روايات

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي البارت الثاني والعشرون

رواية سيد القصر الجنوبي الجزء الثاني والعشرون

رواية سيد القصر الجنوبي الحلقة الثانية والعشرون

اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
صلِ على النبي 3مرات
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات
وفجأة وجدت جيهان نفسها تُجر من أحد ذراعيها بيد قوية اختبرت قوة قبضتها قبلًا ..
نظرت لعينيه المتوحشتان في ذعر للحظات، واظافره التي غرزت بقسوة ببشرة ذراعيها الناعمة.
عينيه وحدها قادرة على صعق ثباتها بلحظة، خصيصًا وهو ينظر لها بتلك النظرة النارية كرجل بدائي لا يدرك بعد معنى الأنسانية ولغة البشر الهادئة، وحاولت الأفلات من قبضته، ويبدو أنه يضمر لها الكثير فهتفت به بغضب :
_ أنت جاي ورايا هنا ليه وعرفت مكاني منين وليه بتطاردني في كل مكان؟
ونظرت لعينيه مباشرة وهي تصيح بقسوة:
_ ما تسيبني في حالي وتبعد عني بقا!.
ملامحها الشرسة وهي تنظر له، ورغبتها في الافلات منه بكل الطرق فسرت أنها تبغضه ولا تطيق رؤيته، ريثما أنها هربت بمجرد أن عرف عنوان منزلها، فدفعها بعيدًا عنه حتى اصطدم ظهرها بجسد الشجرة بعنف وتألمت بشدة وحينها قال بصوتٍ حاد:
_ ومين اللي فهمك إني بجري وراكي؟! .. أنتي مين !، أنا حواليا الف واحدة يتمنوا بس إشارة مني وأحسن منك، بس زي ما دخلتي بيتي وخربتي حياتي اللي ما صدقت بنيتها من تاني بعيد عن الكل، مش هسمحلك تعيشي حياتك في هدوء.
ثم أخرج من جيب سترته ورقة مقطوعة من جريدة يومية، والقاها بوجهها قائلًا بسخرية لاذعة:
_ شوفي كلامك للصحافة وعلاقتنا اللي اتكلمتي عليها واسمي وسمعتي اللي بقت على كل لسان بسببك.
نظرت جيهان بصدمة للورقة التي سقطت على الأرض، ثم التقطتها وبدأت تقرأ ما فيها بصدمة تتصاعد حدتها.. وكان المقال مكذوب كليًا، ومضمونه عن خبر بوجود علاقة غرامية بين سيدة المجتمع والموسيقار المفقود في قصرًا مهجور خلال فترة أختفائهما الأثنان.
والتي اكدته خلال المقابلات الصحفية السريعة أثناء التحقيقات الأخيرة بالقضية.
والذي اكد ذلك هو ظهور اكرم حجازي عقب استدعائها للتحقيقات والإدلاء بشهادته لصالحها.
فصرخت فيه ودافعت قائلة :
_ أنا ما اكدتش حاجة ولا يمكن أعمل كده !! دي كلها استنتاجات من تأليفهم !.
سخر منها قائلًا :
_ كدابة … عايزاني أصدقك !!… اومال لو مكنتش شوفت بعيني وأنتي من راجل لراجل بمنتهى البساطة .. بدليل اللي لسه ماشي من عندك والتاني اللي كنتي معاه في بيتك اللي سبتيه ..
اتسعت عيناي جيهان على آخرهما من الصدمة، ثم هوت يدها بصفعة عنيفة على وجه أكرم قائلة بشراسة :
_ أنت حيوان وقليل الأدب، أنا أشرف منك ومن كل اللي عرفتهم يا …
قطع صراخها وهو يقبض على ذراعيها وهي تضربه على صدره بعنف، وقال بنظرة نارية شرسة بها بعض السخرية والإزدراء :
_ ضايقك الخبر مش كده، هيزعل ناس كتير وهيكشفلهم حقيقتك يا بريئة .. هيعرفهم أنك حية بتتلوني بمليون وش حسب مزاجك ومصلحتك .. أنتي طلعتي الخبر ده عشان تجري عليكي حبيب القلب طليقك وتخليه يرجعلك .. وحصل
لكن ما فكرتيش لحظة فيا وفي حياتي اللي هتتأثر بسبب اللي قولتيه.
وصاح بغضب أشد بوجهها :
_ ليه تربطي اسمي بواحدة زيك وتخليني في نظر الناس كلها مغفل؟!، المغفل اللي حبيبته هربت منه عشان ترجع لطليقها لأنها ببساطة كانت وخداه كوبري تنسى طليقها بيه!.
الآن فهمت سبب هذا الغضب ورغبة الانتقام، ربما حبيبته هجرته من جديد بسبب ذلك الخبر، أو لأن تلك الكارثة الوهمية تذكره بغدر حبيبته السابقة، والمؤسف أنها شاهدتهما بالفعل بالقصر الجنوبي معاً، إذن أي تكهنات ستصدقها بسهولة !.
ولكن أغضبها اكثر تتمة حديثه وصاحت فيه :
_ أنا اللي المفروض احس بالكارثة أن اسمي اتربط بواحد زيك، أنت محسسني أنك كنت عالم أو دكتور أو حد أتشرف بمعرفته ! .. ده أنت اخبار نزواتك وغرامياتك كانت اكتر من الحانك وشغلك!!.
اشتعل الغضب بداخله وقال :
_ آه .. ما هو طليقك كان دكتور مشهور برضه .. أنا هعرف اخليكي تندمي على اللحظة اللي دخلتي فيها بيتي و…
كان سيعترف بما سيندم عليه لاحقا ولكنه توقف في اللحظة الأخيرة، ثم قال وهو ينظر لعينيها بغضب وعذاب :
_ أنتي حسابك كبير أوي معايا .. مش هعدي اللي أنتي عملتيه بالساهل أبدًا، واللي يقدر يقف قدامي من اللي بتتحامي فيهم يوريني نفسه .. مافيش مخلوق هيعرف ينقذك مني.
ختم حديثه بتحدي وتهديد، وتسمرت جيهان من النظرة الأنتقامية المخيفة بعينيه، ماذا فعلت لكل هذا ؟! .. فهتفت به صارخة :
_ أنت مريض ومش طبيعي ؟! .. أنا عملت إيه لكل ده ؟! .
حتى إنها لم تستوعب ماذا فعلت به وبقلبه؟! .. كأنها تلاعبت بثمرة فاكهة وليس بقلبه ؟! الإجابة الحقيقة ليست في متناول الاعتراف الآن .. وإلا بقولها سيعلن هزيمته أمامها وضعفه .. فقال بنظرة قوية ثائرة :
_ أنتي مش قولتي اللي أنتي عايزاه للصحافة واستغلتيني عشان مصلحتك ؟! .. سبيني أنا كمان استغلك لمصلحتي، وماتنسيش إنك أنتي اللي بدأتي اللعبة دي.
ورماها بنظرة معذبة عميقة لم تستطع تفسيرها وظلت بمكانها وهي تراقب ابتعاده خطوة بخطوة في حالة من الجمود والتيهة.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
واستيقظت سمر من نومها بعد ساعات إرهاق وضغط نفسي شديد، ورغم شعورها بالتحسن إلا إنها عندما فتحت عينيها وعاد وعيها رويدا رويدا وتذكرت زوجها أمجد، نهضت من السرير الطبي وركضت خارج الغرفة الطبية لغرفة العناية التي حجز فيها أمجد .. بينما حاولت أحدى الممرضات إيقافها ولم تستطع.
ودون أن تستشير وتسأل أحدًا دخلت الغرفة واسرعت نحو أمجد الذي ولدهشتها وجدته قد أستفاق بعض الشيء وينظر بعينيه ببطء لمن حوله ورأسه وقدميه وذراعيه يلتفون بالشاش الأبيض … انحنت سمر وهي تبك بسرور قائلة :
_ حمد الله على سلامتك يا أمجد .. الحمد لله أنت بخير يا حبيبي.
نظر أمجد لها بغرابة وبعينان لا زالت رؤيتهما مشوشة بعض الشيء ولم يجيب، نظراته كأنه لا يعرفها من الأساس !
وأتت أحدى الممرضات من زملائها بالمشفى وقالت لها بشفقة :
_ ماينفعش أي كلام دلوقتي يا سمر ارجوكي، احنا بعتنا للدكتور مصطفى يجي بمجرد د. أمجد ما فتح عينيه وبدأ يفوق، بس ماينفعش أي زيارات ليه دلوقتي.
ولإنها ممرضة بالأساس فهي تعرف ذلك جيدًا، ولكن لم تستطع منع نفسها من الأطمئنان عليه، وأخرجتها الممرضة الأخرى ولم تكشف لها حقيقة حالة أمجد وهذا مع أفضل النتائج أن استطاع الوقوف مرة أخرى على قدميه من ذلك الحادث المروع.
خرجت سمر وهي تبك ولم تزل الابتسامة على وجهها وهي تحمد رب العالمين أن حالة زوجها بدأت بالتحسن.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبعد ساعات جدال ومشاجرة طويلة خلدت فرحة للنوم داخل السيارة، وتركت زايد ممددًا بالخيمة العجيبة الذي اعدها ، ومر الوقت إلى أن غاصت بغفوة عميقة ولم تشعر بزايد وهو يفتح باب السيارة ليطمئن عليها .. جلس بالمقعد الأمامي ونظر لها بتمعن، حتى تسحبت الإبتسامة على شفتيه وهو يرها تتمتم ببعض الكلمات الغير مسموعة بوضوح، ثم أدار المحرك وقاد السيارة دون أن تشعر فرحة بالأمر ..
وبعد دقائق وقف السيارة أمام شاليه صغير، فخرج زايد من السيارة وفتح الباب سريعا، ثم عاد للسيارة وتمنى أن لا تشعر بما يحدث ولا تستيقظ قبل يحملها للداخل .. ويبدو أن امنيته تحققت فعلى ما يبدو أن فرحة لم تأخذ قسطا كافيا من النوم منذ فترة طويلة .. وسار بها في هدوء داخل الشاليه الذي كان مؤثث بأثاث مناسب للإقامة فيه بإرياحية وأدخلها غرفة علوية بها فراش كبير ومطلة مباشرة على البحر ..
كانت تتململ فرحة بين ذراعيه حتى عندما وضعها بالفراش توقع أن تستيقظ ولكنها يبدو ارتاحت لدفء الفراش وظلت نائمة بعمق .. ابتسم لها بمحبة ثم أنحني وقبّل رأسها برقة ودثرها بغطاء دافئ بعد ذلك ..
وبعد الفجر بقليل ..
تململت فرحة وتثاءبت بكسل وهي تفرد ذراعيها، ولكن عندما فتحت عينيها هبت مذعورة وهي تنظر حولها بهلع! ونفضت الغطاء عنها !.
أين هي ؟ ومن أتى بها لهنا ؟! … وأين زوجها زايد ؟!
والأكثر رعبًا عندما وجدت نفسها دون حجاب وبنصف ملابسها التي كانت ترتديها تقريبًا !! .. من الذي …
وقطعت سيل تفكيرها وهي تركض بلا وجهة حتى وجدتها نفسها بالطابق الأول بجانب الدرج الخشبي، وباب المطبخ بمواجهتها، ولكن الذي جعلها تتنفس الصعداء هو وقوف زايد بالمطبخ ويبدو أنه يعد وجبة طعام باستمتاع وهو يصفر ويدندن هكذا !
اسرعت نحوه والغيظ ينهش أعصابها ولم تغفل عن مظهره المربك وهو يرتطي بنطالا أسود وقميص اسود دون أكمام بنفس اللون، والذي أبرز بوضوح قده الممشوق وعرض كتفيه وعضلاته البارزة، مما جعله فاتنا وساحرًا بذلك المظهر .. وصاحت به بغضب :
_ اكيد أنت اللي جبتني هنا ؟!
ابتسم زايد باستفزاز وهو ينظر لها وقال وعاد مندمجا في إعداد البيتزا :
_ إيه السؤال الغبي ده ؟! .. وأنا كنت هخلي غيري يجيبك هنا يعني ؟!
تنفس فرحة بعمق حتى تحاول السيطرة على غضبها وقالت :
_ انا مش هسألك جبتني هنا أزاي وليه .. بس هسألك المكان ده بتاع مين وأزاي دخلته ؟!
مط زايد شفتيه بعدم اكتراث ثم قال ببساطة :
_ معرفش .. حسيت أنه عاجبني فتحت الباب بطريقتي الخاصة ودخلت، فين المشكلة ؟!
فغرت فرحة فاها من الدهشة ثم هتفت بوجهه :
_ أنت مجنون ؟! .. هو ايه اللي عجبك وفتحت ودخلت ؟! ايه السهولة اللي بتتكلم بيها دي وكأنك مش عامل مصيبة !،
أنت عارف صحاب المكان لو عرفوا هيعملوا فينا إيه ؟ ..
ابتسم زايد باستفزاز مرة أخرى وقال بهدوء :
_ ولا حاجة … هديهم ايجار المدة اللي هنقعد فيها ، مبلغ محترم كده يملى العين ، وخلصت !.
لم تصدق فرحة ما تسمعه منه ودرجة استهتاره بالأمر ، فصاحت به :
_ أنا همشي من هنا دلوقتي حالًا ..
وضع زايد حبة زيتون بفمه وقال بابتسامة لطيفة :
_ الأبواب كلها مقفولة، مافيش غير شباك أوضة النوم وده على البحر مباشرة .. نوطي منه.
اقتربت فرحة منه بعصبية وصاحت به:
_ ما تتحدنيش لإني ممكن اعملها ؟! ..
ابتلع زايد ما بفمه باستمتاع، ثم نظر لها بنفس ابتسامته وقال بهدوء :
_ اتفضلي .. أنا سايبه مفتوح، بس البسي حاجة ينفع تموتي بيها، هتموتي وأنتي كده !.
وأشار بابتسامة ساخرة لما ترتديه، وارتبكت فرحة وقد نسيت ما ترتديه بغمر غضبها وأنفعالها وصدمتها بوجودها هنا .. فسألته بعصبية :
_ فستاني فين ؟
أجاب ببساطة :
_ غسلته وجيت اكويه عشان أنشفه اتحرق .. معلش.
ضيقت فرحة عينيها بغيظ شديد، ثم نظرت لمـَ يرتديه وسألته بتعجب :
_ أنت جبت الهدوم دي منين ؟
نظر زايد لما يرتديه بثقة واعجاب، ثم قال بخبث:
_ لقيتهم في الدولاب اللي فوق، صاحب الشاليه ده شكله برنس وذوقه عالي .. زيي كده.
أخفت فرحة ما تنوي عليه وقالت وهي تتظاهر بتحسن مزاجها :
_ أنا جوعت … أنت بتعمل بيتزا ؟
ضيق زايد عينيه بنظرة سريعة ماكرة عليها ثم أجاب :
_ آه .. قربت أخلص.
قالت وهي تصعد على الدرج مرة أخرى :
_ طب على ما تخلص هاخد دوش بسرعة.
وارتقت الدرج الخشبي سريعا تحت نظراته الساخرة المبتسمة، وحينما دخلت فرحة الغرفة مرة أخرى اسرعت لخزانة الملابس بطاقة عالية، ودهشت عندما وجدت الخزانة مليئة بالأثواب الأنثوية بجميع الألوان تقريبًا .. ولكن المحبط هنا أن جميعها لن تستطيع أن تخطو خطوة واحدة بهم خارجا .. حيث أن الاثواب مناسبة تماما داخل حجرة نومها فقط !
تنفست فرحة بغيظ وقالت :
_ يعني صاحبة الشالية مكنتش عارفة تسيب ولو فستان واحد حتى ينفع أخرج بيه وأبقى ارجعوه تاني !
ويبدو أن نظرة زايد الساخرة كان خلفها فهم ما تنوي عليه ومعرفة النتيجة، بما أن فتح الخزانة قبلها !
وما كان امامها سوى أنها تنتقي أنسب ثوب مستور بينهم وارتدائه … فوجدت رداء بيتي أنثوي من القطن الصافي بلون الكرز يصل لبعد ركبتيها بقليل .. والغريب أن تلك الملابس يبدو عليها جديدة تمامًا ولم تستعمل من قبل !، حتى أن بعضها لا زال به كارت البيع والماركة ! …
أخذت الرداء وذهبت لحمام الغرفة وانغمست بحمام دافئ قبل أن ترتدي ذلك الرداء ..
وبعد دقائق ..
كان زايد أعد مائدة الطعام وهو يدندن ويصفر حتى انتبه لخطوات على الدرج ، فأستدار وهو يقول بفخر :
_ عملت أحسن بيتزا ممكن …..
وصمت مأخوذا عندما وقعت عينيه عليها بذلك الرداء، وارتبكت فرحة من نظرته رغم أنها ابتسمت لنفسها سرا ببهاء وقالت وهي تدخل المطبخ وتتظاهر بالمزاح :
_ عملت زيك وسرقت فستان من الدولاب اللي فوق ..
وقضمت قطعة من الجزر بشهية وهي تتهرب من عينيه التي احتلت عينيها في معركة خاصة، ولم تستطع الا أن تبتسم وهي تقول :
_ اتخشبت كده ليه ؟!
أجاب بنظرة ضيقة ماكرة :
_ مش حلو الفستان ده عليكي ..
اجفلت فرحة من تصريحه المنافي للإعجاب الصارخ بعينيه فأتسعت ابتسامة زايد وقال بغمزة :
_ ده يجنن ..
تورد خديها وابتسمت بحياء وارتباك، ثم قال وهو يحمل صينية الطعام :
_ بما أن خلاص الصبح هيطلع فنعتبر ده فطار .. تعالي معايا نفطر فوق في التراس ..
وصعد زايد وهو يشير لها لتأت خلفه، وتعجبت لوهلة من الارياحية البادية عليه بهذا المكان وكأنه زاره مرارًا ويعرف كل ركن فيه !!.
وعندما صعدت للطابق العلوي وجدت غرفة أخرى لم تنتبه لها وكانت عبارة عن تراس فسيح مطل على البحر مباشرة ومخصص لوقت الجلوس وتناول الطعام، استنشقت رائحة القهوة المنعشة وحينما جلست قبالته ، نهض زايد وسحبت ستارة حريرية بجانب لحجبها عن من بالخارج، وذلك إذا حدث وظهر مخلوق بهذا المكان البعيد .. فسألته بابتسامة واثقة :
_ مش هنكر أن المغامرة دي عجباني .. اهو يومين نفرح فيهم وننبسط قبل الطلاق.
ولأول مرة ذكر كلمة الطلاق لم تثير عصبيته، فقد ابتسم وقال بلطف :
_ بالضبط كده .. على الأقل عشان تفتكريني بالخير.
أجفلت فرحة لوهلة من إجابته الغير معنية بالأنفصال، وبدأت تتناول الطعام ببعض الشرو وقد شعرت بصرخة داخلها، وراقبها زايد بابتسامة ماكرة وهو يتناول طعامه بشهية .. وسألت فرحة نفسها من هذا الشخص الجالس أمامها !
لا تعرف متى يثور ، وكيف يفكر ، وما حقيقة مشاعره نحوها ؟!
حتى أنه لا يبدو عليه أنه يشك بها أو غاضبا مثلما كان منذ أيام ؟!
قطع سيل أفكارها حينما قال وهو ينظر للبحر :
_ بعد الفطار هنزل أعوم شوية .. تحبي تيجي معايا ؟
قالت برفض تام :
_ هتعوم أزاي وإصابة رجلك ؟
رد بعد إكتراث :
_ عادي .. رجلي بدأت ترجع لطبيعتها.
قالت بعصبية :
_ لا مش عادي ومش هسيبك تنزل المية ..
ابتلع زايد ما بفمه بابتسامة ماكرة وقال :
_ مش هبعد كتير عن الشط .. بس يعني لو حصل حاجة أبقي اندهي أي حد يجي ينقذني.
صاحت فيه بحدة :
_ وهو في مخلوق حوالينا أصلًا ممكن أندهله ؟! .. أنت مستهتر ومندفع !.
أشار لها زايد بالشوكة المعدنية في يده وهو يقول بتحذير :
_ ما تغلطيش! .. وبعدين لو حصل حاجة سيبيني أغرق وأموت .. ارتحتي ؟!
تركت فرحة مائدة الطعام بنظرات غاضبة ونهضت مبتعدة عنه ودخلت غرفة النوم من جديد وهي تتنفس بعصبية وبعض الخوف .. واعتقدت أنه سيأتي خلفها ولكنه لم يفعل !
بل بعد دقائق انتبهت لصوت باب يُغلق!
فأرتجف خائفة واسرعت نزولا وقلبها يخفق بقوة من الخوف، ثم فتحت الباب ونظرت للخارج ببحث، فقابلتها أول خيوط الصباح الضبابية الباردة، ووجدته يقف على الشاطئ و قد بدل ملابسه وأرتدى زي مناسب للسباحة وقفز بالماء البارد بثقة عالية!!
فصرخت فرحة ذعرًا وهي تهرول وتركض على الرمال الرطبة حافية القدمين وهتفت عاليًا تناديه .. ولكنه داخل المياه يسبح برشاقة مثلما أعتاد دائمًا .. وبعد دقائق وهي تناديه وقلبها قد بات يصرخ من الخوف عليه وجدته يرفع أحد ذراعيه والمياه تهبط به ثم ترفعه عاليًا .. صرخت فرحة بذعر وركضت نحو الشاطئ حتى غاصت بمياه البحر التي ترتعب منها ..
ولإنها لم تعرف أدنى معلومة عن السباحة سحبتها المياه للأسفل بسهولة وبدأت بالفعل بالغرق .. حتى حملتها يده من خصرها وجذبها بقوة لتطفو على المياه وتستطع التقاط أنفاسها .. فبصقت فرحة الماء من فمها وهي تلهث بقوة وترتجف من الخوف والهلع .. وبعد قليل كان قد جذبها زايد للشاطئ، فسقطت على الرمال وقدميها لم تعد تحملها .. بينما وقف زايد بصدره العاري وشعره الملتصق بجبينه وتتساقط منه المياه بغزاره وضحك بأعلى صوته ، ثم قال :
_ ما بتعرفيش تعومي بتنزلي ليــــه ؟!
وانفجر من الضحك حتى أن سقط على الرمال بجانبها من مظهرها البائس المضحك .. فقالت وهي تعتدل وتجلس وتسند ظهرها المتألم :
_ روح منك لله .. كنت هموت بسببك !.
وتحت نظراتها المغتاظة انفجر بموجة ضحك عنيفة ولم تستطع إيقافه وهي ترميه بالرمال المبتلة بغيظ.
وظل هكذا حتى بدأت تضحك مثله على حالتها البائسة !.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
ارتمت سمر بين ذراعي جيهان حينما رأتها تقف أمامها بغرفتها بالمشفى ، وبكت طويلا حتى قالت جيهان بلطف :
_ أهدي يا سمر .. والله كل شيء هيبقى تمام بإذن الله ..
هدأت سمر بصعوبة ثم قالت بابتسامة أمل :
_ أمجد بدأ يفوق واتحسن ..
ابتسمت جيهان بصدق وقالت :
_ وكلها أيام وهيتحسن أكتر بأمر الله.. المهم دلوقتي أني عايزاكي تقوي ، مش عايزاه يشوف بالضعف ده ، انا جبتلك لبس تغيري هدومك وهبعت اجيب الفطار نفطر سوا ..
رفضت سمر ولكن صممت جيهان قائلة :
_ لازم توقفي على رجلك عشان تقدري تقفي جانبه ، اضرابك عن الأكل لا هيفيده ولا هيفيدك ! ..
وبعد دقائق كانت سمر وجيهان يجلسان بالغرفة الذي خصصها وجيها لسمر .. وروت لها عن تفاصيل الحادث حتى تلك اللحظة ، فتألمت جيهان وقالت :
_ أن شاء الله يوقف على رجليه من تاني ، ثقي في رحمة ربنا.
بكت سمر وقالت بحزن :
_ بقيت بخاف أفرح .. كل ما أحس بالفرحة تيجي حاجة تهد كل سعادتي وتوجع قلبي ..
ربتت جيهان على يدها برقة وقالت :
_ سلًمي امرك لله .. وبعدين أنتي هتنسي أن أمجد حالته اتحسنت وهتقعدي تقولي كده وتنكدي على نفسك ! … ادعيله يقوم بالسلامة وترجعوا بيتكم مع بعض وتبدأو حياتكم ..
رفعت سمر كفيها وظلت تدعو رب العالمين في تذلل ومناجاة ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وباليوم التالي ..
أتت جيهان للمشفى ولكنها فوجئت بأحدى الممرضات وهي تأتي لها وتخبرها قائلة :
_ دكتور وجيه مستني حضرتك في مكتبه
تعجبت جيهان وقلقت ، فوجيه ليست عادته أن يتحدث معها بهذا الوقت المبكر من اليوم … لابد أن هناك شيء هام ، وعندما ذهبت له وجدته جالسا على مكتبه يتفحص جريدة يومية ، وعندما رآها أعطاها الجريدة دون مقدمات وقال :
_ أقري المكتوب ..
أخذت جيهان الجريدة وحينما وقعت عينيها على العنوان فغرت فاها من هول الصدمة .. ويبدو أن أكرم لم يأخذ الكثير من الوقت ليرد لها الضربة !

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سيد القصر الجنوبي)

‫23 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *