روايات

رواية مراد وجهاد الفصل الثاني 2 بقلم جهاد عبدالعال

رواية مراد وجهاد الفصل الثاني 2 بقلم جهاد عبدالعال

رواية مراد وجهاد البارت الثاني

رواية مراد وجهاد الجزء الثاني

مراد وجهاد
مراد وجهاد

رواية مراد وجهاد الحلقة الثانية

_فينك يا مُراد؟
بصيت للفون وأنا ببعده عن ودني بخضة بسبب صوت الزعيق، رجعته تاني ورديت بتوتر.
-أنا في البيت.
_تعالى المكتبة حالًا، أنا منتظرك.
-في حاجة حصلت؟
_تعالى وأنت تعرف، بسرعة.
-حاضر.
قفلت بتوتر من نبرة صوته، أول مرة يكلمني بالطريقة دي، لبست بسرعة ونزلت وأنا بحاول أجمع أفكاري وأشوف نفسي عملت إيه غلط.
_رجعتي بدري النهاردا يعني، دا أنتِ ملحقتيش تروحي.
قالها وهو بيفتحلي الباب بعد ما نسيت مفتاحي وأضطريت أخبط، أبتسمت بتوتر وأنا بقفل الباب ورايا.
_عادي جبت الرواية اللي عايزاها وجيت، هو حضرتك محتاج حاجة؟
_لا دي زينب بنت عمك حسن جارنا كانت بتسأل عليكِ، قلتلها أنك في المكتبة بس هي هتيجي تاني أخر اليوم.
أتكلمت بتوتر وأنا بقرب منه بعد ما قعد ومسك فونه.
_هي عايزه إيه؟
_معرفش، هي مش صحبتك برضو؟
_لا، لا مش صحبتي.
بصلي بتعجب من ردي السريع، فحاولت أتدارك الأمر.
_يعني أقصد أنها أصغر مني ومكانش في بينا كلام.
_أنتِ اللي مش بتدي للناس فرصة تتكلم معاكِ، البنت شكلها لطيف حاولي تصاحبيها بدل قعدتك لوحدك كدا.
_بس أنا بحب أقعد لوحدي، مش عايزة يكون عندي صحاب.
_هتفضلي عايشة كدا، لحد ما تموتي كدا، يابنتي أخرجي من العالم اللي حابسة نفسك فيه دا، مش فاهم فرحانة بحالك دا؟
صوت زعيقه رجفني رجعت خطوة لورا والرواية وقعت من أيدي، عيوني أتملت بالدموع وأنا بضم أيديا لبعض، بحس بالأمان وأنا بحضن كفوف أيدي، أتكلمت بصوت واطي.
_أنا كويسة كدا، مش عايزة حد في حياتي، أنا مشتكيتش ليك من وحدتي.
_وأنا هستناكِ تشكي، عمومًا أنتِ حرة بس حابب أعرفك إني هكلم مُراد وأبلغه أنكِ موافقة وهحدد معاه معاد.
_بس أنا لسه مقررتش.
قلتها بلهفة وأنا مش مصدقة أنه هياخد القرار دا من غير موافقتي، رد بهدوء وهو بيمسك تلفونه تاني.
_أنا مش شايف فيه أي عيوب، ولد محترم دكتور وأهله سمعتهم طيبة، وفوق كل دا عايزكِ وشريكِ، أتقدم قبل كدا وأنا رفضت من غير ما أعرفكِ، كنت فاكر أنكِ مش جاهزة، بس بعد أصراره وتمسكه شايفه هينفعكِ.
_أنا مش عايزة أمشي.
قلتها بنبرة رجاء وتوسل، كنت بتمنى يطمني، يضمني يقولي أن كل حاجة هتكون بخير، كنت عايزة أضيف إني دا بيتنا وأنا بخاف برا حيطانه، بس مقدرتش، زي كل مرة بقول نص الكلام ومبقدرش أكمل، رد بهدوء وهو مش منتبه لرجفت أيدي اللي بحاول اسيطر عليها.
