روايات

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الثامن عشر 18 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الثامن عشر 18 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي البارت الثامن عشر

رواية سيد القصر الجنوبي الجزء الثامن عشر

رواية سيد القصر الجنوبي الحلقة الثامنة عشر

اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
صلِ على النبي 3مرات
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات
خرجت جيهان من السيارة وتجاهلته تمامًا وهي تسرع للداخل، وظل خالد فاغرا فاه من ردة فعلها الخالية من اللياقة، وانصرف بسيارته وتابع طريقه.
بينما ركضت جيهان وجميع العيون تتبعها بدهشة حتى وصلت لمكتب وجيه بأحد الطوابق، وعندما فتحت الباب وجدت وجيه يستعد للذهاب وهو يحمل مفاتيح سيارته .. ونظر لها بمفاجأة ودهشة لوهلةً، ثم ابتسم وقال بترحاب وارتياح لرؤيتها بخير:
_ جيهان ؟! .. حمد الله على سلامتك كنتي فيــ…
ولم يكمل كلمته الأخير حتى سقطت جيهان أمامه مغشيًا عليها ..!
**********
وبأحدى القرى السياحية وداخل فندق شهير فيها.
وقفت فرحة بشرفة الجناح الذي منذ أن وطأته قدماها صباحاً وهي حبيسة غرفتها الفاخرة، ونظرت للبعيد بتيه وشرود، إلى أين سيقودها حبها لهذا الرجل الغامض، الذي كلما ظنت أنها وصلت لعمقه، تكتشف أنها لا زالت بأول الطريق إليه!!.
وها هو الآن، تركها وذهب لحضور حفلة تابعة لأحد رجال الأعمال وتُقام بهذا الفندق دون عن جميع الأماكن!!
وربما الآن تنتشر الاسئلة والتكهنات والدهشة لترك رجل زوجته وهما لا زال بأول أيام زواجهما بتلك الطريقة السخيفة !.
تنهدت فرحة بضيق شديد حتى وجدت هاتف الغرفة يستقبل مكالمة!، نظرت له بحيرة وترددت في الرد، ولكن أجابت في النهاية :
_ الو ..؟!
أتاها صوتٍ مألوف وقال :
_ وحشتيني مــــوت يا فرحة، بجد مش مصدقة الصدفة العجيبة دي !!.
ظلت فرحة ساكنة للحظات، ثم ابتسمت ببهجة لسماع صوت صديقتها القديمة ” شروق” وهتفت :
_ شروق ؟! .. بجد أنتي شروق اللي بتكلمني !!
ضحكت شروق بملء فمها وأجابت بصوتٍ عال بسبب الضوضاء حولها :
_ أيوة يابنتي شروق، ده أنا حتى صوتي بلدغتي دي مميز أوي ، أنتي فين وأنا اطلعلك ؟
لم تفهم فرحة الجملة في الحال، وعندما فكرت للحظات تساءلت بدهشة:
_ أنتي في الفندق صح ؟!
ضحكت شروق مرة أخرى وقالت :
_ أومال بكلمك على تليفون الجناح بتاعك أزاي يا ذكية ؟! قوليلي بسرعة أنتي فين وهجيلك واخلص من الحفلة العجيبة دي !
أخبرتها فرحة سريعا واغلقت الاتصال وهي تسرع وتستعد لاستقبال صديقتها.
ودقائق وكانت شروق تقف مع فرحة بشرفتها ويضحكان على ذكريات الماضي، حتى قالت فرحة بحرج:
_ أنا أسفة يا شروق، مكنتش أعرف أنك اتطلقتي.
ابتسمت شروق ابتسامة باهتة وقالت :
_ متتأسفيش يا فرحة، أنا مبسوطة أننا اتقابلنا من تاني، تعرفي أن بقالي كتير أوي ماضحكتش ؟!.. من وقت الطلاق تقريبًا.
تساءلت فرحة بغرابة :
_ طب لما أنتي حزينة كده ليه طلبتي الطلاق ؟!
شردت شروق لبعض الوقت وكأنها تقوم حزن عميق كافحت لتظفنه بداخلها، ثم قالت بصدق :
_ ما أنتي معرفتيش اللي حصل وأنا مكملتش الحكاية، والحكاية ياستي أن أمه كانت بتكرهني، وعلى طول شايفة أني خطفت منها أبنها، وده كان ممكن اتحمله، لكن اللي مقدرتش اتحمله أنها تعايرني أني مابخلفش !.
صدمت فرحة من الأمر وظهرت الشفقة بعينيها، فتابعت شروق وهي تنظر للفراغ بأسى:
_ مش مرة ولا اتنين، دي لما عرفت قصدت تزورني في شقتي كل يوم عشان تسمم بدني بكلامها، وحاتم في الأول كان مضايق منها ومن تصرفاتها، لكن بعد كده بدأ يميل لكلامها وأنه يتجوز تاني .. وده حقه طبعا مش هلومه، بس من حقي أنا كمان اختار مصيري معاه .. وطلبت الطلاق واتطلقنا، لكن هيفضل كلام الست دي واجعني طول حياتي، كان ممكن تجوز أبنها من غير ما تكسر خاطري بالشكل ده، منها لله.
ربتت فرحة على كتف صديقتها بدعم ورقة، فمسحت شروق عينيها من الدموع وقالت وهي تبتسم بقوة :
_ أنا غبية أوي بجد ! .. بقا في حد يزور عروسة ينكد عليها بالشكل ده ؟!.
نظرت لها فرحة بتعاطف، ثم ضمتها بحنان وهي تهمس لها بكلمات مواساة ودعم، ثم قالت بمرح كي تحول مجرى الحديث :
_ انا متنكدة لوحدي ما تقلقيش.
وضحكت فرحة رغم الضيق والهم بعينيها، فقالت شروق بمزاح:
_ ليه بس يا بومة !.
تنهدت فرحة وقالت :
_ مافيش فرحة كاملة يا شروق، لما حتى بنقابل الناس الصح بتكون ظروفهم هي اللي غلط، يأما ظروفنا، ولو كل حاجة صح بتدخل ناس غلط في الحكاية تقلب الموازين.
قالت شروق دون أن تفكر كثيرا :
_ تقصدي اللي لازقة فيه طول الحفلة !… فغلًا أنا استغربت، أنا عرفت بالصدفة أنك اتجوزتي من الجيران،وعرفت مين جوزك، لما شوفته في الحفلة وعرفت أنه بيقضي شهر العسل سألت على الجناح بتاعه واتصلت عليكي.
تركت فرحة كامل الإجابة وركزت في أول جملة وقالت بعصبية :
_ مين اللي لازقة فيه في الحفلة دي ؟!!
شحب وجه شروق وقالت :
_ شكلي عكيت ولا إيه ؟! .. أنا فهمت كده من كلامك بس واضح أن في ناس غلط كتير في حياتكم !
كررت فرحة سؤالها بغضب :
_ مين دي قوليلي ؟!
أجابت شروق بتوتر :
_ والله ما أعرف، أنا جيت احضر الحفلة مع تيم الشركة، ولما سمعت اسم جوزك بالصدفة وأنه في الحفلة روحت أشوفك معاه ولا لأ ، لكن لقيت واحدة لازقة فيه في كل حتة وشكلها تعرفه من زمان فاستغربت.
زمت فرحة شفتيها بغضب وظهر وكأنها تريد غرز أظافرها بعنق تلك المرأة المجهولة، فذهبت للخزانة وسحبت رداء بعشوائية وهي ترتديه على ملابسها البيتيه وتقول :
_ أنا نازلة للبيه اللي ناسي أنه في شهر العسل ورايح يتصرمح مع غيري !! .
أوقفتها شروق بقوة وقالت :
_ ارجوكي يا فرحة ما تعمليش مشكلة وتحسسيني بالذنب ! .. أنا عارفة أني مدب وغشيمة في الكلام ، بس بجد لو حصلت مشكلة هضايق من نفسي أوي.
وضعت فرحة الحجاب على رأسها واحكمتها سريها وهي تجيب بغضب:
_ لا يا شروق ما تحسيش بالذنب، لأن ببساطة دي مش أول مرة أعرف أنه له ماضي مع واحدة !! .. ويمكن ربنا كشفه ليا عشان نيتي كلها خير ليه وعايزة أنقذه من اللي هو فيه، بس هو ما يستاهلش!.
ركضت شروق خلف فرحة حتى أوقفتها من جديد عندما كادت أن تخرج من الغرفة وقالت:
_ يابنتي اسمعيني الاول، أنا قولتلك هي اللي لازقة فيه مش هو، وبعدين أنتي عايزة تنزلي الحفلة بلبسك ده ؟!.
نظرت فرحة لملابسها وتساءلت بغرابة :
_ وماله لبسي ؟!.
غمزت لها شروق وقالت وهي تغلق باب الغرفة بهدوء :
_ بقا تبقي متجوز رجل أعمال زي زايد واللي أقل واحدة حواليه بتلبس أغلى براندات وماركات ولسه بتلبسي كده ؟!
اغتاظت فرحة وهتفت :
_ وأنتي عايزاني البس زيهم ؟! ..
اوضحت شروق وقالت :
_ لأ طبعا يا ذكية، بس لكل مقاما مقال! .. هو ماينفعش تبقي ست شيك وقمر ومحترمة بنفس الوقت!!، ده أنتي حتى نازلة حفلة أقل ست فيها لابسة فستان تمنه بس أكبر من مرتبي في ٣ سنين، يعني لو هتنزلي يبقى تنقي أحلى حاجة عندك، وتبقي ذكية وتكسبي جوزك مش تكرهيه فيكي.
تنهدت فرحة بضيق وغيظ، ثم قالت بتوتر :
_ طب قوليلي اعمل ايه لأن زايد خلاص قرب يدخلني مستشفى المجانين بتصرفاته!.
سحبتها شروق من يدها لمكان خزانة الملابس، ثم فتحتها وانتقت رداء سهرة مخملي ناعم، حتى لا يكون مبالغ فيه، وبذات الوقت يسرق انتباه زوجها بتفاصيله الأنثوية، وقالت :
_ ما أنتي عندك فساتين قمر ومحترمة أهو!!، البسي الفستان ده بسرعة عشان أجهزك .. بسرعة بس قبل ما التيم بتاعي يكتشفوا غيابي.
اغتاظت فرحة لأن ذلك الرداء من اختيار زايد في الأساس، ولكنها ذهبت وارتدته سريعا بغرفة أخرى، وعندما خرجت لصديقتها صفرت شروق بإعجاب شديد وقالت :
_ الفستان عليكي تحفة التحف، اكيد ده مش ذوقك !.
رمقتها فرحة بحدة فضحكت شروق بملء فمها، ثم ذهبت إليها وساعدتها في التزين سريعا واختيار ربطة الحجاب المناسبة.
وبعد دقائق وقفت فرحة أمام المرآة وانبهرت بمهارة صديقتها في وضع لمسات مساحيق التجميل بحرفية هكذا .. فقالت شروق بابتسامة :
_ يلا ننزل وخليكي هادية جدًا وبتضحكي، وماتبصيش يمين ولا شمال ولا تحسسيه إنك نازلة ليه مخصوص، هو هيشوفك وهيجيلك بنفسه، أنا متأكدة.
خرجت فرحة معها وهي ترتجف من الغضب والحياء بنفس الوقت، للحظات انساها مظهرها العصبية مما اكتشفته، ولكن عاد الغضب لها من جديد حينما دقت قدماها أول خطوة داخل الحفل.
وقفت شروق أمامها بين الحضور وقالت بابتسامة واسعة :
_ اتعاملي عادي واتكلمي واضحكي معايا، ماتبينيش إنك متوترة،
قكرت فرحة قليلًا في شيء تحب أن تتحدث عنه ويسرق توترها فقالت:
_فاكرة طبق الكشري اللي كنا بنروح ناكله كل يوم جمعة من على أول الشارع.
كشرت شروق وقالت بغيظ :
_ ده مكان نفتكر فيه ذكرياتنا البائسة دي ؟! .. هو ده اللي هنتكلم فيه؟! .. كشري !!.
ضحكت فرحة بصدق على رد فعل صديقتها للذكرى، فشاركتها شروق وقالت بضحكة عالية:
_ أنتي مجنونة فعلًا.
وتشاركان الضحك لبعض الوقت، رغم أن فرحة تتأهب لظهوره بأي وقت وحالة الغليان التي تزداد بداخلها، وبلحظة وكأن لامستها صاعقة عندما رأته يدخل من الباب المطل على الحديقة وعلى ملامحه الضيق، وامرأة لا تنكر أنها فاتنة تركض خلفه بفستانها الأسود القصير .. فأشاحت فرحة عينيها من عليه سريعا وهي تمنع نفسها من جر تلك الفتاة من شعرها ..
فقالت شروق التي فهمت نظراتها :
_ اتعاملي عادي وخليكي طبيعية، لو حس أنك مضايقة عشان واحدة معاه هيسوق فيها وهيعاندك اسمعي مني أنا خبيرة ..
وابتسمت فرحة ابتسامة هادئة تلك المرة ولم تضحك مثل قبل، وحاولت أن تتجنبه تمامًا، حتى قالت شروق باقتراح:
_ أفتكري أحلى ذكرياتك عشان التكشيرة دي تروح من على وشك.
تذكرت فرحة أيام المشفى ويليها وظيفته بشركته، وبالفعل ظهرت ابتسامة جميلة جرت الدماء بوجهها، فغمزت شروق بابتسامة ماكرة وقالت :
_ ما تحكيلي يابت.
ضحكت فرحة وقالت :
_ احكيلك إيه ؟!
ردت شروق وهي تشير لعينان فرحة وقالت بابتسامة :
_ اللي خلى عينيكي تلمع كده ووشك ينور
ابتسمت فرحة بحنين لهذه الذكريات وقالت :
_ رغم كل شيء، بس ليه معايا مواقف عمري ما هنساها أبدًا ..
وبتلك اللحظة تجمد زايد وانقطع سيره وهو يتوجه لمجموعة من الرجال عندما لمح وجودها بالحفل، واضيقت عينيه بدهشة عليها، حتى سرقه للحظات مظهر الرداء عليها بهذا الشكل الفاتن وابتسامتها الناعمة الرقيقة التي تسرق تركيزه .. تبدو تمامًا وكأنها العروس السعيدة!!ً، وعندما شاهد أحد الرجال يصوب عينيه عليها للحظات طويلة كأنه يريد التعرف عليها، غلت الدناء بعروقه وذهب إليها، وعندما وقف أمامها جاهدت فرحة أن تبدو طبيعية جدًا وغير آبهة لظهوره أو وجوده من الأساس وقال بنظرة نارية :
_ أنتي بتعملي إيه هنا ؟!
تدخلت شروق وقالت بتوضيح :
_ أنا اسفة على تدخلي، بس أنا صاحبة فرحة من زمان وكنت هنا بالصدفة، وأنا اللي اقترحت عليها تنزل معايا ونتبسط شوية في الحفلة .. حاسة أني ضايقتك ؟!
ظل زايد عينيه مُسلطة على زوجته بغضب، ثم قال لها بعصبية :
_ مش المفروض قبل ما تنزلي تقوليلي ؟!
نظرت له فرحة بلا اكتراث وأجابت بهدوء :
_ مكنش معايا رصيد اتصل بيك، وبعدين إيه اللي حصل يعني ؟! دي كلها خطوتين لأوضتي مش محتاجة اتصالات؟!
زم زايد شفتيه بغيظ شديد، فأستئذنت شروق وذهبت لزملائها مع نظرة ذات معنى لفرحة، فقال بعصبية :
_ وبعدين إيه اللي انتي لابساه ده ؟!
نظرت له فرحة بقوة وقالت :
_ اللي أنا لابساه فستان مش مبين من جسمي سم، حاجة محترمة ومش مُلفتة، بس مش ذنبي أني أنا اللي مُلفتة وحلوة مهما لبست، وبعدين أنت ناسي أنك أنت اللي جبتهولي وده اختيارك !!.
كاد أن يسحق زايد أسنانه من فرط الغيظ، فقبض على معصمها وقال بتهديد :
_ هنطلع الجناح بتاعنا دلوقتي.
ولكن اتت الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد ظهرت تلك الفتاة الزاحفة خلفه بكل مكان وقالت وهي تتعمد التحدث معه بتغنج وصوت مثير:
_ اختفيت فين فجأة كده يا زيدو؟! .. مش قولتلي راجعلك تاني ؟!.
رددت فرحة الاسم بسخرية وقالت :
_ زيدو !!.
ضحكت ” صوفي” ضحكة عالية ناعمة واكدت الأمر :
_ آه زيدو ، هو بيحب الدلع ده مني، متعود على كده من زمان.
نظرت فرحة له وقالت بسخرية :
_ متعود من زمان ! .. آه قولتيلي، طيب اسيبكم بقا ياروحي تبقوا براحتكم.
وتحركت فرحة والدماء تغلي بعروقها ولكنها تظاهرت باللامبالاة، فجذبها زايد اليه بعصبية لتبقى، وهتف بوجه صوفي وقال باحتقار :
_ من أمتى وأنا بحب حتى الكلام معاكي يا صوفي؟! .. ولا ناسية أني طردتك من مكتبي قبل كده وحذرتك تطلعي عليا اشاعات اني على علاقة بيكي !، بس مش عشان مستحمل بالعافية طريقتك السخيفة أبقى قابلها ؟! .. لا فوقي عشان ما اكررش اللي عملته معاكي مرة تانية.
احتقنت عينان صوفي بالكراهية والغضب وقالت :
_ أنت قليل الذوق بشكل !!. .. بقا أنا تكلمني وتعاملني كده عشان دي ؟!
وأشارت لفرحة باحتقار، وكادت أن ترد فرحة بغضب، حتى منعها زايد ورد عنها قائلًا:
_ وأنتي ومليون واحدة زيك ماتملوش مكانها دقيقة واحدة عندي، اعرفي حجمك وشوفي أنتي بتتكلمي عن مين، دي مراتي يا حقيرة!، ولا أنتي كنتي فاكرة أني يوم ما هتجوز هفكر في اللي زيك ؟!.
ابتسمت فرحة بشماتة وأرادت أن تضحك، فقالت بثقة وهي تضع يدها بيد زايد:
_ معلش يا حبيبتي، هتلاقي اللي يعبرك أن شاء الله، متيأسيش .. أنا زعلانة عشانك أوي، بصي حاولي معاه تاني.
نظرت صوفي لهما بكراهية وشيء بعينيها يعلن الانتقام، وقالت لزايد :
_ هدفعك تمن اللي قولته ده غالي أوي يا زايد، وهعرفك الحقيرة دي ممكن تعمل فيك إيه، ما تثقش في نفسك أوي كده عشان صوفي لما بتشغل دماغها ضد حد بتدمره.
ردت فرحة عليها بثقة رغم الهزة القلقة بداخلها والتي اخفتها وقالت :
_ ساعتها أنتي اللي هتزعلي من اللي هعمله فيكي يا صوفي ياختي، أصلي بنت بلد أوي وحقي مابيباتش برا، ما أنا مش هقف اتفرج عليكي يعني ! .. وكيد الحريم طايلني وطايلك يا حبيبتي، لو عايزة تتأكدي جربي وهتشوفي هعمل فيكي إيه، مع أنك مش هتلحقي تشوفي ولا تحسي أصلًا.
رمت صوفي نظرة محتقرة على فرحة وبدا عليها أنها قلقت من تهديد فرحة بالفعل، ثم اختفت من أمامهما بعد لحظات، فقالت فرحة لزايد الذي بقا صامتا وهو شاردا بفرحة وعينيه يلتمع فيها شيء:
_ ايه الاشكال العرة اللي كنت بتعرفها دي ؟!.
لم يتحدث وظل صامتا، حتى قالت فرحة بغيظ:
_ مش قادر تتكلم طبعاً.
ظهرت ابتسامة سريعة على جانب فمه وسرعان ما أخفاها وقال :
_ تعالي نتمشى شوية برا.
ارتبكت فرحة من نظرات عينيه ولمسة أصابعه على يدها، ثم خرجت معه للحديقة الخلفية للفندق، وكانت ابتسامته تتسع كلما اقترب للحديقة فسألته حتى تقطع هذا الصمت المربك:
_ بتضحك على إيه ؟!.
وقف زايد أمامه ونظر لها بابتسامة للحظات، ثم أجاب :
_ بحب دفاعك عني، بحب طريقتك وأنتي بتحاولي تحميني من حد، بحب رد فعلك في المواقف اللي زي دي، بعشق ثقتك في نفسك ولمعة عنيكي والقوة اللي بتكون فيها، أنتي تركيبة عجيبة مجنناني!!.
تسللت ابتسامة لشفتيها، ثم قالت بمرح لتخفي ارتباكها:
_ دي أقل حاجة عندي.
نظر إليها مبتسما بمحبة صادقة، ثم جذبها إليه وضمها بقوةً، واقسمت أن هذه اللحظة أصدق ما مر بينهما.
************
استفاقت جيهان بعد وقتٍ لتجد وجيه بقرب سريرها الطبي وممرضة تفرغ حقنة طبية بمحلول طبي، اقترب وجيه حينما لاحظ استفاقتها ببطء، وسمعت صوته ضعيفا بعيدا وهو يقول برفق:
_ حمد الله على سلامتك يا جيهان.
كانت الرؤية أمامها لا زالت مشوشة وضبابية، وببطء كانت تستعيد وعيها وترى بشكل أوضح، وعندما استفاقت بشكل تام بعد وقت، اجتمعت الدموع بعينيها وتاهت للبعيد، وكان وجيه بذلك الوقت يجري اتصال هاتفي سريع، وعندما عاد إليها ابتسم وقال :
_ أنتي بقالك قد إيه ما نمتيش كويس؟!
تنهدت جيهان تنهيدة عميقة، ثم قالت والدموع فضحت حزنها الدفين:
_ كان بقالي سنين، كنت خلاص صدقت أني هرتاح.
ضيّق وجيه عينيه بغرابة وشعر بأن هناك شيء لا يعرفه، ولكنها ليست مستعدة للاستجواب حاليًا بتلك الحالة فقال بلطف:
_ هنتكلم بعدين، ارتاحي دلوقتي عشان بكرا الصبح في موضوع مهم جدًا لازم تعرفيه.
وكانت جيهان غير مستعدة لأي مناقشة، فقالت برجاء وهي تبك:
_ ارجوك بلاش كلام دلوقتي يا وجيه .. ارجوك.
وافق واشفق على حالتها وقال :
_ خلاص ارتاحي .. وأنا هفضل هنا لو احتاجتي حاجة.
رفضت جيهان وقالت وهي تنظر له وقد فهمت أنه ينظر إليها بنظرة الواجب والمسؤولية:
_ لأ يا وجيه، ليلى هتقلق عليك كده، ارجع أنت ونتكلم في اي وقت تاني .. أنا هرجع أنام تاني، مش عايزة أفضل صاحية، سيبني أنام حتى لو أسبوع أو أكتر.
وهنا قد أزداد شكه بأنها تمر بحالة اقرب للاكتئاب، وذلك ليس بدون أحداث بالتأكيد، فنظر لها بعدم فهم وظل لبعض الوقت ثم غادر المشفى .. وعلى عكس ما قالته جيهان، فقد ظلت مستيقظة وانتابها حالة عنيفة من البكاء والرفض لأي اسئلة مطروحة من الممرضات والأطباء.
**************
أتمّ أكرم مهمته مع تلك المخلوقة اللعوب، وتركها بالمكتب القديم بالطابق الأرضي، وركض على الدرج باحثا عن جيهان ليشرح لها الأمر بوضوح ويعتذر، ولكنه حينما ذهب لغرفة الفتيات وجد أعينهن غارقة بالدمع، فقلق وتساءل عن السبب، فقالت وصيفة وهي تبك بحرقة:
_ ماما جيهان مشيت وسابتنا، أنا زعلانة منها أوي ومش هكلمها تاني.
قالت أشهاد وهي تشهق من البكاء:
_ هو أحنا هنشوفها تاني عشان نكلمها أصلًا، ما خلاص كده.
وقفت رضا وهي تبك وتصرخ فيهن:
_ كنت بقولكم ما تقربوش منها وبحذركم، خليتوني حبيتها واتعلقت بيها وبقيت اقولها ماما زيكم وفي الآخر سابتنا وماسألتش فينا ! .. يعني كانت بتضحك علينا لما قالت أنها هافضل هنا معانا !!.
لم يصدق أكرم ما يسمعه، واهتزت اركان قلبه، كان يعرف أنها ستغضب وتغار وتثور، ولكن أن يصل الأمر للرحيل والهجر دون حتى أن تتحدث معه فهذا لا يعني سوى شيئاً واحد .. فقال بعدم تصديق :
_ لأ اكيد في شيء غلط .. هي اكيد راحت بيت الخيل ومخافية هناك، عروح أشوفها حالًا.
أوقفته أشهاد وهي ترتجف من البكاء :
_ ما تتعبش نفسك وتدور عليها، هي مشيت بجد، عم مغاوري شافها وهي بتركب عربية كانت واقفة قدام القصر.
صدم أكرم صدمة عمره وظل متسمرا للحظات في ذهول، ورغم ذلك لم يصدق أنها رحلت بتلك البساطة ! .. خرج من غرفة الفتيات وظل يبحث عنها بجنون بكل زاوية بالقصر وينادي عليها، ولكن لا وجود حتى لظلها ..
فهرع حتى غرفة الحارس العجوز، ولكنه وجد الصغار جميعهم جالسين بالطريق يبكون بحزن شديد، ويبدو أن الخبر صحيح، فوقف أكرم ناظرًا للطريق المظلم بشعور فقدان وحزن كاد أن يقف له قلبه .. ولكنه قال بعد ذلك بحسم :
_ هرجعها ، هرجع القاهرة دلوقتي وهلاقيها ، لازم ترجعلي ..
هتف الصغار به لأول مرة بتلك الطريقة :
_ لو ما رجعتش ماما جيهان مش هنقعد هنا، هندور عليها في الشوارع وهنلاقيها ..
ابتلع أكرم مرارة بحلقه واسرع لسيارته والنار تشتعل بقلبه، وقبل أن ينطلق بالسيارة وجد “راندا” تأت وتفتح باب السيارة وتجلس بجانبه وتسأله بدهشة :
_ أنت مش قولت هنسافر بكرا القاهرة ؟!.
ضغط أكرم على نواجذه بغضب شديد وانطلقت سيارته في الطريق دون أن يُجيبها.
************
انتهت حفلة الزفاف البسيطة والتي تحدد موعدها بعد عقد القران بأياما قليلة، وأخذ أمجد عروسة سمر للسيارة المزينة المنتظرة بالخارج لتنقلهم لشقتهما، فأجلسها وجلس بجانبها مبتسما بسعادة شديدة .. ولحظات وكانت السيارة تسير بالطريق .. وأمجد وسمر يتشاركان المزاح والضحك، حتى انتبهت سمر لبائع حلوى كانت تحبها وهي صغيرة ، فهتفت قائلة :
_ الله ، من زمان ما أكلتش البتاعة دي
ضحك أمجد وقال بسخرية :
_ بتحبيها ومش عارفة اسمها ؟!
نظرت له بغيظ ، فارتفعت ضحكة أمجد وأوقف السيارة قائلًا للسائق :
_ طب استنى يا عم محمد اجيبلها البتاعة دي اللي مش عارفة اسمها.
وخرج من السيارة وهو ما زال يضحك، فابتسمت له سمر بمحبة وظلت عينيه عليه وهو يمازح بائع الحلوى ويشير اليها ويضحك مع الرجل، وانخلع قلبها عندما انتهى حديثه وقرر العودة إليها، ولكن صدمته سيارة لا تعرف من أين ظهرت وارتمى أمجد على الأرض غارقا بدمائه.
وصرخت سمر بأعلى صوتها وهي تخرج من السيارة وتهرول إليه.
**************
ذرعت ليلى غرفة نومها ذهابا وإيابًا وهي تنظر كل دقيقة لساعة معصمها، حتى توجهت وفتحت باب الشرفة وهي تستنشق الهواء بعصبية ، وتفاجأت بدخول وجيه الذي لم تنتبه لصوت سيارته حتى من فرط توترها !.
فنظرت له بغيظ وقالت :
_ كان فاضلي دقايق وأخرج ادور عليك في الشوارع !!.
خلع وجيه معطفه وتوجه إليها بابتسامة قائلا بمشاكسة:
_ ما هو أنا اتصلت بيكي وتليفونك غير متاح !!.
قالت بحدة:
_ من كتر ما بتصل بيك خلص شحن، بس ما تتوهنيش في الكلام يا أستاذ، وقولي كده براحة …كنت فين ؟!.
اتسعت ابتسامته من طريقتها وأجاب :
_ كنت في المستشفى يا ماما !
قالت ليلى بغيظ منه :
_ أنت بتهزر يا وجيه؟! يعني أبقى قلقانة عليك بالشكل ده وأنت مش همك ؟!.
ابتسم لها بمحبة ورفع خصلة كانت ملتصقة بعينيها الحبيبتان لقلبه، ثم أجاب بهدوء :
_ كنت في المستشفى واللي اخرني أن جيهان رجعت، بس رجعت تعبانة جدًا وكان لازم أبقى موجود.
ابتلعت ليلى ريقها وهي تنظر له بمحاولة قاتلة أن تخفي غيرتها فقالت :
_ آه أنا عارفة إنك حنين وشهم وكده.
اتسعت ابتسامته بمكر وقال :
_ وإيه كمان ؟
هتفت بوجهه بعصبية:
_ ومستفز !!
ضحك وهو يجذبها اليه ثم قال بلطف شديد :
_ يا ليلى .. جيهان لسه ليها حقوق عندي، بس تقدري تسميها أخوة أو صداقة .. مش من الرجولة أبدًا أني اسيبها في الحالة دي وهي أصلًا مالهاش حد ..
قالت ليلى بعتاب :
_ كنت بتسيبها عشاني زمان، بس دلوقتي بتسيبني عشانها !!.
أجاب وهو ينظر لعينيها بلوم شديد وقال:
_ أنا عمري ما سيبتك عشان مخلوق يا ليلى، من أول ما عرفتك وأنتي كل حاجة بالنسبالي، وجودي جنبها في الأزمات واجب ، لكن وجودي جانبك قبل جوازنا مكنش واجب عليا، كان حب .. حب الانسان مش بيقابله في حياته غير مرة واحدة وبس.
ابتسمت ببطء وقالت :
_ فيلسوف أوي وبتعرف تاكل عقلي بكلمتين !.
قال بابتسامة وبنظرة ماكرة ليستفزها :
_ أنا مقنع جدًا.
قالت بدهشة :
_ يعني كنت بتكدب عليا ؟!
ارتفعت ضحكته وهو ينظر لها، فأخفت ابتسامتها لتظهر بالثبات المطلوب للموقف، ولكنها لم تستطع وشاركته.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سيد القصر الجنوبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *