روايات

رواية حياة نور الفصل السادس 6 بقلم سارة أسامة نيل

رواية حياة نور الفصل السادس 6 بقلم سارة أسامة نيل

رواية حياة نور البارت السادس

رواية حياة نور الجزء السادس

حياة نور
حياة نور

رواية حياة نور الحلقة السادسة

<الخاتمة>
ابتعدت عن مرمى يديه للخلف، وأزالت دموعها فـ ظهوره في مثل هذا الوقت ليس بصالحها أبدًا، وسيُثير الأقاويل من حولها…
بينما علي فأخذ يبتسم من غير تصديق، فلو كان أحد أخبره بأن هذا سيحدث ما كان سيصدق…
سبع سنوات فراق لم تلمحها عينيه، ولم يسمع صوتها، يحيا على ذكراها فقط …
همس بخفوت متلعثم من أثر تلك المفاجأة:-
– نور، حبيبتي… أنا مش مصدق … وأخيرًا يا نور … أنا كــ…
استجمعت ذاتها، وقاطعته بحزم:-
– لو سمحت يا دكتور علي، إللي فات ماضي وانتهى …. وكل واحد شاف طريقه، أنت دلوقتي في مكان وأنا في مكان ومسؤول مني طفلين..
لم يستوعب ما قالته، وردد بصدمة:-
– دكتور علي!!!!
أنا مش فاهم حاجه، تقصدي أيه؟ ووصلتي هنا إزاي؟ وإزاي سيبتي البلد؟
تنهد بفروغ صبر، قائلة:-
– هربت من البلد علشان خاطر ولادي ميدقوش من نفس الكاس إللي أمهم شربت منه … وجيت هنا أشتغل عاملة زي ما شوفت كدا … وكنت بنضف الشقة دي وإللي عن طريق الصدفة طلعت شقتك..
وياريت ورجاءً محدش يعرف مكاني لأن معنديش مكان أروحه ألا ده..
نظر لها بوجع، وألآمه قلبه لتلك الكدمات المنتشرة بوجهها الملائكي والذي يتضح من خلاله كم المعاناة التي لاقتها…
فـ “نور” طفلته تغيرت كثيرًا، وانطفيء نورها..
تلك اللمعة التي كان يجدها دائمًا بخرزتها الزرقاء لم تعد لها أثر…
اقترب منها مرةً أخرى ورفع يده للمس كدماتها لكنها عادت للخلف ليقول بألم ممزوج بغضب وأعينه مشتعلة بالنيران:-
– أيه دا كله يا نور، مين عمل فيكِ كدا، وليه دا كله يا نور، البلد مش سايبه وتقدري تطلقي ولا تعيشي هربانه العمر كله … نقدر نحل كل حاجة وإحنا إتجمعنا من تاني وهنبقى مع بعـــ….
إرتدت للخلف أكثر وقاطعته بعنف:-
– معدش فيه مع بعض … وياريت ننسى إللي فات زي ما نسينا سبع سنين.
نطق بصدمة شديدة مغلفة بالوجع الذي اخترق قلبها:-
– ننسى … زي ما نسينا سبع سنين .. هو واضح إن أنا نسيت يا نور … وأنتِ قدرتي تنسي علي بالسهوله دي!!
أوجعها قلبها لرؤية وجعه لكن يجب أن يبتعدوا عن بعضهم البعض، هذا الأفضل للجميع، تحدثت بهدوء:-
– أرجوك يا علي كفاية وجع … أنا لازم أبدأ حياة جديدة، كفاية المعاناة إللي شوفتها … صدقني أنا معدتش أنفع لأي حاجة غير تربية الولاد… ولو حد عرف بوجودنا في نفس المكان الكلام هيتقال كتير والناس ما بتصدق وكمان كل إللي في البلد هيتأكدوا إن هربت علشانك…
ابتلع ريقه، وأخذ ينسج كلماته وروحه تنزف:-
– ماشي يا نور … هكون موجود معاكِ في نفس المكان ولا كأني موجود.
هستحمل يا نور أشوفك كل يوم قدام عيني وأنا مش قادر أقرب منك ولا أقدمك أي مساعدة
هتحمل أكتر وأكتر يا نور زي ما أنتِ اتحملتي.
هحاول مقربش لعيالك ولا أقربلك علشان مثيرش الشكوك.
هتحمل أشوف عذابك ومعناتك كل يوم وكل دقيقة على الأقل هتبقي قدام عيني..
هستناكِ يا نور لغاية ما تقولي بس كفاية..
هنتظر وهصبر يا نور لغاية ما يمل الصبر من صبري.
هفضل على أمل إنك ترجعي ليا تاني وتنوري حياتي إللي ضلمت من ساعة ما مشيتي منها..
هستناكِ لأخر العمر يا نور عيني..
بس متمنعنيش إني أحبـــــــــك….
وهذا كان الخِتام، لِـ تستهل “نور” حياة جديدة مُقدمة أقصى جهودها، وجميع ما تملُك لأولادها..
على وعد اللقاء مع حبيبها، مُتأملين أن تجتمع مسارتهم مرة أخرى…
وهل كان هُناك مرةً أولى، لتوجد مرةً أخرى؟!
___________________________
بعد مرور أحد عشر عامًا…
يجلسون مُلتفين حول بعضهم البعض والتوتر بادي على ملامحهم جميعًا، منتظرين بفارغ الصب ..
– طب إنتوا قاعدين كدا ليه… مينفعش كدا يا ولاد كل إللي يجيبه ربنا كويس..
قالت “حفصة” وهي تقضم أظافرها بتوتر:-
– خايفه أوي يا ماما … خايفه تنسيقي يبقى قليل وملحقش طب.
قالت نور بضجر:-
– يادي الطب إللي مسكاه… يا بنتي كل إللي يجيبه ربنا كويس.
– لا يا ماما أنتِ تعبتي كتير علشاني أنا وحمزة وضحيتي بحياتك يا نور حياتنا علشان نعيش مبسوطين، وإن شاء هنرفع راسك..
تدخل حمزة في الحديث، قائلًا بمرح:-
-أكيد يا ظاظا، هنرفع راسك يا نوري.
قالها وهو ينحني ليُغرقها بوابل من القُبل برأسها ووجنتيها.
ابتسمت نور وقالت بمرح:-
– كفاية يا بكاش، ويلا علشان تروح تشوف نتيجتكم.
ألقى جسده على الأريكة بجانبهم، وقال بلامبالاة:-
– عليوه هيجيبها..
تغيرت ملامحها فور ذكر اسمه للتوتر وقالت:-
– عيب يا حمزة أيه عليوه دي، وبعدين قوم شوف نتيجتكم بنفسك..
– يا ماما ما هو عنده النت فوق وأخد أرقام جلوسنا وهيجيبها.
وفور أن انتهت من حديثها، سمعوا طرق الباب
أسرعت حفصة بفتحه ولم يكن سوى جارهم الحبيب والمقرب لقلبهم “علي”
_ عمو علي اتفضل … هااا النتيجه أيه.!!!
جلس على الأريكة بهدوء، والجميع ينظر له بترقب، وقال بحزن:-
– للأسف….
ولم يكد يُكمل حديثه حتى أجشهت حفصة بالبكاء وهي تقول من وسط بكاءها:-
– ليه كدا .. كان نفسي أعمل حاجه وأرفع راس ماما بعد تعبها … هي متستحقش كدا … أنا آسفه يا ماما .. بعد حربك دا كله ومعناتك مقدرش أحققلك إللي نفسك فيه.
نظر لها “علي” بعدم تصديق وشعر بالندم، قام من مجلسه وجلس بجانبها ثم جذبها بأحضانه لتحتضنه بقوة منهارة بالبكاء، وتقول من بين شهقاتها:-
-أنا فاشلة يا عمو علي صح … أنا مليش لازمه في الدنيا دي.
أخذ يُهدئ من روعها، ويربت على ظهرها بحنان وأخبرها بهدوء:-
– مين قال كدا يا عيون عمو علي، لما واحده تجيب %99 وتبقى فاشله أمال الناجحين يعملوا أيه.
نظرت له بعدم فهم، ليوضح لها:-
-أيوا يا ظاظا أنتِ جبتي %99 .
نظرت له بعدم تصديق، وقفزت بفرح مُهللة تارة تحتضن شقيقها وتارة والدتها وفي الأخير تُلقى نفسها بأحضان “علي”
-وهو أنا ابن البطة السوده ولا أيه يا عليوه.. عايز أعرف نتيجتي … أيه مش هلحق هندسة..
– لا يا فاشل لحقت %98 .
احتضن والدته بفرح حقيقي، فها هما أخيرًا قد حققوا مبتغاهم، وجعلت منهم “نور” نموذج ناجح ومثال أعلى ..
وبعد وقت من المباركات والتهاني بعدما انضم إليهم العم “إسماعيل” وزوجته، فهم قد أصبحوا أسرة واحده لا تنفك أبدًا.
نظرت “نور” إلى سعادتهم بفخر، وقالت بجديه:- – نيجي بقى للجد.
انتبهوا إليها لتُكمل حديثها وهم مترقبون:-
– لازم ننزل البلد.
نظر لها كلًا من “حفصة وحمزة” بقلق وقال حمزة:-
– ليه يا ماما مش قولنا إن خلاص ننساها..
أردفت نور بثبات:-
– متقلقش يا حمزة معدش حد هيقدر يإذيكم بس إنتوا نسيتوا إن لكم أب هناك وجه وقت المواجهة.
نظر لها “علي” بتفهم فقد مر أحد عشر عامًا من العذاب والكِد، يراها تعمل بأقصى جهدها ولم تقبل منه مساعدة أو أي تدخل في شيء يخصها، كأنها لم تكن تعرفه يومًا.
غير أنه لم يستطيع ألا يحب الصغيران “حمزة وحفصة” فقد أحبهم كثيرًا وغمرهم بالحنان الأبوي الذي حُرما منه وقد عوضاه أيضًا على ما فقده.
°°°°°°°°°°°
وها هي تطأ قدميها تلك البلدة التي فرت هاربةً منها تدخلها الآن بمحض إرادتها….
رحلت عنها بائسة الحال بـ طفل وطفلة، لِـ تعود إليها بـ شاب وفتاة على قدر عالي من الأخلاق والعلم.
قد تغيرت الأحوال كثيرًا، حتى تلك البلدة العاتية قد تغيرت.
تقف على أعتاب منزل والدها الذي لطالما أخرجها منه قسرًا .. فيا تُرى كيف حالك يا أبي ..؟
طرقت الباب بهدوء، وقت قصير وفُتح الباب لتطل امرأة مُسنة بحالة مزرية ولم تكن سوى تلك المرأة الجبروت “إنتصار” زوجة أبيها..
لكن ما تلك الحالة … عجبًا يا زمن، فـ بالفعل أنت كفيل بهد الجبال العاتية…
– إزيك يا خالتي إنتصار… عامله أيه؟
لم تُصدق إنتصار ما سمعته وجذبتها بأحضانها باكية بانهيار:-
– نور أنتِ نور صح … دورت عليكِ كتير يا بنتي علشان تسامحيني.. ربنا إنتقاملك من الكل يا نور… أنا وسامي وأبوكي كمان ..
دق قلبها حينما سمعت اسم والدها، لتهرول إلى الداخل، فوجدت والدها جالسًا على فراشه عاجز القدمين.
أجهش بالبكاء عندما رأها، وألقت بنفسها داخل أحضانه تقول بشوق وحنين:-
– بابا وحشتني … أنت عامل أيه.
لم يتمالك نفسه وأخذ يبكي بصوتٍ مرتفع:-
– نور بنتي حبيبتي… دورت عليكِ كتير يا بنتي.. أنتِ عامله أيه يا نور..
ظلوا على هذا الحال، يبكون ويستسمحون … لتعود المياه إلى مجراها مرة أخرى، وتعود “نور” إلى كنف والدها ليعوضها الحنان الذي حُرمت منه.
علمت “نور” أن زوجها قد توافه الله، فأخذت تدعوا الله له بالرحمة والمغفرة..
………..
وقفوا عند قبر والدهم يدعوا له بالرحمة والمغفرة وأن يمحوا الله له ما مضى.
– الله يرحمك يا بابا… أنا حمزة إللي رفضت تعلمه وكنت عايز تشغله في الأراضي ويزرع… الحمد لله كبرت وهدخل كلية هندسة وهرفع اسمك.. مسامحك يا بابا.
– الله يرحمك يا بابا .. أنا حفصة إللي رفضت تعلمها وكنت عايز تشغلها خدامة في البيوت.. الحمد لله كبرت يا بابا وهدخل كلية طب وهرفع اسمك … مسمحالك يا بابا.
وظعنوا إلى حيث حياتهم الطبيعيه…
……….
– أيه يا ميزو مش هنجمعهم بقى.
– أيوا لازم نعوض ماما على أيامها وكفايه فراق عليها هي وعليوه.
_ هي فكرانا مش عارفين حاجة، وفعلًا هي نجحت تخبي كل حاجة … بس البركة في المذكرات الحلوة دي.
_ إذا كانت ماما ضحت علشان خاطرنا، فـ علي ضحى هو كمان، بقى عنده واحد واربعين سنه ومستنيها…
_ أيه بتتهامسوا في أيه مش مطمنالكم.
قالتها نور وهي تقتحم جلستهم بمرح..
ابتسم “حمزة” بمرح وقال:-
-تعالي يا نوري .. عايزينك في موضوع..
جلست بجانبهم قائلة بفضول:-
– خير يا قرودي.
بدأ “حمزه” الحديث بجديه وكأنه رجل في الثلاثون من عمره:-
– بصي بصراحه يا ماما في عريس متقدملك… وجدو قال لنا نبلغك.
نظرت لهم بصدمة، وقفزت من مكانها، قائلة بنفي:-
– أيه الكلام ده يا ولاد … لا طبعًا أنا هكلم بابا واقوله يقفل على الموضوع ده، وعيب تتكلموا في حاجة زي دي.
حاولت “حفصة” إقناعها:’
– طب ليه يا ماما … أنتِ عملتي إللي عليكِ وجه الدور تشوفي نفسك بقى .. إحنا كبرنا.
غمز لها “حمزة” بشغب ورد:-
– وبعدين مش تعرفي العريس مين!
قالت بلامبالاة:-
– ميهمنيش.
– حتى لو كان حبيب القلب علي باشا..
______________
– علي، هو أنا صغيرة لسه علشان هلبس فستان فرح…
– طبعًا تلبسي، ومتلبسيش ليه يا نور عيني..
– علي حبيبي كفايه كتبنا الكتاب وخلاص..
– إسمعي الكلام يا نوري ومش عايز نقاش في الموضوع ده.
وسط فرحة كبيرة من الأهل والأصدقاء، طلت بفستانها الأبيض بفرحة عارمة بعدما عاد النور لحياها مرة أخرى.
قدمت كل التضحيات التي تمتلكها من أجل أولادها… ليقدم إليها هو الحياة…
اقترب “علي” منها مقبلًا جبينها بحب ثم وجنتيها وهمس:-
– بوعدك يا نوري إن هقدملك السعادة إللي تستحقيها وهعوضك عن كل حاجه وحشه مريتي بيها ..وهيكون عيالك هما عيالي .. بحبك يا نور عيني..
إبتسمت بخجل، وأخفضت رأسها وهمست:-
– ربنا يباركلي فيك يا عليوه.
أخذ “حمزة وحفصة” يصفقون بحرارة، متمنين أن يرزقهم الله مثل هذا الحب.
حملها بين ذراعيه بحب لتبدأ أولى خطواتهم للسعادة، وتتذوق “نور” السعادة التي حُرمت منها ..وتتجرع الحب التي أيقنت أنه سيعود يومًا ما.
بينما “علي” فيكاد أن يُرفرف طائرًا من السعادة، بعدما أصبحت وأخيرًا ملكة على قلبه ومِلك على اسمه..
نظرت له بأعين ممتلئة بالدموع وقالت:-
– بعشقك يا علي .. وأسفه يا حبيبي لو مقدرتش أجبلك أولاد من صُلبك.
قال بعتاب:-
– أيه الكلام ده يا نور.. أنتِ عندي بالدنيا… وبعدين عندنا حمزة وحفصة بالدنيا كلها، وإللي ربنا عايزه يكون، أنا راضي راضي راضي.
احتضنت بحب:-
– ربنا يخليك لهم وليا يا عيون نور..
________________
بعد مرور عامان..
كانت تضج المشفى بصرختان، تدل على وطأت فردان جديدان للحياة…
“يامان علي” و “يُسر علي”
ليجذمان أنه لطالما كان .. علي لِـ نور …. ونور لِـ علي
وهكذا اقتطفت “نور” من حياتها لِـ تُزهر مسارات حياتهم، ضاربة بكل الإعتبارات عرض الحائط.
أظلمت حياتها لتُنير حياتهم، فتمنح لمن يقترب منها نور يهتدي به.
وكما أخبرتك عزيزي القاريء؛ أن مهما طالت اختباء الشمس خلف الظلام فعليها البزوغ مرة أخرى…
فما لِـ نور إلا نور
……
“تمت بحمد الله”

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية حياة نور)

اترك رد

error: Content is protected !!