روايات

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل السادس عشر 16 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل السادس عشر 16 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي البارت السادس عشر

رواية سيد القصر الجنوبي الجزء السادس عشر

رواية سيد القصر الجنوبي الحلقة السادسة عشر

اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
صلِ على النبي 3مرات
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات
وقال :
_ اتفضلي اتكلمي .. أنا عايز اسمعك.
انتبهت جيهان لطريقة التي تحبها لا تنكر، ونظرت له وتخيلت كم المشاهير الذي قابلهم وتعامل معهم، وشعرت بالغيرة !!!
بالتأكيد هذا الرجل كان لديه صفوف من المعجبات خلافا لمن يتعامل معهن بالعمل من الحسناوات … تنفست بغيظ ثم تمالكت نفسها وقالت :
_ انا اتكلمت مع شامي .. وكنت عايزة الفت نظرك لحاجة.
رد عليها بنظراته الجذابة وقال كأنه يسايرها فقط للمجاملة :
_ الفتي نظري زي ما تحبي.
تغاضت جيهان عن تلميحاته وقالت بجدية :
_ أنا عارفة إنك بتحب الولاد دول بجد .. بس ليه مش بتحاول تصاحبهم ؟! .. دور الأب مش مقتصر عن الاوامر والتعليمات والشخط والنطر والاكل والشرب بس ! .. الأبوة حكمة ومسؤولية وصداقة وحنان وحاجات كتير أوي ..
سأل اكرم باهتمام وقال بجدية:
_ طب أنتي عايزاني اعمل ايه من وجهة نظرك ؟
اقترحت عليه جيهان بصدق وقالت:
_ عايزاك الأول تحل موضوع شامي ، أنا اقنعته يفضل هنا .. بس حاسة أنه لسه واخد على خاطره منك .. عايزاك تتكلم معاه وتصالحه وتصاحبه .. الولاد دول عشان فعلًا تقوّم سلوكهم وتعدله لازم تخليهم يحبوك ويبقوا قريبين منك … لازم الاول تخليهم صحابك .. وبما أنك انت كمان مالكش صحاب فمحتاج ليهم ..
صنعت له فخا ووقع فيه حينما قال بسخرية:
_ ماليش صحاب ؟!!! … أنتي ما تعرفيش عني حاجة عشان تقولي كده !.. انتي لو عرفتي عددهم هتتخضي!.
استغلت جيهان الفرصة بمكر وسألته:
_ من أول ما وصلت هنا وأنا بسأل نفسي دايمًا، إيه اللي يخليك تسيب الدنيا بحالها وتيجي تعيش لوحدك هنا في قصر مهجور ومكان مقطوع زي ده؟!
أجاب أكرم وعينيه زائغتان للبعيد كأنه يتذكر شيء يكرهه:
_ أولًا أنا مش لوحدي، ثم أن المكان اللي مش عاجبك ده احسن بالنسبالي من افخم قصر في الدنيا اللي بتتكلمي عنها، أنا مرتاح هنا .. مرتاح من النفاق والغدر والكدب ..
ونظر لها ويبدو أنه من البداية وقع بالفخ بقبول وذكاء وقال بتلاعب:
_ تعرفي .. أبسط واحدة قابلتها وحبتني كانت مصممة تغيرني !! .. كانت عايزاني ابقى ليها وبس !!.
وتابع بابتسامة ماكرة عندما لاحظ عصبيتها التي بدأت في الظهور:
_كل واحدة قابلتها في حياتي كانت بتحاول تغيّر فيا حاجة.
ردت جيهان بحدة:
_وانت شايف أن دي مشكلة؟!
أجاب اكرم بسخرية :
_ اللي بيحب حد ما بيحاولش يغيره!
اعترضت جيهان بقوة وكأنها المعنية بالحديث:
_ تبقى حافظ مش فاهم، اللي بيحب حد بيحاول يغيره للأحسن، بيبقى خايف عليه من تكرار أخطائه، أزاي تبقى واحدة بتحبك وتشوفك بتغلط وماتحاولش تساعدك تتغير وتبقى احسن!
لو ده مبدأك تبقى أنت اللي فاهم الحب غلط مش كل اللي قابلتهم…!
نظر لعينيها مباشرةً وشعرت أنه من كان ينصب فخا بالاساس وطرح سؤاله الصدمة:
_ وأنتي الحب بالنسبالك ايه؟ … ويا ترى اتحبيتي بالطريقة اللي بتتكلمي عنها دي ؟! ..
توترت جيهان وجف ريقها، ثم تمالكت نفسها وأجابت بثبات:
_ الحب بالنسبالي هو الوجود … أنك تبقى موجود وتفضل رغم كل شيء .. تصر على وجودي حتى لو عايزة أبعد .. لأني حتى وأنا ببعد ببقى عايزة أبقى!…
فقال بنظرة عاتبة :
_ عشان كده مش عايزك تمشي ..!
تسمرت جيهان من جملته وابتلعت ريقها بصعوبة .. حتى تابع أكرم وعينيه بها حزن غير مفهوم مصدره :
_ راجعي حساباتك يا جيهان .. لأني مش عايز أجبرك على شيء ..
صمتت جيهان بارتباك شديد .. حتى طرح النص الاخر من سؤاله مجددا وقال :
_ بس مجاوبتنيش … أنتي اتحبيتي بالطريقة اللي بتتكلمي عنها دي ؟
وسرحت جيهان بسؤاله، ومر أمام عينيه خذلان الجميع، وعذاب الماضي .. وكيف يمكن فجأة أن يجد الانسان الحب وهو يعتقد أنه ببداية النهاية .. ابتسمت بتعجب رغم الدموع التي سقطت من عينيها ولم تشعر بها .. واستقبل أكرم دموعها بشيء طعن قلبه وقال بعذاب :
_ للدرجة دي كنتي بتحبيه ؟!
شعرت بضرورة التوضيح واجابت :
_ انا اطلقت لأني اكتشفت عكس كده.
اتسعت عيني أكرم بذهول .. لم يظن للحظة أنها مطلقة ! .. لم يكن بالأمر السيئ سوى انه لم يتوقع ذلك فقط !! .. والتزم الصمت للحظات، فنظرت له جيهان وراقبت ردة فعله بألم … وشعرت برغبة قوية في الابتعاد .. فربما قد تفاجأ، وربما يغير رأيه في قربها .. ربما أي شيء، ولابد أن تبتعد حتى يحسم رأيه، فنهضت وابتعدت.. ولم يشعر بذهابها من فرط صدمته الا عندما ابتعدت بالفعل، وزفر بضيق عندما شعر أنه جرحها بصمته .. ولكنها لأول مرة تذكر هذا الأمر ..!
استولت الصدمة عليه من جديد وهو يتخيلها مع رجلًا آخر … ضغط على أسنانه من فرط العصبية وهو يعود لغرفته أو بالأصح لعزلته.
*************
وعندما اختفت الشمس وبدأت ساعات الليل ..
وقفت فرحة أمام المرآة بصالون التجميل عندما بدلت ثوبها بالثوب التي ستحضر به الحفلة وبأتم زينتها وتألقها .. وابتسمت لنفسها بإعجاب شديد وهي تحاسب المصففة وتلملم أغراضها .. وعندما خرجت فوجئت بـ “زايد” وهو يجلس بسيارته بالمقعد الخلفي ونظراته شرسة لها .. !
لم تكترث كثيرًا فخمنت أنه سيغضب عندما يرها متزينة وستلفت الانظار بطلتها اليوم .. فتوجهت له بابتسامة واثقة وزهو، ثم وقفت أمام السيارة وهي تسأله بثقة :
_ ايه رأيك بقا يا زوجي العزيز ؟! … مش بذمتك قمر وأحلى من القمر كمان ؟!.
نظر زايد أمامه بنفس تعبيرات وجهه الحادة وأجاب مختصرا:
_ اركبي .. خلينا نخلص.
اغتاظت فرحة منه وقالت :
_ ايه الرد البارد ده ؟!
صاح بها بعصبية لم تكن مبررة :
_ قولتلك اركبي وإلا هنزلك ؟!
تعجبت فرحة من عصبيته دون سبب! .. وتحركت بوجوم وجلست بجانبه دون القاء كلمة أضافية، وعندما تحركت السيارة كانت الدماء تغلي بعروقها فقالت بانفعال فجأة وهي تتوجه وتنظر للجالس بجانبها :
_ ايه بقا مشكلتك ؟! .. أنا عملت إيه للعصبية دي ؟! .. أنا مستأذنة منك قبل ما أمشي وكمان متأخرتش وخرجت بدري عن ميعادي ، يبقى ليه طريقتك دي ؟!
نطق بتهديد دون أن ينظر لها :
_ مش عايز اتكلم ولا اسمع أي صوت ..
رددت فرحة اسمه بدموع وكأنها تعاتبه:
_ زايد ..
فقاطعها وهو يصرخ بها غاضبا:
_ قولت مش عايز اتكلم ولا اسمع صوت .. أنتي ما بتفهميش؟!
ذهلت من عصبيته لتلك الدرجة، ورغم غضبها التي كظمته واهانته لها التزمت الصمت !!.
وظلت تمسح دموعها الساقطة في صمت حتى وقفت السيارة أمام منزل عائلته، وتقريبًا جرها للداخل .. ولكن ليس لداخل الحفل الذي بدأ بالفعل .. ولكن لزاوية بعيدة عن الأعين.
أوقفها زايد وأشار لها بتحذير وتهديد :
_ أي تصرف منك هيضايقني أو مش هيعجبني النهاردة متنتظريش مني غير الإهانة وقدام الناس!.
لم تستطع الصمت أكثر من ذلك وأجابت بانفعال:
_ إهانة !! .. وتفتكر إني هسمحلك تهيني اصلًا حتى لو لوحدنا ؟!.
قطع حديثها بنبرة حادة ارعبتها وقال:
_ عدي يومك عشان أنتي عارفة كويس الوش التاني عامل أزاي ..
فسألته فرحة وهي مصدومة بتحوله هذا من جديد :
_ حصلك إيه ؟ .. أنا عايزة أفهم ؟!.
أطبق زايد شفتيها وكتم غضبه بإعجوبة ثم استند على عصاه وأخذها باليد الأخرى ونظراته النارية لا تنذر بالخير .. بينما تذكرت فرحة تحذيرات الطبيب وتعليماته .. فتحكمت بأعصابها وتحملت تصرفاته تلك رغم رعونتها ..
وعندما دخلا للحفل توجهت الانظار عليهما بترحيب .. وبدأ زايد يرد على التهاني الموجهة اليه بايماءات مجاملة رسمية ، ولا زالت يده تقبض على أصابعها بتملك وسيطرة !!
وعندما اقترب منه عدد من الرجال همس له بأمر:
_ خليكي قاعدة هنا ما تتحركيش ..
اشار لمقعد قريب وتقريبا دفعها نحوه!! .. وجلست فرحة وهي تنظر له بصدمة ، ثم ابتلعت ريقها وهي تحاول بكل قوتها كظم غيظها وعصببتها …. وكان ينظر لها كل دقيقتين تقريبًا ليتأكد من وجودها .. وعندما شعرت بسخافة جلوسها بتلك الطريقة وهي منزوية عن الجميع كأنها ترهبهم، نهضت وسارت عدة خطوات بين الحشد .. لم يكن بالاختلاف الكبير ، ولكن شعرت بأنها تريد تحديه .. فتطلع بها بنظرة مخيفة لتعود مكانها ولكنها لم تأبه به ..
وفجأة التف حولها عدد من الفتيات والشباب المدعوّين بالحفل، وقد أرادت تجاهل ما تمر به ولو قليلًا، حتى انتبهت لأحدهم وهو ينظر لها بنظرة بطيئة متفحصة، وجريئة!
وهنا تأكدت أنه كان يكذب حينما قابلها بالصباح وحاول اقناعها بصدق حديثه.
تجاهلته تمامًا رغم ضيقها من نظراته التي تدقق بجسدها… وبعد لحظاتٍ اقترب ” هيثم” من هذا التجمع وقال لها بلباقة ونظرات ماكرة شهوانية:
_ شايفك مش واخدة راحتك يا فرحة! ، ماتنسيش أنك بقيتي من العيلة خلاص! .. بتبصيلي كده ليه ؟! .. احنا مش خلاص اتصالحنا؟!
كادت أن ترد عليه، ولكنها وجدت يد تحاوط خصرها بقوة وتملّك، ف نظرت لـ ” زايد” بدهشة، وارتابت من نظراته الحادة الموجّهه نحو هيثم كأنهما سيتشاجرا!
فقال زايد بصوتٍ حاد وعصبية تطل من تعابير وجهه:
_ تقصد مدام فرحة، دي ملكية خاصة محدش يقربلها.
التهبت عين فرحة بالعصبية من عجرفة رده، كأنها قطعة أثاث بنظره!.. ولم تغفل أنه ترك عصاه التي يتكأ عليها منذ خروجه من المشفى بلحظات قليلة.
كانت تريد أن تتركه وتبتعد، ولكن تلك الملاحظة أوقفتها، كأنها خشيت أن تضعف قدميه وترميه النظرات بالشفقة!.
تطلع زايد بنظرة تحذير لهيثم، ثم ابتعد بها ويده لا زالت على خصرها بتملك، وأبعدها عن الحشد خلال دقائق، ودخل مكتب والده، ثم أغلق الباب بقوة وعصبية لا تنذر بالخير أبدًا.
طالعته فرحة بعصبية وهتفت :
_ هو أنا جارية عندك عشان تتعامل معايا كده ؟!
اقترب منها بنظراته المخيفة تلك، فابتلعت ريقها بخوف .. حتى جذبها من ذراعها اليه وهتف بعنف:
_ كان بيقولك ايه ؟! … ايه اللي بينكم ؟!
اتسعت عينيها بذهول .. هل يشك بها ؟!
تسمرت للحظات ثم صرخت به بغضب شديد اعتراها :
_ أنت بتقول ايه ؟! .. أنت بتشك فيا ؟! .. ما شوفتش نظرات الاحتقار في عنيا كل ما أشوفه ؟! مخدتش بالك من اسلوبي معاه حتى من قبل ما أتجوزك ؟! .. مفكرتش أني رغم صدمتي فيك يوم الفرح الا أني خوفت عليك ولجأت لفادي عشان يتصرف ويمشي هيثم من الفرح بعد ما كان هيكشف اللي خبيته بقالك سنين ! .. أنت انسان مريض فعلا ولازم تتعالج .. عشان مش قادر تشوف ولا تحس أني مستحمله ده كله عشان حبيتك ..
ولأول مرة كانت تعترف بها ، فنظرت له ببكاء وتوجهت راكضة نحو الباب ، فأخذها زايد من ذراعها مرة أخرى وخمنت أنه على الأقل سيهدأ، ولكنه نظر لها نظرة ضيقة وقال بتهديد :
_ أنا مابثقش حتى في الأفعال عشان اصدق كلامك .. واعتبري اللي هقولهولك ده تهديد .. لو اتأكدت إنك بتكدبي عليا فتأكدي أني مش هخلي حد يعرفلك طريق .. مش أنا اللي ينضحك عليا بكلمتين يا فرحة …
قالت وهي تمسح عينيها من الدموع :
_ أنا هعمل اللي عليا معاك للآخر وبعد كده همشي وهختفي من حياتك .. وأنا اللي مش هخليك تعرفي طريق، عشان تعرف بنفسك أي خسارة خسرت!.
ضغط على ذراعها بعصبية وهمس وعينيه تحتويها بنظراته:
_ مش أنتي اللي تقرري .. أنا اللي أقول تمشي أو لأ ..
نظرت له بيأس وقالت بقوة:
_ رغم حبي ليك بس الحياة معاك متعبة أوي وفوق طاقتي .. أنا اتحمل أي حاجة، إلا إنك تشك فيا وفي أخلاقي .. مش هسمحلك.
نظرت لعينيها بعذاب كأنه يرغب بشدة أن تكون صادقة .. ويكون مخطئ، فسحبت ذراعها منه بقوة وقالت :
_ أنا راجعة أوضتي .. مش عايزة افضل هنا.
رفض وقال بحدة :
_ ماينفعش .. لازم نحافظ على شكلنا .. دي تعتبر قلة ذوق وقلة تقدير للناس اللي جاية تباركلنا.
نظرت له فرحة نظرة طويلة، ثم اسرعت وخرجت من غرفة المكتب .. وظلت عيني زايد شاردة للحظات حتى زفر بضيق شديد وتبع خطوات خروجها .. وظن أنها نفذت رغبتها بالصعود لغرفتهما، ولكنه تفاجأ عندما وجدها تتحدث مع مجموعة من النسوة، طالعها بنظرة مُلفتة .. ولكنها تجنبته تمامًا طوال ساعات الحفل، وفي الختام دهش أنها لا زالت بين الحضور تودعهم فردا فردا وترمي ابتسامات المجاملة هنا وهناك .. تتعامل بلباقة زائدة .. وعند انصراف آخر ضيف توجه لها، ولكنها تركته وصعدت على الدرج بخطوات سريعة حتى أختفت عن ناظريه .. همس له شقيقه فادي وقال بتساؤل:
_ أنت زعلتها ولا إيه ؟!
تنفست زايد بعصبية وأجاب :
_ أتمنى يكون سوء تفاهم .. أنا خارج الجنينة شوية.
تعجب فادي وقال :
_ طب اطلع صالحها ده انتوا لسه حتى ما بدأتوش شهر العسل ؟! … اومال في عيد جوازكم التاسع هتعملوا ايه ؟!
وضحك فادي على ما قاله، ولكن زايد لم يكن مرحبا بأي مزاح بالوقت الراهن، فخرج للحديقة وهو يستنشق الهواء بملء رئتيه وهو يشعر بشعور الغارق الذي يتلهف لقارب النجاة .. كأنها اصبحت الأمنية الأولى والأخيرة أمامه!!.
ولا ينكر أن مع غضبه منها .. ولكنه يشعر بشيء داخله يخبره أنها صادقة!.
***********
اغمضت فرحة عينيها التي تورمت من البكاء وتظاهرت بالنوم حينما شعرت بمقبض الباب يتحرك .. ولحظات وكان زايد يغلق الباب وعينيه عليها بملاحظة .. ثم اقترب وهو يحرر رابطة عنقه والقاها على طرف الفراش بأهمال .. ونظراته لا زالت متعلقة بوجهها النائم .. أو بالأصح التي تتظاهر من خلاله بالنوم، ولاحظ أحمرار خديها بشدة، فاستنتج أنها لربما ظلت تبك !
فضاق صدره بعذاب .. ريثما أنه بالفعل بدأ يميل لبرائتها .. فاقترب منها وردد اسمها بهمس عدة مرات .. وعندما فتحت فرحة عينيها الدامعة تأكد أنها كانت تبك، وتقلّبت في نومها ووالته ظهرها قاطعة أي حديث سيقوله ..
فوقف زايد ونظر لها بضيق شديد، ثم تحرك وجهتها وجلس قبالتها على مقعد وقال :
_ العياط هيفيدك بإيه ؟!
أجابته بعصبية :
_ هتأمرني كمان ما اعيطش ؟!.
رد عليها باستفزاز :
_ لو شايف ده لمصلحتك مش هتردد اعمله !.
تجاهلت فرحة إجابته المستفزة وصمتت، ثم قررت شيء، فنهضت وأخذت وسادة صغيرة وغطاء من الخزانة وقالت :
_ هسيبلك المكان كله احسن .. عشان تبقى براحتك.
نهض وأسرع خلفها، رغم الألم الذي صرخ بقدمه وشاقه من الحركة المفاجئة، ولكنه استطاع أن يغلق الباب قبل أن تخرج وقال بتحذير:
_ ارجعي مكانك من غير كتر كلام .. !
نظرت له فرحة وسقطت الدموع من عينيها وقالت :
_ لو أنا بجد مسببالك مشاكل كده، ليه مش عايز تطلقني ؟! .. أنت بأي عقل بتشك فيا ؟! .. هستفاد إيه بجد لما أخونك؟! .. ما انا لو بفكر كده كان ممكن استغلك واخد كل اللي أنا عايزاه من غير جواز، وادخل نفسي المتاهة دي كلها !!…
سألها وتمنى أن تجيبه بصدق:
_ يعني أنتي مش مخبية عني حاجة ؟ ..
اجابت كاذبة، لأنها لو اعترفت بزيارتها للطبيب المختص بحالته لا تتوقع ردة فعله .. فقالت بتوتر :
_ لأ مش مخبية .. هخبي ايه يعني ؟!
ضغطت زايد على نواجذه بغضب، لو كانت اعترفت لكان تغيّر موقفه كليًا، فقال :
_ يبقى خايفة كده ليه ؟! .. بصي لنفسك في المراية وأنتي تعرفي أن شكلك بيقول إنك كدابة!.
نظرت فرحة لعينيه مباشرة وقالت :
_ أنا مش كدابة .. أنا مابقتش بفكر غير فيك وفي مصلحتك وفي كل حاجة تخصك .. أي حاجة بعملها فـَ ليك .. مش عليك!.
واضافت برجاء :
_ ارجوك صدقني.
نظر لعينيها زايد بعتاب شديد ثم قال :
_ عايز اصدقك … بس مافيش دليل إنك صادقة!.
ابتلعت فرحة اتهامه الصريح وقالت :
_ مافيش أسرع من الأيام يا زايد .. لو مش شايف الحقيقة النهاردة .. فبكرة الكل هيشوفها .. مش أنت لوحدك.
لم يفهم زايد معنى حديثها الأخير .. ولكنه أطاع قلبه بتلك اللحظة في القرب ..
***********
وباليوم التالي بسعات الصبح الأولى ..
نهضت فرحة من فراشها وهي تتهرب من عينيه المراقبة لها وهو يرتشف فنجان قهوته الصباحي .. وتوجهت لأخذ دشا دافئ قبل الاستعداد للسفر ..
ولم يكن زايد مبتسما مسرورا مثل عادته بالصباح .. بينما كان واجما شاردا … كأنه يعاتب نفسه على ضعف مقاومته أمام تلك المخلوقة .. تنفس بضيق شديد واكمل ارتشاف قهوته وهو ينهي بعض المعاملات التجارية على الحاسوب ..
وبعد نصف ساعة تقريبًا كانا بداخل احدى السيارات الفاخرة، والتي سارت بهما ونهبت الطريق سرعةً وحركة ..
************
اكتشفت جيهان اختفاء أكرم بهذا الصباح !!
فانتشر الخوف والقلق بين الصغار والوقت يمر دون أن يظهر .. ورغم محاولات حارس القصر العجوز أن يطمئنهم ، ولكن قلقها وخوفها كان يتصاعد مع كل ساعةً تمر … حتى دخل الليل وسكون نسماته …
وبعض من البُعد مفيد للحب أحيانًا …!
رغم نسمات الليل الباردة ونجوم الليل المضيئة بدفء وكل شيء يبث السكينة والطمأنينة بسكنات القلب .. إلّا إنها تتنفس الفقد والأشتياق ..!
الحنين لشعور يوجد حيث يوجد من نحب!، حيث القوة والضعف يمتزجان بلحظة واحدة ..!
تقدمت خطواتها على سطح القصر حيث كل زاوية فيه تسرد شطرًا من قصتها، وتنسج خيطاً في ثوب أمنية باتت في قلبها منذ صباها ومراهقتها حتى نضجت أنوثتها ..
مرّ على بعاده ساعات النهار بأكملها، تحسبها أطول من عمرها الفائت ! .. أين ذهب ؟! .. ولماذا لم يخبر احدًا بمكان ذهابه ؟!
سيظل غامضاً هذا الرجل مهما ظنت أنها قرأته !.
هل صدمه خبر طلاقها لهذا الحد ؟! … كانت تبتلع ريقها بمرار كلما خطر لها هذا الخاطر.
اندمجت فجأة رائحته المميزة مع النسمات، فتوردت وهي تلتفت! … كأنها زهرة أرتوت جذورها بعد العطش !
لتستقبلها ابتسامته حالما التقت أعينهما، ويبدو أنه اشتاق شوق فاق صدمة الأمس، وقرر تجاوز الأمر الذي بالاساس ليس ذنبا ارتكبته، نادرًا ما كان يظهر ابتسامته ويفصح عنها ولم يجتهد ليخفيها ! … كأنها ستعري ما يكنّه … لإنه يخفي بها عشقاً لو تعرف !.
تطلعه بعينيها الذي كان يطالعهما بمحبة خاصة، عينيها دافئة اللمحة والنظرة كأنها تعانقه، فقالت وهي تبدو منفعلة ولكنها تعاتبه :
_ كنت فين الساعات دي كلها ؟!
الغريب أنه حين ينظر لها لم تتحرك أهدابه كثيرًا، كأنه يحفر صورتها بدقة في مخيلته، فقال بابتسامة دافئة :
_ أنتي اضايقتي من غيابي للدرجة دي ؟!
ابتلعت جيهان ريقها بارتباك وقالت بتقطيبة وتوتر :
_ وأنا .. وأنا هضايق ليه ؟! .. الولاد هما اللي مبطلوش سؤال عنك ومكنتش عارفة أجاوب!.
اتسعت ابتسامته بنظرة ماكرة وقال :
_ بجد ؟! الغريبة أنهم قالولي عكس الكلام ده ؟! … لدرجة أنهم عرفوا يتصلوا بيا وصمموا ارجع بسرعة بسببك … وبسبب سؤالك عني وقلقك وخوفك عليا .. ورجعت أطمنك .. أنا هنا.
اطرفت عينيها سريعا وهي تبتلع ريقها بعينان التمعت كأنها ستبك من الإحراج والخجل، فمرر أكرم يده على شعره ليتحكم بابتسامته ويرحم شدة توترها، ثم أخرج علبة صغيرة من جيبه وفتحها لتتسع عينان جيهان وهي ترمق قلادة ذهبية يتدلى منها مجسم على شكل قلب ، حتى قال أكرم بابتسامة صادقة :
_ جبتهالك مخصوص .. حاسس إنها هتعجبك ؟
ابتسمت جيهان للقلادة وقالت بصدق:
_ عجبتني أوي، بس دي ليا أنا ؟! … ليه ؟
نظر أكرم للقلادة ثم نظر لها مجددًا بفترة صمت اربكتها ثم أجاب بمراوغة ومكر :
_ عشان حاجات كتير ..
اخذت جيهان القلادة بعد فترة تردد ، ولاحظ أكرم إنها تحاول فتح ذلك القلب الذهبي، فابتسم وقال بخبث:
_ مش هتعرفي تفتحيه بسهولة ..
لم تفهم جيهان هدف مرماه ، فقالت باستفهام:
_ يعني إيه ؟؟ …
قال بنظرة عميقة لعينيها :
_ النوع ده من القلوب صعب يتفتح .. ورغم ذلك جالك لحد عندك هدية .. حافظي عليه، لإنه مش بيتفتح غير مرة واحدة بس في العمر ..
بتلك اللحظة ادركت عن أي قلب يتحدث ، ابتسمت وقالت وهي ترد الكرة بملعبه :
_ لو أنت مش عارف أني هحافظ عليه .. مكنتش أديتهولي !.
التقت أعينهما في ابتسامة تشمل المرح والمكر والدفء والأمان … حتى قرر الاعتراف :
_ جيهان … أنا ..
خيّل لها أنه قال الكلمة المنتظرة “أحبك” ولكن تشوش سمعها بصوت مزعج لسيارة وقفت للتو بالقرب من القصر ..!
ويأت الفراق بما لا تشتهي خفقات القلب ، وتنتهي الصفحة بكلمات قاسية … ولكن بدفتر العمر بقيّة ، وصفح بيضاء تنتظر سطورًا مزهرة تليق بقصتهما … !
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سيد القصر الجنوبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *