روايات

رواية ثري العشق والقسوة الفصل الثاني 2 بقلم آية العربي

رواية ثري العشق والقسوة الفصل الثاني 2 بقلم آية العربي

رواية ثري العشق والقسوة البارت الثاني

رواية ثري العشق والقسوة الجزء الثاني

رواية ثري العشق والقسوة الحلقة الثانية

يا بني

مَن حَمل مالا يُطيق عَچز ، ومن أُعجب بِنفْسه هلك ، ومن تكبر على الناس ذل .
ومن لم يشاور ندم ، ومن جالس العلماء علم ، ومن قل كلامه دامت عافيته .

❈-❈-❈

المرحلة العمرية الثانية

قبل أربع وعشرون عاماً من الوقت الحالى .

في نفس دار الأيتام .

تقف السيدة لبنى تستقبل هذا الزائر والذي لم يكن سوى ضابط شرطة على معرفة مسبقة بزوجها المتوفي .

ترجل من سيارته يحمل تلك الصغيرة التى لم تتجاوز التسعة أشهر ،،، طفلة خصلاتها عبارة عن سلاسل نارية متوهجة ،، سبحان خالقها الذي أنسق لون عينيها مع خصلاتها تلك وبياض بشرتها المتوردة جعل منها ملاك على هيئة بشر ،، ولكنها تبكي ؟ ،،، يا إلهي ما سبب بكاء تلك الحورية وأين أهلها يا ترى ؟

سؤال سألته لبنى داخل نفسها بالرغم من معرفتها الإجابة .

كان يقف بجانب لبنى عمر الذي أصبح يبلغ من العمر ستة أعوام ، يقف مع عدداً من الأطفال ينظرون لتلك الصغيرة بإعجاب وسعادة بعدما تأكدوا أنها ستصبح معهم وبينهم .

وصل الضابط إلى لبنى التى رحبت به ووقف ينظر للصغيرة التى يحملها ثم نظر للبنى وتحدث بحزن وتروي :

– البنوتة القمر دي كانت مع باباها ومامتها في العربية ومسافرين وللأسف حصل معاهم حادثة والإتنين أتوفوا وهى بس اللى ربنا نجاها ،،، وروحنا علشان نوصلها لأهل أبوها بس رفضوا يخدوها تماماً وقالوا إنهم مش عايزينها وإنها بنت الكافرة اللى أخدت إبنهم منهم ،، تقريباً لإن والدتها مش مصرية ولا مسلمة ،، فهما قرروا يرموا بنتهم ولحمهم بسبب كدة ،،، وأنا مش هلاقي أأمن من هنا مكان أسيبها فيه ،،، وعارف إنها معاكى هتبقى أحسن من أهل أبوها دول .

مدت يـ.دها لتحمل منه الصغيرة التى برغم عمرها الذي لم يتعدى العام بعد إلا أن هناك حزن يخيم على ملامحها وكأنها عاشت في تلك الدنيا دهرٍ كامل ،، حاولت لبنى بعاطفتها وحنانها أن تهدهدها ولكن الصغيرة كانت تبكى بصمت ،،، تشكي داخــ.لها وكأنها تعلمت الكتمان منذ اللحظة التى فقدت فيها والديها .

كان عمر يقف يتابعها بترقب ،،، لديه رغبة ملحة في حملها وكأنه قادراً على إضحاكها ،، ثم وجد نفسه يردف بترجى قائلاً :

– ماما لبنى ممكن أشيلها لو سمحتِ ؟

نظرت له لبنى بترقب ثم إبتسمت وناولتها له فحملها يطالعها بسعادة وابتعد قليلاً بها يهدهدها وليكن منذ هذه اللحظة أخٍ لها وحامٍ متعهد ربما أحتاجته يوماً .

وبالفعل نجح في جذب إنتباهها وأعطت رد فعل غير الحزن الصامت بعدما أراها ألوان الورود .

نظرت لبنى مجدداً للضابط الذي يتابع عمر والصغيرة بحنو ثم تساءلت :

– هي إسمها إيه يا محمد بيه ؟

مد محمد يده في جيب بنطاله وأخرج ورقة يناولها لها مردفاً بهدوء :

– هي أسمها نارة ،،، ده اللى مكتوب هنا ،، ولو حابة تغيريه مافيش مشكلة .

هزت رأ سها بلا فهذا الإسم يليق بها خصوصاً مع تلك الخصلات المتوهجة وكأنها صُنعت من نار .

