روايات

رواية أترصد عشقك الفصل السادس والخمسون 56 بقلم ميار عبدالله

رواية أترصد عشقك الفصل السادس والخمسون 56 بقلم ميار عبدالله
رواية أترصد عشقك البارت السادس والخمسون
رواية أترصد عشقك الجزء السادس والخمسون
أترصد عشقك
أترصد عشقك

رواية أترصد عشقك الحلقة السادسة والخمسون

الحياة مثل الدوامات
لا تترك لنا مطلق فرصة للتنفس
جل ما تفعله، هو أن تدفعك إلى أقصى قدرات احتمالاتك حتى تستسلم
ترفع لها بالراية البيضاء .. لكن الأمر المثير للسخرية إخبارك أن الأمر ليس بتلك البساطة عزيزي!!
الأيام تجرى كالزيبق .. والقلوب ما زالت تصدر أنين للبعد عن أحبائها، والعقل
ويا لسخرية العقل لا يتركك بسلام
الذكريات تتناهر عليك كزخات المطر فى أشد حالات صفاء عقلك وسعادتك، جارفة إياك للماضى، إما بحنين أو حتى بتعاسة..
استندت شادية على سور شرفة قصر الغانم وعينيها تتمتع بالخضرة المميزة .. منذ أن ابصرت عيناها على هذا القصر وهى وقعت فى غرامه، متمنية أن يصبح لها قصر خاص مع زوجها المستقبلي الغامض..
نجاحات عملها لا يجعلها تنسي ذلك المحتل الصورة فى فؤادها
سـرمـد
رجفة باردة تسللت أوردتها ميقظة اياها من مغبة سقوط أعمق وأخطر
لكنها تستحضر ذكراه بابتسامة ناعمة.. لا تنكر زيارتها له منذ شهور عدة فى المشفى الذى يتعالج به
رأته مختلفًا
ليس ذلك الذى تعرفه، او أرادها أن تراه به
سـرمـد .. وويل لأى امرأة تقع فى طريقه
قبضت اناملها الناعمة على السور وهي تغمض جفنيها مستنشقة عبير الصباح وعقلها بلا وعى عاد له
حيث مصدر علّتها ورجفة قلبها..
تطرق بكعب حذائها على الأرضية المصقولة، عيناها تمر على ارقام الغرف تهتدى بهما الى رقم غرفته
لا تعلم ما الذي تفعله
لكن الشوق دفعها، ورغم صراع العقل.. انتهى بها الحال هنا
ترتجف شوقًا ورهبة لرؤيته، اتصاله منذ عدة … صمتت مفكرة!! عدة ماذا؟! .. تشعر انها كالسنين مرت منذ اخر مرة استمعت الى نبرة صوته الخشنة، صوته الحازم، صوته الخشن حينما يكون فى أشد حالات غضبه وغيرته، وأشد حالاته الموشكة على فقدان سيطرته ..
شعرت بقبضة فى معدتها وهى تتذكر وعد والدها.. اغمضت جفنيها وجذوة شعلة داخلية تتشعب فى أوردتها .. تلك المرة قرارها للعودة والخروج
همت بالالتفات والهروب، الا ان صوت انثوي هادئ اوقف محاولة هروبها!!
-شادية؟!
عيناها لا اراديا ارتفعت لتستقر على وجه والدته.. الحنان المتشعب فى عيناها، وذلك الدفء الذي يصلها منها جعلتها تهمس بارتجاف
– طنط غيداء
عينا غيداء كانتا متسعتا بتفاجؤ فى بادئ الأمر، لقد شكت فى بداية الأمر انها هى، عيناها مستقرة على رأسها الذى يزينه حجاب اسمر لتهبط الى ثيابها المحتشمة، فغرت شفتيها بابتسامة واسعة .. فخورة لتقترب منها هامسة بحنو وهى تضع كفيها على عضدىّ شادية
– تبدين فى غاية الصفاء والهدوء
توردت وجنتيها جراء اطراءها لتهمس بصدق
-لقد احتجت الى نصائحك كثيرا
دفء لذيذ تسرب فى كلتا المرأتين، وغيداء تزداد يقينًا انها لو انجبت فتاة لكانت بمثل شادية، ربتت على ظهرها قائلة بهمس ناعم
-اهم شئ انك بخير
لم تستطع شادية ان تهز رأسها ايجابًا، تكبح جماح انفعالاتها كي لا تبكى.. الا ان غيداء تساءلت بتكرار كي تشتوعب الشئ الجديد الذى أصبحت عليه
-حقًا؟
تلك المرة اجابتها دموع شادية، لم يكن البكاء هنا مصدره الذعر أو الخوف.. بل كان بكاء لنشودها الراحة.. وصلت بطريقها الى بر الأمان الذى كتنت تبحث جاهدة عنه، غمغمت غيداء بعتاب امومى
– لقد انتظرت اتصالك
عضت شادية باطن خدها بحرج لتهمس بصدق
– لقد .. لقد شعرت بالحرج الشديد
رفعت عيناها الكهرمانية ورسالة اعتذارها الصامت جعل غيداء تهز رأسها بتفهم قائلة
-اتفهم صغيرتى، اتفهم، اخبرينى كيف ترين المدينة هنا ؟
بغض النظر عن اعصابها التى كادت أن تدمر بسبب قريب سرمد المدعو بداوود، الا انها غمغمت قائلة بصوت عادى
– ليست سيئة، لكننى اشتقت العودة للوطن
ضاقت عينا غيداء قائلة بشك
-حقًا؟!
تنهدت شادية مختنقة تلك المرة، ولم تشعر سوى أنها تتحدث بلغتها الأم
– وحشنى البيت وبابا وجيجى، حتى الناس واللغة كل ده وحشنى، والغريب انى مقعدتش هنا كتير
لمعت عينا غيداء بالاشتياق والحنين إلى وطنها جراء نبرة شادية المليئة بالشجن إلا انها اجلت حلقها هامسة بصوت أجش
– حينما كنت مثلك، كنت محبة للسفر والترحال، حتى تلك الصفة اخذها منى سرمد .. وحينما اراه يجوب بين مكان وآخر لا أملك سوى أن أقلق عليه، بل يتملكنى ذعر رهيب ووقتها اتذكر والدىّ وقلقهما الشديد علىّ حينما كنت صغيرة
شعرت بنغزة فى صدرها جراء تذكر اسمه، غمغمت ببساطة
– لم تستطيعي منعه من السفر
هزت غيداء رأسها نافية لتهمس بنبرة ذات مغزى
-لم اقدر .. تركته يجوب الاماكن عسى يجد موطن استقراره
وصلها المعنى المبطن ولم تشعر شادية سوى بتورد وجنتيها خجلاً، المرأة تلك المرة قالتها صراحة وجرأة لجم لسانها، تفهمت غيداء صمت شادية لتغير مجرى الحديث قائلة
– اخذنا الحديث، لم اسألك ماذا تشربين؟
رفعت عيناها المشبعة بالحنين لتهمس بدون وعى
-لبن بالقرفة
لمعت عينا غيداء وتفهمت رسالتها الملتوية، لتتسع ابتسامتها بحبور قائلة
– سيكون جاهز خلال دقائق
اشارت لها نحو غرفته مستأذنة منها لعدة دقائق، لتتحرك شادية بقلب وجل، وجميع جسدها يرتجف شوقًا وترقبًا لرؤيته.. اعترض طريقها ظل ضخم أجثم عليها كالوحش الذى ينتظر الفريسة تسقط فى حجره لترفع شادية راسها متطلعة الى العينين المشتعلتين غضبًا .. كـ تنين يوشك على اطلاق نيرانه فى وجهها، همت بالتحية إلا أن صوته المزمجر جعلها تعود خطوة للخلف
– لما اتيتى؟
همت بالحديث، لا تعلم مبررة أم محاولة تهدئة شقيقه، تبًا لقد ظنته مسالم، لكن مع حمله جينات النجم تأكدت ان الوجه المسالم ما هو الا وجه مخادع … تقدم سامر منها مزمجرًا بوحشية
– انتى لا يحق لك المجئ الى هنا، بعد كل ما حدث
تابع حديثه وهو يتقدم منها كخطوات ليث موشك على الانقضاض لفريسته المرتعبة ليخبط على الجدار بجواره هادرًا
-أتريدين ان تريه راكعًا على قدميه لكى تسامحينه؟ أم ما زلت تسعين للثأر؟ ام ماذا يدور فى عقلك
كانت على وشك تهدئة التنين المفترس، لكن بما انه تمادى بعيدًا ولم يكن له الحق فى استجوابها بهذا الشكل المهين!!
هل يهددها ويروعها ويظن مثلا بعد كل تلك الاوقات العصيبة لن يدعها تراه
يحلم اذًا!!
شدت بقامتها وواجهت عينيه العاصفة بمروج غاضب لتقول بلغتها الأم وهي موقنة انه يفهمها
-خلصت كلامك
تلك المرة هى التي تقدمت بخطوات دؤوبة .. وهو من يعود بقدميه للخلف، لترفع اصبع السبابة محذرة اياه قائلة
-انت ميحقلكش انك تتكلم بالنيابة عنى، او حتى تفكر التفكير ده
لم ينحسر عبوس وجهه، الا ان عيناه لثانيتين التمعتا بإعجاب سرعان ما اطلق لعنة بالايطالية ليغمغم مزمجرًا بحنق
– لماذا اتيتى؟!، لن اسمح لك برؤيته
لا تعلم أى رهان وضعت نفسها به، لتقول بثقة لا تعلم من أين أستمدتها
– وان علم اننى اتيت، وعلم انك من منعت رؤيتى له
تصلب وجه سامر وهو يسبها من بين انفاسه، يعلم انها محقة، وشقيقه اللعين سيسعد بوجودها، لكنه كره ذلك الشد والجذب دون حل نهائي.
اذا كانت تريده فـ تعلنها صراحة، اما ان توهمه وتعلق حبال ذابلة ستسقطه على جذوره فـ كــلا !!
لن يسمح له بتدمير شقيقه ولن يهمه اذا كان يستحق شقيقه ام لا، لكن لن يسمح لها بجرح آخر وهو يسير فى طريق علاج مبهم ليس له خطوط عريضه
تساءل بسخرية
– هل تتوقعين حينما يسمع بخبر مجيئك سيطير فرحًا بحضورك، بل ويفرش الأرض ورد مثلاً؟! افيقى يا امرأة
رأى علامات التمرد والغضب الذى يلوح فى وجهها، ليبادر بالهجوم قائلاً
– لماذا اتيتى، كونى صريحة معى لأكون صريح معك انا الآخر
زمت شادية شفتيها بحنق وهمت بتجاهله والابتعاد عن طريقه، الا انه احكم حصارها بجسده الضخم وعينيه التي لن تتركها مطلقًا لتستسلم له قائلة بحشرجة
-وحشنى
غصة أحكمت حلقها لتتابع بصوت أجش
– رغم كل حقدى ليه وكرهى وساعات فى اوقات غضبى بلعنه، بس وحشنى
سكون غلفهما الا من هسيس صوته الخشن وهو يهدر فى وجهها بغضب
– الرجل عاجز يا امرأة، لن يكون انانيًا ليتزوجك وهو قعيد الفراش
رفعت رأسها محدقة فى وجهه لتغمغم باهتمام جلىّ
– عامل ايه فى علاجه
عض على نواجذه، يهم على تلفظ بشتيمة نابية ستخدش حيائها، الا أنه وللأسف يعلم مقدار اهميتها وماذا تعنى لشقيقه..
اضطر يرخي دفاعاته قليلا وهو يجيبها على مضض
– الاطباء يقولون يحتاج لمعجزة ليستطيع السير مرة اخرى، وان كان سيلازم العكاز لكن حسنًا اللعنة لكل شئ
عجز عقلها عن فهم كلمة يتفوها، هي تحتاج اجابة صريحة اذا كان سيستطيع السير مرة آخرى أم لا!!!
عضت على شفتها السفلى قائلة
– مفهمتش، هيمشي تانى ولا لأ
زمجرة خشنة هى الاجابة التى تلقتها، تبعها نبرة جافة غليظة
– لست فى مكان يخولك لمعرفة خبر رجل غريب عنك
توقف لبرهة وهو يحدق لوجهها مليًا، حاول تفسير تألقها وحسنًا لن ينكر انها حسناء من نوع خاص، نوع أعجب به شقيقه، لكن يوجد شئ مختلف.. شئ زلدها ثقة وقوة!! فغر شفتيه وهو يحدق نحو حجابها الأسمر ليغمغم بإعجاب
-الحجاب يبدو جيد عليك بالمناسبة، وتوقفى عن اثارة غضبه باقترابك من ذلك اللعين الآخر
لاحظت نبرة الانزعاج فى صوته، الا انها لم تستطيع منع زحف التورد لوجنتيها، تبًا لعائلة النجم جميعهم!!
عيناها توجهت تلقائيا تحاه غرفته، وقد اضاعت الكثير من الوقت مع شقيقه، وشقيقها العزيز الذي فاجئها صباح اليوم بوجوده فى البلدة .. اضطر وهو يطحن ضروسه ان يوصلها للمشفى وقد اعطاها فقط دقائق لمقابلته، اهتزاز الهاتف فى يدها نبهها انها اضاعت الكثير من الوقت لتشد قامتها قائلة بنبرة جادة
-عايزة اشوفه
حاولت التملص منه لكن اللعنة، جسده الضخم اعاق طريقها وهو يضم ساعديه على صدره قائلاً
– والمقابل؟
تشنجت عضلة فكه وهو يغمغم بجفاء
-ماذا ستدفعين بمقابل رؤيته، اتريدين ان تصبى لعناتك عليه؟ ام تشبعى حقدك لرؤيته
تلك المرة امسكت حقيبتها ودفعتها نحو جسده بقوة، جعلته يرتد مبتعدًا عدة خطوات ليس بسبب قوة دفعتها، لكن بسبب جرأتها على ما فعلته، جز على ضروسه وهو يهدر ملاحقًا اياها
– اللعنة … اين تذهبين؟
حينما وصلت الي الغرفة المنشودة، وضعت يدها على الباب ليغمغم من خلفها بغضب
– لن تدخلى
رفعت رأسها بتحدى قائلة
– ابقى ورينى
ثم دفعت باب الغرفة متقدمة خطوات نحو الرجل الذى اعترفت بشوقها له امام شقيقه!!
تبًا
أصبحت تتطبع بطباع ذلك الايطالى رغمًا عنها، لهفة عيناها وارتجاف قلبها جعلتها تضع عيناها عليه وهو يخضع علاج فيزيائي بين يدي الممرضة وارشادات الطبيب.. تلون وجهها حرجًا وهمت بالمغادرة الا ان صوته الأجش اوقفها
– شاديااه!!
تسمرت قدميها ورفعت عيناها لتحدق تجاهه، مستندا على حاملين والعرق يتصبب من جبينه، عيناها هبطت لا اراديا تجاه قدميه لتجده بالكاد يتحمل ان يقف مستندا بكامل وزنه على الحاملين .. شهقت بجزع حينما هبط بجذعه على الارض لتقترب منه بلهفة وخوف ويديها لا اراديا تمدها ليستند عليها… وهــو !!!
لا حول ولا قوة له
عيناه تتأملنها، تتفرسها، يخضعها لفحصه، يرى ما الذى تطرأ عليها وما الذى فقدته بعد اخر مرة جاءت به الى المشفى وعرضها الجنوني للزواج
يكاد يضرب رأسه الآن لانه لم يوافق على عرضها الجنونى، لو اصبحت امرأته لأصبح تعبه هينًا جراء نظرات عينيها الملهوفتين عليه، شعر بيدي شقيقه والطبيب اللذين سارعا برفعه ووضعاه، على كرسي متحرك، وهو لم يشعر بهما .. كل جل اهتمامه انصب على محور التى تحتل افكاره.. عيناه تعانقها بحميمة واشتياق لهوف جعلها تكاد تضع رأسها داخل الرمال كالنعام وهى تشعر بنظرات شقيقه النارية ونظرات الطبيب المتسلية ليستأذن خارجًا هو والممرضة والوقح حتى الآن لم ينزل عيناه من عليها!! وكأنه يخشي ان اشاحهما لبرهة ستختفى من امامه!!!
تنحنحت بحرج وهو تشعر بنظرات سامر النارية تكاد تحرقها من موضعها لتهمس بصوت أجش
-هل مسموح لى بالجلوس أم أرحل؟
انتظرته ان يجيب، لكن نظرته الجامدة عليها جعلها ترفع عيناها لتنظر الي وجه سامر الشامت… استقامت بجذعها مغادرة لتسمع صوته الأجش الآمر
-اللعنة .. لن تبرحى من مكانك شاديااه
عيناها عادت للنظر اليه مرة اخرى لتقترب منه ونظرة عينيه لشقيقه كانت كافية لمغادرته على مضض، تنفست الصعداء حينما غادر شقيقه لكن رغما عنها تعذره .. بالنهاية هو شقيقه ويحميه!!
تلك المرة هو من قطع الصمت الذي خيم بينهما ليقول بصوت أجش مثقل بالعاطفة وعينيه لم تبارح حجابها
– شادياااه .. رباااه تبدين مبهرة
همست بالشكر ووجنتيها توردتا ليغمغم بصوت خافت
– تبدين مختلفة
اكتفت بهزة رأس، ولسانها منعها من التحدث، سمعت نبرة صوته الدافئة
– كيف حالكِ الآن؟
من المفترض انها من تسأله وليس هو، تمللت قليلاً وهى تهمس
-بخير
تلك المرة غلفهما الصمت لفترة أكبر، هو يشبع عيناه بحسنها، تبدو فى أشد حالات صفائها وهدوءها .. وهي تتلصص النظر الي قدميه ثم اليه، كل ما جاءت لتخبره به تبخر لتبقى أمامه بلا حول ولا قوة!!!
زم سرمد شفتيه لبرهة من الوقت قائلاً بعد أن لاحظ انها رفضت اتصال على هاتفها
– هل يعلم أحد أنك هنا معى ؟
اجفلت من نبرة سؤاله، وصمتها الذى طال جعله يهسهس بغضب
– شادياااه
رفعت عيناها لتحدق في عينيه وهى ترى أتون مشتعل فى عينيه، لم تستطيع سوى ان يأمرها بخشونة
– ارحلى إذًا
اتسعت عيناها محدقة فى وجهه بعدم تصديق لما تفوه به لتهمس
-ماذا؟!
أصبح وجهه كالصخر الجلمود وهو يهمس بغضب
– لن أعود لنقطة الصفر مرة آخرى، لقد أخبرتك أننى لست سرمد السابق، أحاول أن أصبح شخص أفضل وانتى لا تساعدينى على الأطلاق
لو كانت شادية السابقة لغادرت بعد ما طلب منها الرحيل، إلا ان عينيه تفضح شوقه بالرغم من الغضب المشتعل بهما، تنهدت يائسة لتهمس
– لقد جئت إليك بعد كل ما حدث، ألا يعني هذا شيئا لك؟!
لمعت عيناه لبرهة ثم صمت وهو يمرر أنامله على خصلات شعره ثم ذقنه المهذبة ليقول بخشونة
– يعنينى كثيرًا يا برتقالية، يعنيني كثيرًا
صمت للحظة وهو يود لو زرعها بين جنبات صدره، بل ويمنعها المغادرة من حجرته، أفكاره معها غير بريئة والشيطان يلعب بنذالة معه، وهو يحاول أن يكون أفضل من أجل نفسه ولها!!
تبًا كل آثار التغيرات عليه، طارت فى ادراج الرياح، وكله بسببها هى!! انتبه للدموع التى تسقط بصمت على خديها ليقترب بكرسيه منها هامسًا بخشونة
-لما البكاء؟
انتبهت على قربه لتهز رأسها نافية قائلة
-لا شئ
زمجر بيأس تلك المرة وهو يشعر بذبذبات لعينة تحدث فقط بالقرب منها، روحه تهفو لها.. وجسده موحش لعناقها، وويل لعقله الذي يأمره بالتريث والتعقل
-شاديااه
زمت شادية شفتيها لتجيبه بسخرية حانقة منه
– احدى نوبات النساء الشهرية يا سرمد كما كنت تتبجح امامى سابقًا
لوهلة جحظت عيناه من ردها، سرعان ما انطلقت ضحكة مجلجلة جعلت شادية تشعر بالحرج وانبثاقة أمل يرفرف فؤاده وهى تنظر الى وجهه، أفضل بكثير عما كان عليه سابقًا .. لم تكن تعلم أن ضحكة ذلك الوقح جميلة للحد تكاد تتغزل به.. ظلت كالبلهاء محدقة به وهو لاحظها ولم يحاول القاء اى دعابة سخيفة كي لا يفسد لحظة صفاء بينهما ليهمس وهو يمرر يديه على ذقنه
-انتي لا تنسين
همست شادية بصوت خافت
-لم انسى حديث عابر حتى بيننا
طرقات على باب الغرفة، تبعها دخول غيداء وهى تحمل مشروبها لتقدمه تجاهها قائلة بنبرة حنونة
– المشروب الدافئ يا صغيرتي
ابتسمت شادية وهى تأخذ الكوب منها قائلة
– شكرا يا طنط
ارتشفت شادية المشروب، وحنين جرفها لايام سابقة معه.. حاولت منع تدفق اي ذكريات فى الوقت الحالى.. الا انها لم تنسي اول مرة ارتشفت مشروبه ..
