روايات

رواية هواها محرم الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم البارت الحادي والعشرون

رواية هواها محرم الجزء الحادي والعشرون

هواها محرم
هواها محرم

رواية هواها محرم الحلقة الحادية والعشرون

أسوأ ما يمكن أن يصيبك هو الوقوع في عشق إنسان كان يجب أن تبتعد عنه .
❈-❈-❈
ينام على سريره ويعانقها متلاعبًا بأصابعها تارة ويدنو قليلًا يقبل رأسها المستند على صدره تارةً أخرى بينما عقله يمرر الأفكار عن هدفها ليزفر بقوة مقررًا أن هذه اللحظة هي الأنسب لقول الحقيقة .
حفز نفْسهُ وسحب نفَسهُ بقوة كي يعزز رئتيه ثم ناداها بهمس :
– نارة ؟
تمتمت بخفوت وهي شبه نائمة بسكينة وسعادة تتوغلان بها كحال روحه وقلبه ليتحدث بعدها بترقب وحذر :
– فيه موضوع مهم لازم نتكلم فيه .
عادت تبصر ثم ارتفعت قليلًا تطالعه متسائلة بعينيها فمد يده يملس على وجنتها بحنان ثم قال أمام عينيها :
– موضوع بخصوص عمر .
بدأ القلق يتوغلها لذا نهضت تستند على الوسادة وتساءلت بهدوء مبطن بالتوتر :
– ماله عمر يا صقر ؟
زفر قليلًا ثم نهض هو الآخر يقابلها وهو لا يعلم كيف سيخبرها ولكن قضي الأمر ليتحدث وعيناه مسلطةً على خاصتيها :
– أنا عرفت أهل عمر الحقيقيين .
شهقت بصدمة وجحوظ تطالعه لثوانٍ بعدم استيعاب ثم تساءلت بحيرة :
– عرفتهم إزاي يا صقر ؟
هز رأسه بـ لا واسترسل بتروٍ :
– مش ده المهم .
لم تستطع فهمه جيدًا ولكن كل ما دار في عقلها هو عمر كيف سيتقبل هذا الأمر ومن هم هؤلاء ؟ لذا تساءلت بتعجب وأفكارها تركض بلا هوادة :
– هما مين يا صقر ؟ ، وليه اتخلوا عنه زمان ؟ ، وعرفتهم إزاي ؟
يعلم أنها الآن تجابه أسئلة كثيرة والإجابة واحدة لذا مد كفيه يحيط وجهها ويتمعن فيها ثم تحدث بحنانٍ وخوفٍ عليها :
– الأول اهدي خالص وأنا هحكيلك كل حاجة بس عندك استعداد تعرفي هما مين فعلًا .
سؤاله هذا يأخذها في رحلةٍ على متن قطار تائهٍ عن محطته لذا تساءلت والضيق ينهشها :
– هو أنا أعرفهم ؟ .
وكأنها وصلت للمحطة المنشودة ولكن لا البلدة آمنة ولا القطار يمكنه العودة لذا أومأ لها وهو يبعد يديه عن وجهها ويستند متعمقًا في ملامحها :
– سمير العدلي .
ظلت كما هي لا تحرك ساكنًا وأي ساكنٍ يمكنه أن يتحرك بعد تلقيه ضربة مميتة مثل هذه ؟ ، تطالعه وكأنها نزعت عقلها عنها لثوانٍ تحاول ترجمة الاسم كأنه نُطق بلغةٍ هيرغلوفية ولكن ثوانٍ أخرى وظهرت غيومها وهي تهز رأسها متسائلة بتحشرج وألم :
– إزاي ؟ ، سمير العدلي اللي هو عمي ؟ ، يبقى أبو عمر ؟ ، إزاااااي ؟
شعرت بنغزة تخدش صدرها فوضعت كفها تدلكه فأسرع يسحبها إلى صدره في عناقٍ حميمٍ وآمن ويده تعمل على طول ظهرها ليزيل أي ألمٍ عضوي ومعنوي تشعر بهما وتابع حديثه وهي داخله بنبرة حنونة تحمل غضبًا من هذا السمير يتمنى لو تجسد وركض إليه يلتهمه كوحشٍ جائع :
– نارة اهدي خالص واسمعيني كويس ، سمير ضحك على عيلة صغيرة بورقتين عرفي واستغل حبها زمان قبل ما يتجوز ، ولما قالتله إنها حامل أنكر وهددها وهي من خوفها من اللي حواليها وأهلها اتفقت مع ممرضة وأول ما ولدت عمر راحوا سابوه قدام دار لبنى هانم والباقي إنتِ عارفاه بس سمير مايعرفش إن ابنه عايش لإنه فكر إنها أجهضته .
استمعت له بذهول ثم ابتعدت عنه قليلًا تناظره بعيون متلألأة وتهز رأسها استنكارًا لما حدث قائلة :
– إزاي ، إزاي يا صقر ؟ ، عمر ابن عمي واتربينا أيتام وإحنا لينا الأهل والعيلة ؟ ، عمر اللي بالنسبالي كان الأخ والسند والأمان؟
توغلته الغيرة فأشعلت قلبه وهو يتنهد وتابع ليؤكد لنفسه ولها :
– الكلام ده وانتِ لسة طفلة يا نارة ، دلوقتي الأمور اتغيرت ، بس الواضح إن العيلة دي ليها حسابات كتيرة جدًا لسة ماتقفلتش .
ابتلعت لعابها المتحجر وتحدثت وهي مازالت في دوامة الصدمة ويديها تدلك جانبي رأسها :
– مش قادرة أستوعب ، عمر ابن عمي ؟ ، دمنا واحد ؟ ، إزاي جالهم قلب يعملوا فينا كدة ؟ ، إزاي جالهم قلب يرمونا كدة ، أنا بقيت أكره اللحظة اللي عرفت فيها عيلتي ، ياريتني ما عرفتهم ، يارتني كنت فقدت الذاكرة للأبد ونسيت خالص إني بنت ملجأ .
لاحظ أنها ستدخل في نوبة صراع وانهيار لذا أبعد يديها عن رأسها وانحنى يقبلها قبلةً يشتت بها هذا الصراع وبرغم عدم استجابتها له إلا أنها بالفعل تعجبت تطالعه بعدما ابتعد فتابع قبل أن تعود لانهيارها وتحدث بنظرة ثاقبة ونبرة قوية :
– مش نارة اللي تقول كدة ، مش نارة اللي علمتني إن كل سيء في حياتنا ليه حكمة وسبب هي اللي تضعف كدة ، نارة اللي سحبتني من وسط عيلة موراكو ونضفت روحي من السواد اللي كان محاوطها ، نارة اللي فاهمة كويس إن كل الأقدار خير ، لولا إن سمير رفض يعترف بابنه كان زمان عمر في وسطهم دلوقتي وحاله زي حال أبوه ، ولولا إن جدك أمرهم يتخلوا عنك كان زمانك في وسطهم زيك زي أميرة أو البنت اللي اتهجمت على مايا ، ربنا اختار ليكو الطريق الصح ، أوعي مرة تانية تقولي عن نفسك بنت ملجأ ، إنتِ بنت صقر .
غلف البكاء عيناها ولم تعد تراه بوضوح ولكنها أسرعت تعانقه بقوة فبادلها بقوة أكثر حنانًا بعدما رطبت كلماته جراحها التي عادت تنزف ما إن تم نبش الماضي ولكنه لن يسمح بهذا النزيف ، لقد أقسم ألا تتألم .
ظلت تبكي داخله وهو يهدهدها بحنين أبوي وهي حقًا تشكر ربها على هذا العوض الذي لولا وجوده لكان سقوطها حتمي على يد تلك العائلة ، إنه يقف لهم بالمرصاد ، ولكن عمر ؟ ، كيف سيتقبل عمر هذه الحقيقة ؟
بدأ بكاءها يهدأ تدريجيًا فابتعد قليلًا يحدق بها ويجفف بإبهاميه دموعها فطالعته بحبٍ يفيض قائلة بنبرة صادرة من بين صمامي قلبها :
– أنا بحبك أوي ، مش عارفة الحياة لو من غيرك كان هيبقى شكلها إيه ؟
– كانت هتبقى سودا .
قالها بمرحٍ ولكنها أومأت تؤيد حديثه ثم تحدثت متسائلة بقلق :
– هنقول لعمر إزاي يا صقر ، هيتقبل إزاي إن سمير العدلي يبقى أبوه ؟
تنهد مطولًا فهذا ما يقلقه حقًا ولكن يكفيه أنها علمت وأن جزءًا من حمله سقط من على عاتقه لذا تحدث متسائلًا :
– تحبي تقوليله إنتِ ؟
– لا ماقدرش أبدًا ، مستحيل .
قالتها بنفيٍ قاطع كان يعلمه مسبقًا ولكنه تحدث بتروٍ :
– تمام ، خليني بس أخلص من شوية مواضيع كدة من ضمنهم موضوع أميرة وبعدين أشوف إزاي هقول لعمر .
تنهدت تومئ بهدوء ولكنها حملت هم معرفته من الآن وكيف ستنظر في عينيه دون أن تخبره لذا قالت منبهة :
– صقر أنا مش هروح لماما الفترة دي ، مش هتقابل مع عمر خالص لحد ما يعرف .
أومأ مؤكدًا فهو بالأساس لن يقبل أن تغادر المنزل هذه الفترة أما هي فعادت تتساءل بتعجب واستفسار :
– طيب قولي بقى عرفت إزاي وامتى ومين هي والدة عمر ؟ .
عاد يتمدد وسحبها معه يعانقها بتملك ويحتوي رأسها داخل صدره قائلًا بهدوء :
– اسمعي ياستي .
❈-❈-❈
تتمدد على السرير وهذا النائم يحتويها بعمق بعد أن صعد بها يحملها بين راحتيه كأنها كنزًا ثمينًا ولمَ لا وهي أعطته ما يريده وامتصت غضبه وأفكاره السلبية .
كانت جولة عشق لا تشبه غيرها ، بدأت قاسية هجومية ثم تدحرجت بمستوياتها إلى أن وصلت لأرض العشق ذاتها .
بالنسبة له ربمَا ندم قليلًا على قسوته الأولى معها فهو تعهد ألا يقسو عليها أبدًا ، ولكن الأمر مختلفٌ كليًا بالنسبة لها ، ندمها أكبر من ذلك هي نادمة وندمها خوفًا .
خوفًا من حبه الذي اجتاحها دون رحمة ، خوفًا من سيطرته عليها ، خوفًا من تأثيره وتصميمه أمام رغباتها ، خوفًا من سحبها إلى عالمه بعدما كانت تظن أنها من ستنتشله من حياته السابقة .
وجدت نفسها خلال يومٍ واحدٍ فقط ضعيفة هشة لا قيمة لها أمامه وأمام رغباته .
لم تغيره وتخاف ألا تفعل ، الإنجاز الوحيد الذي حققته هو تخليه عن أموال عائلته وإخضاعه لجراحة أرادتها وهذا كل ما في الأمر وليتها تعلم بحقيقة الأمر .
أما تعقله وتوقفه عن تناول المشروب وتأنيه في الفعل ورد الفعل فلا أمل لديها الآن في تغييرهما بل هي باتت تشعر بالخوف من احتمالية تعودها على حياته .
تحشرجت مهتزة ورفعت يدها تجفف دموعها التي تتساقط على الوسادة في بكاءٍ صامتٍ حارقٍ لقلبها دون أن ينتبه له وكيف ينتبه وهو الآن ينام بعمق بعد تلك الكمية التي تناولها من هذا المشروب اللعين .
كلما حاولت ابتلاع غصتها وجدت صعوبة وألمًا يجتاحان داخلها ويقيدان أنفاسها ، لن تنسى هيأته وهو سكران يتخبط على ذاك اليخت .
هل هذا زوجها التي تمنته ؟ ، هل تزوجت بشخصٍ يشرب الخمر ويحفر الوشوم ويتوعد بالقتل ويغامر بحياته دون حساب لأي شيءٍ في الحياة ؟
تبخرت غيوم العشق والأحلام من فوق عقلها وقلبها وباتت ترى الآن نصائح والدها وخوفه وتتذكر كلاماته ، أخبرها أنها ستتعب وها هي في يومٍ واحدٍ فقط هاجمتها كل المتاعب .
اعتصرت عيناها بقوة لتنفض منهما الدموع الحارقة ثم عادت تبصر بنظرة أخرى ، نظرة أكثر قوة وتصميم ، نظرة محاولة النهوض والبحث عن عزم تواصل به هذه الحياة التي اختارتها ، لن تستسلم بهذه السرعة ، نعم هي الآن في حالة ضعف ويأسٍ مما حدث ولكنها ستكمل ، لا خيار آخر أمامها فهذا اختيارها .
ربما سلاحها الوحيد في هذه الحرب هو حبه ، حبه الذي يظهر بوضوح في غيرته وخوفه وشغفه وجنونه معها .
كوني ذكية خديجة ، افعلي مثلما فعلت نارة ، استخدمي سلاحكِ ولا استسلام بعد الآن ، يجب أن تصمدي وترتدي لباس القسوة قليلًا فسكوتكِ هذا لن يجدي نفعًا ، إن أردتي تغييره يجب أن تكوني أشد قسوةً معه .
ابتلعت ريقها بصعوبة وهى تحفز نفسها أن هذا هو أصح القرارات ، ستستغل حبه وحبها له في إصلاحه .
بدأ الصداع يضرب رأسها نسبةً لبكائها الذي لم يتوقف منذ أن غفا .
فركت رأسها بأصابعها ثم حاولت التململ من جواره وأبعدت يده التي تحيطها وترجلت تنهض وتخطو نحو حقيبتها الخاصة الملقية على أحد المقاعد .
تناولتها وفتحتها تنتشل منها علبة أقراص مسكن الصداع وتناولت حبتين منه ثم تحركت نحو رخامة المطبخ تلتقط كوب مياه وترتشفها ثم تحركت نحو الحمام لتغتسل بالمياة الدافئة علها ترتاح قليلًا .
تغتسل وتتوضأ وتصلي في هذا المكان لتدعو الله بمَ يعتليه صدرها .
❈-❈-❈
صباحًا تحرك صقر إلى شركته
في طريقه طلب رقم الحارس الذي يحرس فيلا عاطف والذي بات يعمل لحسابه .
أجابه الطرف الآخر قائلًا بتوتر :
– أهلًا يا باشا .
تحدث صقر بدون مقدمات بعدما علم بمغادرة عاطف إلى عمله :
– وصل الموبايل حالًا لمدام أميرة .
أسرع الحارس يخطو بحذرٍ نحو بوابة المنزل وهو يتعمد ألا تلتقط الكاميرات أي شكٍ لذا كان يخفي الهاتف وطرق الباب لتفتح أميرة بعد دقائق تطالعه بتعجب متسائلة بإرهاق واضح :
– خير ؟
تحدث وهو يمد يده ويشير بعينه نحو الهاتف :
– جيت اسأل حضرتك لو محتاجة حاجة ؟
تعجبت تضيق عيناها ثم نظرت ليده الممدودة نحوها وعيناه التي تحثها على تناول ما في يده ففعلت وتناولت الهاتف متعجبة فأسرع الحارس يغلق الباب ويعود لمكانه بينما هي دلفت متعجبة ثم وضعت الهاتف على أذنها تستمع بترقب قائلة :
– ألو ؟
تحدث صقر على عجالة وحذر :
– مدام أميرة أنا محمد ، اسمعيني كويس جدًا ونفذي اللي هقولك عليه ، واطمنى أنا هساعدك .
تعجبت ولكنها تمعنت جيدًا وتنبهت مسامعها لما سيقوله ليبدأ في إخبارها بما عليها فعله .
بعد دقائق أغلق معها وزفر بالقليل من الراحة وهو رويدًا رويدًا يعمل على حل الأمور والآن قرر حل الأمر الثاني ليهاتف العقيد بهاء ورجاله وليرى ماذا حدث مع ذاك المدعو ريستو ري والذي يهدد حياته هو وصديقه .
❈-❈-❈
توقفت السيارة أمام الجامعة والتفت عمر إليها يقول بابتسامة هادئة :
– يالا يا مايا انزلي وأنا هروح الشقة أجيب أوراقها وأروح أخلص شوية مشاوير كدة وبعدين ارجعلك .
طالعته بحبٍ وتحدثت بصدقٍ ونعومة :
– عمر بجد موضوع الشقة ده مش لازم منه أبدًا ، خليها باسمك يا حبيبي وأنا وانت واحد .
طرق على الطارة بهدوء ثم تحدث بثبات :
– لو هتفضل باسمي يبقى هنعيش فيها ، لو هعيش في الفيلا يبقى الشقة هتتكتب باسمك ، اختاري واخلصي علشان هتتأخري على جامعتك .
طالعته بغيظ من صرامته معها وتحدثت بعند :
– إنت بتكلمني كدة ليه يا عمر هو أنا عيلة صغيرة ؟ ، فيه حاجة اسمها نقاش على فكرة .
التفت يطالع حنقها بحب ثم ابتسم وتحدث مرددًا :
– فيه حاجة اسمها نقاش على فكرة ؟ ، ما إحنا اتناقشنا يا هانم وإنتِ اللي بتعيدي في كلام مفروغ منه ، هو إنتِ مش عارفة عمر ولا إيه ؟
عادت عيناها ترسل قلوبًا وابتسمت تردف بحب :
– لاء عارفاه طبعًا ، حبيب قلبي ده .
