روايات

رواية أترصد عشقك الفصل الخامس والأربعون 45 بقلم ميار عبدالله

رواية أترصد عشقك الفصل الخامس والأربعون 45 بقلم ميار عبدالله
رواية أترصد عشقك البارت الخامس والأربعون
رواية أترصد عشقك الجزء الخامس والأربعون
أترصد عشقك
أترصد عشقك

رواية أترصد عشقك الحلقة الخامسة والأربعون

نسقط
لكي نقف مرة أخري
نقع
لننهض مرة أخرى..
جمل تحفيزية منمقة، تحث على دفع الأدرينالين وخلع ثوب الوهن للمواجهة!!
وماذا إن تعب المرء؟!
كره الصمود مرة أخرى
اختار الاستسلام
انهي حروبه مع الحياة بسهام مصائبها وحوادثها؟
أيعتبرونه ضعيفًا إذاً!!
فليضرب الجميع رأسه في حائط
الحياة حياتها هي
مصيرها هي
حياتها مخيرة، كرهت الانقياد واشمئزت من تكذيب نفسها، وقوتها المدعاة
الحصون تدمرت
والأعلام تكسرت
والمنزل هدم
والروح احترقت
أصبح جسدها خاويًا
وحياتها مُرة كالعلقم، يومان فقط قضتهما فى حالة استنكار شديد بين جدران المشفى وطليق مجاور لها!! ، هي حتى ظنت وجوده حالة من خرف العقل.. كذبته رائحته وصوته وعينيه وجسده الدافئ الذي كان يقترب منها في حذر مع المحافظة على بعد جبري.. إذ أنهما ما عادا زوجان!!!
هزت فرح رأسها بشدة تنفض حالة من الجنون التي تلبستها لترفع عيناها تنظر تجاه المركز العلاجي… عضت على أطراف شفتها السفلي بحيرة.. وقد بدت على صفيح ساخن
لا تجد صديق يشدد من أزرها، ولا عائلة تلتجئ لهم!!
لقد أصبحت يتيمة.. رسميًا، وقد نبذتها المسماة بوالدتها!!
دموع القهر والهوان سيطروا وخضعوا لإرادة القلب، لتسرع تلك المرة بالتوجه إلى مكتب طبيبها!!
تعلم ان الوقت ما زال مبكرا، وان يأتي في قبيل ساعات العمل، هزت بتحية خافتة الموظفة الاستقبال لتتوجه نحو السلالم ملتهمة إياهم بسرعة البرق وقدميها محددة مكان توجهها..
اقتحمت الغرفة بعد طرقتين على بابه، لتنظر اليه بملامح متألمة جعل الطبيب يستقيم من مجلسه وقد تراجع جميع السباب الصباحي لمقتحم الغرفة.. انفرجت ابتسامة ساخرة وهي تقول بتهكم
-مالك متفاجئ بوجودي ليه
لم يمنع الطبيب أن يعود الحلو مرة أخرى على مقعده، وهو يتعامل بنفس البرود الساخر
– سقطتي يا فرح وجاية تقوليلي البشارة
تأوه خرج من شفتيها، موجع .. جعلها تغلق باب الغرفة ثم سقطت علي المقعد المقابل له وهي تهمس بهذي
-سقطت
اصبحت الدموع تحجب رؤيتها، وضباب عقلها يمنع لسانها عن التحدث، ظلت لبرهة تفرج شفتيها لتخرج شهقات متأوه، موجعة. لقلبها.. لتنقبض ملامح الطبيب وهو يقول بنبرة لينة
-سامعك
زمجرت فرح بوحشية وهي تقول بفظاظة
-لازم تسمع، اومال انا بجيلك ليه
رفع الطبيب حاجباه ببرود، وأطل الغضب البارد من عينيه ثم اندفع قائلا يقول بنبرته العملية المغيظة لها حرفيًا
-انتي عارفة مهما عملتي من وقاحتك فى الكلام معايا مش هتأثري فيا حاجة
مسحت الدموع سريعا بكف يدها ثم فضلت أن تتحاشى عن سبب زيارتها الأصلي وقررت اللهو وهي تحدق في الحوائط البيضاء بكره
-مش ناوي تغير حيطان الاوضة
جارها الطبيب وهو يبسط ذراعيه علي فخذيه قائلا
-كتير بيحب الابيض، مريح للعين والقلب
اندفعت فرح تغمغم بسخط وطاقة عنيفة من البغض تجعلها فاقدة للسيطرة
-مفيش حاجة اسمها ابيض، هو لون اسود .. الابيض ده بنخدع بيه الناس
مال الطبيب برأسه وهو يحدق إلى اضطرابها، ورعشة اناملها ورجفة عينيها ليقول بتساؤل
-روحتي لعيلتك؟
اختنقت أنفاسها وهي تمسد صدرها بقوة، تشحذ بكامل طاقتها أن تظل على قيد الحياة، وأن تسحب هواء وفير كي تكون صلبة أمامه، همست بصوت متحشرج
-بابا مات
ثم انفجرت في ضحك مرير، ممزق وهي تتابع فى سخرية لحالها
-واللي خلفتني شايفاني عار ليها
عم الصمت للحظات الا من شهقات مكتومة، وقلب مفطور على صعوبات الحياة التي يواجهها.. اجفلت من سؤاله برهة
-كرهتيها؟
لم تفكر للحظة وهي تجيبه بصوت أجش
-لحد اللعن انها ولدتني
هز الطبيب رأسه وهو يستفز جوانبها لأخراج كل ما جعبتها وهو يسألها
– هتكفري دلوقتي؟
رمشت بأهدابها عدة مرات، متداركة ما قالته، لتستغفر في خفوت ثم نظفت حلقها لتقول بصوت مضطرب
-ساعات الكلام مش بقصده بعينه، وساعات من القهر يطلع كلام هيخليني اخسر دنيتي واخرتي
اومأ الطبيب رأسه بتفهم، ليترك كل ما في يديه وهو يستقيم من مقعده يدير حول المكتب ليجلس في مقابلتها، نظرت اليه فرح من بين أهدابها بسخط وشعور غبي يتوارد في خاطرها لقتل كتلة الاستفزاز هذا
ثم قتل نفسها، لانها سارعت اليه.. بعد افاقتها من الغيبوبة التي لن تخبره بها في الوقت الحالي!! ربما ان اظهر بعض العطف الإنساني ستكون متساهلة معه
هي ليست مريضة، هذا ما يخبره دائما
هي تفتقد صحبة
صحبة حقيقية، ولم تجدها فى العائلة ولا الزواج.. هبطت عيناها سريعا تجاه بطنها لتضغط بكف يدها عليه والدموع الغبية تتلاحق لإظهار قشرتها الصلبة الواهية!!
هبطت عينا الطبيب تدريجيا إلى يدها التي تمسد بطنها لتلتمع عيناه بخاطر جعل فرح تنظر اليه من بين رموشها لتقول بخفوت
-نضال كان معايا
اتسعت عينا الطبيب وقد رأت نظرة في عينيه تقسم انها جعلت وجنتيها رغما عنها تتورد، وقد فهمت تفكير الرجل لتنزع يدها عن بطنها ليسألها الطبيب في شك وحيرة
-اللي طلقك؟
هل أصابت هدف؟ لقد اربكته؟ هذا واضح جدًا في عينيه التي تهبط سريعا الي بطنها والي كلامها الملتوي .. غمغمت بثقة شديدة وهي غير نادمة حتى على طلاقها منه
-اللي طلقته.. ده اول انجاز في حياتي
هز رأسه بتفهم وان بدي الحيرة والفضول الذي تقرأه في عينيه يدفعها للضحك، الأحمق البارد أصبح بشرًا أخيرًا
اسندت ظهرها على المقعد لتقول ببساطة عن سر آخر تكشفه منذ الايام القليلة المنصرمة
-اغمي عليا بعد كلام الست اللي خلفتني اني سبب موت ابويا، وانها مش طيقاني .. دي حتي عارفة اني اتطلقت ومحاولتش تتصل بيا و تقولي انتي فين.. تعالي عندي …تكوني في حضني
منعت الدموع أن تتجمع في مقلتيها وهي تواجهه بجسارة وجسد مضطرب ليتحشرج صوتها وهي تنفجر فى بكاء حار ويدها تضع علي بطنها الهاوية من نطفة
-انا كان نفسي .. كان نفسي في طفل من نضال، كان نفسي اعوض كل اللي عيشته واخلي ابني يعيش أحسن مني.. نضال كان هيبقي اب ممتاز ليه .. بس القدر
ضمت كفي يديها وهي تبكي بتحسر، بقدر ذعرها بعد فعلته التي لم ولن تسامحه عليها في حمام عام
خشت ان تحمل نطفة كما هو بكل جبروت يتأمل بوجوده، لتبقي أسيرة له
لكن حينما مر شهر انقطاع ذعرت أن يكون تحقق ما آمله وسارعت بالفحص المنزلي لعدة مرات ولم يهدأ جنونها حتي ذهبت لطبيبة نسائية واخبرتها انها ليست حامل
بقدر راحة الكلمة وأن الخوف المستقبلي لم يتحقق، بقدر عاطفة أمومة استحوذت عليها وهي تبكي لتتعاطف الطبيبة معها مؤازرة اياها، مع بعض النصائح الطبيبة للحمل السريع!!
زفرت بحرارة وهي تمسح دمعة فارة من مقلتها ليسألها الطبيب بدهشة
-كنتي عايزة حاجة تربطك بيه تاني؟
زفرت بحنق وكرهت سؤاله الأحمق، لتتحاشي اجابته وهي تقول بصوت خاوي
-انا مليش حد غير أصحاب، والصحبة دلوقتي بقت مؤقتة زي الأهل كدا.. كل واحد بياخد مصلحته وبيمشي
هز الطبيب رأسه كارهًا حالة التبلد والتقوقع الذي تعود إليه من جديد ليستفزها بالحديث
-بتكلميني وكأنك في الستين يا فرح
وهي كانت شاردة عنه، بجسد حاضر
وعقل غائب
عينيها تسبحان في لحظة استيقاظها من غفوتها لتبصره
حاضرًا، مهيبًا، بخشونة ملامح وجهه ونظرة عينيه التي رأت بهما لهفة.. هل كانت حقًا؟.. ثم وقت وصول تقريرها الطبي الذي كان يقرأه بملامح مكفهرة وجمود وجه لا تعلم متى حفر في وجهه.. وقد اعتادت على سخريته ولا مبالاته وحدة لسانه اللاذع
لقد تغير.. تغير نضال، أو عقلها هو الذي أصابها بالعطب؟!!
هي لن تحتاج وقت للتخلص منه، هي تحتاج وقت للاعتياد على حياتها بمفردها
التوقف عن اتكالها عن شخص ينوب عنها في اختباراتها وحياتها، غمغمت بشرود
– وقت ما فوقت من الغيبوبة لقيته جنبي.. عيني اتحطت في عينه، كأنه مش مصدق ان مفيش حاجة منه اتزرعت جوا رحمي، افتكرني بكدب عليه .. حسيت من عينيه كأنه.. كأنه
لهثت وعينيها تتسع باجفال حقيقي حينما سمعت صوت الطبيب الهادئ
– خسرك
شهقت باستنكار تام، وهي تحط بعينيها الساخطتين على عينيه الساكنتين.. لتعض على شفتيها السفلي متذكرة اعتذاره لتهمس
-ده اعتذرلي …نضال باشا السلطان يعتذر
ابتسم الطبيب وهو يوقعها في فخ سؤاله
-أتغير يا فرح؟
هزت رأسها بعدم اهتمام حقيقي، لتجيبه بصدق
-معرفش، ومش مهتمة .. انا دلوقتي بقولك مضايقة اني مش معايا طفل
بدت نزقة جدًا ووحش امومي شرس انتفض من سباته يطالب بحقوقه
حق لن تستطيع تنفيذه فى الوقت الحالى، أجابها الطبيب ببعض التهكم
-روحي اتجوزي وخلفي، اعتقد ده مش صعب
شحب وجهها لتهز رأسها نافية من شبح فكرة الاستسلام لرجل آخر
شخص آخر يخدعها بوجهه الزائف
رجل آخر لن تستطيع أن تكون فرح القديمة
رجل متطلب في مشاعرها وعواطفها، رجل لن يقبل سوى بإمرأة راغبة بين ذراعيه.. امرأة تتغنج بدلال وترتدي كل ما يحلو له
شحوب وجهها أصبح مقلقًا وفكرة شبح رجل يعري جسدها وروحها مرة أخري جعلها تقول بنفي ساخط
-مش هرجع اتأسر تاني، العصفور اللي يدوق طعم الحرية عمره ما يرجع للقفص
قدم لها حل آخر بسهولة
– اتبني طفل
وضعت يدها على بطنها، ورحمها ينهشها نهشا… ينتفض بثورة عن جنين يتكون وروح أخرى تشارك حياتها، أجابت بسخرية حادة
-ده علي اساس انا عارفة اشيل مسؤولية نفسي
تطلع الطبيب نحوها ببعض النزق وصباحه الهادئ تبدد بشحنة الطاقة السلبية التي أتته كالقطار السريع، استقام من مجلسه وهو يتوجه نحو النافذة يتطلع إلى حركة الصباح الهادئة في حديقة المركز، غمغم بنبرة هادئة بعيدة كل البعد عن سخريته المقيتة
– روحي أي مقر رعاية بنين وبنات، وخدي وقتك معاهم.. غذي روحك والأمومة الفطرية اللي عندك
بدا الأمر كمسكن لألمها لترفع رأسها بلهفة إليه قائلة
-عندك اقتراح لمكان؟
عبس الطبيب للحظات وهو يسألها باهتمام
– عايزاني أدورلك؟
تراجع حماسها، وخبتت عزيمتها لتقول بحنق
-حلولك كلها مؤقتة، زي دوا المسكن بتدي راحة مؤقتة بس الوجع موجود
تطلع نحوها تلك المرة بضجر حقيقي جلي بسمة شقية لفرح ليتخلي عن بروده قائلا
-عايزاني أقولك أرجعيله
يعجبها ذلك النوع من الطبيب، عن الآخر البارد.. ستأتيه كل ساعة صباح قبل أن يستعد أن يرتدي قناع الطبيب البارد لتقول بتهكم
-ده الناقص
سألها بحدة وقد شعرت فرح انها غير مرغوب بها في تلك اللحظة
-خلصتي امتحاناتك
اجابته بيأس شديد وهي تستقيم من مجلسها، مقررة حفظ ماء وجهها والكف عن هدر وقته الثمين
-عندي بكرا امتحان، ومليش نفس اروح
سألها متعجبًا وهو يرى تبدل كلامها وثقتها اللانهائية للظفر بتقدير مميز
-والتقدير؟
حركت كتفيها بدلال عفوي قائلة
-يغور… عندي فلوس طليقي
انسلت ابتسامة منه، وقد بدي يعلمها أكثر من نفسها
حالات ثورتها ومقتها، حتى أشد حالات ضعفها وتخبطها.. إلا أن إصرارها وعزيمتها هما وقودها وهذا ما يجعله بعض الشئ متفائلاً أن ما تمر له مرحلة وستتخطاها بمهارة… سألها بابتسامة باردة
-واضح انك شاربة المادة، مش مذاكراها بس
لمعت عيناها بإصرار وبريق مخيف، لتجيبه بإصرار
– قولتلك مفيش حاجة هتوقفني مهما كانت ايه من أهدافي
ضم يديه في جيب بنطاله، ينظر اليها بتفحص وعمق شديدين اصابها بالاجفال شديدة وهي تتذكر عيني ذهبيتين اعتادت أن تراقبها بنفس الهدوء والبرود .. إلا عمق عيني الرجل خاوية بعكس الأخرى النهمتين ليقول بهدوء
-مستني النتيجة
انفرجت ابتسامة شقية ومريحة، والثقل الذي كان على صدرها أراحها منه ونزعه منها لتغمز بشقاوة أصبح يعتاد عليه وهي تقول
-هتنبهر يا دوك
سارعت بالخروج وهي تبتسم بتفاؤل وأمل، تتحاشى أي خاطرة سيئة تمر عليها وتلك المرة تلقي سلامًا ناعمًا لموظفة الاستقبال التي هزت راسها باحترام.. خرجت فرح من المركز وعينيها تضحك بإشراق لتسمح لهواء الصباح يتغلغل روحها.. ضحكت برقة وهي تخبط بكف يدها على رأسها ثم قررت أن تتخذ السير رياضة جديدة لها قبل عودتها للمنزل.. متغافلة عن عيني شديدتي السواد ترمقها بوحشية وقسوة.. دعس نضال عقب السيجارة فى قدمه بسحق مؤلم وتمني فى تلك اللحظة دعس وسحق شخص واحد هنا
تلك اللعينة التي تزوره فى أحلامه، القاسية المتبلدة المشاعر التي فضلت صحبة طبيب .. صحبة رجل غريب عنه هو
الجاحدة وهو الذي خشي أن تنتحر على أقرب كوبري، ليتفاجأ بذهابها في الصباح للطبيب وخروجها بعد فترة تخطت الساعة مشرقة مبتهجة للحياة!!
رفع أنظاره تجاه المركز، وخاطر عنيف وشرس لقتل الرجل الذي اختطفها منه تزين عقله!!
****
فى قصر السويسري،،،
تنهد معتصم بأسي والقلق يحفر عميقًا فى عينيه، حبيبة قلبه وقرة عينه تذبل كل يوم عن الذي يليه وما يزيد سخطه وغضبه أنها ترفض أن تخبره ما حدث لتعود لنكستها
تقاوم.. وتصمت وتحميه منه، جز على أسنانه ساخطًا وهو لا يصدق أنها وقعت في حب رجل أحمق أجنبي وقح لا يكترث بقيم عاداته، محطمًا لقوانين أزلية… مسد موضع قلبه وحنين زوجته يمر على قلبه ليزداد حسرته
ربما إن كانت زوجته هنا، لعملت العلة فى قلب ابنته، ربما كانت ستكشف لها روحها دون حرج أو أسف..
لماذا لم تأتيه منهارة وتحدثه عما فعله الحقير كما فعل الداعر معاذ، لما لم تفعل؟!! استقام من مجلسه وهو يزفر بسخط وغيظ وعينيه تستعر نيرانًا وهو يتذكر مجيئها الخجل صباحًا
تورد طبيعي دب فيه الحياة لقلبه الملكوم، لتفجعه بخبر مجئ والده ذلك الداعر.. كانت ستطلب الخروج ومقابلتها لولا قسمه بعدم خروجها من المنزل، وأي ضيف سيكون تحت ناظريه
لقد انتهى عصر ترك بناته ليتخبطن في الحياة ليشتد عودهن، سيعود يفحص ويدقق كل تفصيلة في حياتهن!!
دق باب مكتبه ليدخل ماهر بابتسامة هادئة إلا أن القلق في وجه ابنه جعله هو الآخر يعلم كم يكابح ابنه لمداراة القلق ليهمس معتصم بحرج
-انت شايف اننا سيبنها معانا كدا أحسن يا ماهر
ضم ماهر قبضة يده بقوة وهو يزفر بحدة وقد تكلف بصعوبة استقبال سيدة غيداء بحسن ضيافة ودماثة خلق، المرأة ذات نفسها كانت تبدو حرجة وخجلة إلا أنها دارته بصلابة أم تجيد إخفاء معاناتها التي علمها بالصدفة .. وقتها حرص بقلب أخ شقيق ألا تخبرها عن غياب سرمد الذي من المتحمل أن يكون مختطف.. ووقتها رأي نظرة قاسية في نظرة عينيها وهي تزجره بخشونة بلغة ايطالية يعلم القليل منها ثم سارعت بالتحدث الشامية وهي تقول انها ما جاءت أبدًا لهذا الغرض، كل ما رغبته هو الأطمئنان عليها!!
اقترب ماهر منه وهو يقول بابتسامة قلقة
-بابا .. بنتك مش طفلة.. يستريح وبطل قلقك ده
تنهد معتصم بأسي، وقلبه يأن حال أنين قلب ابنته.. ارتخى بمجلسه على مقعده ليقول بصراحة
-انا خايف.. بكرا لما تبقي أب هتعرف شعوري
ثم بذكره للأبوة، ارتفع عينا معتصم بحدة وهو يسأله بخشونة وزمجرة
-وهي مراتك مش ناوية تجيب عيل….ولا استكفت ببنتها من ابن الغانم
اتسعت عينا ماهر ببلاهة، لتبدل حال أبيه من القلق إلى الغضب، ليقول بحرج وقد انقبضت معالم وجهه
– بابا
زجره معتصم بعنف
– جرا ايه يا واد، بقالك قد ايه متجوز، حن علي ابوك وجيب حفيد للعيلة
زفر ماهر بحدة، وهو حتى الآن يجد أساس قوي يسير عليه هو وزوجته التي أصبحت مهوسة لأبنتها وأمر تعليمها أصبح شغلهم الشاغل.. هي أخبرته أنها ترغب أن تكون أم مرة أخري .. لكن ليس قبل شفائها
أجابه بفظاظة شديدة ووقاحة
-عندك جيهان بنتك، اطلب من جوز بنتك يجبلك
تجهمت ملامح معتصم للشرر، وتذكيره أن ابنته تزوجت من شبل أشقر جعله يجز على أسنانه ليقول بحدة
-اعدل كلامك يا ولد، فاكر نفسك بتتكلم مع مين بالبذاءة دي عشان تاخد راحتك مع ابوك
انسلت ابتسامة متسلية من شفتي ماهر، وهو يراقب والده كما لو انه جالس علي صفيح ساخن، والده يعاني من فكرة بعد ابنتيه عنهما رغم أن الأولى ستكون ملاصقة له ولا يبعدهما سوي أسوار المنزل والثانية يبدو أنها اعتكفت عن الزواج ليقول بوقاحة
-العفو يا باشا، بس متقلقش لو هجيب طفل من ليلة هعرف تخليها تكون حامل مني
رفع معتصم عينيه وهو يرمقه بسخرية لوقاحته، ليحطم كبرياءه وثقته لشديدين قائلا
-اهو ده اللي انت فالح فيه، نافشلي ريشك زي طاووس وانت اخرك …
ترك كلمته معلقة، لتتبادر كلمة بذيئة في ذهن ماهر الذي احتقنت أذنيه خجلا وحرجًا، ليتمتم
-بابا
اشاح معتصم يده وقد علي غضبه وسخطه منه ليقول
-اخرس، ده اللي باخده منك طول الوقت كلام
لوي ماهر شفتيه بيأس ليقول بوقاحة متعمدة
-خلاص شوف ابنك التاني يصنع مجدك
هدر معتصم بقسوة وخشونة، وذلك الأحمق الآخر منذ الزواج عزله عن ابنته التي يجعلها لا تجد وقت متنفس لراحتها من ضغطه لها للعمل، حتى أنها تكاد تعود للمنزل لا تري ما أسفل قدميها وتسقط نائمة على الفراش بتعب، رغم مقدار الثقل الذي وضعه علي كتفيها إلا أنها لم تعارض، ولم ترفع شعار إضراب عن العمل!!
قال بلهجة خشنة تبث الوعيد في عينيه
-ملكش دعوة بوسيم.. انا ما صدقت الشعنونة فاقت من جنانها وركزت على شغل ابوها، مش زيك يا فاشل روحت طيران
رفع ماهر يديه مستسلما لنبرة التهديد فى والده، الذي يحذره من اللعب فى منطقة خطرة.. ليتراجع بجيوشه قائلا بفخر
-متستهونش بالفلوس اللي باخدها، وتذاكر السفر المجاني
امال معتصم برأسه وهو يقول كلمة واحدة تخسف من كبرياء وعلياء رجل مثله
-اتنيل
زفر ماهر بقلة حيلة تجاه والده الذي لا يتوقف مرة عن إعرابه بكرهه لمجال عمله المخالف له، مرت عدة ثوانً ثم تبعها استقامة معتصم القلقة الذي يهم باقتحام مجلس صغيرته مع المرأة السري
– لا انا قلقت دي طولت معاها كتير
وضع ماهر نفسه حائلا بين والده والباب ليقول ماهر بهدوء
-اهدي يا بابا، هي بنفسها رضيت تكون موجودة معاها فى البيت قدام عنيك
زمجر معتصم بوعيد تجاه المرأة إذا أبكت صغيرته، أو رغبت فى استغلال طيبة قلبها لعودتها لأبنها المختطف… حوقل باستغفار لكن هذا لم يمنع أن يقول بوعيد
-جاية تعيد الأواصر من تاني، قسما عظما انا..
قاطعه ماهر بصلابة وهو ينظر الى عيني أبيه المضطربتين
-ابنها اتخطف يا معتصم باشا، وانت عارف مين اللي خطفه
اسود ملامح وجهه قتامة، ورغمًا عنه قبضة مؤلمة تستحكم قلبه، هو الآخر أب وجرب شعور الفقد كما يعانيه أهله، لكن خرج لسانه بفظاظة يقول
– ان شاء الله يتحرق في جهنم، ميهمنيش.. خليهم يولعوا في بعض
صمت لثواني وهو يزمجر ويهدر بكلمات حانقة قبل أن يسأله
– وصلتوا لايه عن اللي قتل النجس التاني؟
رفع ماهر عينيه بدهشة قبل أن يميل اليه قائلا بشقاوة
-واضح جوز بنتك المستقبلي روقه
اشتعل جذوة الجنون في حدقتي معتصم ليزمجر بوحشية قائلا
– متقولش جوز بنتي، معنديش بنات للجواز… مش هجوز شادية .. هخليها جنبي
ارتفع حاجبا ماهر بتسلية وهو يقول بنبرة مشاكسة
-عندي ليها طيار زميلي كان معجب بيها
هدر معتصم بوحشية وهاجس عريس آخر يجعله متقلب علي صفيح ساخن، ورغبة عنيفة في القتل
– ولدددد .. لم نفسك مش طايق هزارك
انفلتت ضحكة أنثوية جعل معتصم يرفع رأسه ليرى انضمام الشقية العابثة الي حوار خاص يجري بينهما لتقول جيهان بمشاكسة
– يعني مش هنخليها تترهبن يا عصوم
نظر معتصم نحوهما بشراسة، ليكشر عن أنيابه قائلا
-كلمة كمان هطلع العصاية اياها، واجري وراك انت واختك
انفلتت ضحكات صاخبة من شفتي جيهان التي أخذت تعدل خصلات شعرها التي أصبحت فوضوية أثر يوم عملها العصيب لتقول
– طب واحدة بنت جميلة و حلوة وكانت موديل ونص شباب مصر والوطن العربي بيجروا وراها تخليها تخاف من العصاية وتقعد تهرب منك
هدر صوت معتصم بقسوة وقد تحمل ما فيه من سماجتهم
– امشوووااا من وشي عشان مطلعش جناني عليكم
غمغمت جيهان بهدوء وهي تميل مقتربة منه تقبل وجنته مربتة على قلبه
-متقلقش عليها، هي مش هشة للدرجة دي
اغرورقت عينا الأب وهو يسند يده على يدها التي تربت على قلبه ليغمغم
-لا اعتراض على قضائه
……..
فى الطابق العلوي،،،
انفردت المرأتين وكلاهما يتحاشى النظر إلي الأعين.. وخاصة شادية التي تشعر أنها أصبحت متورطة بشكل ما لتعامل الضيفة بآداب ضيافة.. إلا أنها لم تستطيع.. أجلت غيداء حلقها وقد تفاجئت من نبرة شادية الهجومية حينما عرفت عن رفضها للتحدث بلهجة الأم الخاصة بها، وفضلت اللغة الإنجليزية الباردة كبداية للحديث… أمسكت غيداء بحقيبتها الأنيقة ووضعتها جانبًا وبدأت تراقب الأريكة المقابلة لها وبدت بعيدة جدا عن خاصتها لتقول غيداء بنبرة أم حنون
-لا تريدين التحدث معي بلهجتي؟
شرست ملامح شادية سريعًا وهي تجيب بنفي تام مستخدمة لهجتها الأصلية
-لأ
ابتسمت غيداء وهي تبكي دمعات تحسر علي حرمانها من ابنها حتي الآن الله وحده يعلم ماذا يحدث لصغيرها.. رقت نظراتها بحنين وأمومة لتقول
-على راحتك إذا .. على كلا أنا سعيدة لأنك بعد كل هذا الوقت وافقتي علي زيارتي
فركت شادية يديها بتوتر قبل ان تزيل خصلة شاردة وتعيدها خلف أذنها لتهمس بصوت متحشرج
-أنا .. أنا بس حبيت أعرف عايزاني في ايه
ظنت غيداء انها تلك بادرة حسنة لتبادر هي بالتحدث بلغتها، وهمت بالكلام إلا أن شادية قاطعتها بقسوة غير مقصودة
-متحاوليش تتكلمي بلهجتك
أجفلت غيداء وهي تحدي بها ببعض القلق والخوف الأمومي الذي ينضح من عينيها وقد قرأته شادية لتتراجع بتخاذل وهي تهمس بإرهاق
-خايفة أضعف
ملامحها المؤرقة والسواد أسفل عينيها الكهرمانية جعل غيداء تسب ولدها على غبائه ثم سارعت بتمتمة عدة عبارات أن يحفظه لها، لتزفر غيداء باختناق وهي تغمغم بشرود
-علمت سبب ارتباطه بك
اتسعت عينا شادية بذعر حقيقي، سرعان ما انمحى الضعف لتزمجر بشراسة
-مش عايزة اتكلم عنه
حوقلت غيداء وهي الأخرى تجيب بحدة حال تذكرها سبب ذعر الفتاة منه
-ولا أنا أريد الحديث عنه، أنا غاضبة بشأن ما قام به
شحب وجه شادية حتي حاكي الموتي، اهتزت اطراف جسدها، وضربها البرد لتتجمع الدموع في حدقتيها وغيداء بلهفة قلب الأم الذي تعجبت من زرع عاطفة الأمومة لتلك الفتاة قبل رؤيتها
ربما لأن صغيرها حدثها عن رحيل والدتها المبكر، وقررت هي أن تعوضها عن عاطفة الأمومة التي حرمت منها!!
أو لأنها رغبت فى ابنة وعوضها الله بزوجة ابن تستطيع أن تغذي أمومتها بها!!
اقتربت وقلبها يدق كناقوس خطر لتهم باحتضانها وتهدئة ارتجافها، إلا أن شادية سارعت بنفض جسدها عنها، ترمقها بخجل وخذلان وغضب وقهر دفين.. سارعت غيداء تقول بلهفة ودموعها هي الأخرى اتخذت مجراها على خديها
– اهدئي والله سمعت حديثكم صدفة أثناء تسللي ليلاً لرؤيتك والاطمئنان عليك لقراءة القرآن كي تنامي قريرة العين
تراجعت شادية مخذولة، خجلا من نفسها، ومن انكشاف روحها وسرها الذي ظلت لسنوات تدفنه.. وتدفع عقلها النسيان كي لا تشمئز من جسدها وتعاود فترة هستيرية ماضية بالكاد تخلصت منها، استند ظهرها على الحائط وانزلقت منه بضعف وجسدها يختض بعنف من ألم ذكريات المرة الأولى
تجردها من محافظتها وشرفها الذي دنس، استحقاره وتهكمه وسخريته حينما أخذ غرضه منها
اختض جسدها بعنف من وطء الذكريات لتشعر بجسدها مغمور فى حضن دافئ وصوت عذب ينطق بالايات القرانية، انفجرت فى البكاء الحار وغيداء تكرر ذكر بعض الآيات ويدها تمرر على ظهرها وجسدها ودموعها تشارك دموع الآخرين، بقت علي اعصاب مشدودة وشادية تتشبث بملابسها لتغمغم شادية
– كنتي انتي، يعني انا مكنتش بتخيل
اومأت غيداء بايجاب شديد وهي تحتضن وجهها بك في يديها لتهمس بحنان
-كنت أنا يا مهجة القلب
ازداد انهمار دموع شادية وإن كان الخجل والحرج ما يتملكها، وقد استكان جسدها من ذكر آيات الحكيم، لتعود الأشباح التي مخادعها… غمغمت غيداء بضعف
-لا تعلمين كم كنت أرغب فى ابنة مثلك، دعيت الله أن يجعلني أنجب ابنة، لكن رضيت بما قسمه الله لي… وقلت ستأتي كنتين ستصبحان ابنتاي
عضت شادية علي باطن خدها ووجدت نفسها تقول بسرعة نافية أي سبب قد يجعلها تعود له
-مش هبقي كنتك يا … يا
تعثر لسانها وازداد امتقاع وجهها لنظرة المرأة الدافئة، التي تخترق حصون قلبها.. ربااااه لما تشعر انها تتعلق بها؟!!
المرأة كانت تحرص على راحتها فى المستشفى وكأنها تعتبرها ابنة لها!! قالت غيداء بأريحية وهي تزيل الحرج بينهما
– غيداء، لا حرج من نطق اسمي مجردًا
هزت شادية رأسها بضعف وبدا جسدها يستمد عاطفة المرأة رغمًا عنها دون حرج أو غرابة، أسيدصقها أحد أنها تشعر بالراحة فى وجودها؟!!!
ليتها تمتلك أم ولا توسلت عاطفة الأمومة من أحد!!
هي معذورة .. إذ أنها علي وشك القيام بأي شيء كي لا تفقد صدر رحب أمومي يغذي به روحها التائقة لسلام نفسي
غمغمت شادية بحرج وهي تمسح ودموعها سريعا
-الألقاب اتعملت عشان تحفظ كل شخص مقامه، من كبير وصغير
ثم كي لا تنجرف لتيار لا تود الانجراف فيه، سارعت بسلخ جسدها عنها وهي تقول بحدة غير مقصودة
-بما انك عارفة كل حاجة عني، جيتي ليه
فظاظتها لا تحتمل.. لكنها تعذرها، هي لم يكن لديها الحق لتكشف سترها الذي حماها الله به، ويكشفه ابنها الغبي.. أجابتها بنبرة متوسلة حنانًا
-جئت كأم تثلج صدر ابنتها، تحميها تحت جناحيها، و تهدهدها كي تنام قريرة العين
فغرت شادية شفتيها بصدمة، وهي تتراجع عنها معذورة.. هي من المفترض أنها اختارت حديثا انجليزيا باردًا كي لاتتأثر بها، حتي تستطيع بأعصاب باردة ودون عذاب ضمير أن تغلق جميع صفحاتها السوداء.. لاح الجنون في عينيها وهي تدفعها دفعًا لكراهيتها
– انا مش عايزة.. بما ان كل حاجة بقت علي المكشوف تحبي احيلك التفاصيل، تحبي تختاري أنهي ليلة ليلته عليا ولا ليلة التاني
هدرت غيداء بسخط وحزم أمومي وطفقت الصرامة تسيطر على جزء من جسدها
– اخرسي
الجمت شادية الصدمة والدموع في عينيها تنبئ عن نيران مستعرة في أحشائها، وجلد الضمير والذات يزداد ضراوة وهي تتراجع تلك المرة بخوف حقيقي من نبرة السيدة اللطيفة التي أصبحت تنفث نيرانًا من أنفها
– لن أسمح لك يا غبية أن تلوثي نفسك، وتدمري ذاتك… إياك يا حمقاء أن تضعي رأسك في الرمال.. انتِ امرأة مصرية.. جيناتك بها صفات الملكات اللاتي حكمن بقعة أرض مميزة بينما العالم الآخر تسوده الوحشية وقانون البقاء
اقتربت غيداء منها بحزم تمسك عضديها بقوة، تنظر إلى عينيها المذعورتين.. لتلين ملامحها ورقت نبراتها وإن لم يخلو من الحزم
-إياكي أن تلقي بستار الستر الذي حماكي الله به أمام الجميع، انتي لستِ غبية لتلك الدرجة
شهقت شادية بألم وهي تحاول التملص من أسر المرأة، تنظر الى عينيها تنظر إلى صدقها من كذبها، جاءت شفقة إليها.. أم تحاول إعادة ربط الأواصر!!
هي لا تفهم.. لا تفهم ماذا تقوم به امرأة غريبة عنه لتزجرها وتعنفها بقسوة كأنها ابنتها هي!!
لكن الشياطين ما زالت تعمي عينيها، والغضب الذي تحمله للأخر ألقته فى وجهها لتزمجر بشراسة
-وابنك من الغباء اللي خلاه ينزع الستار ده
زفرت غيداء بتعب حقيقي، وهي ترى نظرات الشك والريبة تحوط عيني الفتاة… ربتت فى خفة على ظهرها وهي تقول بجمود
-لن أحمي ولدي، فهذا الأمر يجعلني ألعن شياطينه ووسواسه قبل أن أستغفر وأقول أنه بين يدي الرحمن هو أرحم منا
لم تنتبه شادية إلى الجملة الأخيرة بذهن يقظ، الإ ان مواء القطة لولو وهي تقترب منها على استحياء وتردد شديدين مزقها وهي تهبط بجذعها تحث القطة على الأقتراب
إلا أن القطة رفعت عينيها الزرقاوين تراقبها بريبة وتردد ثم سرعان ما تقدمت بهجوم لتتمرغ بين أحضان شادية التي تقبلتها بحنان شديد، ابتسمت غيداء برقة وهي تري الصفات المتحدة بين ابنها والفتاة
لكن حفظت لسانها وقررت عدم الخوض فى سيرته، لتتنحنح بحرج
-هل تلك القطة التي جلبها لكِ؟
اجابتها شادية برقة وحلاوة شديدين، وهي تميل محتضنة القطة التي تشبثت بملابسها بنفس القوة لتجيبها برقة
-لولو
تنهدت غيداء مبتسمة لذكرى بعيدة، لكن ما غادرت عقلها قط.. إذ أن صغيرها الوحيد لم يغادر ذكراها فى يقظتها ومنامها، داعية الله .. راجية أن يعود إلى منزله سالمًا .. همست بشرود
– أتصل بي وقت جلب لك القطة، كان فخورًا انه قام بعمل صحيح معك في بادرة أولى منه
تخشب جسد شادية والذكرى التي تسري في ذهن غيداء، انتقل إليها هي الأخرى لينقبض قلبها لاشعوريا
ذلك الاهتمام الزائف منه
العاطفة الخادعة وأحكمت حصارها به
هل لتلك الدرجة كانت حمقاء؟!! أم أنها كانت تسعي أن تضع صورة مثالية أن ليس الرجال ذكور يندفعون لتلبية شهوة الجسد… أخرجها صوت غيداء من كوابيس تعيشها وهي يقظة
– جئتك كي تكونين بين ذراعي، أشعر انك ابنتي حتى ولو لم تنجبك رحمي
تخشب جسدها ولا التردد والذعر، لتزفر غيداء بحرقة وهي تقول ببعض الحدة المصطنعة
-لن آكلك بالطبع، تقدمي يا فتاة
غمغمت شادية بحرج شديد، وذكري أن المرأة أصبحت تعتاد عليها تجعلها تتضطرب
-بس أنا
لم تقف غيداء صامتة، إذ سحبتها محتضنة اياها بعاطفة أمومية حقيقية، مربتة على ظهرها.. تلبي نداء عيناها المذعورتين لتدفئ قلبها، غمغمت غيداء بحكمة
– كوني واثقة أن عدل الله فوق عدل البشر، لا تندفعي بين ظلال الماضي.. أنتِ فى أوج عمر شبابك لا تلقيها هدرًا بين النواح والألم
لم تستطع شادية أن تظل جامدة وحضن المرأة الدافئ جعلها تتخلي عن جميع حذرها، وهي تتلمس بها حضن أم توفت دون أن تتشبع بها.. لم تشعر حتى أنها تتحدث بلغة أخرى وهي تتساءل بعذاب
-ومن سيرضي بي؟ بفتاة لم تحافظ على شرفها
اشتعل الجنون والغضب في عيني غيداء، لازم شفتيها بحزم وهي ترد بصرامة
-كلمة اخرى و سأقتلك يا ابنة معتصم، عذرية الجسد ليس دليل على عفة المرأة .. الكثيرات من النساء تتعرضن للاغتصاب وان كان فى إطار شرعي.. هل نلعنها نحن ونسبها بأفظع الألقاب
صمتت شادية ولم تجد القدرة سوي أن تندس بقوة بين ذراعيها، توجهت غيداء لاقرب اريكة لتجلس عليها وهي تربت على ظهرها بحنان، متلمسة قطعة غالية من قلب ابنها، الله وحده يعلم كيف امتلكت الفتاة قلبها ومتى حدث!!
غمغمت غيداء بسعادة أمومية وهي تعوض حرمانها هي الأخرى بابنة، لتهمس
– فتاة مطيعة.. كالقطة لولو
رفعت شادية عينيها تحدق الي الحنان المتدفق، مشاعر حانية لا تنضب لتسألها بحيرة
– ليس لها ذنب أن أجافيها؟
هزت غيداء رأسها نافية وهي تراها طفلة صغيرة تتخبط بين الأرجاء، باحثة عن أمها التي فقدتها بين الحشد، لتهمس
-لا ليس لها ذنب
تنهدت شادية بتوجع شديد وهي تضع يدها علي قلبها تمسده، حتي جلسات النفسية ظنت أنها ستهدئها، بل تزيدها سوءًا والحبيبة تحرص على الدق أكثر مناطق ظلماتها التي لم تتجرأ للتطرق إليها لتهمس بألم
– وحشتني ماما
اللهفة فى عيني غيداء والحنان المتدفق منها جعلها تستكين أكثر، مررت أناملها على خصلات شعرها لتقول
-ادعي لها بالرحمة، ايمانك مهتز يا شادية
مسحت دمعتها الخائنة سريعًا وهي تجيبها بتحشرج
-ثقتي تدمرت لثاني مرة على يد رجل ظننته…
تركت حملتها معلقة وهي تغمض جفنيها بألم، لتعيد غيداء احتضانها بحماية وقوة، استغفر وتحوقل إلى شياطين ابنها لتدمير الزهرة بين يديه.. همست غيداء بصوت حاني
-إن كان يؤلمك الحديث، ارتاحي ونامي
شعرت شادية أنها علي وشك نزعها من بؤرة آمان اعتادت عليه لتسألها فى حذر وخيفة
-ألن تقرأين لي ؟
ابتسمت غيداء ودموعها تساقطت على وجنتيها لتسارع فى ضمها بين ذراعيها تتلو عليها آيات من الذكر الحكيم، حتى غفت شادية بسكينة جعل غيداء تنظر اليها بألم إلي حال ما وصلت إليه، عدلت نومها على الأريكة وهي تتمنى ألا تندم الفتاة ما باحت به فى وجهها حينما تستيقظ!!
لا تملك سوى الدعاء أن يهدي كلاهما الى طريقهما المستقيم، اخذت حقيبتها بهدوء واستعدت للخروج وهي تهبط الدرج لتصطدم عيناها بملامح فتاة شرسة الطباع لتهمس غيداء ببرود
-لقد نامت، لا تزعجيها
رفعت جيهان حاجبيها بتعجب، ألا تتحدث المرأة العربية!! وخاصة اللهجة الشامية التي كانت تحرص علي التحدث بها حينما جاءت منزلهم، لوت جيهان شفتيها لتقول
-سمعت بالصدفة خبر معرفش اذا كان حقيقي ولا لأ، عن ابنك
امالت غيداء رأسها وهي تسألها بهدوء خادع
– أي خبر؟
تمتمت ببرود شديد وعدم اكتراث وهي تداعي خصلة من شعرها
-انه قتل معاذ.. بالأصح سرمد فين
عقدت غيداء حاجبيها بريية وهي تستنبط نبرة التوجس والحيطة من الفتاة، لتغمغم ببرود ظاهري
-غريب أمرك، أري أنك رافضة وجودي، لما تهتمين به
اتسعت عينا جيهان بدهشة لوقاحة المرأة، لترد بوقاحة أكبر وهي مدفوعة بالغضب تجاه من حطم شقيقتها
-اتكلمي معايا عربي، مبحبش الأسلوب بتاعك
صمتت غيداء لبرهة من الوقت، دون أن تنسي اطلاق شتائم لقلة تهذيبها ووقاحتها فى سرها، لتهمس ببرود
– يبدو أن والدك لم يعلمك أصول التحدث مع الكبار
هزت جيهان رأسها نافية تجيبها بوقاحة متعمدة
– لأ.. أصله ملقاش وقت يربيني
زفرت غيداء بيأس، هل عليها أن تقابل نسخة انثوية وقحة من طفليها؟! لتهمس
-لا فائدة ترجى منك، كأطفالي قليلة التهذيب
تحركت مغادرة وافسحت جيهان لها مجالا، ثم تتبعها بما المتبقي منها من لباقة منعدمة عندها حرفيًا، ترددت للحظات وهي الأخري تشعر أن اختفاؤه عجيب ومريب فى آن واحد.. هي لا تريد التجسس وتتبع أسرار شخص ليس من حقها وليس من ضمن حيز عائلتها، إذا ما سمعته صحيحًا من ماهر ستبقى كارثة لا محالة!!
همست ببعض التردد وهي تنظر الي غيداء التي يطبق عليها الحزن وإن جاهدت فى إخفاؤه
-عايزة مساعدة؟
تعمدت التحدث بالعموم، واللبيب بالإشارة يفهم
أجفلت غيداء من طلب الوقحة الصغيرة، إذ يبدو أنها ليست وقحة فقط.. بل معدومة التهذيب وحريصة على عائلتها وتبدي بعض الأهتمام لصغيرها، تنهدت غيداء وهي تغمغم بمسحة رضا
-ربك هو المعين، لقد توكلت عليه
أقرنت قولها بالسلام والمغادرة، وجيهان تحدق فى أثر مغادرتها بذهول لتهمس
-دول عيالها مفيش أي مسحة تدين على وشهم، عجايب والله
*****
بعد مرور شهر،،،
الأوضاع كانت أكثر صخبًا واشتعالاً فى منزل النجم
إختفاءه بل اختطفاه مع سلسلة تحقيقات الشرطة التي تبحث عن قاتل معاذ، بل ويبدو أن القاتل لم يكتفي بالقتل الرحيم، حيث أنه أصيب بالكسر فى ضلعين عدا وجود جروح غائرة متفرقة فى جسده، صورة مقتله كان مقززًا
مزعزعًا لوضع عائلته الحساس، والمركز المرموق… وكل ليلة غيداء تبكي بتضرع أن لا يصيب ابنها بأذي
لكن شئ داخلي رغم يقينها بالله، تعلم أن ابنها قد ذبح
وما سيعود عليه مجرد بقايا رجل!!
خبط سامر بعنف على طاولة المكتب وعينيه تقدم شررًا وشراسة بدائية ليهمس بنبرة مميتة بعد أن اكتفي بوضع المتفرج
-سأذهب لقتله
راقبه غسان بحالة من الأسي والتفهم، إذ هو لا يمتلك حيلة للوصول إليه، ألقي نظرة أخرى نحو زوج من العيون تلتمع بالتسلية.. ليصدر صوت لعوب متسلي، بارد الأعصاب
-فكرة جيدة
زفر غسان بسخط وهو يلقي نظرة ساخطة، متوعدة للرجل بجواره، إلا أن الآخر كان متشربًا من القطب الشمالي ليتعامل مع الوضع بأعصاب باردة متسلية، قال غسان بيأس
-لا تسمع لهذا الأحمق
انقلبت تعابير الرجل للوجوم ثم تحولت للشراسة، حينما هجم عليه سامر ممسكًا بتلابيب قميصه الأسود باهظ الثمن
-انت يا من يتصف بالذكاء الحاد والعقل الداهية، شغل عقلك
نزع داوود يدي سامر المتسختين حتى ولو عبر عنهما مجازًا، لكنهما يظلان متسخين قبل أن ينفض ويعدل ياقة قميصه ببرود تام وهدوء شديد وكأن الوقت الذي يملكه كافيًا جدًا ليستدير الي سامر قائلا ببرود وبساطة
-لا أدخل في مشاكل الثأر بين العائلتين، ثم شقيقك كان غبي لكي لا يتصور أنه سوف ينجو بفعلته ليعذب ابن رجل سياسي هام في البلد
انتفخت أوداج سامر ساخطًا وحاجة ملحة لقتل ذلك الرجل البارد، الشاذ عن أفراد عائلتهم .. والعدو اللدود لشقيقه … لمعت نظرة الموت في عينيه إلا أن غسان وضع حائلا بينهما قبل أن يفقد سامر رشده .. ليرفع سامر قبضة يده بعجز مشوحًا إياها ليقول
-سأذهب للسفارة
عاد داوود ينظر إلى عجزه ساخرًا، هذا هو حال من يفرح بجيناته الشرقية، لوى شفتيه بما يشبه ابتسامة متهكمة.. ليقول ببرودة أعصاب تصيب التجمد
-لا ترفع سلاح السفارة، أنت تعلم أن ظهرت جناية شقيقك سيعامل كأي مواطن هنا .. ولن ينظروا لجنسيته.. انت تعلم هذا يا غسان، هدأ هذا الثور
قال آخر جملته بلا مبالاة وهو يرى استعدادات سامر الموشكة على قتله، وغسان يقف بينهما عاجزًا، ليهدر سامر بسخط
-تبًا لك يا داوود، مجيئتك لا تسمن ولا تغني من جوع
استقام داوود من مجلسه وهو يضم يديه فى جيب بنطاله الثمين، كل جزء منه يفتح بالثراء حتى رائحة عطره التي صنعت خصيصًا لأجله من إحدى أشهر ماركات العطور فى العالم، أخرج لفافة تبغ من جيب بنطاله وأشعلها ببرود وهو يجيبه
-جئت للسيدة غيداء فقط، وهي واثقة بي
كان سامر متأكدا من أنه فقط عالة، بل شامتا لوضع سرمد المريب، لولا والدته لاقام حفل صاخب فى الموطن احتفالا باختطافه… ظل يسبه كثيرًا وهو يري وقفته المتغطرسة والعنجهية التي تليق به، ينفث من لفافة التبغ باستمتاع شديد وعينيه الداكنتين تراقب بتمهل صياد للإيقاع بالفريسة
التفت سامر تجاه غسان وهو يسأله بحيرة
-ماذا سنفعل؟
هم غسان بالإجابة إلا أن صدح صوت داوود الساخر
-لن يستطيعوا قتله.. اطمئنوا
تنفس سامر كثور هاجت شياطينه، فتحتي أنفه تنقبض وتنبسط بوتيرة سريعة، ودخان يكاد يري يخرج من أذنيه ليهجم على داوود صارخًا
-انت يا أحمق يا ****
شتيمة نابية خرجت من شفتي سامر وهو يهجم بكل عدائية وغضب نحو البارد الشامت، لكن لم يتحرك به إنشًا واحدًا وقد وجد غسان يتكفل بتهدئة الوحش ليقول ببرود ثلجي اصطبغ فى صوته
-أتعلم والدتك المبجلة، حجم لسانك القذر هذا … لتلفظ بألفاظ نابية أمام الأكبر منك، خسئت جميلتي غيداء لتربي قاطعي طرق مختطفين
وضع على كلمة ‘مختطفين’ عشر خطوط، ليرفع تلك المرة غسان رأسه وهو يقول بجدية
-إن جئت شامتًا، فيجب عليك العودة بإدراجك إلي حيث كنت.. سنتصرف أنا وهو
تلكئت شفتي داوود الحازمتين بشبه ابتسامة، ايميل برأسه محدقًا بتحدي وقوة وثبات شديد الي عيني سامر المستعرة ليقول
-حقًا، تريدون التصرف بغباء واندفاع متهور، لتصاب تلك المرة بذبحة صدرية حينما يختطف ابنها الثاني المدلل
زفر سامر بغضب حانق، وهو ينظر بغيين متوعدتين تجاه داوود، ذلك الخروف الأسود الذي اكتسب عداوته هو الآخر خلال بروده وجفائه، بالله ما الذي رأته والدته ليكون عون لهما ومساعدًا؟!!
هو منذ أسبوع حينما قدم لم يتحرك انشًا واحدًا.. يتعامل مع الأمر بحيادية شديدة وبرود جلبه من كلا القطبين !!
غمغم سامر وتحشرج حلقه متذكرًا والدته، وحالتها الهادئة المريبة بعد ثلاثة أيام من اختطافه، ليمر الشهر وهي صامتة.. شاردة.. يري ذبول وجهها، وعينيها تصرخان بالمساعدة!!
– والدتي تنهار كل يوم وكل لحظة وهو بعيد عنها، انت يا جلمود ابعدا خلافتكما جانبًا
دعس داوود لفافة التبغ وسحقها بقوة تحت قدمه، ليعود ضامًا كفيه فى جيبي بنطاله متسائلا بشك
-هل قلتم أنه قتل ذلك الآخر ؟
زمجر سامر بحدة، لترتسم ابتسامة سخيفة علي شفتي داوود وغسان بادر بالرد قائلا
-ما زالت التحريات تسعى لمعرفة القاتل
صمت داوود لبرهة من الوقت، وتحول وجهه من وجه ساخر إلى وجه حجري.. عينيه مثبتة نحو نقطة فى الفراغ، ليقول مفكرًا بصوت مرتفع
-ان كانوا يرغبون بالتخلص من أخيك، لكانوا ألصقوا التهمة به.. لكن يبدو أن عائلة الثعابين لها أكثر من عدو
هدر سامر بحدة، لكن غسان امسكه من ذراعيه وسامر يزأر بوحشية
– لا فائدة ترجى منك
رفع داوود عينيه والتقط النيران فى عيني سامر ببرود شديد ليقترب منه قائلا بتهكم
-فكر بعقلك يا احمق، ربما سيعذبه قليلا خاصة بعد اكتشاف قتل ابنه سيزيد جرعة العذاب ثم بالنهاية لن يستطيع الاحتفاظ به
ازداد شحوب وجه سامر وهو لا يصدق تفكير الرجل الأجرامي، هل سينتظر ذلك المخبول أن ينهي عقابه مع أخيه، وحينما يمل منه يلقيه على الطرقات… ضغط بقوة علي ساعد غسان وهو يصيح بسخط
-تبا لي لأني طاوعتك.. سأذهب للسفارة لأعلن عن اختفائه
قلب داوود عينيه بملل وهو يجيبه بنبرة ساخرة
-ستفتح بوابة جحيم سيكون شقيقك أول من يحترق فيها
رفع سامر عيناه بتوسل تجاه غسان، الذي بدوره التفت بكامل جسده ينظر إلى عينيه اللامعة بخطر يشبه لمعة الذئب
– داوود .. أخرج ما في جعبتك لن ننتظر مطولاً وانت تتحدث كمكر الثعالب هكذا
صمت داوود مطولاً وانعزل بجسده ويقظته عنهما وهو يفكر فى كافة الطرق التي سيجعل سرمد يعود بأقل الخسائر
لن يخفي عليه أن إصابات الرجل المقتول كانت وحشية وغير آدمية بالمرة، وهذا ما يخشي تحدثه أمام غيداء… أن يخبرها والدها إما سيرقد باقي أيامه الأخيرة في المشفى.. أو الأسوأ سيصلها خبر وفاته!!
رفع عيناه وهو يحدق بهما ليقول
-ليس الآن.. حالما أتأكد من شئ، ثم هم يرسلون لكم رسالة عن كونه حيًا يرزق
اتسعت عينا الرجلان بجحوظ، وذكري الهدية التي وصلت لهما الأسبوع السابق قشعرت كلا جسديهما.. ليقول سامر بصوت شاحب
– أتريد مني أن أريك الصندوق الذي بداخله أصبع الإبهام مبتور
عدنا مرة أخرى للدراما، قلب داوود عينيه بملل حقيقي وهو يقول بجفاء
-انت تعلم ان الأصبع مزيف
تلك المرة لم يمنع سامر أن يهدر بأوج غضبه ويأسه وعجزه
– لكن الدم حقيقي
صمت داوود تلك المرة ولم يحاول السخرية أو الأستهزاء، برغم كل شئ إلا أنه يجمعه بعدوه قرابة دم!!
سأل داوود مبددًا الصمت الذي أطبقهم
-ماذا فعل شقيقك الأحمق ليتورط في هذه المصيبة؟
اشاح سامر وجهه للجهة الأخرى، تاركًا إياهم بمفردين، ليجيبه غسان وغصة في حلقه جعلته يحزن على حال ما وصل لهم
-عشق امرأة
لم يمنع داوود سوى أن يبتسم بسخرية، قبل أن يلقي سبة بذيئة لاعنًا الشئ ما يسمى العشق، و ملامح وجهه مكفهرة بسواد شديد، عبس غسان وهو يرى تبدل حاله من البرود الشديد.. إلي بركان ثائر قبل أم تعود ملامحه مرة أخرى إلى البرود الشديد.. هز غسان رأسه بعدم اهتمام
يكفيه صديقه وشقيقه المجانين، لن يتحمل فرد آخر!!
******
اصطف عاصي بالسيارة التي استأجرها اليوم من إحدي أصدقائه أمام منزل أميرته، عينيه بلا وعي تتفحص فخامة القصر المهيب وكل تفصيلة منها تفوح بالثراء الفاحش.. استغفر ربه مطولا وبدي وقت حاجته للسيارة أمر ضروري، يعلم ان جدته بن تبخل عليه بمالها وهي منذ سنوات كانت تخبره بشراء سيارة ولو متواضعة لتسهل عليه تنقلاته، لكن الآن صعب جدا إذ أن أمواله التي كان يجمعها تخص مصاريف الشقة والزواج…
عاد يستغفر مكررًا وهو يحمد الله على ما حصده خلال أعوام نقش فيها الحجر، بدأ بتكوين نفسه من الصفر حتى أصبح طبيب يجاهد لشق طريق نجاحه العلمي، مبتعدًا أشد أعماله المسببة للبهجة وهي الحراسة الشخصية… لكن تنازل لأجل عيني أميرته
ليتفرد بها، ويجد الوقت لدلالها الناعم… ابتسامة شقت ثغره الرجولي وهو يستل الهاتف ليبدأ فى الأتصال بها، وداخله أمنية وقحة، بل عديمة الحياء أن يصعد إلي مخدع الأميرة ويري ما ترتديه المرأة كاملة الأنوثة والبهاء فى صومعتها الخاصة!!!
اتصل مرة ولم تفتح، انمحت ابتسامته تدريجيا وهو يكرر الاتصال الثاني وقد بقي على أعصاب منفلتة حينما كاد أن ينتهي الأتصال والمدللة النائمة ساقطة في بحور عالم الجنيات.. إلا أن وعده تبخر حينما استمع إلى صوتها المذعور يغالبه النعاس وصوت أجش ناعم يشي عن استيقاظها من النوم
-عاصي!!.. خير في ايه؟
عادت أسارير ابتسامته تتألق شفتيه، وهو يتخيلها بين أحضان الفراش، هل شعرها مبعثر أم تعقده؟! أصبح في حيرة آخري وهو يتخيلها بملابسها الشديدة الانثوية فى منزله.. فراشه هو!!
تهدجت أنفاسه بخشونة وصلت لها عبر الأثير ليصيح برغبة اندلعت في شرايينه
-عايز أشوفك
شهقة خافتة خرجت منها، ووأدتها سريعا وهي تعتدل فى رقدتها لتنظر الى المنبه ثم أجابته بنعاس وهي تعود للأستلقاء على الفراش مرة أخرى
-الساعة سبعة الصبح وانت لسه قافل معايا علي الفجر، عايزة انام
الباردة، الجلمود.. ماذا يتوقع منها؟!!
لولا عمله وانهائه فى وقت متأخر واتصاله الشبه اليومي الذي بات كطقس بينهما منذ عقد قرانهما جعل حديث المساء بينهما أكثر حميمية
ووسيلة التواصل البعيدة، لها تأثير دافئ بعكس ما يتصوره البعض
فالحب لا يزداد برؤية المحبوب، لكن تكمن فى تشرب تفاصيل صوته
وهو درس كل خلجة منها، اضطراب ضحكاتها حينما يشاكسها
ردها الصامت إلا من صوت وجيب انفاسها المرتفع حينما يعلق على أمر وقح
زجرها الخجول و شهقتها المصدومة حينما يزيد من جرعة جرأته عليها، وتنتهي المكالمة بإغلاق الهاتف في وجهه!!
هدر بصوت أجش وهو يخبط بيده على المقود بعصبية
-فوقي يا كسلانة، الشغل ده حلاوته في الصبح
ما زالت بين صحوها ونومها وهي تمتطي بجسدها بكسل، وهي حتما لن تغفر له لأن يسهرها طول الليل ثم ينتهي المكالمة بعد آذان الفجر ليطالبها بالصلاة، بل يتصل ليتأكد منها إذا أدت فرضها أم نامت!! وهذا كله عاد بالسلب على رياضتها المفضلة لعمتها وهو الركض الصباحي، حتى مع مكوث وسيم الذي حريص جدا على جولة الهرولة فى الصباح لم تعد تشاركه بها!!
غمغمت بنعاس وهي ترفرف بأهدابها
-يعني اعمل ايه
وصل اليها زفرته الخشنة، لتغلق جفنيها وابتسامة حلوة تداعب ثغرها وهي تضم الهاتف علي اذنها تتشرب تفاصيل صوته على الهاتف
هل تخبره ان صوته يزداد رجولة وجاذبية عن الحقيقة، به رنة العمق الذي يضعها فيه، ورغم الفظاظة الظاهرة التي اعتادت عليها إلا أن تؤثر وتحزن أنوثتها الناعمة للغاية!! لكن جانب شقي آخر سعيد بأقل حركة وهمسة منه.
سمعته يقول بنبرة نافذة الصبر وتحذير ذات لهجة شديدة خشنة
-هتلاقيني مستنيكي تحت، البسي حاجة محتشمة يا بنت المالكي، لا ايد ولا رجل تبان ومريحة
القت قبلة سريعة دون صوت فى الهواء، وهي تستحضر وجوده في عقلها.. حميته الرجولية تلهبها بقوة لتجعلها تهمس بصوت خفيض باتت تعلم أثره جيدًا على رجل حار الدماء مثله
-عاصي
ران الصمت بينهما وعاصي يتشرب حروف اسمه الممطوطة منها بتلذذ وبهجة شديدة، الياء التي تتعمد مطها بكل ميوعة ودلال منها جعله يجيبها
-عيونه
انفجرت وجد فى الضحك بدون صوت وهي تتخيله يمسد موضع صدره مربتًا عليه كما يفعل الآن!!
هل يمسد قلبه حقًا؟!
رفعت يدها هي الأخرى تربت على خفقات قلبها المتقافزة بتعربد حقيقي، لتتلون وجنتيها خجلا وهي تهمس بميوعة
-نام على الصبح، انا راسي مصدعة وعايزة انام.. ورايا لسه تصاميم ومشاوير جميلة هانم لباقي الانتيكات
عادت تغمض جفنيها متنهدة براحة، والنعاس يجرفها جرفًا للسقوط و الاستسلام لسلطان النوم، إلا أن رجلها ما كان ليسمح لها بالنوم إذ أنه هدر بقسوة
-عشر دقايق هستناكي فيهم تحت، عشرة ودقيقة هدخل اوضتك وتكوني انتي الجانية على نفسك
شهقت مذعورة منتفضة من الفراش لتسير بتعثر وهي تكذب هاجس ما سمعته، هل هو فى الأسفل؟!!
خرجت سريعًا من غرفتها وهي تتوجه الى الشرفة العلوية لتشهق بصدمة حينما رأته متكئ على سيارة لم تراها قبلا؟!! شعثت خصلات شعرها وهي تجيبه بذهول
-يا مجنون انت بتتكلم بجد
عيناه ارتفعتا لينظر الي الأميرة دون تحفظ كان يتشرب ملامحها وثيابها … هل ترتدي بيجامة قطنية؟! أم أنه يصاب بالهلوسة؟!!
جز على اسنانه ساخطًا وأحلامه العابثة الجامحة تكسرت على حقيقة ما رآه الآن ليغمغم بسخط
-شوفتيني بهدد فى مرة من فراغ
وهي بعينها الجاحظة تراقب وقفته المتمللة لتستعيد وعيها تدريجيا وهي تواجهه بمنظرها المزري هكذا دون حتى النظر للمرآة، سارعت بالاختباء والعودة الى غرفتها وهي تقول بيأس
– اديني نص ساعة مش هقدر الحق اخلص روتين الصبح بتاعي
لكن الآخر يبدو أن صبره قد نفذ ليجيبها بحدة
-عشر دقايق يا وجد بالضبط، وإلا ساعتها لومي نفسك
وليضعها أمام الأمر الواقع أغلق المكالمة فى وجهها!!
الأحمق.. الغبي.. الجلف، تمتمت به عقلها دون القدرة على التفوه به، لتقفز نحو خزانة تختار ثيابها قبل انتهاء العشر دقائق..
بعد عشر دقائق وعشر ثواني كانت تنظر اليه بغضب بارد، وتوجهت نحو السيارة تستقل المقعد المجاور للسائق دون حتى أن تعبئ وتعطي له ترحيب صباحي كما اعتادت، ارتفع عينا عاصي دهشة سرعان ما ابتسم بمكر وهو يستقل المقعد الخاص به لينطلق بالسيارة إلى وجهته المحددة!!
صاح بمشاكسة متعمدة يقضي على ملل الطريق
– لحقنا نلوي وشنا على الصبح
واجابتها كانت زفرة حانقة تبعها النظر إلى النافذة وآثار النوم يداعب جفناها دون إرادة منها، الأحمق لم يدعها تضع فى معدتها شيئا أو يسمح بوقت لتحضير قهوة لتساعدها على اليقظة!!
عاد بإلحاح مستفز يطرق على أعصابها المتلفة
– طب ايه مفيش صباح الخير، مفيش كلمة حبيبي اي حاجة تسلى القعدة
شهقت باستنكار شديد دون صوت، حبيبي ماذا التى يرغب في سماعها!!!
هي حتى لم تنطقها سرًا بين نفسها، استمرت فى حالة اللامبالاة تلك والتجاهل مما دفع لعاصي أن يقول بحدة خشنة
-بصيلي يا بت
التفت تلك المرة اليه، والنيران في عينيها تذيبه ذوبًا فى بحور عشقها، وشفتيها اللتين يودان إخراسهم ليراها تصرخ بغضب
-بطل تقول كلمة بت دي انا ليا اسم
ابتسم عاصي ببشاشة شديدة وهو يتشرب جمالها الهادئ، دون تكلف أو زينة خفيفة تحرص عليه حينما يتقابلان أسبوعيا فى منزل جدته، ليقول بابتسامة دافئة
-طب وغلاوتك يا وجد، زي القمر وانتي بطبيعتك
اتسعت عينا وجد والفخر الأنثوي يطرق أبواب قلبها، لكن الابتسامة وئدت حينما تابع بحماقة
– انا محتاج اشوف وش مراتي الصبح من غير محارة ودهان
تلك المرة لم تفكر مرتين هي تمد كلا ذراعيها مستخدمة اظافرها لتخمش بوجهه وتجذبه بقوة لينظر إليها… انفلتت السيطرة منه وعلي السيارة ليقول بحزم وهو يمسك ذراعها بقوة والأخرى تمسك فى المقود
– يا مجنونة اهدي، هخبط في العربية اللي قدامي
لكن وجد فى كامل وأوجه غضبها الذي لم ينضب لتبدأ فى الهذي، متحدثة عن جمالها وطبيعة بشرتها وما تقوم به كي تحافظ عليه حتى من أي حبوب، قال عاصي بغضب مكتوم
– يا وجد اهدي
لكن وجد لم تعبئ لتهديده، انوثتها الجريحة أصدرت فرحان لمعاقبة فظاظته، لم تشعر بأن أوقف السيارة ولا حتى أنها أصبحت بين ذراعيه كل ما يدفعها هو غضب الأنتقام منه، لتسمع هدره الحاد بأسمها
-واااجد
تنفست وجد بصخب يوازي صخب مشاعرها، وبدات تستوعب انها فقدت سيطرتها بكل حماقة وبربرية، لتشهق بصدمة وهي تحاول التراجع والجلوس فى مقعدها بما المتبقي من صورتها المثالية التي اهتزت الآن، إلا أن ساعديه أطبقتا على خصرها بتشدد ليترطم جذعها بصلابة صدره العضلي.. وضعت وجد كفها على صدره تمنع تصادما كليا وتلاحم لكلا جسديهما لتهمس بخجل
– عاصي
أجاب عاصي وعينيه تقتحم عيناها، مسببًا ربكة لـ مشاعرها وزلزلة لثوابتها
-عيونه يا وجد
لانت بين ذراعيه كالعجين، وعاطفة عينيه تقدح شررًا عنيفًا، الشراسة والهمجية ترتسم على ملامح وجهه.. والهدف على بعد إنشات منه
قرأت وجد جميع خلجاته لتتملل بخجل وهي تشيح بوجهها عنه هامسة
– عاصي بطل قلة أدب على الصبح
ولكي يكتمل أشد أحلامه جموحًا يداه انزلقت أسفل القميص القطني الواسع الذي ارتدته ليلمس جلدها.. اقشعر كلا جسديهما ووجد تنظر اليه بعيون جاحظة، وانفراج شفتيها يشي بإستسلامها اللذيذ بين ذراعيه..
ازدادت أنامله جرأة، وقلت مقاومتها حتي انها ما عادت لها القدرة على زجره، أو مقاومته ارخت رأسها على جبينه لاهثة بحرارة ويديها تتشبثان بقميصه لتسمعه يغمغم بخشونة
– جلدك مش طبيعي يا وجد، بيغريني المسه كل مرة
يزداد جسدها ارتجافًا تحت وطء لمساته الحسية، لتحاول وجد إخراج نفسها من فقاعة الاستسلام والهوان بأن تغمغم بضعف
– اعقل يا مجنون.. انا مش عجباني النسخة دي، ارجعلي عاصي اللي اعرفه
انفجر عاصي ضاحكًا بقوة وتوقفت يداه عن العبث ليميل طابعًا قبلة على خدها ثم اجلسها فى مقعدها، وجسده يئن فى حاجة لنعيم جسدها
الحرارة تصهره، وهو كالأحمق يتبع ما يمليه عقله وقلبه ليحترق، اعاد تشغيل السيارة وهو يسارع ناهبًا الأرض نهبًا للوصول إلى وجهته وهو يجيبها بـ مشاكسة
-لا ما كان النسخة السابقة مستني الحلال، عموما انا كلمت جدك واستأذنته قبل ما اخدك لمشاورنا وقولتله هرجعهالك صاغ سليم على العصر
اسبلت وجد جفنيها بخجل وامتقاع وجهها جعلها لدقائق من الوقت صامتة، عاجزة عن مبادرة للحديث معه، وقد التمست وقاحة فى حديثه.. إذا نظرات جدها المتفحصة حينما استأذنته قبل الخروج، ثم طلبه الوحيد بأن تهتم بنفسها جيدًا حتى عودتها للمنزل.. ربااااه ماذا قاله الأحمق الوقح له!!
غطت وجهها بكفيها وهي تداري خجلا يلهب قلب الرجل بجوارها، رآها ترفع رأسها وهي تسأله ببعض الصلابة المدعية واللامبالاة
-ويا تري هنعمل ايه طول الوقت ده
غمزة وقحة، واتبعها بإبتسامة خبيثة وهو ينظر الى جسدها بنظرة ملتهبة جعلتها تشعر بالحرارة والصهد يخرج من جسدها ليقول بنبرة متلكئة
– هزغطك زي البط
عبست قلقة من ما يتضمنه معناه المتواري لتسأله بتوجس
-يعني ايه
غمز بمكر وهو يصطف بالسيارة أمام عقار جدته في الحي الراقي
-هتشوفي
ولم ينبس ببنت شفة وهو يترجل من السيارة، لتلاحقه وجد بعبوس وهي تتوقع دخوله إلى الصالة الرياضية لكن توقعها خاب حينما دخل الى مدخل العقار وهو يحثها على الدخول معه، ازداد وجهها عبوسًا وهي تلحقه لتكون معه فى المصعد الذي توجه إلى الطابق الخاص بشقتهم المستقبلية.
فتح عاصي باب الشقة وأفسح لها مجالا للدخول لتهمس وجد بتردد وهي تتأمل سكون المكان من حولها
-احنا بنعمل ايه في الشقة
نزع قميصه بكل هدوء لترتفع حاجبا وجد بتعجب ورغمًا عنها تفحصت صلابة ذراعيه من فانلة السوداء القطنية التي يرتديها لتعض على باطن خدها وهي تنظر الي عضلات صدره وضخامة منكبيه بتفحص أقرب للتحرش ليقطع وصلة التحرش البصرية الخاصة حينما ألقي قميص فى وجهها قائلا بمشاكسة
-هندهن يا حبي
عضت على باطن خدها وهي ترى النظرة المتسلية فى عينيه، هل ضبطتها وهي تنظر الي جسده بوله وحمق كأنها فتاة مراهقة تنفتح عيناها لأول مرة لعالم الرجال ؟!!
نظرت إلى القميص الذي ألقاه فى وجهها لتطويه بعناية وهي تضعه على أقرب مكان نظيف لتسأله بتوجس وهي تتبعه إلى صومعتها الخاصة التي قررت أن تكون فيه مصنعها الصغير للملابس
-وندهن ليه، ما فيه ناس متخصصة في الشغل ده
شهقت بتفاجئ حينما وجدته يمسك بفرشاة الدهان ويفتح عبوة الدهان ثم أجابها هو بهدوء
– قولتلك يا وجد انا معداش عليا صنعة إلا وتعلمتها.. عشان اعرف قيمة الفلوس اللي بكسبه من عرقي وجهدي .. عايزك تتعلمي انك متتكليش علي حد .. عايزك صلبة وقوية ومعتمدة على ذاتك .. وبعدين دول قالولي ان دي رومانسية
اختتم جملته بغمزة شقية جعلها تنظر اليه ببلاهة ثم حدقت نحو الجدران التي تحتاج الدهان ثم اليه بتردد بدهشة
-دهان البيت رومانسية يا عاصي
نظرت اليه مشدوهة إلى عمله السريع وهي تراه يعبث ببعض الألوان ويتحكم فى درجة اللون والفرشاة قبل أن يغمس الفرشاة داخل عبوة الدهان ثم بدأ بعمله قائلا دون أن يلتفت اليها
-مش بعرف اقعد فاضي وقت اجازتي، روحي افطري جبتلك فطار علي الترابيزة وبعدها تعالي ساعديني
هزت رأسها ببلاهة ثم توجهت خارجًا لترى طاولة طعام صغيرة موضوعة فى الشرفة وكرسي متحرك صغير، توجهت سريعًا وهي تتفحص فطار الصباح المكون من عصير طازج فى عبوة زجاجية ثم شرائح التوست وبعض المربى والجبن .. سحبت شريحة توست ووضعت المربي عليه ثم صبت العصير داخل كوب بلاستيكي لتعود إليه سريعًا وهي تراقبه مشدوهة لما يقوم به
يبدو أن الجلف والأحمق، حنونا رومانسيًا مراعيًا، التهمت شريحة التوست بنهم وهي تراقب تحركات ساعديه القوية وقوة بنيانه، تنهيدة حارة حبيتها داخلها وهي لا تصدق كائن الرجولة والجاذبية ملكها هي!!
خرج همس حار من شفتيها دون وعي منها
– عاصي
وعاصي لم يكن على دراية بما يموج فى صدرها، إذ أنه قال بصلابة وهو يرفع رأسه نحوها
– متحاوليش.. هتتعلمي تدهني معايا، عايزك تحسي بقيمة كل ركن حطينا عليه بصمتنا و مفيش احلي من نبدأ من مكان مشغلك
اجفل حينما رأى نظرة العشق الذي ينضح فى كل خجلة منها، واقترابها البرئ .. الذي لن يصبح برئ بالمرة وهي ترفع اناملها تلمس خده الخشن لتهمس باضطراب
– انت حقيقة
ترك الفرشاة من يديه وأولي كامل اهتمامه بها، لا يترك تفصيلة صغيرة منها تغادر عينيه، ليراها ترفع كلا كفيها محتضنة وجهه ليسألها بتوجس و بالكاد يبتعد خطوة كي لا يحدث ما يحمد عقابه هنا
-ازاي
جذبت رأسه بتشدد وهي تمنع محاولات هروبه، لتقترب من محيط الخطر وهي تسأله بحيرة
-رد عليا، بجد انت حقيقة، راجل حقيقي عايش وسطنا
زفرت بحرارة دون أن يرد عليها ويداه محتفظ بهما على جانبيه، كي لا يزرع ضلوعها علي صدره، ويكافئ شفتيها بقبلات حلوة لذيذة تذيبها
وضعت جبهتها تسنده على خاصته وهي تهبط بأناملها الناعمة من يديه الى ذقنه مرورا بعنقه، وخاصة تفاحة آدم التي تحثها الآن على تقبيلها .. انتفض عرقه واختلجت عضلات وجهه ويداه رغما عنه جذبها ليسحق لين صدرها بصلابة جسده.. شهقة حلوة خافتة مثيرة، جعله يميل وهو يكبت مشاعره بقبلة عاصفة مزلزلة على جبينها، ووجد تهمس بضياع وتشتت
– اتأخرت عليا
ازاح شفتيها عن جبهتها وجسدها المساكين على جسده لم يحاول الصد أو المنع أو حتي المقاومة وخلق مساحة، يداه ارتفعت ليحيط وجهها ليحدق الي عينيها الداكنتين، والضارعتين من أثر قبلته ليهمس بصوت أجش
-اتأخرت عليكي؟
هزت رأسها موافقة ودموعها تجري على خديها لتميل بشفتيها وهي تمسك راحة يده تقبله بامتنان جعل عاصي ينظر إليها بذهول شديد نظر إلى كفه المستريح بين كفها الرقيق، هل قبلت يده أم انه يتخيل؟!
ألم تشمئز صغيرته وتنجرح من خشونة كفه؟!!
لكن دموع الفرحة والسعادة التي طفقت فى عينيها جعله يتجاهل تساؤلاته، وهو يراها تزداد تشبث فى كف يده لتقول
-أيوا عشان كنت مستنياك من بدري
تأوه خشن ومزمجر خرج من صدره، لينزع يده بقوة عنه.. تاركًا مسافة فوق المترين بينهما، حدقت وجد نحوه ببلاهة وعاصي يطلق زمجرات خشنة وقوية ثم التفت اليها ينظر إليها بمشاعر راغبة
-نحافظ على المسافة بينا يا شاطرة، عشان مضمنش نفسي
النظرة في عينيه نظرة أسد على وشك التهام فريسته
نظرة نهمة، بها شهوانية وعينيه تتلكئان على جسدها متخيلا جسدها أسفل ملابسها قميصها الأنثوي الفضفاض وجينزها الأنثوي الضيق.. زفر بأنفاس ملتهبة وهو يسمعها تضحك برقة تسأله بمشاكسة
-بتخاف
أجابها بحدة زادت من اتساع ابتسامتها الغبية، على ماذا تضحك.. هو على وشك افتراسها حرفيًا والغبية تعطيه الاشارة الخضراء ليفعل!!
-اخاف عليكي من نفسي
استغفر ربه سريعًا وهو يستعيذ من شياطينه، ليلتفت مرة آخري الي عمله ووجد تكتم ضحكات صاخبة اسفل كفها، استمعت الى صراخه الساخط
-اتحركي خلينا نخلص دهان المكان ده النهاردة
هزت وجد رأسها بإذعان وهي تستدير لتأخذ فرشاة نظيفة وتبدأ بغمسها فى عبوة آخري جهزه لها لتقول بنبرة عسكري ينفذ أوامر القادة
-حاضر يا دكتور
ظل عاصي واجمًا، غاضبًا من نفسه ومن انفلات مشاعره، ليحدق نحو الجدار بحنق ورغبة عنيفة تسري فى جسده لقتل الإبتسامة المستفزة التي تداعب ثغرها الشهي، رمي الفرشاة بنزق على الأرض وهو يغادر وكأن جني مسه خارج المنزل بأكمله وصدي ضحكات وجد الأنثوية تلاحقه بهوس…
وضع يداه على الحاجز الخشبي للمنزل وهو ينظر إلى الحركة الهادئة فى العقار بدأت تدب بها الحركة وهو يرى جاره يلقي سلامًا عابرًا قبل أن يستقل المصعد.. وضع يده على رأسه وهو يتمتم بأعصاب متلفة
-الصبر يا رب
***
في قصر السويسري،،،
يرتشف الأب قهوته الصباحية، ضاربًا بكل نضائح الطبيب وقلق شادية في عرض الحائط فى سرية تامة فى المطبخ، وعينيه تتوعد الطباخ أن تفوه بحرف واحد.. حسنا الطباخ كان مطيعًا للغاية لكن فى النهاية أصبح حليفًا لأبنه الذي أخذ دور المفتش من شادية، ألقي الفنجان داخل المغسلة ثم تحرك مغادرًا ونظرة التحذير فى عيني معتصم تقتل الرجل رعبًا، تحرك مغادرًا وهو يتجه نحو غرفة مكتبه ليسحب حقيبة عمله قبل ذهابه إلا أن قدميه تسمرت حينما أبصر فتاتيه، قرتي عينيه أمامه، ابتسم بحنين إلا أنه سرعان ما حدق الي ملابس شادية العملية ليغمغم معتصم بتعجب
-شادية
أجابته شادية بإبتسامة مهزوزة بعض الشئ، وإن كانت تدعي اللامبالاة!!
-ايه
مال معتصم برأسه وهو يحدق إلى ثياب فتاتيه، جيهان بحد ذاتها أصبحت ترتدي مثل شادية، وتعقد خصلات شعرها فى كعكة متزمتة ليقول بحيرة
-انتوا الاتنين فيه ايه مع بعض كدا
أجابته جيهان بلا مبالاة
-انا رايحة شغلي
رفع حاجبيه تجاه شادية التي توردت وجنتيها ثم همست
-وانا رايحة شغلي
مال برأسه وهو يحدق تجاه جيهان التي هزت رأسها بنفي تام من أي محاولة يود إلصاقها، ليعيد الأب مكررًا كلمتها بإستهجان
-شغلك!!
تلعثمت شادية والرفض يتجلى من عينيه، لتهم بإقناعه ولو بحجة فاشلة إلا انها استمعت الى دخول ماهر الصاخب
-وانا اللي هوصل جنابهم
ابتسمت جيهان بسخرية تامة قبل أن تقول بتهكم
-ايه يا مي مي ما انت بتشتغل سواق مفرقتش طيارة من عربية
اكفهرت ملامح ماهر وهو يتقدم نحوها ليجذب سترتها الوردية وهو يصيح بحدة
-لمي لسانك
راقصت حاجبيها بشقاوة شديدة قبل أن تسحب سترتها الثمينة من يده، متغافلة عن نبرة الأب الذي قال بتعجب
-انتي عايزة تنزلي الشغل
هزت شادية رأسها بموافقة قبل أن تجيبه بصراحة
-قعدة البيت كئيبة، انا محتاجة اشوف الناس
لم يملك الأب سوى الابتسام، فمن ناحية خوفه أنها ستظل فى عزلة تامة عن الناس.. لكن خوفه أكبر هو ما ستواجهه خارج أسوار منزله
لقد كانت فى عزلة تامة، بعيدة عن أي أخبار، أو شائعات تدور… هي حتى لا تعلم بمقتل معاذ ولا اختطاف الآخر!!
نظر تجاه ماهر الذي ينظر اليه بتفهم، ويعطيه نظرة مشجعة أنها ستكون بخير، ليومأ أخيرًا برضا وشادية تنفرج ملامحها المتوترة لتسارع بالقاء نفسها بين ذراعيه مقبلة كلا وجنتيه ورأسه .. والغيورة الشقية دفعتها لتأخذ لها جانب من ذراعي معتصم الذي انفجر ضاحكًا وهو يقبل كلا مقدمة رأسيهما لتنسل شادية من ذراعيه وهي تسير بجوار ماهر .. ربتت جيهان على قلب اليها قائلة
-بنتك قوية متقلقش منها
هز معتصم رأسه بتفهم قبل أن يغمغم بخشونة
-اتلحلحي علي شغلك، دقيقة تأخير عن ميعادك هتاخدي خصم تلات ايام
فغرت جيهان شفتيها بصدمة، حقًا لا تصدق والدها!!
يعاملها فى الشركة كموظفة عادية دون أي امتيازات، بل يتناول رئيسها المباشر فى تقريعها كأي موظفة متكاسلة، لكن بالطبع داخل حجرة مكتب الرئيس.. لولا فقط أنها تعلم الأيام ستمر وستمسك كرسي فى الشركة وسيأتي اليوم الذي سيكون من يتذلل لها، ستقسم انها ستجعله يعمل ساعات أطول حتي بعد نهاية الدوام.. يختمر في رأسها عدة خطط شيطانية، لتصيح باعتراض
-لالا حراام، ده انت لسه من اسبوع خصمت نفس التلات ايام
أشاح معتصم وجهه بلا مبالاة قائلا
-عشان يبقى تقعدي فى الحمام بالساعتين
اتسعت عينا جيهان بجحوظ قبل أن تمر يداها على وجهها وعنقها لتقول باحتجاج
-هو انا عشان بعمل كل يوم daily skin care، يبقي الدنيا هتنهار
انتفخت أوداج معتصم بغيظ قبل أن يقول بسخرية لاذعة
-انتي بتهزري يا جيهان، ساعتين فى الحمام، ولما الشركة تقع نقول للناس ايه.. استنوا ثواني المديرة بتعمل سبا ولا حاطة قناع الزفت الطين اللي بتخضيني بيه
عبست جيهان للحظات وهي لا تصدق والدها يبدي استياءً فى الوقت الحالي عن اعتنائها الجسدي، قبل دخولها لمجال العمل كان لا يكترث بالأمر حتى وان استمر جلوسها فى الحمام لثلاث ساعات أو أكثر!!! اندفعت بغيظ انثوي تقول بحماقة
-اومال فالحين بس تقولوا عايزين الست فى جسم كيم كارداشيان وفى جمال بشرة الكوريين اللي بتلمع فى الشمس
ارتفع حاجبا معتصم بذهول وهو يرى اندفاعها الأنثوي الأهوج، ليزمجر بسخط
-امشي من وشي، ومصروفك اللي بدهولك جنب المرتب اتلغي نهائيًا، ابقي وريني هتعملي ايه
زمجرت جيهان بحنق، وهي تدب بقوة على حذاء كعبها المرتفع ثم استدارت مغادرة، ترغي وتزبد من فرط عصبيتها وتحكمات والدها التي أصبحت لا تطاق!!
مقر عمل شادية،،
ابتسمت شادية بحنين شديد تجاه غرفة مكتبها، وإن كانت ستقص أجزاء وذكريات ستدفنها عميقًا داخل صندوق أسود، التفت نحو ماهر تقول له
– شكرا يا ماهر
انحني ماهر بطريقة مسرحية وكأنه يتحدث مع اميرة فى احدى حقبات التاريخية القديمة، ثم اعتدل بوقفته وهو يقول لها
-اجمدي يا شادية، مفيش حاجة مستاهله اننا ندفن نفسنا بالشكل ده
هزت شادية رأسها بتفهم لتجلس على كرسيها براحة وهي تفتح حاسوبها الشخصي لترى رسائل العمل.. نقرات على باب المكتب جعل شادية تستأذن الطارق بالدخول، ابتسمت نجوي مساعدتها الأمينة قائلة بابتسامة واسعة
-حمد لله على سلامتك يا فندم، الشركة حقيقي كانت مفتقدة وجودك و لمساتك الإبداعية
هزت شادية رأسها، حتي المجاملة لم تعد تكترث لها إن كانت حقيقية حقًا أم من باب التملق لتجيبها
-تسلمي يا نجوى
وضعت نجوى الجهاز اللوحي أمامها تجاه المناسبة التي تحضرها شركتها اليوم لتقول
-تحبي حضرتك تبدأي تشرفي على event النهاردة، ولا مصطفي يكمل شغله
نظرًا لعدم أهمية المناسبة لها كثيرًا، قالت بلا مبالاة
-خلي مصطفي يكمل، انا بليل هبقي أشوف المكان ابعتيلي اللوكيشن على التلفون
هزت نحو رأسها بتفهم وإيجاب لتستأذن مغادرة، وهي تغلق الباب خلفها..لتبدأ شادية البحث عن هاتفها داخل حقيبتها النسائية وحينما وجدته عبست حينما وجدت ان الهاتف مغلق
عبست تزفر بحنق وهي لا تصدق أنها نست إعادة شحن بطارية هاتفها، توجهت لأقرب مقبس كهرباء ووضعت الشاحن الإحتياطي في المقبس ووصلته بالهاتف
ظلت لبرهة حتي فتح هاتفها.. وقد تفاجئت من كمية الاشعارات والرسائل التي وصلتها في وقت اغلاق هاتفها
وصوت طنين الرسائل جعل ماهر الذي يصب لنفسه قهوة يقول بنزق
-اكتمي تلفونك من الزن ده، دماغي صدعتني
اجابته مبررة وهي تفتح تطبيق الرسائل ليصلها موقع المناسبة لتقول
-بقالي فترة مفتحتهوش
عادت تنظر الى هاتفها مرة أخرى وقبل أن تلقيه بلا مبالاة، تفاجأت برسالة من رقم خاص، ضغطت على الرسالة بفضول لتجحظ عينيها فجأة وشهقة خافتة تتسرب منها جعل ماهر الذي ينظر لماكينه القهوة يرفع ببصره نحوها متسائلا بقلق
-شادية في ايه
سقط الهاتف من يديها والدموع فى عينيها متحجرتين، اقترب ماهر منها بفزع وهو يسألها بخوف وعينيه تقعان على الهاتف الذي سقط أرضًا
– شادية متقلقنيش عليكي
تحركت من فورها تجاه الأسفل، وماهر مترددًا بين الخروج خلفها وبين النظر إلى محتوى الهاتف
هب علمت بخبر مقتل الداعر هذا؟، التقط الهاتف سريعا وهو ينظر الي محتوي الرسالة بتصلب وعينين متسعتين بذهول، ليركض من فوره خلف شادية!!
توقفت شادية أمام مدخل البوابة الحديدية، وشاحنة سوداء تقطع الطريق بنهب شديد القي شوال ضخم بعدم اكتراث، ثم اختفت السيارة كالشبح
تباطئت أنفاس شادية وهي تهز رأسها نافية ما يخبره به عقلها!! ربااااه لا يمكن أن يكون حقيقي
رسالة مزح سخيفة، يستجدي بها اهتمام وتعطف، تحركت بقلق والضباب الذي تكون في عينيها أثر الدموع شوش رؤيتها
انحنت تنظر الي الشوال بقلب مذعور
وبيدين مرتجفتين نزعت الشوال لترى ما خشيت منه
كتلة من الدماء تغطي ملامح الوجه الذي بالكاد تعرفت على ملامحه، صرخت بذعر ودموعها تجري على وجنتيها وراسها يهز بنفي مرارًا ما رأته
شعرت بجسدها يصطدم بجسد صلب، لتلتفت وهي تبصر ماهر ليتعثر لسانها وهي تشير إلى كومة الشوال
– سـ .. سر…
عادت تقترب مرة اخرى من الشوال لتنزع الشوال بقوة من وجهه … يبدو ميتًا، رباااااه
أمات؟!!
سقطت ارضًا بتخاذل وضعف شديدين، لقد طعنت الملكة بعد موت الغازي لأرضها!!

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية أترصد عشقك)

تعليق واحد

اترك رد