_دي سُنة الحياة، هيجي يوم وتمشي أكيد.
_عن أذنك.
خدت روايتي من الأرض ودخلت أوضتي بسرعة، قفلت الباب ووقفت وراه أخدي نفسي، قربت من سريري بخطوات بطيئة ونمت عليه وأنا ببص للسقف بشرود، أنا مش عايزة أموت لوحدي، أنا مش عايزة أموت بعيد عن حيطان أوضتي، ضميت نفسي وسمحت للنوم يحتل جفوني.
-في إيه يا جدو قلقتني عليك، أنت كويس؟
_أنت أتقدمت لجهاد؟
خضني بسؤاله، كان بيبصلي بترقب ونظرة غضب، بصيت لبعيد وأنا برد بهدوء.
-حضرتك عرفت منين؟
_جهاد حكتلي.
بصيت عليه بسرعة وأنا بسأله بلهفة.
-هي جات أمتى؟
_كانت هنا من ساعة.
-طيب ورأيها إيه، تفتكر هتوافق؟
سألته بخوف، عارف أنها أكيد قالتله هي مش بتخبي عليه حاجة، أتكلم بضيق وهو بيقوم من مكانه وبيتحرك في المكتبة.
_عايز إيه من جهاد يا مُراد؟
-أنا بحبها، وأنت أكتر واحد عارف كدا.
_بتحبها ولا صعبانة عليك!
-أنا بحبها، والله أكتر من تلات سنين بتابعها أكيد بحبها مش شفقة.
_أنت عارف لو هي عرفت حقيقتك موقفها هيكون إيه؟
-معرفش، بس أكيد هشرحلها وهتسامحني.
_قلتلك قبل كدا بلاش جهاد أنت حفيدي بس هي أغلى عندي من أي واحد في أحفادي كلهم.
-أنت ليه مش مصدق أني بجد عايزها.
_قلتلها أنك تعرفها؟
-لا.
_يبقى بتكدب عليها، وأنا معنديش استعداد قلبها يتجرح بسبب حفيدي.
-يا جدو أفهمني.
_مش عايز كلام كتير، كدا كدا هي مش هتوافق، وأكيد بباها هيكلمك ويبلغك بكدا.
بلعت ريقي وأنا ببص عليه بحسرة وضيق، رديت بصوت مهزوز.
-هي قالتلك أنها مش موافقة؟
_أيوة، أنت خبيت عليا ورحت من ورايا تتقدملها.
-أنا كنت عارف أنك هترفض.
_لأنك بتخدعها.
-فين الخداع، أنا دخلت بيتها وأتقدملتها رسمي.
_خداعك أنك طول السنين دي كنت بتسمعها، وأنت عارف جهاد وعارف مشاكلها النفسية، شفتها على حقيقتها اللي هي بتخبيها عن الكل، تفتكر لما تعرف كل دا هتوافق عليك؟
-وترفض ليه؟ أنا برغم كل اللي أعرفه عنها عايزها، مُصر عليها وأخترتها بأرادتي.
بصلي بضيق وهو بيحط كتاب في الرف بتاعه وبيتحرك بعيد عني.
_ولما تعرف شغلك؟
معرفتش أرد، سؤال ملهوش أجابة عندي، ولا عندي استعداد اسمعه منها، رد هو مكاني.
_حتى لو أنا صدقت أنك فعلًا بتحبها، هي هتصدق أزاي أن دكتور نفسي سمع كل حكاويها وتعبها بيحبها؟ تفتكر مش هتفكر أنك بتعاملها على أنها حالة عندك وبتحاول تعالجها.
عنده حق في البداية كانت حالة فعلًا، مجرد بنت جدي طلب مني المساعدة في حالتها، كنت بقف ورا الرفوف وأسمعها وهي بتحكي مع جدي وتعيط، لولا أن جدي فقد الأمل أنها تتحسن بمجرد الكلام مكانش لجألي بعد سنة من تعرفه عليها، أول مرة شفتها حسيت برجفة قلبي، كانت هادية وجميلة، بس زي كل حاجة جميلة لأزم الدنيا تشوها، حاولت كتير أقنع جدي أني أظهر وأتعرف عليها وأحاول أعالجها بشكل مباشر، بس كان بيرفض، كان خايف تمشي ومترجعش تاني، من يوم وفاة جدتي وعمري ما شفته مبسوط غير لما يشوفها أو سيرتها تيجي قصاده، كان بيعتبرها بنته برغم أنها أصغر من أصغر واحد في أحفاده، وزي ما هو أتعلق بيها أنا كمان أتعلقت، أنا كمان حبيت، يمكن غلط ولو عرفت مش هتسامح لكن دا اللي حصل ومستحيل أسيبها في الدنيا لوحدها، قطع أفكاري صوت جدي وهو بيتنهد وبيتكلم بلين.
_أقعد وأحكيلي حصل إيه في الرؤية بالظبط، وليه مقلتلهاش أنك حفيدي!
قعدت قصاده وبدأت أحكيله تفاصيل الرؤية، كنت شايف ملامحه اللي بتتحول لصدمة، خلصت فأتكلم بدهشة.
_دا أسلوب؟ كل دا وعايزها توافق أومال لو عايزها ترفض هتكلمها أزاي؟
-معرفش، أنا أول مرة أتكلم معاها كنت متوتر وخايف، بس أول ما بدأت تتكلم حسيت إني حابب أنكشها وأعصبها، كان شكلها حلو وهي بترد عليا بقوة، كنت مبسوط بيها وبردها، كأنها شخص تاني معندوش فوبيا من البشر.
_وخبيت عليها أنك حفيدي ليه؟
-مخبيتش والله، بس كنت منتظر رأيها كنت هاجي وأقلك أن بباها وافق وأنك تيجي معايا، أنا كنت عايز الموافقة الأول وبعدها تشوفك هتطمن أكتر.
_لأزم تعرف كل حاجة قبل ما تلبس دبلتك.
-هحكيلها أكيد، بس توافق.
_ربنا يسهل.
شرد وأنا أحترمت شروده وسكت، أو مكانش عندي كلام أقوله، دي مش شفقة أنا عمري ما حسيت بالشعور اللي جوايا دا أتجاه أي مريض، أنا عايزها، عايز أشوفها بتضحك وبخير، وأحس أن قلبي مطمن.
_بس هو المفروض يسمعني، يفهم دا أنا بنته مليش غيره.
كان مر يومين من عدم خروجي، بلغ فيهم العريس إني موافقة وأتفقوا على معاد أخر الأسبوع، أخر ما حسيت أن الكلام جوايا بدأ يخنقني، خرجت وجيت على المكتبة، علشان دا المكان الوحيد اللي بلاقي حد يسمعني فيه، رد عليا بهدوء زي عادته.
_مش أنا بسمعك، هو أنا مش كفاية؟
بصيتله بدموع بتلمع في عيوني وأنا حاسة قلبي محروق، أتكلمت بصوت مهزوز.
_من أول يوم دخلت فيه المكتبة من أربع سنين وأنت بتسمعني، يمكن لو أنت مش موجود كنت موت من الكتمان، أنا بس كنت عايزاه يحضني مجرد حضن مجرد أيدين هيحاوطني بيهم، هو كان كتير عليا!
_ممكن تبطلي عياط وتحكيلي حصل إيه لكل دا؟
_عايرني بوحدتي، عايرني بحاجة هو سببها، زعق فيا وقال إني هعيش وأموت وحدي، كأن مش هو سبب كل دا، كنت عايزة أقوله أموت وحدي ولا أعيش معاك بس مقدرتش كلامي عمره ما هيكون قاسي زي كلامه، مقدرش أحس أن قلبه أتجرح بسببي، وهو دايمّا جارح قلبي.
عيطت وصوت عياطي بدأ يعلى، كنت حاسة بالناس في المكتبة بتتفرج عليا، وهو قاعد قصادي مش عارف يساعدني، قام بسرعة وبدأ يمشي الناس، فضيت المكتبة ورجع وقف قصادي وبدأ يتكلم ويحاول يهديني.
_خدي نفس بهدوء، يلا براحة أنا معاكِ أهو، حاولي تتنفسي براحة.
وفي وسط محاولاته إني أهدى دخل شخص كان أخر واحد أتمنى يشوفني كدا، ملامحه كانت كلها خوف وقلق، أتكلم بنبرة مخضوضة وهو بيقرب أتجاهي.
-هي مالها، بتعيط ليه كدا؟
_أنت بتعمل إيه هنا؟
سألته وأنا بمسح دموعي بسرعة، كنت ببص عليه بحرج أنه شافني كدا، مردش على سؤالي ورد بسؤال تاني.
-أنتِ كويسة؟
_هي كويسة أنت جاي ليه يا مُراد!
أتخضيت ووقفت بسرعة وأنا ببعد عيوني عن مُراد وبسأله برجاء ونبرة خوف.
_أنت تعرف مُراد منين، وهو يعرف إني باجي هنا أزاي؟
_مُراد حفيدي يا جهاد.
_إيه!
كنت شايف صدمتها، وحاسس بقلبي كأنه هيخرج من مكانه، خايف من رد فعلها، وخايف على جدي لو قررت تكرهه، عمره ما هيسامحني ولا هيسامح نفسه، هي لو خافت منه حالتها هتنتكس، هو الشخص الوحيد في الدنيا اللي بتطمنله، أتكلمت وأنا بحاول أبعد نظرتها عن جدي، نظرة هو مش هيستحملها.
-هو مكانش يعرف إني أتقدمتلك.
تجاهلت كلامي وقربت خطوة من جدي وأتكلمت بصوت خايف مهزوز.
_هو ميعرفش حاجة صح؟
_أهدي وخلينا نتكلم.
_أنا كنت بحكيلك وأنا مطمنة، كنت بعتبرك الملجأ الوحيد ليا، أنت كمان زيهم خدعتني.
-جهاد جدي بيحبك ومكانش يعرف نيتي ولا إني هظهر في حياتك.
_مُراد، أخرج وسيبني مع جهاد شوية.
قالها جدي وهو بيبصلي بهدوء، قبل ما أرد كانت هي أتكلمت بأنفعال.
_مش عايزة أتكلم، أنا مش عايزة حد منكم يساعدني، بابا قالي أن مُراد اللي متقدملي دكتور نفسي، عارف كنت لسه هحكيلك وأقولك أنه أكيد هيلاحظ أضطراباتي، وأني أزاي هعيش مع واحد كل دقيقة ممكن يكتشف فيها إني مريضة، ويعايرني بجنوني، بس طلع عارف، عارف بسببك ياترا جاي يعالجني، حالة عنده صح حضرتك اللي طلبت منه مش كدا؟
_يابنتي أسمعيني.
_أنا مش بنتك، ولا بنته ولا عايزة حد يقرب مني، خليكم بعيد مش بأذي حد ليه مُصرين تأذوني!
كانت بتعيط، كنت عارف أن قلبها هيتجرح، جرح بسيط لكنه مش بيتدأوى، ملهوش علاج، أتكلمت بسرعة وأنا بحاول أصلح ولو جزء من غلطي.
-مش زي ما أنتِ فاكره، أنتِ مش حالة ولا مريضة عندي، أنا أتقدمت من وراه هو مكانش يعرف ومكانش هيوافق، أنا بس عايز أكون جنبك وأساعدك.
_أبعد عني.
مسحت دموعها بأيد بتترعش، كنت حاسس أنها لأزم تاخد حقنة مهدأ، بس مش قادر أعمل كدا، بصت على جدي نظرة حسرة وأتكلمت بألم.
_مش هعرف أسامحك، لأنك حرمتني من كونك الشخص الوحيد في الدنيا اللي بلجأله وبيسمعني، مش هعرف أسامحك أنك حرمتني منك.
خرجت تجري وجدو واقف يبص على أثرها بحزن شديد، حزن قطع قلبي وحسسني بالذنب، كلامها أثره شديد على قلبه، كنت عايز أخرج وراها كنت خايف عليها، بس خوفي على جدو منعني، خوفت تحصله حاجة ففضلت جنبه، قعد مكانه بشرود، متكلمش حرف واحد، مر وقت طويل وهو بيفكر وأنا من كتر حرجي مش قادر أتكلم، قطع شرودنا صوته وهو بيسألني بكل جدية.
_أنت بتحبها بجد يا ولد؟
-إيه!
لف ليا ونظرته كانت كلها حسم وشدة، بلعت ريقي وأنا بحاول أهدى وكأني مراهق مش دكتور كبير وليا اسمي، رجع سأل بهدوء.
_بسألك بتحب جهاد بجد؟
أبتسمت وأنا بفتكرها وبفتكر ملامحها وصوتها وكلامها، بفتكر يوم الرؤية، بصيتله وأتكلمت بصدق.
-معرفش هتصدق ولا لا بس أنا معرفش يعني إيه ولد يحب بنت، إيه الشعور اللي المفروض أحس بيه لما أحب، طول عمري حياتي عملية بشكل كبير، حضرتك عارف بابا دايما حاططلنا حدود بنمشي عليها، وحدودي مع البنات بالذات مكانتش تتخطى كلمة بالغلط، حتى بعد ما أشتغلت بنسبة كبيرة رافض أن استقبل حالات نساء ألا لو بنت صغيرة وأهلها أصروا، لكن هي غير الكل، عايز أطمن عليها، أشوفها بخير، كل مرة أشوفها بتعاني بعاني قصادها.
أبتسم جدي وأتكلم بحنيته المعتاده وهو بيطبطب على كتفي.
_قوم رن على أبوها وبلغه أننا جايين بكرة نقرأ الفاتحة.
-حضرتك بتقول إيه؟
_اللي سمعته، أنا مش هطمن عليها غير معاك، وواثق أنك عمرك ما هتزعلها على الأقل علشاني.
-بس هي، هي مستحيل توافق.
_جهاد أضعف من أنها تقف قدام والدها وترفض، أو حتى تتناقش معاه في أسباب رفضها، ممكن تواجهك أنت وترفضك على أمل أنت اللي تسيبها، وبباها ميوجهش ليها سؤال لما الرفض يجي منك.
-للدرجة دي؟
_جهاد لسه محبوسة في طفلة عندها عشر سنين، بتخاف من الصوت العالي والزعيق، بتخاف من المواجهة، خوف مرضي مش طبيعي، ومش مواجهة أي حد دي مواجهة أقرب حد ليها، هتفضل طول عمرها واقفه عاجزه.
أتنهد وقام من مكانه وهو بيتمشى بين رفوف الكتب، المكتبة اللي مهما مر عليها سنين هتفضل وطن جدي الدافي، مجرد دخولك فيها بتحس بالراحة وأنها مكان للأنس بالكتب، أتحركت وراه وأنا بتابع خطواته البطيئة بسبب كبر السن ووجع رجليه، رغم تعبه بيهتم بيها وبكل كتاب بنفسه، أتكلم بحزن.
_المشكلة يا مُراد أن الوجع جاي من الأهل، دول بالذات مينفعش تتوجع منهم، الضربة منهم بتعلم للأبد، عارف ممكن تبقى ماشي جنب صحابك بتضحك وتهزر وفجأة تبص على كف أيدك تلاقيه بينزف أو تصادفك مرآية وتشوف وشك متشوه، رغم الضحك والهزار ألا أن في جرح في وشك بينزف، محدش بيشوف الجروح دي غيرك، محدش بيحس بيها ولا بيلاحظها، كأن كل أوجاع قلبك بتخرج على جسمك وبتفكرك بوجودها، الجرح دا ممكن يكون كلمة أتقالت من أبوك أو أمك، يكون تريقة من أخوك أو استهزاء من أختك، تبص للمرآية مش بتعرف ملامحك من كتر الجروح، أنا بحب جهاد علشان شبهي يا مُراد، جروحها مش بس شوهت ملامحها وخلتها دبلانه وحزينه، جروحها شوهت روحها، أنا مقدرتش أنقذ نفسي بس جدتك قدرت تخرجني من كل دا، في حاجات لسه جوايا هي عمرها ما عرفتها، بس برغم كدا خفيت وعشت علشانها، عايز جهاد تخف عايزها بتضحك، ولو مرة في العمر متخافش.
عيوني لمعة بالدموع، وأنا بسمع كلامه، حسيت بقد إيه جدو كان بيعاني، وليه بيحب جهاد كدا، وركزت لقيت أن فعلًا أي حالة بتيجي تتعالج لأزم يكون لأهلها أثر سلبي في حياتها، أتكلمت وأنا بوضح لجدو اللي فهمته.
-الأم والأب أول البشر اللي بيتعامل معاهم الأبن من أول ما يفتح عيونه على الدنيا، بيعرف منهم يعني إيه إنسان، يعني إيه حب وحنان أو قسوة وتجبر، علشان كدا التأثير منهم مختلف، بيكون شديد وعظيم على قلوبهم اللي أول تعامل مع العالم كان من خلالهم، لأزم يكون الأب والأم أسوياء نفسيًا علشان يقدروا يربوا طفل بدون جروح.
_صح ياحبيبي، الله يفتح عليك.
طبطب على كتفي بأبتسامة فقربت منه وحضنته بحب، لولا أن جدو ربى أبنه صح مكنتش أنا دلوقتي سوي ومفيش جروح من أهلي، هو صاحب الفضل بعد الله عز وجل، هو صاحبي الوحيد في الدنيا مهما كان عندي صحاب، أتكلمت بحماس وأنا بخرج من حضنه.
-أوعدك أن جهاد هتخف وهتكون بخير، أوعدك أنها هتكون أحسن أم لولادي.
_أتمنى دا، أتمناه من كل قلبي.
-هكلم والدها وهنروح نتقدم، هساعدها تتعالج وتبطل خوف.
_هتكون بخير!
-هتكون بخير وهتشوفها بتضحك.
حضنته تاني بسرعة قبل ما أودعه وأسيبه وأخرج، رنيت على بباها وكلمته وحددت معاه معاد، كنت ماشي في الشوارع مبسوط وبضحك، عارف إني هتعب لكن التعب نتيجة تستحق، كل طريق هيوصلني ليها هكمله للنهاية حتى لو كل خطوة بجرح.
_أنا مش عايزاك ليه مُصر تأذيني؟
قلتها بغضب وأنا قاعدة قصاده، مر أسبوع من وقت ما بطلت أنزل المكتبة لجدو زيد، كنت كل يوم أعيط بحرقة على فراقه، كنت فاكرة أن كدا خلاص مش هشوفه ولا أتعامل معاه تاني، بس النهاردا أتفأجات ببابا وهو بيقولي أنه أداهم معاد وجايين بليل، قلبي وجعني وأنا مش قادرة أعترض ولا أرفض، كأن في سلاسل من نار بتقيدني عن كل حاجة من حقي، معرفتش أعمل حاجة غير إني أخليه يبعد عني، لما جه الوقت ودخل ومعاه جدو زيد وبباه ومامته، فرحت أني شوفته، رغم حزني وتظاهري إني مش عايزة أشوفه لكني فرحانة أنه جه، فرحة مليانة وجع، كان بيبتسملي بحنية زي عادته، حتى لما بابا قال نقعد أنا ومُراد لوحدنا مكنتش عايزة أقوم، كنت عايزة أجري على جدو وأحكيله حصلي إيه خلال الأسبوع دا، لكن مقدرتش.
-أنا أخر واحد في الدنيا ممكن يأذيكِ، أو حتى أفكر في كدا.
_أنت عايز إيه؟
-تديني فرصة أساعدكِ.
_أنا مش مجنونة ولا عايزة أتعالج.
-بس أنا مقلتش أنكِ مجنونة يا رفيقة الكتب، ولا قلت إني هعالجك، أنا قلت هساعدك، كلنا في الدنيا دي محتاجين للمساعدة بطرق مختلفة، أنا كمان محتاج مساعدتك.
_وأنا هساعدك في إيه؟
-أنكِ تكوني بخير دي الخدمة والمساعدة الوحيدة اللي عايزها منكِ.
_جدو زيد اللي طلب منك تعمل كدا صح؟
-جدو أكتر شخص ممكن يحبك في الدنيا، عايزكِ تكوني واثقة من حاجة زي كدا.
_وأنا..
سكتت شوية وهي بتبلع ريقها وأيديها بتضم بعضها، كنت ملاحظ هزت رجلها وحركت أيدها، توترها وخوفها واضحين، أتكلمت تاني.
_أنا محبيتش وأطمنت لحد غيره، لكنه خدعني، استغل دا وخلاك تسمع مشاعري اللي محدش في الدنيا سمعها غيره.
قطعتها بسرعة وأنا بحاول أشتت تفكيرها عن النقطة السودة اللي هيوصل ليها حديثنا.
-لا، جدو كان عايز يساعدكِ، كان كل همه أنكِ تتحسني وتكوني بخير، هو ملجأش ليا غير لما أنتِ بدأتي تاخدي مهدأت بكميات كبيرة من غير استشارت دكتور، هو خاف عليكِ وأول حد لجأله أنا، أنا اللي ساعدته يحددلك كمية المهدأت المسموحة ليكِ، محدش بيعيش على المهدأت عمره كله.
_هو حكالك كل حاجة صح؟
سؤالها خرج برعب وعيونها بدأت تفيض بالدموع، مهما كان الشخص عايز مصلحتك وحتى لو أنت واثق من كدا، بس فكرة أنه يحكي أسرار أنت أمنتله هو بس عليها مفزعة، كأنك بتتقتل بخنجرك، رديت عليها وأنا فاهم أفكارها هتوصلها لفين.
-لا، كان بيحكيلي الأمور الجلل بس، لكن في تفاصيل كتير وأسرار رفض يحكيهالي، هو رفض يخليني أظهر بشكل مباشر خوفًا من أنكِ مترجعيش تاني.
_أنا مش عايزة أتكلم في الموضوع دا تاني.
-براحتك، المهم رأيك في موضوعنا إيه!
سألتها بترقب وأنا بتمنى كلام جدي يكون صح وأنها متقدرش ترفض، بس كلامها كسر كل توقعاتنا.
_أنا مش عايزة أشوفك تاني ولو حتى صدفة، هكلم بابا وأقوله أننا أختلفنا، أنا بكرهك وعمري ما هكون ليك.
لو كان للقلوب أصوات كانتِ سمعت صوت قلبي وهو بيتآوه من كلمة بكرهك اللي خرجت منها بنبرة كلها كره فعلًا، كأني عدوها الوحيد، قامت من مكانها ودخلت أوضتها قصاد نظرتي الشاردة في أثرها.

يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية مراد وجهاد)

اترك رد