روايات

رواية امرأة العقاب الفصل الواحد والسبعون 71 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل الواحد والسبعون 71 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت الواحد والسبعون

رواية امرأة العقاب الجزء الواحد والسبعون

رواية امرأة العقاب
رواية امرأة العقاب

رواية امرأة العقاب الحلقة الواحدة والسبعون

 

(( امرأة العُقاب ))
_ الفصل الواحد والسبعون _
ثم تحرك ووقف خلفها ليرفع يديه ويفك عقدة الشريط حول رأسها ثم ينزعه عنها لتفتح هي عيناها وتتجول بنظرها حولها مذهولة وبعينان متسعتان على أخرهم من فرط الصدمة .
استقرت عيناها على تلك اللافتة الضخمة المدوّن فوقها ( دار الرحمة ) والمبنى المصمم بالطريقة العصرية والوانه جميعها مبهجة وجميلة ، تمامًا كما تمنت ! ، كل شيء مصمم كما رغبت هي به .. كأنه توغل داخل علقها وقرأ أفكارها وتخيلاتها وصممها لها فوق أرض الواقع ! .
لطالما حلمت وتمنت أن تمتلك دار للأيتام تأوي فيه أطفال الشوارع المشردين وتعطيهم فرصة لحياة أخرى وجديدة بدلًا من تلك التي سلبت منهم .

 

 

 

” هي حلمت وهو حقق ! .. تمنت وهو نفذ ! ”
فشلت في حجب تلك العبارات المتجمعة بعيناها وانهمروا فوق وجنتيها بغزارة وحين شعرت بأن صوت شهقاتها سيرتفع كتمت على فهمها بكفيها وعيناها مازالت عالقة على تلك اللافتة .. فشعرت به يحتضنها من الخلف ويلثم شعرها ووجنتها بحب هامسًا بصوت انسدل كالحرير ناعمًا :
_ كل اللي جاي ليكي وبس يارمانتي .. تتمني أي حاجة بس وأنا انفذها .. لو طلبتي نجمة من السما مش بعيدة عليكي
زاد انهمار دموعها فوق وجنتيها بصمت لتلتفت له وتطالعه بعشق وامتنان .. لأول مرة يراها تتطلعه بهذا الشكل ، لم يكن الحب الذي بعينها كأي مشاعر سابقة شهدها منها .. مختلفة حتى في ابتسامتها التي شابهت طفلة صغيرة .. أو بالأدق كطفلتهم تمامًا حين تستحوذها السعادة .
ألقت بجسدها عليه وعانقته بحرارة وتركت العنان لشهقاتها حتى يرتفع صوت بكائها أكثر وتجيبه بصوت مبحوح من فرط البكاء :
_ أنا لو هتمني حاجة تاني من ربنا هي أنه يخليك ليا ياعدنان
ضمها إليه أكثر بذراعيه وهمس بالقرب من أذنها في بسمة ساحرة :
_ ويخليكي ليا ياحبيبتي إنتي وهنا وابني اللي جاي في الطريق
ابتعدت عنه ورفعت يديها تجفف دموعها لتهمس له باسمة بتعجب :
_ أنت دايمًا بتتكلم عنه بصيغة الذكر .. إيه عرفك إنه هيكون ولد ؟
ضحك ورد بثقة غامزًا وهو يمد كفه ليتحسس بطنها :

 

 

 

_ احساس قوي بيقولي إنه هيكون ولد
رأت في عيناه رغبته ولمعته المختلفة التي تعبر عن أنه يتمنى أن يكون الطفل الثاني لهم صبي فابتسمت وتمتمت بعدما مالت عليه ولثمت وجنته برقة :
_ أن شاء الله يكون ولد ياحبيبي ويبقى شبهك كمان
دنى منها ولثم جانب ثغرها بحب ثم أردف بجدية امتزجت بحماسه :
_ طيب تعالي يلا افرجك على الدار من جوا
لمعت عيناها بتشويق مماثل له وهتفت بفرحة غامرة :
_ يلا
حاوط خصرها بذراعه وهي تسير معه بين ذراعيه وبعيناها تتنقل حولها تتفحص المكان كله بحماس أشبه بحماس طفلة .. حتى سمعت جملته التي أخفت ابتسامتها فورًا :
_ الفترة اللي كنت بغيب فيها الليل كله عن البيت وبرجع متأخر وبتكلم طول الوقت في التلفون وبعيد عنك كان بسبب تجهيزات الدار .. مكنتش عايزك تشكي ولا تعرفي أي حاجة إني بجهزلك للمفاجأة دي
طالت نظراتها العابسة إليه .. نظرة ممتلئة بالندم والاعتذار على حماقتها وما حالت إليه علاقتهم بسبب سذاجتها وعدم ثقتها به .. زمت شفتيها بحزن وتمتمت بأسف صادق :
_ أنا آسفة !

 

 

 

عدنان بصوت رجولي قوي لكنه يحمل الحنو :
_ أنا مش بقولك كدا على تعتذري احنا قفلنا اللي فات كله وفتحنا صفحة جديدة وأنا نسيت .. لكن بقولك عشان اثبتلك أننا رغم كل اللي مرينا بيه في علاقتنا لسا مع بعض أهو
رفعت جسدها لمستوى طوله ولثمت وجنته وجانب ثغره بعدة قبلات متتالية وسط همسها المثير :
_ عشان الزهرة متقدرش تتخلى عن عُقابها
رأته يتأملها بعينان هائمة كلها رغبة وغرام وكأنها سلبت عقله منه فراح يدنو منها دون أن يشعر لكنه توقف فجأة وبعينان متسعة لكليهما حين صدح صوت رجل مسن كان مارًا من أمام الدار ورأى مشهدهم الرومانسي من خارج البوابة فظنهم عُشاق بالسر .. ليقول بغضب وقرف في صوت عالي نسبيًا :
_ اتقوا الله حرام عليكم .. هو من قليل اللي بيحصل فينا .. لا إله إلا الله ربنا يصلح حال العباد !
غضن عدنان عيناه بصدمة وهو يتابع ذلك الرجل الذي ألقى بعباراته وسار مبتعدًا .. ولا إردايًا وجد نفسه يصيح عليه وسط دهشته :
_ مراتي والله يا حج !!!
بينما جلنار فانفجرت ضاحكة وقبل أن تتعالي صوت ضحكاتها أكثر وجدته يرمقها شزرًا ويقول وهو يدفعها للداخل :
_ ادخلي جوا .. عاجبك اللي حصل ده بسببك .. الراجل افتركني شاقطك
دهشت للحظة من تحوله الغريب لكن سرعان ما عادت تضحك من جديد وقالت :
_ الله وأنا مالي أنا كمان !
عاد يتطلع باتجاه البوابة من جديد ويقول بحيرة :
_ وهو طلع من فين كمان .. المنطقة لسا متعمرتش ومفيهاش ناس كتير غير قليل جدًا
سكت لثواني ثم تابع بخنق :
_ ما تدخلي جوا يلا واقفة ليه !!
جلنار بحماس :
_ أيوة يلا عشان اتفرج على الدار من جوا كويس كمان
عادت البسمة العبثية لشفتيه وغمز لها بوقاحة متمتمًا :
_ لا عشان نكمل كلامنا

 

 

 

ثم وجدته يلف ذراعه حول كتفيها ويضمها إليه ليسروا معًا للداخل وهو يتابع بخبث :
_ قوليلي بقى احنا كنا وقفنا فين .. كنتي بتقولي الزهرة لا تتخلى عن عُقابها !
تعال صوت ضحكاتها الأنثوية وهو تنعته بوصف واحد وسط ضحكها “وقح ” ……
***
توقفت السيارة أمام مبنى سكني ضخم وفاخر يحوى العديد من الشقق السكنية .. رفعت أسمهان نظرها من داخل السيارة لذلك الارتفاع الشاهق ثم انزلت رأسها وتحدثت للسائق وهي تفتح الباب :
_ خلاص ارجع أنت ياسعيد متستننيش
رد السائق بهدوء :
_ تمام ياست هانم ، لو احتجتي أي حاجة كلميني بس
لم تجيبه وخرجت من السيارة لتقود خطواتها لداخل البناية لكن الحارس أوقفها وهو يقول بحزم بسيط :
_ طالعة لمين ياهانم ؟
أسمهان بصوت قوي :
_ آدم الشافعي
أجابها الحارس بتأكيد وابتسامة خافتة :
_ حضرتك والدته صح ؟
اكتفت بإماءة بسيطة كرد على سؤاله لتجده يرحب بها ببشاشة ويقول بأسلوب مختلف تمامًا عن البداية :
_ اتفضلي يا هانم شقة آدم بيه في الدور التاسع .. شقة رقم 20
أسمهان في خفوت تام وهي تهم بالتحرك لتكمل طريقها لداخل البناية حيث المصعد الكهربائي :
_ تمام متشكرة
سارت بخطوات هادئة حتى المصعد واستقلت به لتضغط على زر الطابق التاسع .. لحظات قاربت على الدقائق حتى انفتح باب المصعد من جديد لكن أمام الطابق المطلوب وخرجت منه ثم اخذت تتلفت حولها تبحث عن رقم الشقة ، فالتقطت عيناها الرقم المدوّن فوق شقته ( 20 ) .
تقدمت نحوها ووقفت للحظات تأخذ نفسًا عميقًا تتمني أن تنجح تلك المحاولة وتكون الأخيرة .. رفعت أناملها وضغطت على زر الجرس وانتظرت لكن دون رد فعادت تضغط للمرة الثانية وأيضًا دون رد .. لوهلة ظنت أنه ليس بالمنزل لكن حين رفعت يدها لتهم بالضغط للمرة الثالثة انفتح الباب ! .
كان يرتدي قميص أبيض بنصف أكمام وبنطال أسود وبيده يمسك بهاتفه يبدو أنه كان في محادثة مع أحدهم .
طالت نظراته المدهوشة بزيارة أسمهان المفاجئة لكن سرعان ما أخذ نفسًا عميقًا ورفع الهاتف لأذنه يرد على الطرف الآخر الذي اتضح أنه مهرة حين هتف :
_ طيب سلام دلوقتي يامهرة نبقى نكمل كلامنا بعدين

 

 

 

وانهى الاتصال معها لينزل الهاتف ويضعه بجيب بنطاله ثم يطالع أمه بنظرة جامدة ويفسح لها الطريق للدخول .. ففعلت أسمهان بصمت دون كلمة واحدة ودخلت .. اغلق هو الباب خلفها وتابعها بنظراته وهو يراها تتجول بنظرها بين أرجاء المنزل بأكمله .. تتفحص كل قطعة به كأنها تتأكد وتطمئن على كيفية تكيفه على الحياة بمفرده بعيدًا عنها .
فجأة وجدها تلتفت له وتسأله بعفوية تامة كأنها نست كل شيء :
_اتغديت ولا لسا ياحبيبي ؟
ابتسم بخفة ثم رد مؤكدًا :
_ اتغديت الحمدلله
ابتسمت هي أيضًا لكن بحزن لتقترب منه وتهمس بعينان دامعة :
_ مش كفاية يابني عقابك ليا .. صدقني أنا ندمت يا آدم ومستحيل اكرر أي غلط تاني .. أنا اتغيرت .. سامحني يابني وارجع .. أنا مش قادرة اعيش من غيرك أنت وأخوك بموت كل يوم ألف مرة في بعدكم عني ، البيت وحش أوي من غيرك يا آدم
آدم بضيق وصوت صلب :
_ إنتي اللي وصلتينا للمرحلة دي ياماما
اندفعت نحوه ورفعت يديها تحتضن وجهه بينهم هاتفة ببكاء وندم صادق :
_ أنا آسفة ياحبيبي اوعدك إني هكون الأم اللي تفتخر بيها بجد أنت وعدنان .. لا يمكن اغلط أي غلطة تاني وازعلكم مني .. إنتوا كل حاجة بنسبالي دلوقتي وعندي استعداد اتخلي عن أي شيء في سبيل إنكم تسامحوني
طال تمعنه بها في استسلام .. انهارت جميع حصونه ولم يعد بإمكانه الصمود أكثر من ذلك .. مهما فعلت ستظل أمه .. ومهما حدث لن يتوقف عن الاشتياق لها .. لن يتمكن أبدًا من كرهها .. حبها فطرة خلقه الله بها ! .
لانت نظراته الصارمة وأصبحت دافئة كطفل صغير وهو يجيبها بتأكد :
_ واحنا ملناش غيرك ياماما !
تلك الجملة تأثيرها عليها كاد أن يجعلها تفقد وعيها من فرط السعادة و أعادت الضوء والبهجة لوجهها المنطفئ فوجدت نفسها تنفجر باكية وهي تعانقه بقوة هاتفة بحرقة وحنان أمومي :
_ وحشتني أوي يا آدم .. وحشتني يابني ربنا يخليك ليا أنت وعدنان وميحرمنيش منكم
هو أيضًا أحس بروحه التائهة استقرت بجسده بعد عناقها له ليتمتم بدفء :
_وإنتي كمان وحشتيني ياماما .. بس اللي عملتيه كان صعب جدًا أننا نتقبله ويمكن لغاية دلوقتي مش قادر أصدق ولا أتقبل .. بس مقدرش أنكر أن حتى أنا اشتقت ليكي وللأكل من إيدك وحضنك ليا وحجات كتير
أسمهان بضحكة مشرقة وفرحة غريبة :
_ بس كدا من عنيا ياحبيبي مفيش حد هيعملك الأكل غيري في البيت من هنا ورايح لغاية فرحك ، ولا سماح ولا غيره
مال عليها وطبع قبلة رقيقة فوق جبهتها هامسًا بحنو :
_ بربنا يديكي الصحة ويخليكي لينا
لم تتحدث فقط استمرت بالتحديق به في ابتسامة عاطفية وعينان دامعة من فرط الفرحة .. لا تصدق أن أخيرًا كل شيء سيعود لطبيعته .. بعد أن كادت أن تفقد الأمل في نيل مسامحة أولادها وعودتهم لها ، أخيرًا تحققت أمنيتها التي لطالما قضت الليالي السابقة تدعي ربها بها .
***
داخل منزل حاتم الرفاعي …….

 

 

 

خرج من الحمام بعدمًا انتهى من حمامه الدافيء وكان يلف منشفة كبيرة حول نصفه السفلي وعاري الصدر من الأعلى وبيده يمسك بمنشفة بيضاء صغيرة يجفف بها شعره .. لكن غضن حاجبيه باستغراب حين رأى نادين تجلس على حافة الفراش وتتطلعه مبتسمة بمعالم وجه غريبة فسأله بحيرة :
_ في إيه يانادين مالك مبسوطة كدا ليه ، خير ياحبيبتي ؟
ردت عليه بلهجتها اللبنانية الرقيقة :
_ كِل خير ان شاء الله ياحياتي
زاد تعجبه أكثر لكنه اكتفى بابتسامته العبثية وقرر عدم السؤال مرة أخرى فإن كانت تخفي شيء عنه حتمًا سيظهر .. القى بالمنشفة الصغيرة فوق الفراش وانزل يديه للمنشفة التي حول وسطه وهم بنزعه عنه لكنه توقف عند صيحتها المدهوشة وهي تقول :
_ شو عم تسوي !
حاتم بكل هدوء ونظرة مستنكرة صدمتها :
_ هلبس هدومي عشان اروح الشغل إنتي شايفة إيه يعني !!
نادين بصدمة وخجل بسيط :
_ ما أنا فاهمة بقصد خبرني بالأول حتى اطلع لبعيد على الأقل مش هيك بتنزع الفوطة قدام وشي
حاتم ببرود مستفز متعمد إثارة غيظها :
_ طيب اديني ضهرك خلاص عشان انزعها
نادين بضحكة مغلوبة :
_ بلا سخافة !
بادلها الضحك وهو يجيب :
_ مهو هرد عليكي اقولك إيه يعني .. خلاص مكسوفة اطلعي برا ياحبيبتي
اتسعت عيناها بصدمة على ردوده الجريئة لتهب واقفة وتهتف بغيظ وعدم حيلة :
_ يا الله صبرني على هاد الوقح .. لك ما في ذرة خجل عندك
حاتم ببرود وضحكة بسيطة :
_ أيوة يعني أنتي عايزة إيه برضوا مش فاهم .. اغير طيب ولا هتطلعي ولا هتعملي إيه بظبط !!!
ضربت كف على كف وهي تضحك بصوت عالي واستدارت توليه ظهرها دون أن تتحدث كإشارة له أن يبدأ في ارتداء ملابسه .
ارتدي بنطاله وانحنى على الفراش يهم بالتقاط قميصه لكن يده توقفت بمنتصف الطريق حين لمح شريط أبيض اللون وبداخله شرطتين باللون الأحمر .. رمش بعيناه عدة مرات في صدمة وعدم استيعاب ثم التقطه بين ذراعيه يتأملها بتدقيق أكثر وكأنه يتأكد مما يراه بعيناه .. حتى فجأة صدح صوته وهو يضحك بذهول :
_ نادين ده اختبار حمل صح ؟!

 

 

 

ابتسمت باتساع حين سمعت جملته وفورًا استدارت له لتطالعه بفرحة وتوميء بإيجاب .. فتجده ينقل نظره بينها وبين الشريط بعدم تصديق ثم القى به فوق الفراش واندفع نحوها ليحملها فوق ذراعيه ويدور بها في سعادة ولم يتوقف إلا حين سمع صوتها وهي تهتف ضاحكة :
_حاتم بيكفي نزلني
وقفت على الأرض ورأته يسألها بسعادة مفرطة وحماسة غريبة :
_ اوعي تكون دي حركة من حركاتك اللي بتعمليها علطول والله اعلقك في المروحة يانادين
قهقهت بقوة وردت عليه باللهجة المصرية ساخرة :
_ لا طبعًا أنت مش شايف قدامك يعني .. بعدين هكدب عليك في حاجة زي كدا إزاي .. أنا حامل بجد
حاتم :
_ بجد بجد
_ أي عنجد .. شو صار لك أنت !!
حاتم بابتسامة تملأ وجهه كله :
_ مش مصدق من كتر الفرحة يانادين والله
لفت ذراعيها حول رقبته وهمست بدلال أنوثي :
_ لا صدق .. راح تصير أب عن قريب جدًا .. وراح يكون عندنا ولد
مال عليها وأخذ يلثم وجهها كلها يوزع قبلاته عليه وهو يهتف :
_ ربنا يخليكي ليا يانادين .. لا يمكن تتخيلي أنا فرحان إزاي دلوقتي .. أنا بحبك
نادين بغرام وعاطفة جيَّاشة :
_ وأنا كمان بحبك أوي
ضمها لصدره وهو يتنهد الصعداء بابتسامة سعيدة ووسط لحظاتهم الغرامية والخاصة قطع ذلك رنين هاتفه فألقى نظره عليه من بعيد يقرأ اسم المتصل وسرعان ما تأفف بغيظ ليقول وهو يبعد زوجته عنه :
_ عدنان ! ، دايمًا كدا هادم للحظات السعيدة
مد يده والتقط الهاتف ثم هتف يوجه حديثه لنادين :
_ لحظات وراجعلك ياحبيبتي هشوف البيه عايز إيه
غادر الغرفة وأجاب على الهاتف بخنق :
_ خير ياعدنان !
عدنان بتعجب ولهجة ساخرة :
_وهيجي منين الخير وأنت بترد عليا من تحت الضرس كدا
_ طيب ياعم أنا آسف اخلص بقى
عدنان بنفاذ صبر وغيظ :

 

 

 

_ أنا والله ما عارف إيه اللي جابرني على الشراكة دي .. لولا جلنار كنت قفلت المشروع وقطعت الشراكة دي خالص
حاتم بقرف وخنق :
_ ده على أساس أن أنا اللي مبسوط بيها يعني ما أنا زيك مجبور للأسف .. اخلص بقى ياعدنان بالله عليك أنا مبسوط ورايق فمتخربش المود عليا
عدنان بجدية تامة وحزم :
_ طيب متنساش تخلص اللي اتفقنا عليه امبارح قبل ما تيجي الشركة
سكت للحظة بعدم فهم لكن سرعان ما تذكر وهتف بصدمة وهو يمسح بكفه على وجهه :
_ اوووه تصدق نسيت .. كويس إنك فكرتني .. تمام متقلقش ان شاء الله هظبط كل حاجة
هز عدنان رأسه بعد حيلة منه ولم يجيبه بل انهى الاتصال دون أي كلمة ووضع الهاتف في جيبه يهتف مغلوبًا :
_ أووووووف … ربنا يصبرني
***
في تمام الساعة التاسعة مساءًا داخل منزل نشأت الرازي ………….
أسرعت بدرية للباب بعدما سمعت صوت رنين وظنت الطارق أنه نشأت لكنه كان عدنان .. فابتسمت ورحبت به بحرارة هاتفة :
_ اتفضل ياعدنان بيه
عدنان بابتسامة عذبة :
_ عاملة إيه يابدرية ؟
بدرية بصفاء تام :
_ في نعمة الحمدلله
_ الحمدلله
رفع نظرها للطابق العلوي وقال بخفوت :
_ جلنار وهنا فوق ؟
ردت بدرية بابتسامة وصوت منخفض :
_ هنا نايمة في أوضتها وجلنار هانم في المطبخ
عدنان باستغراب وضيق لاح على وجهه :
_ بتعمل إيه في المطبخ ؟!
زمت بدرية شفتيها بعدم حيلة وتمتمت :
_ لقيتها داخلة المطبخ وبتعمل عصير ولما طلبت منها تطلع ترتاح وأنا هعمله صممت أنها هي اللي تعمله .. مع إن نشأت بيه وحضرتك منبهين عليا مخلهاش تعمل حاجة بس حاولت معاها والله لكن هي عنيدة أوي أنت عارفها
تنهد بعمق ورد بنبرة خافتة :
_ طيب يابدرية خلاص روحي إنتي ريحي ونامي وأنا هروح أشوفها
أماءت له بالإيجار واستظار وابتعدت متجهة إلى غرفتها بينما هو فقاد خطواته الهادئة إلي المطبخ ووقف عند الباب يتابعها مبتسمًا بعينان تفيض عشقًا واعجابًا بذلك الثوب الاسود الذي ترتديه تاركة العنان لشعرها ينسدل بحرية فوق ظهرها وتدندن برقة وصوت جميل :
_ يالالا ويالالا .. ياعين ياليل .. ليليلي ياعيني ياليلي ياليل .. مغرم .. مغرم أنا مغرم بيك علطول وانا صابر وصبري في هوايا دليل

 

 

 

كادت أن تكمل الأغنية لكن فجأة وجدت ذراعيه تحاوطها من الخلف ويكمل هو عنها بصوته الرجولي الساحر :
_ ليل ورا ليل ولا دوقت النوم .. شوق وغرام .. لا عتاب ولا لوم .. داري أنا داري حيرتي ومراري وأنت ولا داري .. ياليل ياعين
ابتسمت بعشق ودهشة .. أنها المرة الأولى لها تسمع فيها صوته وهو يغني .. لم تكن تتخيل أن يملك صوتًا ساحريًا بهذا الشكل ! .
التفتت له وهي تتأملها بثبات وغرام وتسمعه وهو يكمل بكل حنو وعينان عاشقة :
_ أنت اللي حبيته وأنت اللي ناديته من بين الناس ، وأنا قولت خلاص .. وأنت بتهواني وفي يوم تنساني .. وأنا دوقت معاك طعم الاحساس .. قادر تنساني طيب انساني .. صعب أنا هنساك وأنا روحي معاك .. مغرم .. مغرم أنا بيك .. وأنا صابر وصبري في هوايا دليل
اتسعت ابتسامتها أكثر لوهلة شعرت نفسها تحلق بالسماء من فرط سعادتها ومشاعرها الجيَّاشة المسيطرة عليها فاقتربت منه أكثر ولثمت وجنته وسط همستها الناعمة :
_ بحبك
ثم انتقلت للوجنة الأخرى وتابعت بنفس الدلال :
_ ياعدونتي !!
تمتم بنبرة ذائبة من فرط المشاعر :
_ وأنا بعشقك يارمانة قلبي
ابتسمت له لكن سرعان ما عبست وقالت بضيق :
_ هو أنا مش عرفت المفأجاة بقى خلاص .. مش ناوية تاخدني أنا وهنا ونرجع البيت ولا إيه !!!
عدنان بخفوت :
_ لسا شوية ياحبيبتي بعدين أنا مش قولتلك في مفاجأة تاني
جلنار بحيرة :

 

 

 

_ طيب وإيه دخل المفاجأة بأننا نرجع البيت .. أنت بتعمل حاجة في البيت طيب وعايز نخليها مفاجأة ليا ؟!
عدنان غامزًا بخبث :
_ ليها دخل ونص كمان .. هو أنا صحيح بعمل شوية تعديلات حلوة في البيت ومتأكد أنها هتعجبك جدًا وعلى ذوقك كمان بس مش دي المفاجأة الأساسية .. أكيد في حاجة أجمل وأروع من كدا .. ثقي فيها ومتقلقيش .. إنتي شوفتي مفاجأة النهارده كانت إزاي !
أماءت له بالإيجاب وتمتمت بفرحة أشبه بفرحة الأطفال :
_ أحمل مفاجأة في حياتي .. أنا من وقت ما رجعت البيت وأنا بفكر هعمل إيه وهظبط ده كدا وده كدا
قهقه بخفة ثم مسك كفها ورفعه لشفتيه يلثمه بحنان متمتمًا :
_ ربنا يقدرني واسعدك دايمًا ياجلنار .. أنا مش عايز حاجة غير وجودك جمبي إنتي وولادي وإني اشوفكم مبسوطين
جلنار بغرام ونعومة :
_ واحنا كفاية علينا وجودك معانا ياحبيبي
ابتسم وانحنى عليها ينوي سرق بعض اللحظات من الزمن ليصنعوا لحظاتهم الخاصة لكنه سرعان ما انتصب في وقفته بفزع على صوت ابنته التي كانت تقف عند باب المطبخ وتقول باستغراب :
_ بابي !
اغلق عيناه بقوة في غيظ منها لكنه ابتسم لها بعشق وقال بشوق :
_ ياروح بابي تعالي ياهنايا ده أنت وحشتيني أوي ياحياتي
تقدمت نحوه بخطوات بطيئة حتى وصلت إليه فانحني هو عليها وحملها فوق ذراعيه يلثم وجنتها ويهمس بنفاذ صبر :
_ إنتي مش كنتي نائمة يابابا إيه اللي صحاكي دلوقتي ؟
هنا بصوت طفولي رقيق :
_ صحيت عشان اشرب مايه
عدنان بغيظ :
_ امممم مايه .. هاتي يامامي مايه عشان حبيبة بابي تشرب .. لما نشوف اخرتها مع المايه اللي بتيجي في الأوقات الغلط دي دايمًا كدا
كتمت جلنار ضحكتها بصعوبة والتقتت لكي تلتقط كأس الماء وتعطيه لابنتها هاتفة :
_ خدي ياحبيبتي اشربي
تناولت الكأس من أمها وشربته كله من فرط العطش ليبتسم هو لها بحنو ويعود يقبلها من وجنتها مجددًا لكنه تجمد بأرضه وكذلك ملامح وجهه عندما سمع سؤالها البريء وهي تقول :
_ بابي هو إنت كنت بتعمل إيه ؟!
نقل نظره بين جلنار وبين الصغيرة بصدمة ورد ببلاهة :
_ هاااا .. بعمل إيه في إيه !!
ازدرد ريقه باضطراب واجابها مبتسمًا بتصنع يحاول تغير مجرى الحديث :
_ كنت بقول لماما سر .. تحبي تعرفي إيه هو ؟
_ أيوة
عدنان بحنان أبوي جميل :

 

 

 

_ كنت بقولها إن هنا هتفرح أوي ياماما لما النونو الصغير يجي وإنها بتحبه جدًا .. صح ولا لا ؟
عبست بحزن طفولي لكنها أماءت له بالموافقة شبه مجبرة وردت بتذمر :
_ أنت ومامي هتحبوا النونو اكتر مني !
أجابها مدهوشًا وينفي تام :
_ وهو بابي يقدر برضوا .. ده إنتي هنايا وأول فرحتي .. طيب إنتي عارفة بابي بيحبك قد إيه ؟
ابتسمت بكفولية رائعة حين طرح ذلك السؤال الذي دومًا يطرحه وهي تجيب بنفس الإجابة بكل مرة وبكل سعادة :
_ قد البحر وسمكاته
تعالى صوت ضحكات جلنار بالمطبخ كله وهو معها لتضحك هي معهم بفرحة وسط قبلات أبيها لها فوق وجنتها الصغيرة .
أمسكت جلنار بيد صغيرتها وقبلتها عدة قبلات متتالية هامسة بنظرة أمومية كلها حب وحنان صادق :
_ إنتي حبيبة مامي وصديقتي ياهنا .. النونو حتى لو جه هيكون لسا صغير ومش بيتكلم لكن إنتي هتساعديني ونفضل أنا وإنتي نلعب ونضحك طول الليل وهو هيكون نايم
هزت رأسها بالإيجاب توافق أمها في الرأي ثم مالت عليها وقبلتها متمتمة :
_ وأنا بحبك يامامي
ضمتها جلنار لحضنها وهي تمطرها بوابل من قبلاتها وحين رفعت نظرها لعدنان رأته يتابعهم بسعادة وحب ثم اقترب أكثر منهم وحاوط ابنته بذراعه وهي فوق ذراعين أمها وبذراعه الأخر حاوط جلنار من ظهرها ومال عليها يقبل جبهتها بعاطفة …………..
***
بمساء اليوم التالي …………
كان آدم يقف أسفل منزل مهرة ينتظرها أمام سيارته يرتدي حلته السوداء وعيناه عالقة على زجاج نافذة غرفتها .. لم ينزل نظره إلا حين سمع صوت باب المنزل بالطابق الثاني يتعلق فانتصب في وقفته وعدل من ياقة قميصه واتسعت ابتسامته قبل حتى أن يراها .
نزلت مهرة الدرجات الأخيرة من الدرج وهي تبتسم بخجل ورقة .. كانت ترتدي حذاء عالي الكعب وفستان طويل من اللون الأحمر وتترك العنان لشعرها البني وتضع القليل من مساحيق الجمال ! .. فور خروجها من البناية ووقعت عيناه عليها اختفت تلك الابتسامة فورًا وفغر عيناه وشفنيه بذهول وعدم استيعاب أن ما يراها أمامه هذه هي حبيبته .
منذ بداية تعارفهم وهو لم يراها أبدًا تترك العنان لشعرها هكذا أو حتى ترتدي فستان .. كانت دومًا ترتدي البناطيل وترفع شعرها لأعلى كذيل حصان .. لكن الآن هو يرى أمامه امرأة صارخة الجمال .
توقفت أمامه وهي تبتسم باستحياء ولا تقوى على رفع نظرها إليه بينما هو فحالة الصدمة مازالت مهيمنة عليها حتى الآن .. عيناه تطلق شرارات رغبة وأعجاب مثيرة ليهمس أخيرًا ببلاهة :
_ إنتي مهرة بجد ؟!!!
اختفت ابتسامتها فور سؤاله السخيف ورفعت نظرها لها تتكلعه بقرف وتهتف ساخرة :
_ لا جدتها !
ضحك بقوة ورد بتأكيد :

 

 

 

_ لا كدا انا اتأكدت إنك مهرة فعلًا
عادت البسمة المغلوبة لشفتيهاةمن جديد بينما هو فتلفت حوله بترقب ثم هتف محدثًا إياها :
_ طيب اركبي العربية ونبقى نكمل كلامنا جوا عشان أنا مش بثق في منطقتكم دي
تحركت والتفتت لتستقل بالمقعد المجاور له وهي تبتسم بنفس الخجل والذي زاد الضعف حين رأته يتأملها بعينان ونظرات أثرت رعشة عنيفة في جسدها .. تحنحنت بخجل وردت بصوت خافت يكاد يسمع بصعوبة :
_ آدم كفاية ممكن متبصليش كدا عشان بتوتر بجد !
آدم بهيام وعشق جارف :
_ غصب عني .. مش قادر اشيل عيني عنك يامهرة والله .. أنتي جميلة أوي النهارده ياحبيبتي .. والصراحة غرت ومش عايز صنف مخلوق يشوفك بالمنظر ده
لم تتحدث والتزمت الصمت وسط ابتسامتها الخجلة وهي تطرق رأسها أرضًا بينما هو فغازلها بخبث باسمًا :
_ احنا طلعنا أنثى ومش أي أنثى لا صاروخ كمان !
رمقته بنظرة نارية قرأ من خلالها أفكارها وما تود قوله فرد بسرعة متراجعًا بأسف وهو يضحك :
_ خلاص أنا آسف هحترم نفسي !
كتمت ضحكتها بصعوبة وردت عليه بثقة وغرور :
_ بعدين أنا طول عمري أنثى ياحبيبي
آدم بإيجاب وقرف ضاحكًا :
_ فعلًا بإمارة الكرشة !
تنحنحنت بإحراج وردت محاولة الدفاع عن نفسها :
_ ده كان على فكرة عشان اطفشك مش اكتر لكن أنا في الحقيقة مش كدا خالص وأنت شوفت
آدم بلهجة كوميدية يقلد ” فؤاد المهندس ” :
_ على يدي !!
مهرة بغيظ :
_ آدم لو ميطلتش هنزل ومش هروح معاك والله .. لأني أساسا أنت اللي أجبرتني وأنا مكنتش عايزة اروح فرح زينة
آدم بغمزة ماكرة وتعذيب القلب :
_ تنزلي ويهون عليكي ادخل الفرح وحدي .. كل واحد معاه مراته وأنا داخل بطولي كدا .. ده حتى البنات تخطفني خطف وأنا عيوني خضرا وحلوة كدا .. يرضيكي !!
مهرة بغيرة نارية ونظرات ملتهبة :

 

 

 

_ عشان أكلك بسناني أنت والبنات الملزقة دي
آدم بمغازلة وهو يبتسم :
_ حلاوتك ياشرس وأنت غيران كدا
عبست وردت بضيق وخنق :
_ وبعدين أنت قولت كل واحد معاه مراته .. أنا هروح معاك ليه ؟!!
آدم بجدية ونظرة ثاقبة كلها وعود وعشق :
_ وأنتي مرات آدم الشافعي المستقبلية
ابتلعت أي كلمات أخرى بفمها ولسانها قيد بعد تلك الجملة التي اسعدتها بقدر ما اخجلتها واربكتها .. ثم اشاحت بوجهها عنه وهي تبتسم بحب أما هو فحرك محرك السيارة وانطلق بها يشق طريقه إلى قاعة الزفاف ………..
***
داخل قاعة الزفاف ………….

 

 

كان عدنان يقف مع أحد رجال الأعمال ويتحدث معه بتركيز وجدية تامة يغلفها اللطف واللين في الأسلوب والحديث .. لكن توقف عن الكلام حين سقطت عيناها على جلنار التي تقف بمفردها بأحدي الزوايا تتابع ابنتهم وهي تلعب وعلى الجانب الآخر يقف شاب يبدو أن يصغره سنًا بكثير وعيناه ثابتة على زوجته يتفحصها بوقاحة وبنظرات لا يفهمها سوى الرجال بعضهم البعض مما جعله يلتهب كجمرة النيران وعيناه تحولت للون الأحمر .. والوحش النائم بأعماقه استيقظ حين راي ذلك الوغد يتحرك ويتقدم في طريقه لزوجته !!!! …………….
……………… نهاية الفصل …………….

تعليق واحد

اترك رد

error: Content is protected !!