Uncategorized

رواية البوص الفصل الثالث 3 بقلم يمنى عبد المنعم

 رواية البوص الفصل الثالث 3 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية البوص الفصل الثالث 3 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية البوص الفصل الثالث 3 بقلم يمنى عبد المنعم

الخبيث والمعاناة
تعالت صرخاتها بهم قائلة بحدة: سيبوني…. سيبوني عايزين مني إيه، أنا عايزة سليم.
تنهد الرجل قائلاً بسخط: انسي البوص دلوقتي وخليكي جدعة كده ونفذي كل اللي قولتلك عليه.
أمسكت السيدة الفاز الذي بجوارها وهشمت به منضدةٍ صغيرة قائلة بانفعال: قول للبوص بتاعك إنه عقابه المرادي شديد أوي وأنا مش هسكت فاهم.
اتسعت عيني الرجل بغضب صائحاً: فتحي…. فتحي تعالى هنا بسرعة….!!
جحظت عيونها بهلع شديد وهي تتر اجع للوراء قائلة برهبة وفزع: بلاش فتحي…. بلاش فتحي أبوس إيدك…. بلاش فتحي…!!!
لم يكترث لحديثها كثيراً…. ولا لتوسلاتها مشيحاً بوجهه بعيداً عنها بضيق واضح، فإذا بها تتعثر المرأة للخلف وتصرخ برهبة عندما دخل إلى الغرفة، شاباً قوي البنية، طويل القامة، يطالعها بنظرات شرسة كالذئب الجائع لفريسته.
يبدو من ملامح وجهه القاسية أنه بالتاسع والثلاثون من عمره…. اقترب منها وابتسامة تشفي على شفتيه.
انتفض قلبها بعنف وكادت أن تشعر باختناق داخل صدرها الذي يعلو ويهبط من إثر ما تعيشه الآن.
قائلة بصوتٍ مرتعش: لا يا فتحي…. لا يافتحي أرجوك متلمسنيش وهـــ…..هــــ…. سمـــع الكلام… بســـ….. بســــ…. متلمسنيش.
حدجها بنظرات غامضة لم تفهمها وهو يجذبها من شعرها بعنف ويلفه مرتين حول قبضته بقسوة قائلاً بغلظة: شكلك كده دايماً بتحني لعقاب فتحي، وأنا بصراحة ببقى جاهز في أي وقت.
اتسعت عينيه بغضب شديد ثم ركض كالثور الهائج… نحو حجرة فريدة والتي كانت تقف أمام المرآة… تحاول أن تشجع نفسها على ملاقاته بمنتهى الهدوء حتى لا يكتشف كذبها عليه… ممسكةً بفرشاة شعرها تمشطه وقلبها يرتعد. 
فهي تعلم جيداً أنه سيأتي إليها وهو على هذه الحالة المنفعلة من أجل شقيقته الوحيدة… فتح عاصي عليها باب حجرتها باندفاع.
فسقطت الفرشاة بتلقائية من يدها من شدة الفزع قائلاً بثورة: فييييين ملك…؟
تسمرت فريدة في مكانه وكل محاولاتها بالشجاعة باءت بالفشل، ذاهبةً أدراج الرياح،  ناسية ما كانت توصي به نفسها منذ قليل.
تعالت صرخات قلبها من الخوف، الرهبة…. فمازال الذعر منه يتمكن منها منذ الصغر ومستمر إلى الآن، رغماً عنها.
تحجرت عيونها عليه وامتقع وجهها بشدة، ترمقه بفزع… عائدة بأطرافها إلى الوراء ببطء قائلة بصوتٍ مرتجف:- معرفش يا أبيه مش… مش كانت… كانت في اوضتها.
قطب جبينه بغضب وهو يذم شفتيه بقسوة، مقترباً منها بسرعة صائحاً:- كدابة… كدابه أنا عارفكم كويس انتم الأتنين، أكيد عارفه مكانها.
ابتلعت ريقها بصعوبة، تهز رأسها بالنفي قائلة بتوتر: وأنا هعرف منين بس أنا…. قاطعها بإمساكه وجذبه إياها من شعرها بعنف، مقرباً لها من صدره…. أطلقت فريدة صرخة ألم شديدة من إثر ذلك.
زمجر عاصي بغلظة هاتفاً بها بخشونة: مش عايز كدب تاني افهمي بقى…. انتِ هتنطقي وتقولي هيه راحت فين ولا لأ.
