Uncategorized

رواية سر غائب الفصل الثالث 3 بقلم سماح نجيب

رواية سر غائب الفصل الثالث 3 بقلم سماح نجيب

رواية سر غائب الفصل الثالث 3 بقلم سماح نجيب    

رواية سر غائب الفصل الثالث 3 بقلم سماح نجيب

انفتح
الباب لتطل منه تلك المرأة لتدلف بابتسامة عريضة مغلقة للباب خلفها تتبختر
بفستانها الصيفي الذي يبرز انوثتها بسخاء تقترب منه تنحني اليه قليلا
تقبله علي وجنته لتردف باغراء:
—”حبيبي وحشتنى اوى كده متجيش علي العشا امبارح”
نظر اليها عزام بتفحص وعينان مسحت كل انش بهيئتها لترتسم ابتسامة كسولة علي شفتيه قائلا:

—”وبعدين يا سيرين مش هتبطلي جنانك ده مش قولتلك بلاش تيجي هنا علشان محدش يشوفك”
لمحة
واحدة من عينيها الفيروزية جعلته يتراجع فهو لَيس له سبيل على مقاومة
اغراء تلك الفاتنة التى تجسد له معنى الغواية فستأنف قائلا:
—”حبيبتى متبصليش كده لبني ليها عيون في كل حتة وانا مش عايز وجع دماغ”
نفخت سيرين بضيق لتنظر اليه بامتعاض قائلة:
—”وانا كمان مراتك وليا حق عليك ولا علشان احنا متجوزين عرفي يبقي لازم افضل في الضل ومحدش لازم يعرف انا مين”
قابل
نظرتها إليه بجمود أحتل ملامحه كأنه أصبح قطعة من فولاذ لا حيلة لها فى
تلينه فهو عزام الرافعى فأستند بِظهره إلى مقعده يناظرها ببرود قائلا:
—” هو ده كان اتفاقنا من الاول يا سيرين وانتي عارفة مش كل شوية هنتكلم في الموضوع ده لو مضايقة نقطع الورقتين وكل واحد يروح لحاله “
عقدت حاجبيها الانيقين بدهشة فهي كانت بانتظار اعتذاره لها ليسمعها الان هذا الكلام فهتفت به:
—”انت بتقولي انا كده يا عزام دا بدل ما تحاول تراضيني بتسمعني كلامك ده”
انحني بجسده الي الامام يستند بذراعيه علي حافة مكتبه الفاخر ليردف:
—: بصي يا سيرين انا معنديش خلق علشان اطبطب وادلع والكلام الفاضي ده ده اللي عندي عاجبك كان بها مش عاجبك قولتلك نفضها سيرة”
كم
تود هي الان ان تنهي كل شيئ ولكن كيف لها ان تترك الترف والحياة الرغيدة
التي تحيا بها في كنفه فهي لم تذق طعم النعيم والحياة المخملية الا منذ ان
وقعت علي ورقة زواجها العرفي منه لتصبح فيما بعد تلك المرأة التي أصبحت
عليها الان، فهي يجب ان تسايره حتي لا تخسر كل شيئ فنظرت اليه نظرة معاتبة
تضمنها بعض من سحرها تردف بصوتها الانثوي الخلاب قائلة:
—” كده يا عزام هانت عليك تقولها في ايه يعني ان بحبك وعايزاك علي طول معايا خلاص مش هقولك الكلام ده تاني بس متحرمنيش منك”
لتهبط
دموعها لتكمل صورة المرأة المغلوبة علي امرها او المرأة المحبة المضحية من
اجل سعادة حبيبها فهي كأنها تؤدي دور تمثيلي في احد الافلام، نهض من مكانه
يقف مقابل لها يجذبها من ذراعيها يجعلها تقف مواجهة له ليرفع بعد ذلك
ذقنها باصابعه يبتسم ابتسامة خفيفة لتبادله اياها بابتسامة شقت شفتيها
المكتنزتين
—”بس بلاش عياط خلاص النهاردة نتعشي مع بعض وكمان هبات عندك الليلة”
اقترب
منها ولكن قبل ان يحدث ما كان يريده سمع طرق علي الباب اعاده الي الواقع
فابتعد عنها سريعا يرسم ملامح الجدية والهيبة التي اعتاد ان يراها العاملون
لديه فأذن للطارق بالدخول ليدلف ابنه شهاب الذي لم تخفي ملامحه تعجبه من
وجود تلك المرأة هنا، حاول. شهاب ان يتذكر اين راي تلك المرأة قبل هذه
المرة فاعتصر ذهنه حتي هتف بنبرة واثقة
—”هو مش حضرتك بتشتغلي ممثلة ومغنية على ما اظن”
لتنفرج شفتيها بابتسامة تمد يدها تصافحه قائلة:
—”ايوة اسمي سيرين نصار تشرفت بمعرفتك”
مد
شهاب يده يضعها في كف يدها الناعم يضغط عليه بخفة مرحبا بها، انتظر عزام
ان يخبره شهاب بما يريد الا انه يبدو عليه انه ربما نسي ما كان يريد منه
فحمحم عزام لجذب انتباه ابنه
—”خير. يا شهاب في ايه كنت عاوزني ليه”
حاول
شهاب استيعاب ما قاله والده فهو يقف كتمثال حجري لا يفعل شيئ سوي النظر
الي تلك المرأة الا انه انتبه بالاخير فاستدار الي والده يخاطبه بنبرة
عملية
—”حضرتك دي اوراق محتاجة امضتك عليها”
ناوله شهاب ملف يحوي عدة اوراق ولكن مازال الفضول متملكا منه فهو يريد ان يعرف ماذا تفعل تلك المرأة هنا وخاصة في مكتب والده..!!!
—————
يجر
قِدميه جِرا فمازال النعاس يداعب جِفنيه ولكن يجب عليه الذهاب الى عمله
فمن اين يقتات لقمة عيشه فهذا هو حاله يومياً كأن بداخله انطفأ كل أمل كان
يرجوه منذ ان أفتتح تلك الورشة، لمح ذلك الشاب المكتنز الجسد المدعو عفيفى
يقابله ببشاشة يردف بابتسامة:.
—صباح الخير يا اسطي حسام ده الضهر قرب يأذن يا اسطى كل ده نوم
ليطلق بعد ذلك ضحكة يكتمها بيده لينظر اليه حسام بشر جعله يتراجع خطوة للخلف يزدرد لعابه بحرج يهتف حسام بضيق
—بتضحك علي ايه يا عفيفي دلوقتي ها فاكر كده دمك خفيف يلا يا اخويا نشوف شغلنا في كام عربية جت النهاردة
أشار عفيفى بِيده الى سيارة متهالكة ذات الطراز القديم تقف أمام الورشة عندما رأها حسام هتف بتذمر:
—وِدي ان شاء الله اصلحها ولا اقلبها حصالة دي خسارة صاحبها يدفع فيها فلوس تصليح هو يشيل البابين بتوعها ويقلبها توكتوك احسن له
أقترب منه عفيفى يناوله زيه الخاص الذى يرتديه اثناء عمله ذلك الزى الذى لا يعلم الرائى ما لونه الاصلى من كثرة البقع السوداء عليه
—خد
يا اسطى حسام ألبس هدوم الشغل خلينا نشوف أكل عيشنا و نحمد ربنا ان فى
عربية جت نصلحها احنا بقالنا اسبوع مفيش عربية هوبت ناحية الورشة دا كان
فاضل شوية ونقفلها
ليتبع عفيفى كلامه بضحكة بلهاء كعادته دائما ، ليرفع حسام شفتيه العليا بامتعاض من حديثه السخيف ليردف بحنق ….

فال الله ولا فالك كاتك نيلة يا عفيفى فى كلامك اللى يسد النفس على الصبح
الملافظ سعد يا أخويا دا انا كان فاضل شوية وابيع جدى وجدتى اللى حليتهم
علشان افتح الورشة بس مش عارف النحس راكبنا ليه تفتكر ليه يا عفيفى
حاول عفيفى تصنع الجدية والملامح الرزينة كأنه سيلقى خطاب هام يحمحم ليجلى صوته ليردف بعد ذلك بهدوء…
—علشان يا اسطى حسام أنت بتيجى الورشة متأخر لو تيجى بدرى ربنا هيرزقك ان شاء الله بس بطل نوم انت بس
—لاء وانت الصادق النحس راكبنى علشان انت بتشتغل معايا يا عفيفى قدمك قدم السعد عليا
حدق به عفيقى بدهشة:
_انا يا أسطى حسام نحس
حسام بتأكيد ومزاح:
_ اه انت يا عفيفى مش شايف من ساعة ما اشتغلت معايا واحنا فى النازل على طول
كست
ملامح عفيفى الحزن لسماعه هذا الكلام بحقهِ، فعلم حسام أنه ربما زاد فى
مزاحه حتى أحزن ذلك الشاب الطيب، فحسام يعلم أنه شاب بقلب أبيض لايحقد على
أحد، فأقترب منه حسام يربت على كتفه يردف بأسف…
—أنا اسف يا عفيفى مش قصدى انا بهزر معاك متزعلش منى بس الواحد اتخنق مفيش مرة عربية مرسيدس يتهف صاحبها في دماغه وييجى يصلحها عندنا
لتتسع إبتسامة عفيفى قائلا:
—ان شاء الله يا أسطى هتيجى عربية حلوة ونصلحها
لم يكد عفيفى يكمل كلامهُ حتى رأى حسام سيارة ذات الطراز الفاخر تقف أمام الورشة، لتتهلل اسارير حسام
— ايه ده دا انت شكل دعوتك مستجابة يا عفيفى يا فرج الله
أسرع
حسام فى الذهاب لمعرفة من يكون صاحب تلك السيارة الفارهة، وما كاد ان يصل
اليها حتى رأى ذلك الشاب يترجل من السيارة، لينطفأ بريق الأمل الذى كان
يملأه منذ بُرهة ليهتف بنبرة يملأها اليأس:
— يادى النيلة هو أنت افتكرتك زبون
رفع أيسر حاجبه يناظر ذلك الشاب الممتعض يردف بسخرية:
—ايه المقابلة اللى زى وشك دى هى دى ازيك بتاعتك ليا بعد الغياب
ليتدارك حسام نفسهِ يقترب منه يحتضنه يربت على ظهره
—اخبارك ايه متأخذنيش بس مضايق شوية هى دى عربية الناس اللى انت بتشتغل عندهم
هز أيسر رأسه قليلاً قائلا:
— أيوة هى وكنت جايلك فيها مشكلة عايزك تصلحها
اتسعت ابتسامة حسام لايصدق ما يسمعه منه فسحب ذراع أيسر موجها كلامه إلى عفيفى
—عفيفى كرسى بسرعة لأيسر وهاتله شاى من القهوة اللى قصادنا بسرعة
—حاضر يا اسطى
أسرع عفيفى لتنفيذ ما طُلب منه، نظر أيسر لحسام بشبح ابتسامة ارتسمت على ثغره…
—اه يا واطى دلوقتى هتجبلى شاى وكرسى دا انت اول ما شوفتنى كان بوزك شبرين
أردف حسام بابتسامة:
—انت حبيبى يا أيسر هو كل يوم هيجيلى عربية زى دى كنت قربت افقد الأمل والله يا ابنى
أقترب
حسام من السيارة يمرر يده عليها بسعادة غامرة كأنه لا يصدق أنه سيصلح عطل
أَلم بها، ليتعجب أيسر من صنيعه فأقترب منه قائلا بدهشة:
— هو أنت بتحسس على العربية ما تخلص تشوف فيها ايه ورايا مشوار مهم كاتك نيلة هتعملى فيها دكتور
أغمض حسام عينيه بطيف ابتسامة ارتسمت على شفتيه يردف بصوت ملأه الحنين كأنه كان بانتظار تلك اللحظة منذ دهور ..
—هششش سيبنى أعيش اللحظة يا أيسر
هتف به أيسر بضيق نوعاً ما فهو لديه مهام يجب القيام به وليس هذا هو الوقت المناسب لمزاح صديقه
—لو مخلصتش هاخد العربية وامشى اصلحها فى اى ورشة تانية اخلص يا حسام ورايا مشاوير كتير وانا مش فاضى ليك دلوقتى
شرع حسام فى تصليح ذلك العطل لينتهى منه بعد عدة دقائق فهو ليس بالخطب الجلِل،ناوله أيسر عدة أوراق نقدية نظر اليها حسام بحبور
—ايه ده كله يا أيسر
هتف أيسر بابتسامة قائلا:
—يلا رزق الهبل هههه انا ماشى علشان متأخرش
— طب ابقى تعالى جدى وتينة بيسألوا عليك وعايزين يشوفوك
—ان شاء الله هاجيلكم يوم الاجازة سلام
أستقل
أيسر السيارة ليذهب سريعاً إلى وجهته حتى قبل ان يسمع رد صديقه،فهو لايريد
أن يتأخر عن تلك الفتاة التى لا تتحدث معه منذ البارحة كأنه فعل شئ مشين
وهى تعاقبه، تسللت إبتسامة إلى شفتيه عندما تذكر ملامح وجهها العابسة
والغاضبة ولم ينسى أيضاً عينيها التى كان تفيض باتهامها له..!!!!
—————
منهمكة
فى إعداد الطبق الشهى الخاص بزوجها لتضع بعض التوابل الحارة التى تضفى
مذاقاً خاصاً، فهى فيما مضى كان والدها الراحل يملك مطعماً صغيراً كانت
تعمل هى معه فى أوقات راحتها من الدراسة حتى جاء اليوم الذى قابلت فيه
زوجها وحبيبها فهو أحبها منذ اللقاء الأول ليقسم انها لن تصبح لأحد غيره
وهذا ما كان فهى اصبحت “فيروز جمال الرافعى” تحمل بذلك لقب زوجها ، أفاقت
من ذكرياتها على صوت تلك المرأة خلفها والتى تعمل فى هذا المنزل منذ ما
يقارب ال١٥ عاما وتدعى جليلة امرأة بسيطة بوجه بشوش تكن محبة خاصة لفيروز
وابنتها لطيبتهن فى التعامل مع العاملين بالمنزل
– ست فيروز متتعبيش نفسك وقوليلى على اللى عيزاه وانا هعمله
ابتسمت لها فيروز قائلة:
– لاء يا جليلة الدكتور بيحب ياكل الطبق ده مخصوص من ايدى أنا
اثناء حديثها لمحت لبنى تدلف إلى المطبخ تتحدث بسخرية ملأت فاها:
—ايه ده يا فيروز انتى برضه بتعملى الأكل بنفسك، مش عايزة تنسى أصلك أبدا
بعث كلمات لبنى الغضب بداخلها إلا انها أحكمت السيطرة عليهِ لتستدير إليها تبتسم ابتسامة تحاكى سخريتها منها..
—أحسن حاجة ان الواحد مينساش اصله يا لبنى وانا ولله الحمد فخورة بأصلى ده ومبحاولش اتجمل قدام الناس او أعيش سن مش سنى زى ناس
أحتدم
الغضب بعين لبنى فهى ترد لها سخريتها منها ، ولكن قبل ان تهم بالرد عليها
سمعت صوت زوجها يدلف إلى المنزل عائدا من عمله هو وشهاب، فنظرت اليها نظرة
شاملة قبل ان تغادر المطبخ ليجتمع فيما بعد كل أفراد العائلة لتناول
العشاء، وضعت فيروز الطبق الذى اعدته خصيصاً لزوجها أمامه لينظر إليها
بابتسامة وامتنان قائلا
—تسلم إيدك يا فيروز
لترد عليه بابتسامة مماثلة:
—ألف هنا وشفا على قلبك يارب
ابتسمت “ثراء” لوالديها فهى منذ ان ادركت معنى الحياة وهى ترى والدها يعامل والدتها كأنها امرأة خُلقت للدلال والحب فأردفت ممازحة:
— احم احم يا ست ماما انتى وبابا نحن هنا
ليبتسموا
ثلاثتهم كأنهم تناسوا انهم يجلسون وسط أفراد أخرين فأربعة ازواج من العيون
تنظر إليهم بصمت كأنهم يشاهدون أحد البرامج التليفزيونية، نظرت لبنى إلى
عزام تسأل نفسها لماذا لا يمدحها هو الآخر فهو يتناول طعامه كأنه فى عالم
اخر، ولكن منذ متى وهى تنتظر مديحه لها فهى لم تفعل شئ تستحق المديح
عليه،حاولت ميرا كسر الجمود الذى يكتنف الجزء الخاص بعائلتها
—بابا انا عايزة اغير عربيتى
رفع عزام رأسه يبتسم لابنته قائلا:
—روحى معرض السيارات اللى بنتعامل معاه واختارى العربية اللى تعجبك يا حبيبتى
انكمشت ملامح شهاب بامتعاض من دلال ابيه الزائد لشقيقته
—ما عربيتك لسه مكملتش سنة معاكى يا ميرا لحقتى عايزة تغيريها هو دلعك ده مالوش اخر
ردت عليه ميرا بنبرة يشوبها عدم الاكتراث:
– خلاص بقت قديمة ثم انت مالك يا شهاب هو أنت اللى هتدفع تمن العربية
عندما هم شهاب بالرد عليها وجد والدته تسبقه فى الحديث
—سيب اختك تدلع براحتها يا شهاب لو مش تتمتع بعز باباها هتتمتع امتى
أرسلت اليها ميرا قبلة فى الهواء بعد سماع دفاعها عنها
—تسلميلى يا مامى حبيبتى أنتى
ربما
امتعضت” ثراء” أكثر من “شهاب” وهى ترى تلك الميوعة التى تتصرف بها “ميرا
“ليرتسم فى ذهنها سريعاً ماحدث بالأمس عندما وجدت محرمة ورقية بحوزة “أيسر”
مطبوع عليها طلاء شفتيها،بعد إنتهاء العشاء تفرق جميع الحاضرين وجدت ثراء
نفسها تأخذ كتب خاصة بدراستها لتذهب إلى حديقة المنزل لتنعم قليلاً بهواء
منعش يساعدها على استذكار دروسها، جلست على تلك الأرجوحة الموضوعة
بالحديقة، شرعت فى المذاكرة تزامناً مع اهتزاز الأرجوحة، فأشتمت رائحة عطر
رجولى فتسللت تلك الرائحة إلى أنفها عوضاً عن روائح تلك الورود التى تحيط
المكان، ولكنها عرفت من يكون صاحبها فلم تكلف نفسها عناء ان ترفع رأسها
وترى من يكون فهى تعرفه بدون حتى ان تنظر إليه، إلا أنها انتبهت على صوته
ينادى باسمها، فاجابته بصوت منخفض:
—ايوة يا شهاب فى ايه بتنادى عليا ليه
أقترب منها يجلس بجوارها لتهتز الأرجوحة بسبب وزن جسده وثقل عظامه الذى يفوق وزن جسد تلك الفتاة
—أنتى قاعدة تذاكرى هنا ليه يا ثراء
ومضة ممتعضة أرسلتها عيناها، لتتأفف قليلاً تردف بهدوء:
—هو حرام يعنى اقعد اذاكر فى الجنينة يا شهاب ولا ايه
لتعيد
النظر إلى كتابها التى تحمله بين يديها ومن داخلها تتسائل ماذا يريد منها
الآن؟، فهى لا تريد ان يتشتت تفكيرها او ان يجلس احد بجوارها يثرثر بأحاديث
سخيفة او غير مهمة فهى تريد ان تنتهى من اختبارات الكلية، فتحدثت محاولة
صرفه عنها لتعود الى تركيزها مرة اخرى
—انت كنت عايز منى حاجة يا شهاب ولا إيه
—لا ابدا عادى انا لقيتك قاعدة قولت اجى اقعد معاكى
استند
بظهره للخلف يضع يديه خلف راسه يستند عليهم يغمض عينيه لتزداد حركة
الأرجوحة الأمر الذي جعل ثراء توازن جلستها فهى كانت على وشك
السقوط،تجاهلته لتعود إلى مذاكرتها، إلا انه بعد ثوانى معدودة هب واقفاً
ليعود أدراجه إلى المنزل، نظرت لأثره وهى لا تعلم ماذا كان يريد منها؟ فهى
شعرت أنه كان يريد ان يقول شيئاً إلا انه تراجع عن ذلك، فحركة يده التى كان
يفركها بتوتر اثناء جلوسه انبأتها بأن هناك خطب ما ، إلا انها نفضت عن
عقلها كل هذا ،فعادت إلى ما كانت تفعله وماهى إلا دقائق حتى رأت” ميرا”
تخرج إلى الحديقة ولكنها لم تقترب منها فهى رأتها تقترب من ذلك الجالس على
أحد الارائك والتى لم تنتبه لجلوسه إلا الآن،تركت كتابها فظلت تتابعهم
بعينيها التى أصبحت كجمرتين من الغضب
كأن كل منهم يراقب الآخر، فهو
أيضاً رأى” شهاب “يجلس بجانبها ويتحدثان سوياً، ليجلس هو لمراقبتهم يرتشف
كوب القهوة التى اعدته له “جليلة” خصيصاً من أجله، فهو منذ قدومه للعمل هنا
وهى تعامله كأحد أبناءها، لمح قدوم” ميرا” اليه فهب واقفاً احتراماً لها
يبتسم تلك الابتسامة المعهودة لديه عندما يرى أحد قاطنين هذا القصر
—خير يا أنسة “ميرا” حضرتك عايزة منى حاجة
نظرت “ميرا” إلى سلاحه الملقى بجانبه فمدت يدها تحمله تشعر بثقله فى يدها إلا انها أردفت بابتسامة:
—أيسر عيزاك تعملى أزاى أضرب نار بالمسدس
ترجوه بعينيها كطفلة صغيرة تريد اللهو واللعب بأحد الالعاب الجديدة
—بليز يا أيسر علشان خاطرى
أسرع فى سحب سلاحه من يدها حتى لاتؤذى نفسها او ربما تتسبب فى ايذاءه هو بدون ان تدرى ماذا تفعل. فهتف بنبرة غاضبة طغت على صوته:
—على فكرة ده مش لعبة علشان تلعبى بيها دا ممكن من غير قصد تموتى حد او تأذى نفسك
— أنت خايف عليا يا أيسر
قالتها ميرا بابتسامة فأنفرجت شفتاه وعندما هم بالكلام وجد من يسبقه فى
الرد عليها ولم تكن سوى تلك الحسناء التى لم يعى مدى قربها منهم إلا عندما
سمع صوتها الغاضب يهتف بهم:
—هو فى ايه بالظبط يا ميرا وأنت كمان مش ناوى تحترم نفسك أنا مش محذراك متتجاوزش حدودك يا أيسر
لم تعد تسيطر على ذلك الغضب الكامن بداخلها فتركت العنان للسانها
—انت
لو فضلت بالنظام ده يبقى تسيب الشغل هنا وتشوفلك اى مكان تانى تشتغل فيه
مفهوم يا أستاذ أنت ولا مش مفهوم ولازم تفهم الكلام اللى بقوله ده كويس
تقذفه
بكلمات كالنصل الحاد الذى أصاب كبرياءه كرجل لايحب ان يهينه أحد وخاصة إذا
كانت أنثى فهو اولاً واخيراً رجل شرقى ليس له القدر الكافى من الصمود على
تقبل الاهانات حتى وان كان يعمل لديها
—هو أنا يا أنسة ثراء عملت ايه
لده كله وحضرتك متنرفزة أوى كده ليه ايه الغلط اللى عملته انا اه بشتغل
عندك بس مش هسمحلك انك تتكلمى معايا بالشكل ده لو كده انا ممكن اسيب الشغل
عادى انا وافقت أكون الحارس الشخصى ليكى بسبب اصرار باباكى لكن لو كده انا
هقوله يشوفلك اى حد تانى يستحمل اهاناتك ليه عن اذنك وياريت تبلغى باباكى
ان انا خلاص ماشى
لم تعى ثراء ما يحدث إلا عندما وجدته ينصرف من أمامهم يتجه إلى تلك الغرفة التى يقطنها فى هذا المنزل، وسمعت أيضاً صوت ميرا
—هو
ايه اللى انتى عملتيه ده هو كان عمل ايه انا اللى كنت طلبت منه يعلمى ضرب
النار هو معملش حاجة او أجرم يعنى لهجومك ده عليه ثم من أمتى وانتى يا ثراء
بتتكلمى مع حد بالاسلوب ده انتى طول عمرك بتزعلى لما بتكلم مع حد من
الشغالين بصوت عالى اشمعنا دلوقتى بتعلى صوتك وتزعقى لأيسر
تركتها ميرا
واقفة مكانها وهى تأنب نفسها على ما فعلت فهى حقا لا تعرف لماذا تتصرف معه
هكذا بدون أى مبرر كأنها بأنتظار اى هفوة منه لتنفجر به تخرج ما بداخلها من
استياء وامتعاض وغضب بسبب ذلك الخافق بين أضلُعها والذى باتت تنهره بعقلها
أن يكف عن التشبث بذلك الجنون الذى لم تعيه سوى منذ أن رأته، فرت دمعة من
عينيها شعرت بسخونتها على وجنتها التى كانت تخضبها دماء الغضب منذ برهة
وجيزة، وجدت قدميها تسوقها إلى غرفته فدقت الباب بقبضتها تناجيه بروحها ان
يستجيب لطرق يدها تردف بنبرة أقرب للتوسل:
—أيسر ممكن تفتح الباب أنا عايزة أتكلم معاك أرجوك أفتح الباب أيسر أيسر
تتلاحق أنفاسها كأنها بسباق للركض،فربما هو الآن سيترك المنزل بل وسيتركها
هى أيضاً، عندما تشكلت تلك الخاطرة بذهنها ظلت تدق الباب بقبضة يدها دقات
متتالية كأن هناك شبح خلفها تريد الفرار منه والاحتماء وما كان هذا الشبح
سوى تلك الخاطرة التى باتت تزعج عقلها من أنه ربما بعد دقائق سيصبح مجرد
ذكرى بحياتها تمر بمرور الأيام، ولكنه لا تسمع له صوتاً فحزمت أمرها بأن
تدير مقبض الباب لترى ماذا يحدث ؟ أو لماذا هو لا يجيب نداءها له ؟ فأدارت
المقبض لينفتح الباب على مصراعيه تراه يلملم أغراضه يضعها فى حقيبته إلا
انه رفع رأسه ونظر اليها نظرة عابرة قبل ان يعود ويكمل ما كان يفعل إلا انه
أردف بصوت منخفض بالكاد وصل إلى مسامعها:
— أنا خلاص ماشى يا أنسة ثراء
علشان انتى الظاهر اليومين دول مش طيقانى وأنا مش عارف ليه او ايه اللى
عملته يخليكى كده بس انا هريحك منى خالص علشان مش كل شوية تكلمينى كده
وتزعقيلى زى ما أكون ارتكبت جريمة وانا مش واخد بالى
أرادته أن يكف عن
هذا الحديث الذي ينبأها الآن بأنه ربما قد أتخذ قراره فعلياً بترك العمل،
فلم تجد مفر سوى من ان تبدى اعتذارها له عن تصرفاتها الرعناء التى لا يعرف
أحد أسبابها سوى قلبها، فاذدردت ريقها وانفرجت شفتيها كأنها تمهد الطريق
للحديث الذى ستلقيه على مسامعه الآن والتى تعلم هى بأنها ليست سوى اعذار
واهية:
—أيسر أنا آسفة على الكلام اللى قولتهولك انا جايز أعصابى تعبانة
بسبب ضغط الامتحانات وده اللى خلانى اتكلم بالاسلوب ده معاك انت عارف ان
مبحبش حد يزعل منى او ان اتكلم مع حد بأسلوب مش كويس فأتمنى انك متزعلش منى
انا أتأسفت ليك
ظنت أنه لم يسمع كلمة واحدة مما تفوهت به،الا إنها رأته
يستقيم فى وقفته بعد ان كان منحنياً على حقيبته يرتب بها ملابسه،عندما
بادر بالحديث لم يتفوه سوى بكلمة او اثنان
— أنسة ثراء….
أقترب
منها،رأت حدقتيه تزداد اتساعاً كأنه على وشك ابتلاعها بداخل مقلتيه ليسحب
سلاحه الخاص سريعاً من خصره يصوب به فلم تمنع نفسها من إطلاق صرخة ذعر
مدوية وهى تسمع تلك الرصاصة يدوى صوتها فى هذا السكون المحيط بهم فهتفت
بإسمه متعجبة من صنيعه
—أيسر ليه كده
نظرت اليه نظرة أخيرة قبل ان
تغمض عينيها تسقط مغشياً عليها تدع الظلام يلفها يجعلها تذهب فى عالم أخر
ومازالت تلك الدموع تجرى على وجنتيها،ليهرول هو راكضاً خارج الغرفة يتخطى
جسدها الملقى على الأرض..!!!!!!!!
يتبع…..
لقراءة الفصل الرابع : اضغط هنا

لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد

error: Content is protected !!