روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل السادس و السبعون 76 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل السادس و السبعون 76 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت السادس و السبعون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء السادس و السبعون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة السادسة و السبعون

~.. أحبك…ولا أفهمك! ..~
حدقت فرحة بزايد بنظرات شرسة وللحظة شك أنها على أهبة الانقضاض عليهما، وغرز أسنانها بلحم ” ماهي” أبنة جارته القديمة صديقة والدته الراحلة، حيث اعتبرت ماهي أن من الغباء الاستهانة بمركز زايد بعدما أصبح من أهم رجال الاعمال، وتوددت إليله منذ سنوات بعدما تخرجت من الجامعة وأتت للعمل هنا، والذي دعمها لتصل لمكانة عالية هو أن أمه الراحلة كانت تحب تلك الفتاة منذ طفولتها، ولعبت ماهي على هذا الوتر الحساس مع زايد، وكان الآخر لا يحب أن يرفض لها أمرًا لمحبة والدته الراحلة لها ولعائلتها …
كان الأمر لا يتعدى معه سوى ذكرى والدته الراحلة، بينما الفتاة كان لها رأي آخر…!
لم تستطع فرحة لجم سوط غضبها فاندفعت قائلة:
_ لأ ثواني ؟! …
وقبل أن تختفي “ماهي” داخل مكتب زايد استدارت وهي ترفع حاجبها تعجبًا واستغرابًا حتى تابعت فرحة بغضب ظاهر:
_ ممكن أعرف مين دي يا زايد ؟! … لو مش عايز تقول فبراحتك مش هجبرك ! …. بس اعتبر أن ده آخر يوم تشوفني فيه ! ..
وكان قولها يفسر تهديدًا واضحا لا نقاش فيه، ولكنها لو تريثت قليلًا ما كان يتركها غاضبة هكذا وكان سيخبرها من تلقاء نفسه، فتنهد ببعض العصبية وقال :
_ لو صبرتي شوية كنت هقولك !، دي ماهي .. بنت جارتنا في بيتنا القديم وزي أختي ..
شهقت ماهي وفغرت فاها من رضوخ زايد في الاجابة بهذه البساطة !! ، وهي من ظنت أنه سيأمر تلك السكرتيرة بالرحيل فورًا !! ، خرجت من صدمتها وقالت بعدم تصديق:
_ هي أزاي تكلمك كده وأزاي ترد عليها بالبساطة دي ؟! …
وأشارت له بنظرة ضيقة شرسة وهي تشير له وكأنها انتبهت لشيء وقالت :
_ ثواني كده ! … هي كمان بتناديلك زايد كده عادي ؟! … واضح اني غيبت كتير !..
شعرت فرحة ببعض الثقة في صدمة ماهي وتركت زايد يعلن عن الامر بنفسه، وذلك حفظا أكثر لكرامتها ومكانتها … فرد زايد وهو يشعر أنه بين براثن كيد امرأتان متساويتان في الخطورة :
_ دي فرحة ، خطيبتي يا ماهي …

 

 

فغرت ماهي فاها بذهول حتى ظهر أصغر ضروسها بفكها الصغير، ثم اغلقت فمها بكراهية وحقد شديد لفرحة وقالت :
_ كده !! … الف مبروك ، كنت قولتلي ولا فاكرني مش هفرحلك ؟!
عقدت فرحة ذراعيها حولها وقالت بأمر :
_ أظن انا دلوقتي اللي اقدر أقولك بتكلمي خطيبي كده ليه ؟! … وبعد أذنك ورانا شغل …
اضيقت عينان زايد على فرحة بدهشة، لأول مرة تظهر غيرتها عليه بهذه الشراسة دون أن تحاول حجبها!! … وصرّت ماهي على أسنانها بغيظ شديد وكأنها على بُعد خطوة واحدة لفصل رأس فرحة عن جسدها من ضغط غيظها !.. لدرجة أن زايد بدأ يقلق لأن تحدث مشاجرة بينهما ! ..
ولكن اقتصرت ماهي موقفها على تلك النظرات المحتقرة لفرحة وغادرت المكتب ..
مطت فرحة شفتيها بسخرية وهي تتبع مغادرتها، حتى أشار لها زايد أن تتبعه لداخل مكتبه وبعينيه حدة تنتظر التفريغ ..
وبالمكتب ..
وقفت فرحة أمام مكتبه وظل جالساً ينظر لها بصمت تام، ولكن ما جعلها ترفع حاجبها دهشة هو عندما لف زايد كرسيه لجهة النافذة خلفه وأصبح ظهر المقعد قبالتها، وذلك أغضبها أكثر وأغاظها، بينما لم يستطع زايد أن يسألها ويتجنب تلك الابتسامة التي مصدرها قلبه الموله والمغرم بالأساس !..
وقال مبتسما بنظرة ماكرة وهو بعيد عن عينيها:
_ ممكن أعرف ليه اتعصبتي بالشكل ده ؟! .. كان ممكن تستني لما ماهي تمشي وتكلميني وتفهمي!.
تنفست فرحة بغيظ وقالت :
_ قول والله ؟! … يعني أشوف واحدة داخلة معاك المكتب بمنظرها ده والمفروض ابقى عادي ؟!
اتسعت ابتسامته بمرح ولكنه كتم صوته تماما، ثم قال بثبات :
_ برضه مش فاهم ايه الغريب ؟! … ده شغل ! .. ولا هي عشان حلوة؟
لم تدرك فرحة مدى قوة ضربتها على المكتب الا عندما المتها يدها وهتفت به بعصبية شديدة:
_ حلوة ؟! … هو ده ذوقك ؟! … أحمر وأخضر وأصفر ولو غسلت وشها هتبقى مُحيّ مش ماهي !..
كتم زايد صوت ضحكته وهنا لف مقعده وجهتها واغتاظت غيظا شديدا من تسليته باستفزازها !! … وعندما حاول التحكم ضحك أكثر !! … صرت فرحة على أسنانها بعصبية ووجهت نظراتها لجهة أخرى ثم قررت الخروج من المكتب فأوقفها قائلًا :
_ أستني …
وقفت وهي تزفر بضيق شديد عند الباب ، حتى تقدم لها وبدت حركة قدمه ثقيلة بتلك الجبيرة البيضاء، ووقف مستندا على عكازه وقال بابتسامة ونظرة تتلاعب مرح وتسلية وحب:
_ ذوقي أنتي عرفاه، وبصراحة مش هكدب عليكي بحب غيرتك عليا مهما كان الموقف هيسببلي احراج، زي الموقف ده !
تجنبت فرحة الكلمات الأولى من إجابته حتى لا تدخل في ثوان يملأها الخجل والحياء وتساءلت :
_ يسببلك احراج أزاي يعني ؟!
رد بصدق :
_ ماهي زي ما قولتلك بنت جارتنا في بيتنا القديم، تقريبًا اتربينا مع بعض وأمي كانت بتحبها جدًا، لما ماهي كبرت واتخرجت من الجامعة والدتها كلمتني عشان اساعدها تشتغل ومقدرتش أرفض، وبسبب توصيتي عليها على أنها زي أختي يعني بقا ليها مكانة في الشركة والحقيقة هي شاطرة في شغلها، وخدت شهر اجازة عشان والدها كان مريض وكان لازم تفضل جانبه … دي كل الحكاية.
رغم أنها تفهمت موقفه ولكن تصرف تلك الفتاة يدل على ارتباط أكثر من المفروض بينهما فقالت :
_ طريقتها معاك بتقول أنها …

 

 

ولم تتابع ، ولكن فهم مقصدها الذي يعرفه منذ فترة كبيرة فقال موضحاً:
_ هي زي أختي، وهي عارفة أني بعتبرها كده، لو في شيء من ناحيتها فده مش مسؤوليتي لأن علاقتي بيها شغل وبس ، يمكن بعض التصرفات كنت بعديها بس عشان خاطر والدتها مكنتش بعلق كتير ..
وأضاف بنظرة عاتبة :
_ ماحبتش تعاملك أنتي يا فرحة! .. كل موقف يزعلك بلاقيكي بتهدديني تمشي وده معناه خطير ! … معنى كده أن بعد الجواز هيكون أول رد فعل ليكي بعد كل موقف هو أنك هتطلبي الطلاق !! .. أو على الأقل هتمشي ! ..
شعرت فرحة بالخطأ بذلك التصرف المندفع، ولكنها حقا تصل لدرجة من الغضب تجعلها غير قادرة على التفكير اطلاقاً !!
فقالت بارتباك :
_ يمكن بتسرع ، بس فعلا بكون مضايقة جدًا ولو هتفتكر المواقف اللي فاتت هتلاقيها فعلا تضايق..
ابتسم زايد بمكر وقال :
_ بصراحة أنا خوفت على ماهي منك ! … حاسس لو مكنتش موجود كان ممكن تحصل مصيبة !..
بعدت عيناها عنه بعبوس وغيظ، فضحك على ردة فعلها وقال :
_ أول مرة أبقى صبور مع حد كده؟!، تقريبًا مافيش حد يجرؤ يرفع صوته عليا أو يكلمني زي ما بتكلميني ، وساعات كتير بستغرب من نفسي ! … بس برجع وأقول لنفسي ما هو ده الطبيعي لما حد يحب حد للدرجة دي ! …
تخضب وجه فرحة وخرجت من المكتب وهي تخفي ابتسامتها وقطعت حديثه بركضها من أمامه ! …
وترك زايد الباب مفتوح على مصراعيه وعاد لمقعده مبتسما بارتياح لأنها لم تفسد يومه بخصامها الطفولي كالعادة !!..
*********
مالت أشعة الشمس المتسللة من النافذة على جزء من وجه ” وجيه” الذي كان في سُباتٍ عميق ! … وظلت ليلى تتطلع به بابتسامتها المشرقة وهي ممددة على جانبها الأيسر وجهته، حتى شعرت برغبة قوية في أن تمرر أصابعها بين خصلات شعره الناعمة والتي زينها بعض الشعيرات البيضاء ! …
ثم اقتحمتها رغبة أخرى أن تزعج نومه بمرح، فتسللت أصابعها إلى وجنته وقرصته سريعا ثم اغمضت عينيها عندما تحرك منزعجاً … كتمت ليلى ضحكتها وفتحت عيناها ببطء عندما شعرت بثباته مرة أخرى وكررت قرصتها ولكن هذه المرة في ذقنه فتحركا جفناه بضيق للحظة … وفتحت ليلى عيناها وهي تضحك بصوتٍ مكتوم … وفكرت هذه المرة بحيلة أخرى !…
فاقتربت لأذنه ثم نفخت فيها وعادت متظاهرة بالنوم سريعا قبل أن يستيقظ ويكشف أمرها، ولكنه لم يتحرك ولو قليلا حتى هذه المرة !
فانخدعت ليلى وحاولت تكرارها، ولكن وجيه قبض عليها وسجنها بين ذراعيه وهو يكتم ضحكته وقال :
_تعالي بقا عشان أنا ساكتلك من الصبح !! ..
دافعت ليلى وهي تخفي ابتسامتها بقوة :
_ أنا معرفش حاجة ، مش أنا مش أنا !!
ولكن اعقبت ذلك الدفاع بضحكات متتالية افصحت عن فعلتها بمنتهى المرح! …. فهمس بابتسامة واسعة وهو يسألها :
_ بتسرحي فيا اليومين دول كتير ليه ؟! …
سيطرت على نوبة الضحك ونظرت له مليًا بأرق ابتسامتها وقالت :
_ بنت أو ولد عايزاهم يبقوا شبهك بالمللي ! … طول النهار صورتك في ايدي، ولما بتيجي بسيبها وابصلك ..
نظر لها وتظاهر بالعبوس فقال:
_ بس ؟! … مش عشان بوحشك يعني ؟! .. نستيني عشان الولاد من دلوقتي يا هانم ؟!
ضحكت ليلى للحظات ثم قالت بنظرات يطل منها الحب الشديد:
_ أنا نسيت حاجات كتير عن نفسي بس ما نسيتكش يا وجيه ! … ما اعتقدتش أن في حاجة ممكن تنسيني أني محتجالك كل لحظة في عمري ..
ابتسم وجيه بسعادة وضمها إلى صدره بقوة، ثم همس قائلا :
_ أنا عمري ما هسمحلك اصلا تنسيني.
ابتسمت بمنتهى السعادة واغمضت عيناها، ثم قالت وهي تفتحهما وتنظر له بتنبيه:
_ حاسة أنك اتأخرت على الشغل ؟! ..
ربت على رأسها الماكث على صدره بكل رقة واجاب:
_ هروح المستشفى بعد الظهر … مش دلوقتي .. .
اغمضت عيناها مرة أخرى بابتسامة واسعة وعادت للنوم تدريجيًا ….
**********
مضت سما بالحمام وقتً أكثر من اللازم … ولكنها كانت تحمر خجلًا كلما تقابلت أعينهما ولو بنظرات خاطفة !
فأرتدت روبها الحريري بعد الاستحمام وظلت تمشط شعرها أمام مرآة الحمام لفترة طويلة ….
جلس آسر أمام شاشة التلفاز وهو يأكل تفاحة ولكنه يبدو شاردا عن ما يقدمه التلفاز من أخبار صباحية لطقس اليوم !..
كانت الابتسامة تغزو محياه بين الحين والآخر حتى بدأ يضيق من تأخرها كل هذا الوقت !… فنهض متوجها اتجاه الحمام ودق دقات خفيفة متتالية قائلا :
_ سما ..؟! … أنتي كويسة !…
جف ريقها من الارتباك تقريبًا وهي بالداخل وتحاول جهدها أن تجيب دون أن يبدو صوتها مرتعشا ! … فعاد متسائلا :
_ لو ما فتحتيش في خلال دقيقة هكسر الباب ! …
توترت جدًا عند سماعها لهذا التهديد فابتلعت ريقها بصعوبة وقالت بتلعثم :
_ ثواني .. وهطلع ..

 

 

قطم قطمة أخرى من التفاحة بابتسامة خبيثة حتى راقبها وهي تفتح الباب ببطء ويبدو أنها تتفقد مكانه لتهرب لجهة أخرى !! …. ولكنه أختفى تمامًا عن ناظريها وتعجبت لذلك !!.. لأين ذهب يا ترى ؟! …
وبعدما خرجت سريعا متوجهة للغرفة قبل أن يعود كان ظهر آسر من خلف ستارة النافذة، وجذبها اليه بقوة حتى اصطدمت بصدره العريض !! …
ارتجفت بقوة بين ذراعيه كالهرة الصغيرة التي وقعت بجحر الأفاعي الضخمة!! …. رفع آسر وجهها اليه ونظر لعينيها بعاطفة شديدة جعلتها تتجمد للحظات …
ومرت عليهما لحظات شاعرية حتى اقتحم تلك اللحظات صوت دق على باب الجناح .. فابتعدت سما عنه وقد أصبح وجهها مثل الدماء من الحياء، ثم ركضت للغرفة الداخلية بالجناح وهي تقول بهلع :
_ اكيد دي أمي …
كتم آسر ضحكته وهو يتوجه للباب ويقول بسخرية:
_ يابت المجنونة !! …
وعندما فتح الباب ظهر وجه وداد المشرق بابتسامة واسعة وزراغيد زوجة العمدة بصينية فطار الصباحية …!
واستقبلهما آسر بترحيب وابتسامات حتى دخلت وداد أولا إلى أبنتها التي اشارت لها بتحذير قائلة :
_ والله لو كنتي نفذتي اللي في دماغك ما هتعرفي هعمل فيكي ايه !! …
اقتربت سما من أمها برجفة وخوف واضح، ثم أخبرتها بما حدث … فضحكت وداد على أبنتها بمرح وقالت بزرغودة:
_ وخايفة ليه يا هبلة ده جوزك!! …
ابتسمت سما ببطء وقالت :
_ يعني مافيش زعيق ولا تهزيق صح ؟! … مانفذتش اللي في دماغي أهو !! …
ضحكت وداد مرة أخرى بكل قوتها وقالت وهي تضمها :
_ اتاريه بيفتح الباب وهو ميت من الضحك !! … بس الحمد لله أنك عقلتي أخيرًا …
ابتعدت سما وقالت بجدية :
_ مش عارفة يمه، بس لسه خايفة منه وخايفة ليكون واخدني فترة ويسيبني …. صدقيني مش عارفة أفهمه ، كل ما اقول خلاص فهمته الاقيه بقى واحد تاني ! …
ربتت وداد على يد ابنتها بمحبة وحنان ثم قالت :
_ مش وقته الكلام ده يا سمكة، بس أنا مبسوطة أنك ماضيعتيش يومك وفرحتك في ظنون وأوهام وماحرمتيهوش من حقه، وحقك أنتي كمان تتهني مع اللي قلبك رايده يابنتي … سبيها على الله والجدع والله شكله شاريكي وفرحان بيكي على الآخر !! …
تنهدت سما وقالت :
_ عشان انتي لسه ما تعرفيهوش حكمتي عليه بالشكل ! … بس زي ما قولتي مش وقته الكلام ده دلوقتي …
وبعد قليل كانت زوجة العمدة تدخل الغرفة وترفع صوتها بالزراغيد العالية وجلست مع سما لدقائق، ثم غادرا المرأتان واغلق آسر الباب مرة أخرى وهو ينظر لسما بنظرة خبيثة متسلية بأرتباكها الشديد …
وعندما فرت للغرفة الداخلية ذهب وحملها للخارج حيث الطعام وقال بأمر وهو ينظر لعيناها بنظرات متلاعبة ماكرة :
_ هتفطري يعني هتفطري …
ونظرت له سما وكأنها تستكشف شخصية أخرى له !! … باتت لا تعرف ما هي حقيقته بالضبط !! …
واخرجها من شرودها يده التي ابعدت خصلات شعرها المنسدل ونظر لها هذه المرة بكل رقة ومحبة، نظرة استطاعت التأثير فيها والتغلل بمشاعرها التي تخفيها باضطراب عنه … فقال بابتسامة :
_ اكيد مستنياني افطرك بنفسي !… تمام أوي ..
وبالفعل بدأ في اطعامها كالطفلة الصغيرة … حتى اعترضت وقالت ليكف :
_ كفاية كده .. هاكل بنفسي ..
وتركها تأكل، وعينيه تراقبانها في كل التفاته ! … كأنه يحفر ملامحها بداخله وليس ينظر ! …

دلفت ماهي ساحة مكتب واسعة يتشاركان فيها اثنان من الموظفين معها، فقالت ندى زميلتها في المكتب عندما رأتها تدخل بذلك الغضب المرتسم على وجهها وكأن يتراقص أمامها الشياطين :
_ طب قولي السلام عليكم ؟ أي حاجة حتى !، مالك راجعة كده وكأنك راجعة غصب عنك!.
جلست ماهي على مكتبها وهي تزفر بغضب شديد، وما زاد حدة غضبها هي تلك النظرات الماكرة بعين زميلتها “ندى” وكأنها تشير لتلك السكرتيرة فرحة!.
فقالت ماهي بعصبية شديدة:
_ مش فايقة لكلامك البايخ يا ندى!، أنا مش طايقة اكلم مخلوق!.

 

 

لم تعبأ ندى بتوبيخ ماهي وما أثار فضولها هو معرفة أن كانت ماهي قابلت السكرتيرة الجديدة حديث الشركة بأكملها أم لا، فقالت :
_ الحق عليا أني بطمن عليكي !!، وأنا اللي كنت عايزة اسألك على السكرتيرة الجديدة بتاعت مستر زايد!.
التفتت ماهي لها بنظرة حادة وامتلأ صدرها بالغضب الشديد الذي حجبته بالكاد فقالت :
_ ومالها السكرتيرة الجديدة ؟!…
ابتسمت ندى ابتسامتها المتلاعبة وقالت :
_ أصل يعني بيقولوا أن مستر زايد مهتم بيها حبتين تلاته كده، ده في ناس بتقول كمان أنه هو أصلا اللي جابها هنا تشتغل مش هي اللي قدمت ورقها.
انتبهت ماهي لتلاعب الحديث وقالت وهي تبتسم بسخرية:
_ طب وإيه يعني ؟!، وعمومًا اللي ما تعرفيهوش أنها خطيبته كمان..
ضحكت ندى وقالت:
_ لأ أعرف بس خوفت أقولك، مستر زايد اعلن بنفسه من كام يوم وقريب هتكون الخطوبة رسمي، بس بصراحة قلقت أقولك.
تماسكت ماهي لكي لا تنهض وتدفع رأس ندى بالمكتب الخشبي وتظاهرت بالهدوء رغم الغليان الذي يحرقها:
_ قلقتي ليه يعني؟! … هو أنا كنت مراته وأنا معرفش؟! … زايد بعتبره أخويا ولما عرفت فرحتله جدًا … فوقي أنتي بس من أوهامك الهبلة دي !…
مطت ندى شفتيها بابتسامة مستفزة وعادت لعملها مع نظرات مختلسة كل بضع دقائق لماهي…
وفتحت ماهي حاسوبها بحركة عصبية من يدها وبدأت تباشر عملها وتنظر للملفات الالكترونية وكأنها نسيت كل ما تعلمته بالسنوات الفائتة!.
*******
وأتت ساعة الظهيرة … واستعد وجيه أن يذهب للعمل ..
وقف أمام المرآة يمشط شعره بعدما ارتدى ملابسه سوى معطف أسود أجلّ ارتداه، فأتت به ليلى وانتظرت لحظات حتى أرتداه وقالت له بعبوس:
_ هو لازم تروح النهاردة الشغل ؟! … مش دي صباحية ولاد أخواتك كلهم ؟!..
ابتسم وجيه ابتسامة واسعة وقال وهو يربت على خديها برقة:
_ دي صباحيتهم هما مش أنا ! … وبعدين بصراحة الفترة اللي فاتت كنت بغيب كتير وغيابي مابقاش مقبول أكتر من كده …
مطت ليلى شفتيها بغيظ وقالت:
_ قول بقا أني السبب ؟! …
وهنا ضحك بالفعل، ثم قال :
_ بس أحلى وأجمل سبب، ياريت كل الأسباب والظروف قمر كده.
ابتسمت ببطء واقتربت له، ولكن بهتت ابتسامتها وعلى العبوس مجددًا وهي تهمس له:
_ هتروح لجيهان النهاردة صح ؟، خلاص .. أنا عارفة انك بتزعل من السؤال ده ..
قالت ذلك عندما وجدته ينظر لها بصمت دون تعابير واضحة، وخرج عن صمته بعد لحظات ولكن بنبرة دافئة حنونة:
_ يا ليلى لازم تعرفي أن كل لحظة بتمر عليا لو بإيدي اختار هختار اكون جانبك لوحدك، بس زي ما لازم ما اظلمكيش ماينفعش أظلمها، مش حابب نتكلم في الموضوع ده أكتر من كده وأنتي عارفة اللي فيها .. مش لازم أشرحلك كل مرة!.
هزت ليلى رأسها بتفهم ونظرت له قائلة:
_ فاهمة ومقدرة وضعك، وهحاول ما افكرش في الموضوع ده تاني، لأني لما بفكر فيه بحس أني مخنوقة وبقعد أعيط!، بس بقولك إيه أنت حلو أوي النهاردة كده ليه؟!، چان أوي.
ضحك وجيه ملء فمه بعدما اتممت قولها بغمزة ثم قال:
_ بتغيري مزاجي في لحظة! … طب مهديلي أنا كنت خلاص ضبط مخي على النكد!!، وبعدين أنا حلو على طول مش النهاردة بس!.

 

 

وضعت يدها على صدره بابتسامة ماكرة وقالت:
_ هنتغر بقا!…
رد بابتسامة :
_ ده مش غرور دي ثقة!.
اقتربت له بنظرة يغمرها العاطفة فرحبت عيناه بقربها فهمست قائلة:
_ هقولك حاجة بس ما تضحكش عليا.
نظر لعيناها الذي غرق بهما عشقا ورد باختصار هامسا:
_ قولي.
ترددت ليلى بعض الشيء ثم قالت :
_ زمان كان نفسي ابعتلك جواب، اكيد مكنش ينفع وغلط بس كان نفسي بصراحة، هو أنا عارفة برضو أن في اختراع اسمه الموبايلات وكده بس مش بحبه .. الرسايل الورق دي حكاية تانية.
ابتسم لها برقة وقال:
_ أنتي عايزة تشغليني بيكي اكتر من كده إيه يا مجرمة؟!.
ضحكت لأنه فهم ما يدور برأسها وبعدها قالت بثقة وإصرار :
_ للأكتر اللي مالوش أكتر منه .. !
وطافت عليهما لحظات شاعرية رقيقة .. كاد وجيه فيها يقسم أن تلك المخلوقة تتجسد فيها كل سعادته بالحياة.
*******
وبالمساء …
رمق جاسر جميلة وهي نائمة على فراشهما بنظرة متمعنة دقيقة، نظرة يملأها شيء من الاحتياج للحبيبة قبل الزوجة!..
لم يعتقد أن جميلة تخبئ كل هذا الخوف بداخلها!، حيث أنه ما يقترب منها سوى خطوة ويشحب وجهها !! …
جلس بمقعد قرب الفراش وعاد شاردًا مرة أخرى، هو كطبيب نسا بالأساس يفهم ما تمر به ولذلك استطاع صبرا، ولكنه أخيرًا رجل !..
وأن تسرع في أخذ حقوقه يتوقع ما ستؤول عليه الأمور بعد ذلك، وما محتمل أن يحدث لحالتها النفسية!، وهذا ما تُعانيه تمامًا، رهاب الزواج !!…
فتحت جميلة عيناها بكسل وتشابكت نظراتهما للحظات، نظراته المتقدة ايقظت خمولها، نهض جاسر وأراد أن يتحدث معها جديًا هذه المرة يعرف منها السبب فقال بلطف:
_ ممكن نتكلم شوية ولا عايزة تنامي تاني ؟…
شعرت جميلة أن من السخافة أن تعود للنوم وتتركه يتخبط بأفكاره، اعتدلت قليلًا ثم أخذت كوب ماء من على الكومود وارتشفته على دفعتين … وبعدها تنفست بعمق وقالت له وهي تضع الكوب موضعه:
_ لأ سمعاك…
نظر لوجهها المتوجه بإحمرار إثر النوم واستطاع الثبات بالكاد، وتحلى ببعض الصبر وقال:
_ قوليلي خايفة من إيه ؟! … خايفة مني ؟ ..
جف ريق جميلة وسرت رجفة بجسدها، ثم قالت بتلعثم :
_ لأ مش خايفة منك ..
تنهد جاسر برضا وتابع :
_ طب تمام أوي، طالما مش خايفة مني يبقى أنتي خايفة من الجواز عمومًا … مش كده؟
اطرفت جميلة عيناها بحرج وحياء شديد وهزت رأسها ايجابًا دون كلمة … أخذ جاسر يدها بربته رقيقة ولكي يطمئنها أكثر انه متفهم خوفها قال بابتسامة:
_ أنا كده فهمتك يا جميلة، ومقدر أنك اتربيتي وكبرتي في بيئة محافظة، يمكن ده السبب.
لم تحب جميلة أن تُطيل الحديث بهذا الموضوع، ريثما أنها تشعر بالاختناق والدموع، لا تعرف تحديدا السبب ولكنها تخاف حد الرعب!…
وعاد قائلا بجدية ليعرف الاجابة الصادقة:
_ أنتي بتثقي فيا وعارفة أني بحبك صح ولا لأ ؟

 

 

نظرت له وقالت :
_ أيوة عارفة أنك بتحبني ..
لم ترضيه هذه الجرعة من الاجابة فقال :
_ بتثقي فيا ولا لأ ..؟!
تلعثمت جميلة في الإجابة بغصة مريرة عالقة بحلقها ، ولكي تكون صادقة قالت له بعتاب:
_ أنت عارف أني بحبك، وعارف أني عارفة أنك بتحبني، وواثقة في حبك ليا وعارفة أنك بتحبني بجد، بس أنت يا جاسر حطيت فكرة في دماغي مش عايزة تروح ! … كنت بتتباهى أنك بتاع بنات وأنك سيبتهم عشاني وفاكرني هفرح !! … بس خليت جوايا خوف أنك ممكن ترجع تاني للي كنت فيه !.. مش قادرة أقول أني مش واثقة فيك، وبرضه مش قادر أجاوبك واقولك أني واثقة فيك!.
تأملها مصدومًا بما تقول، ولم يدرك للحظة أنه من الممكن أن يسبب لها هذا التشتت النفسي !! … كان يمرر الحديث كمزحة ودعابة لا أكثر .. بينما الآن حصد النتائج !..
فقال بصدق:
_ أنا مش عايز أفتكر اللي فات لأني نسيته بالفعل، رغم أني عايزك تتأكدي أن علاقاتي مكنتش بتتعدى عن مكالمة وشوية كلام وخلاص، وبعترف أني برضه غلط مش صح ، بس كل ده فات وأنتهى وأنتي دلوقتي مراتي وماليش غيرك.
قصد أن يعترف الآن بأقل اخطائه، حينما شعر أن الثقة بينهما ليس مُقامة مثلما اعتقد!… بل بها بعض الميل ! ..
قالت بصدق وهي تتأمله بمحبة:
_ اوعى تفتكر للحظة أني مش بحبك ..!
أراد أن يبدل درامية الموقف للمزاح فقال مشاكسا:
_ يابنتي أنتي بتموتي فيا أنا متأكد وبكرة هفكرك باللي بتعمليه دلوقتي وهتضحكي على نفسك !…
ابتسمت ببطء فقال بابتسامة خبيثة:
_ ضحكتي من دلوقتي أنا قولت بكرة ليه مستعجلة ! ..
عبست مرة أخرى فضحك عاليًا ثم قال بعد لحظات:
_ بعد بكرة هنسافر لشهر العسل، أنا متأكد أنها هتبقى أحلى أيام …
وتمنت جميلة هذا بكل صدق، فلو يعرف أن خوفها هذا يؤلمها أكثر مما يؤلمه!… ما كان عاتبها بل رفق بها أشد الرفق.
********
كأن الطقس أيضا يشاركها الرأي والشعور ! …
كانت السماء مُلبدة بالغيوم مساء هذا اليوم رغم دفء الطقس نهارا بعض الشيء بآواخر أيام فصل الشتاء …
شعرت ليلى بالاختناق فخرجت للحديقة تستنشق بعض الهواء، وتعرف أن هذا المساء سيكن قمرها بعيدًا عن سماءها..
وابتلعت غصة بحلقها شديدة المرارة، ثم سارت بين الأشجار وبقبضتها زهرة حمراء تستنشق عبيرها كل حين ..
وشعرت ليلى بالاشتياق له ولرؤيته بدرجة مؤلمة، بدرجة جعلت عينيها تلتمع من ثقل هذا الهم، وشردت تمامًا وهي تسير بعشوائية بالحديقة وعلى كتفيها شال أسود رقيق يبعث فيها بعض الدفء.
وظهر وجيه بالممر الطويل المؤدي للمنزل الكبير ولكنه لمح خيال يتحرك بين الأشجار فتوقف مصوبًا عيناه إليه بنظرة ثاقبة، ولكنه ابتسم عندما وجد ليلى تسير وتواليه ظهرها ويبدو أنها لم تنتبه لصوت سيارته! …
فتسلل إليها مبتسما كي لا تشعر به، ووقفت ليلى مستندة على جسد شجرة وفجأة وجدته أمامها مقتربا جدًا ، ابتسم ببعض الدهشة فقال لها هامسا :
_ كنتي مستنياني مش كده ..؟
أجابت وعينيه تعانق عيناه :
_ وحشتني ..
وعندما وجدته ينظر لها غير قادرا على تركها والذهاب الى زوجته الأخرى قالت:
_ بابا بيسلم عليك .. النهاردة روحتله بيت جدي وفجأة لقيته بيقولي فين وجيه !… مانسكش ! ..
ظل وجيه ناظرا لها بصمت تام وهو يعرف أنها على وشك أن تبك، فهمس وهو يقترب لعيناها :
_ ما تفتكريش أني مش حاسس بيكي يا ليلى ! .. مش عايز أشوفك كاتمة الدموع كده ومش عارفة تتكلمي !… أنا ..
وقاطعته قائلة ودموعها متساقطة:
_ روحلها يا وجيه، هي ليها حق فيك زي ما ليا بالضبط.

 

 

همس بدفء ويديه تلفها بحماية:
_ مش همشي غير لما تبطلي عياط.
لفت يدها حول عنقه وضمته بكل قوتها واجهشت بالبكاء رغما عنها ، بكاء فقط دون كلمة واحدة!…. وتركها تبك وتفعل ما تشاء …. ثم قالت بعدما استطاعت السيطرة قليلا:
_ مش هكدب عليك ، لما بتروحلها ببقى كده، بس كمان مقدرش أمنعك عنها ولا أحرمها من حقها فيك، روحلها..
تنهد وجيه بضيق يملأ صدره وقال بصدق:
_ حتى لو روحت يا ليلى مش هبقى معاها كلي! … أنا مش بلاقي نفسي وروحي غيرك معاكي أنتي بس … ولسه بتعيطي ؟!..
مسحت دموعها وهي تبتسم، وكأن تلك الكلمات حرقت هذا الهم الثقيل على قلبها، رغم تكرارها، وقولها كثيرًا … ولكنها لن تمل من سماعها.
وشاهدت جيهان ذلك المشهد العاطفي من نافذة غرفتها بغليان، وهي من اعتقدت أنها أصبحت لا تبالي !! … وأصبح هذا الوضع يقذفها في مهب الريح مرة باردة ثلجية المشاعر لا تبالي ولو تركها سنوات، ومرة تغلي غيظا وغضبا وتريد امتلأء المكيال مثلما تأخذه ليلى تمامًا …. أن كان منصفا لها بكامل معاملته ووقته فأن قلبه مع ليلى فقط !.. وهذا أكثر ما تحتاجه.
وحينما دلف وجيه ممسكا بيد ليلى ويتشاركون الأحاديث الهامسة والابتسامات والنظرات التي تحارب بعضها بالشوق والحب.
وقفت جيهان عند أولى درجة السلم من الأسفل عاقدة ذراعيها حولها في ثبات وغضب ينتظر الانفجار.
ووقفت ليلى عندما رأتها هكذا وللحقيقة التمست لها العذر، وعندما وجد وجيه جيهان هكذا نظر لليلى وقال بثبات :
_ اطلعي أنتي أوضتك يا ليلى …
وفعلت ليلى ما قاله وتوجهت للصعود، ولكن جيهان قالت بحدة أوقفتها:
_ وتطلع ليه ما تكمل معاها السهرة ؟ …. مش النهاردة برضه يومي ولا أنا ناسية ؟! .. ولو كنت أنا اللي عملت كده واستنيتك واترميت عليك شوية كانت الدنيا هتقوم على دماغي من ست ليلى وكنت هكون أنا اللي غلطانة برضو ! …
اغضب ليلى كلمة ” اترميت” وشعرت بأهانة شديدة فقالت بعصبية:
_ إيه اترميت دي ؟! .. أنا مش بترمي على حد وجيه جوزي لو ناسية !!.. ومش هسمحلك تكلميني كده تاني!…
التفتت جيهان بنظرة نارية لليلى وقالت:
_ خلاص أوك، ما تبقيش تعيطي بقا ولا تعترضي !.. أنتي اللي أخترتي!..
وهنا تدخل وجيه بعصبية وهو ينظر لجيهان وقال :
_ اطلعي يا ليلى أوضتك دلوقتي.
واستدارت ليلى مدهوشة من هتافه بها وقالت :
_ يعني اتهان وقدامك !! …
أغمض وجيه عيناه بنفاد صبر وقال :
_ حقك عليا أنا ، لو سمحتي بقا أطلعي أوضتك …
نظرت له ليلى بنظرة ضيقة وتقريبًا ركضت وهي تصعد ……وعندما اختفت توجه وجيه لجيهان وقال بعصبية :
_ مش هحاسبك هنا واعلي صوتي زي ما بتعملي …
وجذبها من يدها للأعلى بعصبية حتى غرفتهما، ويبدو أن جيهان أرضاها حدته مع ليلى وابتسمت أيضاً، وعندما أوقفها أمامه قال بغضب :
_ أنا بقا اللي مش هسمحلك تكلميها كده تاني، ليلى مهما كانت زعلانة من شيء مش بتعمل زيك وزعلنا بيكون بينا من غير ما حد يحس، أنما أنتي معندكيش أي مانع تخلي شكلي وحش قدام عيلتي بتصرفاتك ولا بيهمك!! …
عادت لتلك الشرسة بعدما ظنت أنها تخلصت منها وقالت:
_ ليه تستناك وتترمي في حضنك كده وهي عارفة أن النهاردة مش يومها ؟! …. لو كنت انا اللي عملت كده …

 

 

قاطعها بعصبية :
_ لو كنت انتي اللي عملتي كده كانت ليلى هتكون زعلانة أكتر منك كمان بس الفرق مكنتش هتتصرف زيك وتستنى لما نكون لوحدنا !! … أنتي نازلة من أوضتك وعارفة أن ممكن يكون حد موجود ويسمعك … وبعدين فيها ايه لو استنتي وحضنتها هي مش مراتي ؟! … أتي لو استنيتي بس دقيقتين كنتي هتلاقيني جايلك ، مكنتش هروحلها واسيبك في يومك !..
بكت جيهان بحزن وعصبية وقالت:
_ أنا عارفة أنك زي ما بتروحلها بتجيلي، وزي ما بتجيبلها هدايا بتجيبلي معاها، وزي ما بتضحك في وشها بتضحك في وشي، بس مش بتحبني زي ما بتحبها !… مش بتبقى ملهوف عليا زي ما ملهوف عليها وود ودك لو تروحلها دلوقتي، الحاجات دي مش بتطلب يا وجيه وماينفعش اطلبها منك..!
وكأنها تعاقبه وتلومه أنه يرى بعين أكثر من الاخرى !…. قلبه ليس له سلطان عليه ولا لأحد أمر على قلبه … فقال بعد تنهيدة ثقيلة :
_ أرجوكي يا جيهان كفاية بقا، كفاية تحملي نفسك وتحمليني أكتر من طاقتي وطاقتك، طالما شيفاني بحاول أرضيكي بكل الطرق يبقى كان لازم تقدري … وللمرة الأخيرة هفكرك أني ما أجبرتكيش على الوضع ده …
تسمرت مكانها، رغم أنه قال لها ذلك من قبل، ولكن الآن اهتزت لتصريحه ولا تعرف لمَ، ربما لأنها بالأيام الفائته كانت قريبة لقرار الانفصال … بينما الآن هي تعاتبه بشراسة وتعود لنسختها القديمة !!..
جلست على الفراش بضعف وقالت :
_ ممكن تسيبني لوحدي النهاردة يا وجيه ؟ … عايزة أبقى لوحدي …
اقترب لها وشعر بالضيق لحالتها هذه وقال بتصميم :
_ لأ مش هسيبك لوحدك يا جيهان … هفضل جانبك ..
رفعت رأسها لتنظر لعيناه، ورغم رقة نظراته إلا أنها تعرف أن ليس من بينها رفة حب !! ….
***********
وبغرفة الصغيرة …
استيقظت ريميه وجلست بفراشها وعلى ملامحها نقش العبوس !! … فقالت المربية لها:
_ طالما صحيتي هوديكي لماما، هي جت ومرضيتش تقلقك لما لقيتك نايمة …
أشتد عبوس الصغيرة ثم قالت:
_ كنافتي فين مابقاش يسأل عليا !! …
ابتسمت المرأة العجوز ولم تعرف بماذا تجيبها، فقالت:
_ هيسأل عليكي بعد شوية ما تزعليش …
سألت الصغيرة : وحميدة فين ؟
المربية: مع يوسف ..
ريميه: طب وهما الاتنين فين ؟
المربية وهي تضحك : في الدور اللي فوق ..
ريميه بضيق: اطلبيلي ايسو صاحبتي في التليفون دلوقتي …
المربية: حاضر ..

 

 

وأجرت بالفعل اتصال على رقم منزل أيسل أبنة الدكتور محمود، وأجابت عليها والدتها وأخبرتها المربية الأمر، فضحك الأم وقالت:
_ حاضر يا دادة هوصلك التليفون لإيسو … ثواني خليكي معايا …
وبعد قليل تحدثت ريميه مع صديقتها أيسل وقالت الأخيرة:
_ مين اللي مزعلك قوليلي وهعضه..؟
ريميه بضيق: شوفتي يا ايسو ريمو زعلانة أزاي ؟! … كنافتي مش بيسال عليا !… بابا وجيه في الشغل وماما دايمًا ساكته وأنا لوحدي في الدنيا دي ..
ايسل بعصبية:
_ أنا معاكي وهخلي بابا يجبني دلوقتي وإلا مش هروح المدرسة بكرة وهفضل اصرخ …
ابتسمت ريميه وقالت بفرحة:
_ هتيجي بجد ؟! .. هلم الدباديب وهستناكي …
وهنا انتهى الاتصال وذهبت أيسل لأمها التي توجست من تلك الصغيرة وما تخطط له دائمًا وقالت الأم بيأس:
_ شكلك عايزة تقوليلي حاجة يا ماسنجر!… أصدميني بسرعة.
قالت أيسل بثقة:
_ عايزة أبات مع ريمو النهاردة .. ريمو بتعيط وهي بتكلمني
أنتي عارفة ده معناه إيه ؟..
تساءلت الأم باهتمام:
_ معناه إيه؟
قالت أيسل بحدة:
_ معناه أني مش صاحبة جدعة، مش انتي بتقولي لطنط سوزان صاحبتك كده ؟!…كده ولا مش كده ؟!…
كتمت الأم ضحكتها وقالت:
_ أنتي مش بنتي ! … حماتي سافرت وسابتلي نسختها قرد صغير عايش معايا !!… عمومًا لما بابا يوصل هقوله ولو وافق هخليكي تروحي …
قالت أيسل وكأنها اخذت موافقة والدها:
_ هيوافق ، لما يوصل قوليله أيسل عوزاك … قوليله أيسل مش إيسو …
قالت أمها بتعجب:
_ وتفرق يعني ؟! ..
أجابت أيسل :
_ عشان يعرف أني مابهزرش…
وتركت أيسل امها فاغرة فاها ….وبعد ساعة تقريبًا كان قد عاد والدها للمنزل وأخبرته زوجته بالأمر فقال رافضا :
_ أنتي عارفة أني رافض الموضوع ده ولا لأ ؟!
هتفت أيسل من بعيد :
_ بابا حبيبي حبيبي حبيبي ..
قال محمود لزوجته:
_ أنتي عارفة أني قايل محدش يرفض طلب لإيسو ولا لأ ؟!
رفعت الام حاجبها له بغيظ فهمس لها قائلا:
_ هتفضل تعيط وتصرخ ومش هتفصل، النهاردة بس مسموح تبات مع ريميه … بس دي آخر مرة ..
وضم دكتور محمود أبنته حتى اخبرته أحدى الخادمات باتصال ينتظره ….فذهب للهاتف وأجاب :
_ الو ؟

 

 

وجيه :
_ أسف يا محمود أني بكلمك في وقت زي ده بس بستأذنك أن أيسل تبات مع ريميه النهاردة، البنت بتعيط ومصممة أيسل تبات معاها …
ضحك محمود وقال :
_ آه ماهي اتعلمت من العفريته بتاعتي، ورغم أني برفض تبات عند أي حد بس أنا واثق فيكم … هوصلها بنفسي حالا.
وعندما انتهى الاتصال نظر وجيه للصغيرة ريميه التي مسحت وجهها من الدموع وقالت بابتسامة منتصرة:
_ آه كده مبسوطة.. أنت حلو.
تحكم وجيه في ضحكته وقال :
_ تمام ، مش عايزك غير مبسوطة، وعايز ماما كمان مبسوطة.
ونظر لليلى التي التفتت بنظرها بعيدة عنه ورغم وسع غرفة الصغيرة ولكن شعرت وكأنه ملأها بهيبته … وقالت:
_ معلش أزعجناك … سامحنا.
نهض من مكانه وهو ينظر لها بابتسامة خبيثة ونظرة متسلية:
_ مقدرش اتأخر عن ريمو مهما كنت مشغول..!
صرّت ليلى على أسنانها بعنف ورمته بنظرة قاتلة ثم خرجت من الغرفة وهي تتمتم بكلمات لم يسمعها، فضحك وجيه بصدق ثم ربت على رأس الصغيرة التي تبتسم بسعادة لمجيء صديقتها وتركها مع المربية …
ووجدها تسير بالممر غاضبة وتتمتم وتمسح عيناها بعصبية ذاهبة لغرفتها بنفس الطابق الذي خصص لليلى وأبنتها فقط، فتوجه خلفها ليسبقها وبعد دقيقة جذبها اليه وتقابلت نظراتهما في صمت فهمس مبتسما:
_ إيه اللي مزعلك بس ؟! ..
حاولت التخلص من قبضة يديه ولكنها فشلت فشل ذريع! … وظهر له دموعها وغضبها منه فقالت:
_ عايز مني إيه سيبني !! ..
هز رأسه رافضا بابتسامة تتسع، واستفزها ذلك قالت له بعصبية رغم أن لم يعلو صوتها:
_ مش عايزة اتكلم معاك وبالذات دلوقتي، سيبني بقا …
قال وجيه بشيء من الجدية:
_ مش هينفع نتكلم دلوقتي يا ليلى، أنا عارف أنك زعلانة من اللي عملته جيهان وقالته بس عاتبتها وخلاصنا …
اغتاظ أكثر واستطاعت الابتعاد عنه والتوجه نحو غرفتها مباشرة واغلاق بابها جيدًا حتى لا يدخل … نظر وجيه للغرفة متنهدا بقوة وعاد لغرفة جيهان …
********
وعندما دلفت أيسل مع والدها لمنزل وجيه الذي استقبله بترحيب شديد، وأخذت المربية أيسل لغرفة ريميه …
وبالغرفة وقفت أيسل هاتفة وقالت :
_ جاتلك اللي هتزعل اللي زعلك ! …
صاحت ريميه بابتسانة وهي تفتح ذراعيها لاستقبال أيسل:
_ إيســـــــو ..
وهتف الفتاتان بسعادة عندما تعانقا ترحيبا … ثم جلست أيسل بجانب ريميه وقالت ريميه بحماس:
_ هنلعب بالدباديب ولا بالقطر الأول ؟!
أجابت أيسل بقوة:
_ هنلعب بالقطر دلوقتي، واعض اللي زعلك بكرة، ماشي ؟
هزت ريميه رأسها بموافقة وقالت :
_ ماشي ..
********

 

 

وأتى الصباح مشمس بعض الشيء …
واليوم صادف مجيء زايد قبل فرحة وذلك لاستعداده الكامل لاجتماع اليوم ومناقشة آخر تصاميم المشروع الذي ستعرض عليه اليوم …. لذلك توجه لخزنته وفتحها ليخرج منها الغلاف الورقي الذي يحمل ملفات وأوراق كثيرة تخص المشروع …
ولكنه صدم بفقدان أحدى أهم التصميمات !! … نظر زايد بذهول للغلاف الورقي وبحث جيدًا ولكنه تأكد من عدم وجود التصميم !! …. ظل شاردا بجمود للحظات وسأل نفسه من يستطيع فتح الخزنة غيره ؟! … في حين أن لم يتم سرقة المكتب وإلا كان ظهر ذلك منذ وقت ! … وكانت الإجابة أن أثنان فقط من يعرفون الرقم السري … والده … وفرحة !!!!! …
جلس على مقعده ببطء ونظره أمامه تائها في تفكيره وهز رأسه رافضا رفض تام لذلك الاحتمال وقال:
_ لا مستحيل فرحة تعمل كده !! … في حد قدر يوصل للخزنة وأنا مش موجود … التصميم اللي اتسرق ده لازم يتغير وبسرعة، والأهم لازم أعرف مين اللي عمل كده …
وصمت لدقائق ثم زم شفتيه بنظرة انتقام وقال:
_ هيثم !! … اكيد هو مافيش غيره! … أنا كنت عارف أنه مش هيسكت بالسهولة دي، بس لو كان فاكر أنه هيقدر يغلبني يبقى غبي … هو لسه ما يعرفنيش كويس ..
ثم أخذ الهاتف وأجرى اتصال على أحد مصممي المشروع وقال له مباشرة :
_ اجتماع النهاردة مش في الشركة، هرتب مكان نتقابل فيه المهندسين وابلغكم، بس اللي بقهولهولك ده مافيش مخلوق يعرفه ..
رد الرجل بتعجب :
_ ليه حصل حاجة ؟!..
قال زايد بعصبية :
_ في تصميم اتسرق، أكبر تصميم اللي قعدنا فيه شهور … هنفذ واحد غيره بس مختلف ، عايز شغل أعلى من اللي فات …
تنهد الرجل بضيق وقال ليهدأ من عصبية زايد :
_ خسارة تعبنا فيه والله، بس بأذن الله نشتغل عليه تاني ونحاول ننجزه بأسرع وقت … أحنا كده كده كان المفروض النهاردة نسلمه نهائي … هنتجمع انا وزمايلي ونخلصه …
قال زايد ببعض الرضا :
_ هأخر تنفيذه شوية، أنا مش عايزة حاجة أقل من التصميم اللي اتسرق … لو مكنش أفضل مش هنفذه … وطبعا مكفأتكم هتبقى أضعاف أضعاف … ومافيش مخلوق يعرف حاجة عن اللي بقولهولك … وسيبلي الباقي …
ووافق المصمم على ما قاله زايد، ولأن زايد كان دائمًا متماسك عند تلك الأزمات المفاجئة استطاع أن لا يترك لغضبه أن يشتته ويلقي بمجهود أشهر كثيرة تحت الأقدام ! …
ثم اغلق الهاتف بنظرات حادة … ثم قال :
_ مش هسيبلك الفرصة يااللي سرقته تهزمني، سواء كنت هيثم ولا غيره … أنا محدش يسرقني وأقف ساكت ، هردها وقريب …

يتبع…

اترك رد

error: Content is protected !!