تتذكر وقتها حينما فسخت خطبتها الفاشلة بلؤى حينما عادت زوجته على قيد الحياه كما كان يسخر.. انتبهت على ملامح وجه غيداء الملهوفة لتتدارك نفسها وهى تهمس بخجل وارتباك
– هل اضايقكم فى شئ، يمكننى الخروج
نظر سرمد تجاه والدته ثم استجاب لإلحاحها ليغمغم
– أمى تريد صورة معك
اومأت شادية بترحاب شديد وهو تستقيم من مجلسها مقتربة من غيداء قائلة ببساطة
– حسنًا لنأخذ صورة سيلفى معًا
التقطت غيداء صورتين معها ثم تمتمت
– حفظك الله يا صغيرتى، وارشدك إلى الطريق الصحيح
غمغم تلك المرة سرمد بالايطالية
– كثفى الدعاء لنا يا أمى، سأموت كمدًا وهى قريبة منى هكذا، ولا أستطيع الأقتراب منها
حدجته والدته بغضب لتنهر فى وجهه قائلة
-تهذب يا ولد
لم تستطيع تلك المرة شادية تجاهل اتصالات شقيقها، لتهمس باعتذار
– حسنًا سأضطر للمغادرة، كى ألحق الطائرة
ورغم امنيته ان تظل لفترة أكبر، خاصة لم يستطيع ان يشبع عيناه بها، لكن يكفى انها جاءت اليه تلك المرة بارادتها..
جاءت وقد تخلت عن الحذر والغضب
جاءته تلك المرة راغبة.. وهذا جعله يشعر بالأمل .. انها ربما ستسامحه، ستغفر له بالنهاية .. غمغم بنبرة هادئة
-سأدع سامر يصطحبك الى المطار
تقسم لو انتهي بها الحلول لن تمكث مع اخيه الغاضب، لتقول بهدوء
-أخى بالأسفل شكرًا لأهتمامك
ودعت غيداء لتهم بالخروج الا ان نداءه اوقفها
– شاديااااه
سألها تلك المرة وهو يتمني سماع جوابها
– هل أدع بعض الأمل يتسرب داخلى؟
ظلت تتطلع اليه بصمت يائس، لم يستطيع عقله فك شفرات تلك النظرة، ثم هزت رأسها بيأس حينما رن هاتفها لتبتسم باعتذار وهى تغادر وعينيها معلقة نحوه لثانيتين، لتتركه بلا رد صريح
او جواب شافى لقلبه العليل ويأسه من الحصول على اجابة صريحة
تطلع نحو والدته بيأس ليغمغم
– لم أفهم .. هل هذا نعم أم لا؟
اخفت غيداء ابتسامة ماكرة، تعلم ان قدومها اليوم بشرة خير للقادم.. لتربت على كتفه قائلة
– تجهز للجلسة القادمة فى الغد، لا تسهر يا صغيرى
زمجر سرمد بحنق وهو يراها تتعمد عدم اجابته
-أمـــي
تنهدت غيداء وهى تضم راحتي يديها على وجنتيه لتغمغم
– لا أملك سوى الدعاء لكما بكل خير
تنهد سرمد بحنق وهو ينظر تجاه الباب المغلق بنظرات متوعدة، يقسم حينما يرتد عافيته .. سيريها تلك المرأة
سيعلمها كيف لا تبرح مكانها وهو مريض!!
استفاقت شادية من شرودها على لكزة من فريال، لتقول ونظرة عينيها تلمع بالمكر
– مقولتيش عقلك سافر لفين
عضت شادية على طرف شفتها السفلي لتجيب فريال قائلة بصراحة
-لما روحتله المستشفي، الموضوع عدي عليها كذا شهر وحاسة ان الوقت اتجمد من بعدها
عبست فريال لبرهة، تعلم ان امر ذهابها خلسة لا يعلمها سواها هي واشقائها، ولا تعلم اذا كان يعلم خالها بهذا الأمر.. ام قرر ان يتجاهل الأمر حتي يعلم مدى وصول الأمر للنهاية!!!
شادية لا تعترف سوى بالاشتياق والوحشة له، اما المسامحة …!!! ضمت فريال حاجبيها لتقول بنبرة جادة
– شادية متهزريش، احمدي ربك انه معاكي اخوكي وقتها.. والموضوع خلص على خير
الا ان شادية لم تكن معها، كانت مأخوذة بتغيير سرمد، وان كان فظًا قليلاً او حتى لم يلجم تصرفاته، الا ان شتان الوقح الذى كان يتعمد ملامستها بسبب او بدونه وشتان بين الذى عرضت عليه المساعدة ورفض اخذ يدها…
رفعت عيناها الصافيتين، بلمعة كهرمانية اثارت حفيظة فريال لتسمعها فريال تهمس بدون وعى
– فى وقت كدا بيجي فى بالي، لو .. مجرد كلمة لو .. هبقى بالنسباله ايه حاليا
جحظت عينا فريال لبرهة، هل ما تتفوه به ابنة خالها صحيح أم اصاب عقلها بما يعرف “العته” لتلوى شفتيها قائلة بتهكم
– مراته مثلا!!!
اتسعت عينا شادية وهى تنظر الى ملامح فريال المتهكمة لتهمس اسمها بعتاب
– فريال
رفعت فريال احدى حاجبيها لتسترسل بتهكم تاام
– ما انتي اللي بتقولي، انا فتحت حتي بقي بكلمة
اشاحت شادية بوجهها وعينيها تعود للطبيعة مرة آخرى لتسمع صوت فريال الحانق
– وبعدين .. اي اخرة الشد والجذب دي، انا تعبتلك بجد
لثواني ترددت شادية فى الاجابة، تعلم ان اجابتها لن سيزيد من تهكم فريال الا انها بالنهاية غمغمت ببساطة
– انا مش هفكر تاني، هسيبها بظروفها
اقتربت فريال لتمسك عضدها محاولة جذب اهتمام عينيها نحوها، الا ان الاخرى فضلت منظر الطبيعة لتسمع استنتاج فريال
– نقدر نقول انك خلاص تخليتي عن حقدك ليه
التفت شادية تجاه فريال لتهمس لها بهدوء مثير لأعصاب الاخرى
– مش فكرة اني اتخلص من الحقد اكتر ما انا لامست روحه الجديدة، مختلف يا فريال اوي عن اللي اعرفه، لو قابلته بشخصيته دي فى وقت تاني مكنتش فرطت فيه ابدا
توجست فريال خيفة من تلك النظرة الملتمعة بعينيها، تقسم انها نظرة اعجاب، بل تكاد تقسم على هذا الأمر.. الحذر والبغض غادرها نهائيًا ليحل محله صفاء مريب بعض الشئ ولمعة اعجاب تكابح لاخفاءها لتقول فريال
– وليه تستني ما هو قدامك
هزت شادية رأسها نافية لتقول باقتناع تام
– صدقيني، الوقت ده محتاج يقعد مع نفسه وذاته وعيلته اكتر مني
كشرت ملامح وجه فريال لتقول بإلحاح
– وليه متبقيش عيلته
الأمر لن تتفهمه فريال .. هى على يقين تام ان سرمد أصبح حسنًا .. لقد انبهرت به حتمًا، وكون ما فعله لن تستطيع نسيانه نهائيًا .. الإ انها وللغرابة لم تعد غاضبة ناقمة عليه كما سابق الأمر
هل أصبحت معتلة مجنونة الآن؟!!
هى أكيدة من هذا الأمر .. رباااه ماذا يحدث لها حينما تتخيله قريبًا منها .. بل والأسوء جزء منه كما كان يتبجح سابقًا..
لم يخفى على فريال ذلك التورد مزين خدّى شادية لترفع حاجبها بتهكم وهى تسمع شادية تهمس بتعجل
– لاني مش هعرف يا فريال، عموما الوقت اتأخر وانا ورايا شغل كتير ومحتاجة ارتاح
لاحظت تعجل شادية بجذب اشياءها لتختار طريق الهروب مرة اخرى كى لا تخضع لاستجواب مرة آخرى لتقول فريال
– طول ما قلبك مش مرتاح، صدقيني مفيش حاجة هتريحه
التفت شادية بابتسامة هادئة وهى تربت على صدرها قائلة
– بس روحي مرتاحة، وده الاهم
ودعتها على عجالة لتغادر القصر بأسرع وقت ممكن.. حابسة نفسها فى فقاعة العمل كى لا تعود للشرود مرة آخرى، ستهلك نفسها نهائيًا حتى تسقط على فراشها فى غيبوبة قصيرة لصباح اليوم التالى..
انتشلت فريال هاتفها من على المنضدة لتعبث به قليلا قبل ان تضعه على اذنها مستمعة الى صوت رنين قبل ان تسمع صوت خالها يحييها بحبور لتعاجله قائلة بسخط
– انت محتاج تشوف بنتك بجد، قربت تتجنن
********
فى حى عاصى،،
فى بيت توحة تحديدًا، الجميع يعمل على قدم وساق لزيارة عائلة زوجة حفيدها .. توحة تحديدًا كانت تشرف على السيدات فى المطبخ تحديدًا أسماء التي تصب عليها كافة العمل .. ليس لسبب الا فقط تنديمها على تأجيل الزفاف لفترة من الوقت.. لم تجد توحة انتقام افضل من المطبخ
وقفت بعباءتها السوداء الثمينة ومجوهراتها التى لا تقدر بثمن فى الوقت الحالى ، لا ترتدي الطقم الا لماما او لمناسبة خاصة .. وحضور حفيدها مع عائلة زوجه يستحق كافة التحضيرات المناسبة، كى لا تشمت لها عمتها جميلة..
غمغمت توحة بحدة و عينيها كالصقر على كل امرأة فى المطبخ
-شهلى ايدك يا اسماء، عايزين نلحق نخلص قبل ما يجيوا
تذمرت أسماء، ليس بسبب انها منعتها من السفر لمسابقة مدرستها والتى كانت تشرف عليها، ولا حتى بسبب إيقاظها من نومها مبكرًا
بل بسببها حرمت من الذهاب للصالة الرياضية، وكل ذلك بسبب تأجيلها للزفاف
تعلم ان أسابيع صغيرة مرت على زواج عاصى، لكن ما الداعي للتعجل والزواج؟!!
غمغمت بسخط وهى تقطف أوراق الجرجير
-الله يا توحة شايفانى اخطبوط بمية دراع ما بعمل اهو
لوت توحة شفتيها بحنق وهى تضع يديها على خصرها قائلة
-هيجيلك يوم يا خايبة اصبري بس، بعدين مش كفاياكي كدا لا إكمنك مخطوبة ولا حتى متجوزة.. ده فرح ابني داخله على الـ شهور وانتى محلك سر
هل مرت ثلاثة أشهر؟؟!!
جحظت اسماء عينيها، اللعنة لقد توقعت أسابيع .. متى اصبحت ثلاثة أشهر؟!
قطفت اوراق الجرجير بعنف يائس وهى تغمغم بأول شئ خطر على بالها
-يووه، ما الاسعار ولعت نار، واللي بحوشه عشان اجيبه الاقيه زاد شئ وشويات
أصدرت توحة صوت ساخر من شفتيها قبل ان تقترب منها قائلة بتهكم
– عيني في عينك ايه الحاجات اللي ناقصة
عبست اسماء وهى تترك ما بيدها ناظرة فى عيني تحية لتجيبها بيأس قائلة
-معدات الرياضة يا خالتي اسعارها بقت نار
جزت تحية على اسنانها حتى انها رفعت كلتا يديها نحو السماء قائلة
– مش هقول غير حسبي الله ونعم الوكيل يا اللي فى بالي
ضربت توحة كلتا يديها على فخذيها وعلامات الغضب بادية على قسماتها لتقترب منها أسماء قائلة محاولة تهوين الأمر
-يا خالتي
اشاحت تحية يدها بلا مبالاة قائلة بإصرار
-انا هطلقه منك لانك متستاهليش اصلا
تجهمت ملامح اسماء وقالت محاولة استرضاءها
– يا توحة صلى على النبى بس، خليكي محضر خير
امسكتها تحية من عضدها وجرتها حرفيًا خارج المطبخ متوجهتان نحو الصالة قائلة بحدة
– محضر ايه يا خايبة، وجد كام شهر وهتجيب عيل وانتى راكنه الراجل جمبك لحد امتى، اسمعي يا خايبة الراجل لو سبتيله الحبل على الغارب ابقي قابليني لو عرفتي تلميه
لفترة لم تجد اسماء ردًا على كلامها، خاصة انها ربما بدون وعى تسبب عادل بالملل .. غمغمت بخشية
– يعني اعمل ايه يا توحة
اجابتها بنصح علّها آخر مرة تفكر فى شئ بعيد عن معدات الرياضية الثمينة.. لولا انها فقط تعلم أنها غارقة في حب الآخر لما اهتمت بالأمر
-النهاردة تكلميه… لا النهاردة ايه .. تتصلي بيه حالا تجبيه هنا وامك هتيجي ونتفق على الفرح، انا سبتك براحتك بس انتى سوقتي فى العوق
عضت اسماء على باطن خدها، حسنًا كيف تخبرها انهما تشاجرًا ليلة أمس الماضية؟
الأمر لم يكن يحتاج الى كل هذا الشجار.. كل ما طلبته أن يستعلم عن بعض اسعار معداتها فهى ترغب بإنشاء صالة رياضية نسائية فقط يستطعن أن يحظين براحة تامة بعيدًا عن مواعيد مقيدة كالصالات الأخرى وثاني الأمر أن لا يكون سعر الاشتراك بأسعار فلكية
لكن الاخر تضايق ورأى انها بدلا من انهاء مستلزمات شقتهما تبحث فقط عن معدات رياضية!! متهمًا اياها انها لا تفكر بالزواج… وأن الأمر مجرد لعبة حينما استشعرت مدى جديتها قررت التخلى عنها.
انتبهت على صوت تحية قائلة بغضب
– قومي يلا انتى قاعدة بتعملي ايه هنا.. انزلى تحت ضبطى نفسك و البسى فستان وشوفيه
نظرت اسماء تجاه ثوبها الرياضى النسائى بعدم فهم.. لونه وردى والوشاح الذي ترتديه ابيض.. ما الحاجة لإرتداء فستان؟ أنها لن تقابله فى هذا الوقت تحديدًا
سألتها بعدم فهم
-والاكل يا توحة نعمل فيه ايه؟
اغمضت تحية جفنيها بيأس وهى تضع يدها على راسها هادرة
– امشي من وشي عشان معملش فيكي جناية دلوقتي يا اسماء
صدر صوت نسائى رقيق تجاه الباب المفتوح قائلا
– براحة على اعصابك يا توحة
انفرجت أسارير تحية وهى تسحب وجد من بين ذراعي زوجها المتملكتين لتستدير تجاه اسماء قائلة
– اي ده انتوا وصلتوا… مش تقولي يا منيلة انهم جم
تبرمت أسماء من بين اسنانها
– هو انتي سيباني يا توحة اتكلم حتى
اشاحت بيدها قائلة بنبرة محذرة، وذراعها تحتضن وجد
-روحي اعملي اللي طلبته منك، وبعدين هنتكلم
استحوذت على وجد لنفسها تحت نظرات عاصى الغير راضية تمامًا لتجلسها بالقرب منها على الأريكة قائلة
– تعالي يا حلوة قوليلي بقي مفيش حاجة كدا ولا كدا
تدخل عاصى تلك المرة حينما همت وجد بالرد عليها
– مستعجلة على ايه بس يا توحة، تعالى ريحي وسيبينا نحضر الاكل وهحكيلك على كل حاجة
عينيها لم تفت عن نظرات عاصى المسترقة لها، ولاحتى لحديثهما الصامت لتجد نفسها محاصرة بين ذراعي حفيدها العضلتين سارقًا زوجته منها لتزم شفتيها بعبوس قائلة
– ماشي يا عاصي
اقترب منها طابعًا قبلة على رأسها وهو يهمس لها بعبث حينما اختفت وجد عن انظاره داخل المطبخ
– تفتكرى هتيجي
امتعضت ملامح تحية تهجنًا قائلة
– جميلة هانم وفي حي شعبي!! حقيقي هيبقي خبر الموسم فى ناديها
رنين الجرس قطع حديثهما مما جعلها تنهض حينما وجدت غالب امامهما حاملاً علبة حلوى فاخرة لتتسع ابتسامتها قائلة
– نورتنا يا غالب، اتفضلوا المنطقة كلها نورت بوجودك
– بنورك يا تحية هانم
ركضت وجد فى الرواق الفاصل بين المطبخ والصالة لتقترب من جدها محتضنة اياها تحت ضحكات كلا من تحية وغالب الذى ربت على ظهرها
-جدو وحشتني
دعته تحية للدخول ليتقدم وهو ما زال محتضن وجد تبعه دخول عدة شباب توصيل حاملين هدايا فخمة وضعت على الطاولة .. اتسعت عيون النسوة فى المطبخ وبدأت الهمسات فى التصاعد لتشعر تحية بالحرج لما تكلف به الرجل.. غمغمت تحية بنبرة دافئة
-مكانش ليه لزوم كل التعب ده حقيقي
اتسعت ابتسامة غالب حينما تقدمت جميلة بباقة ورد وهو يشعر بها تقدم رجل وتؤخر الأخرى ليقول بابتسامة هادئة
– عارف يا تحية هانم اننا داخلين بيت معروف عنه بيت الكرم، ودى حاجة بسيطة .. هتردينا بالهدية، ده النبى معروف عنه انه مردش هدية ابدًا
سمحت لهم بالدخول قائلة
– اتفضلوا نورتونا
ألقى غالب نظرة ذات مغزى لجميلة التى تقدمت بباقة الورد معطيًا اياها دون ان تنبس ببنت شفة، لتكظم تحية غيظها قائلة بابتسامة فاترة
– نورتي يا جميلة
سارعت بجلب النسوة لوضع الهدايا داخل احدى الغرف وتجهيز طاولة الطعام بينما جلس الجميع فى غرفة الضيافة وامرأة قدمت بجلب الحلوى وبعض المرطبات ..
– وحشتيني يا حبيبة جدو
غمغم بها غالب وهو يطبع قبلة على جبين وجد التي استكانت بين ذراعيه، عيناه ابتسمتا برضا تام وهو يرى البريق في عينيها.. حتى نظرات عينيها المختلسة لزوجها الذى كان يساعد جدته مستئذنًا منهم لبضع دقائق ..
اجابته وجد بصدق وهى تشعر بالسكينة لوجودها بين احضانه مرة آخرى
-وانت اكتر والله
تلك المرة ناغشها غالب قائلاً
– يا بكاشة مكنتيش قدرتى على بعدى كل الشهور دى
احتقنت وجنتى وجد وهى تود لو اخبرته ان الأمر ليس بسببها، بل بسبب ذلك الآخر الذي فر من استجواب جدها متعلالاً بمساعدة جدته.. لن تنكر أن الشهور مرت كسرعة الزيبق وهي أرادت فترة ان تشعر بمعنى الحياة الزوجية.. بالطبع لم تمتنع عن زيارتهما لكن ارادت تلك الخصوصية بمفردها مع عاصى… حتى ان عاصى لم يبدى اى رأى مخالف لها..
استمعت الى صوت جدها يخرجها من فقاعة شرودها قائلاً
– قوليلي بقي خلال الفترة اللي فاتت لما سبتك معاه زعلك الواد ده
اقتربت من جدها مشاكسة إياه قائلة
– هو يتجرأ يزعلني وانت موجود
لم يغب ذلك المشهد عن عيني جميلة التى التمعت عيناها بالدموع
لقد اشتاقت لصغيرتها
إلا أنها تعلم أن الصغيرة لا تستطيع منح غفرانها بعد..
انتبهت على صوت صغيرتها مقتربة منها قائلة بابتسامة لهوفة
– وحشتيني يا مماه
شهقة حادة خرجت منها سرعان ما كتمتها وهى تضمها بين ذراعيها بقوة، هطلت الدموع منها لا اراديا شاركتها وجد وهى تزيل دموع عالقة بيدها لتنظر جميلة فى وجه وجد .. تتمعن النظر لها .. سألتها بقلب أُم وَجِل
– مبسوطة يا وجد
هزت وجد رأسها قائلة
– متقلقيش عليا، صدقيني صعب الاقي حد زي عاصي
اطمأنت سريرتها وسكنت هواجسها وهي ترى وجه اخر لصغيرتها الذى تعلمه.. همت بالقاء عدة اسئلة الا ان صوت تحية صدح مقاطعًا
– اتفضلوا على السفرة
تقدم الجميع نحو الطاولة العامرة بما لذ وطاب للنفس.. صعقت جميلة ما ان سقط بصرها نحو عدة اطباق سبق لها بالسماع عنهما، هذا عداك عن كمية السعرات الحرارية فى كل طبق فخار يتربع على الطاولة غمغمت قائلة
– اي الاكل ده
اتسعت ابتسامة تحية وهى ترى ملامح الامتعاض وبعض التقزز يرتسم على وجهها، اجابتها بابتسامة واسعة
– زي ما انتى شايفة.. اكل يفتح النفس اتفضلوا
حاولت جميلة النظر لأى طبق يحتوى على سعرات حرارية منخفضة، او حتى شئ مشوى إلا أنها لم تجد سوى اطباق صغيرة يتيمة للسلطة، غمغمت جميلة بصدمة
– مين هياكل كل ده
اتسعت ابتسامة تحية وهى تدفع الجميع للجلوس، لقد قامت بإعداد معظم ما تتناوله العائلات المصرية بالعزيمة، متركزة ان يكون السمن بلدى لتقول
– يختي صلي على النبي، ومتخافيش كل الاكل ده بالسمنة الفلاحي، يعني كله طبيعي
جلس غالب وهو ينظر بحيرة الى اطباق الطعام لتتقدم نحوه ممسكة بطاجن مخصوص علمته جميلة فور رؤيتها لتقول تحية بابتسامة واسعة
– عاملة طاجن كوارع مخصوص .. اكيد بقالك فترة يا غالب مكلتهوش
رددت جميلة بصدمة وهى تنظر الى الطعام ثم إلى جسدها الذي تحافظ عليه بشق الانفس
– كوارع!!
تقبله غالب بترحاب بالغ وهو يتناول او قضمة قائلاً
– تسلم ايدك يا تحية هانم، الواحد بقاله سنين مش بيقرب من الاكل ده على كلام الدكاترة
لوت تحية شفتيها بسأم وهى تضع أجواز الحمام والفراخ على أطباق الجميع
– يا راجل انت بتصدق كلام الدكاترة، كل وسمي متقلقش
غمغمت جميلة بصدمة
– انتى عايزة تموتيه
شهقت تحية بصدمة ضاربة بكفها على صدرها قائلة
-اموته مين، كلي وانتي ساكته احسن
تابعت جميلة بعينين مرتابتين للجميع وهم يتناولون الطعام بشهية مفتوحة، حتى وجد كانت تتقبل كل شئ تضعه تحية أمام طبقها.. عادت تنظر الى الحمام المحشى بيأس لتتناول قطعة من محشى ورق العنب ثم تبعتها بسلطة..
همس عاصي بالقرب من أذن وجد
– شكلها كده ناوية تجلط عمتك
ابتسمت وجد وهى تتلذذ من طاجن البطاطس والملوخية قائلة
– مش ناوية هى اكيد
طرقات على باب المنزل تبعها دخول أسماء بثوب نهارى عملى لتبتسم بحرج وهي تلقي سلام خافت قبل ان تجلس على اقرب كرسى شاغر، تولت تحية التعريف عنها قائلة
-اعرفكم بـ اسماء، حفيدتي اللى مخلفتهاش .. غلاوتها من غلاوة عاصى
ألقى غالب سلام دافئ أما جميلة فاكتفت بالنظر لتحية بصدمة حينما قامت بفتح الحمام وأمرتها بتناول الأرز بداخله… كاد الجميع ينفجر ضاحكين لولا دخول عادل الذى يفرك بكلتا يديه قائلاً
– واضح ان امى دعيالى النهاردة
اقترب عادل ملقيًا سلام للجميع ثم سلام خاص بتقبيل يد تحية لتربت على كتفه برضا قائلة
– عادل برضو يعتبر حفيدي اللي مخلفتهوش، يبقي شريك عاصي في الجيم وخطيب الهانم اللى هتنقطني
شعرت اسماء بغصة فى حلقها ليسارع عادل بتقديم كوب من الماء لها، تجرعته على عجالة وهي تهمس برجاء
– يا توحة مش قدام الناس
جلس عادل بجوارها وهو يتناول باذنجان محشي بتلذذ لتسأل تحية موجهه حديثها نحو عادل
– شقتك خلصت يا عادل
القى نظرة خاصة تجاه أسماء التي توردت وجنتيها حرجًا .. ليغمغم بنبرة ذات مغزى
-جاهزة يا ست الكل، ناقص بس تنور العروسة
تلك المرة اكتفت اسماء بالصمت لتوجه كامل جسدها امام عادل قائلة
– انت مش قولتلي من كام يوم ان فيه مشكلة فى السباكة وهتاخد وقت وتتصلح
هز رأسه مجيبًا وهو يتناول المعكرونة بالبشاميل المفضلة لديه
– واتصلحت
زمت اسماء شفتيها بحدة وهى تزيح طبق المعكرونة من امامه، لينظر إليها بتسلية وهو يقترب من طبقها متناولاً البامية بالارز لتسأل تحية مرة اخرى
– تحب الفرح امتي يا عادل
اجابها عادل ببساطة تحت نظرات الجميع المتسلية حتى جميلة لم تشعر أنها تتناول من طبقها رغم تركيزها على الزوجين المشاكسين أمامها
– النهاردة لو حابة يا ست الكل
تأوه عادل بتوجع حينما دعست اسماء بكعب حذائها على قدم عادل، تلك المرة انفجرت وجد بالضحك وغالب مكتفى بالابتسامة الرزينة التي يجاهد فى الحفاظ عليها
غمغمت اسماء اسمه ناهرة عن التمادى أمام الغرباء
– عادل
الا ان عادل اكتفى من لا مبالاتها به، ليقول ببرود
– الله ما انتى عارفانى طول عمري صريح
غمغمت تحية بتفكير قبل أن تصدر فرمانها أمام الجميع
– النهاردة صعب، زي النهاردة الاسبوع الجاي فرحك عليها
تلك المرة استقام عادل مصفقًا بكلتا يديه ليقترب مقبلا رأس تحية زافرًا براحة
-اخيرا يا ولاد.. سمعينى زغروطه يا حاجة!!
ولفظ “الحاجة” هنا لم تعد لتوحة، بل الى جميلة التى اتسعت عيناها وهى تكرر كلمته مبدية امتعاض وبغض
– حاجة!!
هز عادل رأسه مؤكدًا لها ليجيبها
– ايوا حاجة مالك في ايه!! .. سمعوني زغروطه يا جدعااان هتجوز خلاص يا صبر ايوووب
أطلقت تحية زغروطة مرتفعة، تحت نظرات أسماء التي لو كانت تحرق لحولته إلى رمادًا
جزت اسماء على اسنانها وهى تنظر تجاه تحية وكأنها طعنتها بسكين غدر
– عادل
أشاح عادل بيده وهو يتناول الطعام بشهية مفتوحة قائلاً
– يا شيخة ده انا نسيت انى خاطب
شعرت بيد وجد علي كفها لتعبس مغمغة بحنق زائف
– عجبك التدبيسة اللي دبستهاني دي
هزت وجد رأسها مجيبة اياها بابتسامة واسعة
-الصراحة تستاهلي.. احمدي ربنا انها جت على قد كدا
لوت شفتيها بضيق زائف وتصنعت الحزن قائلة
– حتى انتى يا وجد
ربتت وجد على يدها قائلة بمشاكسة
– مبروك يا عروسة
غمغمت اسماء بحنق للـ ” التدبيسة” التي قامت بها توحة لتغمغم بقهر
– طب يستني اجيب الجهاز اللي بحوشه
هزت وجد رأسها بيأس، تعلم أن قائمة مشتريات المعدات الرياضية التى وعدتها قبل زفافها ستقوم بشرائها كحد أقصى منذ شهرين منصرمين، إلا أنها تعلم أسماء جيدًا .. قائمة مشترياتها لن تنتهى ابدًا
غمغمت ببساطة
– ابقوا حوشوها مع بعض وجيبوها
شعرت اسماء بطعنة الغدر الثانية أتت من وجد، لتزم شفتيها بحنق مكتفية بعدم الرد تحت استفزازات عادل وتوحة..
انتبهت على صوت عاصى الذى صدر لأول مرة بعد الهرج الذى حدث منذ قليل
– بمناسبة السعيدة دي فيه خبر سعيد حابب اقوله
هدأ الضجيج ليمسك عاصى كفى وجد التى تخضبت وجنتيها خجلاً، تسلل بعض الأمل داخل تحية التى حدقت تجاههما بأمل هامسة
– اللى فى بالي يا ابني مش كده
هز عاصى رأسه وهو يميل طابعًا قبلة على رأس وجد التى تحولت لثمرة طماطم طازجة تحت أنظار الجميع
– هو يا توحة
تلك المرة استقامت تحية من مجلسها مطلقة زغروطة من قلبها لتقترب من وجد مقبلة إياها من خديها وعيناها تذرفان الدمع.. استقام غالب هو الآخر مباركًا وفي عينيه دموع الفرح أبى أن يطلقها، إلا أن جميلة لم تستوعب الأمر أو دعت بالجهل لتسأل
– بتزغرط ليه ؟
ابتسم غالب براحة وهو يغمغم بهدوء
– استعدي عشان تستقبلي الجيل التاني من أحفاد المالكي
ولم يكن ردها سوى انها غصت فى طعامها !!
**********
الحب لم يكن من نصيبها
حتمًا .. لم تجنى من الحب سوى الألم والغدر.
لكن ما هى أكيدة منه حتى الآن وإن لم تحظى بحب حقيقى من رجل .. إلا انها حظت بما هو أقرب من عائلة .. تظل تشكر ترتيب القدر على لقائها بالعم حمزة وعائلته … لقد ساعدوها بقدر كبير على تخطى ازماتها وعقباتها حتى أصبحت على ما هى عليه فى الوضع الحالى..
فـرح التى أصبحت شهيرة على مواقع التواصل الاجتماعى بمقاطع الفيديو التى تتعدى العشر دقائق، تعترف ان المدة طويلة بعض الشئ .. الا انها تقضيها امام المرآة بوضع مساحيق التجميل وتسرد بشكل خفيف واسلوب شيق عن طرائفها أو قصص وهمية ذات عبرة بالنهاية .. معظم شريحة متابعيها هن الفتيات المراهقات لذلك تحاول بذل كافة جهدها ألا تسقطن فى نفس خطيئها، ألا تستقطب اهتماما من الجنس الآخر
فببساطة شديدة،الجنس الآخر عبارة عن وحوش تنتظر فرصة وقوعك فى شباكهم..
التفكير المنطقى يدفعها، إذا لم يستطيع الوالدين تقديم رعاية وعاطفة مناسبين لاطفالهم، فكيف بغريب يستطيع تقديمه ؟!
هوجمت من عدة نواحى
من طليقها
ومن نظرة المجتمع حينما علمن انها مطلقة.. وكأنها بها شئ مشين..
ومن النساء اللاتي تخشين ان تسلبهن من ازواجهم
ومن نفسها هى تحديدًا
الأمر لم يكن سهلاً، لكن بالنهاية استطاعت أن تنجح ولو كان النجاح كمقدار ذرة
لكن يكفى انها استطاعت ان تجد ملاذها.
وها هى الآن تحقق خطوة نجاح لكل الأشهر السابقة التى قضتها تعمل بكد وشغف لم تعلم انها تملكه لنشر كتاب .. يحوى الكتاب على رسومات كارتيرية وقصص كالتى تقوم به امام الكاميرا لكن بإسلوب سردى مختلف وعبرة ذات مغزى من نهاية كل قصة..
ورغم كل التعليقات الايجابية بل وحماس متابعيها لاقتناء نسخة من كتابها، الا ان هناك هاجس لعين يجعلها تشعر بالخوف من الفشل
بالكاد تحملت فشل اعوام سابقة من سذاجتها وعدم نضوجها، لكن الان تقسم انها يكاد يغمى عليها من الرعب والقلق
انتبهت نحو سؤال جيهان المهتم
– مالك قلقانة ليه
سقطت عينا فرح على جيهان، التى تعتبر من اقرب اصدقاءها بجانب غالية، الفتاة على الرغم من مظهرها الفوضوى الخارجى وجراءتها، لكن بالداخل تملك قوة عاطفة اذهلتها، وانها ليست بالسذاجة التى تخيلتها.. اتسعت ابتسامتها ونحرت الخوف داخلها لتنظر نحوها بامتنان.. كانت من أول الداعمات لها سابقًا ولم تتركها مطلقًا حتى الآن، الأولى التى جعلتها تعى جيدًا ماذا تعنى الصداقة الحقيقية.. وان الحب لا يشترى بل يكتسب ويتبادل.
اعطتها أمل للحب مرة آخرى .. ما زال شق داخلى لم يهدىء حتى تجد رجلها، مؤمنة انها ستجده حتى ولو تخطت الخمسون عامًا .. الا انها صبورة ومتريثة لهذا الأمر.. لديها قائمة طويلة بالصفات التى تحتاجها به
لكنها تتعجل كالسابق.. ستختبر معه كل ما تاقت به انوثتها التى ستكون حصرية له فقط كما هو الآخر ..
انتبهت من شرودها على صوت فرقعة اصابع جيهان التى أعادتها الى ارض الواقع.. لتنظر فرح تجاه مبنى دار النشر بقلق
مدير الدار على علاقة صداقة بالعم حمزة، ولولا تشجيع حمزة وغالية لما قدمت عملها مطلقًا ولن يظهر للنور.. بل كان سيظل حبيس دفتر مذكراتها..
بالأمس هاتفها المدير قائلاً انه انتهى من طباعة النسخة الأولى وبالغد سينشر على كافة المكتبات والمعارض.. وهى بالفعل نشرت فيديو قصير للمتابعين عن كتابها وكيفية اقتناؤه سواء عبر الانترنت او من المكتبات..
لم تطيق صبرًا حتى صباح اليوم التالى، لتهاتف جيهان وتطلب منها ايصالها الى الدار لتستعلم الى اين وصل الأمر بكتابها، هل بدأ أحد باقتنائه ام عليها الانتظار حتى حفلة التوقيع الذى سيقام بالدار !!
عادت بملامح وجهها المتوترة تجاه جيهان لتقول
-خايفة من رد فعل الناس يا جيهان لما ينزل الكتاب
ابتسمت جيهان لتربت على فخذها قائلة باطمئنان
– الكتاب هيكسر الدنيا، متقلقيش وراكي رجالة .. واكبر دعاية.. صدقيني هيكون اعلى مبيعات فى الدار كلها
وهذا لا ترغبه تحديدًا،لا يهمها عدد النسخ بقدر ما يهمها ردود الافعال أو الأثر الذى تلقاه القارئ بعد انتهاءه من قراءته!!
عبست ملامحها لتغمغم فرح بصدق
– مش عايزة يا جيجي مجرد كتاب يتشهر لفترة وبعدين يتنسي، عايزة احس اللي كتبته وتعبت فيه ليه تأثير على الناس
هزت جيهان رأسها بتفهم، لا تنكر ان بادئ الأمر انها تفاجئت حينما اخبرتها انها تحتاج الى وسيلة دعاية متقنة للكتاب الذى سيطلق فى الأسواق، ظنت انها تمزح او ان الكتاب لإحدى زملاءها .. لكن الصدمة تمثلتها حينما اخبرتها ستنشر كتاب خاص لها حتى انها ارسلت بضع النصوص للكتاب، غمغمت جيهان
– انا لو كنت اعرف انك بتعرفي تكتبي كنت وديتك لاكبر دار نشر فى البلد، بس مش مشكلة الدار اللي اتعاملتي معاها بتهتم بنوعية الكاتبين اللي معاهم، بس مش هنكر انك هترفعي من اسمهم
تنهدت جيهان ونظرة القلق ما زالت تحتل عيني فرح، لتربت على ساعدها وهى تحاورها بعينيها كي تترجل من السيارة.. هزت فرح رأسها وهى تترجل من سيارة جيهان متوجهتان داخل بوابة الدار لتهمس فرح بالقرب من اذنها
– ممتنة انك جيتي يا جيجي
ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتي جيهان لتوكزها قائلة بخفة
– اخرسي انا هنا بس عشان الفانز مش اكتر، ويعرفوا اني مصاحبة عبقرية
هزت فرح رأسها يائسة لتغمغم
– مفيش فايدة فيكي
اندفعت كتلة شعواء تعيث فى ارض المكان فسادًا يصدح بصوته الطفولى المرتفع
– فرح … فرح .. بيدوروا عليكي
توقفتا الفتاتان حالما سمعن نداء فرح، لتلتف فرح بكليتها تجاه طفل يكاد يصل الى خصرها.. اتسعت عينا جيهان بتفاجؤ وهى تجد الطفل متشبث في كفى صديقتها
هل انجبت فرح طفلاً وهى لم تدرى؟!! ام تبنت شخصًا؟!
كيف لم تدرى بهذا الطفل، لكن ملامح الطفل تشبه شخصًا تعلمه.. اللعنة شخصًا رأته وتعاملت معه بالطبع
لذلك استبعدت ان يكون طفلاً لفرح، يجب ان تتذكر الاسم كي لا يتهمها احد بالخرف الآن.. ما زالت امرأة مقبلة على زواج وحياة جديدة ولن يكون الأمر جيدًا حينما يعلم احد انها اصابت بالخرف فى هذا العمر!!
ابتسمت فرح تجاه يحيي، هذا الصغير يوقظ بها غريزة امومة لعينة، ستظل يؤرق مضجعها حتى تحقق حلم امومتها، عبثت بخصلات شعره الثائرة، بعكس يوسف المهذب لطيف المعشر الذى لا يسمح لأحد للأقتراب من شعره او ثيابه لتسأله باهتمام
– هما مين؟
لهثت الطفل من فرط الركض، ليجذبها معه بقوة عضلاته .. حسنًا تعترف فرح ان الأطفال برغم من بنية عضلاتهم واجسادهم الا انهما حينما يريدان الحصول على شئ .. لا تستطيع الأم نزعه منهم الا بالقوة المفرطة، تكاد تشعر انه يوجد لديهم مخالب خفية يستخدمونها عند الحاجة!!
حسنًا .. مجرد تفكير ابداعى واسع .. ليس الأمر حقيقي!!
تقدمت فرح عدة خطوات مبتعدة عن جيهان مرغمة لتسمع يحيي يقول بنبرة لاهثة وتصميم
– جدو قالي اني ادور عليكي لانهم عايزينك جوا
اعترضت جيهان طريقهما لتنظر تجاه الطفل بامعان وتفحص لتسأل فرح
– استني هنا مين المز ده
تجهمت ملامح الطفل لعبوس .. العبوس الطفولى بدا مضحكًا لجيهان حتى كادت ان تنفلت منها ضحكة الا انها تحكمت بها حينما سمعت نبرة الجدية تخرج من شفتي الصغير
– مسميش مز ده اولا.. واسمي هو يحيي
لمعت عينا جيهان باعجاب وهى تنظر تجاه فرح عنه، الا ان فرح هزت رأسها بيأس .. غمغمت جيهان بهدوء
– يحيي .. اسمك جميل ولايق عليك
غمغم الطفل بفظاظة شديدة، وهو يحكم حصاره حول فرح بجدية قائلاً وهو يزيح جيهان عن طريقه
– عارف .. كفاية كدا احنا اتأخرنا، جدو عايزنا
تلك المرة انفجرت جيهان ضاحكة وبريق المكر مختلط بالاعجاب مركزتات على هذا الصغير، اقتربت بهدوء تجاه فرح قائلة
– ده انت لمض بقي، ” اقتربت بهمس تجاه فرح” مين الخطير ده
اجابتها فرح ببساطة
– ابن غالية
انتظرت جيهان ان تسهب فرح بتحديد هوية المدعوة غالية، فرح بالتأكيد تمزح ان تذكرت أى اسماء شخصيات وهى فى الوقت الحالى للاستعداد لزيجتها .. ربما سمعت اسمها او تحدثت عن عدة مواقف
لكن تعرفها
حتمًا لا تعتقد!!
سألت بفضول
-ومين غالية؟
غمغمت فرح
– دي قصة هحكيهالك بعدين
زمجر الطفل وهويلاحظ تباطئهما فى السير ليشحذ همة فرح قائلاً
– يا فرح بسرعاا
هزت جيهان رأسها بيأس لتشعر بفرح تمسك كفها وهى تخبرها قائلة
– تعالي احكيلك على السريع
على الرغم ان ما تحدثت به فرح عنها لم يكن سوى القليل، لكن حتمًا لم يثيرها الأمر سوى الفضول
توقفتا عند تجمع شباب وامرأة بثيابها الانثوية تقف بالقرب من نسخة اخرى من المدعو بـ يحيي، اتسعت عينا جيهان جحوظًا لتهمس
– هى الدنيا صغيرة ولا انا متهيألي
التفتت تجاه فرح هامسة
– هى دي غالية
اومأت فرح بايجاب
– هى
اقتربت غالية بابتسامتها البسيطة لتقول بنبرة متسلية
– الطبعة الاولي خلصت يا هانم، تعالي صبرى الحشد ده علشان مدير الدار مش عارف يصبرهم
جحظت عينا الفتاتين تحت وقع الخبر، الا ان جيهان سريعًا ما افاقت من صدمتها بعكس فرح التى همست بنفى
– الطبعة الاولي!! … استحالة
ابتسمت غالية وهى تمسك ساعدها تحثها للدخول داخل الجمع، طالبة منهم الصبر والتريث.. الامر كان مفاجئًا للجميع.. خاصة مدير النشر الذى لم يكن يتوقع ان يأتى جمع غفير للدار بعد بيع جميع النسخ في الاسواق، برغم ان المدير قال انه احتفظ بعدة نسخ داخل الدار الا ان العدد لن يكفى المتطلبين .. وهذا الأمر لم يستوعبه الحاضرون، ربما صاحبة الكتاب هى من ستهدأ ثائرتهم!!
ابتسمت غالية بشئ من الفخر وهى تقول
– مش وقت ذهول دلوقتي، تعالي شوفي هتصبري معجبينك ازاي
نظرت فرح مليًا تجاه غالية وجيهان، التمعت عينيها وهي تجذبهن نحوها فى عناق سريع .. تشكرهن فى صمت لتربت غالية على ظهرها اما جيهان فاكتفت بالقاء دعابات سخيفة، ساعد على تعديل مزاجها قبل ان تتوجه تجاه متابعاتها العزيزات ،،
توقفت جيهان بالقرب من غالية، تعترف ان المرأة تغيرت بعض الشئ بعد الزواج، من يصدق انها ستقابلها هنا بعد تلك الاعوام وهنا!!!
هى ليست على معرفة وطيدة، او حتى جمعهما حديث بعيد عن العمل، لكن بالطبع هذا الوجه لن تنساه ابدًا
لقد كانت حديث الصحف لسنوات عديدة قبل ان تسلك مجال اخر بعيدًا عن عالم الاضواء، وايضًا زواجها الذى كان بمثابة صدمة للكثيرين .. لا تعلم عن الأمر الكثير الا انها لم تهتم حتمًا، خاصة ان نقوذ عائلة زوجها كانت تستطيع ان تبتر اى خبر عنها وعن زوجها، ليتوارى خلف الظلال!!
دفعها فضولها لتقترب منها قائلة بنبرة ساخرة
– الطبعة الاولي خلصت!! انتي مصدقة الكلام ده
ربتت غالية على ظهر صغيرها يوسف ملقية على اذنيه تعليمات له ولتوأمه، والطفل حسنًا مراعى للغاية لوالدته .. لم يرفض لها طلبًا او يصدر حتى تذمرًا ليتوجه تجاه مسلك فرح ليقف بالقرب من توأمه وجده وفرح، لترفع غالية رأسها بشموخ مثير لعينى جيهان لتسألها بهدوء
– وده تعجب ولا استنكار ؟!
هزت كتفيها بعدم المعرفة لتمد يدها قائلة معرفة عن نفسها بنبرة مغناجة
– جيجي السويسري
ابتسمت غالية بعملية هادئة وهى تصافحها قائلة
– ومين ميعرفش النجمة الدهبية، غالية ..
قاطعتها جيهان سريعًا عن حديثها قائلة بظفر
– عارفة وفاكراكي انتي مرات….
ارتفع صوت غالية مخرسة اياها قائلة بنبرة باردة
– كنت مراته
الكره والغضب الذى ارتسم على ملامح غالية جراء ذكرها لاسم زوجها السابق او طليقها .. لا تعلم ايهما اقرب.. خاصة ان الصحافة ما زالت لم تجد الحقيقة بعد!!
تهكمت جيهان ساخرة بفضول لتعلم ما سبب نفورها منه
– غريبة سمعت انكم انفصلتوا، او هو اللي قال
اتسعت ابتسامة غالية ببرود تام لتنظر تجاه فرح وهى تسألها بفتور
– عرفتي ازاي
حسنا الاجابة سهلة للغاية لمعرفتها لتلك المرأة وزوجها، ليست غبية لذلك الحد كي لا تعلم ان اطفالها يشبهون كنسخة كربونية من ملامح والدهم لتقول بأسف
– عياله نسخة منه، للاسف واخدين ملامحه جدا
هزت غالية رأسها واكتنفها الغموض لتنظر اليها بعمق تلك المرة، دكنة عينيها تحدق في ذلك اللهيب المشتعل فى عيني جيهان لتهمس
– مش ساهلة يا جيجي ابدا
اتسعت ابتسامة جيهان بخفر لتزيج تراب وهمي عن كتفيها قائلة
– اطلاقا
لتميل تلك المرة بشقاوة نحوها
– وانتى طبعا عارفة ان النسخ دي اشتراها شخص واحد
تلك المرة كانت ابتسامة غالية صادقة، الأمر لم يكن يحتاج لشخص ذكى ليعلم ان ما وراء ذلك الأمر سوى شخص واحد
تنهدت غالية قائلة
– عارفة
عقدت جيهان ساعديها على صدرها وكلتاهما ينظرن تجاه فرح
ابتسامة مطمئنة لاحت على شفتي جيهان وهى تعلم ان هذا هو مسار صديقتها الذى ضلت عنه لفترة
ربما لم يأتى زوج المستقبل .. لكن مستقبلها واعتمادها على ذاتها تستطيع ان تبني اساس ثابت لحياتها المستقبلية.. شتان بين بقايا امرأة التى قابلتها والمرأة التى أصبحت عليها الآن!!
سألت غالية باهتمام
– تفتكري بيعمل كدا ليه؟
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتى غالية لتجيبها بجفاء
– فاكر كدا انه هيقدر يرجعها لصفه.. او بيكسبها، بيستخدم نفوذه وسلطته عشان يرجعها بس للاسف ميعرفش انها مش هيفرق معاها
جادلتها تلك المرة جيهان قائلة
– متقوليش ليه انه عايز يساعدها
رفعت غالية احدى حاجبيها تهكما على تفكيرها الساذج للمرأة، غمغمت باحتقار تام
– مفيش مطلق راجل.. هيسيب الست اللى قررت تنهي العلاقة قبل ما هو يقرر بالساهل، صدقيني طول ما هو محسش بالملل عمره ما هيسيبها حتى لو وصل للسبعين سنة
لمعت عينا جيهان بخبث استطاعت خلال دقيقتين معرفة سبب النزاع بين الزوجين، او بمعني ادق من طلب الانفصال.. لكن السبب يظل مجهول .. مجهول حتى تنبش هى فى الأمر .. ومن يعلم ؟ ربما تكون غالية هى صديقتها القادمة !!!
سألتها بنبرة ماكرة
– ودي السياسة اللي بتعمليها مع طليقك!!
رغم ان غالية لم تكن تحتاج لتبرير أى أمر امام شخص غريب، لكن الغضب الوحشى الذى بداخلها بعد تعديه حدود السلام بينهما جعلها اشبه بقنبلة موقوتة توشك على الانفجار
واستفزاز جيهان كان أكثر شئ رحبت به للانفجار امام وجهها.. رقت ملامحها حالما سقطا على طفليها .. لولاهما لربما قتلته او حتى القته فى جب الظلمات .. لكن ما يمنعها ولديها.. غمغمت وهى تجز على اسنانها حانقة
– الفرق بيني وبينها اني مخلفة منه طفلين، ومضطرة بشكل غير مباشر يكون موجود فى حياة الاولاد، بس حياتى انا لأ
هزت جيهان رأسها وهى تستعجب حالة النفور والكره الصريحين امامها
ماذا فعل الرجل لتكرهه الى تلك الدرجة؟
الامر ليس مجرد زوجين فى سنة اولى من زواجهما، بل المرأة معها طفلين منه، كيف وصل بهما الأمر الى ذلك الوضع، غمغمت جيهان
– غريبة انك بتكرهيه للدرجة دي
رفعت غالية عينيها لتبتسم بوحشية وهى تصر على اسنانها هامسة
– انا مش بكرهه بس، انا مش بطيقه
تلك المرة لم تجد جيهان سوى صراحتها المعتادة لتنفجر فى وجهها بحدة
– مش بتطيقه، اومال خلفتي منه ازاي
بهت وجه غالية وسكنت حركاتها، حتى باتت اقرب لتمثال رخامى بارد.. استوجت جيهان خيفة وهى ترى عينيها اللتين كانتا مشتعلتين تحولت الى جوف كهف سحيق.. ظلمة عينيها بث الرجفة فى جسدها لتجدها غادرت دون كلمة آخرى
لوت جيهان شفتيها حانقة مغمغمة
– نسوان فارغة، عنيها فيه وتقول اخيه
جاءها صوت رجولى مقتحم لسبابها يغمغم بتسلية
– بتكلمي نفسك
التفتت جيهان برأسها دون ان تبتعد مقدار انش عنه، اتسعت ابتسامتها حالما رأته ينظر اليها بافتتان ككل مرة عينيه تسقط عليها
لن تنكر انه اصبح متلهف لدرجة مثيرة للأعجاب لتعجيل الزفاف
حجتها الوحيدة لسفر شادية وتجهيز المنزل قد بطلت .. ولم يعد حتى فستان زفافها مشكلة عويصة
بقدر كرهها للانتظار .. الا انها تقوم بذلك نكاية به
تستمع بغضبه وفقدان طور صوابه
هى لن تمر كل تلك السنوات التى تعذبت بها بمفردها، ستجعله فقط يتجرع فقط جرعات حيرتها ويأسها..
اكتفت من سؤاله كيف يعلم مكانها فى كل مرة تجده امامها، لتسأله ببساطة
– انت من هنا امتى
اقترب منها وهو يضم جسدها حول ذراعه لتكون اقرب له .. توردت وجنتيها وقد حشرت حشرًا بين اضلع جسده لتشعر به يطبع قبلة على مقدمة رأسها وهى تسمعه يغمغم بصوت اجش
– من بدري بس مرضتش اقاطع كلامك مع اللي كانت جمبك
استدارت له بكامل جسدها وهى تطبق ذراعيها حول عنقه، بقدر ما يثيره هذا الأمر لرجولته وتجعله يكاد يفقد رشده امامها الا انه يكاد ينفجر غاضبًا اذا قامت به امام الملأ.. مالت بعينيها ترى تلك الزرقة فى عينيه
امواج بحر صافية لم تصادف أى موج عاصف، همست تسأله بتفكير
– قولي بصراحة، انت كدا طول عمرك ولا الحالة دي لغاية لما نتجوز
غمزة ماكرة زينت شفتيه، وهو ينزع ذراعيها من حول عنقه بتهديد خفى يرسله من عينيه ليغمغم بصوت أجش
– مفيش غير طريق واحد عشان تعرفى
اتسعت ابتسامتها وهى تسأله مدعية عدم معرفة الأجابة
– واللى هو؟
اجابها بنفاذ صبر وهو يمسك عضدها بقوة غير غاشمة، لكن قوة تستشعر بها مدى يأسه
– نتجوز
همست اسمه بنبرة مغناجة
– وسيم
زمجر بوحشية جعلتها تنفجر ضاحكة وهو يغمغم بيأس
– ما بقولك الطريقة الوحيدة، عندك طريقة تانية غير دى
ما زالت ابتسامتها البلهاء مثبتة على شفتيها لتقترب منه بخبث تلعب باناملها فى فتحة قميصه باغواء تام، ضاربة الجميع والمجتمع بل ونظرات الجميع فى عرض الحائط
– عندى
لاحظت اختلاجة عضلة فكه، لتقترب منه اكثر هامسة
– نحط بابا قدام الامر الواقع
تتبع وسيم اناملها التى تعبث بفتحتى قميصه، واللعنة ان لم يبتر تلك الانامل يومًا ما .. حتمًا سيقتلها يومًا على ما تفعله، سيقتلها عشقًا .. سيودع بها جميع غضبه وكبته وهى لن تجد سوى الاستسلام بين ذراعيه.. امسك اناملها بقوة غاشمة جعلتها تفلت انين خافت ليزمجر تلك المرة بغضب
– بنت اتلمي احنا قدام الناس
نظرت نحوه بعبوس شديد لتلمع عيناها بتصميم قائلة بنفى
– ابدًا
بدأت حرب النظرات، والقاعدة بسيطة ليست معقدة، من يشح بنظره عن نظر الأخر فهو خاسر، وهو يعلمها انها سيدة تلك اللعبة لذلك قرر الانسحاب فى الوقت الحالى ليقول بيأس
– مفيش فايدة فيكى ابدًا
دفنت رأسها فى تجويف عنقه وهو يسحبها معه للمغادرة والجلوس فى مكان أكثر خصوصية لهما ليسمعها تهمس بتلاعب
-ابدًا
…………
واقفًا بطوله المهيب ومعالم وجهه السوداوية تمنع مجرد أى نوع انثى من الأقتراب، إلا بالطبع إذا لم يسمح لهن..
وحاجته لأنثى اللعنة تزداد ضراوة
هو لم يكن ناسكًا او قديسًا لكى يبتعد عن ملذات الدنيا بإختياره، بل أجبر كى يصبح صورة رجل أفضل أمام عيني شمس صغيرته
الطفلة تعانى بصمت بسبب حاجة أم لها طوال الوقت، هذا لا يعنى انها مهملة من الأم او أسرار او حتى شقيقته وزوجة أخيه
الجميع يلبون طلباتها المدللة بصدر رحب وخاصة اخيه، اللعنة اخيه يفسدها دلالا فوق دلالها وحينما يرفض طلبًا تسرع بالقفز فوق صدر اخيه متمرغة فى احضانه كقطيطة صغيرة ملقية عليها طلباتها، كما لو ان عمها وقاص جنى يحقق طلباتها اللانهائية فى دقائق معدودة..
حتى أن والدتها وبرغم الجدول الغريب الذى طالبت به بقوة لتمكث معها طفلتها، كان يستطيع ان يرفض كل ذلك، ما منعه شمس .. يرى بعينيها حاجتها لأم خاصة لها .. ام تستطيع ان تبث شكواها حينما تخجل من الاعتراف به امامه..
لكن اللعنة هو يحتاج الى ام لها متاحة على مدار الساعة، ليس مجرد عدة ايام وساعات النهار الكاملة التى تقضيها معه تاركة اياها بمفردها عند النوم ان كانت الايام الخاصة به..
يحتاج لامرأة كـ فـرح .. اللعنة عليها أيجب أن تصر على الطلاق لتلك الدرجة
ربما لو كانت معه لأنجب طفلين كالشقين الخاصين بغالية
و بالحديث عن غالية، وجدها متباعدة عن الجميع بقامتها الهيفاء وانوثتها المزدهرة بعد الحمل
يعترف انه لم يجرب مطلقًا ان يكون بصحبة امرأة سبق لها الانجاب… لكن كنوع جديد لم يجربه
غريزته تدفعه خلفها
لايقاعها فى شباكه.. ويتغذى عليها حد الانتشاء
ارتسمت ابتسامة ماكرة على شفتيه وهو يلاحظ شرودها الكلى عن الجميع.. الا ان يقظتها الانثوية نبئها بوجود مقتحم لخلوتها، رفعت رأسها لتنظر نحوه .. عبس وجهها وهى تهمس اسمه
-نضال!!
تقدم بخطوات مدروسة وبعناية تامة، عيناه لم تبتعد عن فرح ولا حتى عن ضحكاتها ولا حتى لابتساماتها الحقيقية وهى تلتقط صورًا مع بعض معجباتها الصغيرات..
لبرهة توقف
نسى سبب قدومه .. وترك عينيه تنقاد الى ما هو أبعد عن مخططات عقله
تحكم فى مقدار انفعالاته وهو يشعر بشاب لزج يقترب منها بدافع التصوير .. عيناه بسرعة ذهبت الى حارسه ليجده يتقدم نحوهما ساحبًا اللزج معه، ولم تكن الاخرى واعية لأن تتلقى عروضًا من الفتيات كل ثانية للتصوير.. ابتسم تلك المرة بمكر وهو يضع عينيه نحو غالية التى راقبته بشغف تام وابتسامة متسلية ليغمغم بتسلية
-غالية بدون العفاريت بتوعها يكونوا جمبها لأول مرة غريب!!
ابتسامتها كانت شبه حقيقية وهى تهز رأسها بيأس قائلة بصلابة
– ده شئ ميخصكش
اقترب نحوها لمسافة امنه يسطو عليها بطوله قائلاً ببرود واضعًا كفيه فى جيب بنطاله
– واضح ان ابوهم اخدهم عنده الفترة دى
اغمضت غالية جفنيها بيأس لتدخله السافر بحياتها، الامر ليس صعب كى تتعامل مع نضال، لقد استطاعت التعامل مع امثاله واكثرهم وضاعة ونذالة بكل سهولة
الا انه قدم فى وقت سئ .. الا يكفى معها تلك المجنونة المدعوة بجيجي .. ليأتي ذلك الأخر !!!
رفعت ذقنها بشموخ وجدت طريقه اعجابه بواسطة عينيه لتقول بحدة
-نضال! واضح انك بتدخل فى حياتي بطريقة انا مقبلهاش
غمز تلك المرة بمكر، جعلها تجحظ عيناها وهو يقول ببساطة
– عارف، ورغم كدا جزء منك متقبل انى حاشر نفسى فى حياتك
فغرت شفتيها لفترة، ووجدت انها لبرهة من الوقت لا تجد كلام يسعفها للخروج من حلقها… هتفت بيأس تام
– على فكرة انت مجنون رسمى
ابتسم نضال بمكر وعينيه لم تحيدان عن حارس طليقها، ما يثير تعجبه ان طليقها يخبرها صراحة انه يتتبع اثرها فى كل مكان أمام مرآى عينيها، لا يعلم بدافع الآمان
ام بدافع آخر؟!
ولو انه يرجح الدافع الآخر… اقترب منها هامسًا
– قوليلى جوزك السابق ردة فعله اي لما عرضت عليكى الجواز
اغمضت غالية جفنيها بيأس، لتضع اصبعي السبابة والابهام على مقدمة انفها محاولة تخفيف الصداع الذى يزداد ضراوة لتهمس بحنق
– ده انت مُصر بقى
صب نضال اهتمامه على الجاحدة التى لم تشعر بذبذبات وجوده، هل لتلك الدرجة تخطته؟
أم تتصنع التجاهل.. ام فى غمرة سعادتها نسته؟!
تجهم وجهه سريعًا وهو يأكل تفاصيلها بعينيه، لم تكن بتلك الحيوية والاشراق معه
تلك الضحكة المطولة التى اخرجتها من شفتيها جراء تعليق احدى الفتيات اللاتي التفتن حولها لم يسمعها مطلقًا وهي بجواره..
ترى أى فرح هو لم يعلمها؟!
انتبه على عينين كلجتين الليل تتفرس تعابير وجهه ليقول بغرور
-مش هتلاقى انسب منى
ثم عدد محاسن علاقتهما معًا قائلاً
– ده غير اننا مش محتاجين اطفال تانيين
تلك المرة انمحت اى علامة سخرية عن وجه غالية، لتلتف إليه بكليتها قائلة بجدية
– اعتقد كفاية هزارك التقيل لحد دلوقتى، صدقنى النتيجة مش هتعجبك نهائى… انا مش زي اللي متخيلها او اللى فاكرها
إلا أنه لم يكن معها، جوارحه وحواسه مع الأخرى، يقسم لو كانت على ذمته لمنعها من تلك الضحكات.. ألا ترى تلك المخبولة نظرات الرجال؟!
غمغم بسخرية وهو يرى نظرات غالية المتمعنة له ولها
– عشان كدا محتاج اعرفك عن قرب، مش معقولة فقدت سحرى على الستات للدرجة دى
تلك المرة انفرجت عن شفتيها ابتسامة جعل نضال يغمغم بجدية
– صدقيني انا لسه عند عرضى، اتجوزيني
ألقت غالية نظرة سريعة نحوه ونحو فرح، لولا انها تعلم انه يختبر اعصابها بل ويثير اعصاب الآخر لتوقعت انه يتحدث بجدية، غمغمت بحنق وهى تلك تحرك ساقيها مبتعدة عنه
– سخافتك زادت عن حدها
اعاقها بطول جسده وهو يحدق فى عينيها قائلا بتصميم
– انا بتكلم بجد .. انا وانتى مناسبين لبعض فى كل حاجة، اتجوزيني يا غالية
المجنون لا يمزح
انه يعرض عليها الزواج
شلتها الصدمة، وهي ترى الجديدة والعزيمة الملتمعة في حدقتيه الذهبيتين لتهز رأسها بنفي تام
– انت مجنون
ارتسمت ابتسامة جذابة على شفتيه، بعيدًا عن سخريته المعتادة.. مما زاد يقينها
الرجل يعرض عليها الزواج امام طليقته!!
– صدقيني الجنان الحقيقي هتشوفيه معايا

وما زاد الطين بلة هو ظهور فرح فى الصورة بينهما، بابتسامتها المشرقة لولا بعض التعجب الذي سكن حدقتيها من قربهما في الحديث، تمتمت فرح بتعجب وهي تحدق الى كلاهما خاصة وجه غالية الذى شحب وابتسامة نضال الظافرة
-نضال؟! انت بتعمل ايه هنا
ونضال كان يغمغم بتلكؤ تام ملقيًا قنبلته امامهما
-جيت للعروسة بأكد عرضى للجواز.. فاكرانى بهزر
انحسرت ابتسامة فرح لولا أن الريبة خالطتها وهي توجه انظارها تجاه غالية .. منتظرة منها رد فعل إلا أن الأخرى لم تجد رد تستطيع اخراجه من شفتيها!!
اللعنة على ذلك الرجل!!
من أين خرج هذا ليظهر فى حياتها؟!
********
نظرت شادية بتعجب الى هاتفها بعد ان انهت مكالمتها مع والدها، طالبًا اياها على وجه السرعة دون تأخير العودة الى المنزل…
نظرت شادية بحيرة وهى ترى العاملين ومساعدتها نجوى تشرف على قاعة الزفاف.. لتسارع بوضع كافة مسؤولياتها على عاتق نجوى قبل ان تتوجه نحو سيارتها منطلقة صوب منزلها فى أقرب وقت..
ترجلت من سيارتها لتجد جيهان ترجلت هى الاخرى من سيارتها.. توجهت شادية قائلة
-انتى بتعملى اي هنا؟
هزت جيهان رأسها بنفى تام قائلة
-بابا اتصل بيا قالى تعالى، فيه موضوع مهم مش محتاج تأجيل
ضيقت شادية عينيها قائلة بتشكك
– جيهااان مش عليا الحركات دى
غمغمت جيهان بصدق
– صدقيني معنديش أى خلفية، بس يا خبر بفلوس بعد شوية ببلاش
زفرت شادية بيأس تام، وهى تتقدم تجاه المنزل مغمغمة بوعيد
– لو فى مقلب سخيف بتعمليه يا جيهان، صدقيني هتندمي

لوت جيهان شفتيها ساخرة قائلة
– اعرفى الاول تدى تهديد يخليني اترعب، انا مش فاهمة انتى سيدة اعمال على ايه
صاحت شادية فى وجهها بحدة
– جيهاااااان
تنهدت جيهان بحنق تجاهعصبية شقيقتها المبالغة لتقول
– والله ما اعرف، بابا مجاش الشغل النهاردة ومش عارفة الشقي ده مخبي ايه، ليكون بيفكر يتجوز بعد العمر كل ده
اتسعت عينا شادية لتفكير شقيقتها المجنونة، لتسترسل شقيقتها بمكر
– تخيلي كدا انا وهو نتجوز وحضرتك يا هانم قررتي تبقي راهبة عن الجواز
طرقت شادية على باب غرفة والدها الذى سمح لها بالدخول.. دخلت الغرفة بقلب وجل وهى تهمس
– خير يا بابا، حضرتك طلبتنى
ابتسم معتصم و ابتسامته لم تعلم لما لم يكن وقعها جيدًا لها.. توجست خيفة من مفاجأته
ليقترب معتصم محتضنا اياها قائلاً بنبرة رخيمة
– مبروك يا حبيبتي ، هفرح بيكي مع جيهان
عقدت شادية حاجبيها بريبة، لتحدق نحو شقيقتها التى نظرت بعدم فهم واستفسار.. تابع معتصم قائلاً بنبرة لا نقاش بها
– جالك عريس موافق عليه

يتبع

لقراءةالفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية أترصد عشقك)

تعليق واحد

اترك رد

error: Content is protected !!