روايات

رواية براثن اليزيد الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم ندا حسن

رواية براثن اليزيد الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم ندا حسن

رواية براثن اليزيد البارت الثاني والعشرون

رواية براثن اليزيد الجزء الثاني والعشرون

براثن اليزيد
براثن اليزيد

رواية براثن اليزيد الحلقة الثانية والعشرون

“قلبه يؤلمه بشدة وعقله لا يستطيع التفكير
فقط كل ما يفكر به ويتوقعه هو الأسوأ
والأسوأ، بينما قهرها منه هذه المرة غير
كل المرات السابقة، لا تعلم كيف عليها
أن تظهر ذلك وما الذي ستفعله معه
لكنها حقًا حزينة للغاية منه ومن أفعاله”

وضعت البنزين جوار النيران ولا تريد أن تشتعل إلى السماء؟!، أكمل هو ما لم تقوله بغضب وعصبية وهو يلقي الشريط الذي بيده بوجهها بحدة شديدة:

-منع الحمل…

نظرت إلى الشريط الذي أتى بوجهها بحدة ثم استقر على الأرضية، عقلها لا يستوعب ما الذي حدث له في ثوانٍ هكذا، أنه دواء لم تستعمله قط منذ أن تزوجت بالفعل منه.. منذ ما يقارب ثلاث شهور وأكثر، رفعت نظرها إليه مره أخرى وجدته يقترب منها بعصبية وحركات هوجاء فعادت للخلف خطوة بخوف ظاهري مرتسم على ملامحها، قبض هو على معصم يدها متسائلًا بصوتٍ عالٍ وعصبية شديدة:

-ما تردي وتقولي أنها حبوب منع الحمل ولا فكراني أهبل هتكدبي عليا؟

ها قد عدنا إلى العصبية ومن ثم إلى الكلمات المسمومة التي لا يعلم معناها سوى بعد فوات الأوان وأحيانًا لا يعلم أبدًا، تحدثت بهدوء حتى تمتص غضبه ويدها مازالت بين يده الذي تشتد عليها:

-لأ مش هكدب عليك يا يزيد لأني متعودتش أعمل كده.. دي فعلًا حبوب منع حمل لكن أنا مستعملتهاش خالص

ترك يدها وأخذ نفسٍ عميقٍ محاولًا أن يتحلى بالهدوء حتى لا يفقد السيطرة على نفسه في وسط غضبه ويفعل ما لا يريده، سألها بجدية شديدة:

-جيباهم منين الحبوب دي؟

أجابته هي الأخرى بجدية وصدق تحلت به ليصله بالعكس:

-كانوا في بيتي يا يزيد.. جبتهم في وسط حاجتي بالغلط

من هنا داهمت عقله فكرة أنها تكذب وتكذب، من في بيتهم سيأخذ مثل هذا الدواء؟، تحدث بتهكم صريح وكلمات غير محسوبة:

-وكانوا في بيتكم بيعملوا ايه؟ مين عندكم بياخد مانع للحمل يا هانم يا ترى أختك بقى؟

صرخت به بعصبية هي الأخرى عندما لامس حديثه بالسوء شقيقتها الكبرى، أنه أغبى شخص رأته بحياتها وقت عصبيته وغضبه:

-احترم نفسك يا يزيد وكفاية لحد كده

قبض على يدها الاثنين دافعًا إياها لتصطدم بالحائط خلفها بشدة جعلتها تتأوه بألم شديد حدث بفعل دفعته، تحدث بصوت يشابه الفحيح أمام وجهها:

-اومال عايزاني أقول ايه؟ أفهم ايه أنا من كلامك ده.. يا إما بتوعك وبتكدبي عليا يا إما بتوع أختك مهو مش معقول اللي بتقوليه ده

أردفت بجدية وهي تنظر داخل عينيه الذي تكذبها في كل مرة يصدق بها غضبه الذي يسيطر عليه:

-بتوعي يا يزيد كنت بستعملهم قبل ما اتجوزك وبعد ما اتجوزنا كمان بفترة ده كان في بيتنا ولما جيت عندك خليت يسرى تجبلي غيره من عندكم في البلد وتقدر تسألها لأنها عارفه كويس أنا كنت باخده ليه… لما روحنا البيت عندنا وأنا بجيب حاجتي جبته بالغلط علشان كنت مستعجلة ولما جيت هنا شوفته وسيبته مكانه أنا من وقت ما اتجوزنا بجد وأنا عمري ما أخدت حاجه

صمتت لبرهة وهي تنظر إليه ثم تكونت الدموع في عينيها وتسألت بجدية:

-هو أنتَ مفكر إني باخد وسيلة علشان مخلفش منك مثلًا؟

تسأل هو الآخر قائلًا بجدية كما فعلت مضيقًا ما بين حاجبيه:

-وهو في بنت بتاخد حاجه زي كده قبل الجواز بردو؟

نظرت إلى الأسفل وهي ترى تكذيبه لها واضح بعينيه وكأنها تنسج قصص من داخل عقلها، لقد ألمها ذلك كثيرًا إذًا أين الثقة التي بينهم والتي يتحدث عنها دائمًا، أجابته بهدوء قائلة:

-أيوه فيه يا يزيد نادر لما حد ياخده وأنا كنت من النادرين دول، الآلم اللي غصبني اخده بإذن من الدكتورة

ترك يدها وعاد للخلف خطوة متسائلًا باستغراب مضيقًا ما بين حاجبيه بشدة:

-نفترض إن كلامك صح، ليه مفيش حمل لغاية دلوقتي؟

رفعت نظرها إليه بعد أن احتلت الصدمة كيانها من سؤاله الغبي، سيطرت الدهشة على ملامحها فهو مؤكد أصابه الجنون:

-أنتَ شكلك اتجننت فعلًا هو ده سؤال؟ ده شيء بتاع ربنا

استدار وهو يتنفس بصوت مسموع وواضح فقد أتى على أعصابه كثيرًا حتى لا تنفلت منه، تحدث بشك صريح وهو يوليها ظهره:

-بتاع ربنا وماله لكن أنتِ اللي مش عايزه وعلشان كده بتاخدي الحبوب دي

ذهبت إليه وقد فاض بها حقًا إلى متى ستظل تبرر له ما يحدث وما حدث وكل شيء، وقفت قبالته وتحدثت بعصبية هي الآن جاعلة نفسها تخرج ما تكنه:

-أنتَ مالك بقى في ايه بجد؟ ليه كل ما نكون كويسين تخلق حاجه من العدم وتبوظ الدنيا على دماغنا؟ أنا سبق وقولتلك إني فعلًا عايزه اخلف منك

استكانت وأكملت ما بدأته بغضب وجعلته يذهب لليلن والخفوت:

-أنا بحبك ومش شايفة حد في حياتي غيرك، عايزه اخلف منك النهاردة قبل بكره بس ده مش بأيدي.. والله من يوم ما اعترفت بحبي ليك وأنا ما أخدت من الحبوب دي خالص صدقني

لا يعلم ما الذي عليه قوله الآن، حديثها لمس قلبه ولكنه لا يصدقها.. يشعر أنها بالفعل تستخدم وسيلة حتى لا تنجب منه أطفال، تحدث بهدوء هو الآخر قائلًا:

-طيب يا مروة يبقى تعالي بكره قبل ما نسافر نروح لدكتورة تكشف عليكي ونشوف لو في مشكلة طلما بتقولي أنك مش بتاخدي حاجه

سألته باستنكار وهي تتراجع للخلف مبتعدة عنه:

-أنتَ عايزاني أروح لدكتورة اقولها أنا متجوزه بقالي كام شهر يتعدوا على الصوابع ومخلفتش؟ دي هتتريق عليا

جذبها من يدها إليه لتصطدم بصدره العريض وتحدث هو بغضب وهو يضغط على يدها فقد فاض به هو الآخر:

-بقولك ايه بلاش استعباط بقى هنروح يعني هنروح ولا أنتِ خايفه من حاجه

سألته بخفوت وهي تحاول سحب يدها منه:

-أنتَ ليه وقت عصبيتك أو لما بيحصل أي موقف بتنسى كل حاجه حلوة بينا؟

ضغط على يدها أكثر عندما وجدها تحاول سحبها بالقوة وتحدث وهو يقترب من وجهها ببرود شديد وكأنه لا يوجد به حياه:

-أنا مش بنسى أي حاجه بس أنا جاهل في الكلام ده وهبقى قاسي وناسي فعلًا لحد ما أعرف الصح في كلامك لأني عايز اخلف والخلفه دي منك أنتِ مش من حد تاني سوا كان براضاكي ولا غصب عنك

ترك يدها وذهب ناحية الكومود بجوار الفراش، أخذ من عليه علبة سجائره ثم خرج من الغرفة إلى شرفة الصالون ليبقى وحده يفكر في حديثها الغير مفهوم بالنسبة إليه، فكيف تأخذ مثل هذه الأشياء قبل الزواج؟ أليست لها أغراض معروفة؟ نعم حديثها مترابط ولكن هو لا يصدقه، لا يدلف عقله بتاتًا ودائرة الشك حولها هل من الممكن أن تكون حقًا لا تريد؟..

بينما هي جلست على الفراش مذهولة مما حدث، ولما لا فهو هكذا دائمًا يتناسى كل شيء في غضبه، ولكن هو لا يثق بها، لا يصدق حديثها، يعتقد أنها لا تريد أطفال منه، وهي على النقيض تمامًا، لقد اعترفت بحبها له وسط تلك الدوامة وقالت ما تريده وإلى الآن لا يصدقها؟..

سحبها من أفكارها صوت هاتفه الموضوع على الكومود بجوار الفراش والذي أعلن عن وصول مكالمة ما وقد استغربت كثيرًا فالوقت الآن تعدى منتصف الليل، اتكأت بيدها على الفراش لتنظر وترى من المتصل وقدر رأتها فعلًا.. أنها تلك البغيضة على قلبها “ريهام” كادت أن تأخذ الهاتف وتجيبها معنفه إياها على اتصالها في هذا الوقت المتأخر من الليل ولكنه دلف إلى الغرفة قبل أن تأخذه بيدها وأخذه هو وذهب مره أخرى إلى الشرفة ليتحدث به..

عاد بعد وقت قليل إلى الغرفة مرة أخرى متقدمًا من الدولاب الذي فتحه وأخرج منه بنطال أسود وقميص من نفس اللون، وجدته يزيل عنه بنطاله البيتي ويبدله بالآخر وفعل المثل مع القميص ثم أخذ جاكت معلق خلف باب الغرفة لونه أسود أيضًا وارتداه على ملابسه وأخذ يجمع في أشيائه الشخصية تحت نظرها..

لم تستطيع التحمل أكثر من ذلك وهي تنتظر أن يقول ما الذي يفعله أو إلى أين هو ذاهب ولكن دون جدوى، تحدثت متسائلة باستغراب بعد أن وقفت على قدميها:

-أنتَ رايح فين دلوقتي؟

-خارج

تقدمت منه بهدوء شديد وداخلها يشتعل وهي تعلم أنه ذاهب إلى تلك البغيضة:

-ما أنا واخده بالي أنك خارج، رايح فين يا يزيد في وقت زي ده

ابتسم بسخرية وهو يمشط شعره أمام المرآة ثم أجابها بفتور قائلًا:

-ده شيء مايخصكيش

ذهبت لتجلس على الفراش بهدوء شديد أسندت ظهرها إلى ظهر الفراش ثم تحدثت ببرود وفتور كما فعل معها الآن:

-تمام… لما تلاقي واحد غريب مسمياه صاحبي زيك كده بيكلمني في نص الليل وانزله هبقى أقولك مايخصكش

نظر إليها عبر المرآة بعينيه الذي تمتاز بنظرة الصقر، ترك الفرشاة وتقدم منها اتكأ على الفراش بقدمه اليسرى وتحدث أمامها بهدوء:

-عدي الليلة يا مروة.. عديها علشان وديني أنا على أخري والناهية هتبقى وحشه

تحدثت مرة أخرى وهي مازالت مستمرة في الهدوء:

-مش فاكر يوم ما تامر دخل عليا الاوضه عملت ايه وده يبقى زي أخويا بالظبط مش حد غريب زي الهانم اللي رايح تقابلها دلوقتي

يبغضه بشدة، لا يكره رجل بحياته مثله، صرخ بها بصوتٍ عالٍ وقد قارب حقًا على الإنفجار:

-أنتِ عايزه ايه في يومك ده؟ والله شكله هيبقى طين على دماغك

صرخت هي الأخرى بصوتٍ عالٍ مثله وقد تملكتها العصبية مرة أخرى:

-عايزاك تحترمني وتحترم وجودي زي ما بعمل معاك بالظبط يا أستاذ ولا هو الاحترام للزبالة بتاعتك بس؟

رفع يده وكاد أن يهوى بها على وجنتها ليصفعها ويجعلها تعود إلى رشدها فقد على صوتها مرة أخرى بالإضافة إلى كلماتٍ ليس لها داعي ولكن قد تذكر ذلك الوعد الذي قطعه لها بأنه لن يرفع يده عليها مرة أخرى..

أخفض يده ونظر إليها بغضب ثم وقف على قدميه وتقدم إلى خارج الغرفة ثم إلى خارج المنزل بأكمله، وتركها وحدها وعندما أدركت ذلك جعلت دموع عينيها تخرج لتونس وحدتها وأفكارها..

____________________

يجلس مقابل لها في مكان عام يدلف إليه الكثير من الأشخاص وحتى إن كان في مثل ذلك الوقت المتأخرة من الليل، تنظر له بعينين خبيثة وماكرة إلى حد لم يصل إليه أحد، لا تحبه ولا تريده ولكن ماذا إذا كانت النفس مريضة؟..

هو صديق عمل بالنسبة إليها لا يناسبها ليكون زوج فقط يناسبها للتباهي به.. معروف داخل أنحاء البلد من هو “يزيد الراجحي” ذلك الشاب في مقتبل العمر الذي حقق كثيرًا في مجال صناعة الأخشاب، تتباهى بإسمه وبكونه رفيقها.. تحضر معه الإجتماعات الهامة، تذهب معه إلى أماكن معروفة، فقط هذا ما تريده ولكن لما ذلك الخبث بعينيها؟.. لما حركاتها الماكرة تجاه زوجته؟..

ربما لأنها دخيل بينهم وشخص جديد في حياته يقضي معظم الوقت معه، أو ربما لأنها تأخذ أكبر من حجمها أو لأنها اقتربت إليه أكثر منها! أو ربما لأنها مريضة!!.. من يفعل ذلك غير مريض نفسي غير متزن يريد أن يؤذي أشخاص لم يفعلوا له شيء في يوم من الأيام..

تحدث بهدوء وجدية قائلًا وهو يشير إلى الأوراق أمامه بعد أن وقع عليها:

-في حاجه تاني عايزه تتوقع؟

سحبت الأوراق من أمامه بيدها بهدوء ونعومة والابتسامة تزين ثغرها ثم تحدثت قائلة:

-لأ كده تمام

عاد بظهره للخلف بعد أن تنهد بضيق شديد يظهر على ملامحه متسائلًا بجدية:

-ايه اللي خلاكي تستني على الورق ده ما أنا كنت في المصنع الصبح

اقتربت هي إلى الأمام وتحدثت بهدوء ولين بعد أن تشابكت يدها على الطاولة:

-كنت سبتهم في البيت ونسيتهم وشوفتهم قبل ما أكلمك على طول قولت الحقك قبل ما تسافر

أومأ إليها بهدوء، تقدم إلى الأمام ورفع فنجان القهوة بين يده يرتشف منه بهدوء وداخله هناك براكين ثائرة، في عقله شيء يود أن يقوله لها أو هو سؤال يود أن يعرف أجابته ولكن هو متردد لا يريدها أن تفهم بشكل خاطئ أو أن يصل إليها ما حدث بطريقة ما فهذا السؤال والإجابة عليه ليس بهذه السهولة أبدًا..

ترك القهوة من يده ثم أخرج سيجارة من العلبة الذي أمامه على الطاولة بجوار هاتفه ووضعها بفمه دون أن يشعلها فهذا المكان ممنوع التدخين به، أخذ نفسٍ عميقٍ وهو يراها ترتشف من عصير البرتقال بهدوء، ثم حسم أمره على التحدث..

أمسك بالسيجارة بيده والأخرى عبثت بخصلاته من الخلف، ثم تحدث قائلًا بتساؤل:

-عايز أسألك عن حاجه بس يعني..

تنحنح بحرج شديد بينما هي تركت الكوب من يدها سريعًا وتسائلت قائلة:

-حاجه ايه قول على طول مالك؟

وضع السيجارة باليد الأخرى وتحدث وهو يحاول ألا يتراجع فهو يود معرفة الحقيقة حتى يرى إن كان قد أخطأ وعلى كل حال هي فتاة وإن علمت حتى بالفهم ما حدث لتعلم إذًا، سألها وهو عاقد ما بين حاجبيه بشدة:

-هو في واحدة ممكن تاخد حبوب منع الحمل قبل الجواز.. يعني تكون مش متجوزه وبتاخد الحبوب دي لأسباب تانية؟

استنكرت الحديث ونظرت إليه باستغراب ثم أدارته برأسها، لما يسأل عن شيء كهذا؟ ابتسمت بهدوء شديد ثم قالت بجدية وهي تأكد حديثها:

-لأ طبعًا أنتَ قولت أهو حبوب منع الحمل إذًا هي بتمنع الحمل فقط يعني مالهاش أي أسباب تانية بتتاخد علشانها وكمان دي كارثة لو بنت بتاخدها إزاي يعني لأ طبعًا مفيش واحدة هتعمل كده إلا لو مش عايزة تخلف

نظر إليها بجدية، الضغط يزداد عليه هذه فتاة ولا تعلم ما الذي حدث، إذا كان هو لا يعلم هذه الأمور فهي مؤكد تعلم.. تنفس بعمق مرة أخرى دون أن يضيق صدره فهو قد اكتفى لليوم..