بينما كان عمر وحوله الأطفال يسعون لإضحاك تلك الجميلة التى على ما يبدو ستحصل على الدلال المفرط منهم .

❈-❈-❈

على الجهة الأخري

وفي شركة safety العملاقة لإستيراد السيارات والتى يديرها ناصر الجارحى وتمتلكها زو جته مارلين .

يجلس خلف مكتبه يتحدث الإيطالية عبر هاتف دولي مردفاً بترقب :

– حسناً لقد أخبرتكم بالوضع الراهن الآن ، لننتظر قليلاً إلى أن تهدأ الأجواء .

تحدث على الجهة الأخري ميشيل بغضب موبخاً :

– ماذا تظن نفسك فاعلاً أيها الأحمق ، وما تلك الحماقات التى تتفوه بها ،، في كل مرة تردد نفس هذا الحديث ؟ ،، هل أنت متعطشٍ للموت ؟

زفر ناصر بضيق ،، مؤخراً وبعد أن ذاع صيت شركته بات يرفض صفقاتهم المشبوهة ،، كان يريد أن يبتعد عن تلك الأعمال خصوصاً بعدما علمت مارلين وترجته أن يبتعد .

ترجته لأجل طفلها الوحيد صقر ،، لا تريد أن تدخـ.له في تلك الصراعات وهذه الأمور ،،، بل تسعى ليكون ذو مكانةً مرموقةً في المجتمع ،،، ولذلك فهو أيضاً يسعى للإبتعاد عن تحكم أهلها به ،، وساعدته في ذلك إصابة ديلير والد زو جته بشللٍ دماغي أفقده الحركة كلياً ،، وبرغم كره ميشيل له إلا أنه يستطيع التحكم في الأمور قليلاً بعد أن أصبح على ما هو عليه ،، فهو يؤمن نفسه جيداً من غدر ميشيل المتوقع خصوصاً بعد رفض عدة صفقات لهم .

تحدث ناصر بثبات وبرود :

– كفاك تهـ.ديد يا هذا وأسمع جيداً ،، إن أردت أن ترسل بضاعتك أرسلها ولكن أنا لست مسئولاً إذا تم الإمساك بها ،،، حينها سأعمل على عدم ذكر اسمي في هذا الأمر وسأنجح في ذلك ،،، ولكن أنت ستكون قد خسرت بضاعتك ،،، فاحذر جيداً .

أغلق الخط ووضع سماعة الهاتف وشرد يفكر وهو يدخن سيجارته وينفث دخانه فيتناثر جواً كغيومٍ تحجب عنه الرؤية قليلاً ،، ظل يعاود فعلها ويفكر إلى أن اهتدى لأمرٍ ولكن عليه التحدث أولاً مع مارلين .

❈-❈-❈

في منزل عفاف .

تقف في المطبخ تعد الأطعمة .

دلفت عليها نهى التى أصبحت في الثالثة عشر من عمرها ،، رأتها تطهو قطع اللحم والسبانخ فتساءلت الصغيرة بترقب :

– مين جاب الأكل ده يا ماما ؟ ،،، هو إنتِ نزلتي ؟

هزت عفاف رأ سها تردف بعفوية وهي تخفض مستوى اللهب على الأرز :

– لا يا نهى ده سامح هو اللى جابه ،، جبهولي يا حبيبي ورجع تانى على شغله .

زفرت الصغيرة ثم تساءلت بتعجب :

– هو ليه رافض ياخد أي فلوس من ناصر الجارحي ؟ ، مش ده أبسط حقوقنا عليه ؟ ،، يعنى هو يبقى عنده شركة وڤيلا وكل الأملاك دي وإحنا مش من حقنا حاجة ؟ ،، مش المفروض إن هو أبونا بردو ؟

تنهدت عفاف بقوة ثم نظرت لصغيرتها تردف بتروى وكالعادة بضعف :

– أخوكى مش راضي يا بنتى ، حاولت أكلمه يقبل الشهرية اللى أبوه قال عليها بس مجرد ما بفتح السيرة بيركبه ميت عفريت ،، هو عايز يشتغل ويصرف هو علينا ومنحتجش من ناصر مليم واحد ،، وأنا نفسي أريحه ،،، ده لسة صغير وشايل الهم والمسئولية بدري ،،، حتى بقى يضايق لو حد من إخواتى ساعدنى ، عايز هو بس اللى يصرف ع البيت .

شردت الصغيرة التى لم تعد صغيرة ثم عادت تتساءل حول شئٍ ما في خاطرها :

– ياترا يا ماما صقر شبهنا ولا شكله زي مامته ؟ ،، مش إنتِ دايماً تقولي اننا شبه بابا ؟ .

نظرت لها عفاف بحزن ،،، لما تلك السيرة الآن ،، إنها تحاول نسيانها ،،، لما تذكرها بمن خطفت سعادتها هي وطفلها ؟ ،، ولكن هل حقاً كانت سعيدة ؟ ،، هل تخدعين نفسكِ يا عفاف ؟ ،، أنتِ عانيتِ سنين في غربته وبعده ،،، هو لم يكن أبداً العون لكِ ،، هو فقط كان يعزز نفسه دوماً ،،، كان يبحث عن سعادته هو فقط ،، ولكن هل وجدها ؟ ،، هل سيفلت من العقاب الآن ،، أولم يعاقبه القدر على ما فعله بها ثم يأتى إليها معتذراً ،،، ستسامحه ،،، نعم ستسامحه إن عاد وأعتذر ،، ولكن ليعلم أنه ظلمها ، حقاً تتمنى رؤية هذا اليوم قبل أن تموت .

نظرت لإبنتها زاجرة إياها وتحدثت بحدة :

– معرفش يا نهى ،،، معرفش هو شبه مين ،، بس متفرحيش أوي كدة ،، ده أمه إيطالية يعنى أكيد مش شبهكم أبداً .

ربتت نهى على ظهر والدتها تردف معتذرة بعد أن شعرت بحزنها وأدركت تبدل ملامحها :

– خلاص يا ماما متزعليش ،، حقك عليا .

تنهدت بقوة تومئ ثم تحدثت وهى تلتفت للموقد لتراه :

– طيب يا نهى ، روحي شوفي مذاكرتك على إما أخلص أكل وأخوكِ يرجع .

أومأت نهى وإلتفتت لتعود لعملها ووقفت عفاف تفكر في هذا الذي أحبته مجدداً وتتأمل رجوعه معتذراً يوماً .

❈-❈-❈

ليلا في فيلا ناصر التى أيضاً تمتلكها مارلين ، فقط كل ما يملكه ناصر هو نسبة قليلة جداً من أسهم الشركة .

تجلس مع صقر الذي أصبح عمره 11 عاماً ،، تحدثه عن الدين الإسلامى ، فبرغم ديانتها التى هي عليها إلا أنها أرادت أن تعلمه ديانته الصحيحة وعقيدة الإسلام كما يجب أن يكون بكل شفافية ،،، فبعد مكوثها في مصر كل تلك السنوات وعشـ.رتها لأهل هذه البلد الاخيار أدركت أن ما سمعته عن هذا الدين ما هي إلا حرباً سرشة ضده لتشويه ماهيته الحقيقية ، لذلك بحثت وقرأت في عدة كتب حتى تستطيع تعليم إبنها كما يجب أن يكون .

وها هو يجلس يستمع إليها بتركيز وإنصات ،،، دلف فجأة ناصر عليهما يلقى التحية .

اتجه يجلس مجاوراً لها ثم تساءل بالايطالية وهو يحاول معرفة عنوان الكتاب التى تحمله :

– عن ماذا تتحدثان ؟ ،، وما هذا الكتاب ؟

تحدث صقر بلغة إيطالية بالرغم من تعلمه للغة العربية واللهجة المصرية خاصة ولكن نظراً لحديث والديه دوماً بالايطالية فبات يتحدث مثلهما :

– هذا كتاب ( الإسلام كما يجب أن يكون ) ،، تعرفني أمي عليه حتى أتعلم تعاليم ديني .

نظر لها ناصر بتمعن ،،، إلى الآن ما زالت تبهره ،، فهى تهتم لتعليم صغيرها للدين الذي هو بعيداً كل البعد عنه ، تريد أن تزرع بداخل صقر أشياءاً لن يجدها فيه .

ترى هل تنجح في ذلك أم يجد عليه أن يكون قدوة فعلية له ؟ هل يمكن أن تبنى أعمدة متينة على أرضٍ ملتوية ؟ ،،، هل يمكن أن تزرع وتترعرع الورود في صحراء قاحلة ؟

شعر بقبضة تلتف حول عنقه تخنقه ،،، تاريخه بالكامل غير مشرف ،، وحتى الآن وهو يحاول العدول ما زال يخطئ ،، أخطاؤه كثيرة ولا تغتفر وأول أخطاؤه هو خطأه الأعظم في حق تلك السيدة وطفليه ، الذي يحاول أن يعوضهما عن ما عاناه خصوصاً بعد حديث مارلين المستمر له وتوصيته عليهما .

ولكن إبنه الأكبر سامح لم يقبل منه أي عوض ،، بل يكره وهذا ما يراه بوضوح في عينه ،،، ولنقل أنه في تلك المرات التى يحاول بها إسكات ضميره كانت محاولاته من أجل راحته فقط ،،، وليس من أجلهم ،،، ويبدو أن إبنه الأكبر إستشف ذلك ،، ولهذا رفض ،،، رفض أن يريح ضمير والده ،، فوقت الحساب لم يأتى بعد وهو لم ولن يسامح أبداً ، لن يكن مثله إسمه أبداً .

تنهد ووقف يتحدث بالمصرية قبل أن يولج للداخل :

– أنا داخل أغير هدومي .

غادر وتركهما يكملان ما بدئاه سوياً ،،، تدرك مارلين ما يفكر به ،، تردك ذلك جيداً ،، ولكن قناعتها كانت تتخلص في حتى وإن كانا هما مخطئان عليها أن تجعل من ولدها أقل أخطاءاً منهما ،، عليها أن توصله لبر الآمان .

❈-❈-❈

بعد عدة أيام

في منزل عفاف

طرقات على باب شقتها أنبهتها وجعلتها تترك ما في يـ.دها وتتقدم لتفتح ولكن ما لم تتوقع رؤيته هو ،،، نعم هو هذا الذي لطالما أنتظرته أن يأتى إلا تلك اللحظة لم تكن تنتظره ربما لذلك أتى .

وقفت متصنمة ،، منذ تلك اللحظة التى طلقها بها ولم تراه إلا في الصور التى تحتفظ بها أو إما يكون ضيف أحلامها دائماً ،،، لا تصدق أنها تراه الآن أمامها ،، لقد إزداد وسامة ورتابة وظهر عليه الثراء ببذخ ،،، يرتدى بالطو طويل ويضع يـ.ديه في جيبيه يطالعها بترقب وصفحة وجهه خالية من أي تعبير يذكر .

جاءت نهى من الداخل تخطو متحدثة بتساؤل بعدما سمعت طرقات الباب :

-مين يا ماما اللى جه ؟

وعت عفاف على حالها ولفت تنظر لإبنتها التى تجمدت مكانها تطالع هذا الرجل ،،، أما هو فابتسم لإبنته وتحدث آخيراً يردف بحنو ظاهري لم يصل إلى قلبه :

– نهى ؟ ،،، تعالى سلمى عليا ؟

تقدمت نهى بخطى مترددة حتى وصلت إليه وعينيها منكبة على والدتها الصامتة فقط تتابع ما يحدث بتعجب ،، وصلت إليه ومدت يـ.دها بتوتر فالتقطها يبادلها السلام ثم إنحنى يقبل وجنتها وعاد يقف ويتحدث بثبات :

– كبرتي يا نهى ،،، عاملة اية ؟

تنظر له بتعجب ،، ولزيادة التعجب فهى تبحث داخـ.لها عن مشاعر كره له ولم تجد ،، فدائماً كلما حاولت رمي اللوم عليه تجد والدتها تبرر ما فعله بل وتلقى باللوم عليها إن ربما أخطأت في حقه مثلما قال ،،، توترت ولفت نظرها لوالدتها التى تتابع بصمت بينما قلبها يعصف بقوة ،،، ليكن هذا الجزء هو المتسبب في حطامنا أحياناً ،،، هذا الأيسر يبدو مفتاح الوصول لنهايتنا في عدة أمور ،، احياناً ما يلقينا بقوة بعدما حلق بنا عالياً وليته يتوقف بعدها بل ويظل ينبض لمن أذاه .

تحدثت نهى بخجل وتعجب وهي تجاور عفاف :

– كويسة الحمدلله .

وأخيراً تحدثت عفاف بجمود زائف لم يصل إلى عيـ.نيها اللامعة وهى تشبك ذرا عيها أمام صـ.درها وكأنها تحتمي بهما أو تخفي مشاعرها خلفهما :

– خير يا ناصر بيه ؟ ،،، إيه سبب الزيارة العظيمة دي .

نظر لها بترقب ،،، إلى الآن عينيها تظهر ما تخفيه ،، يعلم أنها ما زالت تحبه ،، بل وعلى يقين أنها تنتظر منه كلمة أعتذار ،، ولكنه لم يأتى إلى هنا لذلك ، هو يراها مذنبةً مثله ، هو لم يظلمها بل هي من سعت خلفه دوماً .

فالحقيقة هو لا يعلم لما أتى ، شئ ما بداخـ.له جعله يأتى ليفعل ما نواه ،،، يمكن أن يكون ضميره الليلي ،،، أو كلمات زو جته مارلين التى تعد صوت ضميره ،، أو الخوف من العقاب المستقبلي لتقلبات الزمن ،،، لا يعلم لما أتى اليوم تحديداً ولكن هذا ما ساقته قدماه إليه .

أخرج يـ.ده من جيبه وكانت محملة بورقة مطوية ،، تنهد بقوة ثم مدها يناولها إياها وتحدث بثبات وخلو مشاعر :

– ده شيك بمبلغ كويس ،، كتبته بإسمك لإنى متأكد إن سامح هيرفضه ،، تقدري تسحبيه في أي وقت ،، حتى لو هتبلغيه إن الفلوس دي من أخواتك ،، حاولي تقنعيه يفتح مشروع خاص بيه ،،، ده غير إن فيه وديعة بإسم نهى .

تناولته منه بذهول وحالة من التيه سيطرت عليها ،، زفر وأخفض نظره لأبنته التى تقف تستمع فعاد يبتسم لها ويردف قبل أن يلتفت :

– خدى بالك من نفسك يا نهى ، وأهتمى بدروسك .

التفت بعدها قاصداً المغادرة ، ولكن نادته عفاف بصوت مهزوز وعيون لامعة ،، لم تحتمل ،، نعم تلعن ضعفها وليتها كانت شامخة قوية ذو كبرياء ولكن الأمر خارج عن إرادتها ،،، شعرت وكأن أحدهم ينتزع قلبها ،، وكأنه يودعهم ؟ ،،، هل سيعود إيطاليا أم ماذا ؟

التفت يطالعها ،،، إبتلع ريقه عندما لمح دموعها ،،، بدى مهزوزاً لثوانى قبل ان يستعيد ثباته ويميل برأسه متسائلاً دون حديث فقالت وهي على وشك البكاء :

– إنت هتسافر تانى ؟

لااا هو لن يغادر ،،، ولكن لما يشعر وكأنه يترك هذا البيت للمرة الأولي ،،، وكأن هناك طاقة جذب قوية ترغمه على العودة وتصليح الأخطاء ،، وكأن أحدهم يريد سحبه بقوة ليعود للوراء لسنوات ويتخد مساراً أخر .

زفر بقوة وتحدث بنبرة لينة وكأنه أراد أن يطمئنها ، أرادها أن لا تضعف أو لا تبكي ،، لذلك قال :

– لا مش هسافر لأي مكان ،، أنا هنا موجود ،،، لو أحتاجتوا حاجة بلغوني .

قالها واندفع يغادر فوراً ، يخالف كل الأصوات التى تأتى من داخـ.له ترغمه على التوقف ، تناديه من أعماقه أن هذا ليس ندم وأن عليه أن يندم .

أما هي فلم يريحها جوابه ،،، دب القلق داخـ.لها وحدث ما حدث ،،، هناك قبضة تعتصر قلبها مجدداً كحالها بعد الطلاق ،، ولكن كان هناك أمل ،، أما الآن فهى تشعر أن لا أمل في العودة ،،، ولا ذرة أمل .

❈-❈-❈

في اليوم التالى

تجلس مارلين في القصر تحتسي القهوة قبل أن يرن الهاتف لتقف وتتجه لموضعه وترفع سماعته متحدثة بترقب :

– الو ؟ .

جاءها صوت شقيقها يتحدث بجمود وكأن الأمر لا يعنيه قائلاً :

– والدك على مشارف الموت ، أخبرنا أنه يريد رؤيتك للمرة الأخيرة .

توقفت الدماء في عروقها ،، بل شل عقلها لثوانى ،،، تريد استنكار ذلك الخبر ورفضه ،،، نعم والدها مصاب بالشلل ولم تراه منذ سنوات ولكن يبقى حيٌ يرزق ،، يبقى موجود وإن كان بينهما أمد .

أطلقت العنان لدموعها التى تساقطت منذ اللحظة الذي نطق فيها جملته وتحدثت بحسرة :

– حسناً أخي ،، سآتى على الفور .

أغلق ميشيل وترك تلك التى تقف في حالة صدمة ،، والدها يحتضر ويطلب رؤيتها ،، هكذا هي الحياة ،،، نركض كالوحوش وندخر كل ما يأتى أمامنا وننسى أن نترك أثراً طيباً ،، سيرحل والدها من تلك الحياة ولن تراه مجدداً إلا بعد الموت ،،، شعور من الضعف أستحوذ عليها ،، ولكن كل ما نوته هو السفر في الحال .

رفعت سماعة الهاتف بيـ.دٍ مرتعشة وهى تطلب رقم زو جها ،،، أجاب ناصر يتحدث بترقب حيث كان يجلس خلف مكتبه :

– مين معايا ؟

تحدثت بصوت باكي وبلغتها :

– ناصر ،،، والدي يحتضر وعلي أن أذهب إلى إيطاليا في الحال .

صُدم ناصر وتنهد ثم أردف وهو يقف ويستعد للمغادرة :

– أنا جاي حالاً يا مارلين .

أغلق وأسرع على الفور ليراها ،،، يعلم حالتها الآن وما يمكن أن تعانيه ،،، حدثها باللغته لأنها تفهم عليه جيداً ،، حتى أنها تعلمت معانى معظم الكلمات وكيفية نطقها ولكنها تتمـ.سك بلغتها الايطالية .

❈-❈-❈

عودة للدار

تجلس السيدة لبنى كالعادة وحولها الصغار وتحمل تلك الحورية بين يديها ويلتف حولها الأطفال يتوددون إليها ،،، فجمالها وخصلاتها النارية تلك كأنها مغناطيس ذو قوة جذب شديدة يجذب كل من يراه ،، ولكن المقرب منها والذي أصبحت هي لا تفارقه وتعلقت به هو عمر ،،، هذا الذي ما إن أتت من بضعة أيام وقد تولى مسئولياتها ،،، ولم تمانع لبنى برغم صغر سنه ألا أنها دائماً تزرع فيهم أنهم هنا أخوة ،، جميعهم أخوة وعلى الأولاد حماية الفتيات مهما حدث ومع ذلك كان نظام البيت منقسم كشقتين ، جزء خاص بالبنات وجزءاً خاص بالأولاد فقط تجمعهما حديقة واحدة يومياً .

لذلك كان عمر الذي أصبح في الصف الأول الدراسي يهتم بها كثيراً ولم يقتصر الأمر عليه فقط بل على تلك الصغيرة .

باتت تلقى بنفسها عليه وتقهقه عالياً من أقل حركة يفعلها أمامها مما أشعره بالسعادة والفخر .

❈-❈-❈

في فيلا ناصر

تقف مارلين في غرفتها تحضر حقيبتها لتستعد للمغادرة بينما ناصر يتحدث بثبات :

– لااا مارلين ،،، لن أترككِ تذهبين إلى هناك بمفردك ،،، سوف نذهب ونعود سوياً .

نفضت قطعة الملابس من يـ.دها داخل الحقيبة ثم إلتفتت اليه تطالعه بترجي ودموع :

– أرجوك ناصر ،، لا تعارضنى ،، سوف أذهب بمفردي لأراه وأعود ،،، ولكن لن تأتى معي ،،، ستظل هنا مع صقر .

هز رأسه رافضاً ،،، كيف يتركها تذهب هناك بمفردها وهو يعلم جيداً كره ميشيل لها ،، يعلم جيداً دناءته ،،، يعلم غدره ،،، لذلك أردف بتأكيد وإصرار :

– لا لن يحدث ،،، سنذهب سوياً ونعود وصقر سيأتى معنا ،،، فمؤكد والدتك إشتاقت له .

قال هذا ليقنعها ،، ولكن هى في حالة تشتت قصوى ،، كيف ستجازف بذهاب طفلها إلى هناك بعدما فعلت المستحيل لتبعده ،، كيف سيمر هذا اللقاء ؟

إتجه يقف أمامها ويحاوط كتفيها بيـ.ده وتحدث مطمئناً :

– لا داعي للقلق ،،، سنأمن أنفسنا ،،، ولن يحدث شئ ،،، إطمئنى .

إرتمت بين ذرا، عيه تبكي ،، تبكى خوفاً وحزناً ،،، هناك شعور سئ ينتابها ،، تشعر أن تلك الرحلة لن تثمر خير أبداً ،، ولكنها مجبرة على التحرك ،، مجبرة على وداع والدها ورؤيته لآخر مرة .

❈-❈-❈

بعد يومين

وصل ناصر ومارلين وصقر إلى مطار مدينة بولونيا ومعهم إثنين من الحراس الذي استأجرهم ناصر لحمايتهم أثناء رحلته وليته لم يفعل .

إستقلوا سيارة أرسلها لهم ميشيل وغادروا إلى قصر العائلة .

وصلوا وترجلوا يدلفون القصر .

كان في أستقبالهم ميشيل يقف أعلى الدرج ويدخن سيجارته لغليظة مبتسماً يتحدث بترحاب زائف :

-مرحباً بأختى الغالية وطفلها ،،، كيف الحال ؟

تمسكت مارلين بيـ.د صغيرها بقوة ثم اتجهت ترحب بشقيقها ترحاب بارد أشبه بالصقيع بينما ميشيل عينه ثابتة على هذا الصغير ولاحظه ناصر فتحدث كي يلهيه عنه :

– أين السيد ديلير ،،، نريد ان نراه ونرحل سريعاً .

طالعه ميشيل بكره لم يستطع تخبأته ثم تحدث من بين أسنانه :

– إن أبي يحتضر أيها الغبي ، وهو من طلب رؤية شقيقتى وطفلها ،، إذا أردت فلترحل أنت .

زفر ناصر ونظر لمارلين التى بدى التوتر يظهر على ملامحها ثم تحدث بهدوء ليهدئ من توتر الأجواء :

– حسناً ،،، فقط دعنا نراه . ( بقلم آية العربي )

أدخـ.لهما هذا القاسي إلى جناح والده وركضت مارلين إليه تدنو منه وتعانقه بقوة وهو شبه واعي ولكن اشتم رائحتها فعلمها جيداً وقال بنبرة هامسة ومتقطعة من وسط آلامه المبرحة وسكرات الموت تحوم حوله :

– مار لي ن .

إرتفعت مارلين تنظر لوجـ.ه بدموع ومدت يـ.دها تمسح على ملامحه قائلة بنبرة منكسرة :

– أنا هنا أبي ،، أسترح الآن وسنتحدث ،،، فقط لا تجهد نفسك ،، إنظر من جاء معي .

قالتها وهى تمد يـ.دها لصقر ليتقدم وبالفعل ناولها يده وتقدم منها فحاوطت كتفه وقربته من والدها تردف بحنو من وسط دموعها :

– هذا صغيري أبي ،،، إنظر كيف اصبح رجلاً يافعاً ،،، بت أعتمد عليه في كل حياتى ،،، ولكنى أحتاجك أبي .

قالتها واجهشت في بكاء مرير ،، وكأنها تعمدت إيصال رسالة لمن يقفون يتابعون ،،، أشقائها وزو جاتهم وأولادهم ،،، العائلة تبدو في حالة سكون ،، لا أحد يبكى سواها ،،، لا أحد يظهر على ملامحه حزن ،، فقط صامتون ينتظرون موته.

تحدث ديلير بهمـ.س وأنفاس متفرقة وتلعثم :

– أهتمى به صغيرتي ،،، إهتمى به جيداً ،، فطفلك سيصبح ذو شئنٍ عظيم .

مالت تقبله ،،، تقبل وجنته وتمـ.سح على جبينه ،،، فجأة نظر للأعلى وتحولت أنظاره إلى نظرة مرعبة وكأنه يرى ما أفزعه ،،، ولكن لسانه عُقد فلا يستطع الحديث أبداً ،،، وما هي إلا دقائق معدودة وكانت الروح تغادر الجـ.سد أمام الجميع .

صرخت صرخة قوية قطعت أحبالها الصوتية فأسرع إليها ناصر يعانقها ويحاول إبعادها عن جــ.سد والدها التى التصقت به ولكن دون جدوى ،، ووقف صقر يستوعب ما يحدث حوله .

❈-❈-❈

في اليوم التالى صباحاً بدأت مراسم الجنازة والكل يستعد للذهاب للمقابر ،،، ارتدت مارلين الأسود وكذلك الجميع .

تحركت السيارات بينما تركت مارلين صغيرها في أمانة السيدة التى كانت ترعاها منذ الصغر إلى أن تعود من الجنازة .

بعد ساعة أو يزيد تقف تذرف الدموع وتتابع جـ.سد والدها وهم يوضعوه داخـ.ل المقبرة ،، وقفت لا تستوعب موته ،، وقفت تستند على زو جها لا تقدر على الوقوف .

إنتهى الدفن وبدأ الجميع يغادر .

ولكن الغريب في الأمر أنهم يغادرون بشكل سريع ومريب ،،، تعجبت ونظرت لزو جها ناصر الذي تعجب هو الآخر .

حاول الوصول إلى السيارة ولكنه لم يجدها ،،، نظر حوله فوجد رجلانه متسطحين أرضاً غارقين في دماءهم ،،،

ذهل ووقفت مارلين جاحظة العينين بصدمة مما تراه ، كان الجميع قد غادر ،، ظهر من العدم شقيقها ميشيل ورجاله يضحكون بشر .

إلتفتت برعب وصدمة واسرعت تحتمي في جسد زوجها الذي أدرك أن ميشيل لعب لعبةً قذرة عليه .

وقف ميشيل أمامه وتحدث بجمود ولا مبالاة:

– تقول الأسطورة القديمة لعائلتها ( لا يجب أن تأتى إلى مقابر الملوك وتعود ) ،، هل ظننت أننى تركتكَ ؟

هزت مارلين رأسها بهستيرية تتحدث برجاء ودموع حسرة وصدمة :

– لاااا ،، لاااا أخى أرجوك ،، أرجوك لا تفعلها ،، دعنا نرحل في سلام ،، اقسم لن نعود إلى هنا مجدداً ،، لن ترانا مرةً أخرى ،، سأعطيك كل ما تريد فقد دعنا نرحل .

إبتسم أبتسامة صفراء لم تصل لعينه وتحدث بجمود :

– لا مارلين ،،، أنا لا أريد رحيلكِ ،، أنا فقط أريد رحيله هو ،، وللأبد .

نظر في عين ناصر الذي يطالعه بكره وغضب وتحدث قائلاً :

– إطمئن عزيزي ،، سأعمل جاهداً على أن يصبح طفلك مثلي ،،، والآن ودع زوجتك .

علم ناصر أنها النهاية ،،، انزلق قلبه وهو ينتظر خروج الطلقة من منطلقها لتقتله ، الآن في هذه اللحظات فقط تمنى لو يعود ويطلب السماح مِن مَن كانت زو جته ، يطلب السماح من أطفاله ،، إبتعد عنهم بإرادته والآن سيبتعد عن طفله بالقوة والقتل .

لف نظره يطالع مارلين التى تصرخ في شقيقها بأن لا يفعل وتحمى جـ.سد زو جها معانقة له بقوة فأشار ميشيل لرجلين أن يحضراها وبالفعل أسرعا ينتزعاها من بين ذرا ع زو جها بينما صوب ميشيل سلاحه على ناصر يطالعه بعيون جليدية ليطلق عليه ويقتله بدمٍ بارد ،، بطلقة نارية غادرة استهدفت منتصف صـدره فسقط مرتداً على الفور غارقاً في دماؤه .

حجظت عينيها وهي ترى الدماء تندفع من جـ.سد زو جها ، منذ قليل دفنت والدها والآن خسرت زوجها ؟

صرخت صرخة قضت على أحبالها الصوتية حقاً تلك المرة ووقفت من بعدها كأنها في حالة من اللاوعي ،، وهذا ما يلجأ له العقل البشري عندى تلقى صدمة قوية فأنه يختبئ خلف قناع مستنكراً المكان والزمان والأشخاص وكأنه في كابوس وليس واقع ،، فقط يعتقد أنه سيستيقظ ،، وهذا ما حدث معها .

أشار ميشيل لرجاله أن يقوموا بدفنه في الحال في الحفرة التى اعدها له مسبقاً بينما إتجه لشقيقته التى سكنت تماماً ألا عيـ.نيها المنكبة على جـ.سد زوجها تطالعه فقط دون أي رد فعل .

مد يـ.ده يرفع وجــ.هها اليه وتحدث بقسوة :

– من الآن وصاعداً إنت وطفلك تحت رحمتى ،، من الآن سأربي طفلكِ أنا وسأعمل على أن يكون كما لم تريديه يوماً ، سيكون شيطاناً مثلي ، أولم يكن هذا لقلبكِ لي ، حسناً لنرى .

نزع يـ.ده فتدلى وجــ.هها ،، بل وخر جـ.سدها من بين يـ.دي الرجلين وفقدت وعيها في الحال ،، فتلك الأحداث كثيرة جداً على عقلها .

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ثري العشق والقسوة)

اترك رد

error: Content is protected !!