انسالت دموعها بكثرة تترجاه قائلة بصوتٍ متقطع:- قلتلك معرفش يا أبيه… معرفش أرجوك سيب شعري.
شدد عليه بقسوة أكبر قائلاً بانفعال: مش هسيبه لغاية ما تنطقي وتقولي الحقيقة.
تأوهت بألم وتعالت صرخاتها مستنجدة بزينب قائلة: دادة زينب تعالي بسرعة وألحقيني هيموتني في إيده يا دادة، سحبها من شعرها حتى باب حجرتها صافقاً له بقوة…. حتى يمنع زينب من الدخول.
هادراً بصوته: بقى بتنادي لزينب علشان تبعدك عني… من إمتى وإنتِ بتعمليها، والله واتجرأنا واتعلمنا منسمعش الكلام ونعصي الأوامر كمان.
حاولت كبح دموعها سريعاً كي لا يزيد من عقابه لها قائلة بصوتٍ ينتفض: خلاص…. خلاص…. أنا آسفه بس أرجوك شعري هيتخلع في إيدك.
ضم قبضته بقسوةٌ أكبر عليه قائلاً بغلظة: ياريت علشان تحسي باللي أنا فيه دلوقتي….. وبالنار اللي جوايا ومفيش غيرك هيتحرق بيها.
ارتجف جسدها بهلع شديد من هذا التهديد الصريح، فلمعت دموعها من جديد محاولة منها أن تبعد يده عن شعرها قائلة بنبرة ضعيفة: تعبت يا أبيه أرجوك تعبت… صدقني قلتلك معرفش راحت فين…. وأنا هدور عليها بنفسي…..
ألقى بها على الفراش خلفها بمنتهى العنف قائلاً بصرامةٍ غاضبة: مش هتتحركي  من اوضتك غير لما تقوليلي راحت فين ملك…. حتى كليتك مش هتروحيها….. مفهوم.
شهقت من دفعه لها بهذه الطريقة القاسية… شاعرةً بآلام شتى في جميع أنحاء جسدها قائلة بوجع: حرام عليك متظلمنيش أنا…. قاطعها بصوتٍ هادر: اخرسي خالص،… كفاية بقى مش عايز أسمع كدبك تاني… وجبتيه لنفسك معايا من تاني.
غادرها وهي تنوح بصوتها ألماً وضعفاً من جراء ما لاقته منه للتو على فراشها قائلة بوجع: انا آسفه يا أبيه أول مرة أكدب عليك ومقولكش الحقيقة… أنا آسفه مقدرتش اقولك انها هربت منك علشان اللي عملته فيها آخر مرة.
 لم تستطع ملك النطق من كلماته فأطرقت برأسها أرضاً من شدة ذعرها منه، وقلبها ينبض بقوة.
فأمسكها من شعرها رافعاً وجهها إليه بعنف، حتى تأوهت من الألم التي شعرت به، مردفاً بنفس العبث الخبيث: ودلوقتي بقى يا قطة نقدر نتفاهم سوا.
اتسعت عيونها بهلع من منظره والتي كانت كالدمُية في يده يُحركها كيفما يشاء، قائلة لنفسها بذعر:- هتعملي إيه يا ملك مع واحد زي ده… اتصرفي بسرعة أكيد مش هيسيبك لحالك أبداً… من بعد اللي شوفتيه امبارح…. هيخاف لتتكلمي…. وتبلغي عنهم.
صمتت برهةً وهي تتأمل محياه القاسي بخوف…. بالرغم من وسامته الشديدة… فعيناه الواسعتان كعيون الصقر تحدقان بها بمزيد من الغضب.
وبطوله الفارع ينحني نحوها تشتم عبير عطره الذي يأخذ بلُب من يقف أمامه وينسى ما يتفوه به…. فحضوره الطاغي يجعلها غير متأهبةً تماماً لمجابهته.
متابعة لنفسها بقلق مخيف: لازم تفكري كويس هتعملي إيه وتتصرفي ازاي معاه.
أخرجها سليم من هذا الصمت الطويل، القاتل بينهما قائلاً بصوتٍ هادر: ما تنطقي ولا إنتِ اتخرستي.
اتسعت مقلتيها عن آخرهما عند كلمته الأخيرة فهذه هي الفكرة التي أوحت لها بالتخلص مما هي فيه.
وتستطيع أن تفر هاربة أو يتركها بسببها عندما يعلم أنها لن تستطيع البوح بما رأته بالأمس….
وبسرعة اومأت برأسها بالموافقة وأشارت بيدها بأن كلامه صحيح ليفهم أنها بالفعل خرساء كما اتهمها للتو…
ضيق البوص حاجبيه بتساؤل خبيث هذه المرة…. متمعناً في محياها وشعرها المنثور حول وجهها بعشوائية.
قائلاً بمكر: يعني إنتِ خرسا مش بتتكلمي مش كده يا حلوه، هزت رأسها سريعاً بالإيجاب… وهو يتفحصها بجرأة.
اقترب منها أكثر فدب الرعب بأطرافها وبجميع أنحاء جسدها كله…. متناولاً ببعض خصلات شعرها بين أنامله، بقسوة بعض الشيء..
هاتفاً بها بعبث خافت: معقول… معقول واحده بكل الجمال ده وتبقى صاحبته خرسا في الآخر….  يا خسارة.
 بُهت وجهها بشدة من مغازلته لها بهذا الشكل الصريح والذي لم يسبق لأحد ما أن تجرأ وفعلها معها… حتى أن قلبها ارتعد لهذا القلق من نظراته لها بهذه الجرأة القوية من جانبه…. والتي لم يسبق أن تعرضت لها أيضاً من قبل.
ضيق حاجبيه قائلاً بشرود: يعني أفهم من كده إنك بتقري شفايف أي حد يكلمك….. وخصوصاً أنا.
جف حلقها باضطراب مشيحةً ببصرها بعيداً عنه وهي تهز رأسها بالإيجاب ببطء…
هامسة لنفسها بفزع: يا وقعتك السودة يا ملك ده طلع مش مجرم عادي وبس، لأ ده كمان قليل الأدب واللي زي ده مش هيسيبك بسهولة تفلتي من إيده… ده من أولها وبيوصفني أومال بعد كده هيعمل فيه إيه.
شعرت بأنفاسه الحادة أمام وجهها… وقد أمسك بذقنها بقسوة قائلاً بنبرة مميزة: لما أكون بتكلم معاكِ متتجالهنيش أبداً، وتسرحي بعيد مع نفسك وأنا موجود….. مش أنا اللي يتعمل معاه كده…. أنتِ بتتعاملي مع البوص.
ثم صمت برهةً متحولةً لهجته إلى صوتٍ كالفحيح المخيف مستطرداً: ماشي يا قطة سامعاني… ولا صحيح أنا ناسي إنك ما بتسمعيش.
دخل عاصي إلى مكتبه لا يدري كيف سيتصرف مع اختفاء شقيقته المفاجئ هذا… أمسك بهاتفه وقام بعدة اتصالات على أصحابها أو أي شخص من اقرباؤه أو أي أحد من معارفها.
لكن كل هذا بلا فائدة فكل من يُحدثه ينفي رؤيتها…. مسح بيده على وجهه متنهداً بغضب، هامساً لنفسه بضيق: ليه يا ملك تعملي فيه كده… ليه بس إحنا مش أول مرة نتخانق ولا هتكون آخر مرة….. يا ترى انتِ فين.
أخذ مفاتيح عربته وسارع بترك غرفة مكتبه إلى خارج المنزل للبحث عنها في كل مكان.
قاد سيارته بسرعة غير معتادة طوال الطريق باحثاً عنها في عدة مستشفيات فقد توقف بسيارته أمام الكثير منها ليسأل عنها دون أي إفادة.
مع مرور الوقت همس لنفسه بحزن مصحوب بغضب: ولا مستشفي روحتها ولا أي مكان لقيتك فيه… علشان تهربي وتتعبيني معاكِ بالشكل ده.
أما فريدة فقد كانت لا تريد سوى أن يهدأ عاصي من فرط غضبه وعصبيته التي زادت عن الحد المعتاد بسبب هروب ملك من المنزل.
جلست على مقعد تتحدث إلى نفسها بصوتٍ خفيض: الله يسامحك يا ملك قلتلك كتير متهربيش مفيش فايدة…. وكل عصبيته هيفرغها في وشي أنا…
زفرت بقوة مردفه: يا ترى إنتِ فين دلوقتي، وليه متصلتيش لغاية دلوقتي…. أنا قلقانه وخايفة عليكِ أوي ربنا يسترها عليكِ في أي مكان تروحيه.
