روايات

رواية سمال الحب الفصل الثالث عشر 13 بقلم مريم محمد غريب

رواية سمال الحب الفصل الثالث عشر 13 بقلم مريم محمد غريب

رواية سمال الحب البارت الثالث عشر

رواية سمال الحب الجزء الثالث عشر

رواية سمال الحب كاملة (جميع فصول الرواية) بقلم مريم محمد غريب
رواية سمال الحب كاملة (جميع فصول الرواية) بقلم مريم محمد غريب

رواية سمال الحب الحلقة الثالثة عشر

#سمال_الحب
#وقبل_أن_تبصر_عيناكِ ج٢ _ الفصل ( ٥٧ ) :
_ في روحي ! _
ميتًا في جلده، متزعزعة ثائرته، و كأن حياته كلها متوقفة على المكالمة التي يجريها الآن
لم يكن يرى نفرًا من عيّاله و أهله، فقط يوظف كل مجهوداته لطلب العون من حلفائه …
-يا معلم طاهر أنا في كارثة و مافيش غيرك ينجدني أنا و عيالي. اعمل حاجة بالله عليك قبل ما تطربأ علينا كلنا !!!
-أنا مافيش في إيدي حاجة أعملها لك يا رضوان. الاخبار مالية الدنيا من ساعة و إللي سمعته عن إبنك و عملته مايخلنيش أحط إيدي في إيدك. و لعلمك كل المعلمين الكبار بيبلغوك نفس الكلام
-يعني إيه يا معلم طاهر ؟ هاتسيبوني لوحدي في وش المدفع. مدفع إيه ؟ دي جهنم الحمرا هاتحصل هنا …
-ده جزاء ربايتك لأكبر عيالك. و الواد إللي المفروض كان يتولّى بعدك.. طلع ×××× !
-ماعملش حاجة. عاصم ماعملش حاجة و ربنا المعبود !!!
-خــلاص يا ر ضـوان. منتهية لحد هنا. سالم الجزار و ولاده مش هايسمعوا لبني آدم خلقه ربنا. و لاجل العيش و الملح بنبهك بس إنه جامع لك جيش من حي الجزارين و من عند النشار في البلد كمان. لو تقدر تلحق نفسك إنت و عيالك تستخبوا تهربوا. إعمل إللي تشوفه.. بالسلامة !!
أجفل “رضوان” لدى إنقطاع الخط، و أخذ يردد بلسانٍ متلعثمٍ و جبينٍ رطب :
-آلو. آلو. يا معلم طاهر …

 

 

لم يكن يود أن يصدق بأن الجميع قد تخلّوا عنه، لكنها الحقيقة الآن، هو و أهله جميعهم لا يساوون جناح بعوضة أمام قوة و جبروت “الجزارين”.. لن يصمدوا في مواجهتهم
لن يصمدوا دقيقة واحدة …
-كـلــــب !!!! .. صرخ “رضوان” بضراوةٍ و هو يلتفت طابعًا صفعةٍ مدوية على نجله الأكبر
لم تهتز شعرة من “عاصم” الذي وقف بين إخوته ثابتًا شامخًا، بينما ينقض عليه أبيه و يشده من تلابيبه صائحًا باهتياج :
-فضحتني. سمعة عيلة السويفي بقت في الطين بسببك يابن الـ××××× عيلة السويفي كلهــااااا قضيت عليها خلااااااااص يا ×××××× …
تدخل الإبن الأوسط محاولًا تخليص أخاه من قبضة أبيه :
-إهدا يابا بقى. خلاص مش كده. محدش يقدر يهوب نواحينا أصلًا. انت مخلف رجاااالة ..
هدر “رضوان” فيهم جميعًا :
-خلف العار و الشـووووم. يارتني ما شوفتكوا و لا جبت للدنيا أشكالكـووووو. الله ياخدكوا كلكوا و يرحيني منكوا
-أنا سايبك تهلل و تعمل ما بدا لك !
إلتفت “رضوان” إلى عبارة إبنه و عيناه تقدحان حممًا، ليسبقه “عاصم” مستطردًا ببرودٍ :
-كل إللي بتعمله ده على الفاضي. لو تهدا و تسمعني هاتعرف إن الليلة دي كلها في صالحنا. و إن سالم الجزار بجلالة قدره هاينخ تحت رجلينا كمان
-لاااا يااا شيــخ !!! دي حلاوة روح يالا. إنت زي الميت إللي بيفرفر و بتخطرف بكلام فارغ مالوش عازة زيك …
لم يرد الأخير عليه، و إنما سحب من جزدانه وثيقة الزواج العرفي التي أجبر إبنة “الجزارين” على توقيعها، فردها أمام عينيّ أبيه المدهوشتين و قال بغرورٍ :
-العروسة الصغيرة مضيتها على عقد الجواز العرفي ده. يعني غصبًا عن عين التخين سلمى الجزار مراتي. و أكيد أبوها لما يرجعها و يفكر كويس هايلاقي إن محدش مفضوح غير بنته و بردو غصب عنه هايوافق على الجواز و هو إللي هايحفى ورانا و إحنا إللي هاتتقل عليه المرة دي.. أنا خدت حقنا يابا. و في نفس الوقت خدت البت. أنا دايمًا بعمل إللي عاوزه …
-إلحــــق يا معلم رضــواااان !!!!
إستدار “رضوان” بقوة ناحية النداء المذعور عند عتبة باب الشقة …

 

 

-في إيه يالا ؟؟؟؟
كان أحد صبيانه المقربين، إستند إلى الجدار لاهثًا و هو يخبره :
-أنا لسا راجع من هناك مامشيتش إلا ما مشيوا ولاد الجزار من عند البيت. في حاجة حصلت.. مصيبة يا معلم. مصيبة كبيرة
إرتجفت ساقيّ “رضوان” و هو يسأله غير قادرًا على الصمود أكثر :
-حصل إيه تاني ؟ إنطــــق !!
إزدرد الشاب ريقه بصعوبة مستحضرًا ما شهده بمشقةٍ :
-شفتهم مطلعين أختهم على ضهرها. مش باين منها حاجة.. و. سمعتهم.. بيقولوا مصطفى الجزار دبح أخته !!!
______________
سكون تام يخيّم على الحي المهيب
لكن الجميع هنا
الأهالي في كل مكان
في النوافذ، في الأسفل، عند البوابات و وسط الباحة الواسعة
و العائلة المالكة …
ها هو كبيرهم، لا يزال يقف بمنتصف الشرفة الرئيسية، بعباءته السوداء كسواد تلك الليلة، وجهه قناعًا فرعونيًا، جامد، حالك، و كأنه قد تحنّط على هذا التعبير، لم يكن ثمة شيء حي به سوى عيناه، إذ غارت و أحاطت يهما هالاتٍ عميقة، كان غريبًا، ليس هو
أما زوجته “هانم”… تلك المرأة المسكينة
تقف أسفل تمامًا، تنتظر على أعتاب المنزل محاطة بنساء العائلة و الأقارب جمعاء، الجميع يحاولن تهدئتها و طمأنتها، لكن هي، بالرغم من أن الأخبار طيّ الكتمان حتى هذه اللحظة، إذ لم يفصح بها “سالم” بعد منذ سمعها من إبنه الكبير
كان قلبها يشعر، كانت تعرف، أيقنت منذ مدة بأن إبنتها الصغيرة، الوحيدة، لن تعود، و إن عادت فلن تبقى، أيقنت “هانم” أنها رحلت بلا رجعة في اللحظة التي خرجت فيها من حدودهم
أجل علمت بذلك، لكنها لا تزال لا تعلم، كيف ستتقبل هذا دون أن يصيبها الجنون !
ذاع خبر وصول الحملة المرسلة أخيرًا، من الإنذار الأول تأهب الجميع، بينما تظهر سلسلة السيارات تباعًا و قد كانت سيارة “رزق” تتقدمهم
لكنه لم يكن هو الذي يقود
بل كان “علي الجزار” و هو ظهر بالمقعد الخلفي، يحمل شيئًا في حضنه، شيئًا غير مرئي
للحظاتٍ طويلة جمد كل شيء، حتى ترجل “علي” من خلف المقود، و رجع خطوة ليفتح الباب من جهة “رزق” ؛
أبى الأخير يد المساعدة التي إمتدت له و هبط من السيارة وحده، حاملًا على ذراعيه أخته الملفوفة بملاءة بيضاء غارقة كلها بالدم
سُمعت شهقات الرعايا قاطبةً لدى ظهوره هكذا و تأكيده على الشائعات، لكنه هو لم يكن عابئًا بمطلق شيء، كان مصدومًا حتى النخاع، و جاءت صدمته على هيئة خرسٍ و بلاهة
أخذ يتقدّم صوب المنزل على مرآى القوم الذين أنفجروا بالبكاء مرةً واحدة، بينما تركض “هانم” صارخة من الجهة الأخرى تتبعها بقية النسوة بعد أن فشلن بالابقاء عليها

 

 

في ثوانٍ كانت قد هجمت على “رزق”
أو بمعنى أصح تشبثت بجثة إبنتها، ما أدى فجأة إلى إختلال توازن “رزق” ليسقط فوق الأرض راكعًا على ركبتيه …
-بنتــــــــــــــــــــــــــــي !!!!!!!!!
ملأ صراخ “هانم” الحي كله و اخترق الآذان و الأفئدة، لينفجر الحشد الغفير باكيًا أكثر، خاصةً لحظة أن كشفت عن رأس إبنتها و شوهدت آثار الجريمة البشعة
عنقها المنحور اا يزال ينزف و عيناها مفتوحتان، لا أحد بامكانه إغلاقهما مهما حاولوا، جميعهم فشلوا، و كأنها لعنة أخرى وصمت بها الصبية المغدورة قبل أن تفارق الحياة
لم تتحمل “هانم” ما رأته، فما لبثت أن فقدت وعيها بين أذرع النساء، سارع “علي” بتولي أمرها بمساعدة “حمزة”
أما “رزق” …
نهض من جديد، و مثل جبل، حاملًا أخته على ذراعيه و رأسها مكشوف الآن
إلتقت عيناه بعينيّ أبيه، و كما توقع، رأى فيهما القاسم المشترك بينهما في هذه اللحظة
الإنتقــــــــــــــــام ….
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
إن الاستسلام للحزن في هذه الحالة بالنسبة إليه يعني إنهيارٍ تام، إذا إستسلم فلن تكون له رجعة، و هو لن يسمح بذلك أبدًا، عليه أن يأخذ إنتقام إبنته
“سلمى”
ملاكه الصغير
هل رحلت فعلًا !!!
“إطلعوا برا !” … أطلق “سالم” الأمر بمنتهى الهدوء و الاستكانة
و فرغت غرفة أمه السيدة “دلال” من الجميع، خرجت المرأة المغسلة، و معها البقية، و صار هو فقط بالداخل مع إبنته
أغلق الباب جيدًا، ثم استدار ببطء و توّجه ناحية السرير، حيث ترقد “سلمى” بلا حراكٍ، خالية من الحياة تمامًا
مد يديه و بدأ ينتزع القماش الدبق الذي يلف جسمها
عرّاها تمامًا و وقف يتأمل ما حاق بها و الدموع تفيض من عينيه أنهارًا …
رغمًا عنه، أفلت نشيجًا محمومًا من بين شفتيه، للمرة الثانية في حياته يُقهر، يُهزم
جلس على طرف السرير و ضم جسم إبنته المتخشّب البارد و هو يغمغم مقبلًا جرح عنقها و عينيها :
سلمى ! روح أبوكي. قلب أبوكي.. ضيعتي مني يا سلمى. ضيعتي خلاص.. باخد عقابي دلوقتي. عقاب قاسي أوي.. ياريتني كنت أنا. إن شالله أبوكي يا سلمى و إنتي لأ… آه. آااااااااااااااه. الجرح ده في جسمك. ده في قلبي. في روحي يابنتي.. وحياتك. و شرفي. كل نقطة دم منك قصادها بحور.. مش هارتاح. مش هارتاح لحد ما أخد بتارك و تاري… آااااااااااااااه يا سلمــى ….
________________
شلّته الصدمة، أصابته في مقتل كما يقولون، عطل عقله عن التفكير نهائيًا
بينما من حوله تدور الأحاديث و لا يسمعها …

 

 

-خدوه عند خيلانكوا في البلد بسرعة. لحد ما الأوضاع تهدا. مش عايز أشوف وش واحد فيكوا كمان لا انتوا و لا أمكوا تستخبوا معاه هناك !!!
هكذا تفوّه “رضوان السويفي” بترهات عدة، بينما أولاده يناقشونه بحميةٍ …
ف الأصغر يقول :
-على آخر الزمن هانهرب ؟ ليه. ما نلبس طرح أحسن !!
هتف “رضوان” بعنفٍ :
-تهربوا أحسن ما تتقتلوا
يرد الأوسط باستهجانٍ :
-نتقتل ليـــه بردو هي سايبة ؟ و بعدين عاصم ماجاش جمب البت إحنا روحنا و شوفنا. مش هو إللي قتلها. أخوها إللي دبحها و غسل عاره. خلاااص بقى خلصت
-خلصت روحك ياخويا. إنت مفكر إنهم هايسكتوا ؟ و موتة بنتهم هاتعدي عادي لو حتى هما إللي عملوها …
و صاح بجنونٍ : إنتوا مش مقدرين الكارثة إللي إحنا فيهــــااااا !!!!
-اسمع بقى ياباااا آخر الكلام ! .. هتف الأوسط بصرامة
و اعتمد قراره : محدش فينا متحرك من هنا. و لا حتى عاصم. و لو جم و أنا أشك اصلًا نفتح لهم الباب و نقولهم يجوا يدوروا عليه.. إحنا هانخبيه هنا بمعرفتنا. و الجدع يمد إيده و ياخده !!
_______________
“أنا مين ؟”
طرح “رزق” السؤال على نفسه و هو يضع رأسه أسفل صنبور المياه البارد
كان الآن بشقته
زوجته “ليلة” تقف خلفه، تنتظر بصمتٍ و في يدها منشفة، أما هو فظل يردد السؤال باستمرار …
“أنا مين ؟”
في قرارة نفسه ما من جواب
فيما مضى، الليلة، لا يعرف ماهية نفسه، بعد و كأن الوحش الضاري من بعد سباتٍ، يركض بجموحٍ بداخله الآن
“أنا مين ؟”
رفع رأسه و حدق بالمرآة أعلى الحوض، لم يرى إلا إنعكاسًا لشيطانه، ظلًا لاسوأ كوابيسه، وجه أبيه و دماء عائلته
شخصه الذي لطالما حاول التنصل منه، هو.. “رزق الجزار” و لا يمكن أن يكون سواه، شاء أم أبى …
على باب غرفة النوم، بقيت في إنتظاره ملبية رغبته بالانفراد بنفسه، لكنه لم يطيل البقاء بالداخل، و لما خرج كان يحمل غرضًا ما بكيسًا من البلاستيك القاتم
مرّ من أمامها و كأنها هواء، فتبعته متشبثة بذراعه و هي تهتف :
-رايح فين يا رزق ؟ أقف و كلمني. بقولك راااايح فيــ …
إبتلعت شهقة مفاجئة حين إستدار بطرفة عينٍ و ألصقها بالجدار محاوطًا رقبتها بقبضته الغليظة
حملقت فيه بصدمة، ليقول بصوتٍ غريب و كأن شيطانه الذي يتحدث :
-إبعدي عني دلوقت.. إوعك تقفي قصادي يا ليلة. إوعك !

 

 

تركها ضامنًا أن كلماته أتت صداها …
هبط الدرج إلى الطابق الأرضي، حيث الزحام كله و العائلة، مجتمعين، حتى شقيقته “نور”.. إنها تجلس في زاوية منهارة بين أحضان “النشار”… أبيها الروحي ؛
و “مصطفى”.. بالطبع لا أثر له …
– روحت فين يا رزق ؟
كان “علي” أول من وصل إليه، استوقفه قبل أن يبلغ بوابة المنزل …
كان متوترًا بما يكفي و هو يخاطبه بانهاكٍ و حزنٍ بالغين :
-تعالى. تعالى إدخل لابوك و كلمه. قافل على نفسه الأوضة مع أختك و بيقول مافيش دفنة و لا عزا قبل ما ياخد بالتار
جاء صوت “النشار” جهوريًا من الخلف :
-عنده حق يا علي. إحنا صعايدة و عوايدنا معروفة. أنا و رجالتي ورا سالم
جادله “علي” : و هو حد قال لأ يا عمي ؟ تارنا هاناخده بس بالأصول. و بعدين إكرام الميت دفنه على الأقل. مش هاناخد العزا إلا بعد ما ناخد تارنا.. لكن ميتنا يندفن
-الدفنة و العزا في معادهم !! .. قرّر “رزق” بحزمٍ هادئ

 

 

إنصبت عليه نظرات الجميع، لكنه لم يلتفت لأحد و هو يضيف متأهبًا للرحيل :
-بلغوا أبويا بكده. انصبوا الصوان و جهزوا أختي.. الجنازة لما هاتقوم أول ما أرجع. و محدش يفكر يجي ورايا. إللي هايجي ورايا هاقتله !!
و إنطلق للخارج أمام أعين الجميع كالرجل الآلي، صعد إلى سيارته و أقلع بها فورًا إلى الوجهة التي لا يعلمها إلا الله… و هو !

يتبع ….

اترك رد

error: Content is protected !!