روايات

رواية سجينة جبل العامري الفصل التاسع عشر 19 بقلم ندا حسن

رواية سجينة جبل العامري الفصل التاسع عشر 19 بقلم ندا حسن

رواية سجينة جبل العامري البارت التاسع عشر

رواية سجينة جبل العامري الجزء التاسع عشر

سجينة جبل العامري
سجينة جبل العامري

رواية سجينة جبل العامري الحلقة التاسعة عشر

“دقت طبول الحرب والحب”
ابتلعت غصة تشكلت بحلقها وهي تناظر عيناه بقوة لم تستطيع أن تُجيب عليه وهو ينظر إليها فقط فاعتقدت إنها عادت معه مرةً أخرى إلى بداية الطريق بعدما وصلوا سويًا إلى نقطة المنتصف، تقدم منها عندما وجدها تقف تنظر إليه بهذه الطريقة دون أن تنبث بكلمةٍ حتى!
أقترب من موضعها ليقف أمامها رافعًا الأقراص أمام وجهها هاتفًا بقوة وينظر إليها بتمعن شديد:
-أنتي بتاخدي الحبوب دي؟
ازدرد ريقها بصعوبة تبلل شفتيها بطرف لسانها تنظر إليه بقوة ثم أردفت بإرتباك وإيماءة:
-أيوة
ضيق عينيه مُردفًا بتساؤل وهو يقترب أكثر:
-ليه؟
عادت للخلف بتوتر ترتجف بشدة من اقترابه منها بهذه الطريقة ونظرة عيناه المحدقة بها بشدة لم تفهم معناها لتقول بثباتٍ مصطنع:
-كده يا جبل.. ده قراري
نهرها بحدة غير مُصدقًا ما وقع على مسامعه من قولها التي أعطاه غير أهمية بحياتها:
-لأ مش قرارك.. أنا جوزك لو هتخلفي فـ زي ما أنتي هتبقي الأم أنا الأب ولا هو اللى هيجي جاي بالاشعار
استنكرت حديثه باشمئزاز فتحدثت بإمتعاضٍ:
-ايه الهبل اللي بتقوله ده
قطب جبينه بتساؤل وعاد يقف امامها مُشيرًا بسبابته نحو صدره ومازالت الأقراص بيديه:
-هبل؟ أنا كلامي هبل من أي إتجاه إن شاءلله
أكمل مسترسلًا بجدية:
-مش أنا إللي بشاركك اللي بيحصل ولو خلفتي طفل مني هبقى أنا أبوه؟
اجفلت بعينيها ثم نظرت إليه مُستشعرة حدته في الحديث كأنه يعنفها على فعلتها الشنيعة فتحدثت بنبرة هادئة بعض الشيء:
-مش قصدي كده
سألها مضيقًا عينيه:
-اومال قصدك إيه؟
تنهدت مبتعدة عنه بضيق وأجابت:
-جبل أنا قررت إني مش هخلف منك على الأقل لفترة معينة
جذبها من رسغها بقوة لتتلاقي الأعيُن قائلًا بإحتدام:
-القرار ده مش بتاعك لوحدك علشان تاخديه، أنا لازم أوافق عليه أو موافقش.. طالما أنتي مراتي ووافقتي إنك تفضلي معايا وبادلتيني نفس الشعور يبقى من حقي أعرف وأوافق أو أرفض
سألته بلا مُبالاة:
-وأنت هترفض ليه؟
ترك يدها يرمقها بحدة لحديثها اللاذع:
-علشان من حقي يبقالي طفل زي ما أنتي ليكي الحق إنك أم
وقفت معتدلة تناظرهُ بذهول بعد حديثه بإستنكار بما تفوه به مستطردة بطريقة هجومية:
-أنت معتبر وعد بنتي لوحدي؟
بدى كَ رجلٌ عاقل، مثقف وحكيم لأول ومرة تراه هكذا، كأنه مستكمل مسيرته الدراسية حقًا! يقف يتحدث بهدوء على الرغم من أنها اعتقدت أن هناك حرب ستنشب بينهم تتابعه فتحدث بإيجاز:
-لأ أنا مقولتش كده.. وعد بنتي أنا كمان بس حتى اللي مخلف واحد بيبقى عايز التاني، فملهاش علاقة بعتبرها ولا لأ ولما تخلفي ليا مرة هبقى عايز تاني
بترت حديثه قائلة بجدية لإنهاء هذا النقاش الحاد:
-أنا مش هخلف دلوقتي يا جبل
جذبها مرة أخرى واحتدت نبرته أكثر وهو يراها لا تدعمه بقراره بتاتًا، بل تريد أن تفعل ما ترغب به دون اللجوء له:
-محتاج أفهم ليه؟. مش خلاص اتنازلتي عن خروجك من الجزيرة وطلبتي ده بنفسك وطلبتي تكملي معايا ولا هو جواز لحين إشعار آخر؟
حررت يدها من قبضته القوية بصعوبة قائلة بضجر:
-جبل أنت مش فاهمني ارجوك أفهم
زفر الهواء من رئتيه محاولًا الهدوء قليلًا قبل أن تفتك بها، يحمل العديد والعديد بطياته كي يكون على هذا الوضع الهادئ فلا يستطيع فعلها بسهولة بالأخص أنها راوغت معه في الحديث:
-فهميني
تنهدت بعمق وهدوء تبادله ما يفعله ولكنها تدرك جيدًا بإنها على حق والقرار خاص بها وحدها فقالت بتوجس:
-أنا لحد دلوقتي بردو معرفش أنت بتعمل ايه؟.. قولتلي آه هتريحني لكن لسه معرفش وأنا مش هربط نفسي بطفل منك إلا لو اطمنت فعلًا وعرفت الحقيقة فين
استنكر كلمة واحدة خرجت من شفتيها ووقعت على مسامعه لتكن كالنشاز فصاح بها:
-تربطي نفسك؟ لأ أنتي خلاص بقيتي ملكي يا زينة مش محتاجه عيل يربطك بيا
اغتاظت من بروده لتصيح بعصبية فارطة تشير بيدها نحوه:
-أنا مش ملك حد .. أنا حرة
صاح مقتربًا بهمجية حتى بات الحديث بينهم يهدئ تارةٍ ويشتعل تارةٍ أخرى:
-لأ مش حرة
عادت للخلف أكثر لتستند إلى الحائط بظهرها فاقترب هو الأخر يحاوطها بجسده يناظر وجهها وكافة ملامحها قائلا بعمق:
-أنتي مراتي.. ملكي وكل حاجه فيكي ملكي أفكارك بقى تصرفاتك كلامك جسمك شكلك.. كل حاجه ملكي ومش هتنازل عنها بسهولة… إلا لو خونتيني
دفعته كي يتزحزح قليلًا لتستطيع النظر إليه ترفع وجهها إليه باستغراب شديد تسألت:
-خونتك! ايه اللي بتقوله ده؟
أقترب مرة أخرى قائلًا بإزدراء:
-أنا مقصدش الخيانة اللي جت في دماغك.. اللي تتجوز جبل العامري متعرفش تشوف راجل تاني غيره.. بس الخيانة أنواع
صرخت حينما ضغط عليها بذلك الحديث الشرس، ترك كل شيء وتحدث في شيء آخر من المستحيل فعله!
-أنا قولتلك قبل كده أنا مش غدارة ولا بتاعت خيانة
تابعها بشك مضيقًا عينيه:
-أنتي اتعصبتي ليه.. إحنا بنتكلم
تفوهت بجدية ضارية:
-علشان كلامك وحش.. وبعدين نرجع لموضوعنا أنا مش هخلف منك غير لما أعرف عنك كل حاجة
أومأ برأسه مؤكدًا حديثها الغير لائق:
-حقك.. بس أنا مش موافق وهتوقفي الحبوب دي يا زينة.. سمعتي؟
سألته بقوة مستنكرة:
-أنا ايه يجبرني وبعدين ما أنت بتقول حقك أهو
تنهد بصوت مرتفع وهو حقًا لا يستطيع التمهُل أكثر فخرج صوته بنفاذٍ صبر:
-اللي يجبرك إني جوزك وليا حق الاختيار زيك بالظبط وأنتي اختارتي ونفذتي لوحدك وأنا جه دوري..
تنهد مرة أخرى وهو يراها تنظر إليه بعصبية وغضب لا يروق لها حديثه فتحدث بجدية ينبهها بهدوء:
-صدقيني أنا مش كده.. أنا بحاول اتغير علشانك، فبلاش أنتي يا زينة واسمعي الكلام
كرمشت ملامح وجهها وظهر الأسى عليها لتقول بقلق وانزعاج من ضغطه عليها بهذه الطريقة:
-صدقني أنت أنا مش هقدر أخاطر بالطريقة دي.. جبل أنا حياتي معاك مش مستقرة أصلًا كفاية وعد أنا حاطه أيدي على قلبي وهي معايا هنا
رد بجدية متفهم حديثها:
-أنا أقدر احميكم كويس واظن إني عملت كده
حاولت أن تستعطفه ناحيتها وهي تقول بنبرة راجية:
-علشان خاطري أسمع كلامي..
اعتدل بوقفه وقال بصوت جاد لا يحتمل النقاش وبصرامة واضحة:
-ممنوع تاخدي من الحبوب دي تاني.. جبتيها منين أصلًا
أجابته بضجر واستياء:
-من الصيدلية هيكون منين يعني
سألها مضيقًا عينيه عليها:
-معاكي غيره؟
أجابته بهدوء وصدق:
-لأ
ابتسم ساخرًا تحدث بخبث:
-كويس.. لو عرفتي تجبيه تاني هخليكي تاخدي منه
نظرت إليه بضيق شديد قائله بانزعاج:
-أنت مستفز
أجابها ضاحكًا بمكر يشاكسها:
-عارف
دفعها للخلف لتستند إلى الحائط مرة أخرى يقترب منها ينحني عليها بجسده يحاوط خصرها بيده الاثنين ضاغطًا عليه بقوة يقربها منه يقطف قبلة عنيفة حادة من شفتيها الوردية، يضغط عليها بأسنانه الحادة ينفث عن غضبه منها الذي كبته داخله وحاول أن يتحدث معها بالهدوء واللين ولكن الأمر لا يحتمل..
رفعت يدها إلى صدره تحاول دفعه إلى الخلف عندما ألمتها شفتيها بقوة لا تستطيع الإبتعاد عنه لا إلى الخلف أو الأمام يحكم قبضته عليها بضراوة لتآن بين شفتيه بألم فخفف من حدة معها يقبلها بهدوء وتروي يقلل من حدة قبضته على خصرها ينعم بتلك اللذة التي تجعل مشاعره هوجاء بطريقة لا توصف…
اشتعلت النيران داخله يود القرب منها في الحال مطالبًا بالمزيد فجذبها من خصرها ناحيته يتجه بها نحو الفراش وهو لا يستطيع أن يفصل القبلة التي جعلته لا يشعر بشيء إلا مذاقها الرائع ينل من عسلها ذو الطعم الفاخر يستنشق أنفاسها اللاهثة بحب..
دفعها على الفراش وعندما جلست فاصلًا القبلة يقترب منها دفعته هي بقوة تمسح على شفتيها لاهثة بعنف تحاول ضبط أنفاسها التي بقيت داخلها بسبب قبلته الطويلة التي أدمت شفتيها…
نظرت إليه بقوة وضجر على الرغم من أن حالها ليس أفضل منه تطلب المزيد لتنعم بأفضل شعور جواره.. أردفت بحدة غير متناسية موضوعهما الأساسي:
-جبل ده مش نقاش أنت محتاج تفهمني
جلس جوارها محاولًا دفعها للخلف يتحدث بصوت أجش ومشاعره مسيطرة عليه:
-وأنتي كمان محتاجه تفهميني يا غزال.. صدقيني أنا هقدر احميكم وأنتي عارفه كده كويس بس بتعملي حجه، وكمان متقلقيش مني أنا هريحك
أقترب أكثر منها يجذب وجهها إليه بكف العريض ناظرًا إليها برجاء وعيناه تطالب منها الخضوع إليه والموافقة دون صراخ وحدة بينهم ليهتف برفق ممزوج بعشقها:
-أنا نفسي من زمان أخلف، بس بقيت ملهوف عليه أكتر منك أنتي.. متقفيش في وش الحاجه اللي هتقربني منك أكتر
أومأت إليه برأسها بهدوء بعدما شعرت بحاجته القوة إليها وإلى قطعة منها تنظر إلى عيناه بهدوء فأرسل إليها مراسيل الغرام والهوى، أقترب أكثر عندما وجدها تومأ بالإيجاب مبتسمًا شاعرًا بالرضا التام ليدفعها على الفراش يقترب منها قائلًا بخشونة:
-زينة.. أنا بحاول ابقى حد تاني معاكي، بحاول أمسح من ذاكرتك اللي عملته فيكي.. ساعديني يا زينة أنا بحبك
أكمل بترجي لا يدري كيف وصل إليه بهذه السهولة:
-أنا آه حبيتك علشان أنتي حرة واللي خلاني عايزك إنك معارضة ومش خاضعة بس أنا أحب تبقي خاضعة ليا أنا بس.. بلاش تقفي قصادي فهماني يا غزال؟
أومأت إليه بهدوء ورفق، تذكرت أنه قال لها سابقًا أنه حقًا يحب الخاضعة ولا يحب المتسلطة الواثقة تلك القوية التي أمامه كما يقول عنها القادرة.. ولكنها أيضًا لا تحب أن ترى نفسها تلك الضعيفة بين يديه.. تريد دومًا أن تكون القوية الحرة التي لا تروض وهو يريد أن يبدلها إلى أخرى تروق له هو فقط حتى وإن كانت لن تروق إلى نفسها..
