روايات

رواية حياة نور الفصل الثاني 2 بقلم سارة أسامة نيل

رواية حياة نور الفصل الثاني 2 بقلم سارة أسامة نيل

رواية حياة نور البارت الثاني

رواية حياة نور الجزء الثاني

حياة نور
حياة نور

رواية حياة نور الحلقة الثانية

استجمعت كلماتها، وشجاعتها لـتخبره بما في جوفها، من أجل مستقبل فلذات كبدها.
خرجت من هذه الغرفة المتهالكة والتي تشبه المُعتقل وتضيق بها ذارعًا، وجدته جالسًا على الأريكة الخشبية الواسعة رافعًا إحدى قدميه ومستندًا عليها بذراعه اليسرى، يكركر بأرجيلته ثم ينفس دخانها ليُكون سُحب رمادية سرعان ما تنتشر بهذا المنزل المتهالك مُحدثة رائحة كريهة..
فهذا الرجل المزارع المتهجم الوجه، والذي يناهز عمره الواحد والخمسون، لم يكن سوى زوجها “سامي”
أجلت صوتها وقالت بهدوء:-
– كنت عايزة أتكلم معاك في موضوع.
أجابها بتهجم وبُغض ومازال يتنفس من أرجيلته:-
– مش فضيلك يا وليه، حلي عن سمايا.
قلبت عينيها بضيق ونظرت له بإذدراء:-
– أنا اسمي نور مش وليه، وبعدين مش شيفاك مشغول، ولا شرب السم ده شغل.
نظر لها بـ لامبالاة، وقال بضيق:-
– قصري يا نور قولي إللي عندك خلصيني.
جلست بعيدة عنه، واسترسلت حديثها:-
– كنت عايزة أقدم لــ حمزة وحفصة في المدرسة السنادي، فحبيت أقولك إن هجهز ورقهم وأقدملهم.
بمجرد أن سمع كلمة “مدرسة”؛ ثار غضبه ووقف على أُهبت الأستعداد للإنقضاض عليها صارخًا بصوت مرتفع بهمجية وجهل قادح:-
– أنا معنديش عيال بتتعلم يا ولية، إنتِ إتهبلتي في عقلك ولا أيه، مدارس أيه إللي أدخلها لعيالي؛ أنا هعمل زي ما أبوكي عمل معاكِ وعلمك ولا أيه، وفي الأخر ما أنتِ مرزية في خدمة عيالك وشغل الغيطان..
ثم اقترب منها على حين غُره بهمجية ممسكًا بخصلاتها بعنف، قائلًا بجهل تام:-
– علام العيال ده تنسيه خالص؛ الواد من النهاردة هيروح معايا الأرض يتعلم الفلاحة زي باقي العيال، والبت تنزل في بيت شيخ البلد تتعلم الخدمة وتخدم هناك، أنا مش هدفع قرش واحد في الكلام الفاصي ده.
حاولت تخليض خصلاتها من بين براثينه، وهبطت دموعها بحسرة قائلةً برجاء:-
– حرام عليك دول عندهم ست سنين لسه، متدمرش حياتهم، وبعدين دول عيالي أنا كمان وليا الحق فيهم … ومش هسيبهم للجهل والتخلف ده أبدًا .
كلماتها أثارت غضبه أكثر وكانت النتيجة لذلك ضربًا مبرح بجميع أنحاء جسدها جعلها غير قادرة على الحراك
– أيه يا بت إنتِ هتكسري كلمتي، وتعلي صوتك عليا .. أنا أكسر رقبتك واقطع لسانك يا عديمة الرباية.
٠•☆☆☆☆☆•٠
خلف أحد الأبواب يقف طفل وطفلة من نفس العمر منكمشين على بعضهم البعض بخوف بعدما سمعوا ورأوا ما حدث لوالدتهم..
فزع الأطفال عندما فُتح الباب بعنف ورأوا والدهم مُقبل عليهم بشر، جذبهم بقوة من أذرعهم
وقال بقسوة:-
-تعالوا… هتفضلوا قاعدين كدا لغاية إمتى، أمكم مدلعاكم ومن هنا ورايح أنت هتنزل تفلح(تزرع) معايا يا واد أنت..
وأنتِ يا بت هتنزلي تخدمي..
انهارت نور ببكاء حاد وحاولت الوقوف لتلحق به لكن الألم فتك بجسدها الضعيف:-
-حرام عليك.. دول أطفال متعملش كدا، ميقدروش على إللي بتقول عليه ده.
بكى كلًا من “حمزه وحفصة” محاولين الفكاك من والدهم مستنجدين بوالدتهم التي لا تملك حول ولا وقوة، غارقة بكدماتها الزرقاء..
– ماما … مش تسبينا..
لم يُبالي هذا الرجل القاسي بصرخات أطفاله وصرخات تلك المُسجية أرضًا، وسحبهم للخارج حيث المجهول..
بينما هي فغرقت في بحر من الحزن والحسرة وبقت مكتوفة الأيدي، لكن لن تظل راقدة هكذا دون فائدة ستحاول، ظلت تتعكز على حالها لتنقذ أولادها من الجحيم المقبل عليهم لكن بائت محاولتها بالفشل ونال التعب منها..
٠•☆☆☆☆☆•٠
بـ عالم موازي أخر يختلف تمامًا عن هذا العالم ..
نعم فـ عالمان مختلفان يقبعان خلف حدود دولة واحدة..
بأحد البنايات الراقية وبداخل الطابق الخاص بـ مركز “النور لعلاج الأطفال”
كان يمارس مهنته كـ طبيب بتفاني وإخلاص، يبدو من الخارج كـ شاب في التاسعة والعشرون من عمره لكن من الداخل أشبه بعجوز كهل قضت علية الحياة فلم يبقى في قلبه سوى حُطام.
فقد أظلمت حياتي عندما رحلت “نور” عنها، بقت باهتة لا لون لها بعدما هشموا مشْكاتي المُضيء.
نقش تلك الكلمات على إحدى الأوراق التي أمامه ثم أراح رأسه على ظهر المقعد الخاص به، زفر الهواء المحمل بألآمه خارجًا ورغمًا عنه سقطت دمعة يتيمة تناعي حزنه..
خرجت الكلمات من فمه معبقة بالألم، متاوهًا بشجن:-
– آآآآآآه يا نور … وحشتيني يا حبيبتي .. قوليلي أعمل أيه في فراقك وبُعدك إللي بيقتلني ده.. ياريت تكوني سعيدة ومبسوطة، دي الحاجة الوحيدة إللي ممكن تهون عليا … بس قلبي بيقولي غير كدا..
انتبه لإضاءة هاتفة الملقى بإهمال على مكتبه الخشبي، أجلى صوته ليخرج طبيعيًا، ثم ضغط على زر الإجابة:-
– السلام عليكم، إزيك يا أمي، عامله أيه يا حبيبتي.
قالت باشتياق وتلهف وصل إليه من خلال نبرتها:- – علي حبيبي، أنا كويسة يا قلب أمك، أنت إللي عامل أيه.
قال بهدوء غير مثير للريبة:-
– أنا كويس يا أمي، أبويا عامل أيه، وفهد وفاديه عاملين أيه..
قالت والدته وتدعى انتصار:-
-كلنا بخير يا ابني بس أنت إللي مش كويس يا علي، ومش عايز تريح قلبي عليك..
تنهد بتعب قائلًا:-
– عايزاني أعمل أيه يا أمي.
قالت مسرعة عَله يستجيب تلك المرة:-
– مش هتنزل البلد يا علي، أنا قولت أسيبك براحتك ومضغطتش عليك، بس دا فات سبع سنين وأنت على نفس الحال، أنا عارفه إنك موجوع وحاسه بيك يا حبيبي بس لغاية إمتى..!
غامت أعيونه بسحابة من الحزن، وقال من أعماقه:-
– لغاية ما أموت يا أمي … عمري ما نازل البلد دي ابدًا..
كفاية قهرتي دي عايزاني أتقهر أكتر من كدا
وبعدين في شقتي هنا وإنتوا بتنزلوا مصر وبنقضي الوقت هنا سوا، يبقى كدا مليش حاجه في البلد دي.
البلد دي أخدت مني نور عيني بسبب الجهل إللي عمى عيون الناس.
انفطر قلب الأم لسمعلها من هذا الحديث المؤلم من فم ولدها وقالت:-
– طول ما أنت قاعد لواحدك كدا عمرك ما هتنسى أبدًا، تعال أقعد في وسطنا وشوية شوية الوجع هيروح وتنسى يا علي.
ونور خلاص شقت طريقها ربنا يسهلها وخلفت كمان يعني بقت لراجل غيـــ ….
قاطعها بعصبية جامه، وارتفع صوته بعض الشيء رغمًا عنه:-
– لو سمحتي يا أمي بلاش الكلام ده .. متحطيش الملح على جرحي، وأنا واثق إن نور ليا أنا، حتى لو اتجوزت فقلبها مش هيكون ألا ليا أنا…
أنا واثق من كدا يا أمي… أنا دعيت ربنا بها كتير وتنميتها أكتر منه سبحانه ومتأكد إن ربنا مش هيخذلني أبدًا وفي الأخر نور هتكون ليا وبس،
نور لـ علي …… وعلي لـ نور.
وهسيب كل حاجة لإرادة رب العالمين… أنا واثق إن دعائي ورجائي مش هيخيب أبدًا..
بصق كلماته واستأذن والدته بعدما ودعها وطلب منها أن تدعوا له دائمًا، وأغلق سريعًا محاولًا كبت غضبه، ليبتهل بلوعة:-
– يااارب أنا واثق إن إللي عندك خير، أكيد مألقتش حبها في قلبي علشان أتعذب بيه العمر كله…
أنا بعدت عن القريه كلها علشان مفضلش شايفها قدامي واتمناها وهي على ذمة راجل تاني علشان الحُرمانية والذنب بس مقدرتش ما أكمل في حبها..
حاولت كتير يارب… حاولت أمنع أبوها من أن يدمرنا.
حتى قولتله مستعد أضحى بأي حاجه..
حاولت بشتى الطرق إنها تكون من نصيبي بس القدر كان أقوي مني، وإللي مكتوب كان..
وضع رأسه بين يديه، ورجع بذاكرته إلى هذا اليوم الذي حل به الظلام ضيفًا غير مرغوب به..
_فلاش باك_
بعد هذا اليوم الذي وعدها بأن يُحَدَّث والدها كي يتقدم لخِطبتها أسفل شجرة التوت بجانب ساقية الماء..
وبالفعل صدق وعده، وعافر كثيرًا .. لكن صدمة قوية تلقوها في هذا اليوم، وأدركوا أن كل شيء قد انتهى.
بـ منزل صغير متواضع بأخد طُرقات تلك البلدة الريفية، كان “علي” بصحبة والده يجلسون أمام والد “نور”..
تحدث أولًا والد “علي” بعد الترحاب الذي لم يلقاه من قِبل هذا الرجل عديم الذوق:-
– يشرفني يا حاج مرزوق نطلب إيد بنتنا نور لابني علي على سنة الله ورسوله..
اتكأ مرزوق على وسائد الأريكة، ونظر لهم من أعلى لـ أسفل غالقًا إحدى عينيه، وتشدق بسخرية لاذعة:-
– ألاه … مش الضاكتور علي لسه في التعليم… عايز يتجوز بنتي وهتأكلها منين..؟ ليكون من العلام … ولا تتجوزها تشتغل هي وتصرف عليك.
تماسك علي ذاته، ونظر لوالدة نظرة تعني “أترك هذا الأمر لي” ثم قال متغاضيًا عن سخريته:-
– أنا هبيع حتة الأرض بتاعتي يا عمي، وهكون نفسي منها واشتري شقة في مصر، ونعيش أنا ونور فيها وبكدا تقدر تكمل تعليمها وتكون معايا في أمان وأنا متكلف بكل شيء يخصها ..
مصمصت عطيات شفتيها، ووضعت يدها بخصرها، قائلة بإيحاء:-
-وأنت مالك ملهوف عليها ليه كدا يا ننوس، والملاليم بتاعتك دي هتعمل أيه.
كبح علي غضبه، وأجبر نفسه على تحمل غلاظتهم وعجرفتهم الفارغة من أجل حبيبته نور وأردف:-
– لو سمحتي أنا بكلم عمي مرزوق راجل لـ راجل.
تفاجىء الجميع بها تقف وسط الغرفة وتلوح بيدها، صارخة بصوت مرتفع:-
-أيه لو سمحتي دي يا واد، ولا أنت مفكر نفسك علشان بجيت ضاكتور هتعملهم علينا، لا فوق مش على عطيات.
أنت فاكرني مش عارفه بإللي بتعمله أنت وإللي ملهاش حاكم دي تحت شجرة التوت عند الساقية.
ثم تابعت موجهة حديثها لزوجها مرزوق:-
– أيه يا مرزوق سايب حته عيل يبجح فيا وأنت قاعد حاطط إيدك في ميا ساقعه
شوف بنتك بتعمل أيه من ورانا جبتلنا العار منها لله.
انتفخت عروق مرزوق من الغضب وقام واقفًا صارخًا:-
– بتتسرمح أنت وعديمة الشرف من ورانا وجاي تعمل شريف علينا، وبتبجح فينا وسط دارنا.
قام محمود والد علي بعدما أفاق من صدمته على جهل هذا الرجل وزوجته وقال بهدوء:-
– عيب الكلام ده يا حاج مرزوق، إزاي كدا تطعن في شرف بنتك..
إحنا قولنا أيه لدا كله …. بنطلب بنتك على سنة الله ورسوله..
وإحنا هنخبي ليه العيال فعلًا عايزين بعض، وابني بيحب بنتك.
صرخ مرزوق غاضبًا:-
– حب أيه يا راجل أنت، أنت فعلًا راجل بجح، أنا معنديش بنات للجواز، ويلا أنت وهو ورونا عرض إكتافكم.
هدر قلب علي بخوف من خسارتها، وحاول تدارك الأمر:-
– الأمور متتاخدش كدا يا عمي، وأنا مستعد لكل طلباتكم، حتى لو هسيب الكلية ذات نفسها، هنتجوز ووو….
قاطعه مرزوق بغلظة:-
– إحنا طالبين تطلعوا برا بيتنا…
وبالنسبة لـ نور فأنا خلاص كتبت كتابها على سامي الفكهاني..
…….

يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية حياة نور)

اترك رد

error: Content is protected !!