روايات

رواية أنا جوزك الفصل الثاني عشر 12 بقلم شيماء سعيد

رواية أنا جوزك الفصل الثاني عشر 12 بقلم شيماء سعيد

رواية أنا جوزك البارت الثاني عشر

رواية أنا جوزك الجزء الثاني عشر

أنا جوزك
أنا جوزك

رواية أنا جوزك الحلقة الثانية عشر

بأحد مشافي القاهرة كان يسير صالح بين الجمر حافي الأقدام، عينيه مسلطة على الغرفة الموضوعة بداخلها سمارة، كان يعلم من البداية أن أي علاقة حب له ستكون بنهاية مأساوية مثلما حدث مع زوجته الأولى…
حاول كثيراً أن يخرجها خارج دائرته الخاصة إلا أنها صممت على البقاء معه، ضرب الحائط بكفه مردفا :
_كل ده تأخير جوا.
أتى إليه حسن ليضع يده على ظهره بدعم صديق قائلا :
_ هتبقى بخير يا صالح متخافش..
أزاح صالح يد الآخر بعيدا عنه بجمود مردفا :
_ عارف إنها هتبقى كويسة.. نسبة السم كانت قليلة جداً اللي عمل كدة كان بيهدد بس…
تحدث حسن بقلق :
_ الموضوع طالما دخل البيت يبقى خطر كبير عليك يا صالح..
نظر إليه صالح بهدوء قائلا :
_ روح طلعلي كل الخدم للمخزن و مالكش دعوة بالباقي…
ذهب حسن لينفذ ما أمر به صالح الذي سمح لنفسه أخيراً بالانهيار، ضغط على كفه بقوة و أسنانه تحطم شفتيه يعود إلى ذاكرته مظهر سقوطها على الأرض، صغيفة، مريضة، خائفة، غير تلك القوة المعتاد عليها دائماً..
حتى هو مع سقوطها سقط كل شيء به حتى قلبه عاد للصريخ بعد سنوات من الكتمان، رفع رأسه للسماء بخجل كبير من نفسه هامسا بتردد خافض :
_ يا رب.
صمت بعدها بقلة حيلة أهو تذكر الآن فقط قول تلك الكلمة، حرك رأسه بنفس مرددا :
_ وجعي أنت اللي حاسس بيه أنا ماليش غيرك و مكسوف منك…
سمع صوت إمرأة يعرفه جيدا يصرخ بهلع من كلمة مرددة إسم زوجته :
_ سمارة أختي..
دار بوجهه للخلف ليراها، نعم هي النقية الصغيرة تركض و الدموع تلغي ملامحها و خلفها رجل يعرفه هو الآخر جيدا، شعيب الحداد النقطة البيضاء بوسط عبائته السوداء اقترب منه شعيب بلهفة قائلا :
_ أخبارها ايه؟!..
احتقن وجه صالح من الغضب، لا يريد أن يرى أخيه من الأم و ابن عمه الذي تحطمت حياته على يديه، أشار إليه بالتوقف عن السير صارخا :
_ أخرج من هنا على رجلك بدل ما تقعد في الأوضة اللي جانبها..
ابتسم شعيب بقلة حيلة قبل أن يصرخ هو الآخر بتعب :
_ أنت ليه مصمم تعيش دور الضحية و أنا الجاني، اللي عمله فيك أبويا أنا ماليش ذنب فيه و هو دلوقتي مات مش موجود، ليه مصر أكون بعيد عنك مع إني حتة منك..
الموقف لا يتحمل فتح أي باب بالماضي يكفي عليه النائمة بالداخل و لا يعلم عنها شيء، بحركة سريعة مسك شعيب من قميصه مردفا بعيون يفيض منها كل معاني العذاب :
_ إن عمك يتجوز أمك غصب بعد موت أبوك و يرميك أنت و أختك في الشارع من غير مليم أو مكان تعيش فيه، إنك تنجبر على الحرام عشان تاكل و تكمل تعليمك و تعليم أختك و غيرك عايش في عزك ده شعور اللي زيك ميعرفش عنه حاجة، أخرج من هنا و من حياتي كلها لا عايز أشوفك والا أشوف الست الوالدة…
معه كل الحق بكرهه للجميع و لكن إلى متى سيظل بهذا الشكل؟!.. ابتعد عنه و دار بوجهه لزوجته قائلا :
_يلا بينا نمشي يا صافية…
رفعت رأسها إليه بكبرياء و عينيها على غرفة شقيقتها :
_ اللي جوا دي سندي الوحيد مش همشي من غيرها، أما أنت تقدر تعيش من غيري مع الناس اللي بتحبهم…
لا لا ليس بعد ما حدث بينهما تفعل شيئا مثل هذا، اعترف لها بالحب و يعلم أنه أخطأ فيما قاله بعد ذلك، اقترب منها خطوة يضم كفها بين كفيه قائلا بهدوء :
_ ماشي هسيبك مع أختك بس مش معنى كدة إنك ممكن تعيشي لحظة واحدة بعيد عني، هرجع آخدك بالليل…
رحل دون أن ترد عليه ألقت بجسدها على أحد المقاعد باكية على ما وصلوا إليه، حياتهم البسيطة بين ليلة وضحاها أصبحت معلقة بحبل رفيع جداً تحت إسم أولاد الحداد..
نظرت لصالح برجاء قائلة :
_هي هتبقى كويسة صح؟!.. أصل أنا ماليش غيرها…
ابتسم إليها بتعب و عينه على الغرفة التي تخفي ملامح زوجته عنه ثم قال بشرود :
_ و لا أنا ليا غيرها، متخافيش هي بتعمل غسيل معدة بسيط…
أومأت إليه صافية ببعض الارتياح و ذكرى الليلة الماضية مع شعيب تعود إليها بقسوة أشد من قوة تحملها…
فلاش باااااااااك….
_ لو قولت آه أبقى بكذب عليك و لو قولت لأ أبقى بكذب على نفسي….
هل وضعت له السم بالعسل الآن أم هذا مجرد وهم منه؟!… ظلت تدور به بداخل دائرة و ها هي الآن تفر بعيدا بعدما وقع هو، انتفض من جوارها كمن لدغه عقرب، قامت هي الأخرى تغطي جسدها بشرشف الفراش و عينيها على رد فعله بنظرات متوترة، رد عليها بهدوء مريب :
_ أهو فضلتي تجري ورايا لحد ما حبيتك.. ليه لما أنتِ مش حاسة بأي مشاعر ليا؟!..
حركت رأسها بنفي قبل أن تجذب كفه تضعه علي صدرها موضع قلبها مرددة بارهاق نفسي :
_ أنا معرفش مشاعر الحب بتكون عاملة ازاي، عمري ما حسيت في حياتي بأي حاجة من اللي عشتها معاك، فضلت طول عمري أدور على الأمان في حضن أختي لحد ما وقعت في طريقك وقتها قدرت أنام في بيتك و أنا مرتاحة من غير خوف من بكرا، الشعور ده مستحيل أستغني عنه أو عنك يا شعيب، لما شوفتك مع غادة قلبي وجعني أنت حقي من زمان، تقدر تقول عليا استغلالية أو أنانية بس مش هسيبك، لو ده حب أبقى بحبك و لو لأ اختار له أي إسم بس هفضل جانبك..
صغيرة بالسن و التجارب أخذها هو فجأة لعالم أكبر منها بكثير، من البداية و هو يخشى فارق السن بينهما و ها هو عاد لنقطة البداية بعدها سقط معها للهاوية، المصيبة الأكبر أنه نسي أو أوهم نفسه نسيان أمر غادة…
نظر إليها ثم أردف بذهول :
_ غادة !! أنا إزاي نسيت غادة…
غصة مريرة أصابت حلقها و أجبرت نفسها على بلعها ثم أردفت بتردد :
_ أنت ندمت؟!..
جذبها بين أحضانه بلهفة محركا رأسه بنفي لعدة مرات مردفا :
_ لأ طبعاً يا حبيبتي لأ.. أنا مش صغير عشان أندم أنا فعلاً بحبك..
رفعت رأسها إليه مرددة بحيرة و خوف :
_أمال مالك..
أخذ نفس عميق لعدة مرات متتالية من رائحة عطرها المهلكة بالنسبة إليه قبل أن يقوم من مكانه يدور حول نفسه بالغرفة قائلا :
_ أنا و أنتِ هنفضل طول عمرنا متجوزين في السر يا صافية، أنا مقدرش أقول للناس تعالوا اتفرجوا عليا اتجوزت عيلة صغيرة عشان أساعدها احلوت في عيني و كملت جوازنا، هتبقى فضيحة كبيرة ليا خصوصاً قدام جمهوري اللي أنا بالنسبة ليهم قدوة، مهما كانت درجة حبي ليكي مقدرش أبقى زبالة بالشكل ده، الناس كلها هتقول عليا مجنون…
بالفعل هي فتاة صغيرة حمقاء ألقت بنفسها بداخل نيران لن تأكل غيرها دون أن تفكر، رمشت بعينيها عدة مرات قائلة :
_ طيب و غادة…
ابتلع لعابه قائلا :
_ أنا مش ظالم و غادة معملتش ليا أي حاجة وحشة عشان تكون نهايتها أتخلى عنها…
أومأت برأسها عدة مرات بجنون ما بين الصدمة و السخرية من غبائها، قبل أن ترد عليه دق هاتفه ليبتعد عنها مجيبا على المتصل تاركا إياها تعلن خسارتها بالمعركة الوحيدة التي صممت على خوضها،، عاد بعد لحظات مردفا بقلق :
_ صافية أنتِ كويسة؟!..
جداً هي حالتها الآن فوق الرائع بكثير، أردفت ببرود أخاف قلبه :
_ مين كان بيكلمك في وقت زي ده؟!..
أردف بهدوء و هو يرتدي ملابسه :
_ ألبسي هنروح مشوار مهم جداً دلوقتي و لما نرجع هنكمل كلامنا و لازم تعرفي إني بحبك..
انتهى الفلاش باااااااااك..
علمت بعد ذلك أنها أتت للمشفى حتى ترى شقيقتها، فاقت من هذه الدوامة على صوت الطبيب الذي يقول لصالح :
_ حمد لله على سلامة المدام يا دكتور، تقدر تدخل تشوفها…
ركضت لهما صافية سريعاً مردفة لصالح برجاء :
_ ممكن أدخل أشوفها أنا الأول أرجوك…
أومأ إليها صالح بهدوء أو ربما هروب لتذهب هي خلف الطبيب سريعاً لغرفة سمارة…
_____ شيماء سعيد ______
بغرفة سمارة…
فتحت ذراعيها لصافية التي ألقت نفسها بين أحضانها باكية، أخذت تربت بكفها على ظهر الأخرى التي تزيد شهقاتها شيئا فشيئا ، أخرجت سمارة تنهيدة حارة فهي إلى الآن لا تصدق أن كان بينها و بين الموت خطوة واحدة…
علمت أخيرا أن حياته بعيدة كل البعد عنها و أن تلك العلاقة عبارة عن جحيم لن تقدر على العيش بداخله على الإطلاق…
ابتعدت عن صافية مردفة بابتسامة مرهقة :
_ خلاص بقى يا بت بطلي عياط أنا زي القردة قصادك أهو…
حركت صافية رأسها بنفي عدة مرات قبل أن تقول ببرائتها المعتادة :
_ أنا مش بعيط عليكي يا حلوفة أنا بعيط على بختي المايل…
رغم تعبها إلا أن صافية قدرت على إخراج ضحكة قصيرة منها قبل أن تضربها على ظهرها مردفة بسخرية :
_ طول عمري عارفة أصلك و تربيتك الزبالة..
نظرت لها صافية بنفس السخرية مردفة :
_ ما أنا تربية ايدك يا حبيبتي..
أومأت لها سمارة بمعنى لديكي كل الحق..قطع تلك الوصلة التي تفوح منها المحبة الحقيقية دخول صالح بلا سابق إذن، رفعت سمارة رأسها إليه ثم طلبت من شقيقتها بابتسامة بسيطة :
_ سبيني شوية مع الدكتور يا صافية و بعدين هيبقى لينا كلام كتير مع بعض…
خرجت صافية من الغرفة لتبقى معه بمفردها، جلس على المقعد المجاور للفراش و عينيه تقول الكثير إلا أنه لم يسمح للسانه إلا بقول جملة بسيطة :
_ عرفتي شكل حياتي؟!..
أهي كلمة حمد لله على السلامة أو كلمة كيف حالك هل أنتِ بخير؟!.. لم تختار شيء بحياتها سوي هو و الآن تأكدت أنها صاحبة الاختيارات الخاطئة دائماً، حركت رأسها بخيبة أمل كبيرة به ثم أردفت بتعب نفسي :
_ شوفت…
لا يعرف ماذا يقول بموقفه هذا؟!… يود لو يقدر على ضمها بين أحضانه يبكي مثل الطفل الخائف على فراق والدته، شخصيته و حياته تمنعه من عيش هذا النعيم الذي تريده هي، ظل على كبريائه قائلا :
_ حالتك مش صعبة هتمشي النهاردة، على بيتك يا سمارة هناك هيكون أحسن ليكي…
ممنوع البكاء أمام رجل بهذا القلب المتحجر الأسود، هذا القلب الذي وقع بحب هذا اللعين من سنوات قادر على نسيانه، بللت شفتيها بطرف لسانها الجاف ثم قالت بهدوء :
_ تعرف أنا كنت مستعدة أحارب و أتحمل كل حاجة عشانك، بس عمري ما تخيلت في يوم إني ممكن أحاربك أنت…
صك على أسنانه بغضب من نفسه لأنه من أدخلها بحياته المهدومة من البداية، أتى سؤال مفاجئ بعقله ليقول :
_ أنتِ حكايتك إيه بالظبط؟!.. وقعتي في حبي إزاي و وافقتي شعيب في اللعبة اللي خسرتي فيها أنتِ و أختك ليه؟!…
ابتلعت غصة مريرة بحلقها ثم قالت :
_ هتفرق معاك في الإجابة؟!…
_ لأ بس حابب أعرف…
ابتسمت بسخرية قبل أن تقول بهدوء :
_ أول مرة شوفتك يوم ما جيت عند شعيب المكتب تتخانق معاه، من يومها قلبي دق ليك و لأني كنت صديقة مقربة من شعيب قولتله حقيقة مشاعري قالي كل حياتك و طلب مني اطلعك من كل حاجة وحشة، وقتها فكرت آخد حقي من عمي و في نفس الوقت أقرب منك.. كان نفسي أنجح بس للأسف فشلت و خسرت…
اكتفي بهذا القدر من الوجع ليزيل تلك الدمعة التي خانته لأول مرة و سقطت من عينه، أخذ نفس عميق قبل أن يقوم من على المقعد ليجلس بجوارها على الفراش، سحبها من خصرها ليضم شفتيها بين شفتيه ينعم بالقليل من الحب…
ابتعد عنها بعد مدة ليأخذ كلا منهما أنفاسه الهاربة منهما، ألصق رأسه برأسها ثم همس :
_ أحب أقولك إنك نجحتي يا سمارة و كمان بامتياز…
قام من مكانه معطيا لها ظهره و هو يسمع بحة صوتها الحزينة تقول :
_ يعني إيه؟!..
تنحنح بقوة ليعود من جديد صالح الحداد، تلك المشاعر لابد أن تموت بداخلها قبل أن تموت بداخله، تحدث بقوة يخفي أي أمل تشعر به للتكملة معه :
_ الحارس بتاعي هيوصلك لحد باب بيتك، شهر بالكتير و هتكون ورقة طلاقك عندك و معها تعويض كافي عن كل حاجة حصلت طول المدة اللي فاتت… مش عايز أشوف وشك مرة تانية حتى لو صدفة…

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أنا جوزك)

اترك رد

error: Content is protected !!