أومأت إليه إذًا وافقت، وافقت على أن تخسر ما وعدته به؟ وعدته أنها لن تروض، ليست للترويض ستظل حرة إلى الأبد وأبعد ما يكون عما يريد.. هل غيرها الهوى إلى هذه الدرجة لتتخلى عن حديثها الواثق الصارم..
هل يفعل الهوى كل ذلك مع رجل كهذا فريد من نوعه..
عبث بها وهو يحرك يده عليها بحرية تامة يقترب منها ليقطف قبلة أخرى من وردة شفتيها مستمتعًا أكثر بتلذذ مغمضًا عينيه كمثلها يتحكم هو بزمام الأمور برغبة ضارية تضرب جسده ونشوة جنون الحب تحركه نحوها لينعم بلحظات لم يمر بها بحياته يجعلها تشعر أكثر منه أنه الأول بحياتها.. وأنه الأخير
الكثير من الوقت مر وهو يغوص معها في بحر الغرام ملتهمًا كل موجة ثائرة تتحرك نحوهما يطفو فوق سطح اللذة طارة ويغوص بها إلى الرغبة المشتعلة تارة أخرى يمرر شعوره عليها بحنو ورفق يستلذ بكل ما يأخذه منها مشتهيًا الأكثر شاعرًا باهتياج ضاري كلما نال المزيد..
استمع إلى رنين هاتفه الذي تغاضى عنه لأكثر من مرة ولكنه لا يصمت فابتعد عنها بضجر وانزعاج يميل إلى الأرضية بجسده وهو نائمًا على الفراش ليلتقط بنطاله يخرج منه هاتفه ينظر إلى شاشته فوجد المتصل “عاصم”
أجاب عليه بانزعاج لحظة واحدة وأغلق الهاتف زافرًا باستياء وضيق، ترك الهاتف جانبًا ليعود ينظر إليها وجدها ابتعدت إلى آخر نقطة بالفراش تعطيه ظهرها خجلة منه فابتسم بانتشاء ويروقه كثيرًا ما تمر به معه وكأنه الأول ولأول مرة تجرب كل هذا..
جذبها ناحيته لينظر إلى وجهها المتورد وعينيها التي أغلقتها فقال بمكر وهو يضغط على خصرها أسفل الغطاء:
-هنزل خمس دقايق أشوف الناس دي.. وجايلك اوعي تنامي
لم تجب عليه وظلت صامته فأمسك بطرف الغطاء يحاول رفعه للأعلى لتشعر به ففتحت عينيها على اخرهما باتساع تجذبه منه تخفي جسدها عنه صائحة:
-أنت قليل الأدب بجد
تجرأت وسبته بعصبية وضيق، لو فعلتها في وقت سابق لكان أخفى جسدها من على الأرضية بأكملها ولكنها الآن.. حبيبته يحق لها أن تفعل ما تريد..
أومأ إليها ضاحكًا بمزاح:
-عارف
أبتعد تاركًا الفراش ليجلس على طرفه يلتقط سرواله وبنطاله يرتديهما ثم التقط القميص يرتدي إياه هو الآخر ثم الحذاء ووقف على قدميه يهندم ملابسه وخصلاته أمام المرآة وعاد يأخذ هاتفه ناظرًا إليها بخبث ومكر فبادتله النظرة بقلق وهي تتمسك بالغطاء جيدًا تشعر بالغدر قادم منه
أمسك بالأقراص الخاصة بها أيضًا لينظر إليها قليلًا ثم رفع وجهه إليها بهدوء وبراءة يقول برفق وهو يمد يده إليها بهما:
-خدي يا زينة، لو لسه مش مقتنعة بكلامي اعملي اللي يريحك
نظرت إليه باستغراب تام ولكنها رفعت يدها لتأخذ منه الأقراص فلم يعطي إليها الفرصة لتمد يدها وسبقها بيده يجذب الغطاء من عليها يلقيه بعيدًا ليستمع إلى صراخها الحاد وهي تسبه بعنف ينظر إلى جسدها الظاهر أمامه بسخاء:
-يا حيوان يا زبالة أنت بجد خبيث
ارتفعت ضحكاته لتملئ الغرفة محدثة جلجلة كبيرة وهو ينظر إليها يلتهم جسدها بعينيه الخضراء الماكرة يبتعد إلى الباب يخرج منه ولكنها جذبت الغطاء سريعًا تعود تضعه على جسدها ثم أمسكت بوسادته تلقيها عليه بعنف..
من حسن حظه كان يستدير لينظر إليها يكيدها بما فعله فوجدها تلقيها عليه ببراعة التقطها وقام بإعادتها إليها مرة أخرى بعنف لترتضم برأسها بقوة فصاحت بانزعاج أكبر:
-يا حــيــوان
تركها وخرج من الغرفة وضحكاته العالية ترتفع في أنحاء القصر الجميع يستمع إليها يشعر بسعادة لا توصف وكأنه لم يجرب طعم السعادة من قبل، يغوص بحبها وبالقرب منها لا يريد تركها، عشقها ينبض بقلبه بكثرة كل يوم يزداد عن ذي قبل وكأنها مرض لا دواء له ينتشر في أنحاء الجسد بسرعة وسهولة..
هبط إلى الأسفل تاركًا إياها تحيط نفسها بالغطاء تنظر إلى الفراغ مبتسمة بسعادة كمثله بالضبط وكأن ما حدث لها على يده كان مُقدر وكُتب لها من قبل أن تأتي إلى الجزيرة ليكون هو عوضها عن ذلك الحرمان الذي شعرت به تعوض نفسها بحضن دافئ وسند لا يميل يستند عليه الكثير والكثير.. تعوض نفسها بمن تميل عليه وتلقي بنفسها بداخله ليشعرها أنها ذلك الضعف وهو القوة التي تستمدها منه..
لحظات جنود عقلها المتربصين لها يلقون عليها أسئلة عبثية من تلك التي تهدم الفرحة والملذات، كيف تناست زوجها الراحل!؟ لا تدري حقًا والله لا تدري ولكنها إلى آخر دقيقة كانت تحبه ولا تحب غيره، أخلصت له بعد وفاته لكثير من السنوات ولكنه هو الذي غدر بها واحتل حياتها معه بما حرمه الله ولا تدري إلى الآن ما كان يقدمه إليها من مشاعر صادقة أو كاذبة ولكن لا تستطيع أن تشكك بهذا..
قلبها كيف أحب جبل أيضًا لا تدري ولكنه رجل فريد من نوعه ومختلف للغاية عن كافة الرجال الذي عرفتهم وعرضوا عليها الزواج، الغموض الذي كان عليه يجذبها نحوه والذي مازال، الغرور والعنجهية، الحكمة والعدل الذي يتحلى بهما، أيضًا الإجرام والقتل.. كل شيء به جذبها إلى أن وجدت نفسها تحبه وتعترف بذلك بسهولة.. فإن كان هذا حلال الله لما تترك ضميرها يأنبها؟ لما لا تعيش ما فقدته لكثير، فـ “يونس” رحل وهي باقية.. ستأخذ الفرصة من فك الأسد.. ستعيش شبابها وحياتها مع الرجل الذي أحبته وكأنها لأول مرة تحب وتعشق.. وكأن ما عاشته مع “يونس” لم يكن حب.. إنه مع “جبل” كامل الاختلاف..
تبسمت تعود للخلف وهي تتذكر كيف كان يعبر لها عن كونها جميلة حد اللعنة، تصيبه بالجنون وتجعله لا يريد تركها أبدًا.. يشعرها بأنوثتها التي حبستها ولم تخرجها إلا على يده.. وستطلق العنان لكل شيء بها لتعيش السعادة معه بكل جوارحها وفي أقرب فرصة ستعترف له بحبها.. ولكن ليعترف هو بما يخفيه أولًا..
❈-❈-❈
“بعد مرور بضعة أيام”
سار “جبل” إلى الخارج يتقدم من بوابة القصر ومعه شاب يبدو في مثل عمره، سلم عليه بحفاوة وهو يودعه إلى الخارج تاركًا معه أحد الحراس حتى يخرجه من الجزيرة..
عاد مرة أخرى مبتسمًا تقدم من غرفة الحرس الذي كان بها “عاصم” ليدلف إليه ينظر إليه نظرة ذات مغزى..
وقف عاصم شامخًا ثم سأله بجدية:
-الظابط مشي؟
أومأ إليه برأسه ومازالت تلك الابتسامة الغريبة على محياه، خرج صوت بخشونة:
-أيوة مشي
سأله “عاصم” مجددًا:
-كويس.. في معلومات عنده جديدة؟
ولج “جبل” ليجلس على المقعد بالداخل ورفع بصره إلى “عاصم” يستكمل حديثه:
-تعرف يا عاصم أننا من غيره ولا حاجه، أهو ده الوحيد اللي بيعرف يخلص لينا كل شغلنا
انحنى إلى الأرضية ثم عاد مرة أخرى إليه هاتفًا بمكر ونظرته خبيثة:
-وعلشان كده هو طلب مني حاجه وأنا وافقت عليها
اعتدل “عاصم” ليقف مستقيمًا ينظر إليه مستنكرًا هاتفًا باستغراب:
-حاجه؟.. حاجه ايه
أجابه ببساطة وهدوء فائق:
-جواز.. عايز يتجوز واحدة من القصر وأنا أكيد مش هلاقي أحسن من الظابط ده علشان أرفضه
أبتعد “عاصم” مبتسمًا متجهًا إلى الطاولة ليعد كوبان من الشاي لهما يقول ببساطة هو الآخر مبتسمًا:
-وترفضه ليه ياعم خير البر عاجله.. طلب مين بقى
استمع إلى صوت جبل الخبيث:
-شوف أنت
استدار ينظر إليه وهو يمسك بالأكواب مستغربًا حديثه ليقول متسائلًا هو الآخر:
-فرح؟ ولا تمارا
وضع جبل قدم فوق الأخرى وهو ينظر إليه بعمق يبعث إليه كلمات وانذارات خبيثة ليقول بنبرة ماكرة مفتعلًا صوت بفمه:
-تؤ ولا دي ولا دي
ابتسم “عاصم” ساخرًا بقوة يقول بتهكم:
-اومال مراتك
انتفض في جلسته يبعد قدمه عن الأخرى ليصرخ في وجهه بعصبية محذرًا إياه:
-ولا.. اظبط نفسك في ايه
عاد مرة أخرى يعد الشاي وهو يقول بهدوء غير مهتم بما يقوله من الأساس:
-مش أنت اللي بتقول ولا دي ولا دي.. مافيش غير مراتك
ابتسم جبل وهو يقول بسخرية خبيثة ماكرة ليعبث به:
-لأ فيه
ترك الكوب من يده ثانيةً وعاد ليقف مستقيمًا ناظرًا إليه بقوة وعمق بعد أن اخترق حديثه عقله ولم تكن تأتي على خلده من الأساس وكأنها ليست من سكان القصر..