وقف على قدميه ثم أخرج من جيبه بعض النقود ووضعهم على الطاولة وتحدث قائلًا:

-أنا لازم أمشي مروة لوحدها.. تحبي أوصلك الوقت متأخر

-لأ لأ أنا شوية وهمشي وبعدين معايا العربية

لم يصر عليها فهو من الأساس كان يريد أن ينقله أحد إلى منزله، ذهب إلى الخارج وأخذ سيارته عائدًا إلى منزله مرة أخرى وهناك برأسه مليون سؤال وجواب لا يهم ذكرهم ولكن يكفي أنه يعاني..

____________________

فتح باب منزله بمفتاحه الخاص، ولج إلى الداخل بعد أن أخذ المفتاح من المزلاج، وضعه في المزهرية بعد أن دلف، زفر بضيق يظهر عليه فقد هُلك من كثرة التفكير ومن هروبة من عائلته وهروبه من مواجهتها.. لقد مل من كل ذلك حقًا، نفض ذلك عن رأسه وتفكيره ودلف إلى الداخل بخطوات ثابتة فلم يكن يريد غير أن يمدد جسده على فراشة ويأخذ قسطًا من الراحة..

ولج غرفته ورأى كل شيء كما هو، الحقائب الموضوعة منذ الصباح الخاصة به وبها والذي تحمل ما يخصهم من ملابس إلى أشياء خاصة ولكن مع ذلك لم تضع “مروة” كل شيء يخصهم بها بل تركت بعض من ملابسها وملابسه.. تركت أشياء تخصهم على أمل الرجعة إلى هنا مرة أخرى..

لم يجدها في الغرفة، أو المرحاض أو الغرف الأخرى ولم ينادي عليها أيضًا ولكن عندما تبين له أنها ليست متواجدة في المنزل هبط قلبه ليستقر بين قدميه هلعًا وخوفًا عليها، فمن الممكن أن يكون تمادى معها وهي على حق وهو لا يعلم بهذه الأمور..

أو يكون حادثها أخاه! من الممكن أن يفعلها قد يكون قص عليها كل شيء وبعد ذلك تركته وذهبت!..

أو هناك غيره ما حدث عندما تركها هو وذهب إلى صديقته.. قلبه يؤلمه بشدة وعقله لا يستطيع التفكير فقط كل ما يفكر به ويتوقعه هو الأسوأ والأسوأ..

عاد مرة أخرى يدلف الغرف وهو ينادي باسمها بلهفة وخوف شديد، أخرج هاتفه ليحادثها منه ولكنه وجد هاتفها على الفراش في الغرفة في الداخل، فكر سريعًا عليه الخروج لمعرفة أين ذهبت وهم على فعل ذلك.. ولكن نظر إلى باب الشرفة وهو يمر على غرفة الصالون ليجدها مغلقة كذبًا وليست حقيقة، سريعًا ذهب إلى الشرفة مقتحمها لتفزع وتقفز من مكانها بخوف يكاد يوقف قلبها..

نظرت إليه بخوف ثم تسلل إليها الشعور بالأمان عندما رأته هو، وضعت يدها على قلبها الذي علت دقاته من الصدمة والأخرى أزالت دموع كثيرة على وجنتيها ويبدو أنها كانت تبكي..

تقدم منها سريعًا أخذًا إياها باحضانه بلهفة وقلق شديد ظهر عليه منذ أن دلف، شدد على احتضانها بينما هي مدهوشة مما يحدث وما الذي جعله يتغير هكذا؟..

أبتعد عنها ثم نظر إليها بهدوء وعينيه يفيض منها الحنان الذي حاول أن يخفيه متحدثًا بجدية:

-قاعدة ليه في البرد ده

أجابته بجدية هي الأخرى بعد أن أدارت وجهها الناحية الأخرى بعد أن رأت تقلباته قد عادت:

-بشم هوا

علم أنها كانت تبكي.. تبكي بقهر وضعف لينتابه هو الآخر الضعف الشديد الذي يشعره أنه عاجز عن فعل أي شيء إن كان حديث أو فعل..

عاد إلى الخلف وجعل حالة الجمود تعود مرة أخرى إليه بعد أن تأكد أنها بخير ومازالت معه وتحدث بجدية بعد أن تذكر ما حدث قبل ساعات:

-يلا ادخلي نامي علشان الطريق طويل

استمعت لحديثه دون أن تتفوه بحرف ولم يكن بها شيء واحد يستطيع أن يتحدث ويجادل ففعلت وبينما تخطي بقدميها إلى الداخل أكمل هو حديثه قائلًا بجمود:

-وكمان لسه مشوار الدكتورة..

وقفت أمام باب الشرفة الذي كانت تتخطاه للداخل بعد أن استمعت إلى جملته فقد كانت تعتقد أنه لن يفعل ما قال ولكن هو يتحدث جديًا.. إذًا يفعل ما يشاء ويضع نفسه موضع السخرية..

أكملت طريقها إلى الداخل دون التفكير في أي شيء آخر سوى الراحة وهو أيضًا وقف في الشرفة بعد أن أخرج سيجارة أراد أن يخرج ما بقلبه بها دون التفكير..

_____________________

“في صباح اليوم التالي”

سار في طريق العودة إلى بلدته مرة أخرى بعد هذه الشهور الذي كانت معنى كلمة الراحة بالنسبة له ولزوجته، الآن هو عائد بعد أن طلبوا منه ذلك ويعلم أنهم سيتحدثون معه في كل شيء مر سوى أن كان اليوم أو غد أو بعد غد سيتحدثون لا محالة وقد علم هو ما الذي سيقوله وهذا سيكون آخر ما لديه وليفعلوا ما يحلوا لهم أن استطاعوا.. سيترك كل شيء لهم ويبتعد بزوجته بعد أن تعلم كل ما حدث.. عليها أن تعلم ذلك..

ولكن ليبتعد عن كل هذا.. هو الآن لا يدري كيف سيجعلها تلين له مرة أخرى فقد تخطى حدوده معها بكثير من المرات ولن يلومها في أي مرة لو تركته، ولكن هو لا يستطيع دونها، لقد تأكد من الطبيبة التي زارها معها لكي يكذب حديثها ولكن هي محقة وكل ما قالته كان صحيح..

لا يعرف كثير عن هذه الأمور النسائية وأيضًا يعرف أن دواء كهذا له أسباب معروفة فقط.. بجانب كلمات “ريهام” المؤكدة غير حديث زوجته الذي لا يدلف عقله.. كل ذلك جعله لا يصدقها ويظن بها السوء ولكن بعد أن ذهب بها إلى الطبيبة قبل العودة تأكد أنه أخطأ بحقها مرة أخرى غير الأولى والثانية والثالثة.. لقد كانوا كثيرون..

“تذكر حديث الطبيبة وهي تُجيب سؤاله بهدوء شديد ووقار بعد أن رفعت النظارة الطبية عن عينيها:

-طبعًا وارد يا أستاذ يزيد إن آنسة تاخد الحبوب دي، عادي جدًا

رأت زوجته تتقدم منهم بعد أن عدلت ملابسها وجلست على المقعد أمامه مقابلًا لها، وقد رأت الحزن بعينيها الباكية، لقد مر عليها كثير من هذه الحالات ولكن هذه مختلفة، ومن معرفة مدة الزواج وسؤاله عن شيء كهذا قالت مرة أخرى بعد أن فهمت ما يحدث:

-أما بالنسبة للحمل فهو كل شيء طبيعي ده غير طبعًا أن مدة الجواز صغيرة ربنا لسه ماردش… عايزاك تطمن واضح أن المدام مش بتاخد أي وسيلة

نظر إليها وهو لا يعلم ما الذي يشعر به لتقف على قدميها دون أن تجعله يعلم ما الذي يمر على خلدها فقد كانت تعابير وجهها حادة كثيرًا، سلمت على الطبيبة ورحلت وهو من خلفها”

أبعد نظره عن الطريق لينظر إليها بحزن وهو لا يعلم ما الذي يجب عليه فعله أو قوله حتى؟! نظر إلى الطريق مرة أخرى وهو يراها لم تتحدث معه منذ أن خرجت من المنزل إلى أن ذهبوا للطبيبة وإلى الآن!.. يعلم أن ما فعله صعب للغاية ولكن هو بالنهاية إنسان يخطئ ويود المسامحة على خطأه..

مد يده اليمنى إليها والأخرى تتولى القيادة، أمسك بكف يدها ليقبله بهدوء ثم تحدث معتذرًا عما بدر منه:

-أنا آسف.. يارب كنت موت قبل ما أعمل كده

سحبت يدها منه بهدوء أو برود بالمعنى الصحيح ثم أجابته بجدية شديدة وملامحها حادة لا تحمل أي تعابير:

-بعد الشر عنك

علم أن مهمته لن تكن بهذه السهولة بل ستكون أصعب من الصعب نفسه، لقد أذى نفسيتها كثيرًا بما فعله وما يفعله كل مرة… يعترف أنه يستحق أكثر من ذلك..

وضعت رأسها يمينًا على نافذة السيارة تنظر إلى السيارات والطريق بالخارج وعقلها منشغل به وبما فعله.. لقد شكك بها وبحديثها.. يعتقد أنها لا تريد أن تنجب منه أطفالًا.. تحدث عن شقيقتها بالسوء، وتحدث عنها أيضًا بالسوء.. تطاول بالكلمات بكثرة، قارب على التطاول بيده مرة أخرى ولكن قد توقف بآخر لحظة.. هذا هو الجانب الوحيد السيء به.. أنه وقت غضبه حقًا يتناسى على شيء ولا يتذكر سوى أنه غاصب الآن وعليه أن يخرج ما يكنه من غضب داخله..

هذه أكبر المشكلات تواجدًا بحياتها معه فهي ستكمل حياتها معه.. ستكون زوجته إلى الأبد ولكن لن تستطيع أن تتعايش مع هذا في كل مرة يحدث أي شيء ينسى أنها زوجته ويتحدث معها كما لو كانت شخص سيء ولا يوجد أسوأ منه..

قهرها منه هذه المرة غير كل المرات السابقة، لا تعلم كيف عليها أن تظهر ذلك وما الذي ستفعله معه ولكنها حقًا حزينة للغاية منه ومن أفعاله..

_____________________

كثيرًا من الأمور تشعر أنها أفضل شيء بالنسبة إليك ولكن بعد مرور الوقت تعلم أنها لم تكن إلا أسوأ شيء، ربما هيأ لك أنها ما تريده..

جلس “تامر” في شرفة غرفته يفكر ويفكر في ذلك الأمر الذي شغله في الشهور الماضية، أعطى لنفسه مدة طويلة كي يفكر براحة دون تخطي الحدود ودون تحكيم قلبه وحده أو عقله وحده..

بعد تلك الفترة وابتعاده عن ابنة عمه “مروة” ومعرفة مدى سعادتها مع زوجها تخطى تلك الفترة الطويلة التي قال بها أنه يعشقها، الآن أصبحت بالنسبة إليه مجرد ابنة عمه وإن اقتربت أكثر ستكون شقيقته غير ذلك لا يوجد..

علم تمام العلم أنه كان مخطئ لو فقط كان فكر قليلًا لوجد ذلك ربما إعجاب بجمالها أو احترامها أو أي شيء آخر لكنه ليس حب.. هو لم يمنع زواجها من غيره لو أحبها حقًا لجعلهم يقتلوه قبل أن يرى حبيبته في أحضان شخص آخر ولكنه لم يفعل، وحتى لو لم يكن يستطيع هو بعد محاولة أو اثنين لتفريق بينها وبين زوجها تركها!.. واتجه إلى أخرى وهذا يكفي حقًا ليغلق صفحة حبه لـ “مروة” ويعتبر أنه لم يكن موجود من الأساس ويلتفت إلى من سلبت عقله وقلبه حقًا..

“ميار” بعد كلماتها في آخر محادثة بينهم أصبح منشغل بكل كلمة قالتها، يفكر ويفكر من الذي تتحدث عنها ربما هو مخطئ مرة أخرى ولا يدري ولكن أبتعد عن التفكير بأي فتاة أخرى ووضع أمام عينيه “ميار” ليرى هل هو منجذب إليها؟ يحبها؟ أم ما الذي يحدث..

ثم يوم بعد يوم يتذكر حديثها من الصغر، أفعالها ونظراتها، تصفح صورها عبر مواقع التواصل، وجد نفسه لا يشبع من النظر إليها والتفكير بها، كثير من المشاعر تجتاحه لن يستطيع أن يعبر عنها ولكن هو الآن أخذ قرار وسينفذه قبل أن يحدث شيء يخرب كل ما أراده كما السابق..

وقف على قدميه متقدمًا إلى داخل الغرفة ثم إلى خارجها ذاهبًا إلى والده الذي كان يجلس في غرفة الصالون مع زوجته، دلف إليهم “تامر” ثم وقف أمام والده وتحدث بجدية شديدة دون مقدمات:

-أنا عايزه اتجوز ميار بنت عمي نصر

نظر والده إلى زوجته باستغراب شديد عاقدًا ما بين حاجبيه بشدة وزوجته مثله، ثم سأله قائلًا باستنكار:

-مرة واحدة كده طب بالراحة علشان أفهم

جلس “تامر” أمام والده على الأريكة ثم تحدث قائلًا بجدية:

-مفيهاش فهم يا حج أنا عايز اتجوز ميار بنت عمي نصر، تبقى مراتي وأم عيالي ايه الصعب في ده؟

وقفت والدته على قدميها ثم أطلقت ما يسمى “زغروطه” لتعبر عن مدى سعادتها بما قاله ابنها، بينما ابتسم والدها باتساع ثم تحدث من جديد:

-اللي أقصده إنك يعني جبتها مرة واحدة كده

-بصراحة لأ يعني أنا كنت بفكر في الموضوع من زمان وخدت قرار خلاص وقولت أعرفك علشان تشوف هنعمل ايه

ابتسم والده وتحدث قائلًا بسعادة:

-هنعمل ايه هنطلبها من عمك طبعًا

صاحت والدته بسعادة غامرة وهي تتقدم منه لتحتضنه:

-ألف مبروك مقدمًا يا حبيبي، هيوافقوا إن شاء الله

أجابها وهو يبادلها العناق بسعادة وابتسامة هو الآخر متمنيًا بداخله أن توافق كما قالت والدته:

-الله يبارك فيكي

____________________

وقفت السيارة أمام البوابة الداخلية لمنزل عائلة “الراجحي” سريعًا خرجت منها لتتوجه إلى عشها الصغير في هذا المنزل البغيض على قلبها ولكن قابلتها “يسرى” أمام الباب في الخارج، احتضنتها بشدة معبرة عن مدى اشتياقها إليها:

-حبيبتي وحشتيني أوي أوي

بادلتها “مروة” ولكن ليست بنفس هذه الحرارة فـ بداخلها ما يكفي لتكن الأن بين يدي طبيب نفسي، أجابتها بجدية:

-وأنتِ كمان وحشاني.. معلش هطلع ارتاح شوية الطريق تعبني

نظرت إليها “يسرى” باستغراب ودهشة فهي لم تكن هكذا يومًا ولكن تحدثت مُبتسمة ببلاهة:

-آه آه طبعًا اتفضلي

أبتعدت عنها “مروة” بعد أن ألقت نظرة عليه خلفها وهو يقف عند السيارة ينظر إليها، ثم سارت إلى الداخل سريعًا وهي تتمنى بداخلها أن تصل إلى الغرفة بسلام..

ذهبت “يسرى” إلى “يزيد” تحتضنه بحرارة ثم سألته باستغراب وجدية:

-هي مالها؟ تعبانة ولا ايه

أجابها بجدية هو الآخر لا يريد أن يظهر ما يحدث بينهم لأحد:

-آه الطريق تعبها

سار إلى الداخل معها ثم دلف إلى والدته في مطبخ المنزل، ذهب إليها ثم عانقها بشدة ومهما حدث وبدر منها تظل والدته وحنانه بهذه الحياة، تظل منبع الأمل والحب بالنسبة إليه، تحدث بهدوء وهو يشدد على احتضانها:

-وحشتيني

استغربت والدته حالته هذه فهو دائمًا كان يسافر بالشهور بعيد عنها ويأتي يسلم عليها كما المعتاد ولكن الآن اختلف، شددت هي الأخرى على أحضانه وتحدثت بحنان مس قلبه:

-وأنتَ كمان ياحبيب أمك وحشتني

أبتعد عنها بهدوء وهو يبتسم ابتسامة باهتة فسألته بعد أن وضعت يدها على وجنتيه:

-مالك يا حبيبي، فيك ايه؟

-تعبان، تعبان أوي ومحدش راحم

اقتربت منه والدموع تكونت خلف جفنيها ثم تحدثت بحنان ولهفة:

-بعيد الشر عنك من التعب يا ضنايا، متخافش كله هيمر

ابتسم بوجهها مرة أخرى ثم تركها وذهب وهو لا يعلم ما الذي يفعله إليها لتغفر له هذه المرة فقط، ترك والدته خلفه متوجسة من الذي تحدث به ولدها، وقد خفق قلبها داخل اضلعها مقررة شيء ما بعد أن رأت حالته..

____________________

يتبع…

اترك رد

error: Content is protected !!