روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الواحد و الخمسون 51 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الواحد و الخمسون 51 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الواحد و الخمسون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الواحد و الخمسون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الواحدة و الخمسون

~… اتصال صادم …~
وتكن أمامنا حلول الخلاص .. وتصعب علينا خطوات التنفيذ خوفا من الآت.
ثارت ثائرة جيهان عندما سمعت من سمر تلك الحقائق والأسرار ، ورغم أن الأمر لا يُعنيها من بعيد أو قريب ولكن غضبت بشراسة….كأنها أصبحت لا تطيق أن ترى امرأة مقهورة ومجبورة على وضعها … وحملقت فيها سمر بعينان حائرتان يملأهما تراجع يخبئ خلفه خوفاً شديد.
أن كان ذلك الرجل المخادع تزوجها لأجل أن تكن واجهة اجتماعية ليس أكثر، وزواجه ينفي عنه بعض الأقاويل فإذن لن يتركها بتلك البساطة تهدده بالأنفصال والفضيحة المحتملة !
قالت وهي تنظر لجيهان بخوفاً شديد:
_ أنا متوقعة منه أي شيء ، مش هيسبني في حالي صدقيني !
اشتد غضب جيهان تحت تراجع سمر المخزي هذا ! …. وهتفت بها بعصبية :
_ مستنية إيه ؟! … مستنية يضربك ويأذيكي أكتر من كده ويا عالم آذاه هيوصل لحد فين ؟! ….. اللي زي ده ممكن يعمل أي شيء عشان يعوض احساس النقص اللي عنده …. قومي حضري نفسك مافيش وقت…. وأنا اوعدك أني هوقفه عند حده ومش هيقربلك تاني.
نظرت سمر لها وتوسمت فيها الخير والأمل … وبعدها نهضت وتوجهت لغرفتها لتستعد للرحيل من هذا الجحيم.

 

*******
وبالمشفى … حيث الغرف الذي ينتصر اللون الأزرق النيلي فيها ….
دلفت ليلى لغرفة أبيها بأشتياق رؤيته … وقابلها جدها “صادق” بوجه بشوش مسرور برؤيتها …. ف سرت برؤيته وقالت :
_ وحشتني يا جدي …. من يوم كتب كتابي أنا ووجيه ما شوفتكش ! …..
ربت الجد على ذراعها بلطف وقال :
_ كنت بسافر للبلد كل يومين عشان أشوف الحال هناك … أنتي عاملة إيه يا ليلى طمنيني عليكي …. هو فين الدكتور وجيه ؟
أجابت بعد تنهيدة وتعابير وجه عابسة تحمل همًا كبير :
_ كان جاي معايا هنا بس طلبوه ضروري في العناية ….
لاحظ الجد أن ليلى ليست بحالة أفضل كما كان يظن ويتمنى ! …. فسأل باهتمام وقلق :
_ مالك يابنتي ؟ …. باين عليكي حزينة !
التمعت عين ليلى بالدموع وقالت بصدق :
_ حاسة بالذنب يا جدي … أبويا في المستشفى وفي غيبوبة وأنا رايحة اتجوز ! …. كل ما أفرح الاقي حاجة جوايا بتلومني !
ده غير قلقي وخوفي عليه في كل لحظة.
تنهد وتسحبت عينيه لإبنه الراقد في غفوةً لا يعلم موعد انتهائها …. ثم عاد بنظرته لليلى في ثبات وقال :
_ بتمنى من ربنا أنه يقوم بالسلامة عشان يأكدلك أن اللي عملتيه هو الصح ، أنا سايبك مع جوزك ومرتاح بالي أنك في ضل راجل بيحبك وهيصونك وهيحميكي من الدنيا بحالها … جوازك من وجيه رغم الظروف اللي احنا فيها هو أكتر قرار صح خدته في حياتي … مش بقولك أنسي ابوكي أو ما تخافيش عليه ، بس ماتمنعيش نفسك تفرحي مع اللي استناكي سنين ضاعت من عمره عشانك.
ومسح عينيها من الدموع بابتسامة ليطمئنها وتابع :
_ ما تلوميش نفسك يابنتي أنتي ما عملتيش شيء غلط ولا حرام … أنا بقولك اطمني … أن شالله حتى تعتبريني أجبرتك أنك تتجوزي وتجيبي الذنب عندي … ده لو هنعتبره ذنب يعني !
ورقت عين ليلى الدامعة وهي تنظر لجدها بمحبة … ثم ضمها وهو يقول والأمل دب في نبرته فجأة عندما قال:
_ طب تعرفي … أنا كل يوم بقعد اتكلم مع ابوكي واعيد وأزيد واكد أنك خلاص اتجوزتي د.وجيه …. من كام يوم كده وأنا بكلمه حسيت وكأنه ابتسم ! … مش عارف أنا وهمت نفسي ولا ده حصل فعلًا …. بس قلبي حس أنه سامعني وفرحان عشانك واطمن عليكي …. ده أكتر خبر هو محتاج يسمعه دلوقتي .
اطمئنت ليلى بحديث جدها وتمنت أن يكن ما رآه حقيقة ليس وهما ينسجه ما يتمناه وأمله … وأن يكن والدها بالفعل يدرك ما حدث وسعيد لأجلها ….
وبتلك اللحظة فُتح باب الغرفة ودخل وجيه بابتسامة هادئة وقال لكلاهما :
_ هما الدكاترة عملوها وقالولكم قبل ما أقولكم ولا إيه ؟
اتجها كلًا من ليلى وجدها إليه في غرابة … وقالت ليلى له باستفسار:
_ تقصد إيه ؟!
رحب وجيه بالجد أولًا ثم التفت لليلى قائلًا بابتسامته :
_ الدكاترة طمنوني النهاردة كمان أن حالته بتتحسن عكس المتوقع …. من وقت ما جه هنا وكانت حالته ميؤس منها …. لكن مش دايمًا الحالة بتستمر كده …. بيحصل تحسن أو العكس … والحمد لله في تحسن ونسبته بتزيد ….
ابتسمت ليلى بتنهيدة ملئية بالراحة والحمد … ورغب وجيه لو يأخذها إليه في ضمة قوية ولكن مع وجود جدها فالأمر سيبدو محرجا لكلاهما ….
وتوجه الجد صادق لأبنه مقبلًا جبينه بقوة وتمتم بالدعوات ….

 

وأضاف وجيه بجدية :
_ زي ما اتفقنا يا ليلى …. د. مروة منتظراكي عشان بداية العلاج …. هي هتتفق معاكي على أيام معينة تحضري فيها هنا .
للحظة لم تدري ليلى عن ما يقوله وجيه ، حين تذكرت ذلك البرنامج العلاجي المخطط له من قبل الزفاف حتى …. فقالت بتوتر وببعض الضيق الذي عاد إليها:
_ قلقانة أوي يا وجيه … مجرد ما بشوف دكتور نفسي بتوتر وبحس أن نفسيتي بتتعب أكتر…!
ربت وجيه على كتفيها برفق وقال داعمًا :
_ البرنامج العلاجي مش هيكون دايمًا في المستشفى … يعني مثلًا هتخرحوا تتمشوا وتتكلموا في أي مكان تحبوا تقعدوا فيه … بس اكيد هكون عارفه وعارف خط سيركم كله … أنا عارف أنك مش بتحبي المستشفيات .
كانت خطة العلاج تبدو لبست بهذا السوء التي ظنته … فراقها أن تخرج مع طبيبتها النفسية خارج المشفى ويتحدثن على انفراد … وترك هذا الأنطباع اثرًا مريحا على وجهها …. فقال :
_ تعالي معايا … هي مستنياكي في مكتبي.
واستئذن الاثنان من الجد وانصرفا في خطواتٍ هادئة … وبخارج الغرفة ضم وجيه يدها براحة يده مع نظرة محبة من عينيه حتى دخلا لمكتبه الخاص.
وتجولت نظرة ليلى بالمكتب الفارغ تمامًا من أي مخلوق سواهما … فاستدارت له متساءلة حتى وجدته يغلق الباب جيدًا ويستدير إليها مبتسما … وقال بمرح :
_ د.مروة على وصول …. لسه مجتش.
أخفت ابتسامتها من تلاعبه وقالت متظاهرة بالجدية :
_ يعني كدبت عليا !
التمع بعينيه المكر وأجاب بابتسامته التي تجعلها ترتبك بشدة :
_ مش بالضبط … بس أنا بستغل أي وقت ينفع أخطفك فيه شوية …
واتسعت ابتسامته من ارتباكها وحيائها الواضح وقال بمحبة خالصة :
_ مكبرتيش يا ليلى ! …. مع كل السنين دي أنتي لسه زي ما أنتي ! …. زي ما شوفتك أول مرة ….
وكتم ضحكة وهو يعلم أن سؤاله الآتي سيثير غيظها أكثر فقال :
_ صحيح أنتي ما كملتيش حكاية صاحبتك اللي بعتتك الجامعة مخصوص عشان تعرفيني إنها مريضة …. !
ادرك وجيه منذ سنوات ما تحمله تلك الفتاة من اعجاب له … ولكن بدلًا أن توقعه بشباكها قدمت له أغلى الصدف ….
وكان محقا في ظنه ، فقد تبدلت تعابير ليلى للغيظ وصمتت … فالتمعت عينيه بالمكر أكثر وتأمل غيظها الصامت باستمتاع …. ثم قال كأنه لا يعرف الحقيقة :
_ ساكته ليه ؟!
أجابت ليلى بعصبية وهي تذهب لنافذة المكتب بعصبية وتقف أمامها وتتجنبه :
_ معرفش ومش فاكرة … هي مش كانت طالبة عندك ! … مسألتهاش ليه وقتها ؟!
بالكاد استطاع كتم ضحكته ، ثم اقترب لها بخطوات هادئة ….. وليغيظها أكثر قال :
_ بسألك أنتي … اصلها جت في بالي فجأة.
استدارت له بعصبية وتفاجئت للحظة أنه قريب منها لهذه الدرجة … حتى تجنبت تلك اللافته وهتفت به بعصبية :
_ وتيجي في بالك ليه يعني معلش ؟! وتفتكرها ليه اصلًا ! …. بالك ده مايفتكرش غيري أنا وبس انت فاهم ؟!
جذبها اليه بضحكة عالية وقال بهمس:
_ يا شرسة ! ….
تخلصت من قبضتيه وابتعدت متظاهرة بالغيظ … ولكنها كشفت مخططه بفراسة ولم تفصح ولم تظهر ابتسامتها ….. جلست أمام مكتبه على مقعد من الجلد الأسود …. فأدار المقعد بقوة لوجهته واسند راحة يديه على ذراع المقعد ، وقال لها بمكر وابتسامة متلاعبة :
_ هي كانت معجبة بيا ولا إيه ؟! … حسيت بكده من نرفزتك!
قالت بسخرية والدم يغلي بعروقها :
_ والله ! … وأنت إيه بقا اللي يخليك تهتم كده ؟! ….
نظر لعينيها بعمق بنظرة ماكرة ثم قال بتلك الابتسامة المستفزة :
_ بستمتع جدًا بغيرتك عليا …. بصراحة مش قادر أنكر !
وضحك ضحكة غمرت عينيه إشراقة وحياة … فتأملته بابتسامة عاشقة ظهرت دون أن تدركها … ثم عادت جدية وقالت بثبات :
_ مش بغير ! … بس ماتجيبش سيرة واحدة قدامي تاني … ايوة مش بغير باصصلي كده ليه؟!
وكانت نظراته ضاحكة وساخرة ….. ولكنه أوقفها وقال هامسا برقة وتبدلت سخريته لعاطفة شديدة غمرت صوته الهامس :
_ كل يوم بكتشف حاجة جديدة فيكي …. بس الغريبة أن كل حاجة بكتشفها بتحببني فيكي أكتر …. ١٠٠ احساس بشوفه في عنيكي في اللحظة الواحدة !
قالت بابتسامة متنقلة بتردد بين وجنتيها :
_ أنت بتستفزني والمفروض ده بيعصبني وبيتعب نفسيتي خلي بالك !
نظر لها بغمزة وقال بابتسامة خبيثة:
_ يعني أنتي دلوقتي مضايقة ؟!
قالت بتأكيد لتستفزه :

 

_ آه مضايقة منك
نظر لها للحظة مفكرًا …. ثم قال وهو يبتعد :
_ طب تمام … همشي اروح لشغلي عشان تروقي طالما مضايقة مني.
سحبته بقوة ليقف وقالت بغيظ :
_ أنت رايح فين ؟!
وقف أمامها وكتم ضحكته من أنفعالها … ولكنه قال بجدية :
_ هروح شغلي !
ضحكت فجأة وقالت :
_ لا مش مضايقة أنا كدابة …. بغيظك.
وتابعت ضحكاتها وهو يتأملها مبتسما وقال :
_ أنتي مش كدابة …. أنتي طفلة !
********
ورويدًا رويدًا بدأت تستفيق فرحة وتَفتح عينيها ببطء شديد ، وانتشر الخدر بأنحاء جسدها وجعلها أسيرة المرض الذي باغتها فجأة …. حتى وجدت د.أمجد يجلس على بُعد خطوات من فراشها …. وبدا عليه الضيق الشديد والصمت الذي على أهبة الثورة .
وعندما انتبه لصوت أنفاسها تطلع بها بنظرة تبدو آسفة … ولكنها عاجفة من أي لهفة أو اهتمام حقيقي بها … وقال بعبوس :
_ عاملة إيه دلوقتي ؟
تنهدت فرحة وهي ترفع يدها وتحسس على رأسها بألم … وقالت كاذبة وقد بدأت الرجفة بصوتها تعكس ما تجيب به :
_ كويسة الحمد لله.
لم يفكر بإجابتها كثيرًا وبمدى صحتها … وقال معتذرا لظنه أن حالتها ناتجة عن صدمة فسخ الخطوبة التي لم تقام من الاساس :
_ أنا أسف يا أنسة فرحة …. مكنتش عارف أن اللي هقولهولك هتكون نتيجته كده …. بس كان لازم تعرفي .
نظرت له فرحة بدهشة …حاولت التذكر ولكنها فشلت تمامًا ، آخر شيء تتذكره هو مجيئه لها وبدأ بالحديث …. مع بداية الحديث كان ذهنها يغيب تدريجيًا ولم تنتبه لكلمة واحدة … عن أي شيء يعتذر عنه ؟!
فقالت بعدم فهم :
_ أعرف إيه ؟ …. أنا…
وقاطعها ظنا منه أنها ستبدأ بلومه وليس بالأستفسار عن ما قاله …. وقال بندم واضح :
_ أنا حقيقي كنت شايفك مناسبة ليا جدًا ، أنسانة محترمة وأخلاق وتقدر تتحمل مسؤولية بيت وأسرة …. بس الحقيقة اللي أنتي ما تعرفيهاش أني بحب واحدة تانية وللأسف هي اتجوزت وبعدت عني …. ومش عارف أنساها ، وهمت نفسي أني أقدر بس لما هي رجعت عرفت واتأكدت أني هفشل … مش عايز أظلمك معايا … أنتي تستحقي حد احسن مني يحبك بجد … أنا أسف جدًا.
لم يكن وجه أمجد هو من أمامها … بل تذكرت زايد وهو يؤكد لها ذلك ولم تصدقه …. لم تكن دموعها على حديث أمجد تحديدًا … بل ضربة موجعة لكبريائها وكرامتها ….. فأشاح عينيه عنها ونهض قائلًا :
_ الممرضة خدت عينة دم عشان التحليل لأن حرارتك مش بتنزل حتى مع الأدوية…
وبهذه اللحظة دخلت ممرضة وظهر على وجهها القلق وهي تتطلع به بوجوم … ثم استجمعت ثباتها وقالت له :
_ عايزينك يا دكتور .
لم تهتم فرحة بحيث الممرضة … بل اشاحت بصرها عنهما لجهة أخرى وتاهت بحزن …. وعندما خرج أمجد مع الممرضة قالت له وهي تبتعد خطوة بحذر :
_ لازم تروح المعمل دلوقتي يا دكتور وتطمن على نفسك … وأنا كمان هطمن …. فرحة جالها فيروس مُعدي والمشكلة أن الفيروس ده ظهر على اتنين من الممرضات هنا في المستشفى… يعني كلنا لازم ناخد احتياطنا ونطمن على نفسنا …
صدم أمجد مما قالته الممرضة وقال بقلق :
_ الموضوع خطير للدرجة دي ؟! …. يعني ..
اجابت الممرضة بتوضيح وقاطعته :
_ على حسب مناعتها …. وعمومًا التقرير بتاعها معايا وهوصله لدكتور وجيه … ولو سمحت ما تدخلهاش تاني دلوقتي خالص…

 

هز أمجد رأسه مجيبا بموافقة وقال :
_ تمام ….
وتوجه أمجد بعدها ليأخذ الاجراءات اللازمة للسلامة ….
بينما ترك فرحة بالغرفة يشتد الألم برأسها مع أعراض ضيق بالتنفس مصاحب بارتفاع درجة الحرارة التي جعلتها ترتجف بشدة …. ولأول مرة تتمنى وجود زايد بالقرب !
*********
فتح وجيه باب المكتب للطبيبة مروة التي قرعت على الباب بخفوت …. وما ان وقعت عينيها على ليلى حتى ذهبت إليها سريعا بابتسامة واسعة كأنهما أصدقاء منذ زمن.
وقالت مروة لوجيه بصدق :
_ والله ليلى وحشتني أوي يا دكتور …. كأني أعرفها من سنين !
ابتسم وجيه لها بلطف وتشارك الثلاثة المزاح لدقائق، ثم قال وجيه وهو يستعد للخروج :
_ أنا هسيبكم لوحدكم بقا براحتكم …. أي شيء تحتاجيه ابعتيلي ممرضة في الدور الرابع … سلام.
وأشار لهما بالتحية وخرج من الغرفة سريعا ….
استدارت مروة لليلى وقالت بحماس :
_ محضرالك برنامج علاج أنما إيه … ولا برنامج إذاعي !
ضحكا الاثنان بمرح …. ورغم ضحكة ليلى إلا أن مروة لاحظت شيء فيها …..وقالت بنظرة ثابته لعينين ليلى :
_ في حاجة جواكي يا ليلى مش عارفة تقوليها ؟ … صح ؟
توترت ليلى للحظات ثم هزت رأسها بالايجاب ، وهنا ظهر ضيقها واضحا …. فأخذت مروة يدها واجلستها على المقعد بهدوء … ثم جلست قبالتها وقالت بابتسامة :
_ لو مش عايزة تحكيلي أنتي حرة ….ده مش ضمن برنامج العلاج .
قالت ليلى بتنهيدة تطلق فيها ما تحمله من هم :
_ لأ هحكيلك … أنا عايزة اتكلم بس مافيش حد حواليا ينفع اتكلم معاه … بالذات في حاجة خاصة زي دي.
سألت مروة بشك :
_ ولا حتى دكتور وجيه ؟
اكدت ليلى بألم :
_ بالأخص وجيه …. ماينفعش اتكلم معاه خالص.
قلقت مروة بعض الشيء وقالت :
_ طب احكيلي …
صمتت ليلى للحظات كأنها تتحكم بأعصابها كي لا تثور وهي تتحدث أو حتى تبكي …. فبدأت تسترسل بالحديث بألم وعينيان شاردتان:
_ أنا بحب وجيه … بحبه فوق ما أي حد يتخيل ، وحبي ليه زاد أضعاف كتير لما رجعنا لبعض تاني بعد التوهة دي كلها …. بس لما بشوفه مع جيهان بموت …. بحس أنه بيخوني ! … أنا عارفة أن الجملة دي وهي مراته هتخليكي تقولي عليا هبلة أو عبيطة … بس بجد ده اللي بحسه … لما بيجي ويقولي كلام حلو بكون مبسوطة … مبسوطة وطايرة ….
بس بعدها بتيجي لحظة عليا كده بفتكر فيها أنه برضو بيقولها كده … ساعتها بحس أني عايزة أزعقله واتعصب … ببقا نفسي يحلف أنه بيقولي الكلام ده لوحدي … وببقا عايزاه يوعدني أنه ما يقولوش غير ليا برضو …..
وزفرت بضيق شديد وهي عابسة وتابعت :
_ وفي الآخر لما بقف قدام نفسي في المراية وأشوف وضعي واشوف أنا فين …. وأفتكر أنها قبلت جوازه مني بحس أني أنانية أوي …. بكره نفسي وقتها ، أنا بجد لو مكانها مكنتش هتحمل الوضع ده بسهولة …. يعني أنا حاسة بكده وأنا متأكدة انه بيحبني وحارب عشان نتجوز … ما بالك هي حاسة بإيه !

 

 

جاوبيني بصراحة …. أنا أنانية ؟
استمعت مروة لها بهدوء … فابتسمت وهي تقول لليلى بتأكيد :
_ هجاوبك بصراحة يا ليلى …. أنتي مش أنانية … أنتي طبيعية !
واستطردت موضحة عندما ظهر على وجه ليلى عدم الفهم للإجابة :
_ طبيعية لأن ده عادي تحسيه … أي واحدة مكانك هتحس كده …. الأنثى لا يمكن تقبل القسمة على اتنين أبدًا …….
هو بيتعامل معاها بالعدل … أنما معاكي أنتي بيعاملك بالحب …. لازم تفرقي بينهم يا ليلى وتقدري موقفه ….
قالت ليلى بعدما بدأت تفهم الإجابة على حيرتها :
_ طب انصحيني …. اعمل إيه ؟
قالت مروة بتأكيد كل كل كلمة :
_ ما تحطيش جيهان في دماغك … ما تبصلوش وهو بيتكلم معاها … ما تستنيش منه لو ابتسم لها ابتسامة أنه يردهالك في نفس اللحظة عشان يبقى عدل بينكم…. ! … ده مثال بسيط عن الوضع اللي ما بينكم مش كده.
هربت ليلى بعينيها للبعيد وكأن الطبيبة كشفت بعض أفكارها …. فضحكت مروة بمرح وقالت :
_ كلنا بنفكر بنفس الطريقة ما تقلقيش …. اللي عايزاكي تفكري فيه هو الوقت اللي بيقضيه معاكي … بدل ما تخليه للعتاب والخصام والكلام في المشاكل وجيهان عملت وأنت عملت، خليه في الهدوء والكلام الحلو …. خليه يلاقي راحته في قربك يا ليلى …. صدقيني الحب بعد الجواز مختلف تمامًا عن قبل.
قطبت ليلى حاجبيه بعبوس وقالت بعصبية :
_ إيه ده …؟! … يعني ممكن وجيه يبطل يحبني !
ضحكت مروة بقوة من ردة فعلها … ثم قالت بتوضيح وهي تضحك :
_ لأ مش أقصد …. حد زي دكتور وجيه وصفاته صعب يحب كل شوية كده …. أقصد أن الجواز بيكشفلك أن الحب لوحده مش كفاية عشان يلاقي راحته معاكي …. قبل الجواز بتكون اللهفة طاغية وفي تشويق فبنتغاضى كتير عن أخطاء بعضنا …. انما بعد الجواز بنضمن بعض … يعني هيرجع من الشغل يلاقيكي … هيتصل بيكي هتردي عليه من غير خوف من حد ….. لو قالك تعالي معايا للمريخ هتروحي عادي !
في ضمان …. الراحة والأمان أهم من الحب بعد الجواز …لأن دول هما اللي بيبنوا البيت والاستقرار والألفة بين أي زوج وزوجة ….. لكن هتتعصبي وتقولي عايزة ازعقله واحلفه والكلام ده …فأنتي كده بتضيعيه بمنتهى السهولة.
فغرت ليلى فاها من الصدمة …. وتذكرت في الأيام الفائته منذ عقد قرانها كم مرة تخاصمت معه وغضبت !
ابتلعت ريقها بتوتر … فربتت مروة على يدها لتطمئنها وقالت :
_ ما تخليش الشيطان يلعب في دماغك … أنا بوضحلك الصورة ليس إلا … أنما هو بيعشقك اصلًا …. أنا جايالك انتي مخصوص وهو اللي شغلني هنا عشانك … د.وجيه بيحبك وأكتر كمان …. بس أنتي لازم تحافظي على الحب ده بذكائك.
قالت ليلى بصدق :
_ أنا فهمت حاجات كانت غايبة عني فعلًا …. يمكن لأول مرة أفكر فيها !
قالت مروة بابتسامة لطيفة :
_ وأنا مبسوطة من استجابتك دي … بداية مبشرة للعلاج … وبالنسبة بقا للبرنامج بتاعي فهو هيكون أدوية هتفيدك جدًا …. وأيام هخصصهالك مخصوص عشان تتكلمي فيها براحتك في أي شيء …. أنا عايزة أوصل للسبب اللي وصلك لأضطراب الكرب يا ليلى .
وثبت ليلى من مقعدها بنفضة وكأن لدغها عقرب …. لسبب لا تتذكره ولكنها تعرف أنه مدمر …. وقالت بتوتر شديد :
_ لما بنتكلم في الموضوع ده جسمي بيتنفض وبحس أني خايفة ومرعوبة …. أنا حقيقي مش فاكرة …. بس قلبي بيتقبض لما بحاول افتكر …. أو حتى نتكلم في الموضوع ده.
قالت مروة فجأة وهي تراقب ليلى بدقة:
_ مين ورد يا ليلى ؟!
وضعت ليلى يديها على أذنيها وقالت بصراخ وهي تجهش بالبكاء :
_ مش عارفة … مش فاكرة … كفاية … كفاية …
تنهدت مروة ببعض اليأس …. ثم قالت لها برفق وأسف :
_ طب خلاص ما تضايقيش نفسك …. أنا بس كنت عايزة أعرف أنتي لسه بتخافي لما بنبدأ نتكلم في الموضوع ده ولا لأ …. كان لازم اتأكد …
انزلت ليلى يدها وهي تنظر لمروة ببعض الدهشة … وقالت :
_ يعني إيه ؟
أجابت مروة بصدق :
_ رفضك الواضح ده مش وراه نسيان …. وراه خوف من شيء جواكي دفناه …. ومش قادرة حتى تقربيله …. بس اللي عايزاكي تفتكريه أن صالح خلاص مات … يعني مافيش أي خطر أنك تفتكري اللي حصل….. ولو افتكرتي يبقى عدينا من أخطر مرحلة في العلاج …. وهيكون في أمل كبير أنك ماتنسيش تاني ….. أنا بكلمك بمنتهى الأمانة …كطبيبة… وكصديقة.
تشتت نظرة ليلى … وباتت لا تفهم نفسها ، هل هي بالفعل كما تتحدث الطبيبة ! …. لا بد أنها كذلك …. وإلا ما كانت ترتعب هكذا كلنا اقتربت لتلك البقعة المظلمة بداخلها المليئة بالأسرار.
*********
وقفت جيهان بسيارتها أمام المنزل الضخم لوالدها الراحل …. كانت تشعر أنها تملك من القوة ما يملكه أكثر الرجال شجاعة وجسارة وذلك عندما ساعدت فتاة مسكينة ….. أو يبدو أنها كانت تريد أن تشعر بذلك بعدما اختبرت المعنى الحرفي للضعف بالأيام الماضية.
نظرت جانبا لسمر التي تجلس بعينان زائغتان شاردتان للبعيد …. وكأنها لا ترى أي غد بعمرها …. فقالت جيهان بتشجيع :
_ سيبي الشنطة في العربية البواب هيدخلها …. تعالي معايا .
وخرجت من السيارة …وتبعتها سمر بجسد ثقيل مُتعب …..وعندما دخلت جيهان من الباب الكبير أمرت الحارس بإتيان الحقيبة الخاصة بسمر سريعا….
وأتت احدى الخادمات ترحب بجيهان بحرارة وترحيب … فأشارت لها جيهان بابتسامة، وأجابت عليها سريعا
ثم جذبتها بلطف ليصعدا معا على السلم الرخامي الواسع …..
وبأحدى الغرف الواسعة المؤثثة بأفخم الاثاث الحديث …..
فتحت الباب جيهان وأشارت لسمر بابتسامة قائلة وهي تدخلها معها للداخل:
_ دي من النهاردة هتكون أوضتك .
لم تصبح الفخامة تغري عينين سمر … بل باتت ترها تجسيدا للزيف والأصطناع …. فقالت بجفاء وهي لا تنظر لشيء حولها بأدنى انبهار :
_ جميلة أوي.
تفهمت جيهان حالة سمر المتألمة وقالت بعطف :
_ هسيبك ترتاحي وهبعت حد بالغدا هنا… وانا هعمل كام تليفون كده وهرتبلك كل شيء اوعي تقلقي … البيت بيتك يا سمر .
واظهرت جيهان الكثير من اللطف والمحبة لفتاة لا تعرفها إلا معرفة سطحية … ولكن وجدت سعادة حقيقية في مساعدتها.
وعندما تركتها جيهان هبطت الدرج وأجرت اتصال هاتفي على رقم وجيه …لتبدأ معه حل المشكلة …
وخرج وجيه من غرفة العناية عندما تلقى منها اتصال وأجاب ببعض القلق :
_ الو …. ايوة يا جيهان معاكي !
قالت جيهان بهدوء :
_ عايزاك في شيء ضروري يا وجيه …. لازم يخلص النهاردة …. أنا عارفة أن وراك شغل كتير بس ده مش أهم من الشغل بالعكس.

 

 

ازداد قلق وجيه وسأل :
_ في إيه قلقتيني ؟!
شرحت جيهان وضع سمر بالكامل …. وذلك اتفقت عليه أثناء الطريق معها … ريثما أنها شعرت أن من الأفضل أن تتم مواجهة زوج سمر أما وجيه وهو سيتولى ذلك…
صمت وجيه للحظات بصدمة …. ليست الصدمة من ما عانته سمر فقط بل من تصرف جيهان أيضا … وقال لها بعصبية :
_ أنتي بتتصرفي من ورايا ؟! …. يعني روحتي لسمر من غير ما أعرف وخدتيها من بيتها وده من غير ما حتى تتصلي بيا ! ….
دهشت جيهان من ردة فعله وهي من كانت تتوقع العكس تمامًا …. وقالت باستغراب :
_ كنت فكراك هتأيد تصرفي وهتجيلي فورا !
تنهد وجيه بغيظ منها وقال :
_ كان لازم تتصلي بيا يا جيهان وأعرف … أفرضي جوزها وصل في أي لحظة وأنتي هناك وعرف أنك هتاخديها كان هيبقى إيه الوضع ؟! …. أنا مش بقولك أنك غلط بس مكنش ينفع تبقي لوحدك أبدًا ! … مع شخص زي ده كان لازم تحسبي كل خطوة …
ردت جيهان بعصبية:
_ يعمل اللي يعمله هو مايقدرش يقف قصادي وإلا هدمرله اسمه للباقي من عمره …. إظاهر يا وجيه وضعي معاك نساك أنا مين في الأساس …. أنا جيهان الشيمي … يعني لا ده ولا اللي اكبر منه يقدروا يهزوا فيا شعرة …. أنت بس االي فكرتني ضعيفة !، وكمان أنت لو شوفت سمر عاملة أزاي من الضرب كنت عذرتني في تصرفي … أنا اتصلت بيك عشان تكون أنت المتصرف وانت اللي تواجه … بس لو رافض فأنا معنديش مانع أني أواجهه بنفسي.
زفر وجيه بغضب من كلماتها له المتحدية وهي لا تحسب حساب لقلقه عليها من مجرد تخيل سيناريو آخر كان ممكن أن يحدث …. لا يحب تهورها وعلى رغم أنه كان سيساعد سمر بجميع الاحوال…. إلا أنه لم يحب أن تتورط زوجته مع رجل مثل زوج سمر في أي مشكلة ، فكيف يبدو مذنبا في نظرها وهذا لأنه قلق عليها ؟! … فقال بعصبية :
_ خليكي عندك … أنا هجيب المحامي وجايلك … أنا عمري ما كنت هتخلى عن سمر وهجيبلها حقها لحد عندها …. ولكن مش بالأنا بتاعتك يا جيهان …
كنت هرجعلها حقها بالحق والعدل ومن غير فضايح لحد فيهم أو أذية في مستقبله…. كون أنه ضربها ده شيء هحاسبه عليه …. ولكن مش هقدر اتغاضى أنه مكسور من جواه وحرام اتسببله في فضيحة وأكسره أكتر… ساعة بالكتير واكون عندك.
واغلق الاتصال دون كلمة أضافية … ووقفت جيهان متجمدة مكانها … وهو مثل مراتٍ كثيرة ربح جولة الحديث ووضع بموضع المتهمة والمذنبة… وحسىت هي بأندفاعها بالكلمات حتى لو كانت على حق .
وراجعت كلماتها …. وراجعت عتابه وخوفه عليها ، وجدت أنه له بعض الحق … أن أتى زوج سمر بالصدفة كان الأمر سيتحول إلى شجار وربما إلى كارثة محتومة لابد أن تعترف بذلك …. وأقل شيء كان سيحدث هو الرمي بالكلمات والشتائم بينهما ….
كرهت اندفاعها وشعرت بالغباء للحظات …. ليتها تهدأ وتعقل الكلمات …. ولا يأخذها الأندفاع لأن تتذكر من هي …. كأنها تتحدى الظروف بمكانتها الاجتماعية الرفيعة …. والعجيب أنها خسرت دائمًا ولم تتعلم من التجارب.
*********
في أحدى الفلل الضخمة ….
وعلى رغم ضوء النهاء كانت تغط أحدى الغرف بالطابق الثاني في الظلمة … إلا نور مصباح صغير يأتي من مشكاة على منضدة بعيدة من الفراش …. تضيء الغرفة قليلا …. وينعكس الطقس المعتم على النافذة الزجاجية النظيفة ….
نهض من فراشه بجسده الطويل وهو يجذب عكازه ليستند عليه …… وعندما وقف اخيرًا … توجه ببطء للنافذة … لقد سأم من المكوث بالفراش ….. ريثما أن حياته كانت مليئة بالحركة والرياضة الدائمة … والذهاب والسفر.
وبلحظة خاطفة أعلن الهاتف عن اتصال ….. ولكن تجنبه زايد مثل كثير من الاتصالات، وظل ينظر أمامه بشرود للبعيد …. وصمت الهاتف …. ليعلن الاتصال من جديد بعد لحظات ….
زفر زايد بعصبية وقرر أن يغلق الهاتف نهائيًا ….استدار متوجها إلى الفراش ببطء ، ثم وقف بعد عدة خطوات وأنحنى على الفراش ليلتقط الهاتف …. وبعدما مسكه تجمد للحظات وهو يرى المتصل شقيقه فادي !
فادي لا يتصل عليه إلا إذا حدث له مكروه أو شيء طارئ ! …. أجاب وكاد أن يعنفه بانزعاج …. حتى قال فادي وبدا على صوته القلق :
_ أنا مش عارف اعمل إيه يا زايد !
احتدت عصبية زايد وقال بغضب :
_ كالعادة ! …. اكيد عملت مصيبة كعادتك ! …. ابوك مسافر وأنا مش عارف حتى أخرج من أوضتي … مستني مين ينقذك المرادي !
قال فادي بتوضيح :
_ أنا ما عملتش حاجة والله …. أنا عملت نفسي رايح النادي وروحت لحسام المستشفى اطمن عليه …. وسألني على أخته عشان ما شفهاش من امبارح وقلقان عليها ، روحت ادور عليها في مكان شغلها قالولي وقعت واتحجزت …. المصيبة مش في كده كمان …
اتسعت عينان زايد بصدمة ورعب وهتف به بقلب يرتجف خوفا :
_ حصلها إيه فرحة ؟! انطــــق!
قال فادي بتوتر :
_ الممرضة قالتلي أنها اتعدت وجالها فيرس ومعزولة …. طب هروح أقول لحسام إيه وهو في الحالة دي؟ … مش عارف اعمل إيه !
تابع فادي حديثه … ولكن زايد كان في حالة صدمة جعلته بعيدا عن أي شيء ….. جعلته يتمنى لو يكن أمامها بغمضة عين…. صدمة جعلته لا يدري كيف يرتدي ملابسه ويتحمل ألم قدميه من حركة جسده السريعة …. وينسى ما قالته …
تذكر فقط لهفته وأشتياقه وخوفه المجنون عليها ….

يتبع…

اترك رد