روايات

رواية صفقة حب الفصل الثامن 8 بقلم شيماء جوهر

رواية صفقة حب الفصل الثامن 8 بقلم شيماء جوهر

رواية صفقة حب البارت الثامن

رواية صفقة حب الجزء الثامن

صفقة حب
صفقة حب

رواية صفقة حب الحلقة الثامنة

“تمرد أم ماذا ؟”

أطمئنت سلمى على والدها بأعطاءه الدواء، والإشراف على غذاءه .. أستقلت سيارتها متجهة إلى الكلية .
قادت بغيظ وهي تتذكر مكالمة نور لها، ورأت أن التصرف الذي بدر منها سليم، نظير ما فعله في الحفل .. كنوع من العقاب، ولكن لا تدري أي نوع من أنواع العقاب، ما شأنها حول عدم مجيئه أو حضوره بوجه عام، فهي دائماً على خلاف معه، ولكن شيئاً ما بداخلها جعلها تشعر بذلك .

كانت نائمة وأستيقظت على رنين هاتفها .. مدت يداها على الكومود بحثاً عن الهاتف، ردت فآتاها صوت نور
– إيه يابنتي صحي النوم كل ده الضهر هيأذن
ردت بصوت نائم :
– ليه الساعة كام دلوقتي ؟
أجابت نور باستعجال :
– الساعة 12 يا هانم قومي يا بت ورانا محاضرات
أعتدلت سلمى جلستها وهي تقول :
– طيب طيب قايمة خلاص
قالت نور بتلقائية :
– ألا صحيح طارق جاي دلوقتي
قضبت سلمى حاجبيها بدهشة وتساؤل :
– جاي فين ؟
ردت نور سريعاً :
– ركزي يا حاجة جايلك يعني .. يطمن على أنكل هاشم ويعذر عن عدم الحضور
زفرت سلمى بعدم إهتمام :
– طيب يعني ما يجي وأنا هعمله إيه، مش بردو عشان العربية عطلت وكده
لم تستطع نور كبت ضحكتها وهي تقول بخبث :
– ههههههه أصلك متعرفيش إللي فيها يا بنتي
قضبت سلمى حاجبيها بإهتمام شديد :
– حصل إيه ؟!!
أجابت نور بحذر :
– من الآخر كدة طارق كان بيحاول يزوغ من الحفلة علشان متتقبلوش

 

 

 

صاحت سلمى بها بضيق :
– نعم !! بقى كده هو أنا مسكاله العصاية ! .. ومين قالك إني كنت عايزة أشوفه أصلاً
ردت نور بإبتسامة خبيثة :
– اممممم عليا بردو ده أنتِ عينك مبطلتش تدوير
شعرت سلمى بالإحراج، لم تكن تعلم بوجود من يراقبها، أو معرفة ما يتوق به عيناها، فردت سريعاً متنحنحة كي تنفي كﻻمها :
– احم بطلي هبل ها
شعرت نور بإحراجها، فضحكت وهي تستكمل الحديث :
– ههههه طيب مكنش عايز يروح، مش كفاية إللي بيحصل في الشركة بهدل نفسه زي ماشوفتي .. قال يعني إنه كان بيصلح العربية
ردت سلمى بعد تفكيرها في حديث نور، بنبرة وعيد :
– اها قاصد يعني .. طيب
قلقت نور من نبرتها ألا يعرف طارق ما حدث، فخفضت نبرتها وردت بحذر :
– بقولك إيه متقوليش لحد إني قلتلك محدش يعرف الموضوع ده حتى بابا وماما
عكس ما توقعت سلمى، فتسائلت بإهتمام وفضول :
– اومال أنتِ عرفتي ازاي ؟؟
تنحنحت نور وقالت مداعبة :
– احم مصادري الخاصة يا بنتي
ضحكت سلمى وقالت بمرح :
– ههههه يا جامد أنت طيب متقلقيش
تنهدت نور وهي تنهض وأردفت :
– طيب قومي اجهزي قبل ما يجي هو ف السكة ناو
نهضت سلمى هي الأخرى وهمت بإنهاء المكالمة :
– اوك يلا سلام نتقابل في الكلية
أنهت نور باسمة :
– سلااام

أغلقت سلمى بغضب وهي تقول في سرها بتوعد “أما وريتك يا طارق …”

******************

صعق إيهاب من قرار طارق، كان متوقع خطبتها ولكن الخبر مفاجئ بالنسبة له .. نظر له طارق وأكمل بجدية
– اها زي ما سمعت المفروض كفاية كده نعرف بعض من أولى كلية
تطلع إليه إيهاب وأردف بتأكيد :
– طارق أنت بجد متأكد من مشاعرك ناحيتها ؟
رد طارق بثقة :
– أكيد طبعاً
حاول إيهاب جس نبضه قائلاً :
– طب وهي ؟ ..

 

 

 

أجاب بنفس الثقة :
– بتحبني كمان زي ما بحبها
إندهش إيهاب من هذا القرار المفاجئ، فقال بإهتمام :
– اشمعني يعني الخطوة دي دلوقتي ؟
تنهد طارق بأريحة وهو يعود بظهره إلى الخلف، هو ذاته لا يعرف .. أو بالفعل يعرف ولكن ينكر، كأنه يشعر بالهزيمة عندما علم بزواجها، كأن شيئاً ما كاد أن يتكون وتحطم واختفى فجأة، لا يعلم حقاً فهناك أشياء كثيرة مبهمة بداخله تحتاج لترتيب، فأخبر إيهاب بالجزء الظاهر فقط من الحقيقة، أو بمعنى أصح شبه الحقيقة:
– المفروض كنت هاخد الخطوة دي من زمان، بس زي ما أنت شايف كل مرة يطلع حاجة تبوظ الموضوع
ﻻ يعرف إيهاب أن كام ما يشعر به صحيح أم ﻻ، ولكن في نهاية الأمر القرار يعود له، فربت على منكبه قائلاً :
– على العموم ربنا يعمل إللي فيه الخير
نظر له طارق ورد ساهما :
– ونعم بالله عندك حق
حاول إيهاب إنهاء الحوار سريعاً فقال :
– طيب يلا روح على الشركة عشان متتأخرش أكتر من كده
نهض طارق وهو يفكر في قراره :
– ماشي يلا سلام .. نتكلم بعدين
إبتسم إيهاب ولوح له بتفكير وشرود هو الآخر:
– اوك سلام

تركه طارق وذهب إلى الشركة، طوال الطريق يفكر في قراره ملياً .. ﻻ يعرف ما أتخذه من قرار صحيح أم ﻻ، أوقات يشعر بأنه الحل المناسب وأنهم في نهاية المطاف أقدارهم سوف تجمعهم سوياً .. وأوقات يشعر بأنها ﻻ تشعر به وﻻ تشبهه في تفكيره حتى .. وفي نفس الوقت يشعر بأن هذا القرار ليس نابعاً من صميم فؤاده، بل يوجد شئ خفي بداخله يجبره على فعل ذلك ولا يعرف حتى الآن ما هو .

 

 

 

 

******************

على الرغم من مكوث هاشم في المنزل وعدم عودته للشركة بعد .. ألا أنه بدأ يعمل في مكتبه، بمراجعة بعض الأوراق القديمة قبل دخوله المشفى .
دخل يوسف وتعجب مما رأ، ثم ارتسم على ثغره بسمة صغيرة، فمن لديه عادة من الصعب إيقافها، والعمل بالنسبة له عبادة .
أقبل عليه يوسف قائلاً :
– مش كفاية شغل يا بابا صحتك يا حبيبي .. يلا قوم أرتاح شوية
رد هاشم دون النظر إليه :
– هخلص الورقتين الأول إللي في أيدي دول
جلس يوسف على المقعد قبله، وهو يتمعن فيه باسما .. ﻻحظ هاشم بمراقبته فتطلع إليه بعدما ترك الأوراق والقلم من يداه قائلاً بتعجب :
– مالك بتبصلي كده ليه ؟
أجاب يوسف وهو مازال محتفظا ببسمته :
– مفيش فايدة عارف إنك بتحب شغلك أد ايه .. عرفت دلوقتي سلمى طالعة لمين
ضحك هاشم وهو يقول :
– ههههههه عارف إن سلمى بتحب شغلها ومعندهاش هزار في الموضوع ده
رد يوسف بنفس البسمة :
– طبعاً من شابه أباه فما ظلم
ضربه هاشم على يداه بخفة ومداعبة وهو يقول :
– بس يا ولد ركز أنت في المصنع بس
ﻻحظ يوسف من بين مداعبة أبيه وإبتسامته، كأنه يخفي شيئاً، قطب حاجبيه في تساؤل :
– ﻻ من الناحية دي متقلقش .. مالك يا بابا شكلك مضايق ليه ؟
تنهد هاشم بعمق وهو يقول بتفكير :
– اختك يا سيدي مش عارف أعمل فيها إيه
نظر له بإهتمام وهو يقول بقلق :
– ليه إيه إللي حصل ؟
زفر هاشم ورد بتعجب :
– طارق كان هنا الصبح يطمن عليا وقابلته مقابلة وحشة، مشي وهو مضايق، ليه بتعمل كده ؟
تنهد يوسف بأريحة بأن شقيقته بخير، ثم ضحك على كلام أبيه .. فقد تذكر ما يحدث بينهم بمجرد هذه الجملة، فقال :
– هههههههه مفيش فايدة بردو زي القط والفار
نظر له هاشم وتسائل بعدم فهم :
– قصدك إيه ؟
أردف يوسف قائلاً :
– أصلهم على طول معاملتهم مع بعض جافة ومرخمين على بعض، بس شغلهم مبيتأثرش بالكلام ده زي ما حضرتك شوفت
هتف هاشم بحزن :
– يا خبر ليه كده ؟
أردف يوسف بتفكير :
– أنا عن نفسي مش عارف إيه سبب المعاملة دي لبعض، بس بصراحة بيفصلوني ضحك
ضحك هاشم هو الأخر ليقول :
– ههههههه عشان كده المعاملة لما قابلته ربنا يصلح الحال

 

 

 

تنهد يوسف بأريحة وقال :
– آمين
تنهد ثم نظر له مجدداً:
– اومال هي راحت فين دلوقتي ؟
رد يوسف سريعاً:
– خرجت من حبة وكانت مستعجلة جداً .. يا أما راحت تشوف محاضراتها إللي بسبب الشغل مبقتش بتحضرها أصلا ً يا طلعت على الشركة

********************

بعد الإنتهاء من المحاضرات توجهت نور وسلمى إلى الشركة، لم تكن نور لتعرف أن ما قصته سوف يزعجها بهذا الشكل، ظنت أنها سوف تتجاهل الأمر وتتغاضى عنه .فقد قصت لها سلمى ما حدث بينها وبين طارق بكل غضب وإنفعال .. وتحاول نور تخيل المشهد وتضحك .
– ههههههههه مش قادرة أمسك نفسي
رمقتها سلمى نظرتها الحارقة، فصاحت بها بغضب :
– بس بقى الله مش كفاية هو .. شوفتي بيبصلي أزاي
مازالت نور تضحك فردت سريعاً :
– اومال مستنية رد فعله إيه بعد إللي عملتيه ! كأنك بطفشيه بالذوق
صاحت سلمى بإنفعال :
– أستفزني إللي عمله .. أعمل إيه يعني .. ثم ما أنتِ عارفة إنه رخم
إبتسمت نور وقالت بحب :
– شكلك متعرفوش كويس، هو اها بيحب يغلس بس طيب وحنين أوي
هدئت سلمى من روعها قليلاً ثم ردت بهدوء وﻻمبالاه وهي عاقدة أصابعها، تهتز بمقعدها يميناً ويسارا :
– وأنا مالي هو أنا هناسبه .. عموماً هانت
رفعت نور إحدى حاجبيها وهي تردف بدهشة :
– هو أنتوا بتاخدوا بعض بالجزم وأنتوا بتشتغلوا ؟! .. والله لو ضراير مش هتعملوا كده
ردت سلمى بجدية :
– هو إللي بيستفزني بكلامه وفي الآخر بيزعل، إللي بيني وبينه شغل والمرة الجاية على دماغه
تنهدت نور بأريحة ثم نظرت إليها وقالت بمداعبة :
– هييييح يا عالم بكرة مخبي إيه
إبتسمت سلمى وقالت :
– فكرتيني يوسف بعتلك السلام
توترت نور بمجرد سماع أسمه، فقامت على الفور وهي تردف مسرعة :
– عليه السلام، أنا يدوب أروح بقى مكتبي عشان الشغل وكده
تفهمت سلمى إحراجها، فضحكت بشدة على حالها وهي تقول :
– ههههههه ماشي يا نور نتكلم بليل أو بعد ما تخلصي
ردت نور وهي تسير :
– اوك سلام

خرجت نور وهي تدعي بأن ما حدث مر على ما يرام، وشكت بأن سلمى ﻻحظت إرتباكها ولكن تغاضت عن الأمر .. عادت لمكتبها وبدأت بالعمل تنشغل به تدريجياً .

********************

 

 

 

 

قبل أن يغادر طارق الكلية حاول الإتصال بسارة، كي يراها قبل أن يذهب .. ولكن وجد هاتفها مشغول أو غير متاح حالياً .
أتجه إلى الشركة سريعاً كي يخبر والده بقراره .. عند وصوله كان التردد يملئه، تشجع وقرع على الباب .
دخل بعدما سمع الأذن بالدخول .. وجد محمود منشغل بمكالمة هاتفية، أشار له بمعنى الجلوس، جلس قبله وأنتظره حتى ينتهي من مكالمته .
تنحنح طارق كي يبدأ الحوار :
– رفع محمود عيناه وقال بجدية :
– أهلاً يا طارق جاي متأخر النهارده يعني
رد بهدوء :
– أبداً خلصت مشواري وجيت على طول
أردف محمود بإهتمام :
– تمام وإيه الأخبار ؟
رد طارق بضيق خفي :
– ﻻ تمام
نظر له محمود بتمعن، فهو يعرف ما وراء تلك النبرة الهادئة، فقال :
– ها خير شكلك بيقول في حاجة
رد طارق بتردد :
– بصراحة اها
عقد محمود يداه أمامه وهو يقول بإهتمام :
– اممممم سامعك
أبتلغ غصته وقال سريعاً قبل أن يرجع عن قراره :
– من الآخر كده أنا عايز أخطب
إندهش محمود من طلبه، فأردف سريعاً في تساؤل وإهتمام :
– نعم !! تخطب مين ؟
أجاب طارق سريعاً بثقة :
– سارة ….
أتسعت عيناه بدهشة أكثر .. ثم صاح به قائلاً :
– أنت بتهزر !!
رد طارق بضيق :
– ليه بس يا بابا فيها إيه يعني
زفر محمود بنفاذ صبر وحاول أن يكون هادئاً .. فقال بتماسك :
– يا ابني يا حبيبي نسيت اللي عملته معاك زمان ؟! دي كانت هتوديك القسم، دي شلق.. هي دي إللي عايزها تكون شريكة حياتك ؟! هتدخلك في مشاكل ثم دي مش زي تفكيرك من أساسه

 

 

 

حاول طارق التمسك بقراره، فرد بجدية :
– الموضوع ده قديم وسارة بقت كويسة زي ما حضرتك شايف
رجع محمود بظهره إلى الخلف وهو يتنهد بقوة حيرة من أمره، فحاول أستكشاف ما بداخله قائلاً :
– يعني أنت مصمم ؟
شعر طارق بعدم موافقة والده، فنظر له ورد بجدية :
– حضرتك على إعتراض في إيه .. هي ولا المبدأ ؟
رد محمود بضيق :
– هي طبعاً .. هيييح شوف أعمل إللي يريحك بس مترجعش تندم في الآخر، أنت كبرت والمفروض تتحمل مسئولية شوية مع إن بنت إبراهيم صاحبي أحسن منها بكتير
نهض طارق بعدما إنزعج من حديثه :
– ماشي يا بابا عن أذنك
تحرك وقبل أن يصل إلى الباب أوقفه صوت محمود محذراً، فألتفت إليه وهو يقول :
– عشان يكون في علمك، جوازك منها مش هيكمل

لم يرد عليه وأكمل طريقه للخارج، كان يعلم محمود بعدم رده .. فقد كان على قصد من قول هذه الجملة كي يفكر ملياً، فمن الممكن أن يختار الطريق الصحيح ويعود عن قراره .

*******************

تتابع العمل في اندماج شديد، حتى قطع تركيزها صوت قرعات الباب، توقعت الطارق إما نور عادت من جديد أو يوسف الذي يمر عليها كالعادة بين الحين والأخر، وليس بكل تأكيد طارق، فلا يحضر إلا بميعاد سابق، خاصةً بعد الفصل المحرج الذي وقع به منذ قليل .
سمحت بالدخول دون أن ترفع رأسها وهي تكمل عملها .. نظرها لها باسماً ثم جلس في المقعد المقابل لها وقال بنوع من المرح:
– أحبك وأنت مركز يا جميل
تصنمت سلمى لدقيقة عندما سمعت الصوت، تحاول تمييزه جيداً وتصدق بأنه هنا بالفعل، رفعت رأسها وتفاجئت به بالفعل بابتسامته التي لم تراها منذ فترة طويلة وهي لا تزال متعجبة .
تركت القلم من يداها وعقدت أصابعها وهي تنظر إليه بجديتها المعتادة، وهي مقررة منذ أمس أن لا تمر أتفاقهم بسلام، حاولت أن تصطنع الموافقة نوعاً ما أمام اخيها وصديقتها، ولكن المواجهة الحقيقية تكون أمامه، فقطعت الصمت بلهجة حادة:
– جاي هنا ليه ؟
رفع حاجبه بدهشة واستنكار من رد فعلها، وتذكر الحوار الدائر بينه وبين صلاح قبل أن يقرر الذهاب إليها وهو متردد من رد فعلها، فحاول تثبيتها كالعادة ما يفعل ويفشل في النهاية :
– بقى دي مقابلة تقابلهالي بعد ما قطعت كل المشوار ده عشان أشوفك .. مفيش وحشتني .. ازيك .. أي حاجة كده
زفرت سلمى بقوة وعلى وجهها لا توجد أي مشاعر على الإطلاق، فردت بنفس الطريقة:
– واحنا من أمتى بقى كان في بينا الكلام ده إن شاء الله .. أنجز يا عاصم ورايا شغل .. عايز إيه
شعر بالضيق الشديد من رد فعلها المعتاد، والذي زاد هذه المرة، لم يتحمل وهو لا يعرف السبب .. فهو ما يدركه في الوقت الحال إن ما يخشاه قد يحدث الآن .. فتعالت نبرة صوته بخشونة وضيق شديد:
– في إيه يا سلمى .. مالك بتكلميني كده ليه .. ناسية إني خطيبك ومن حقي أجيلك أشوفك في أي وقت ؟!
شعرت بالضيق أكثر، لترد منفعلة :
– لا مش ناسية .. بس سيادتك نسيت إن ده مكان شغل وبس، مش مكان تيجي وتقابل فيه خطيبتك .. وجودك هنا في مكتبي يبقى له علاقة بالشغل وبس مصلحة بينا وبس .. إنما تيجي تضيع وقتي والكلام الفاضي ده لا أنا مش هسمح
اتسعت عيناه دهشة وغرابة ولم يصدق ما سمعه منها للتو، لقد تغيرت كثيرا ً وانقلب حالها رأسا ً على عقب، زفر وصاح بها بحنق:
– ممكن أعرف سبب تحولك الفظيع ده إيه؟

 

 

 

اقتربت بمقعدها نحوه أكثر وهي شابكة أصابع يداها، لتنظر له وتجيب بجدية:
– أنا متغيرتش ولا أتحولت يا عاصم .. أسأل نفسك أنت السؤال ده، أنت إللي أتحولت ل180 درجة من ساعة ما بابا رجع لوعيه مش أنا
نظر لها ولا يعرف ماذا يقول، لم يجد الرد المناسب لأنه يعلم بأنها محقة، ولكن الكبر سيطر عليه ليجعله ينفي ذلك:
– أنت ِ إللي مكنتيش عطيالي فرصة أقرب منك يا سلمى، ومكنتيش شايفة كل ده
ضحكت بعدما سمعت كلامه وبسخرية أردفت :
– نعم!! مين معلش إللي بيحاول يقرب لمؤاخذة مسمعتش كويس !! .. ده إللي هو أنا يعني ؟! .. عاصم أنت مصدق نفسك بجد!! مستوعب إللي بتقوله؟!! .. ولا عايز تلبسني بأي غلطة والسلام وأبقى أنا الوحشة وأنت الملاك البريء إللي مبيغلطش
سلمى قوية .. نعم أصبحت قوية بالفعل .. لم تخشى منه كما كانت تفعل من قبل، بل لا تبالي به على الإطلاق والعتاب أصبح على الملأ، لم يستطع الإنتصار عليها هنا ولا حتى الرد عليها … فحاول الرد عليها بإفراغ الغضب والضيق عليها:
– لا مقولتش إني ملاك بس أنت ِ كل اهتمامك بالشركة وبس
نظرت له بمكر ثم تبسمت وهي تقول بهمس:
– مش الشركة دي إللي اتهمتني بالتقصير والإهمال فيها ؟ .. حولتها دلوقتي لإهتمامي !!
زاد حنقه وغضبه منها، تتذكر كل كلمة وكل تصرف يصدر منه، كأنها وحدة للذكريات المخزنة، لم يستطع أن يكسبها أو يضعفها بكلمة، ترد على طل كلمة بتقرير وتتجادل معه بكل صراحة .. فصاح بها:
– مش معقول بجد .. أنت ِ خنيقة مكنتيش كده قبل كده
طرقت على سطح المكتب بضيق ثم نهضت ولكن ردت بهدوء ونبرة صارمة:
– تعرف ليه يا عاصم .. عشان كنت هبلة .. كنت بفوت مرة واتنين وتلاتة .. وأقول معلش يا سلمى أتحملي عشان خاطر الشركة وأبوك ِ، مهما كان ده خطيبك .. لكن رصيدك بيخلص وبينتهي .. وأنا مقصرتش، عطيتك فرصة مرة واتنين وعشرة .. وأنت بتستغل إني بفوت وأسامح وبتزيد في إللي بتعمله .. وكل مرة بدوس على قلبي ومشاعري ولا تعملي أي إعتبار .. فلحد هنا وكفاية أوي يا عاصم
حاول عاصم السيطرة على الوضع بأي شكل من الأشكال .. يشعر بنبرتها إلانسحاب أو إلانفصال منه:
– سلمى حبيبتي .. أنتِ عارفة كويسة أنا بحبك أد إيه .. إديني فرصة وأنا هثبتلك مدى تمسكي وحبي ليكِ
رنت إليه فترة تحاول أن تحلل كلامه، نبرته صوته وتعبيرات وجهه، فلم تجد بهما أي صدق .. تشعر بأنها تسير في تيار معاكس، اضطرت ان لا تساير عقلها وتعطيه أخر فرصة له، فقريباً سوف يكون زوجها.
قطعت الصمت الذي دام بينهم قرابة عدة دقائق، والذي كان عاصم آنذاك الوقت يتحرى شوقاً لسماع ردها:
– لا والله محصليش الشرف إني أعرف .. شوف، مش قادرة أتكلم دلوقتي ودماغي مش فيا .. ربنا يعمل إللي فيه الخير
عاصم نهض ورد بعدم فهم:
– يعني إيه؟
ردت سلمى بجمود:
– يعني أتفضل دلوقتي يا عاصم .. أخدت وقتك وزيادة كمان .. متعطلنيش أكتر من كده

 

 

 

 

نظر لها قليلاً ثم غادر وكل الغضب والانفعال الزائد مرسوم على وجهه، لم تكن هي خطيبته التي يعرفها، لم تكن هي على الإطلاق، ولم يفهم ردها ماذا كان قبول أم رفض .
فشعورها الآن يختلف، فقد افضت ما بداخلها .. راحة داخلية عميقة للغاية تغمر حالتها النفسية .. هكذا أفضل بكثير لها وله، أغمضت عيناها والبسمة تزين ثغرها.
دخلت نور مكتبها وهو خارج ورأت حالته العصبية التي لم يلاحظ مرورها بجانبه، رفعت حاجبها بدهشة فلأول مرة تراه بهذا الشكل .. ما الذي جرا بينهما يا ترى ..
دخلت على الفور ووجدت سلمى جالسة خلف مكتبها في هدوء شديد على عكس ما كانت تتوقع .. جلست أمامها والدهشة تملئ وجهها وتساؤلات كثيرة تدور في عقلها، سندت على المكتب لتقول بدهشة :
– لا بقى ما أنا لازم أفهم .. متسبنيش كده
ابتسمت سلمى ورفعت رأسها قائلة:
– مالك بس يا قلبي .. داخلة حامية كده ليه
صاحت بها بنفس النبرة:
– ماله عاصم خارج ضارب في وشه كده
تنهدت سلمى وشردت بحزن:
– قلتله إللي المفروض يتقال من زمان .. فطبيعي يخرج بالحالة دي
لاحظت سلمى بأنشغال نور بهاتفها، فنظرت لها بفضول:
– بتكلمي مين بتركيز كده؟
أجابت دون النظر إليها:
– ده طارق .. متتخيليش مفقوع منك أد إيه

شردت قليلاً واختفت البسمة من وجهها وشعرت بالضيق ..

يتبع ..

اترك رد

error: Content is protected !!