روايات

رواية صدفة لم تكن عابرة الفصل الثاني عشر 12 بقلم شمس محمد

رواية صدفة لم تكن عابرة الفصل الثاني عشر 12 بقلم شمس محمد

رواية صدفة لم تكن عابرة البارت الثاني عشر

رواية صدفة لم تكن عابرة الجزء الثاني عشر

صدفة لم تكن عابرة

رواية صدفة لم تكن عابرة الحلقة الثانية عشر

“كما الطير لن يستطع الطير بدون جناحين، مشردٌ أنا و وطني عينين”
_________________________
في الأعلى اقترب “مُصعب” من شقيقته يمسك كفها ويأخذها حيث غرفته، بينما هي قبل أن تنطق بتعجبٍ تفاجئت بـ “رائف” يقف في الغرفة ثم قال بثباتٍ:
“تسلم يا مصعب نردهالك في ليلتك إن شاء الله، اتكل بقى علشان عاوز مراتي في كلمتين”
غمز له “مصعب” ثم قال يحذره:
“أنا واقف برة لو فكرت تقل أدبك هقل منك عادي”
خرج “مصعب” بينما هي التفتت بخجلٍ تهرب من نظراته حتى تفاجئت به يقف خلفها ويضمها إليه وكفيه يحيطان خصرها، فاقشعر بدنها من قربه بتلك الطريقة التي تعرفها للمرةِ الأولىٰ، بينما هو حرك رأسه ثم قبل وجنتها ثم وضع وجنته بجوار وجنتها وهو يقول بنبرةٍ خافتة:
“كان نفسي أقول إن المعركة كانت صعبة بس حاربت بأخر نفس علشانك، بس غصب عني أنا طفحت الكوتة في المعركة دي”

 

حاولت التحدث لكن صوتها فر بعيدًا عنها وبقيت جامدة كما هي ، أما هو فكان كما الطير الذي يختبر الحرية للمرة الأولى، حتى تحرك يقف مقابلًا لها يروي عطشه لها، يمرر بصره عليها وهي تخفض رأسها للأسفل بخجلٍ، يكفيه التعقل ويكفيه كل ما ذاقه من الحرمان لذلك خطفها بين ذراعيه يشدد مسكته لها وقال بشوقٍ جارفٍ ظهر في نبرته:
“أنا لو وقعت مسجون في حبك مش عاوز حاجة تحررني، مـنة أنا بحبك”
تبدو وكأنها تسمعها منه للمرة الأولى لذلك حركت رأسها نحوه تطالعه بعينين دامعتين، فتنهد هو بعمقٍ ثم ضمها إليه من جديد يضع رأسها على صدره ثم قال بصوتٍ متحشرجٍ:
“من أول يوم فكرت فيه إن كل حاجة ضاعت مني كان نفسي أكون معاكي وبحكيلك كل حاجة، كان نفسي تكوني ليا برضاكِ، مش عاوز منك تحبيني بس كفاية إنك تكوني معايا”
حركت رأسها نفيًا ثم قالت بلهفةٍ تمحي بها ظنونه تجاه حُبها:
“بــس أنـا بحـبك يا رائـف”
نظر لها بدهشةٍ من اعترافها _الغير متوقع _ في تلك اللحظة بتلك السهولة وقبل أن ينطق هو الأخر فُتِح باب الغرفة ودلف “مُصعب” يقول بلهفةٍ:

 

“فكري عمل حادثة وهو جاي على هنا على الطريق برة يا رائف”
ابتعد عنها ثم اقترب منه يسأله بلهفةٍ:
“بتقول إيه؟؟ عمل حادثة ازاي ؟”
رد عليه الأخر بتشتتٍ وضياعٍ احتل نبرة صوته وهو يقول:
“مش عارف…بس وهو بيعدي الطريق عربية خبطته، تعالى معايا باسل خده في العربية”
حرك رأسه موافقًا ثم التفت لها يقول بلهفةٍ وتيهٍ:
“خليكِ هنا، هرجعلك تاني، استنيني ماشي ؟؟”
حركت رأسها موافقةً بعينين دامعتين، بينما هو ركض مع أخيها نحو الأسفل، فيما جلست هي على طرف الفراش تتنهد بعمقٍ تحاول فهم كل ذلك التخبط الذي جرىٰ خلف بعضه.
في الأسفل ركض كلٍ من “رائف” و “مُصعب” مع بعضهما فوجدا الناس يقفون موضع الحادث و زوجة خاله تبكي بحرقةٍ، فيما اقترب منها “رائف” يسألها بلهفةٍ أعربت عن خوفه:
“هو راح فين؟؟ مين اللي خده؟”
ردت عليه بنبرةٍ باكية:

 

“خالك وباسل خدوه ومشيوا، مش عارفة راحوا فين و سابوني خُدني معاك إلهي يريح قلبك”
تحدث “مُصعب” بلهفةٍ:
“متقلقيش هروح بعربية واحد صاحبي تعالي معانا، هاتها يا رائف”
ركضت معهما نحو السيارة بينما “مصعب” أخذ المفتاح من صديقه ثم ركب بحركةٍ سريعة، وقبل أن يركب “رائف” لاحظ وقوف “دُنيا” زوجة “باسل” وعلى ذراعها “مالك” فاقترب منها يقول بنبرةٍ هادئة:
“اطلعي عند مـنة فوق، بلاش تقفي هنا وخليه علشان ميعيطش، يلا”
حركت رأسها موافقةً ثم تحركت بابنها الذي بكىٰ من الخوف على عمه، خاصة. حينما رآهُ مصابًا على الأرض وأبيه ينقله داخل سيارته.
تحرك “مُصعب” بالسيارةِ بعدما أصدر اطارها صوتًا عاليًا نتيجة احتكاكه بالأرض الاسفلتية، و والدة “فكري” تبكي بحرقةٍ و لوعةٍ على ابنها.
_________________________

 

في المشفى وقف “باسل” أمام غرفة العمليات و بجواره والده يجلس على المقعد الحديدي يتابع الغرفة بنظره، بينما “باسل” وقف مُستندًا بجسده على الحائط بحسرةٍ تشكلت في نظراته وهو يراقب الغُرفة الموجود بداخلها شقيقه الصغير.
بكى “كرم” بخوفٍ على ابنه، بينما “باسل” ابتسم بتهكمٍ ورافق تلك البسمة قوله:
“بتعيط دلوقتي ؟؟ على ما أظن كدا إن دا العدل يا حج كرم، زي ما هو وجع قلب عمتي على ابنها وحرق قلب “رائف” على محله، ربك عادل و دوقني وجع القلب على الضنا، و بيدوقك نفس وجع القلب برضه، وبيوجع ابنك على شبابه، ربنا ينجده ويتربىٰ”
أرجع “كرم” رأسه خلفًا يأنِ من البكاء في صمتٍ محاولًا التحكم في نفسه، وصوته يتمنى من ثنايا قلبه وكل ذرةٍ بكيانه أن يخرج ابنه معافىٰ تمامًا.
اقترب “رائف” راكضًا في رواق المشفىٰ وخلفه “مُصعب” وعلامات القلق باديةً على ملامح وجهيهما، فاقترب الأول من “باسل” يسأله بلهفةٍ:
“باسل !! فكري فين؟؟ حد طمنكم؟؟”

 

حرك رأسه نفيًا وعلامات الآسف مرسومة على وجهه بوضوحٍ وتنطق بها نظراته، فربت على كتفه “رائف” بينما “مصعب” جلس بجوار “كرم” يربت على فخذه ناطقًا بنبرةٍ هادئة يؤازره بقوله:
“خير إن شاء الله، ربنا يخرجه بالسلامة يا عم كرم، ادعي ربنا ينجده”.
رفع “كرم” رأسه يتضرغ بصمتٍ ونظراته تنطق بالرجاء طامعًا في عفوه ورحمته، وله في الله ظنٌ لا يخيب.
وزع “رائف” نظراته على الوضع بِرمتهِ، ثم تنهد باستياءٍ وللأسف فطرته النقية تمنت أن يخرج الأخر من غرفة العمليات مُعافىٰ، فهو ذاق مرارة الفقد ذات مرةٍ في أبيه، وعلى الرغم مما رآه منهم، إلا أنه لا يتمنى أن يتذوق أحدهم مرارة ما شعر به هو.
*************************
في بيت “مـنـة” و “رائف” جلست والدة “فكري” تبكي وهي تنوح بوجعٍ على ابنها وبجوارها السيدات و “رامز” معها يربت على كتفها و يواسيها بقوله:
“يا مرات خالي وحدي الله، هيخرج إن شاء الله، أنا عاوز اروحلهم بس مش عاوز اسيبكم هنا وأنتِ كدا”
حركت رأسها نفيًا وهي تبكي، بينما “كريمة” جلست بجوارها تقول بأسفٍ:
“دا نصيب وافتكار ورحمة من ربنا، صدقيني، عياطك دا مش حل، ادعي ربنا يكرمه ويخرجلك بألف سلامة إن شاء الله”
رفعت عيناها للأعلىٰ تضرع لله سبحانه وتعالى، بينما “رامز” وقف جانبًا يحاول التحدث أيًا منهم في المشفى لكنه لم يستطع الوصول لهم.

 

جلست “مـنـة” بجانب “دُنيا” وبجوارها “ميادة” تبكي بخوفٍ، فتعجبت “مـنـة” من بكائها، بينما “مالك” سألها ببراءةٍ طفولية:
“ميس منة هو فكري هيخف؟؟ هيخرج تاني؟؟”
حركت رأسها موافقةً وهي تبتسم له، بينما هو اقترب منها يجلس بجوارها ثم قال مُستفسرًا:
“مش هو ربنا شايفه زي ما بيشوفنا كلنا وأنتِ قولتيلي كدا ؟؟”
حركت رأسها موافقةً وهي تطالعه بتأثرٍ وقد اهتز قلبها بسبب حديث الصغير، بينما هو أضاف مُقترحًا:
“طب ينفع أطلب من ربنا يخليه يخف، زي ما طلبت منه أخف أنا كمان؟؟ مش كدا أحسن؟؟”
حركت رأسها موافقةً وها قد فقدت ثباتها حتى نزلت دموعها وازداد تأثرها بسبب الصغير، فوجدته يُزيد من تأثرها ويضيف ببراءة قلبٍ لم تدنسه الأيام وظل محتفظًا بنقاءه:
“يا رب عمو فكري يخف، يا رب تيتة متعيطش تاني، يا رب”
احتضنته تسأله بصوتٍ مختنقٍ من فرط تأثرها:
“مين اللي علمك الحاجات الحلوة دي ؟؟”

 

أشار عليها باصبعه الصغير ورافق حركته تلك قوله ببراءةٍ وإيجازٍ:
“أنــتِ”
ازدادت مسكتها له وهي تقول بنفس الصوت المختنق وقد زاحمته الضحكة:
“على كدا بقى أنا شاطرة أوي”
حرك رأسه موافقًا ثم اعتدل يتشبث بها، بينما “دنيا” تحركت تجلس بجوار شقيقتها ثم ربتت عليها.
_________________________
في المشفى خرج الطبيب من الغرفة، فانتبه لخروجه الجالسون في الرواق الرخامي رمادي اللون برائحة المشفى والأدوات الطبية، فاقتربوا منه بخطواتٍ شبه راكضة، بينما هو تنهد بعمقٍ ثم قال يُطمئنهم بقوله:
“الحمد لله عدت على خير، عنده بس كسر في القدم اليمنى، وعنده وفتح في دماغه خد ١٠ غُرز و كدمات في جسمه، ولسه الاشاعات تطلع ونتطمن هو حاليًا بيفوق”
تنهد “كرم” بعمقٍ وكأن جبلًا أُزيح من على صدره، بينما “باسل” رفع صوته مُهللًا باختناقٍ قد تحكم به نتيجة فرحته:
“الحمد لله يا رب….الحمد لله”

 

ربت “رائف” على كتفه وهو يقول بامتنانٍ للمولىٰ:
“ألف حمد وشكر لله، إن شاء الله يخرج بألف سلامة منها……علشان اموته أنا على ايدي علشان الليلة اللي اتضربت دي”
تحولت نبرته إلى الحقد الزائف يخالطه التوعد وكأنه ينتظر غريمه، مما جعل “باسل” يرتمي عليه يحتضنه وهو يقول بنبرةٍ بدت مُتوسلة:
“أنا محتاجك معايا….بلاش تسيبني يا رائف”
ربت “رائف” على ظهره ولأول مرة يظهر تأثره بتلك الطريقة حتى وجد نفسه ينطق ببراءةٍ:
“وأنا مش هسيبك متخفش”
بعد مرور الوقت تم نقل “فكري” إلى غُرفةٍ أخرىٰ وقد رافقه والده ومعه الشباب الثلاثة، فيما حاول هو فتح جفونه والآلام تغزو جسده، وكأنه يحارب في بلدةً كاملة تجسدت في آلام جسده، وما إن رآه “رائف” يفك حصار جفونه، فتحدث بتهكمٍ:
“حمدًا لله على سلامتك ياغالي يا ابن الغاليين، هو أنا يالا موعود بأشكالك ؟؟ يوم ما ربنا يكرمني و أخد حاجة أنا عاوزها، تيجي زي البومة كدا تقفلهالي، تصدق بالله لو كنت هصفالك الحركة دي شيلتني منك تاني”
ضحوا على حديثه، بينما “فكري” ازدرد لُعابه ثم قال بنبرةٍ واهنة وكأنه يتحدث رغمًا رغبة حنجرته:
“يبقى كتر خيرك لو صفيلتي يا رائف، أنا مش عاوز أكتر من كدا”
اقترب منه “رائف” يسحب المقعد ثم جلس بقرب الفراش وتنهد بعمقٍ ثم قال:

 

“هصفالك يوم ما أنتَ تبقىٰ صافيلي، أنا كنت فاكرك مني وأنتَ كنت شايل مني، روحت تحط إيدك في أيد أكتر واحد بكرهه، بس لو عليا شايفك مكسح كدا فرحان، علشان تمشي عدل بعد كدا”
سأله “فكري” بسخريةٍ:
“المفروض أني ازعل من كلامك دا، بس حقك هقول إيه يعني؟؟”
_”وحياة أمك يا روح أمك؟؟ أنتَ اللي عاوز تزعل كمان ؟؟ أومال أنا أعمل إيه ؟؟ لو دا مكانش حصلك كنت هعمله أنا عادي، وقدام أبوك كمان”
تحدث “كرم” بأسفٍ:
“حقك برضه، كتر خيرك يابني ابن اصول و كريمة مربية رجالة سواء أنتَ أو رامز، ربنا يكرمك”
تدخل “مصعب” يقول بمرحٍ غلفته السعادة ناطقًا:
“طب يا فكري يمكن دي حاجة تطمنك شوية، ماجد مجابش سيرتك، شال كل حاجة لوحده وقال إن هو اللي قال للكهربائي يعرفه إزاي يحرق المحل معرفش ليه بصراحة، بس هو مجابش سيرتك خالص، وهيترحل للنيابة، أظن دي فرصة ليك ربنا كرمك بيها علشان تلحق نفسك من الغلط”
تنهد “فكري” بعمقٍ ثم التفت ينظر لـ “يوسف” يسأله باهتمامٍ:

 

“سامحتني يا رائف؟؟”
رفع طرف أنفه وتشدق بنذقٍ:
“لأ ومش طايق وش اللي خلفك، وهنساك ومش هنسى اللي عملته فيا يا ابن كرم”
ابتسم له “فكري” ثم نطق بنبرةٍ خشنة وقد جف حلقه:
“يبقى سامحتني أصلًا، طالما اتكلمت معايا يبقى سامحتني يا رائف، ربنا جابلك حقك مني بزيادة أوي، سامحني خليني اطلع من هنا مسنود عليك”
تنهد “رائف” بعمقٍ ثم ربت على كتفه بجمودٍ تزامنًا مع قوله:
“أخرج بس من هنا وأنا بنفسي هرميك تحت أول عربية تقابلني”
تحدث “باسل” يقول لوالده و “مصعب”:
“طب تعالوا برة خلوهم يتكلموا شوية يمكن يصفوا أكتر يلا”
فرغت الغرفة من الجميع عداهما بالطبع، فتنهد “فكري” ثم نزلت دمعة هاربة من بين اهدابه، فتحدث “رائف” يشاكسه بقوله:

 

“عياط ودموع بقى وحركات قرعة مش هتاكل معايا، قوم كدا وأصلب طولك علشان ورب العزة هاكلك علقة !! عارف ليه علشان البت اللي شقطها مني في ثانوي، دي مأثرة فيا اكتر من حرق المحل”
ضحك “فكري” رغمًا عنه بصوتٍ عالٍ، فيما قال “رائف” مُتحسرًا:
“كنت سميت عيالي منها خلاص، في الأخر الاقيك شاقطها !! أكيد كان لازم يحصلنا كدا، ماحنا متربيناش برضه”
سأله “فكري” بنبرةٍ ضاحكة:
“يعني أنتَ كنت هتكلمها ؟؟ هتلاقيك كنت عاوز تخطبها، بس مسكيتش أنتَ واتجوزت منة”
اتسعت عيني “رائف” حينما تذكر ثم انتفض على المقعد وهو يقول :
“يخربيت امك !! دا أنتَ ضيعت عليا أهم حتة في اليوم، يا شيخ ربنا ياخدك ويخلصني من قرفك”
سأله “فكري” بمعاتبةٍ:
“بتدعي عليا يا رائف ؟؟ عاوزني أموت ؟؟”
حرك رأسه نفيًا ثم ربت على كتفه يهتف بصدقٍ:

 

“لأ يا فكري، أكيد مش عاوزك تموت علشان لو مت هضطر آجل الفرح، ودي على جثتي قبل جثتك أنها تحصل، مش هستنى السنوية أنا علشان أفرح، اتجوز الأول وبعد كدا غور في داهية”
زاحمت الضحكات وجهه من جديد وكذلك “رائف” الذي أوقف الضحكات ثم هتف بجديةٍ:
“قوم من هنا وظبط حالك وارجع لربنا، وشوف بنت الحلال اللي بتحبك بجد ومستنياك، أظن أنتَ عارف وأنا عارف من أيام خطوبة أخوك، جدك كان عاوزها ليك، قولت إيه؟؟”
ابتسم له ثم تنهد بعمقٍ وقال:
“ميادة غالية عندي، ولازم اعدل نفسي قبل ما أروحلها، ويشرفني إنك تكون معايا أطلبها، قولت إيه؟؟”
حرك رأسه موافقًا ثم ابتسم له بصفاءٍ، بينما الأخر اغمض جفونه ناطقًا بخفوتٍ:
“يا رب…. سامحني”
لقد كان اختبارًا قصيرًا في خلال ساعاتٍ جعلته يدرك قيمة الحياة وأنها فانية، فلن يفيده أن يرحل منها على معصيةٍ لذلك، يتمنى من كل قلبه أن يعفو الله عنه، حتى وإن رحلت روحه بعد ذلك، فيكفيه أن يرحل بعدما يحصل على رضا الخالق ثم رضا المخلوقين.
_________________________

 

في منتصف الليل بعدما عاد “رائف” من المشفىٰ توجه إلى شقتهم بعدما ترك “مصعب” على أعتاب شقتهم، رغم رغبته في رؤيتها لكنه فضل التعقل من جديد على أمل اللقاء في الغد.
دلف شقتهم فوجدها مُضاءة بإضاءةٍ خافتة، و خيال أحدهم ظهر على الحائط يجلس على المقعد المخالف له، حيث يرى ظهره فقط، فاقترب بخطواتٍ واسعة بعدما ظن أن والدته تنتظره، فاقترب يقف مقابلًا للمقعد، فتفاجأ بـ “منة” هي التي تجلس على المقعد، حينها قال بسخريةٍ:
“هو فكري يتبنج وأنا اتسطل؟؟”
لم تكن جالسةً بل غفيت عليه وحجابها تضعه حول عُنقها و خصلاتها السوداء ظهرت بالكامل مفرودة على كتفيها، ليظهر جمالها للمرةِ الأولى بتلك الطريقة، فوجد نفسه يمد أنامله حتى يمسك تلك الخصلات ثم ابتسم ببراءةٍ واقترب منها يقبل وجنتها.
شعرت هي بملمس ذقنه على وجنتها وقد رفرت بأهدابها تفك حصارهما فابتعد هو عنها ينتظرها تفتح جفونها وهو يبتسم بخفةٍ حتى فتحت أعينها بالكامل وما إن ابصرته أمامها وجدت نفسها تتحرك بجسدٍ انتفض رغمًا عنها وهي تسأله بصوتٍ متحشرجٍ:

 

“رائف !! أنتَ جيت ؟؟”
حرك رأسه موافقًا ثم سألها بمشاكسىةٍ:
“إيه اللي جابك عندنا ؟؟ مش عيب تدخلي شقة حد في وقت زي دا ؟؟”
ابتسمت له ثم مسحت وجهها تفركه حتى تستفيق من أثر غفوتها تلك ثم قالت بوجهٍ مبتسمٍ:
“الكلام دا كان لحد امبارح بس، انما النهاردة أنا مراتك وكله عارف كدا، بعدين وجودي هنا علشان بتطمن عليك ومرضيتش اسيب مامتك لوحدها قلقانة”
وجد نفسه يبتسم تلقائيًا بعد حديثها لذلك جلس أمامها على الطاولة الموضوعة وهو يسألها بنبرةٍ خافتة:
“شكلك بتحبي أمي أنتِ”
حركت رأسها موافقةً ثم حركت كتفيها بتعالٍ وهي تقول:
“طبعًا مش حماتي ؟؟”
اتسعت ابتسامته أكثر وأقترب منها يقول بنبرةٍ أقرب للهمس:

 

“طب وابنها ؟؟ ملهوش نفس يتحب ؟؟ طب دا واد غلبان والله”
ضحكت على طريقته ثم رفعت غطاء رأسه تُلقيه على رأسها بارتخاءٍ بينما هو ابتسم أكثر عند رؤيته لها بتلك الهيئة البسيطة وحينما انتهت تنهدت بعمقٍ ثم قالت:
“هنزل أنام بقى علشان كدا أنا اتأخرت، وكمان هشوف مصعب وأعشيه، عاوز حاجة ؟؟”
حرك رأسه موافقًا ثم قال أمسك يدها يقول بإصرارٍ:
“فيه كلامنا اللي هنكمله، عاوز اسمعها منك تاني، ينفع ؟؟”
تصنعت التجاهل وهي تحرك رأسها فيما طل الاستنكار من نظراتها، لتجده يقترب أكثر منها لم يفصل بينهما سوى إنشٌ فقط، فتحدث بنبرةٍ رخيمة:
“بتحبي حماتك بس ولا حماتك وابنها كمان ؟؟ ريحي قلب الغلبان دا بكلمة بقى”
تنهدت بتروٍ ثم نطقت بخجلٍ فطري تملك منها أمامه ليخرج صوتها مُهتزًا:
“بـ..بحب ابنها….هو كمان”

 

ابتسم أكثر ثم اقترب منها ثم اقترب من أذنها يقول بنبرةٍ هادئة أثرت عليها:
“عاوزها على بعضها، بحبك يا رائف”
تحرك بعد جملته يطالع عمق عيناها فوجدها تبتسم له ثم نطقتها بنفس الخجل قائلةً:
“بـحـبـك يــا رائـف”
مجرد تلك الأحرف البسيطة جعلته سعيدًا وكأنها رسالةٌ وصلته من الحياة كُتب بداخلها أن ما تريده هاهو يُريدك، لذلك أراد أن يتحقق من ذلك وأنها لم تكن مجرد خيالات باتت واضحةً في عقله، ضمها إليه تستقر برأسها على صدره وهو يُربت على خصلاتها وظهرها وقد توقع منها أن ترفض اقترابه، لكنها خالفت ظنونها و وجدها ترفع ذراعيها تضمه هي الأخرىٰ، ابتسم هو ثم قال بصوتٍ رخيمٍ:
“لو طلع كل دا حلم في الأخر هتبقى بزعلة وقهرة كمان يا مـنة”
رفعت رأسها تطالعه وهي تقول بنبرةٍ بدا عليها المرح وهي تقول:
“اعتبره حلم واتحقق خلاص”
سحب نفسًا عميقًا ثم قبل رأسها ونظر أمامه بشرودٍ و هو يقول:
“هو كان حلم اتولد من الصدفة اللي حصلتلي وجيت هنا علشان أشوفك أنتِ، كل حاجة كانت عادية لحد ما طلتك بقت بتظهري، بس دا مكانش عادي أبدًا ومش صدفة إنك تشغليني، ومش صدفة إني استنى طلتك دي، لو كل الصدف هتمر كدا ويكون نتيجتها وجودك أنتِ، يبقى يا مراحب بالصدف”

 

ضحكت هي بفرحةٍ جعلت قلبها يتراقص بين ضلوعها ثم رفعت رأسها تطالعه وهي تقول:
“شكرًا للصدف اللي حصلت وجمعتني بيك أنتَ، أنتَ أحلى صدفة حصلتلي يا رائف، والحمد لله على كل حاجة في حياتي مكملتش كانت السبب أني أكون معاك هنا”
مال عليها يسألها بخبثٍ:
“هنا فين بالظبط ؟؟ حددي تقصدي الشقة ولا حضني؟؟”
اتسعت عينيها بخجلٍ منه، بينما هو قال بمشاكسىةٍ يقصد ممازحتها:
_”يبقى قصدك حضني، أقسم بالله ما أنا مزعلك، ارجعي يابت بيتك ومطرحك”
ضحكت على طريقته بصوتٍ عالٍ فغمز لها بعبثٍ ثم ضمها إليه من جديد يقول بمرحٍ:
“يا سلام….هو دا الكلام”
*************************
بعد مرور فترة كبيرة من الوقت وصلت إلى شهور تقريبًا انتشر صوت الزغاريد في شقة والد “دُنيا” بعدما تمت الخِطبة بين “فكري” و “ميادة” وقد حضرت العائلة بأكملها.
كان “رائف” واقفًا بجوار “مـنة” التي مسكت كف “مالك” فابعده “رائف” عنها بقوله المُستاء:
“ما تبعد عنها يا لزقة !! مش كفاية مستحملك في الحضانة؟؟”

 

رد عليه الصغير بحنقٍ:
“على فكرة هي صاحبتي من قبلك، ملكش دعوة أنتَ”
أوشك “رائف” على الأقتراب منه وهو يضغط على شفته السُفلىٰ، فوجد “مـنة” تمنعه من ذلك وهي تضحك عليهما ثم حملت الصغير تقبله فأخرج لسانه لـ “رائف” الذي نطق بغيظٍ:
“أنتِ بتقهريني ؟؟ ماشي أقسم بالله تبقي في بيتي بس ويتقفل علينا باب واحد، أقسم بالله هربيكِ، والواد دا متشوفيهوش تاني، دا أنتَ رخم زي جدك يالا”
ضحكت عليه ثم مالت على أذنه تقول بنبرةٍ أقرب للهمس:
“كلها أسبوع وهكون معاك لدرجة تزهقك مني، متزعلش أوي كدا”
ابتسم لها وهو يقول بنفس طريقة همسها:
“أسبوع بس وابقى خدت نجمة من نجوم السما، وساعتها القمر يلاقي اللي يونسه”
ضحكت بيأسٍ وهي تحرك رأسها فيما حمل هو الصغير على يده ثم قبل وجنته حتى طالعتهما هي بحبٍ.
مال “فكري” على أذن “ميادة” يقول بامتنانٍ لها:

 

“شكرًا على الفرصة اللي حييتني من تاني دي، أنتِ كتير عليا على فكرة”
نظرت له وهي تقول بحكمةٍ:
“محدش كتير على حد، دا قسمة ونصيب، لو أنا نصيبك فعلًا يبقى هكون ليك في الأخر، ولو مش نصيبك يبقى أكيد كل واحد مكتوبله الخير في مكان تاني، حارب أنتَ بس علشان تثبت إنك وش خير”
ابتسم لها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
“علشانك أنتِ هحاول وأحارب كمان يا ميادة، خليكي بس مدالي إيدك علشان محدش بيمسك أيدي من وأنا صغير”
ردت عليه تتكأ على حروف كلماتها بقولها:
“همسك إيدك لما أكون مراتك”
اتسعت ضحكته وهو يقول بخبثٍ:
“ما أنا كان قصدي تمسكيها وأنتِ مراتي، مخك راح فين ؟؟”
رمقته بغيظٍ وهي تقول:

 

“دا أنتَ قليل الأدب”
_”أنا !! دا أنا أعجبك أوي”
نظرت للجهة الأخرى تكتم ضحكتها، بينما ضحك هو الأخر ثم تحرك نحو “رائف” يعانقه وهو يقول بامتنانٍ:
“شكرًا يا غالي على وقفتك معايا”
ضحك “رائف” ثم ربت على ظهره بكلا كفيه ثم ابتعد عنه وقال يشاكسه:
“لا شكر على واجب، أنتَ طيب واي حد بيقولك حاجة بتمشي وراه يا فكري، كان زمانك واخد ١٠ سنين مع حبيبك”
رد عليه “فكري” بضجرٍ:
“ياعم بتفكرني ليه ؟؟ داهية تاخده، صحيح هو معترفش عليا، بس أقسم بالله كنت بخاف منه”
ضحك “رائف” وكذلك “منـة” فتحدث الأول بضيقٍ:
“خلاص اقفلي بقى على السيرة دي، خطبت !! ارتحت !! ميادة وافقت عليك !! أقسم بالله لو ما ركزت في فرحي لأفضحك وأقول على البنات اللي كنا بنشـ…”

 

توقف عن الاسترسال حينما كمم “فكري” فمه ثم قبله وهو يقول بصوتٍ عالٍ:
“الله يبارك فيك يا حبيب أخوك، تسلم يا رب نردهالك في ليلتك الكبيرة”
اقترب “مُصعب” وهو يقول بمرحٍ وبجواره خطيبته:
“يلا بس علشان نتصور صورة جماعية سوا كلنا، اقفوا يلا”
وقفوا بجوار بعضهم ومعهم الصغير”مالك” بينما اقترب أحد الشباب الحاضرين بالمكان يلتقط لهم صورةً بكاميرته، وكلٍ منهم يقف بجوار نصفه الأخر في صورةٍ بدت دافئة بوجودهم مع بعضهم.
وفي الخلف “هنية” و “خليل” يجلسون من البقية، و كذلك “كريمة” التي اقترب منها “كرم” يقبل رأسها ثم قال أمامهم جميعًا بأسفٍ:
“غلطتي أني مربيتش ولادي أنهم سند لعيلتهم، بكرة نموت والدنيا تفضى من غيرنا، بس هما هيكونوا مع بعض، ياريت كل عيلة تلم عيالها تخليهم عزوة مع بعض في وش الغريب بدل ما الغريب يستغل ضعفهم ويضربهم لما يفرق بينهم، حقك عليا يا كريمة”

 

حركت رأسها موافقةً فقبل رأسها من جديد ثم ربت على كتفها، بينما “هنية” لاحظت ضحكة ابنتها بجوار “رائف” وهو يتحدث معها، فمالت على أذن زوجها تقول بخزيٍ:
“كل ما افتكر أني كنت هتسبب في إنها متكونش فرحانة كدا وإني كنت هرميها لواحد مجرم، بحس أني عاوزة أموت نفسي، كل ما أشوفها مع رائف قلبي بيفرح أوي، الله يكرمه ابن اصول”
نظر لها زوجها وهو يقول بقلة حيلة قاصدًا كل ما ينطقه:
“مشكلتك إنك زي أي أم عاوزة تفرح ببنتها وخايفة من كلام الناس إن بنتها تبور، وهي استسلمت لضغطك عليها علشان تهرب من اللوم، علشان مين ؟؟ علشان خاطر الناس، طز في الناس، المهم إنها تكون فرحانة مع جوزها ويكون فيه بينهم تفاهم، حتى لو هييجي متأخر، أحسن من جوازة زي حكم الإعدام، الحمد لله إن ربنا نجدها وجمع طريقها بطريق المجنون دا، صحيح ضاربة منه بس بيحبها بجد، وباقي عليها ومبيهونش عليه زعلها، هستنى لبنتي اكتر من كدا إيه ؟؟”
حركت رأسها موافقةً وهي تبتسم له، فقال هو يشاكسها:
“تلاقيكي دلوقتي عاوزانا نتصور سوا، صح ؟؟”
تحدثت هي بضجرٍ:

 

“يوه !! شوف الراجل اللي قرب يبقى جد دا، عيب يا خليل”
رفع صوته لابنه يقول أمام الجميع بمرحٍ:
“واد يا مصعب تعالىٰ صورني مع أمك، يلا قبل ما أبقى جد”
ارتفعت الضحكات عليه، فيما مال “رائف” على أذنها يهمس لها بقوله:
“أبوكِ شقي أوي وشكلي كدا هكتر من قعدتي معاه”
ضحكت على قوله، ليقول هو كعادته قاصدًا مشاكستها:
“يا سلام هو دا الكلام”
*************************
بعد مرور أسبوع من ذلك اليوم، انتشر صوت الزغاريد في مركز التجميل حينما أنهت “مـنة” زينتها و خرجت للفتيات ليطلقن الزغاريد بسعادةٍ وكذلك والدتها التي بكت فور رؤيتها لها.
صعد “مُصعب” أولًا يرى توأمه، وما إن أبصرها اقترب منها بتأثرٍ ثم قال يُثني على هيئتها التي يتمناها الأخ دومًا لشقيقته:
“زي القمر يا قلب أخوكِ، الفستان الأبيض هياكل منك حتة”
اقتربت منه تعانقه دون أن تتفوه بكلمةٍ واحدة، بينما هو ربت على ظهرها ثم ابتعد عنها يقبل جبينها، حتى وصلهما صوته من الخلف يقول بسخريةٍ:

 

“إيدك يابا لأزعلك عليها، وسع يالا”
تحرك “مصعب” وهو يضحك رغمًا عنه، بينما “رائف” اقترب منه بِحلته السوداء بأكملها ثم قبل رأسها وهو يقول بنبرةٍ رخيمة:
“كدا الحلم اتحقق بجد”
ضحكت بخجلٍ له، بينما هو مد لها مرفقه حتى تمسكه بكفها وتخرج معه، وقد فعلت ذلك وسط الزغاريد العالية والفتيات يخرجن خلفها بحماسٍ وكذلك والدتها، و “مصعب” الذي جاور خطيبته ثم همس لها بقولها:
“عقبالك يا نعامة”
_”عقبالك أنتَ كمان يا مُصعب”
_”يا هطلة ماهو عقبالنا مع بعض مش عاوز غباء بقى”
رمقته بغيظٍ فوجدته يبتسم لها ثم تحرك معها نحو الأسفل حتى ركبت “منة” السيارة بمساعدة “رائف” الذي جلس بجوارها وقبل أن يركب السائق، مال عليها يقول بنبرةٍ هامسة:
“النجوم في السما عالية، وأنتِ في القلوب غالية”
ضحكت بسعادةٍ ثم وضعت رأسها على كتفه، فقال هو بمرحٍ:
“يا سلام…. هو دا الكلام”
شددت مسكتها على ذراعه ثم سحبت نفسًا عميقًا تبتسم براحةٍ سكنت في ثنايا روحها، تبدو فرحتها معه وكأن القصة لن يليق بها نهاية سوى تلك، صدفةٌ جمعتهما سويًا انتقل هو على إثرها نحو مكانها، وكأنهما نجمين في السماء دارت بهما المدارات حتى تجمعهما سويًا، ربما تكون حركتها تلك صُدفةً، لكن المؤكد أنها صدفةٌ لم تَكن عابرةً.

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية صدفة لم تكن عابرة)

اترك رد

error: Content is protected !!