جلس البوص في غرفة أخرى ومعه اثنان من رجاله قائلاً بلهجة آمره:- عايز عينيكم متغيبش عنها لغاية ما أشوف هتصرف معاها إزاي…. وبالذات بعد ما شافت كل حاجه امبارح.
هز كلاهما رأسه بالموافقة ونطق أحدهما قائلاً باحترام: حاضر يا بوص متقلقش.
نهض من خلف مكتبه قائلاً ببضيق: أنا ماشي دلوقتي ومش هرجع إلا بكرة وعينيكم لازم تبقى مفتحه كويس.
غادرهم سليم تحت نظراتهم التي لا تنم عن شيء سوى أنهم يحترمونه ويهابونه كثيراً فهو ليس شخص عادي في تصرفاته الغير متوقعة من جانبه.
قاد سليم سيارته هذه المرة متجهاً إلى شركته الخاصة الذي يدير منها جميع أعماله… وجد ابراهيم في انتظاره أمام مكتبه.
دخل إلى حجرة مكتبه قائلاً بدهشة: في حاجه ولا إيه يا ابراهيم… اضطرب الأخير للحظات ثم زفر ليفرغ قلقه الذي بداخله قائلاً بحذر: مناقصة المشروع السياحي، اللي المفروض كانت طبيعي بترسي علينا أخدتها شركة تانية غيرنا.
جحظت عينا البوص بثورة عارمة قائلاً بصوتٍ هادر: واحنا من امتى واحنا بنخسر مناقصة ده اسمه تهريج يا ابراهيم…. هما ميعرفوش بيتعاملوا مع مين ولا إيه.
امتقع وجه ابراهيم بشدة خشيةً من غضبه السريع قائلاً بارتباك: طب هتصرف إزاي معاهم يا بوص.
سار بالغرفة مجيئاً وذهاباً بخطوات سريعة حانقة قائلاً بصرامة: شركة مين اللي هتتولى المشروع المرادي.
صمت إبراهيم بتوتر وخوف فهذا هو السؤال الذي كان يخشاه منذ البداية… أردف سليم بغلظه قائلاً: ما تنطق يا ابراهيم مين اللي أخد مناقصة المشروع وهيشرف عليه.
جف حلق الرجل قائلاً بصوتٍ خفيض: شركة عمار الفيشاوي يا بوص.
اتسعت عيونه بقوة وهو يرمقه بغضب قائلاً بصوتٍ هادر: هوه تاني…. ده بيتحداني بقى…. هوه مش عارف ان شركتي بتاخدها كل مرة وبردو وقف قصادي.
ابتلع ريقه بصعوبة قائلاً بتوتر: أيوة عارف زي كل مرة بس أكيد يعني مش هنسكتله وهوه واثق من كده كويس أوي.
شرد سليم في هذا الموضوع الذي تفاجىء به قائلاً بجمود: خلى السواق يجهز العربية بسرعة.
أسرع ابراهيم في تنفيذ أوامره…. جلس سليم على المقعد خلفه يشتعل من الغضب قائلاً بحدة: إن ما ندمتك يا عمار…. ما يبقاش أنا البوص.
بوغت عمار الفيشاوي بمن يقتحم عليه باب غرفة مكتبه وبعضاً من رجال البوص يقفون حوله مسلحين بأسلحة يشهرونها في وجوه الموظفين.
على الفور استسلم الجميع مع صدمة عمار الذي نهض من مقعده هاتفاً بحدة مزعومة: إنت إزاي تدخل مكتبي بطريقتك الهمجية دي….
تطلع سليم إلى اثنان من رجاله وهو يشير لهم بنظره الحاد، بأن ينتظروه بالخارج مع باقي معاونيه، أغلق أحدهم الباب خلفه.
هرب الدم من من وجنتي عمار الفيشاوي عندما اقترب البوص منه بخطواتٍ مهددة قائلاً بغلظة غامضة: من زمان ما تقبلناش يا عمار… إيه ما وحشتكش يا راجل.
شعر بغصة في حلقه قائلاً بصوت مرتجف: قولي… قولي عايز إيه مني بالظبط يا بوص.
جلس أمامه على المقعد واضعاً قدم فوق الأخرى بكبرياء قائلاً بسخرية: إيه وحشتني قلت آجي أشرب القهوة بتاعتي معاك.
تصبب العرق من جبهة عمار بقلق واضطراب تام قائلاً بنفس النبرة: واللي عايز يشرب قهوة يعمل كده ويرعب كل موظفين الشركة.
حدجه ببصره بصمتٍ يعصف بداخله… متأملاً لأوراقه الكثيرة على مكتبه قائلاً بجمود: دي طريقتي مع حرامية المناقصات، ومحدش قالك تقف قصادي وسبق ونبهتك قبل كده بس انت الواضح شقاوتي من المرة اللي فاتت عجبتك.
اتسعت عيني عمار بذعر… فهو يعرف غضبه جيداً عندما يشعله في وجه أحدهما قائلاً بارتباك: يا بوص انت بقالك فترة مستحوذ على معظم المناقصات اللي في السوق فامفيهاش حاجه يعني لما آخد واحده.
ثار عليه سليم هذه اللحظة فجأة وهو يطرق بقبضته القوية بعنف على مكتب عمار حتى بعضاً من أوراقه تناثرت على الأرض صائحاً به: مش أنا اللي يتغش ويتعمل معاه كده…. ولا شكلك نسيت أنت بتتعامل مع مين.
تنهد الرجل بقلق قائلاً بتساؤل خائف: طب والمطلوب مني دلوقتي… رمقه ببصره الحاد قائلاً بصرامة: تتنازل عن المناقصة دي وبسرعة مفهوم وإلا انت عارف غضبي وحش أد إيه.
لم يتركه سليم ليجيب عليه إنما غادر مكتب عمار على الفور بمجرد أن أبلغه أوامره والذي يعلم جيداً أنه سيوافق عليها رغماً عنه.
تهاوى في مكانه بصدمةٍ عارمة قائلاً لنفسه بحيرة: أعمل إيه دلوقتي في المصيبة اللي بقيت فيها دي بسبب البوص…. تنهد بضيق عارم فهو السبب فيما آل إليه حاله الآن.
فقد سبق بالفعل وأن هدده كثيراً ورغم ذلك استخف بهذا الأمر الهام.
هزت رأسها بالنفي خوفاً من فتحي الذي يقف أمامها كالمارد، والذي يقوم بتهديدها الخبيث قائلة بنبرة خفيضة: بلاش يا أبوس إيدك أنا آسفه ومش هعمل كده تاني.
حدجها بنظراتٍ قاتمة قائلاً بخشونة: طب تيجي إزاي وانتِ متوصي عليكِ من البوص واحنا مش أده.
سحبها خلفه في غرفةٍ أخرى، حاملاً إياها بين ذراعيه وهي تصرخ تستغيث بالرجل الآخر، دون أدنى استجابة أو شفقة من جانبه… ويبعدها عنه.
مددها فوق الفراش بقسوة، فتأوهت بصوتٍ عال، قائلة له برجاء: كفاية يا فتحي مش ههرب ولا هخرج تاني، كأنه لم يسمع توسلاتها إليه وأتى بحبل متين وقيدها به مع الفراش.
تعالت صرخاتها بقوة هذه المرة… وهو يربطها بإحكام هكذا حتى لا تجرؤ على الحركة…. وأتى الرجل الآخر يحدق بهم باهتمام.
قائلاً بلهفة:- أوام خد الحقنه دي واديهالها بسرعة قبل ما تفضحنا، تناولها منه سريعاً، وما أن رأتها حتى اتسعت عيونها على آخرهما قائلة بصدمة ورعب: لا يا فتحي أرجوك… بلاش حقن وفكني وأنا مش هعمل أي حاجه تاني…. أرجوك.
ارتفع جانب شفتيه بابتسامةٍ خبيثة قائلاً بمكر: طب تيجي إزاي وهيه دي الحقنة الوحيدة اللي هتريحنا من صريخك بقيت اليوم.
ما زالت ملك وحيدة بنفس الغرفة داخل هذا المخزن القديم، غير أنها قد فُك قيدها فقط…. تورمت عيونها من كثرة البكاء من حظها التعس الذي وجدت نفسها متورطةً به بيدها هذه المرة، فهي التي هربت من شقيقها الوحيد وتستحق الآن ما يحدث لها.
قائلة لنفسها بحزن: يا ترى هيعملوا فيكِ إيه تاني غير الحبسة السودة دي.
بوغتت بأحدهم يفتح عليها الباب مصطحباً معه بعض الطعام ووضعه على المقعد الآخر بالغرفة قائلاً بحدة: كُلي يالا انتِ من امبارح ما أكلتيش.
حدجته بخوف وهزت رأسها بالرفض… فقال لها بخشونة: كُلي دي أوامر البوص وإلا انتِ لسه مجربتيش غضبه.
أشاحت بنظرها بعيداً عنه… فترك الرجل الطعام وخرج بعد أن أوصد الباب خلفه جيداً.
نظرت إلى الطعام ثم ابتعدت عنه وتركته مثل ما هو…. لكنها تناولت زجاجة المياه وارتشفت منها كثيراً فقد كانت تشعر بالعطش بالفعل فمنذ الأمس لم تتناول ولو قطرةً واحدة من المياه.
جلست على السرير المتهالك خلفها لا تدري كيف ستغادر هذا المكان وتهرب منه، فهي لا يمكنها العيش به مهما كلفها الأمر.
لامت نفسها هذه المرة على سوء تصرفها وتفكيرها الخاطئ بالهرب من شقيقها عاصي… إنه كان أفضل كثيراً بالتأكيد، بالنسبة لما هي فيه الآن.
والتي لم تعرف قيمته إلا عندما وقعت بين يدي شخص لا يرحم فالبوص هذا لن ولم يتركها بسهولة… لقد نجت منه اليوم بادعائها الكاذب بأنها خرساء…. لكن فيما بعد ماذا عليها أن تفعل معه لا تدري.
أغمضت عيونها بإرهاق شديد، لقد تسلل النعاس إلى عيونها الحزينة… بالرغم منها فلم تنم طيلة الليل… منذ أن وطأة قدميها هذا المكان القذر.
في المساء عاد عاصي بعد أن ارهقه التفكير الكثير والتعب فيما حدث ولم يأتي بعد بجواب شافي يُثلج صدره.
ولج إلى داخل المنزل بيأس شديد لا يريد أن يرى أحداً ما أو يتحدث مع أي شخص.
خرجت زينب من المطبخ تقول له بجزع: مفيش أخبار يابني…. هز رأسه بالنفي دون أن يتحدث إليها.
فأردفت بطيبة: ربنا يعترك فيها يابني ويطمن قلبك عليها.
زفر عاصي بوجع شديد بداخله ثم صعد إلى غرفته، توقف بتردد أمام غرفة فريدة وهو يضم قبضتيه بغضب يريد أن يفرغ كل ما في قلبه نحوها…. لكن ليس الآن.
انصرف إلى حجرته بعد أن دخلها صافقاً الباب وراءه بعنف، ألقى بجسده المرهق على الفراش مستيقظاً محدقاً بالفراغ.
ألصقت فريدة أذنها بالباب والرعب يدب بأطرافها جعلها تتجمد في مكانها، تصتنت إلى ما يصدر عن عاصي… من تصرفات غاضبة….  
أخذ عقلها يعمل كثيراً هذه اللحظة فإنها تريد أن تطمئن عليه وخصوصاً بعد أن كذبت عليه اليوم ولأول مرة.
هي تشعر بأنها شريكة بهذا الجرم التي ساعدتها به رغماً عنها مجبرة على ذلك.
اقتربت من الباب وفتحته برفق، دون أدنى تفكير بأي شيء سوى بعاصي فقط… متسلله إلى خارج غرفتها ببطء وهدوء شديدين.
وقفت امام باب غرفته تريد الدخول إليه والاطمئنان عليه قائلة لنفسها بحذر: ياترى أدخل أشوفه عمل إيه ولا أسيبه في حاله.
هزت برأسها بالنفي مستطرده لنفسها بقلق: لأ مش هقدر أسيبه لوحده كده… هوه أكيد تعبان ومش عارف يعمل إيه وأنا قلبي مش هيهون عليه أسيبه لوحده كده، وهوه محتاجني أكون موجوده جنبه في وقت زي ده.
ابتلعت ريقها بصعوبة قائلة بتردد: أن هخبط عليه الباب واللي يحصل يحصل أنا خلاص اتعودت على عصبيته.
مدت بيدها باضطراب على باب الغرفة، تحاول أن تستجمع قواها حتى تواجهه وهو بهذا المنظر.
لم يرد عليها عاصي عندما قرعة عليه الباب أول مرة، فقلقت بشدة بداخلها فزادت من طرقاتها للمرة الثانية.
عندها انتبه لوجود طرقاتٍ على الباب… ظن أنها زينب آتيه تعرض عليه بعض الطعام.
فقال من الداخل: مش هاكل يا دادة زينب مليش نفس، ضمت شفتيها بتوتر قائلة بصوتٍ مرتجف: أنا…أنا… فريدة يا أبيه.
تنهد بغضب حاد وهو يهب من فراشه يحاول ضبط نفسه قائلاً بغلظة من الداخل: امشي يا فريدة على اوضتك.
جف حلقها عند سماع صوته لها… لكن قلبها أبىَ عليها أن تنصرف وتتركه دون أن تواسيه وهو في اشد الاحتياج إليها.
ابتلعت ريقها بصعوبة، تحاول أن تبدو طبيعية إلى حدٍ ما قائلة بصوتٍ متردد: لأ مش همشي غير لما أطمن عليك الأول، لم تستمع لصوته مرةً أخرى إلا بعد برهةً من الوقت قائلاً بخشونة شديدة: بقولك امشي يا فريدة…. خلي يومك يعدي على خير.
رمقت ببصرها طويلاً الباب المغلق أمامها وعبراتها تلمع من أجله ومن أجل ما يعانيه بداخل قلبه الموجوع على شقيقته وأسندت بجبهتها عليه بضعف…. لا تريد مغادرة المكان فقلبها رافض لما يمليه عليها عاصي هذه المرة…. وعدم تنفيذ أوامره ومجادلته لأول مرة.
شعر عاصي بأنها لا تزال خارج غرفته فزاد ذلك من ثورته الداخلية عليها…  هامساً لنفسه: شكلك مش هترتاحي غير لما أشوف أنا كلامي ليه مش بيتسمع من أول مرة… ومتلوميش غير نفسك بعد كده.
بوغتت فريدة به يفتح باب حجرته فارتطمت بصدره بقوة من إثر صدمتها فلم تتوقع منه ذلك…. تلاقت عيونها الخائفة، والمترقبة لتصرفاته… بعيونه التي تحدجها بنظراتٍ نارية.
سرى بجسدها رجفة ذعر وتيبس في مكانه لا تقوى على الحراك، فجذبها من ذراعها فجأة بعنف وأدخلها لغرفته موثقاً الباب وراءها.
فزادها هذا رهباً منه وهو يلصقها به بقوة مما أشعرها بألم في ظهرها… مقترباً منها بنظراتٍ مهددة.
قائلاً بعصبية مفرطة: شكلك كده حنيتي لعقابي، ومش هترتاحي غير لما أفرغ كل اللي جوايا عليكِ يا فريدة.
في صباح اليوم التالي استيقظت ملك شاعرة بتعب وضعف جُسماني، بعد أن نامت في وقتٍ مبكر عن ميعاد نومها.
لامت نفسها كثيراً على ما هي فيه، قائلة لنفسها بضعف: آه يا ملك هتفضلي كده لغاية إمتى… ده حتى التليفون خطفه من إيدي من غير ما أحس ساعة ما جابني هنا.
صمتت برهةً وهي تتلفت حولها فقد انصتت لصوتٍ حاد بالخارج يُنّذر بهبوب عاصفة ستنفجر في وجهها.
لهذا نهضت من مكانها سريعاً بهلع، شاعرة بأنه سيغشى عليها في الحال، من كثرة ما تعانيه من ذعر شديد.
مردفه لنفسها بفزع: هوه مفيش غيره… شكله جه من تاني ولا إيه، بترت عبارتها عندما اقتحم أحدهم عليها الغرفة بغضب عارم.
دب الرعب في ساقيها متراجعة ببطء حذر في خطواتها إلى الوراء….. وهو يقترب منها بتهديد ووعيد كالفهد الذي يريد أن ينقض على فريسته في لحظاتٍ سريعة…. وزاد كل ذلك بداخله عندما وجد الطعام كما هو لم ينقص منه أي شيء ولو القليل.
 ممسكاً إياها بقبضته القوية من مرفقها بعنف شديد صائحاً بها بانفعال: قوليلي مين اللي بعتك ليه علشان تراقبيني وتتجسسي عليه يا مجرمة….
يتبع..
لقراءة الفصل الرابع : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية المؤامرة للكاتبة منة محسن

اترك رد

error: Content is protected !!