اخترق اسمها أذنه بعد أن تفوه به “جبل” بسهولة:
-اسراء
انتفخت عروقه بشدة واهتاج جسده ليشيح بيده بعنف وعصبية بعد أن تحركت مشاعره بالغضب المميت ولم يستطع السيطرة عليها ليصرخ بصوت عال:
-بقولك ايه اظبط أنت قسمًا بالله اهدلك القصر على اللي فيه أنت بتقول ايه
عمل “جبل” على اغاظته أكثر وهو يقول بجدية ساخرًا:
-طب الله وكيل لايق عليها أكتر منك
أقترب منه يُشيح بيده في الهواء بهمجية يخرج صوته بخشونة وغلظة صائحًا:
-لايق على مين ياعم ده مرتشي
باغته “جبل” بابتسامة عريضة وهو يقول بتهكم:
-بس ظابط
صرخ “عاصم” مجددًا بعنف وقسوة:
-هو ايه اللي ظابط ظابط ياعم ده مش ظابط نفسه
تحرك في الغرفة بهمجية شديدة وملامح وجهه مشدودة بحدة وعروقه نافرة ليقول بنبرة حادة يتخللها الحزن الشديد:
-جبل الموضوع ده مش للهزار علشان تبقى فاهم
أكمل بحدة غير مصدقًا لما قاله بعد أن فكر به قليلًا:
-وبعدين هو شافها فين علشان يطلبها.. أنت كداب
ضرب “جبل” بكف يده على فخذه صائحًا مجيبًا عليه بقوة ونبرة واثقة كاتمًا ضحكاته الذي يود إخراجها:
-الله وكيل شافها مرتين وطلبها مني النهاردة وأنا مش بكدب عليك
اعتدل في جلسته يقول بجدية:
-وأنا وافقت
أعمته غيرته، لم يصبح يرى أمامه من شدة الغضب والغيرة التي دلفت إلى قلبه لتسحقه بقوة تفتت كل إنش به، تقدم منه في لمحة خاطفة ليجذبه من تلابيب ملابسه يقف أمامه صارخًا به بقسوة:
-وافقت يبقى اتجوزه أنت.. تعرف تعملها دي
ابتسم ببرود وغيظ وأردف بلا مبالاة ليجعله يستشيط غيظًا:
-تؤ هي اللي هتتجوزه
شدد من قبضته على تلابيب ملابسه ليقول أمام وجهه بعنف ونظرته نحوه كاره للغاية:
-أنت مين قالك أنها هتوافق
تبسم إليه أكثر وعاد يقول ببرود مجددًا:
-أصل مراتي ولية أمرها وهي رفضاك وموافقة على الظابط
سبه بعصبية شديدة وتأججت النيران داخل صدره خوفًا من أن يحدث ما يتفوه به، ولكنه لن يسمح بذلك مهما حدث حتى وإن هدم المعبد على من فيه:
-أبوك على أبو مراتك جبل قسمًا بالله اهد الدنيا عليكم ومش هيهمني حد
دفعه للخلف بحدة عندما توجه بحديثه إلى نقطة محظورة قائلًا بعنف وقسوة:
-احترم نفسك الأول علشان ممدش أيدي عليك
ضرب “عاصم” على الطاولة بيده وهو في حالة ثوران ليست طبيعية فغيرته أشعلت النيران لتندلع داخله بضراوة وليس هناك شيء يخمدها:
-قسمًا بالله اخطفها وأطلع من أم الجزيرة دي ومش هخلي حد فيكم يلمح طيفها وأنت عارف أنا كفيل بيها
عاد “جبل” ليجلس مرة أخرى يهتف بضجر:
-طب بس بس بلاش خيابة
ذهب ليجلس جواره، نظر إلى الفارغ أمامه في أرضية الغرفة وتحدث بعفوية بنبرة صوت هادئة تخرج من قلبه إلى مسامع الآخر:
-دي خيابة.. أنا بحبها، بحبها ايه أنا مجنون بيها أنا بحلم بيها وأنا نايم وأنا صاحي.. أنا حتى مش عارف ده حصل امتى وإزاي دي عيلة صغيرة بريئة متنفعنيش بس.. بس أنا عايزها
نظر إليه مستغربًا مما بدر منه في لحظة وهو يجلس قليل الحيلة ينظر في الفراغ يتحدث بحب ولهفة لم يراه لها سابقًا ليخرج صوته يسأله:
-للدرجة دي
هتف وهو على نفس الوضع وعقله لا يكف عن التفكير بها والخوف مما قاله “جبل”.. الخوف من أن توافق هي لأجل حديث شقيقتها:
-وأكتر… وأكتر بكتير
تفوه “جبل” بجدية وهو يربت على كتفه بعدما استشعر الصدق المبالغ به في نبرته:
-صعبت عليا.. أنا هفكر في الموضوع ده
نظر إليه “عاصم بعيون” متعطشة للمساعدة، أو لنيل ما أراده، خرج صوته متلهفًا:
-يا صاحبي.. علشان خاطري ساعدني، جبل أنا أول مرة أطلب منك حاجه ومش هتنازل عنها سواء ساعدتني أو لأ
تحدث “جبل” بضجر وانزعاج:
-ما خلاص بقى اخرس.. خلينا نفكر في شغلنا أحسن
هب واقفًا بعصبية صارخًا به يسبه هو وعمله:
-يا عم ما يولع الشغل… يولع
زفر بنفاذ صبر يًشير إليه أن يجلس مرة أخرى قائلًا بجدية:
-عاصم قولتلك خلاص أقعد بقى عايزك
جلس “عاصم” على مضض يستمع إلى حديث جبل ولكنه لا يفكر به، يدلف من الناحية اليمنى ويخرج من اليسرى، يفكر بها، عقله منشغل بها هي ولا يستطيع حتى التركيز في أي شيء آخر، ما قاله له “جبل” أشعل النيران داخله بضراوة ونفرت عروقه منه من كثرة الغضب والتفكير فيما قد يحدث..
غيرته خرجت عن السيطرة وهو يفكر في ذلك الحقير الذي أراد الزواج منها، يتوعد له أن أتى هنا مرة أخرى لن يخرج إلا محمولًا على الأكتاف كي يستطيع بعد ذلك رفع بصره إلى النساء جيدًا..
لن يجعل ذلك يحدث، لن يتركها لأي شخص آخر غيره وإن طلب الأمر أن يقـ ـتل شقيقتها ويأخذها عنوة عن الجميع.. لقد وصل حبها في قلبه إلى مرحلة الجنون.. لا يريد تركها ولن يبتعد عنها لن يتركها إلا وهي زوجة له تنام بين أحضانه ينعم بها على فراشه.. وسيكون هذا في القريب العاجل..
يتحدث جبل جواره وهو يشتعل من الغيرة واللهفة لرؤيتها وتحطيم قدميها التي ساقتها إلى أن تتوجه ناحية ذلك الغريب..
يشعر وكأن قلبه وعقله قارب كل منهما على الإنفجار.. حقًا ليس هناك ذرة صبر واحدة ينعم بها في جسده بل كل ما يشعر به هو العصبية والفوران الشديد كأنه بركان قاربت فواهته على الإنفجار وإخراج كل ما بها ليدمر الأخضر واليابس..
❈-❈-❈
كانت “زينة” في غرفتهم تخرج ملابسهم من الخزانة وتعيد ترتيبهم مرة أخرى بحب أكبر وابتسامة سعيدة مرتسمة على شفتيها تأتي لتقتحم ما بها كلما تذكرت لحظاتها معه في الآونة الأخيرة..
وقع ملف أوراق من الخزانة وهي تجذب ملابسه منها ليستقر على الأرضية، نظرت إليه بعينيها وتركت الملابس جانبًا لتهبط إلى الأرضية تأخذه بين يديها تجلس على الفراش لتفتحه وفضولها يجذبها نحو ما به
لم تفهم ما محتوى الأوراق هذه ولكن هناك ورقة كان بها رسمة غريبة تحتوي على أسماء كثيرة ربما كانت استمعت عن بعضهم من هؤلاء ذو القيمة والقامة في الدولة..
تركتهم جانبًا عندما استغرقت وقتًا طويلًا تحاول فهم ما بهم ليقع بيدها صورة غريبة للغاية..
كان هو بها يقف مبتسمًا باتساع وكأنه كان ضاحكًا بقوة يكبت ضحكته، على جانبيه اثنان من رجال الشرطة مرتدين الزي الرسمي مبتسمين بسعادة مثله وأكثر
رفعت وجهها لتنظر في الفراغ أمامها وبدأت مرة أخرى مرحلة التفكير التي كانت قد تخلصت منها منذ فترة..
عبثت بها خيوط عقلها التي تفكر بها، لما هو هنا في هذه الصورة بهذا الشكل مع هؤلاء! رجال شرطة!؟ كيف هو ورجال الشرطة سويًا كيف!؟
وقفت خيوط عقلها ووقف عقلها كليًا عن التفكير فحقًا لا تدري ما الذي ممكن أن تستنتجه من هذه الصورة وما الذي سيكون صحيح تشعر أنها من الأساس تعبث بأشياء لن تأتي لها بفائدة إلا عندما هو يعترف إليها بكل شيء.. أنها ترهق نفسها فقط ككل مرة فعلت بها هذا..
دلف هو الغرفة يغلق الباب خلفه وجدتها تجلس على الفراش بجوارها ملف أوراقه والصورة بيدها بينما هي تنظر في الفراغ..
تقدم إلى الداخل ليجذب منها الصورة بعنف قائلًا بصوت حاد غاضب:
-أنتي هتعقلي امتى يا زينة
زفر حانقًا وقد أتى بأخره معها ليهتف بنفاذ صبر:
-حتى بعد كل اللي قولته ليكي لسه بتدوري ورايا
وقفت بهدوء تتابع انفعاله الزائد عن حده ثم قالت بصدق ورفق:
-أنا مدورتش وراك المرة دي أنا كنت بعدل الهدوم في الدولاب والملف ده وقف من بين هدومك
أشار إليها بالأوراق بيده ساخرًا منها:
-وقع من بين هدومي زي الشاطرة تشيليه وتحطيه مكانه مش تقعدي تفتشي زي المفتش كرومبو
وضعت يدها الاثنين أمام صدرها لتقف بجدية قائلة:
-أنت ايه اللي مزعلك كده
ابصرها بعينان حادة للغاية، اشتعل الغضب داخله ووصل إلى ذروته بسبب أفعالها فقال بقسوة:
-زينة متستهبليش.. الله وكيل أنتي عايزة تجيبي أخري معاكي
وجدته حقًا منزعج من فعلتها فحاولت بلين:
-ممكن تهدأ شوية الموضوع مش مستاهل
خرج صوته بعنف وقسوة شديدة وهو يلقي الأوراق على الفراش وأردف قائلًا:
-لأ مستاهل بعد كده متمديش ايدك على حاجه تخصني أنتي سامعة ولا لأ.. المرة الجاية مش هتكلم معاكي صدقيني لأني جبت أخري من الحركات دي
زفرت بضجر وانزعاج هي الأخرى ووقفت بثبات تقول بعصبية مقررة أن تعلم كل شيء الآن:
-ماشي يا جبل وأنا دلوقتي حالًا محتاجه أفهم كل حاجه ومش هستنى تاني علشان ممدش أيدي على حاجتك بعد كده
تنهد بعمق ينظر إليها بنفاذ صبر يحاول أن يهدأ نفسه ليتحدث بجدية:
-أنا قولتلك هتعرفي كل حاجه في الوقت المناسب
احتدم النقاش بينهم عندما احتدت نبرتها وهي تقول بعصبية:
-وأنا عارفه إن الوقت المناسب بتاعك مش جاي دلوفتي أبدًا وعايزة أعرف دلوقتي حالًا كل حاجه
نظر إليها بعنف يخترق أعينها بنظراته قائلًا بخشونة:
-هو أنتي بتأمريني
ابتلعت ما وقف بحلقها لتجيبه بهدوء وثبات:
-لأ أنا مش بأمرك أنا بطلب منك أهو
أبتعد عنها متقدمًا للمرحاض مقررًا أن يتركها تفعل ما يحلو لها وأن يفعل هو أيضًا ما يحلو له ليقول ببرود ولا مبالاة:
-أنا مش هقول غير في الوقت اللي يناسبني يا زينة مش أنتي اللي هتمشيني على مزاجك
ارتفع صوتها بضجر تسير خلفه بعصبية:
-أنا كمان تعبت من إني ماشية على مزاجك زي الحمارة ومش فاهمه حاجه
استدار ينظر إليها نظرات ذات مغزى بعد أن استمع إلى حديثها وفهم المقصد منه خطأ، أردف بسخرية:
-لأ أنتي مش بتعملي كده لمزاجي أنا.. أنتي مبسوطة معايا
استنكرت حديثه محركة رأسها بقوة تقول:
-أنت مجنون أنا مش بتكلم في كده
وضعت يدها أمام صدرها مرة أخرى ووقفت بجسد متشنج تطالب بمعرفة كل شيء الآن ليخرج صوتها مرتفعًا:
-جبل أنا عايزة أفهم كل حاجه دلوقتي
أقترب منها بهمجية وعيناه لا تنذر بالخير نحوها أبدًا، أنه يحاول كثيرًا ولكنها لا تساعده:
-وطي صوتك
هدأت نبرتها ونظرت إلى الأرضية بحزن ثم رفعت بصرها إليه بأسى يظهر على كافة ملامحها تتحدث بنبرة هادئة:
-جبل أتكلم أنا مش هستنى أكتر من كده بجد كفاية أوي
قطب جبينه عليها عندما تحولت إلى هذا الضعف المميت الذي يروقه فزفر بهدوء محاولًا أن يمد نفسه بالصبر ثم سألها:
-عايزة تعرفي ايه
سألته بجدية:
-أنت بتشتغل ايه
قال ببرود ولا مبالاة:
-أنا مهنتي محامي
صرخت بعنف وارتفع صوتها مرة أخرى بسبب سخريته منها:
-جــبــل
ابتسم مستنكرًا انزعاجها… ألا تريد أن تعرف ما الذي يعمله ولكن على أي حال غير حديثه قائلًا:
-تاجر سلاح
ابتعدت عنه تزفر بضيق:
-يــوه
سار خلفها بهدوء، تنفس الصعداء وحاول ضبط أنفاسه ضاغطًا على نفسه ليقول برفق:
-عايزة ايه يا زينة
وقفت قبالته ورفعت يدها عليه برفق ولين لتنظر إلى عيناه المتعطشة لكل شعور هادئ منها وقالت بهدوء:
-ريحني يا جبل كفاية كده.. ولا أنت لسه مش واثق فيا
رفع يده الاثنين ليمسك بذراعيها يقربها منه بهدوء وحب، تغيرت ملامح وجهه مع تغير نبرته التي أصبحت شغوفه صادقة:
-لو مش واثق فيكي مكنتش خليتك معايا.. مكنتش قولتلك إني بحبك ورميت كل حياتي في حضنك يا زينة.. صدقيني أنا عايزك وبتغير علشانك
الحديث بينهم ليس له حد، لحظة عنيف ولحظة هادئ تارة محتدم وتارة محب، حديث عشوائي ككل مرة تدلف معه بنقاش لا تأخذ منه ما تريده ولكن هذه المرة ستسير معه في كل الدوائر التي يريدها إلى أن تصل إلى نقطة البداية والنهاية معًا
قالت بنبرة راجعية متلهفة للاستماع منه لكل ما تريد:
-ودي الحاجه الوحيدة اللي أنا عايزاها منك يا جبل علشان خاطري لو بتحبني زي ما بتقول.. فهمني
انخفض بجذعه قليلًا ليقبل وجنتها اليمنى قبلة سريعة محبة ثم قال بهدوء:
-كل حاجه في وقتها حلوة
صرخت بعنف وانزعاج شديد واحتل كيانها الغضب بسبب هذه المراوغة والسخرية وكل شيء إلا الجدية:
-جبل كـفـايـة
صرخ يبادلها هو الآخر تاركًا إياها مبتعدًا عنها ليخرج الحديث من داخل أعماقه وكل ما به مشتعلًا:
-عايزه ايه؟ أيوه أنا مش زفت على دماغ اللي جابك أنا بشتغل مع الحكومة
وقفت مدهوشه مما استمعت إليه منه، تنظر إليه بعينين متسعة مصدومة للغاية، لم يأتي على خلدها ولو مرة واحدة أن يكون هكذا حقًا!..
استنكرت بذهول ولم يرف لها جفن تنظر إليه فقط بصدمة:
-ايـه
مسح على وجهه بغضب لأنه تحدث بهذه السرعة وافشى ذلك السر الذي أخفاه لسنوات، سنوات كثيرة مضت ولم يعرف أحد ما يعمله من خلف الجميع في لمح البصر هو تحدث لها؟!.. أنها نقطة ضعف كبيرة للغاية في حياته
أمسك بجسدها بين يديه يحركها بعنف وقسوة قائلًا غاضبًا من نفسه:
-ايه.. مش ده اللي عايزة تعرفيه… مش هو ده
أكمل بقسوة أكبر وملامح وجهه عابثة للغاية:
-أنا مش عايز اسمع صوتك فاهمه.. مش عايز الموضوع ده يتفتح تاني
لم يدلف عقلها أي من كلماته فقد كل ما يشغل تفكيرها كيف!..:
-يعني ايه أنا لازم أفهم
صرخ بوجهها بعنف وعروق جسده ظاهره تضغط قبضة يداه على ذراعيها بقسوة:
-لأ متفهميش أنتي عرفتي اللي عايزة تعرفيه يبقى تخرسي يا زينة وكأنك معرفتيش حاجه أبدًا فاهمه
وجدها صامته لم تجيب عليه شعر بالغباء الشديد لأجل ما فعله، حرك عيناه على وجهها المصدوم مازالت تريد الحديث ولكنه لن يعطي إليها الفرصة هاتفًا بخشونة:
-زينة مافيش مخلوق من أهلي يعرف اللي قولته ليكي ده.. الله وكيل لو حد عرف ما هسمي عليكي وهنسى أي حاجه بينا فاهمه
حرك كتفيها بعنف صارخًا:
-ردي عليا يا زينة
أومأت إليه برأسها وهي تنظر إليه وتتابع ما يفعله، إلى هذه الدرجة الأمر خطير؟ قالت بتوتر:
-فاهمه
تابع عيناها برجاء خوفًا أن تتحدث مع أي أحد ولكنه تحدث بضجر وانزعاج:
-المهم إنك ارتاحتي وعرفتي.. أنا مش تاجر سلاح ولا نيلة أنا بشتغل مع الحكومة وفي تفاصيل كتير خلتني أعمل كده لكن أنا مش هقدر أتكلم دلوقتي ماشي يا زينة
أومأت برأسها مرة أخرى فتركها وأبتعد عنها يفكر في غبائه وتسرعه، كيف كان يريد الحديث معها والاعتراف لها بكل شيء وهو نادم الآن بشدة لأجل فقط أنه غضب وأفصح عن شيء واحد من الحقيقة الكاملة!..
كيف كان سيفعل!.
بينما هي جلست على الفراش على الرغم من أنها مصدومة للغاية، خائفة حد اللعنة ولكن السعادة تتخلل قلبها بضراوة، الفرحة الشديدة تخترق جسدها دون استأذان لترتسم الابتسامة على شفتيها دون إرادة منها..
أنه ليس ذلك القـ ـاتل.. ليس هو!.. ليس “جبل العامري” المتحكم في الجميع القاتل الجاني.. أنه العادل الحكيم المحب.. أنه هو الذي ساندته الجزيرة بأكملها عندما قارب على السقوم..
ما هذه الفرحة التي اختلجت كيانها! ليس وقت التفكير، ليس وقت تحليل أي شيء أو الإمساك بالخيوط وربطها ببعضها البعض أنه وقت شيء واحد.. إنه وقت الاعتراف!؟
وقفت على قدميها تذهب ناحيته تراه يقف حزينًا لأنه تحدث وتدري ما الذي يفكر به ولكنها كانت على عكسه تمامًا فقالت اسمه بشغف:
-جبل
رفع بصره إليها منتظرًا حديثها لتلقي عليه قنبلة تفجرت في غرفتهم وهبطت على مسامعه بدوران عقله وتفكيره:
-أنا بحبك
اخترقها بنظره غير مصدقًا ما تفوهت به ليقترب منها ببطء وهدوء ينظر إليها بشك ولكن الابتسامة على وجهها تقول غير ذلك، خرج صوته مبحوحًا:
-ده بجد
أومأت إليه برأسها بقوة عدة مرات متتالية ليقترب منها يأخذها في عناق حاد شاعرًا انه أمتلك الدنيا حقًا ليس نادمًا أنه تحدث إليها.. ليس نادمًا أبدًا ليته تحدث منذ وقت بعيد لتعترف إليه بتلك الكلمة الوحيدة التي خطفت روحه منه وهو يستمع إليها
لا شعور يوصف ولا كلمات تعبر عما يشعر به، أخذها بين ذراعيه محكمًا ضلوعها لترتفع قدميها عن الأرضية يحملها شاعرًا بالراحه الفريدة من نوعها التي لم يشعر بها يومًا يدق قلبه بعنف معلنًا فرحته القادمة والسعادة الأبدية التي سيشعر بها جوارها..
شعر بيدها تشتد من حول عنقه تجذبه إليها بقوة تخفي وجهها به وضربات قلبيهما تتعالى بقوة وتلك الأنفاس اللاهثة تعبر عن الضجة الخرافية التي حدثت لكلامها..
اخفضها على الفراش ناظرًاا إليها بشغف، عيناه الخضراء تلتمع ناحيتها بطريقة لا توصف ونظرته اتجاهها حانية فريدة، مرر يده على وجنتها قائلًا بصوت أجش:
-أنا أول مرة قلبي يدق بالشكل ده.. واجهت الموت كتير عمري ما حسيت بقلبي كده
حرك عيناه على كافة ملامحها بحب وهيام ليقول متسائلًا بعدم تصديق:
-زينة أنتي بتحبيني بجد؟
وضعت يدها الاثنين حول وجهه متبسمة قائلة بسعادة وصوت شغوف ملئ بالحيوية:
-والله العظيم بحبك
اخفض وجهه لحظة ليعود إليها مرة أخرى يسألها بخوف وتردد:
-سامحتيني على اللي عملته فيكي
حركت عيناها على وجهه الخائف ونظرته الراجية نحوها، استشعرت خوفه من أجابتها فتحدثت بهدوء:
-أنا سامحتك.. لكن منستش
تلهف يقول سريعًا بشغف وعشق:
-وعد من جبل العامري أنا هنسيكي كل اللي حصل، مش هخليكي تفتكري غير حبي ليكي وكل لحظة حلوة عشتها معاكي
ابتسمت باتساع لتحرك يدها على ملامحه قائلة بمرح:
-ما أنت بتعرف تقول كلام حلو أهو
ابتسم هو الآخر يبادلها وقلبه يخفق بجنون:
-الله وكيل عمري ما عرفت أقول كلام حلو غير ليكي.. بحاول علشانك
أومأت إليه برأسها قائلة بحنان:
-عارفة.. ومبسوطة
دفعها للخلف مقتربًا منها محطمًا كل أسوار التردد، نازعًا كل أسهم الخوف من قلبيهما، تقدم يزيح تلك الحواجز الذي وقفت بينهما فاليوم القلعة تحت أمره، تحت سطوة وحبه وعشقه.. الآن المملكة له وحده هو الملك وهي ملكته، ملكه الوحيد روحه ومبتغاه.. هي تلك الحرب التي خسر بها الجميع وفاز بها وحدها وكان مكتفيًا بها، يجمع غنائم الحب والعشق، ينال من الفرحة واللهفة ما يكفيه على مر السنين يخبئ بقلبه الشغف والحنين ليبقى لها وحدها.. يهيء لها قلبه ومشاعره ليليقوا بها وبحبها..
الآن ينال بمذاق حبها بالرضا التام، يأخذه ليذوب معه وهو بالقرب منها إلى أعمق حد فلا يوجد بعده أعمق من ذلك، ينال من العسل الصافي معها بالعشق والشغف، يناله بجنون متبادل لأول مرة.. جنون متبادل يطفو في الأفق ممزوجًا بآنات العشق والغرام.. يحلق عاليًا بلذة غريبة ورغبة متبادلة مشتعلة ببدن كليهما..
بعد مرور أكثر من ثلاث ساعات وقف جبل أمام المرآة بعد أن اغتسل وارتدى ملابسه يمشط خصلات شعره، نظر إليها من خلال المرأة وهي تخرج من المرحاض مرتدية ملابسها خجلًا منه..
ابتسم باتساع وأبتعد عن المرآة يتوجه ناحيتها يمسك بيده خصلات شعرها المُبتلة، قال بهدوء وشغف:
-تعرفي إن النهاردة أحسن يوم في حياتي.. وأحسن وقت قضيته في حضنك
ابتسمت بخجل تنظر إلى الأرضية ثم إليه قائلة بخفوت:
-أنا كمان أحسن وقت قضيته معاك النهاردة
تركها يتقدم ليأخذ هاتفه قائلًا:
-غزال.. والله غزال
قال بجدية وهو يعود إليها يأخذ قبلة سريعة من شفتيها:
-نامي أنتي أنا هتأخر بره
أومأت إليه برأسها بهدوء فذهب وتركها مغلقًا الباب من خلفه..
جلست على الفراش بهدوء تفكر في لحظات السعادة التي قضتها بصحبته، وأيضًا تفكر في لحظات القهر التي واجهتها على يده أول مرة دلفت بها هذه الغرفة وجلست على هذا الفراش.. ولكن القلب وما يريد ليس بيدها.. ليس بيدها أن تحبه وتبغى قربه منها بهذه الطريقة.. ولكنها قد حدثت نفسها سابقًا إن كان رجل يعمل بشيء غير قانوني ستدفن ذلك الحب وتقتله بيدها.. وإن كان رجل صالح ستعترف له وتعوض نفسها عن كل شقاء مرت به وتنعم بالأمان والاستقرار داخل أحضان رجل أحبته يكن لها الحماية والسند.. وهذا ما حدث لا عتاب عليها ولا حتى على قلبها إنها كما شاهدت قسوته وعنفه شاهدت لينه وضعفه..فلا عتاب حقًا
تمددت على الفراش تغمض عينيها براحة لا تنعم بها دائمًا فاستغلتها تشعر بها بسعادة خالصة..
بعد دقائق فتح باب الغرفة ببطء وهدوء لتظهر “تمارا” من خلفه بنظرات قوية حادة يملؤها الشر والحقد الدفين..
تدفعها غيرتها إلى الداخل تغلق الباب خلفها بهدوء تنظر إلى زينة النائمة على الفراش تعطي إليها ظهرها، تقدمت منها بكره وبغض لا نهاية له..
لتتوجه واقفة أمامها تنظر إليها بشر وكراهية تود التخلص منها بأسرع وقت لتعود إلى حياتها الطبيعية التي سلبتها منها..
وقفت أمام الفراش لتبتسم بخبث تأتي من خلف ظهرها بسكين حاد ترفعه بيدها إلى الأعلى ثم تفوهت بعنف وكره:
-الله يرحمك يا زينة
فتحت الأخرى عينيها باتساع عندما استمعت إلى همسات أحد جوارها فلم تكن دلفت بالنوم لتنصدم بالواقفة أمامها بملامح كارهه تبغضها ترتفع بالسكين بيدها لتهوى عليها بها..
ألا يجوز أن يفرح المرء ولو قليلًا!؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سجينة جبل العامري)

‫5 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *