال ثم لا شيء…

“أنتي عملتي ايه مخلي ابوكي مش بيكلمك كده؟”

سألت والدتها بفضول وهي تُعد الفطور لتتنهد أفنان بضيق ثم تُردف بإنفعال:

“لو سمحتي يا ماما سيبيني في حالي انا مش قادرة اتكلم في حاجة.”

“هو في أيه محدش طايقلي كلمة في البيت ده ليه النهاردة؟”

“هو بابا قالك حاجة؟”

“لا مقالش حاجة، هو أنتي عاملة حاجة؟”

“لا، أنا نازلة عشان الجامعة، سلام.”

“استني عندك أنا قولت هوصلك بالعربية.” بنبرة حازمة أعلمها والدها لتومئ دون أن تنبس ببنت شفة.

مرت الأيام متشابهة على أفنان من بعد ذلك اليوم، مر ما يقرب من الأسبوعان ووالدها يتجاهلها تمامًا بالكاد يتفوه بكلمه أو اثنتين معها، حاولت ميرال إصلاح الوضع لكن والدها نهرها ومنعها من التدخل سواء هي أو والدتها.

“أفنان الغداء جاهز.”

“مش جعانة يا ماما.”

“أحمد.. ما تشوف بنتك اللي مبقتش تاكل دي؟”

“سيبيها على راحتها يا رانيا أحنا مش هنتحايل على حد.”

تحدث والدها بنبرة حازمة وبصوتٍ مُرتفع متعمدًا أن يصل حديثه إلى أفنان، زفرت بضيق بينما أقتحمت ميرال الحجرة وهي تُشجع أفنان قائلة:

“ما تيجي تتغدي معانا يا بنتي.”

“قولتلك مليش نفس وسيبيني في حالي بقى.”

أمسكت أفنان أحدى كتابها متجاهلة ميرال التي أقتربت لتجلس أمامها وهي تسألها بفضول بينما تعبث في خاتم الخطبة خاصتها:

“هي ريماس كلمت بابا وحكيتله؟”

“لا، غالبًا لا يعني لو كان حصل حاجة زي كده كانت ماما هتيجي تهزقني.”

“اه تمام، طب هو… رحيم مكلمكيش تاني؟” سألتها ميرال بالمزيد من الفضول لتنظر نحوها أفنان بحدة قبل أن تُجيبها بتملل:

“أنا وعدت بابا أني مش هكلمه ولا هو محاولش حتى يكلمني، خرب الدنيا وأختفى.”

“أفنان هو أنتي كنتي واخدة موضوع رحيم ده جد ولا أيه؟”

“مش عارفة… هو أنا منكرش أن كان في إنجذاب… رحيم مش زي أي حاجة أو حد أن شوفته قبل كده واتعاملت معاه، هو چنتيل جدًا، لطيف، مُتفاهم وابن ناس في نفسه كده.”

“طب وده ملفتش نظرك لحاجة؟ مفيش حد فيه المميزات دي كلها أكيد في حاجة غلط… يالهوي هيطلع في الآخر تاجر مخدارات ولا أيه؟!!”

“تاجر مخدرات أيه بس؟ في تاجر مخدرات في الدنيا هيقول بابي ومامي؟ استحالة يعني.”

“لا ثانية واحدة هو بيقول بابي ومامي؟”

“اه أومال هيقول أيه؟ الواد أبوه مدير شركة وهم متعلم برا مصر، رحيم ده عايش في كوكب موازي حرفيًا، ولو كنتي بتسألي عن الغلط اللي في الموضوع فالموضوع كله على بعضه من الأول غلط من كل النواحي.”

بدأت أفنان حديثها بنبرة حالمة لكنها انتهت باليأس حينما عادت إلى أرض الواقع وتذكرت ما حدث وكيف انتهت علاقتها هي ورحيم قبل أن تبدأ.

“عشان خبيتي على بابا يعني؟ طيب ولو كان رحيم ده جيه اتقدملك كنتي هتوافقي؟”

كان سؤال ميرال مُباغت بالنسبة لأفنان، لم تُفكر في ذلك السؤال من قبل فهي لم تتخيل ولو لمرة أن علاقتها برحيم قد تصل إلى ذلك الحد أو ربما تخيلت مرة أو اثنتين لو أنها في علاقة رسمية مع رحيم لكن في تخيلاتها تلك لم تُفكر قط في مدى صعوبة الأمر واقعيًا، فأولًا: رحيم لا يبدو عليه أنه شخص يسعى للإرتباط الرسمي، ثانيًا: هناك اختلافًا كبير بين العالم الذي ينتمي إليه رحيم والعالم الذي تنتمي إليه أفنان، ثالثًا: مؤكد أن عائلة رحيم سترفض شيئًا كهذا فابالرغم من أن أفنان لم تراهم من قبل لكنها واثقة من ذلك فلقد رأته في العديد من الأفلام العربية القديمة.

“بقولك أيه قفلي عالسيرة دي خالص، أنا قايمة أذاكر.” حاولت أفنان الهروب من الحديث بشأن رحيم ومحاولة تشتيت تفكيرها عن ما حدث لكن هناك شيء ما قفز إلى عقلها فجاءة، لما لم تُهاتف ريماس والدها وتُخبره بما رأت؟ فهذه الفرصة لا تعوض.. أم أنها تحدثت إليه ولم يُخبرها والدها بالأمر؟ لكن مؤكد أنه كان سيعاتبها لأن الأمر قد وصل إلى أحد أفراد العائلة، كان هناك شيئًا خاطئ في الأمر لكن ذلك لم يهم أفنان كثيرًا في الوقت الحالي فكل ما يهمها هو أن تُصلح علاقتها بوالدها وأن تحظى على العفو والمسامحة منه..

في صباح اليوم التالي في منزل حامد البكري، استيقظ رحيم باكرًا على مكالمة هاتفيه ليهرول نحو الآخر النائم على الأريكة على معدته وخصلات شعره مُبعثره، يُحاول رحيم أن يوقظه بهدوء لكنه لم يستجيب.

“أنس اصحى في حاجة مهمة، يا ابني أنت!!” صاح رحيم على غير المُعتاد لكن الآخر لم يستجيب كذلك لذا لم يجد رحيم خيارًا آخر سوى دفع أنس من أعلى الأريكة ليسقط على الأرض بقوة.

“أيه في أيه البيت بيقع ولا أيه؟!!”

“اه في زلزال، قوم يا أنس خد Shower ‘استحم’ وألبس حاجة مُريحة عشان مسافرين.”

“نعم يا أخويا؟ مسافرين فين إن شاء الله؟”

“هنرجع London ضروري.”

“طيب لندن أيه الساعة عشرة الصبح؟ ممكن تفهمني في أيه؟” سأل أنس بغيظ وهو يُبعد خصلات شعره عن عيناه ويقوم بتعديل وضع السلسة الفضية خاصته.

“هفهمك لما نوصل، بسرعة عشان منتأخرش ال Tickets ‘التذاكر’ اتحجزت لينا بصعوبة عشان نعرف نسافر النهاردة.”

“رحيم هو أروى حصلها حاجة؟ متخبيش عليا لو في حاجة قولي.. هي حالتها بقيت أسوء طيب؟”

سأل أنس عدة أسئلة متتالية وقد أغرورقت عيناه وهم بالبكاء بدون سابق إنذار ليقترب رحيم منه وقد كوب وجه أنس بين يديه وهو يُردف:

“بس Calm down she is fine ‘اهدأ إنها بخير’ أحنا مسافرين عشان هي أتحسنت، كلكوني من هناك وال Assistant ‘المساعدة’ بتاعتي هناك أول لما عرفت الكلام ده إمبارح خلت حد يحجزلنا تذاكر.”

“بجد؟ اتحسنت ازاي طيب؟ فهمني؟ أنت ليه مش بتقولي كل حاجة مرة واحدة بتنقطني معلومة معلومة!”

“ما هو أنت مش مديني فرصة أتكلم يا أنس!!! اصبر ثواني وأنا هقولك، الدكتور بعتلي مسدچ قالي أنهم لاحظوا تحسن في إيقاع المخ وفي إستجابة بشكل مبدأي.”

“يعني هي كده هتفوق؟”

“قريب إن شاء الله، أنا حجزتلنا Tickets ‘تذاكر’ عشان نسافر النهاردة نطمن عليها بنفسنا.”

أوضح رحيم وقد نمت على شفتيه ابتسامة صغيرة حينما قدم المشيئة لا إراديًا لأنه اعتاد أن يسمع أفنان تقول ‘إن شاء الله’ في كل جملة تقولها تقريبًا، انتبه رحيم إلى الحماس والتوتر البادي على وجه أنس الذي تركه وهرول ناحية دورة المياه ليُبدل ثيابه دون أن يتفوه بحرفًا واحد.

“أنا جاهز.”

“وأنا كمان بس ثواني الدادة بتجهزلنا هدوم.”

“مش مهم نبقى نشتري من هناك يلا بس عشان منتأخرش.”

“لسه بدري على ميعاد الطيارة يا أنس، عمتًا أحنا مش هناخد حاجات كتير هي شنطة واحدة لينا أحنا الأتنين ونجيب اللي نحتاجه من هناك.”

“أنا خايف تفتح عينيها ومتلاقينيش جنبها، عايز أكون أول حد تشوفه لما تصحى.”

“متقلقش هنوصل على طول إن شاء الله، خلاص كفاية تأثر بقى عشان مشاعري رُهيفة.” تفوه رحيم بنبرة ساخرة وهو يبتسم نصف ابتسامة ليُلقي عليه أنس أحدى الوسادات وهو يتمتم:

“لا بس حلوة رُهيفة دي عرفتها منين؟”

“فيلم غالبًا، واستنتجت معناها، يلا كفاية رغي وتعالى نشوف الدادة خلصت التحضيرات ولا لا.”

في مساء ذلك اليوم وصل رحيم وأنس إلى وجهتهم بعد رحلة طيران دامت لخمسة ساعات بالإضافة إلى ساعتين تقريبًا للوصول إلى المستشفى، كان رحيم قد طلب من أنس أن يذهبوا إلى الفندق أولًا كي يرتاح أنس قليلًا من السفر لكن أنس رفض رفضًا تامًا حتى أنه لم يضع شيئًا في فمه منذ أن استيقظ لذا رحيم كان يخشى أن يفقد وعيه.

“أنس أنا عايزك تتصرف بهدوء متنساش أننا في مستشفى وهي Still ‘مازالت’ مريضة.”لم يُعلق أنس لكنه أومئ بهدوء، ترك أنس رحيم وذهب برفقة الممرضة كي ترشده إلى الغرفة حيث توجد شقيقته.

دلف أنس إلى الحجرة بخطواتٍ بطيئة وأقدام مُرتعشة، كانت نائمة هي على السرير الأبيض الذي يُشبه نقاء قلبها تمامًا، ملامحها الهادئة التي تُشبه إلى حدٍ كبير خاصة أنس عدا أن خصلات شعر أنس كانت داكنة أكثى من خاصتها، كانت بشرتها التي تميل إلى السمار شاحبة كثيرًا وكانت هناك آثار لبعض الندوب التي شُفيت لكنها قد تركت علامة، دنى أنس منها وبدأت عبراته في الإنهمار لا إراديًا راسمة خطوط متعرجة على وجنتيه، قبل أنس يد شقيقته لتهرب شهقه من فمه وهو يدعو الله بداخله أن تستيقظ شقيقته، أن تضمه مرة آخرى، أن تُطربه بصوتها الحنون وأن يسمع أسمه من بين شفتيها مجددًا.

“وحشتيني أوي يا أروى.. أنا وحش أوي من غيرك.. أنا ولا حاجة أصلًا من غيرك، العالم مكان وحش أوي ومُخيف بس أنتي كنتي دايمًا بتحميني، أنا محتاجلك تحميني دلوقتي يا أروى.. بس مش من العالم، من نفسي…”

قامت أروى بتحريك أصبع السبابة خاصتها، حركت جفونها ببطء شديد لكن دون أن تفتح عيناها بصورة فعلية، لكن ذلك كان كافيًا بالنسبة لأنس لتنتابه حالة من البكاء والضحك الهستيري وهو يُقبل رأس شقيقته بينما يتمتم:

“أنتي سمعاني صح؟ أنا عمري ما هبعد عنك أبدًا، أنتي نور عيني يا أروى.. أنا هفضل هنا جنبك لحد ما تخفي ونرجع بيتنا سوا.”

قطع تلك اللحظات المؤثرة دخول أحدى الممرضات وقد طلبت من أن أنس أن يرحل نظرًا لإنتهاء الوقت المُحدد للزيارة، كفكف أنس دموعه واتجه نحو الخارج ليجد رحيم قد غفى على الكرسي أثناء انتظاره لأنس، كان رحيم قد أسند رأسه على الحائط وقد ضم كلتا يديه إلى صدره بينما تبعثرت بعضًا من خصلاته على وجهه.

نظر نحوه أنس بمشاعر مختلطة، ربما الذنب لأنه قد أصر على رحيم أن يأتوا إلى هنا دون الحصول على قسطًا من الراحة أو ربما لأنه جعل رحيم يغادر مصر في رحلة ليست بقصيرة مرتين في فترة متقاربة، لكن الشعور الذي كان يغلب على قلب أنس هو الإمتنان والشُكر.. فهو لا يدري إن لم يكن رحيم بجانبه ماذا كان سيحدث له أو لشقيقته؟ لولا وجود رحيم لم يكن أنس ليصمد يومًا واحد في حياته البائسة تلك ولولا رحيم ما كان أنس ليحاول الإقلاع عن شرب الخمر، ابتسم أنس ابتسامة صغيرة قبل أن يُقبل كتف صديقه بإمتنان قبل أن يهمس:

“رحيم.. رحيم أصحى يلا عشان نروح.”

“أنت كويس؟ فيك حاجة؟”

“أنا تمام متخافش، أنت بس راحت عليك نومة وأنت قاعد حقك عليا.”

“الحمدلله أنك بخير، let’s go home ‘لنذهب إلى المنزل’.”

تفوه رحيم ليومئ أنس ويغادر كلاهما المكان متجهين إلى منزل عائلة البكري، فور وصولهم أخذ رحيم يتأمل المكان بينما زينت وجهه ابتسامة صغيرة، فهو لم يأتي إلى هذا المنزل منذ مدة طويلة فحينما جاء في المرة السابقة برفقة أنس كان قد قام بحجز جناح في أحدى الفنادق لكن هذه المرة كرر المكوث في المنزل فهو لا يدري كم يومًا سيلبث هنا حتى يُقرروا العودة إلى مصر.

كان الطقس باردًا في لندن مقارنة بمصر، لذا قرب رحيم ثوبه على جسده مُستشعرًا بعض الدفء بينما يُلقي نظرة شاملة على المنزل، ذلك المنزل المبني على الطراز الإنجليزي حيث قضى معظم أوقات طفولته هنا.

“ولا يا رحيم فاكر حفلات أعياد الميلاد اللي كنا بنعملها هنا.”

“فاكر طبعًا هي دي حاجة تتنسي؟ وال Balloons ‘البالونات’ اللي كنا بنحطها في الPool ‘حمام السباحة’ والزينات بقى، كانت حاجة مُبهرة جدًا وقتها.”

تحدث رحيم بحماس شديد وهو يلتفت حول نفسه كطفلًا صغير ليتمتم أنس بسخرية:

“كانت أيام حلوة.. يارب ما نعيش زيها تاني.”

“أنت مجنون يا ابني ولا أيه؟”

“لا أصلي افتكرت النكد اللي فريد كان بيعمله بس على الأقل كنت لسه صغير ومش فاهم حاجة.”

“خلاص سيبك من السيرة دي خالص وشوف أي Menu ‘قائمة طعام’ وأطلبلنا حاجة ناكلها.”

“اشطا ماشي.”

قال أنس وذهب لتنفيذ ما طلبه رحيم منه بينما اتجه رحيم نحو المطبخ ومنه إلى الباب الزجاجي الجرار الذي يؤدي إلى الحديقة الخلفية والمسبح، أخرج هاتفه وقام بالإتصال بذلك الرقم الذي قد حفظ أرقامه لا إراديًا، جرس.. اثنين.. ثلاثة…

كانت أفنان تستعد للخلود إلى النوم لكن قبل أن تفعل قاطعها صوت رنين هاتفها برقم دولي مجهول، عقدت حاجبيها وهي تنظر نحو الهاتف بكسل قبل أن تُجيب وهي تُردف بتملل:

“ايوا مين معايا؟”

“أفي ده أنا.. رحيم، أنا أسف جدًا على اللي…”

لم تستمع أفنان لحرفًا آخر، فبمجرد أن استوعب عقلها من المتحدث أنهت المُكالمة على الفور وقامت بحظر الرقم، نبضات قلبها تسارعت وشعرت بالدموع تُحارب كي تتجمع في عيناها بينما قاومت هي جاهدة، قامت بفتح تطبيق ‘الواتساب’ وألغت الحظر عن رقم رحيم ثم أرسلت له الآتي بأصابع مُرتجفة وأنامل باردة:

“بعد إذنك متكلمنيش تاني وياريت تمسح رقمي وتنسى أنك كنت تعرفني، أنا معنديش أي استعداد أعمل حاجة غلط تاني وشكرًا على كل حاجة عملتها عشاني، ودي آخر رسالة هبعتهالك.”

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (في حي الزمالك)

اترك رد

error: Content is protected !!