روايات

رواية في حي الزمالك الفصل الرابع و الثلاثون 34 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك الفصل الرابع و الثلاثون 34 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك البارت الرابع و الثلاون

رواية في حي الزمالك الجزء الرابع و الثلاثون

رواية في حي الزمالك الحلقة الرابعة و الثلاثون

الْمُقَابَلَة الْأُولَى 🤎🦋✨

“رانيا..” ألتفت جميعهم نحوه منتظرين ما سيأتي بعد ذلك، لم تكن نظرته ولا نبرته تلك مُبشرة بالخير، أطلق تنهيدة طويلة قبل أن يُردف:

“ودي السجاجيد تتغسل تاني وابعتي هاتي طبق حلويات، أفنان جايلها عريس تاني.”

تسارعت نبضات قلب وكأنها خيولًا تركض في حلبة سباق، استقامت من موضعها تنظر نحو والدها بعدم تصديق قبل أن تبتسم ابتسامة واسعة بينما لمعت عيناها وتراقصت فرحًا في محجريهما، نظر جميعهم نحو والدها بإندهاش لا يقوى عقلهم على إستيعاب ما يحدث لتقاطعهم أفنان وقد أطلقت زغرودة عالية اهتزت لها جدران المنزل!

نظر جميعهم نحو أفنان بحيرة وعدم فهم، ساد الصمت لثوانٍ بعد إطلاق أفنان للزغرودة قبل أن تنظر نحوها ميرال وتُبادلها أفنان نظرات السعادة والحماس لتفهم ميرال على الفور ما يحدث، تقفز ميرال من موضعها لتأخذ أفنان في عناق كبير بينما تقفز كلتاهما بعشوائية.

“عريس أيه يا أحمد أنا مش فاهمة حاجة؟” سألت والدة أفنان بحيرة شديدة وخاصة بعد ردة فعل أفنان وميرال المبالغ فيها، ساد الصمت لثوانٍ بينما ينظر والد أفنان نحو نوح ثم أفنان التي أخذت تنظر نحوه بمعنى ‘لا’ كي لا يُعلن الخبر أمام نوح لكن والدها فعل على أي حال مُردفًا:

“محدش غريب نوح أخوها، بصراحة في دكتور متقدم لأفنان وعايز يجي يقعد ويكلمنا ونتعرف عليه.”

“رحيم؟!” سأل نوح بمزيج من الدهشة والإمتعاض فلم يكن من الصعب عليه توقع أن رحيم هو ذلك الشاب، فلو شخصًا آخر غيره ما كانت أفنان لتبدو بهذه السعادة، وعلى الفور قفز إلى رأس نوح كيف كانت أفنان مستاءة وغاضبة حينما جاء لطلب يدها بدلًا من ميرال وبسبب ردة فعلها السيئة تلك اضطر إلى تغير مجرى حياته تمامًا والتفوه بإسم ميرال بدلًا من أفنان.

“أنت تعرفه يا نوح؟” سألت والدة أفنان بإهتمام كونها تثق في رأي وحديث نوح لينظر نحو أفنان بإبتسامة جانبيه وهو يُجيب خالته قائلًا:

“أعرفه بس.. أعرفه عز المعرفة طبعًا، ده يا خالتو اللي كان بيدرب أفنان في الشركة.”

“هو ده اللي كان عايز..”

“مكنش عايز حاجة يا ماما، نوح وقتها قال كده عشان كانت متخانق معاه ومعايا!

” قاطعت أفنان حديثهم على الفور قبل أن يُفتح ذلك الموضوع مجددًا وأمام والدها والذي بالطبع سأل الآتي:

“كان عايز أيه يا أفنان؟”

“مفيش حاجة يا بابا! ملكش دعوة بنوح ولا بأي حاجة هيقولها عمتًا، رحيم جاي وحضرتك هتشوفه وهتحكم عليه بنفسك.”

“مبسوطة أوي يا أفنان؟” سألها نوح ساخرًا لتنظر نحوه بحده ثم تتنهد قبل أن تُبدل تعبيرات وجهها بتعبيرات سخيفة لم تفعل شيئًا سوى أنها زادت من غيظ نوح وهي تُتمتم:

“ومتبسطش ليه يا نوح؟ جالي اللي استحقه واللس يليق بيا، وبعدين يا نوح أنا مبسوطة وطايرة من الفرحة لو ناوي تنكد عليا يبقى خد بعضك وأمشي من هنا.”

“أفنان عيب كده! مينفعش تكلمي ابن خالتك بالإسلوب ده!”

“خليها على راحتها يا عمو، بعد إذنكوا أنا لازم امشي، وهسيبكوا تحتفلوا كعائلة مع بعض.”

“نوح استنى.” قالت ميرال وهي تذهب خلف نوح مُسرعة بينما نظرت نحوها والدها بغضب وهي تسألها بإستياء:

“عاجبك كده؟”

“اه يا ماما عاجبني وسيبيني احتفل بقى على راحتي بعد إذنك ولو لمرة واحدة سيبوني اتبسط زي ما أنا عايزة.”

“خلاص يا رانيا سيبيها ونبقى نتكلم بعدين، تعالي يا أفنان عايزك لوحدنا.”

“حاضر يا بابا.”

“دلوقتي سي الأفندي اتفق معايا أنه هيجي يزورنا الجمعة الجاية إن شاء الله.”

“يووه! لسه هنستنى للجمعة الجاية؟ ما خير البر عاجله!!”

“أيه ده أيه ده الدلقة دي؟ احترمي وجودي طيب!”

“أنا أسفة يا بابا والله مش قصدي، الظاهر أني اتحمست شوية زيادة.”

“شوية؟ ما علينا، هو قال هيجي نتعرف عليه ويعرفنا ظروفه وكده ولو اتفقنا هنحدد ميعاد لقراءة الفاتحة وشراء الشبكة إن شاء الله.”

“ايوا ان شاء الله هنتفق يارب..”

بالإنتقال إلى منزل حامد البكري، جلس رحيم برفقة أنس وهو يشعر بعقله على وشك الإنفجار من فرط الحماس والقلق في وقتٍ واحد.

“خلاص كلمت أبوها وأرتحت؟”

“ايوا! أنت مش متخيل أنا فرحان ازاي، أنا عمري ما فرحت بالشكل ده في حياتي!”

“أنا كمان أول مرة أشوفك مبسوط ومتوتر كده، بس في تفصيلة صغيرة لو مش هيضايق ساعدتك يعني أنبهك ليها.”

“اتفضل يا أنس.” علق رحيم بجدية منتظرًا ما سيقوله أنس بإهتمام لكن الآخر في المقابل لم ينبس سوى بكلمة واحدة:

“أمك!”

“ما تحترم نفسك يا حيوان أنت!” وبخه رحيم وهو ينظر نحوه بحنق ليقهقه أنس ثم يُردف بنبرة حاول جاهدًا أن تكون جادة:

“لا والله ما بشتمك بس أمك فعلًا، أنت مكلمتهاش ولا هي ولا Uncle حامد.”

“اه ما أنا عارف، بابي أكيد مش هيبقى عنده مشكلة لكن مامي هي اللي هتحتاج وقت.”

“طيب مش شايف إن المفروض كنت تعرفهم قبل ما تدي ميعاد للراجل؟”

“أنس يا حبيبي أولًا، دي قاعدة تعارف وغالبًا مش هيبقى في اتفاقات كبيرة وحتى لو أنا كبير وأنا اللي هتجوز فأنا اللي هحدد مع أونكل أحنا هنتفق على أيه، ثانيًا بقى والأهم إن سواء ماما وبابا وافقوا أو موافقوش أنا هعمل اللي في دماغي وهتجوز أفنان.”

“بس العند وحش يا رحيم، تليين الدماغ والإقناع هيبقى أحسن بكتير.”

كان حديث أنس مقنعًا لكن الآوان قد فات على كل ذلك، ساد الصمت لثوانٍ قبل أن يُفصح رحيم عن ما يدور في خاطره منذ مدة طويلة قائلًا:

“أنس أنا عمري ما قولت لمامي لا على حاجة ابدًا، طول الوقت بخاف على زعلها وبحترم مطالبها وبحاول دايمًا أكون الإبن المثالي اللي هي بتحلم بي وطبعًا كوني الإبن الوحيد ده بيزود الضغط عليا، فأنا طول عمري بنفذ أوامرها And i never broke the rules ‘ولم أخترق القواعد قط’ لكن في الموضوع ده تحديدًا محدش تاني ليه حكم ولا ليه قرار غيري أنا.”

“استر يارب.. طب أنت ناوي تكلمها أمتى؟”

“النهاردة عالعشاء إن شاء الله.”

“جميل أوي أنا هروح أتعشى في المستشفى مع أروى بقى.”

“اه يا واطي! هتسبني في وقت الجد.”

“مش حوار، عارف لو أنت بتتخانق مع عيل والموضوع فيه عوق أنا مكنتش هحله لكن دي أمك يا رحيم ودي مشكلة أسرية مينفعش حد غريب يبقى قاعد فيها.”

تفوه أنس مستخدمًا ألفاظ بدت مُريبة للغاية بالنسبة لرحيم الذي تجاهل معظم حديثه وعلق على جزء واحد وهو يقول:

“بس أنت مش غريب يا أنس!”

“يا سيدي أنا غريب أيش فاهمك أنت؟!”

“خلاص براحتك بس متتحركش من غير bodyguards ‘حراس’.”

“يعم ده أنت اللي محتاج Bodyguards مش أنا، عمومًا حاضر.”

“حضرلك الخير يلا Take care about yourself ‘أعتني بنفسك’.”

ودع رحيم أنس ثم وقف يراقبه من الشرفة ليتأكد من صعوده إلى السيارة بسلام برفقة الحرس فهو لن يسمح بحدوث أي مكروه لأنس بسبب والده بالطبع ذلك لم يكن ليُغير شيئًا مقدرًا له لكن ليطمئن قلب رحيم، تنهد رحيم تنهيدة طويلة قبل أن يُخرج علبة سجائر كان قد أخفاها في حجرته قبل رحيله إلى إنجلترا وبدأ في تدخين إحدي اللفافات وهو ينتظر بفارغ الصبر موعد العشاء كي يستطيع التحدث إلى والدته على إنفراد نظرًا لإنشغال والده في هذه الأمسية.

في موعد العشاء جلس رحيم يأكل في هدوء هو ووالدته، لم يتناول رحيم سوى القليل من الطعام فشعوره بالتحفذ تجاه المحادثة التي ستدور بعد قليل جعله يفقد شهيته، لاحظت والدته بالطبع توتره ولغة جسده المضطربة فهي في النهاية لن يصعب عليها فهم ابنها الوحيد.

بعد الإنتهاء من العشاء استقام رحيم من موضعه وكان على وشك العودة لحجرته لإحضار شيء ما لكن أوقفه صوت والدته وهي تطلب منه البقاء قائلة:

“رحيم تعالى أقعد أنا عايزة أتكلم معاك شوية.”

“أنا كمان عايز اتكلم مع حضرتك.”

“أظن موضوعي أهم فهنبدأ بيه.” تحدثت والدته بنبرتها الواثقة التي لا تخلو من الأمر ليبتسم رحيم بتكلف وهو يُعدل على جملتها قائلًا:

“مفيش موضوع أهم من موضوعي، ولكن مفيش مشكلة ممكن أسمع حضرتك الأول.”

“انا جايبالك ٣ عرايس، هوريك صورتهم ونبذة عن كل واحدة فيهم و اللي تعجبك هنروح نطلب ايديها، كلهم بنات عائلات كبيرة وليهم أصول أوربية إن ما كنوش هما أصلهم أوروبيين، هي دي الزوجة اللي تليق بمكانتك ومستوى العيلة.”

أعلنت والدته لينظر نحوها رحيم بصدمة، نظرت نحوه هي ببعض الحيرة مُتعجبة من ردة فعله، حمحم رحيم قبل أن يُعقب على حديثها بثقة شديدة مُردفًا:

“بس أنا اخترت خلاص يا مامي البنت اللي عايز أكمل معاها حياتي.”

“اخترت؟ من نفسك كده؟ وتطلع مين بقى البنت دي؟ من عائلة مين يعني؟”

“لا ما هو حضرتك متعرفيش عائلتها، هي بنت بسيطة يعني.”

“بسيطة؟ I don’t understand, be more specific Rahem ‘أنا لا أفهم، كن أكثر وضوحًا يا رحيم’.”

تحدثت والدته بنبرة لا تخلو من بعض الحده وهي تضع أحدى قدميها فوق الآخر، تحاشى رحيم النظر نحو والدته وتابع حديثه:

“يعني بنت من أسرة متوسطة ماديًا، مش من عائلة كبيرة أو معروفة.”

“ودي ناوي تعطف عليها يعني؟ تجيبها تشتغل عندنا ولا أيه؟”

“مامي من فضلك أنا بقولك أن دي البنت اللي أنا بحبها فياريت حضرتك تتكلمي عنها With more respect ‘بمزيد من الإحترام/التقدير’ شوية من فضلك.”

“أنت هتعلمني أتكلم ازاي يا رحيم؟”

“العفو، بس أنا برضوا مش هسمح لحضرتك أو لأي حد أنه يهينها، هو معنى أن البنت أقل مننا ماديًا شوية أنها تشتغل خدامة عندنا؟”

“شوية؟ شوية يا رحيم؟ أنت عارف في مسافة أد أيه بين قصرنا في الزمالك وبين البيت اللي في الحارة اللي هي ساكنة فيها؟ عارف في كام ألف جنيه فرق بين مرتبك وبين مرتب باباها؟ أنت عارف إن عائلتها لو أشتغلوا كلهم مع بعض سنة كاملة مش هيجيبوا مرتب شهرين من اللي بتاخدهم؟”

صاحت والدته موبخة إياه، ضاربة بمكانة أفنان وعائلتها كاملة عرض الحائط، كان حديثها صادقًا من الناحية الواقعية لكنه صاغت الحديث بأقسى وأبشع الصور الممكنة ولم يجعل حديثها الوضع أفضل بل ازداد الوضع سوءًا وبدأت الإنفعال الشديد يظهر على نبرة رحيم ولغة جسده.

“ده حضرتك عارفة كل حاجة بقى!”

“أنت ساذج يا رحيم Did you really think you can hide anything from me you silly! I know about every breath you take! ‘هل كنت حقًا تعتقد أنه بإمكانك إخفاء أي شيء عن يا مُغفل، أنا على علم بشأن كل نفسًا تلتقطه’.”

“كويس يعني حضرتك هتوفري عليا شرح التفاصيل.”

“ليه دايمًا بتعند وبتغلبني يا رحيم؟ ليه متسمعش كلامي من أول مرة؟”

“بعند؟ حضرتك بجد شايفاني بعند!! أنا طول حياتي بسمع كلامك وبنفذ كل اللي حضرتك بتطلبيه لكن ده عمره ما كان كافي، You never thought that i am good enough no matter what i do ‘لم تظني قط أنني جيد كفاية مهما فعلت/بذلت من مجهود’.”

“رحيم أنت هتتجوز بنت تليق بينا وبإسم عليتنا، ده آخر كلام عندي.”

“تليق بينا وبإسم عيلتنا وحضرتك تبقي عرفاها.. Natalie was pretty, wealthy, from a well known family and you knew her and at the end she Freaking cheated on me Mum ‘ناتالي كانت جميلة، ثرية، من عائلة معروفة وكنتِ تعرفينها وفي نهاية المطاف قامت بخيانتي أمي.’!!”

بصق رحيم كلماته بآلم شديد وهو يتمنى لو أن يرق قلب والدته عليه ولو لمرة واحدة في حياتها، لكنه كان مخطئ حيث لم يزيده حديثها سوى عنادًا وإصرار على قرارها.

“أنت ابني الوحيد ولو اتجوزت البنت دي انا هتبرأ منك.”

“وأنا يا مامي لو متجوزتش أفنان فإعتبري أن ملكيش ابن، وحتى الشغل مع بابي هسيبه ومحدش هيعرفلي طريق.”

“أنت بتهددني يا رحيم؟”

“لا، أنا بعرف حضرتك اللي هيحصل، وعمتًا أنا لو متجوزتش أفنان مش هتجوز غيرها.. أديني حرية الإختيار مرة في حياتي!”

“اسمحلك تختار لما أكون شايفة أن اختباراتك صح!”

“ده الإختيار الصح الوحيد في حياتي يا مامي ومش هتنازل عنه.”

“ده أسوء اختيار أنت بتختاره في حياتك يا رحيم.”

“يعني حضرتك كنتِ أسوء اختيار في حياة بابي؟” باغت والدته بالسؤال، استقامت من موضعها ولم تتردد ولو لثانية لأن تصفعه على وجهه، تلقى رحيم الصفعة بهدوء تام قبل أن يتجه نحو طاولة الطعام ليأخذ من أعلاها مفتاح السيارة وهاتفه ويتجه نحو الخارج دون أن ينبس بينت شفة.

“رحيم استنى!”

“أنت لو خرجت من الباب ده دلوقتي I will disown you ‘سأتبرأ منك’.”

لم يُبالي رحيم بما قالته والدته واتجه نحو الخارج، كان الشرار يتطاير من عينه وقد أمتعض وجهه.. لم يدرِ إلى أين يذهب وهو في هذه الحالة، أخذ رحيم يتنقل بين الشوارع بتيه راكبًا سيارته قبل أن يتوقف قرب أحدى مساجد الصلاة والذي لم يكن ذو مساحة كبيرة لكن المكان كان مُريحًا للغاية بالنسبة إليه.

ذهب رحيم أولًا ليتوضأ ثم دلف إلى داخل المسجد ولم ينتبه لكم من الوقت لبث هناك، حينما وصل رحيم كانت الساعة الحادية عشر تقريبًا، قام رحيم بأداء فريضة العشاء ثم أخذ يرتل بعد الآيات ودون أن يستوعب غلبه النعاس ولم يستيقظ سوى على آذان صلاة الفجر ويد تُربت على كتفه، فتح عيناه في فزع ثم ألتفت إلى جانبه ليجد شيخًا متقدم في العمر يُحدث قائلًا:

“قوم يا حبيبي أتوضى وتعالى صلي الفجر معانا جماعة.”

“أنا ازاي نمت هنا؟! حاضر هقوم..”

“عادي يا ابني، مفيش مكان هيبقى مريح ولا آمن أكتر من بيت ربنا.” تمتم الشيخ ليمنحه رحيم ابتسامة صغيرة وهو يومئ مؤيدًا ما قاله، أدى رحيم الفريضة ولم يخلو دعائه قط من اسم أفنان.

لاحقًا اتحه رحيم إلى أحدى الفنادق ليقوم بحجز غرفة تحوي سريرين واحدًا له والآخر لأنس، أنس! تذكر رحيم على الفور أنه لم يهاتف أنس ولم يُخبره بما حدث وفي الغالب قد عاد الآخر إلى المنزل ليجده مُشتعلًا بسب ما حدث بين رحيم ووالدته، أخرج رحيم هاتفه من جيب بنطاله لينتبه أنه قد جعل هاتفه على وضع الصامت وأنه هناك عدة مكالمات بين أنس، والده وميا.

تنهد رحيم بضيق وهو يفكر في من عليه أن يُحادث أولًا، بشكلًا مبدأي لقد استبعد والده فهو لا طاقة له لسماع المزيد من التوبيخ لليوم.. لكن مهلًا، أنس وميا سيقومون بفعل الشيء ذاته لذا قرر رحيم أن يحصل على قسطًا من الراحة ويتجاهل إتصالاتهم المستمرة مؤقتًا حتى الصباح والذي لم يكن يبعد سوى بضع سويعات.

في ظهيرة اليوم التالي استيقظ رحيم على صوت طرقات هادئة على باب الغرفة وبالرغم من كون الطرقات هادئة إلا أن رحيم كان سريع الإستيقاظ في حالة وجود اي ضوضاء، استقام بإرهاق ليفتح الباب متوقعًا أن تكون خدمة الغرف لكن لم يكن توقعه في محله.

“كنت متأكدة أنك هنا.” تمتمت ميا وهي تنظر إلى شعر رحيم المُبعثر وثيابه الغير مرتبة والتي اضطر للنوم بها نظرًا لعدم وجود ثيابه معه، تثأب رحيم وهو ينظر نحوها قبل أن يُردف بكسل بينما يحاول عقله استيعاب ما يحدث:

“ميا؟ أهلًا.. I was about to call you ‘كنت على وشك مهاتفتك’.”

“أنا أختصرت الوقت وجيت، So you won’t let me in ‘ألن تدعني أدخل’؟”

“مش هينفع نقعد هنا لوحدنا، هغسل وشي وأجيلك على تحت.”

“تمام، By the way i am not alone ‘بالمناسبة أن لست وحدي’.” نبست لينظر نحوها رحيم بشك وقبل أن يفتح فمه ليتحدث بإستياء وضعت كلتا كفيها أمامه لتهدأته وهي تقول:

“‘أهدأ ‘Calm down’، أنا قصدي أنس مش Auntie ‘خالتي’ إيڤلين.”

“تمام.”

بعد بضع دقائق اتجه رحيم إلى حيث يجلس أنس وميا، نظى نحوهم رحيم بنظرات باردة بينما بادله أنس نظرات مستاءة.

“هو أنت يلا خنزير؟ تتخانق مع أمك وتسيبلها البيت ونفضل طول الليل ندور عليك وأنت نايم هنا في اللا لا لاند!”

“والله أنا مقولتش لحد يدور عليا ده أولًا، ثانيًا أنا مغلطتش في موضوع مامي ده وأنا اتخنقت وكنت محتاج أقعد لوحدي شوية.”

تحدث رحيم بحنق شديد غير مباليًا بمدى سُخف كلماته، لم يُعلق أنس على جملته تلك لكن ميا فعلت حيث نبست بنبرتها الرقيقة المعتادة:

“ماشي حقك تقعد لوحدك بس المفروض تطمنا، we were so worried about you ‘لقد كنا قلقين للغاية بشأنك’.”

“لا ازاي نقلق وازاي يفرق معاه قلقنا، أصل رحيم بيه مقموص عشان ‘مامي’ مش موافقة عالعروسة اللي هو شبطان فيها.”

“أتكلم عدل يا أنس وبلاش استفزاز يا إما والله هسيبك وأقوم!”

“لا وعلى أيه هقوم أنا، بس كنت عايز أفكرك إن كان في ميعاد بينا النهاردة الصبح بس الظاهر موضوع أفنان لحس عقلك وأبقى كمان روح الشركة اللي أنت ناسيها خالص دي.”

بصق أنس حديثه بإمتعاض واضح قبل أن يرمق رحيم بنظرة نارية قبل أن يرحل، نظر رحيم نحو ميا بحيرة والتي أكتفت بالحمحمة وهي لا تدري ماذا تقول لكن سرعان ما تذكر رحيم ما يقصده أنس ليقفز من مقعده ويلحق به جاذبًا ذراعه بقوة كي يجعله يتوقف عن السير.

“أنا أسف جدًا يا أنس أنا مش عارف ازاي مركزتش.. موضوع مامي ده ملغبط دماغي عالآخر.”

“لا يا رحيم ولا يهمك عمتًا أنا كب اللي محتاجة تسجيلات الكاميرات ومش محتاج منك حاجة تاني.”

“يا أنس بقى، قولتلك أنا أسف.. أنا هاجي معاك وهنروح نعمل المحضر مع بعض.”

“بجد؟ So you both gonna leave me all by myself ‘هل ستتركوني أنتم الإثنين وحيدة/بمفردي’؟!”

“ميا أحنا رايحين مكان مظنش أنك هتبقي Interested ‘متحمسة’ أنك تروحيه معانا.”

“ليه؟”

“أحنا رايحين القسم.”

لاحقًا في ذلك اليوم كان قد انتهى أنس ورحيم من القيام بالإجراءات المطلوبة لطلب القبض على فريد، والد أنس.. ونظرًا لفظاعة ما أرتكبه والد أنس الذي قام بتحطيم المنزل بل كان ينوي تحطيمه على رأس ابنه ولكن لحسن الحظ لم يكن أنس هناك.

بعد مرور يومان استيقظ أنس على خبر إلقاء القبض على والده والذي ضُبط وهو يتعاطى المخدرات في منزله مما جعل وضعه القانوني أسوء بكثير.

“رحيم.. اصحى يا رحيم.. رحيم!!!”

“أيه في أيه؟! What’s wrong with you ‘ما مشكلتك’؟”

“فريد اتقبض عليه قوم!!”

“بجد؟!!!”

“بجد، يلا قوم بقى خد Shower عشان ننزل نشتري البدل.”

“بدل لأيه؟ بدلة إعدام ليه ولا أيه؟” سأله رحيم بحماقه شديد ليقهقه أنس بقوة قبل أن يُجيبه ساخرًا:

“بدلة إعدام أيه يلا يا أهبل أنت! البدلة اللي هتلبسها يوم الجمعة وأنت رايح لأفنان.”

“اه صح أفنان.. طيب ما نطلب بدلة مخصوص من برا أحسن.”

“لا متضيعش عليا الشعور ده.. طول السنين اللي فاتت وأنت بتكتبر قدام عيني وأنا مستني اليوم اللي هجبلك بيه بدلة فرحك.”

“أيه يالا الأوڤر ده؟ أنت نايم على فيلم رد قلبي ولا أيه؟”

“أيوا أنا أوڤر فعلًا بس بجد عايز ننزل نعمل Shopping ‘نتسوق’ سوا ولما تبقى تيجي تخطب يا سيدي نبقى نسافر نجيب بِدل من برا.”

“خلاص تمام.”

“رحيم هو أنت هتفضل بتتجاهل مامتك وباباك كتير كده؟ أنا شايف أنك تحاول توصل معاهم لحل وسط..”

“أنس من فضلك متجبش سيرة الموضوع ده خالص، أنا عايز أفضل مبسوط ومتحمس ليوم الجمعة إن شاء الله.”

“على راحتك يا رحيم.”

في مساء يوم الخميس جلست أفنان لتناول الغداء برفقة عائلتها، كان التوتر قد نال من أفنان كما لم يفعل من قبل أو ربما آخر مرة كان قد انتابتها نوبة الهلع تلك كانت في أيام الثانوية، كانت أفراد أسرتها تتحدث في مواضيع شتى أثناء تناولهم للطعام بينما كانت أفنان صامتة شاردة فهنالك الكثير من الضوضاء التي اتخذت موضعًا لها داخل رأس أفنان.

“أفنان أنتي معايا؟”

“ها بتكلموني؟”

“دي دماغها مش معانا خالص، سرحانة في العريس طبعًا مع إني واثقة إن العريس اللي كنت جايباه أحسن بكتير.”

“مفيش وجه مقارنة أصلًا يا ماما، المهم ميرال عايزة أقولك على حاجة.”

“اه ست العروسة بقى هتبدأ تطلب وتتشرط.”

“هو في الحقيقة هو مش طلب هو قرار، أنا مش عايزة نوح يبقى موجود بكرة إن شاء الله.”

أعلنت أفنان بثبات شديد وهدوء لتترك ميرال ملعقة الطعام وتشعر في غصة في حلقها، استطاعت أفنان أن تشعر بالحزن الذي أصاب شقيقتها لتفوهها بجملة كتلك لكن ليس هناك ما يمكنها فعله بشأن ذلك فهي لن تسمح بحضور نوح ونزعه ليومٍ مميز كالذي على وشك الحدوث.

“ليه بقى إن شاء الله مش قد المقام ولا مش قد المقام يا ست أفنان؟ ابن مين ده ولا بيشتغل أيه رحيم عشان متبقيش عايزة ابن خالتك يقعد معاه.”

“بيشتغل أيه؟ هو مدير شركة، ابن مين ابن عائلة كبيرة أوي يا ماما ومش دي الأسباب اللي تخليني ارفض مجي نوح، أنا ونوح متربين سوا وأنا عارفاه كويس وهو توبنا من توبة عادي جدًا وهو معيد في الجامعة وافتخر بيه قدام الكبير قبل الصغير.”

حاولت أفنان توضيح وجهة نظرها فهي ترفض وجود نوح ليس لأنها تخجل منه أو شيء من هذا القبيل كما تفكر والدتها بل لأنه سيعمل تخريب الزيجة قبل أن تبدأ، لك يروق حديث أفنان بالنسبة لوالدتها التي سألتها مستنكرة:

“أومال في أيه بقى إن شاء الله؟”

“في إن دي قاعدة أسرية وحاجة خاصة بينا أحنا بس ومش من المفترض إن حد تاني يعرف أو يكون موجود ده أولًا، ثانيًا بقى إن نوح مش بيحب رحيم ولأسباب شخصية بينهم هما ملهاش علاقة بيا في حاجة ومتأثرش على مستقبلي أنا ورحيم.”

“خلاص بقى مستقبلك أنتي ورحيم؟ طب حتى احترمي إن أبوكي قاعد معانا.”

“ماما أنا مقولتش حاجة…”

“خلاص انتهينا مش أنتي مش عايزة يجي؟ خلاص مش هيجي ومش مهم تكسري بخاطري أنا وأختك.”

“يووه بقى هو أنا مينفعش أعمل حاجة على مزاجي مرة.” تذمرت أفنان وهي تُبعد الصحن من أمامها ثم تستقيم من مقعدها بضيق شديد تاركة طاولة الطعام، نظرت نحوها والدتها بإستياء وهي تُردف:

“أتشنجي كمان يا دكتورة يا متربية.”

دلفت أفنان إلى حجرتها وأغلقت الباب سريعًا قبل أن تستمع للمزيد من التوبيخ والتي لم تكن هي بحاجة إليه، كانت أفنان على وشك البكاء من شدة الغيظ لما دار في الحوار السابق ولكن قبل أن تفعل أخرجها من شرودها صوت طرقات والدها المميزة على باب الحجرة قبل أن يفتح الباب بهدوء شديد ويُغلقه من بعده، تتحاشى أفنان النظر نحوه وتُخفض رأسها ليقترب هو يجلس إلى جانبها ويضع يده أسفل ذقنها بحنان وهو يتمتم:

“بقى ينفع عروستي القمر دي تبقى زعلانة؟ وبعدين أيه يا ستي مش عايزة تكلي عشان تخسي وأهل العريس يقولوا إننا مجوعينك ولا أيه؟”

“لا أنا مش زعلانة يا حبيبي متقلقش.”

“على بابا برضوا؟”

“ما هو يا بابا بصراحة يعني…”

“براحة يا أفنان، أتكلمي وعبري عن غضبك بهدوء وفكري في الكلام قبل ما تقوليه عشان متغلطيش.”

“حاضر أنا أسفة، دلوقتي يا بابا أنا بسمع كلام حضرتك وماما طول الوقت ودايمًا بعمل خاطر لميرال ولكل الناس بس لما يكون الموضوع يخصني أنا بس فمن حقي إني أمشي اليوم على مزاجي.”

“صح أنتي عندك حق، رانيا زودتها شوية بس أنتي عارفة إنها بتعمل كده عشان هو ابن أختها الوحيدة بعد ما خالك أتوفى يعني.”

“أنا عارفة يا بابا وعلى رأسي الكلام ده كله، بس نوح مش بيحب رحيم ولو جيه وقعد هيبوظ الجوازة وأنا ما صدقت المراكب تسير.”

كانت أفنان صادقة في حديثها فنوح ورحيم يمقتان بعضهم البعض بشدة وعند حضور عائلة رحيم معه سيكون الوضع أسوء بكثير، فلقد أعتادت أفنان أن تلاحظ نيران الغيرة تشتعل في عين الإثنين كلما ذكرت أو تحدثت إلى أحد منهم أمام الآخر وإن حدث ذلك بالغد فستؤذى مشاعر ميرال كثيرًا وهذا ما لا تريده أفنان بالطبع.

“خلاص زي ما أنتي عايزة، أنا مش هسمح لحد يعمل أي حاجة مش على هواكي بس راضي أمك وأختك بكلمتين معلشي، أنا عارف أن هما اللي غلطانين بس أهو هنعمل أيه بقى حكم القوي.”
ضحكة هادئة صدرت من أفنان قبل أن تقترب من والدها لتضمه برفق ويُبادلها العناق وهو يهمس:

“مش مصدق إن بناتي الصغيرين كبروا وخلاص هيتجوزوا ويسبوني.”

“لا يا حبيبي متقولش كده هعيط… ده أنا ممكن أفركش كل حاجة عشانك.”

“لا بعد الشر متقوليش الكلام ده وبعدين بزمتك أنتي هتفركشي الجوازة عشاني؟”

“يا بابا أنا ممكن أعمل أي حاجة عشانك، مش أي حاجة أوي يعني.”

“ماشي ياختي كُلي بعقلي حلاوة، المهم أنا هتكلم مع رانيا في موضوع نوح ده وأنتي طيبي خاطر أختك بكلمتين.”

“حاضر يا حبيبي.” تفوهت أفنان بلطف ليمنحها والدها ابتسامة صغيرة قبل أن يترك الحجرة لتصيح أفنان منادية على شقيقتها.

لم يستطع رحيم أن ينام في تلك الليلة من كثرة التوتر وكذلك أفنان بالطبع ولكن لكل منهم سببًا يختلف عن الآخر، فأفنان كانت تشعر بالتوتر حيال ما سيقوله رحيم وأسرته حينما يروا الحي الذي تقطن فيه وحينما يعلموا بالفارق الكبير بينهم من حيث المستوى لكن ما طمئن قلبها قليلًا هو أنها لم تكذب على رحيم قط بخصوص ذلك الشأن بل جعلته يعرف منذ اليوم الأول أن عالمها يختلف تمامًا عن خاصته، والشيء الثاني الذي كان يقلقها هو عدم موافقة والدها لأي سبب من الأسباب..

رحيم كان يخشى السبب الآخير مثله مثل أفنان، فهو لا يعرف شخصية والدها ولا يعرف إن كان شخصًا عصبيًا حادًا الطباع أم شخصًا لينًا وحنونًا.. ايضًا ذهابه بدون مرافقة أحد أفراق عائلته جعلته أشبه بالغصن الذي قُطع عن الشجرة لكن لحسن الحظ أن أنس كان إلى جانبه منذ بداية الأمر فبدونه لشعر رحيم بأنه يتيم حتى في وجود أبويه على قيد الحياة.

“يا عريس!!! اصحي يا عريس!!”

صاح أنس في أذن رحيم الذي انتفض من نومته قبل أن يُلقي بكل ما هو جانبه على أنس بينما يوبخه قائلًا:

“بقى يا بني آدم أنت When i finally get to sleep ‘حينما استطيع النوم اخيرًا’ تصحيني بالطريقة دي؟!!”

“يعم نوم أيه ما أنت نمت كتير في حياتك قبل كده، النهاردة أنت عريس.”

“يارب، يارب بس الموضوع يكمل على خير وأبقى عريس فعلًا.. خلاص مفهاش نوم تاني منك لله.”

بعد تناول كلاهما وجبة خفيفة من الطعام توجه رحيم وأنس إلى ‘الحلاق’ ولو أن المكان كان أقرب إلى ال ‘Spa’ حيث قام كلاهما بالحصول على جلسة ‘سونة’ والجلوس قليلًا في ‘الچاكوزي’ والحصول على قصة شعر جديدة وبعد الإنتهاء من كل ذلك عاد كلاهما إلى الفندق مجددًا لإرتداء البذل الرسمية؛ كانت خاصة رحيم سوداء بالإضافة إلى قميص أسود اللون بينما كانت خاصة أنس باللون الرمادي الداكن مع قميص أبيض كذلك، كان رحيم يبدو أقرب إلى عارض أزياء لإحدي المجلات الشهيرة عوضًا عن كونه شابًا مُقدم على الزواج.

“بسم الله ما شاء الله، تصدق لو كان ليا بنت جوزتهالك.”

“بنتك؟ Eww she would be too young for me ‘صوت يعبر عن التقزز/ سوف تكون صغيرة في العمر مقارنة بي’.”

“اه صح ده أنت كده هتبقى بيدوفيلي أيه القرف ده.”

“بس تصدق يا أنس أنت كمان شكلك قمر أوي، تحس إنك بني آدم كده ليك قيمة.”

علق رحيم بمزيج من اللطف والسخرية وهو ينظر نحو أنس والذي تفوه ردًا على حديثه بإمتعاض:

“ولما أهينك يا رينبو بتزعل، يلا بقى عشان نلحق نعدي نجيب الحاجة قبل ما نروح عند عمو أبو أفنان.”

“اه صح، يلا بينا.”

بعد ساعة ونصف من تلك المحادثة كان رحيم وأنس في طريقهما إلى منزل أفنان، كان أنس يقود نظرًا لأنه يتذكر أين يقع المنزل إلى حدٍ كبير لكنه كان يستعين بال ‘GPS’ من حين لآخر.

“هي أفنان ساكنة هنا؟”

“لا، مش هقولك هي ساكنة فين هسيبهالك مفاجأة، هو أنت غالبًا أصلًا متعرفش اسم المنطقة اللي هي ساكنة فيها يعني.”

“تمام، مش مشكلة.. أديني هعرف.”

استغرق الطريق نصف ساعة آخرى قبل أن تتوقف السيارة في أحدى الحارات العشوائية الضيقة نسبيًا، كان رحيم ينظر إلى المكان من حوله بدهشة شديدة هو لم يرى مثل تلك المنازل أو مثل تلك المنطقة في حياته قط ولربما لمح ما يُشبهها في أحدى أفلام السينيما.

“هي.. أفي ساكنة هنا؟”

“اه، عايز تقنعني بقى إنك هتجيب طنط الحجة إيڤيلين وأونكل حامد هنا؟”

“في الواقع.. مش عارف.. بس عادي يعني ما هو بيت زي أي بيت..”

حاول رحيم تكوين جملة مُفيدة لكنه لم يستطع حيث كان منشغلًا بمراقبة المكان من حوله بدهشة شديدة، وكان بعض من حوله يراقبوه ايضًا فلقد كانت السيارة خاصة رحيم غاية في الفخامة ولم يكن لأحد من القاطنين في هذه المنطقة القدرة على إمتلاك سيارة كتلك، كما كانت هيئة أنس ورحيم مختلفة بنسبة كبيرة عن المكان، قهقه أنس على تعبيرات وجه رحيم وهو يُعلق ساخرًا:

“يا أخي ده أنت لسانك مش مطاوعك تقول الجملة حتى.”

“خلاص بقى يا أنس متبقاش سخيف، بقولك أيه متعرفش هي أني بلكونة في دول؟”

“وأنا هعرف منين يعني هو أنا ساكن معاهم؟”

“استنى أنا هعرف لوحدي.. هي دي.” كان رحيم ينظر بتمعن في كل الشرفات حتى وجد واحدة يظهر منها الأزهار التي قد ابتاعها لأفنان منذ مدة، ابتسم ابتسامة واسعة حينما أدرك كم أعتنت هي بالهدية خاصته وتمنى لو أن تعطيه نصف الإهتمام والإعتناء الذي تمنحه هي للزهور.

“يلا بينا.” أومئ رحيم بتوتر وتقدم أنس ودلف إلى الداخل.
وضع رحيم يده على جرس الباب برفق، يده الحاملة لباقة الزهور ترتجف وشعر بأن قدمه لم تعد قادرة على حمله بعد الآن، إنه على بعد خطوات من أمنية حياته، نظر نحوه أنس بطرف عيناه قبل أن يبتسم ابتسامة جانبية وهو يهمس:

“أيه يسطا هيغم عليك ولا أيه؟”

“غالبًا.” نبس رحيم بصوتٍ منخفض قبل أن يُفتح الباب بهدوء ليظهر من خلفه رجلًا ذو وجه بشوش وملامح يظهر عليها الطيبة والألفة، كان والد أفنان والذي بمجرد أن رأهم ابتسم ابتسامة واسعة وهو يُرحب بهم قائلًا:

“اتفضلوا يا حبايبي نورتوا.” وبالرغم من ابتسام والد أفنان إلا أن معالم وجهه تبدلت قليلًا حينما لاحظ أن رحيم وحده أو بمعنى أدق بدون والديه.

“بنور حضرتك، Thank you ‘شكرًا لكَ’.” أردف رحيم بتوتر ملحوظ ليدعس أنس على قدمه بسبب تحدثه بالإنجليزية ليحمحم رحيم بإحراج لأنه قد فعل ذلك بسبب توتره وليس لأي سبب آخر، جلس رحيم على الأريكة إلى جانب أنس ثم وضع باقة الزهور وعلبة الشيكولاتة الفاخرة أعلى الطاولة ووضع أنس عُلبة ‘الجاتو’ التي كان يحملها هو، والتي استطاع والد أفنان ان يستشف بسهولة أنها باهظة الثمن.

“مكنش في داعي تكلفوا نفسكوا كده يا حبايبي.”

“لا يا uncle دي حاجة بسيطة جدًا مفيش حاجة تيجي من مقام أفنان.”

“من مقامكوا مفيش حاجة تيجي من مقامكوا.” صحح له أنس ليومئ رحيم بطفولية مؤكدًا على حديثه ليضحك والد أفنان بخفه ثم يسود الصمت لثوانٍ.

“معلش عشان أنا مش عارف مين فيكوا رحيم؟” سأل والد أفنان بمزاح قاطعًا الصمت المُريب ليقهقه ثلاثتهم قبل أن يُعلن رحيم عن نفسه.

“أنا رحيم يا Uncle.”

“نورت يا رحيم يا ابني، أفنان حكتلي كتير عنك بس مشوفتش صورتك قبل كده.. ده أخوك مش كده؟”

“لا هو صاحبي وجاري من زمان.. متربين سوا زي الأخوات بالضبط.”

“ربنا يخليكوا لبعض إن شاء الله، هو دكتور زيك برضوا؟”

“اه هو خريج صيدلة برضوا بس هو أغلب تركيزه في الشغل على جزء ال Human resources ‘الموارد البشرية’ أكتر من الجزء ال Technical ‘الفني/التقني’.”

“هو يقصد يعني إن أغلب شغلي ليه علاقة بالموظفين والشغل الإداري أكتر من الصيدلة.”

“جميل ربنا يوفقكوا، الحاجة الساقعة يا رانيا.” طلب والد أفنان وبعد دقيقة واحدة كانت والدة أفنان كانت قد أحضرت أطباق تحوي أنواع مختلفة من التحلية وأكواب من المشروبات الغازية.

“أهلًا بيكوا يا حبايبي نورتوا.”

“أهلًا بحضرتك يا طنط.”

“عن إذنكوا.” استأذنت والدة أفنان واتجهت نحو الداخل ولكن ليس نحو المطبخ هذه المرة بل نحو غرفة أفنان والتي أخذت تراقب الأوضاع بالخارج بتوتر شديد عن طريق الثقب الخاص بمفتاح باب الحجرة.

“طيب يا رحيم كلمني عن نفسك شوية.”

“هي أفنان مشرحتش لحضرتك وضعي..؟”

“أدتني نبذة طبعًا بس أنا حابب اسمع منك.”

قال والد أفنان فهو حقًا بحاجة لسماع ما سيقوله رحيم فهو قد توقع أن أفنان قد هولت من شأن رحيم فهي منذ أن كانت صغيرة تهيم بأي شيء يُعجبها ولربما تُكسبه قدرًا لا يستحقه لكن هذه المرة لم تكن تبالغ حقًا في وصفها لرحيم والذي كان على وشك أن يُعلم والدها بأشياء مُبهرة لم تعلمها أفنان نفسها من قبل.

“تمام أنا هحكي لحضرتك عن نفسي كل التفاصيل اللي حضرتك هتحتاجها.. أولًا أنا منين.. أنا بابي مصري، مامي نص إنجليزية نص مصرية ولكن معظم حياتها كانت هناك طبعًا، أنا كمان أتولدت في إنجلترا وعشت معظم حياتي هناك لكن لما كبرت شوية بقيت بين هنا وهناك ولكن الاغلب هناك، أنا يعني معايا الجنسيتين أنا نص ونص، بابي عنده مجموعة شركات ومصانع للأدوية وهو وارثها عن جدو الله يرحمه وأحنا لينا فيها النسبة الأكبر وبقيت العائلة عاملين توكيل لبابي بإدارة ممتلكاتهم ونصيبهم يعني..”

“عظيم جدًا ما شاء الله، أنت بقى شغال مع والدك في الشركة؟”

” يعني، أنا حاليًا ماسك إدارة فرع من فروع الشركة اللي أفنان كانت بتدرب فيه وكمان بتابع إدارة فرع من الفروع في لندن، أنا الحمدلله مرتاح ماديًا، يعني معايا عربيتين وعندي شقتين في مصر وبيت في England.. وإن شاء الله هجيب ڤيلا ليا أنا وأفنان في المكان اللي هي تحبه وتختاره وأنا تحت أمر حضرتك في أي حاجة..”

“ما شاء الله ربنا يزيدك من فضله، بس أنا عايزك تفهم يا رحيم يا ابني إن أحنا اه مستوانا مش عالي لكن أحنا راضيين والماديات حاجة متهمنيش أصلًا أنا أهم حاجة بالنسبالي الأصل وراحة بنتي.”

“طبعًا يا Uncle.. أنا مش قصدي حاجة صدقني، تقريبًا أنا كلامي وصل لحضرتك بطريقة غلط..”

اضطربت معالم رحيم وحاول من تعديل جملته لكن التوتر تمكن منه لذا ساعده أنس وحاول تصحيح مجرى الحديث بدلًا منه قائلًا:

“هو حضرتك رحيم مش قصده حاجة هو قصده بس أنه مستعد يعمل أي حاجة عشان بنت حضرتك وفي سبيل سعادتها.”

“باين يا حبيبي أنا فاهم قصده أنا بس حبيت أنبهه للجزئية دي عشان الصورة تكون واضحة من الأول وأنتوا باين عليكوا شباب زي الفل ومتربيين كويس.”

“شكرًا لحضرتك يا Uncle، بس أنا عايز أكون صريح مع حضرتك، أنا مش ملاك ومش قصدي حتى أبان اني ملاك.. أنا انسان فيا عيوب وفيا حاجات محتاجة تتعدل بس صدقني يا Uncle أنا ممكن أعمل أي حاجة عشان أفنان، مستعد اتغير عشانها وأعدل من نفسي لحد أما ابقى الشخص اللي هي تتمنى أنه يكون أب لأطفالها.”

“إن شاء الله يا حبيبي ربنا هيجعلكوا نصيب مع بعض لو خير ليكوا.”

“طب أيه يا عمو مش هنقرأ الفاتحة؟” سأل أنس بغتة ليزداد توتر رحيم، تختفي ابتسامة والد أفنان ويحمحم وهو يتحاشى النظر نحوهم قبل أن يسأل رحيم السؤال الذي كان يخشاه منذ أن خطت قدماه إلى داخل المنزل.

“رحيم هو أنت والدك ووالدتك مش معاك ليه النهاردة؟ عشان جالسة تعارف يعني ولا عشان حاجة تانية؟”

كان والد أفنان قد توقع الإجابة مسبقًا لكنه أراد أن يسمعها من رحيم أو لربما كانت لرحيم أسباب آخرى غير ما خطر على باله لكن ذلك كان أمرًا مستبعدًا، فتح رحيم ثغره قليلًا بصدمة وقد شعر بأن الكلمات قد غادرته، إلهي من سحب الأكسچين من المكان؟

“هو في الواقع.. أنا مش عارف أقول لحضرتك أيه.. هو أنا فعلًا جاي النهاردة عشان تعارف وكده بس في نفس الوقت كنت عايز نقرأ فاتحة ونتفق.. يعني أصل بابي ومامي..”

“مش موافقين مش كده؟”

“لا هو حضرتك الوضع مش كده، هو بس الموضوع جيه بسرعة عشان يعني رحيم عرف إن أفنان متقدملها عريس فهو كان عايز ياخد خطوة بسرعة قبل ما هي ترتبط بشخص تاني فده مكنش مخلي عنده وقت كافي يتناقش مع أسرته في الموضوع..”

حاول أنس التبرير بقدر الإمكان وتحسين موقف رحيم لكن ذلك الحديث كله لم يُقنع والد أفنان الذي أخذ يُطالهم في هدوء منتظرًا انتهاء حديثهم، بعد أن فرغ أنس من حديثه ابتسم والد أفنان بهدوء وهو يقول:

“طيب خليني أقول حاجة بس، طبعًا أنا مش بكدب اللي أنتوا قولتوه وممكن يكون اللي قولتوها دي بعض الأسباب لكن يا رحيم يا ابني أنا مش صعب عليا أني اتوقع أن اهلك مش موافقين عالجوازة عشان كده محدش فيهم جيه معاك وده شيء أنا نوعًا ما كنت متوقعه لأن أفنان أدتني نبذة من الأول عن وضعك الاجتماعي ومستواك المادي.”

“حضرتك أنا هقنعهم، أحنا لسه معانا وقت يعني أنا بس كنت عايز حضرتك تشوفني الأول وتسمع مني عشان تعرف أني مش بتسلى ولا بلعب ببنت حضرتك أنا مستجراش أصلًا أعمل حاجة زي كده، فلو حضرتك وافقت مبدأيًا النهاردة وأنا أوعدك إن الزيارة الجاية هجيب مامي وبابي.. وحتى لو موفقوش.. أنا معنديش أي استعداد أخسر أفنان لأي سبب من الأسباب..”

“بص يا رحيم أنت باين عليك شاب كويس ومتربي وبتفهم في الأصول، أنا ارتاحتلك وفاتحلك بيتي تنور أنت وأهلك في أي وقت وتيجوا ونتقابل ونتفق لكن غير كده.. أنا أسف يا ابني أنا مقدرش أوافق وأهلك رافضيين.. رضا أهلك عليك ومباركتهم في خطوة زي ديه أهم من أي حاجة حتى لو الحاجة دي هي أفنان بنتي.”

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (في حي الزمالك

اترك رد

error: Content is protected !!