روايات

رواية جبر السلسبيل الفصل الخامس عشر 15 بقلم نسمة مالك

رواية جبر السلسبيل الفصل الخامس عشر 15 بقلم نسمة مالك

رواية جبر السلسبيل البارت الخامس عشر

رواية جبر السلسبيل الجزء الخامس عشر

رواية جبر السلسبيل
رواية جبر السلسبيل

رواية جبر السلسبيل الحلقة الخامسة عشر

سطعت شمس نهار يومًا جديد،
إنتقلت “سلسبيل” من غرفة العناية بعدما تحسنت حالتها بشكل أذهل الأطباء المشرفين على حالتها، بفضل الله أولاً و من بعده “عبد الجبار” الذي ظل معاها الليل بأكمله محاوطها بذراعيه بحماية و يده تربت على ظهرها بحنان بالغ حتى رضاها و عالج جروحات قلبها الغائرة..
سنوات طويلة عانت خلالهم من قلة الراحة، لم تنعم بنومٍ أمن مثل اليوم و هي بين يديه رأسها تتوسط صدره، تستمع لنبضات قلبه التي أصبحت بالنسبة لها أجمل و أعذب الألحان..
بينما هو لم يغمض له جفن، ظل يتأملها بشغف، يحفظ أدق تفاصيلها، يغرقها بسيل من قبلاته الدافئة دون توقف، و كم راقه مذاقها جعله يتمني لو يأكلها كما لو كانت حبة فاكهة طازجة شهية سال لعابها لها..
صوت طرقات على باب الغرفة جعله يبتعد عنها على مضض،دثرها جيدًا بالغطاء و هب واقفًا و سار نحو الباب مهرولاً..
كانت “خضرا”..
تقف أمام باب غرفة “سلسبيل” بعدما دلتها إحدي الممرضات عليها، تحاول إخفاء دموعها التي تجمعت بعينيها، الغيرة نيران تنسكب على قلب العاشق، و هي تُهيم بزوجها عشقًا، ما تشعر به الآن ألم لا يوصف ينهش روحها ، رسمت ابتسامة باهته على ملامحها،و أخذت نفس عميق زفرته على مهلٍ و من ثم طرقت على باب الغرفة بيدها المرتجفة..

 

 

 

 

و ظلت واقفة تنتظر سماع صوت زوجها يأذن لها بالدخول، لا تريد اقتحام خلوته معاها حتي لا تري شئ يزيد من ألمها أكثر، شهقت بخفوت حين فُتح الباب فجأة، و خرج منه “عبد الجبار” و أغلقه خلفه بحرص حتي لا يزعج تلك النائمة..
“تعالي يا خضرا.. رايد اتحدد وياكِ هبابة”..
قالها و هو يقبض على كف يدها برفق، و سحبها خلفه نحو مقاعد الإنتظار، اجلسها، و جلس على المقعد المجاور لها، و مازالت يدها داخل كفه،بل انه اعتدل تجاهها و ضم كفها بكلتا يديها مردفًا..
“خضرا يا غالية.. اسمعي حديتي اللي هقولهولك زين”..
كانت” خضرا ” خافضة رأسها تخفي عبراتها التي خانتها و هبطت على وجنتيها فور وقوع عينيها على وجهه المشرق، و لمعة عينيه الجديدة كليًِا عليه و التي تظهر مدي فرحته الغامرة بعد قضاء الليل برفقة من عشقها قلبه، رغم أنه يجاهد حتي يظهر عكس ما بداخله،
” اتحدد ياخوي.. أني سمعاك”..غمغمت بها “خضرا” بابتسامة حزينة جعلته يصك أسنانه بقوة كاد أن يهشمهم، ساد الصمت بينهما للحظات كان هو يمسد على يدها بأنامله بحركة دائرية،و ينظر لعينيها نظرة راجية حتي تتوقف عن البكاء..
“غصب عني يا عبد الچبار.. والله غصب عني..مقدراش.. نار جلبي واعرة قوي قوي و خايفة مِنها عليك و على البنته الصغيرة اللي ملهاش ذنب في أي حاچة واصل”..
همست بها” خضرا” بتقطع من بين شهقاتها و هي ترفع كف يدها الأخرى و تضرب علي موضع قلبها بعنف،
أسرع “عبد الجبار” بأمساك يدها، و مال عليها قبلها بعمق، لتتوقف” خضرا ” عن البكاء في الحال، ضحكت بخجل رغم عبراتها التي تهبط على وجنتيها، و حاولت سحب يدها من يده لكنه لم يتركها، بل أنه زاد من خجلها حين تنقل بشفتيه من يد للأخري مغمغمًا..

 

 

 

“إلا دموعك أنتي يا غالية”..
” أنت اللي غالي يا أبو فاطمة”..
قالتها بستحياء بصوت بالكاد يُسمع من فرط خجلها..
رفع رأسه ونظر لها بابتسامته الجذابة مرددًا..
“كفاياكِ بكي عاد.. لو أني غالي عنِدك صُح”..
توقف عن البكاء في الحال بعد جملته هذه حتي تثبت له مدي غلاوته عندها، تنهد” عبد الجبار” براحة حين هدأت نوبة بكائها..
“أني عمري ما يهون عليا زعلك، و لا وچع جلبك يا خضرا..زيي ما إني متأكد أن زعلي مهيهونش عليكِ واصل.. بس كمان لازم تعرفي أن سلسبيل بقت مَراتي هي كمان و ليها حقوق عليا و انتي مهيرضكيش ابجي ظالم واحده منِكم و عشان أكده اسمحيلي أكون چنب سلسبيل في شدتها لأنها بقت مسؤلة مني”..
” وه.. بستأذني يا عبد الچبار!!! “..
أردفت بها بعتاب مكملة..
” البنته في شدة و ملهاش حد غيرنا دلوجيت.. و أني كنت عفشة في حديتي وياها عيشة و تاه عن بالي تعبها و عتبانه على حالي والله يا خوي و مش هرتاح إلا لما أرضيها و احب على راسها كمان “..
ربتت على كتفه و تابعت بنبرة متوسلة..
” و أنت كمان يا عبد الچبار اوعاك تزعل مني لو غيرت منِها عليك.. بيبجي غصب عني.. عقلي بيچن مني يخليني أقول حديت ماسخ ملهش عازة.. أبقى أصبر عليا و أني هعاتب روحي و اچي أتحقلك”..
تطلع لها بنظرات منذهلة، دومًا تبهره بقلبها الماسي، و معدنها الأصيل..
“طول عمرك أصيلة و بت أصول يا خضرا”..
قالها و هو يرفع كف يدها على شفتيه ويلثمه ثانيةً بحرارة، و انتصب واقفًا ساحبها معه و سار بها تجاه غرفة “سلسبيل” مكملاً ..
“أني هسيبك وياها و اطلع على الشركة عندي اچتماع مهم لازم احضره.. هخلصه و اعاود طوالي”..
قالها و هو يُكمل سير مبتعد عن الباب الذط توقفت أمامه “خضرا” لن يدلف للداخل برفقتها حتي لا تري نظرته لتلك الصغيرة و لهفة عينيه لها..
“روح أنت متشلش هم واصل.. أني هفضل وياها اهنه و هاخد بالي منِها لحد ما تعاود”..
قالتها” خضرا ” و هي تفتح الباب و تخطو للداخل و اغلقته خلفها..
………………………………….لا إله إلا الله 💐……..

 

 

 

 

مطار القاهرة الدولي..
أعلنت الميكرفونات عن وصول رحلة قادمة من كندا، وقف على باب الطائرة الذي فُتح للتو و أخذ نفس عميق يملئ رئتيه بهواء بلده الذي اشتاقها حد الجنون بعد غياب أكثر من ثمانية أعوام بالغربة، لم يأخذ خلالهم أجازة واحدة..
ترك بلده الحبيب و سعي وراء لقمة العيش، بعدما عاني من الفقر الشديد هو وأسرته فقد بسببه أحب و أغلى البشر لقلبه، حتي جائته فرصة السفر فأقسم أن لن يضيعها هباء، اجتهد و عمل في أصعب و أخطر المهن حتي تمكن من إثبات ذاته و أصبح ذو شأنً كبير في مدة قصيرة، و عاد أخيرًا حاملاً معه الخيرات لأهله..
هبط الدرج على مهلٍ و عينيه تدور بالمكان من حوله بلهفة،
مد يده لجيب سرواله أخرج هاتفه، ليصدح صوت رنينه فور فتحه، فتحدث هو بمزاح..
“جدي يا جدي يا جدي”..
“جابر.. يا حبيب جدك.. أنت فين يا ابني”..
“أنا في مصر.. رجعت يا جدي.. رجعت علشان أرجعلك بنت بنتك”..
صمت لوهلة و تابع بتنهيدة إشتياق..
“سلسبيل”..
……………………………….. لا حول ولا قوة الا بالله 💐…….
“سلسبيل”..

 

 

 

 

شحب لونها حين فتحت عينيها وجدت نفسها وحيدة بالفراش من دون زوجها، للحظة ظنت أنها كانت تتوهم وجوده معاها، و لكن رائحة عطره الذي يحاوطها جعلها تتأكد أن ما عشته كان حقيقي، لم يكن إحدي أحلامها..
انبلجت ابتسامة على شفتيها المتورمة أثر قبلاته و هي تستعيد ذكري لمساته و همساته لها التي تذيب قلبها، كانت “خضرا” مستندة بظهرها على باب الغرفة المغلق تتابعها بأعين جاحظة تنهمر منها العبرات بلا توقف حين لمحت آثار لمسات زوجها لها، و ما تركه من علامات مميزة على عنقها و شفتيها..
صوت أنينها وصل لسمع “سلسبيل” انتشالها من قاع أحلامها الوردية، بصفعة دامية اعادتها لواقعها المرير حين رأت حالة “خضرا” التي قطعت نياط قلبها على حين غرة..
“أبلة خضرا”.. همست بها و هي تعتدل جالسة بوهن..
“كفاية عياط ونبي يا أبلة خضرا.. حقك عليا والله”..
قالتها ببوادر بكاء و هي تحاول مغادرة الفراش بضعف،تمكنت من الوقوف بصعوبة بالغة، وحاولت تسير نحوها لكن تهاوي جسدها لم يسعفها فسقطت جالسة أرضًا بقوة..
“يا جلبي يا بتي”.. صرخت بها “خضرا” و هي تركض نحوها، و جلست على ركبتيها أرضًا أمامها تتفحصها بلهفة و تساندها بحرص حتي اعادتها لفراشها مرة أخرى..
“أنا أسفة.. حقك عليا”..

 

 

 

 

همست بها “سلسبيل” ببكاء حاد و هي ترتمي داخل حضنها و تبكي بنحيب..
ربتت “خضرا” على شعرها بحنو، و تحدثت بابتسامة رغم عبراتها التي تهبط على وجنتيها ببطء..
“إني مش زعلانة منِك يا خيتي..بالعكس أني زعلانة من طريقة حديتي الماسخ وياكِ.. عبد الچبار بجي چوزك زي ما هو چوزي و ليكِ حق عليه زيي تمام، و عشان أكده أني بحلك من وعدك ليا”..
رفعت” سلسبيل” رأسها و نظرت لها بذهول، لتزيل “خضرا” دموعها بيدها الحنونة و تابعت بغصة يملؤها الأسى ..
” بس متبجيش تاخدي على خاطرك مني لما أزيط فيكِ سواعي أكده من غيرتي و حرقة جلبي يا سلسبيل “..
” صعبتيها عليا أكتر بحنيتك، و طيبة قلبك دي يا أبلة خضرا”.. أردفت بها” سلسبيل” بأسف، واجهشت ببكاء مرير مكملة..
” مش هيهون عليا أحرق قلبك حتي لو التمن قلبي أنا”

اترك رد

error: Content is protected !!