تحمحم والتفت ينظر حوله ثم عاد لها قائلًا بعيون ضيقة وبنبرة جريئة لأول مرة تعرف طريقها إليه :
– طب يالا انزلي بدل ما اتهور واخدك ونطلع على شقتنا ووقتها يحصل اللي يحصل بقى .
شهقت حتى باتت كالقطة المذعورة وفتحت الباب تترجل راكضةً وتركته يقهقه ويهز رأسه متعجبًا من حالة العشق التي يعيشها مع تلك الصغيرة وهذه الجرأة التي باتت تظهر في حضرتها .
تنهد وتحرك بسيارته يغادر متجهًا إلى شقته .
❈-❈-❈
يصطحبها في سيارتها بعدما تخلفا عن حضور محاضراتهما يتجه بها نحو شقته الجديدة كما أخبرها .
تحدثت وهي تتابع مسار الطريق عبر الشاشة الصغيرة :
– وليه ماقولتليش يا أيمن على الشقة دي من بدري ؟
تحدث يراوغ بهدوء ويده تحتضن يدها :
– مش أنا قلتلك إني عاملك مفاجأة حلوة ؟ ، هي دي بقى يا ستي ، ماحبتش نعيش أنا وانتِ بعد جوازنا مع ماما وبابا ، صحيح لسة عليا من تمنها أقساط بس المهم نكون براحتنا .
تنفست بسعادة وهي تراه ينفذ وعوده لها وها هي أول وعوده حققها وهي شقة الزوجية لذا تحدثت بنبرة هادئة :
– بصراحة فاجئتني وانت بتقولي تعالي نشوف الشقة بس كانت أحلى مفاجأة ، كدة بقى أقنع بابا بيك وأنا مطمنة .
نظر لها بعينين ماكرتين ثم ابتسم ورفع يدها يلثمها وقال :
– اطمني يا حبيبتي ، من هنا ورايح مافيش أي حاجة هتبعدنا عن بعض .
قادت تكمل طريقها وهو يبتسم ساخرًا عليها ، لقد استأجر هذه الشقة الفارغة من صديقه ليصطحبها إليها لينفذ ما نوى عليه وهي كالبلهاء وكعادتها تصدقه وتثق به ولكن كان عليه حل الأمر الذي طال .
❈-❈-❈
استيقظت على صوته وهو يتحدث عبر الهاتف قائلًا بنبرة مريحة بعدما أخبره صقر بكل التفاصيل :
– هذا جيد يا رفيق ، جيد جدًا ، الآن اطمأن قلبي .
اعتدلت تتكئ على ساعديها وتجلس على الفراش تطالعه حيث كان يقف أمام الحائط الزجاجي ويحمل الهاتف يسمتع إلى حديث صقر الذي يقول :
– لا داعي للقلق الآن وتوقف عن العبث هنا وهناك ، ذلك الرجل لا قلق حياله ، والآن استمتع أيها العابث ولا تحزن تلك المسكينة ، أعلم أن ليلة أمس كانت أسوأ ليلة رأتها منك .
التفت يطالعها فوجدها مستيقظة تطالعه فابتسم لها ثم عاد ينظر أمامه قائلًا بغيظ من اهتمام صقر بها :
– ما رأيك أن تهتم بزوجتك ولا شأن لك بي .
زفر صقر وأومأ كأنه يراه قائلًا بثبات :
– اقتراح جيد ، هيا أغلق أيها المزعج لا تأتي من خلفك راحة .
أغلق معه بعد أن تم حل أمر ذاك الرجل الذي تعامل معه رجال بهاء ليلجموه ولم يعترض خاصةً وأنه أصبح يعمل في دبي وترك إيطاليا هو وعائلته منذ عدة أشهر .
زفر وألقى نظرة على المنظر الطبيعي أمامه ثم تحرك يلتفت وخطى يجلس أمامها ثم مد كفه يحتوي وجهها قائلًا بابتسامة هادئة غير معتادة :
– الموضوء اتهل خديجة ، دلوقتي أنا مستريه ، الهمد لله .
تطلعت على عينيه قليلًا وهي تراه الآن يعود لوداعته بعدما اطمأن ولكنها فقدت طمأنينتها وراحتها لذا أبعدت وجهها من راحة يده وتحدثت بملامح باردة وفتور متعمد :
– تمام .
ترجلت بعدها وتحركت تاركة خلفها زوجين من العيون تطالعانها بتعجب ولكنه لم ينتظر قليلًا ولم يخبيء ما في قلبه حيث قال :
– مالك خديجة فيكِ إيه ؟ .
تحركت نحو الحمام ودلفت تغلق خلفها ولم تجبه فتعجب وظل مكانه ينتظرها إلى أن خرجت بعد دقائق تتحرك نحو المطبخ فعاد يسألها مجددًا :
– خديجة مالك ؟
تنهدت تجيبه ببرود مختصر دون النظر إليه :
– مافيش .
لم يعتد هذا الأسلوب منها وقد انتابه الضيق والغضب لذا نهض يتجه إليها ووقف أمامها متسائلًا بنبرة مترقبة :
– يئني إيه مافيش ؟ ، ياريت تكوني صريهة مئايا .
التفتت تواجهه ثم نظرت له قليلًا بتعجب من سؤاله كأنه لم يفعل شيئًا ، زفرت تستجمع طاقتها وترتب حديثها ثم قالت بنبرة محتدة وعيون يتقافز منها الغضب :
– تمام ، هكون صريحة معاك وأقولك إن امبارح كان أسوء يوم مر عليا ، تمبارح إنت خلتني أندم إني مفكرتش في كلام بابا كويس ، إنت امبارح كنت شخص تاني تمامًا عن اللي حبيته وكنت حاسة إنه بيتغير للأفضل بس يظهر إن ده وشك الحقيقي اللي مش هتقدر تتخلى عنه ، خذلتني في كل تصرفاتك .
ضيق عيناه يستمع لها فـ زفرت ورفعت يدها لتبدأ في العد على أصابعها أمامه متابعة بنبرة متحشرجة مختنقة على وشك البكاء :
– من أول عدم اهتمامك برأيي وتجاهلك المتعمد ليا وجبتني على مكان أنا مش حباه ولا مرتاحة فيه وآخر حاجة كنت أتوقعها إنك ترجع تشرب الأرف اللي شربته ده تاني بعد ما اتفقنا تبطله ، كنت صارحني وعرفني إنك مش هتقدر ، كنت خليك واضح معايا بس إنت مع أول مشكلة حصلت معاك نسيت كل ده ومافكرتش إني ممكن أتوجع ورجعت تشرب تاني ، كل ده علشان إيه ؟ وليه توصلني للإحساس البشع اللي عِشته بليل ده ؟
انتهت جملتها قاصدة أفكارها وصراعاتها ليلًا بعد نومه ولكنه ترك كل ما قالته وتمسك بجملتها الأخيرة يردف باستنكار ودهشة مرددًا :
– إهساس بشع ؟ ، إزاي يئني ؟
تساءل لأنه يعلم أنها رغبته وهي اندمجت معه حتى لو البداية كانت عكسية ولكنها استمتعت مثله .
أسبلت جفنيها وتنفست بقوة ثم عادت تطالعه وتردف بتوتر بعدما فهمت مقصده :
– أنا قصدي على حاجة تانية تمامًا .
بدأ يفهم مغزى حديثها ولكنه ادعى عدم الفهم ليقول بمكر يتراقص في عينيه محولًا لهجته :
– أتقصدين في بادئ الأمر حينما طلبتي أن أتوقف ؟ ، ولكنكِ استجبتي لي على الفور ، من المؤكد لم أغتصبكِ مثلًا .
ها هو يقذفها بالكلمات ليوترها ويجعلها تتجرد من قسوتها الصباحية الجديدة عليه وهذا ما حدث حيث شعرت بالخجل منه ومن نفسها ولكنها رفضت الاستسلام لقذف كلماته لذا زفرت وتحدثت بنبرة أشد حدة بعدما نفذ صبرها من استهتاره :
– خالد توقف ، لا تراوغ أنت تعلم ماذا أقصد جيدًا ، أنا لن أقبل إطلاقـًا أن يكون شريك حياتي ذاك الرجل الذي كنت عليه أمس .
زفر ورفع يده يفرك رأسه ويلتفت حوله يبحث عن هدى ثم عاد إليها وتساءل بنفاذ صبرٍ :
– ماذا تريدين خديجة ؟ ، أخبريني لأفعل ؟ ، الآن أنتِ نادمة على عدم طاعتكِ لوالدكِ ؟ ، نادمة على زواجكِ بي ؟ ، ماذا تقصدين ؟.
ابتلعت ريقها بصعوبة وأجابته بثباتٍ كاذب :
– أولًا أريد أن أذهب من هذا المكان ، لا أشعر بالراحة هنا .
– ولمَ ؟
نطقها وهو يتكتف قاطبًا جبينه ومترقبًا فتابعت بنبرة هادئة :
– لأنه بأموال عائلتك .
أسبل أهدابه يستدعي الصبر ثم تحرك يجلس على الأريكة من خلفه واتكأ بأريحية يجيب وعيناه تطالعها بثقب :
– اسمعي خديجة ، أموال عائلتي نصفها أموال قانونية بأعمال موثقة ولا دخل لها بتلك الأعمال المشبوهة ، طلبتي مني تنازلًا عن الأموال المشبوهة وفعلت ، هل تسعين لإفلاسي ؟ .
نظر حوله ويده تشير هنا وهناك وهو يتابع :
– هذا المكان اشتريته لنقضي فيه وقتًا ممتعًا دون إزعاج بشري ، أنا وأنتِ فقط ، لمَ كل تلك المبالغة ؟
هزت رأسها ترفض حديثه وقالت مندفعة :
– أنا لا أبالغ ، أنا فقط أخشى على حياتنا من أثر تلك الأموال .
هز منكبيه يجيب بصياح وهو يقطب جبينه :
– ما بها حياتنا ؟ ، هل سأموت مثلًا .
أسبلت جفنيها واهتزت رأسها مرارًا ترفض سماع هذا ثم عادت تطالعه مغيرة دفة الحديث للجهة الأخرى تقول :
– حسنًا ماذا عن المشروب ؟ ، لمَ تتناول شيئًا يضرك ؟ ، شيئاً يجعلني انفرُ منك ؟
– ماذا ؟
قالها مستنكرًا كلمتها فتابعت بضغطٍ يستهدف صدرها :
– مثلما سمعت ، تناولك للمشروب هذا يصيبني بالغثيان ، أنت تعلم أضرار الإفراط به جيدًا ، هو يجعلك شخصًا آخر ، لا أعلم ما الفائدة منه أصلًا ، إن كنت حقًا تحبني توقف عن تناوله .
قالتها وهي تستند على حافة الرخامة ولم تسعَ إلى إدخال الحكم الديني بينهما الآن ليقينها أنه لن يتقبله ووقفت تطالعه بنظرة تحدي طالت بينهما يفكر في تحديها لثوانٍ عدة ثم نهض يردف بثبات :
– حسنًا خديجة ، أعدك سأتوقف عن تناوله ، بالرغم من أنني لستُ بحاجة لإثبات حبي لكِ .
طالعته بشكٍ لسرعة وعدهِ ولكنه زفر يتابع بملامح مسترخية لينهي هذا الحديث :
– والآن هيا تعالي أعطيني قبلة .
نظرت له بتعجب لحظي ثم تجاهلت نداءه وهي تلتفت تواليه ظهرها وتبدأ في تحضير الفطور قائلة ببرود :
– اذهب واغتسل ياخالد أولًا لتزيل أثر المشروب .
التفتت برأسها تتابع وهى تشير بالسكين في يدها كتهديد كاذب :
– وسنغادر هذا المكان .
تأفأف وتحرك يتمتم بكلمات حانقه واتجه نحو الحمام يغتسل وتركها تقف تعد الفطور وتلتقط أنفاسها بشرود ، مازال هناك الكثير لتفعله ، ما زالت تسلك بداية الطريق .
❈-❈-❈
وصلت إلى المكان الهاديء نسبيًا تنظر حولها للمباني الجديدة العالية ثم عادت تطالعه متسائلة :
– فين يا أيمن بالضبط .
دس يده في جيبه ينتشل المفتاح ويناولها إياه قائلًا :
– في الدور التالت يا قلب أيمن في العمارة اللي قدامك دي ، يالا بينا .
تناولت منه المفتاح وترجلت معه بعدما صفت سيارتها ثم تحركا سويًا نحو مدخل العمارة ومنه إلى المصعد .
ثوانٍ ووصلا إلى الطابق واتجه أيمن يشير لها على الباب المنشود فتحركت معه فابتسم وأشار لها قائلًا :
– يالا يا حبيبتي افتحي وادخلي برجلك اليمين .
ابتسمت له وفعلت تضع قدمها اليمنى داخل الشقة وتدلف وهو خلفها حتى أغلق الباب وتتبعها وهي توزع أنظارها على المكان تتفحصه فتفاجأت باحتضانه لها من الخلف لذا توترت قليلًا وابتعدت تلتفت تطالعه قائلة بابتسامة وسعادة :
– حلوة أوي يا أيمن ، كفاية إننا هنكون مع بعض فيها .
نظر لها نظرة خبيثة وابتسم قائلًا :
– طبعًا يا حبيبتي ، تعالي لما أوريكي الأوَض .
تمسك بكفها وحركها نحو الغرف يريها إياهم ثم توقف عند آخر غرفة والتي وجدت بها سريرًا ومرآة فطالعته متعجبة وتساءلت :
– إنت نمت هنا ولا إيه ؟
تعمد أن يغلق الباب وحدق بها ثم قال بأنفاسٍ ساخنة :
– لاء بس جبته علشان لو احتجناه لحد بس ما اظبط العفش ، ما تيجي نجربه .
نظرت له بحدة وتحدثت معترضة وهي تحاول الخروج من الغرفة :
– اتلم يا أيمن اللي في دماغك ده مش هيحصل غير بعد الجواز .
ما إن اقتربت من الباب حتى عاد يدخلها عنوة ويتحدث وهو يلتصق بها بطريقة مقززة :
– وإيه المانع لو حصل دلوقتي ؟.
زفرت بضيق وهي تحاول إبعاده عنها وتدفعه مردفة بحدة :
– أيمن إبعد احسنلك .
زاد من التصاقه وهو يردف بنبرة مهددة :
– خليكي مرنة معايا علشان مازعلكيش .
صدمت من نبرته وحاولت دفعه مجددًا وهي تقول بحدة :
– إنت اتجننت ، ابعد عني .
لم ولن يبتعد بل أصبح يقيدها ويتحرك بها نحو السرير قائلًا بنبرة حادة وطاقته تضاعفت نسبةً لتحفز جسده لتنفيذ خطته :
– لا بقولك إيه ماتعمليش عليا الشريفة إحنا خبزينه سوا .
جحظت بصدمة وهى ترى نفسها مكبلةً تحاول دفعه فلم يتزحزح بل يقترب أكثر ليستحل ما ليس له وجسده يحتك بها بطريقة أخافتها وجعلتها تصرخ مردفة ببكاء :
– ابعد عني يخربيتك ، ألحقوووووني .
ظلت تحاول دفعه بكل ما أوتيت من قوة واستطاعت بصعوبة تحرير نفسها من أسفله وأسرعت بلهفة نحو النافذة الزجاجية للغرفة تحاول فتحها حيث هي الأقرب لها ونجحت في فتحها ولكنه لحقها يكبلها مجددًا فصرخت ويدها تتمسك بقوة في مقبض النافذة وهو يحاول نزعها بعنف ويكمم فمها ليحجب صراخها .
في تلك اللحظة كان عمر يقف في شرفة غرفته يضع المياه وطعام العصافير في مكانه ولكنه استمع إلى صرخات تأتي من العمارة المقابلة له فرفع نظره ينظر بتعجب فلاحظ وجود إحداهن تستغيث وتحاول الصراخ بصوتٍ مكتوم .
صدم وتخشب لثوانٍ قبل أن يقرر الذهاب مسرعًا ليرى ما يحدث فعلى حد علمه المكان هنا يعد خاليًا من السكان وأغلب المُلّاك هنا لم يسكنوا منازلهم بعد .
ركض للخارج ثم استعمل الدرج ينزله مسرعًا حتى وصل للأسفل واتجه للعمارة المقابلة ثم على الفور صعد الدرج وتوقف أمام الشقة المنشودة ووضع أذنه على الباب ليتأكد وبالفعل اسمتع إلى صرخات مكتومة آتية من الداخل .
ذهل مما يسمعه وتوقف عقله للحظات قبل أن يستيقظ على صرخاتها المستنجدة :
– ابعد عني يا حيــوان ، الحقــــــــــــــــوني .
لم ينتظر ثانية أخرى حيث بات يطرق الباب بعنف ويحاول دفعه بصعوبة وهو يردد :
– مين جــــــــوا ، إيه اللي بيحصل هنـــا ؟ ، افتحوا البــــــــــــاب .
كان في حالة تأهب ولم يهمه ما يمكن أن يحدث معه ولم يفكر في نفسه ، كل ما استحوذ عليه هو مساعدة تلك الفتاة التي تستنجد .
في الداخل استمع أيمن للصوت لذا نهض ينتفض ويبتلع لعابه خاصةً وأن تلك الغبية أرهقته بالفعل فقد ظن أنها لن تستطيع مقاومته لذا أتى بها هنا خاصةً وأن صديقه أخبره أن هذا الطابق لا أحد يسكنه لذا فهو يمارس فاحشته باطمئنان ولكن من هذا ؟
نهضت ترتعش وهي تلملم شتات نفسها وتغلق طرفي بلوزتها التي نزع أزرارها فقبض عليها قبل أن تتحرك للخارج وطالعها بنظرة مرعبة قائلًا بتحذير قاسٍ :
– لو بؤك اتفتح تاني هخلص عليكي .
كمم فمها بقوة بيدٍ وبالأخرى يحاوط خصرها بقوة آلمتها وتوقف يترقب الصوت منتظرًا مغادرة هذا الغريب ولكنها لم تجد سبيلًا سوى أسنانها التي غرزتها في كفه تقضمه بقوة جعلته يصرخ ويبتعد متألمًا لتركض مسرعةً نحو الخارج قبل أن يلحقها حتى وصلت إلى باب الشقة وعلى آخر لحظةٍ من وصوله لها كانت قد فتحته تلقي بنفسها في أحضان هذا الغريب الذي جحظت عيناه مصدومًا مما يراه .
تجمد أيمن مكانه وهو يطالع عمر بصدمة بينما أبعدها عمر عنه فورًا ولم ينظر لوجهها بل حركها لتقف خلفه ووقف في مواجهة أيمن يطالعه لثوانٍ قبل أن يهجم عليه ويسدد له اللكمات العنيفة قائلًا :
– هو إنت يا *** يا **** ، أنا كنت عارف إنك واحد ***** .
ظل يسدد له اللكمات حتى نزف الآخر من أنفه وجانب فمه ولم يستطع مواكبة هجمات عمر حيث طرحه أرضًا وجلس فوقه إلى أن انتهى منه لذا نهض يبصق عليه بعدما انهار جسد الآخر كليـًا لذا التفت لتلك المتجمدة تطالعهما ببكاء وتغلق ملابسها والآن فقط تعرف عليها لذا زفر بضيق وتقدم خطوتين يقول بجمود :
– إيه اللي يجيب بنت زيك مع واحد غريب لمكان زي ده ؟
تهز رأسها ولم تنظر له وعقلها لم يستدل على هويته بعد بل كان في دوامة ما كاد أن يحدث لذا زفر وتساءل بتجهم :
– مفتاح الشقة دي فين ؟
هزت رأسها سلبًا فتحرك يعود إلى أيمن الذي يئن ويحاول النهوض حتى وجد المفتاح ملقىً أرضًا فانحنى يلتقطه ثم تحرك للخارج وأغلق الباب يوصده قبل أن يحاول الآخر الخروج .
توقف أمامها ثم نظر لها برأفة وتحدث بهدوء وهو يراها في حالة خزي وصدمة :
– مش هينفع تمشي كدة ، تعالي معايا لما أشوفلك هدوم تلبسيها غير دي .
أومأت له باستمرار فهي بالفعل لا يمكنها المغادرة الآن وبهذا الشكل لذا تحركت معه ونزلا سويًا وهي تتبعه ثم عبر الطريق الفاصل بين العمارتين ودلف عمارته واتجه نحو المصعد يشير لها أن تدخل ففعلت فضغط على رقم الدور وتحدث قبل أن يغلق باب المصعد عليها :
– هحصلك على السلم .
أومأت له ولا تعلم من أين أتتها الثقة في هذا الشخص دون حتى أن ترى ملامحه بعد حيث ما زالت في صدمتها وخزيها .
دقيقة فقط ووصل إليها ثم توجه حيث شقته ففتح بابها وأفسح لها المجال فدلفت فتنهد بضيق من هذا الموقف الذي تعرض له ثم ترك الباب مفتوحًا ودلف فوجدها اتجهت تجلس على الأريكة وتضع يديها بين كفيها وتبكي ، لا يعلم هل تبكي ندمًا أم حزنًا ولكن من المؤكد أنها تعلم فداحة فعلتها .
خطى نحو غرفته وحاول البحث عن زي مناسب لها فوجد بلوفر صوفي واسع هو الأنسب فانتشله وعاد به يضعه أمامها قائلًا بتروٍ :
– تقدري تلبسي ده واهدي واحمدي ربنا إنه خلاني سبب ولحقتك قبل ما الحيوان ده كان يعمل اللي ناوي عليه .
رفعت نظرها أخيرًا تجفف دموعها وتطالعه لثوانٍ قبل أن تجحظ وتردف مستنكرة مما تراه :
– إنت ؟
زفر وأبعد عينه عنها فنهضت تبكي وتنظر حولها بتشتت خوفًا من وجود أحدٍ غيره هنا فأراد أن يهدئها لذا أشار لها أن تهدأ قائلًا :
– اهدي ، أنا ساكن هنا ودي شقتي ، واللي حصل ده مافيش مخلوق هيعرفه .
تحشرجت وتحدثت وهي تنظر إليه بحزن :
– أنا ، أنا كنت واثقة فيه وبحبه علشان كدة جيت معاه .
لا تعلم لما قالت هذا ولكنها أرادت أن تبرهن له شيئًا تخشاه لذا زفر بضيق وتحدث موبخًا كما لو كانت تهمه :
– ده مش مبرر ، بتحبيه يبقى ييجي يطلبك من أهلك ويتجوزك رسمي ، استفدتي إيه من ثقتك في كلب زي ده ؟
لو كان يحدثها هكذا في وقتٍ لاحق لكانت وبخته وبصقت الكلمات في وجهه بحدة ولكنه محق لذا تحشرجت مجددًا ونظرت نحو الزي الذي أحضره ثم التقطته وقالت بحرجٍ ليس من طبعها :
– ممكن ادخل ألبسه ؟
أومأ وأشار لها نحو إحدى الغرف فتحركت صوبها ودلفت تغلق الباب وتركته يتحرك خارج الشقة إلى أن تنتهي .
خرجت بعد دقائق تطالعه بتوتر ثم تحدثت بانكسار :
– شكرًا ، بس إنت فعلًا مش هتقول لحد على اللي حصل ؟
أومأ مؤكدًا دون النظر إليها فتساءلت بحرجٍ وخوف :
– ولا حتى مايا .
تملكه الضيق ونظر لها متحدثًا بصرامة :
– إنتِ مالك ومال مايا ؟ ، قلتلك مش هقول يبقى مش هقول وياريت تشيلي مايا خالص من دماغك .
أومأت له وداخلها تريد أن تحتد عليه ولكنها في موضع خزيٍ لذا تساءلت وهي تحدق به :
– هو إنت فعلًا بتحبها ؟
صدم من سؤالها ولكن يبدو أنها تستعيد شخصيتها بسهولة لذا تحدث بصرامة وحدة :
– مايا مراتي ، واتفضلي يالا علشان اتأخرت على شغلي .
أومأت وتحركت خارج الشقة فأغلقها وتحرك يغادر عبر الدرج فتبعته إلا أن وصل للأسفل فوجدها تتحرك نحو سيارتها فتعجب ، هل جاءت بسيارتها أيضًا .
تحدثت قبل أن يبتعد :
– تحب أوصلك ؟
رفع يده يشير لها برفضٍ وهو يبتعد دون النظر إليها ليتجه نحو السيارة ويغادر تاركًا إياها تنظر إلى أثره بشرود دام لثوانٍ ثم أسرعت تنطلق خلفه وتغادر قبل أن يلحقها أيمن .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ تجلس في الأعلى تقرأ في مصحفها الصغير بعدما تجاهلت ندائه عمدًا فهي لم تغفر له بعد .
أما هو فكان يغطس في ال pool مستمتعًا بالمياه الدافئة التي تنافي برودة الجو وهذا ما يميز هذا المسبح .
سبح يطفو وينفض عن رأسه المياه ثم زفر ورفع رأسه ينظر إلى الجدار الزجاجي وينادي بعلو مجددًا :
– خديجة هيا تعالي لنسبح المياه هنا دافئة ورائعة .
أنهى جملته ثم تابع بصوتٍ هامسٍ لنفسه :
– ليس كثيرًا ما أنفقته عليك أيها المسبح ، تستحق يا هذا .
كان يتحدث إلى المسبح باستمتاع ثم تعالى صوته بأغنيةٍ ما وهو يعاود السباحة قائلًا بصوتٍ مسموع شتتها عن قراءة القرآن :
– الحياة لطيفة استمتع انطلق ، الحياة هادئة ؟ انطلق وغامر وتصرف بجنووووون ، هيا خديجة تعالي .
زفرت بضيق ثم صدقت وأغلقت قرآنها وتركته جانبًا ثم وقفت تتجه إلي الجدار وتنظر له من ارتفاعها المتوسط قائلة :
– افعل ما تريد ودعني أفعل ما أريد .
كان جوابها قاسيًا عليه ولكنها باتت تعتمد طريقة الجفاء هذه ليصيبه الضيق ويقرر الرحيل من هذا المكان ولكنها تفاجئت به يقفز خارج المسبح ويطالعها متوعدًا وهو يخطو نحو الدرج قائلًا بنبرة وحشية ماكرة :
– حسنًا سأفعل ما أريده بكِ .
جحظت عيناها وهي تراه يصعد إليها وتيبست للحظات بصدمة قبل أن تحل وثاق قدميها وتنطلق راكضة وهي تبتعد عن الجدار متجهة نحو الحمام بضحكة تشبه الصراخ انفلتت منها لا إراديًا وقلبها ينبض بعنف مستشعرًا خطر هجومه ولكن بعد أن صعد الدرجات مسرعًا ليلحق بها غير منتبهًا للمياه المتساقطة منه والتي أدت إلى انزلاق قدميه ليسقط متدحرجًا على الدرج درجة تلو الأخرى حتى وصل لنهايته يصرخ متألمًا من خصره .
نداها مجددًا بصراخ قائلًا :
– ااااااه يا ملعونة يا خديجة أسعفيني .
كانت قد دلفت الحمام تحتمي به وتستمع إلى صراخه تظنه يمزح معها ولكن طال انتظارها فتعجبت ثم بتردد وخوف فتحت باب الحمام تتطلع نحو الخارج بتوجس فلم تجده .
انتابها القلق وأسرعت خارجه ثم تقدمت من الباب تنادي عليه وما أن وصلت ووجدته متمددًا عند نهاية الدرج يمسك بخصره ويأن حتى شهقت واتجهت على الفور تنزل إليه حتى وصلت قائلة باهتمام وقلق :
– خالد مالك ، إيه اللي حصل ؟ .
نظر لها بملامح متألمة ثم قال وهو يحاول النهوض ولكن تصلب خصره يمنعه :
– هل رفعتِ رأسكِ عاليـا ودعوتي عليّ ؟ ، أعلم أن دعوتكِ مستجابة ، انظري ماذا فعلت بي .
امتدت يدها تتفحص خصره باهتمام وعيناها محدقة تقول بشفقة وتقريع :
– بالطبع لم أفعل ، هذا خطؤك ، أتركض على الدرج وأنت مبتل ؟ ، كم أنت متهور .
كان يتألم ولكنه أحب حنانها عليه ، زفرت وتمسكت به تضع يده حول رقبتها والأخري حول خصرها قائلة وهي تحثه على الوقوف :
– هيا قف معي .
حاول النهوض بصعوبة فجسده كأنه كان يشتهي تلك الدحرجة ليتصلب كعجوزٍ بائس ، نهض بصعوبة وهي تتمسك به ولكنه يحاول رمي ثقله على سياج الدرج حتى لا يسحقها بثقله فهي هشة وصغيرة تختفي بين ذراعه الذي تلفه حول خصرها وكم يعجبه هذا الفارق بينهما.
ببطءٍ شديدٍ صعدا الدرجات سويًا ثم تحركا نحو السرير ومددته عليه وأنينه مستمرًا .
زفرت بعد أن تمدد ولكنه لم يستطع النوم على ظهره حيث تقوس بألم لذا التف ليتمدد على بطنه قائلًا وهو يحتضن بيديه الوسادة من أسفل رأسه :
– أوووو يا إلهي هل سأصاب بالشللِ في أول أسبوع زواج ؟ ، هذا جزاء من يتزوج متدينة دعوتها مجابة ، ااااه .
عضت على شفتيها تبتسم عليه بخفوت برغم حزنها على ما أصابه ثم تحدثت بحنو ورأفة :
– توقف خالد بالطبع لم يتفوه لساني بأي سيء عليك .
تنهد يضع رأسه على الوسادة ثم تحدث والألم في خصره قابضًا ثم قال متسائلًا بانزعاج :
– حسناً ماذا سأفعل الآن ؟ ، وكيف سنجد طبيبًا ونحن في هذا المنزل الملعون ؟ ، الآن أصدقكِ هذا البيت ملعونًا حقًا .
قهقهت بخفة فها هو يلعن المنزل بنفسه ثم تحمحمت تخفي ابتسامتها وتحركت نحو حقيبتها تحضر الكريم الخاص بالكدمات ثم عادت إليه تجلس جواره وفتحت العبوة تضع منها القليل على راحتها التي امتدت على خصره تدلكه بنعومة قائلة بحنو :
– فقط اهدأ وسيزول الألم بعد قليل .
ابتسم وتناسى ألمه مستمتعًا بلمستها على خصره وأغمض عينيه سابحًا بأفكاره الوقحة التي ترجمها لسانه حينما قال من وسط أنينه :
– أوه لو نستبدل أصابعكِ بشفاهكِ يا لها من إثارة .
ضربته بخفة على خصره وعادت تدلكه قائلة بجدية زائفة :
– اصمت قليلًا ودعني أدلكك جيدًا ، على ما يبدو أن جسدك تمرد على أفعالك المتهورة .
تنفس وهو مغمض العينين ثم قال بخبثٍ جريء :
– حسناً سأصمت ولكن جسدي كله يؤلمني ، لا تنسي تدليكه بالكامل رجاءً خديجة .
هزت رأسها بقلة حيلة من هذا الحبيب الذي أحيانًا يكون بريئًا يشبه الأطفال وأحيانًا يكون مخيفًا يشبه الوحوش .
بعد دقيقتين انتهت من تدليكه ونهضت تقول :
– استرح قليلًا وسيزول الألم .
تحدث بنبرة هادئة متحشرجة من أثر لمساتها التي لو أتت قبل وقوعه لكان رد فعله رومانسيًا عنيفًا ولكن أتت سفنه بمَ لا تشتهي رياح جسده :
– خديجة جاوريني أريد أن أتحدث معكِ وأنا في تلك الحالة ، ربما أموت بعد قليل .
قالها مازحًا فتنهدت ثم تحركت تضع الكريم مكانه وعادت إليه تجلس عند رأسه وتستند على ظهر السرير فرفع إحدى ذراعيه التي تحتضن الوسادة واحتضنها هي بدلًا عنها ثم همس بترجٍ :
– تمددي خديجة ، أريد أن أخبركِ شيئًا .
تنفست بقوة ثم تمددت بجواره تنظر للأعلى وهو يحاوطها ثم تحدث بالقرب من أذنها بنبرة هامسة كأنه على وشك النوم :
– لا تستعملي القسوة معي خديجة ، لا تستعمليها أبدًا ، أنا تجرعت القسوة بكامل أنواعها وبكل الطرق التي تتخيلينها والتي لا يمكن أن تتخيلينها وتحملتها جميعها ، ولكن قسوتكِ مختلفة ، قسوتكِ تفوق تحملي فلا تقسِ عليّ ، ما جذبني إليكِ أول مرة هو حنان نظرتكِ ونعومة ملامحكِ التي تؤكد لي كم أنتِ مراعية ، تعاملي معي على هذا النحو دومًا .
استمعت إليه بقلبٍ استسلم في الحال ودون أي مقاومة ، من بين أحرفه أدركت أو ربما تحاول إدراك ما عاشه لذا التفتت لتنام على يسارها وتقابله ثم ارتفعت يدها تتحسس وجنته الظاهرة وتقول بحنو ومغزى حكيم :
– حسنًا خالد سأفعل ، ولكن دعنا نتفق ، نتعاهد أننا سنسعي لنصلح أخطاء الماضي ، فقط أحتاج مساعدتك ، مهما بلغت طاقتي لن أفلح دون أن تساعدني ، لا تكابر فضلًا .
– أحبكِ خديجة .
نطقها وهو يستنشق رائحتها بقوة ومازال مغمض العينين وتابع بصدقٍ نبع من داخله واعترافًا لأول مرة يصرح به كأن شخصًا آخر يسكنه :
– أحبكِ حقًا وأعلم أنكِ ستعانين معي ، أعلم جيدًا أنني سأحزنكِ أحيانًا ولكنني سأحبكِ دومًا ، أعلم أن دموعكِ ستسقط بسببي ولكنني سأحبكِ دومًا ، سأحبكِ بالقدر الذي يجعلني أستبدل أحزانكِ التي تسببت بها إلى سعادة ، وأستبدل دموعكِ التي أسقطتها بضحكات يصل صداها عنان السماء ، أعلم أنني شخصٌ مختلفٌ يحمل طباعًا عبثية اندفاعية متهورة ولكنني أحمل قلبًا خالصًا لكِ .
اقترب بوجهه يقبلها قبلةً خاطفة ثم ابتعد إنشًا وغفا بعدها كأن روحًا تلبسته وأنهت مهتمها وانصرفت ، غفا بعد أن أخبرها بالحقيقة ، تعرى تمامًا أمامها وتركها تعاني شعور الخوف من كلماته ، ترك قلبها يبكي على هذا الحبيب والعقل يأنبه ليصبح الأمر كطفلٍ صغيرٍ تمسك بلعبةٍ خطرة وأرادها رغمًا عن أنف أبيه الرافض خوفًا عليه .
❈-❈-❈
منذ أن هاتفها صقر وهي تفكر في حديثه وكيف يمكنها تنفيذه ؟
كيف ستتحمل كم هذا الضغط على روحها لتحاول حقًا تنفيذ ما طلب؟
تساؤلات جعلتها تخشى وتشعر أن أمرها سينكشف ما إن تحاول فقط .
صوت سيارته جعلها تنتبه لوصوله لتنتفض واقفة كأنه كشف أمرها دون حتى أن تلمحه .
تنفست بعمقٍ عدة مرات تحفز نفسها ثم تحركت بتباطؤ نحو الأسفل لتراه ولترى ما يمكنها فعله .
دلف الفيلا وعيناه تنظر نحو الدرج مباشرةً حيث كانت تنزل .
اتجه نحو مكتبه ولم يعرها اهتمامًا إلى أن نزلت تفرك كفيها بتوترٍ ملحوظ ولكنها ستحاول فلن تخسر أكثر من خسارتها .
تحركت خلفه نحو غرفة المكتب التي تكرهها وتكره كل ركنٍ فيها ولكنها مضطرة .
طرقت الباب الذي تركه مفتوحًا فلم يسمح لها بل جلس يتابع كاميرات المراقبة وما حدث في غيابه فظلت واقفة تطالعه بريبة ثم قرب رأسه من الحاسوب حينما لاحظ تحرك الحارس نحو باب المنزل ثم وقوفه معها .
تصلبت عروق وجهه ورفع نظره يطالعها بشكٍ ثم تساءل دون مقدمات :
– كان بيقولك إيه ؟
إن راوغت سينكشف أمرها لذا تنفست بقوة تحت أنظاره المتفحصة وتحدثت تسرد ما أُمليَ عليها :
– أنا اللي نديت عليه علشان كنت محتاجة أكلمك في موضوع مهم وهو جابلي موبايله بس تليفونك كان مقفول .
ضيق عينيه قليلًا فهو بالفعل قد أغلقه حينما كان يجلس مع عملاء غربيون يتابعون مستجدات الصفقة ليزفر ثم يعود بعينه نحو الحاسوب ويظل يتفحصه بدقة وحينما لم يجد شيئـًا آخر أغلقه ونظر لها قائلًا بترقب :
– موضوع إيه اللي عايزاني فيه؟
توترها ملحوظ وهي تتقدم بخطواتٍ متمهلة حتى وصلت أمامه وجلست على المقعد تطالعه وتتساءل وعيناها في عينيه :
– هو إحنا بجد هنسافر ؟
لثوانٍ فقط يطالعها يحاول تفسير سؤالها ونظراتها ولكنه فشل ليومئ قائلًا وعينيه مسلطة عليها :
– أيوة ، بجهزلك بيت في كندا هتعيشي فيه هناك وأنا هجيلك كل فترة .
أومأت تخفض رأسها وتفرك كفيها ثم تمتمت بصوتٍ مسموع :
– كدة أفضل .
تعجب يقطب جبينه بشك متسائلًا :
– يعني مش معترضة ؟
ابتسمت بتهكم ساخرة ثم عادت تطالعه وتردد بتعجب :
– يعني لو اعترضت هتتراجع ؟
– لا طبعًا .
جوابه كان حادًا قاسيًا جعلها تتحفز أكثر لتنفيذ ما قاله صقر لذا ابتلعت لعابها وتابعت وهي تومئ باستمرار :
– يمكن لأول مرة هأيد قرارك بس أنا فعلًا محتاجة أبعد ، مابقتش عايزة أتواصل مع أي حد هنا ولا أعرف أي حد ، عايزة أبعد لمكان ماحدش يعرفني فيه .
نظرات الشك ما زالت قائمة داخله ولكنها تابعت بنبرة جعلتها هادئة :
– إنت ليه ما قولتش لماما على الحمل ؟ ، ليه ماقولتش إنك اتجوزت چيچي وبسببك خسرت ابني من قبل حتى ما أعرف بوجوده ؟
تملكه الغضب سريعًا وبصق الأحرف قائلًا باندفاع :
– كل اللي عملته ردود أفعال على عمايلك ، واللي خسرتيه ده ابني هو كمان وأكيد لو كان عندي علم بالحمل كان تصرفي هيبقى غير كدة .
رفعت نظرها تنظر في عينيه وتبتسم بألم قائلة :
– لإنه ابنك مش كدة ؟ ، طب وأنا ؟
لاحظ أمرًا جديدًا عليها وهو محاورته ، في العادة هو لا يؤخد من على لسانها سوى بعض الأحرف بصعوبة ولكنها الآن تحاوره ؟
زفر وأجابها بتعالٍ :
– إنتِ اللي اختارتي إنك تتهمشي في حياتي ، حاولت معاكِ بكل الطرق بس دماغك الناشف ده وصلك لحيطة سد وماحدش هيخبط فيها غيرك .
كانت تتألم داخليًا ، تتألم من مجرد فكرة جلوسها أمامه ومحاولة إماطة الحديث معه ولكنها يجب أن تحاول لذا تابعت متجاهلة حديثه الذي يزيد عذابها عذابًا ويصب فوق صدرها نيران حارقة :
– هنسافر إمتى ؟
– لما أخلص الأوراق المطلوبة ، بس مش عايزك تفرحي أوي وتفكري إنك هتتحرري هناك ، إنتِ هتفضلي تحت عيني بردو والبيت هناك هيكون متأمن كويس ، يعني علشان عقلك ميوزكيش بحاجة كدة ولا كدة .
لم تعد تحتمل الجلوس أمامه ومطالعته أكتر من ذلك لذا نهضت تردف بهدوء ظاهري وهي تتحرك لتغادر :
– ماتقلقش ، عقلي وقف عن التفكير ، مابقتش عايزة أعافر .
تحركت بعدها تغادر المكتب وتركته يطالع أثرها بشكٍ وتساؤلات ، هناك شيئًا غريبًا بها ؟ ، هناك أمرًا يجب عليه معرفته ؟
ماذا إن تواصلت مع تلك النارة ؟ ، ماذا إن وضعتا خطة للخلاص منه وحديثها هذا ما هو إلا جزءًا من تلك الخطة .
تناول هاتفه وطلب رقم أحدهم فأجاب الرجل :
– سامعك يا عاطف بيه اتفضل .
نهض عاطف واتجه يغلق باب المكتب ثم عاد إلى النافذة ووقف عندها يتحدث وعيناه تحدق في الخارج :
– فيه جديد ؟ ، خرجت من الفيلا ؟
– لا يا فندم لسة بردو لحد دلوقتي ماخرجتش .
– خلى عينك عليها كويس أوي ، وإنت عارف لو خرجت هتعمل إيه ، قرصة ودن صغيرة وملهاش أثر .
أغلق مع الرجل ونظر للخارج يتطلع نحو الحارس الذي لقطته الكاميرات بنظراتٍ ارتدادية يحاول فك الرموز من حوله والاحتمالات في عقله تتقافز لذا فعليه أن ينتبه ويضع الجميع تحت عدسة الشك .
❈-❈-❈
في اليوم التالي
وبعد أن تحسن ماركو ونهض ظلت تحاول إقناعه في مغادرة هذا المكان وظل هو يحاول إقناعها في البقاء وفي النهاية لا هو اقتنع ولا هي ولكن الحكم هنا له والتنفيذ له ولهذا فهي تشعر بالضيق وقلة الحيلة دومًا وهذا الشعور يخنقها .
تحرك حيث الحديقة والمسبح مجددًا ليستمتع إلى أن تنتهي من تحضير الطعام والعصير لهما .
وقف أمام المسبح يحرك عضلاته استعدادًا للقفز ولكنه التفت يتطلع للأعلى ويفكر كيف يجعلها تنزل المسبح بعدما باءت محاولاته بالفشل حيث وعدته أنها ستسبح معه في مسبح فيلتهما وليس هنا فهي تخشى إظهار سعادتها في هذا المكان فيتخذها ذريعة للبقاء .
زفر وأسرع يقفز داخله محدثًا فوضى وبدأ يسبح بسهولة كالأسماك .
بعد دقائق انتهت من تحضير الطعام وحملت الصينية وتحركت تخطو نحو الدرج ليأكلا سويًا في الأسفل .
لم تنظر نحوه بل تنظر لما في يدها ونزلت بحذر ثم اتجهت تضع الصينية على الطاولة والتفتت لتناديه ولكنها تجمدت حينما وجدته منبطحًا على بطنه داخل المسبح يطفو فوق سطح المياه ورأسه مغمورًا بشكلٍ جمد الدماء في عروقها .
لا تعلم كيف انتفضت تتحرك حتى وقفت على طرف المسبح تناديه بصرخة :
– خـــــــــالـــــــــد ماتهزرش .
لا جواب منه ولا حركة فما كان منها سوى التحرك نحو سلم المسبح تنزله بحذر وتتحرك نحوه بعدما غمرتها المياة وهى تردد بقلبٍ مفزوعٍ قلقٍ خاصة وأنها لم تسمع صوته منذ وقتٍ :
– يارب يارب يارب يااااااارب .
غمرتها المياه كليًا حتى كادت أن تختنق نسبةً لعمق الجهة الأخرى وقصر قامتها ولكنها حاولت السباحة برغم حركة ثوبها التي تعيقها إلى أن وصلت إليه وهي في حالة تشبه الجنون وتحاول لفه بيدها وتردد بنبرة تشبه الصراخ متوسلة :
– خـــــــــالد . يارب ياااااارب .
فجأة وبحركة سريعة لم تستوعبها وجدته يلتف وينهض واقفًا في المياه يلتقط نفسًا كبيرًا كتعويض عن حبس رئتيه للأوكسجين ثم طالعها مبتسمًا وامتدت يداه تحملها لترتفع عن سطح المياه وهي تطالعه بتعجب ودموع التصقت بعينيها فضحك يحدق بها قائلًا :
– ما رأيكِ في المياه ؟ .
طالعته بضيق ثم ضربته بكلتا يديها على كتفيه وهي تحاول الابتعاد عنه وتردد بحنق وغضب والمياه تتساقط منها فتجعلها شهية كما يحبها :
– طب نزلني بقى وابعد عني .
حرر يده من خصرها فسقطت تغطيها المياة فعاد يرفعها بيده ويضحك على هيأتها المتأهبة ثم ثبتها أمامه وقال وعيناه تحدق بها :
– كان يجب أن تقولي هذا قبل أن تدخلي بقدميكِ إلى هنا ، هيا دعينا نستمتع .
طالعته لثوانٍ بغيظ وتحدثت موبخة بينما ذراعيها تلتف حول رقبته في حركة تنافي توبيخ لسانها :
– تقوم تعمل كدة ؟ ، حرام عليك هتوقف لي قلبي .
– إن حدث سأعطيكي قلبي العابث هذا فهو يحب المغامرات ولا يخشى شيئًا .
قالها بنظرة صدقٍ ثم ثبتها يقبلها بحماس فبادلته بحبٍ داخل هذه المياه الدافئة التي تعطيهما شعورًا لا مثيل له .
ابتعد يلهث ويطالعها بشهوة خاصة وأن المياة تتساقط من خصلاتها على ملامحها وعيناها المغلقة فتجعله في حالة عشقٍ متجددة دومًا معها وما إن فتحت عيناها تطالعه حتى عاد يقتنص شفتيها مجددًا ويده تسبح فوقها باستمتاع .
بعد حوالي ساعة يتمدد على المقعد وهي تجاوره تنظر نحو البحر واليخت وللحظة مر على عقلها ما حدث في ذلك المساء لتسرع في إغلاق عينيها للحظاتٍ وتهز رأسها علها تنفض هذه الأفكار بينما هو كان يتناول العصير بعدما تناولا طعامهما .
خطر على عقله شيئًا ما فعاد يطالعها متسائلًا :
– خديجة ماذا ستفعلين إن مُت ؟
تبخر أي شعور مسبق داخلها وهجم عليها شعورًا وحشيًا مفجعًا التهم قلبها وأحشاءها وهي تطالعه وتردف بضيق :
– ليه السؤال ده بس ؟
هز منكبيه ومط شفتيه يجيب كأنه لا يعلم :
– مجرد سؤال .
هزت رأسها ترفض أفكارها الآن ثم حدقت به قائلة :
– مش عايزة أفكر يا خالد ، أنا دايمًا بدعي إنك تكون بخير وإن قلبك يكون بسلام .
كان ينتظر أن تفصح عن إحساسها ومشاعرها تجاهه ولكنها خشت التوغل في هذا التفكير هذا لذا فقد زفر بيأس وعاد يتساءل :
– حسنًا حينما كنت أدّعي الغرق منذ قليل ركضتِ إليّ وأنتِ ترددين يارب يارب ، لما لا تناديني أنا ؟
هذا هو الحديث الذي تفضله وتحب الغوص فيه لذا ابتسمت وتحدثت موضحة :
– كنت خائفة ، هيأتك وأنت في المسبح أفزعتني لذا فأنا ناديته لينقذك ، هو أسرع مني في الوصول إليك .
نظر لها بشكٍ فتابعت قائلة وقد تذكرت ما قرأته مسبقًا :
– حسنًا سأخبرك شيئًا ، هناك حديث قدسي يقول أنه كان هناك رجلًا في عهد نبي الله موسى عليه السلام ، هذا الإنسان كان يعبد الأصنام ، فكان دومًا ينادي على الصنم الذي يعبده ويقول يا صنم أرزقني ، ومرةً أخرى يقول يا صنم باركني ، ومرةً غيرها يقول يا صنم اشفني واعطني وهكذا .
تنهدت حينما وجدته يستمع لها بانتباه فاقتربت تتمسك بكفيه لتزيد الوصل بينهما وتابعت وعيناها ثاقبة في عينيه :
– وفي أحد الأيام أخطأ لسان ذاك الرجٌل وقال يا ( صمد ) بدلًا عن يا صنم فرد عليه الله تعالى قائلاً ( ها أنا يا عبدي ) فتعجب نبي الله موسى وقال ياربي أتجيبه وهو يعبد سواك ؟ فقال الله تعالى ( وهل هناك صمدٌ غيري يا موسى ) .
– ما معنى صمد ؟
نطقها متأثرًا بما قالته فأجابت بسكينة توغلتها :
– الملجأ الأبدي .
تعمق فيها لثوانٍ بعيون تائهة فتابعت وهي تتحس يده :
– ربما لم تقتنع ولكن هذا معناه أن الله ينتظر عودتنا إليه ، يجيبنا ما إن نناديه ، هو أقرب إلينا من حبل الوريد .
التفت ينظر للأمام وسحب يده منها بهدوء ثم حمل كوب العصير مجددًا يرتشف منه وهو يسلط نظراته على البحر ويردد حديثها الذي جعله متخبطًا تائهًا كسفينة صيدٍ هجمت عليها الأمواج والعواصف .
❈-❈-❈
ليلًا .
كانت تتحرك بملامح منقبضة متألمة لا تعلم سبب هذا الألم ومع ذلك تكمل خطاها كي تصل إليه وتلحق به حيث كان يغرق في مياهٍ عسرةٍ ويستنجد بها .
كلما اقتربت منه خطوة تجده يبتعد عنها والألم في قدميها يتزايد ولكنها لا تبالي بأي ألم فقط تتقدم لإنقاذه قبل أن يغرق .
زاد ألم قدميها فنكمشت ملامحها ونظرت للأسفل لترى ما سبب هذا الألم ولكنها شهقت حينما وجدت الدماء تنزف منها بغزارة بفعل زجاجات المشروب المتهشمة في كل مكان والتي تسير فوقها .
صدمت وارتفعت بنظرها لتراه فلم تجده بل وجدت البحر هادئًا كأنه ابتلعه وانتهى الأمر لذا توسعت مقلتيها وصرخت باسمه منادية بصوتٍ حادٍ مختنق :
– خــــــــالـــــــــد .
استيقظت بفزع من هذا الكابوس تنظر حولها لتجده ينتفض ويطالعها متسائًلا بقلقٍ ويده تربت على ظهرها :
– ماذا حبيبي ، هل رأيتِ كابوسًا ، هل مُت أم ماذا ؟
نطقها نسبةً لقوة فزعها فالتفتت تطالعه بعيون متلألأة لثوانٍ قبل أن تلقي بنفسها في حضنه فاستقبلها بحنان خاص بها ويده تسير على خصلاتها وطول ظهرها يردد على مسامعها :
– لا بأس حبيبتي أنا معكِ ، لا بأس .
أنفاسها عالية تحتضنه بقوة وخوف ، قلبها منقبض وضلوع صدرها تضيق عليه وعقلها يتخبط تائهًا في تفسير هذا الكابوس المزعج

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية هواها محرم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *