روايات

رواية امرأة العقاب الفصل التاسع والستون 69 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل التاسع والستون 69 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت التاسع والستون

رواية امرأة العقاب الجزء التاسع والستون

امرأة العقاب
امرأة العقاب

رواية امرأة العقاب الحلقة التاسعة والستون

ارتفعت البسمة العريضة لشفتيها فور اختراق جملته الغريبة أذناها .. واستمرت بالتحديق به مبتسمة حتى رأته يعتدل جالسًا ويطالعها باستغراب وعدم فهم فاقتربت هي منه أكثر وهمست بنظرات كلها رقة ودلال :
_ إنت كنت بتحلم بيا ؟!!
لم يبتسم ولم يبدي ردود أفعاله الاعتيادية المحملة بالحنو والعبس ، بل بدا لها جامدًا متبلدًا المشاعر يستمر في التحديق بها بصمت حتى سمعت صوته الصلب على عكس النبرة الهلامية والعاطفية التي سمعتها منذ لحظات :
_ بتعملي إيه هنا ؟
عبس وجهها وتلاشت ابتسامتها كليًا .. ذلك السؤال شبه الاستنكاري منه ازعجها بشدة .. باتت لا تدري أهو يتصنع القسوة ليعاقبها أم أنها ردود أفعال تلقائية منه نابعة من بغضه ونفوره الحقيقي منها ! .
للحظة انتابها شعور سيء بالرغبة في البكاء وعيناها لمعت بعبارات صادقة لكنها شدت على محابسهم ومنعتهم من السقوط .. واستجمعت رباطة جأشها لتهمس بصوت مبحوح وهي تتطلع بعينها في ثبات وندم :
_ مش كفاية بقى ياعدنان .. أنا عرفت غلطي وندمت متقساش عليا !
ابتسم لها بمرارة وقال في جفاء جسده بمهارة أمامها :
_ لما دي بنسبالك قسوة أمال انتي كنتي إيه بقى !

 

 

 

 

أطلق سهمه بعبارته في الهدف بالضبط حيث جعلها تتصلب مكانها مدهوشة لا تقوى على الرد .. لكن سرعان ما وثبت واقفة تلحق به بعدما وجدته غادر الفراش وقبضت على ذراعه توقفه وتهتف ببؤس وعينان دامعة :
_ كان لازم اثق فيك ومسمعش لوساس عقلي .. وكان لازم اصدقك واسمع منك الأول واحكيلك اللي شوفته .. عارفة إني كان لازم اعمل كل ده بس كمان غصب عني ، حط نفسك مكاني للحظة واحدة وصدقني هتعذرني شوية .. أنا دايمًا كنت بخاف من شبح الماضي اللي اسمه فريدة ورغم إني عارفة انك مستحيل ترجعلها بعد اللي عملته .. بس دايمًا كنت ببقى خايفة تكون لسا بتحبها ، كان عقلي دائمًا بيفضل يحاول يقنعني بكدا .. ولما حسيت أن ليك فترة متغير بتتكلم في التليفون بعيد عني ومش بتقعد في البيت وبتيجي وش الفجر غصب عني شكيت ولما راقبتك وشوفتك داخل عندها قولت كدا أنا كل شكوكي صح وتخيلت إنك خلاص هترجعلها .. الحاجة الوحيدة اللي جات في بالي لحظتها إن الماضي هيرجع يعيد نفسه تاني وهترجع معاناتي من أول وجديد وأنا مهمشة ومليش وجود في حياتك ، وهرجع احس أن سبب وجودي الوحيد هو الأطفال .. في الوقت ده افتكرت كل حاجة ومكنش في بالي غير حاجة واحدة وهي اني لو كملت للحظة تاني هكون بهين نفسي وكرامتي من تاني

 

 

 

 

سكتت للحظة حين شعرت بعدم قدرتها على استكمال الحديث وشعرت بغصة مريرة في حلقها ودموعها تتصارع في السقوط فوق وجنتيها .. لكنها عاندت ضعفها أمامه واكملت بعينان يملؤها الرجاء والندم مع صوت يحمل بحة باكية :
_ أنا عارفة إنك هتستنكر طريقة تفكيري واني ازاي فكرت كدا بس حتى أنا مش عارفة .. أنا آسفة ياعدنان المرة دي أنا اللي بطلب منك فرصة تاني لعلاقتنا وحبنا واوعدك إني لا يمكن اكرر غلطتي تاني
سكتت وتقدمت خطوة منه حتى أصبحت ملاصقة له وتطلعت بعيناه في عشق وتوسل لتهمس بضعف ربما لأول مرة يرى ضعفها يليق بها .. هي ضعيفة وتتصنع القوة .. حنونة ومضحية وعاشقة ومخلصة ، لكنها بعيدة كل البعد عن القسوة .. واليوم يشهد زهرته الحمراء وهي تتخلى عن كبريائها أخيرًا من أجل قلبها ( من أجله ) ! .
_ تعرف أول مرة أحس إني خايفة .. نفورك مني وإنك مش عايز تبص في وشي ولا تكلمني وجع قلبي أوي وخوفت جدًا ياعدنان إني اخسرك .. أدركت وعرفت إني بحبك أوي بجد ومقدرش اعيش من غيرك .. أنا بحبك والله ، بحبك ياعدنان
تابعت بعد لحظة من الصمت وهي تبتسم بمرارة وحزن :
_ إنت وحشتني أوي على فكرة .. بس هو أنا موحشتكش .. مشتاقتش لرمانتك !

 

 

 

 

رغم كم السعادة التي تملكته بتلك اللحظة وهو يسمع تلك الاعترافات المميزة منها للوهلة الأولى .. إلا أنه صمت ! ، ظل ساكنًا يحدقها بجمود مزيف على عكس العواطف الثائرة وسيول المشاعر الجارفة بثناياه .. حتى هو لم يفهم سبب صمته ربما كان مدهوشًا أو يفكر ، لا يعرف ! .
أما هي فاستحوذ عليها اليأس وشعرت بأن كل ما قالته ذهب هباءًا ولم يجدي بأي نفع .. لم يسامحها ولم يعفو ! .. هل حقًا بات لا يُحبها ولا يشتاق لها كالسابق ؟!! .. كل حماسها وأملها ذهب بلحظة مع الريح وخسرته ، حتى إنها فقدت قدرتها على المحاربة ! .. فلملمت شتات نفسها وتركته وغادرت الغرفة ومنها للدرج .. لم تغادر المنزل بل تقدمت من النافذة الزجاجية الضخمة بأحد أركان الصالة ووقفت أمامها عاقدة ذراعيها وأخيرًا تركت العنان لدموعها البائسة والحزينة لتنهمر فوق وجنتيها غزيرة .. لم ترغب بالرحيل من المنزل بهذه السرعة ، كأنها تودعه للمرة الأخيرة فربما لا تدخله مجددًا ! .
***
داخل غرفة مهرة تحديدًا فوق فراشها تجلس ممسكة بهاتفها الذي لا يتوقف عن الرنين منذ ما يقرب من خمس دقائق .. بالواقع هو لا يتوقف عن الرنين منذ أمس وهي ترفض جميع اتصالاته .. انزعاجها منه يمنعها من الرد عليه أو حتى سماع صوته .. تلك الكلمات التي تفوه بها بصباح الأمس كانت كافية لإطفاء ضوء عينيها المتحمس لكل شيء يخصه ! .
وسط تجاهلها لرنين الهاتف .. توقف فجأة الرنين وبعدها بدقيقتين اخترقت عينيها رسالة ظهرت بوضوح فوق شاشة هاتفها ، كانت رسالة صريحة منه كلماتها تطلق شرارات غضبه التي شعرت بها وراحت تقرأ محتوى الرسالة بتريث وارتباك ” مهرة أنا تحت بيتكم صدقيني لو مردتيش عليا هطلع عندك وإنتي المسؤولة عن اللي هيحصل ” .
شهقت بفزع ووثبت بسرعة واقفة من فراشها وهي تصرخ بتوتر :
_ مجنون .. أنا مخطوبة لواحد مجنون أساسًا والله

 

 

 

 

سكنت وتمالكت أعصابها لتأخذ نفسًا عميقًا ثم تلتقط هاتفها وتضغط على قائمة الاتصالات الأخيرة لتجرى اتصال به .. ولم يلبث وتنتهي حتى الرنة الأولى ووجدته يجيب عليها صائحًا بعصبية وكأنه قدر انفجر :
_ من امبارح برن عليكي ومش مش بتردي .. طيب ردي عليا حتى وقوليلي إنك زعلانة ومضايقة مني .. لكن سيباني كدا هتجن من القلق عليكي
رفعت كفها لفمها تخفي ابتسامتها الخجلة ثم ترد ببرود متعمد :
_ وتقلق ليه ما أنا قاعدة في بيتي يعني هكون فين !!!
آدم منفعلًا بصوت رجولي حازم :
_ مهرة بلاش الأسلوب المستفز ده .. ومهما حصل بينا اياكِ تتجاهليني بالشكل ده تاني ومترديش عليا
اغتاظت من تعليماته الصارمة وصاحت به منفعلة هي الأخرى تصيح :
_ إنت متعصب كدا ليه .. هو أنا تجاهلتك من فراغ كدا ولا سبب عصبيتك عليا امبارح واللي قولته ليا .. المفروض أنا اللي ازعق واتعصب منك
هدأت ثورته قليلًا عندما ذكرته بخطأه بالأمس وقال في صوت غليظ :
_ وأنا مقولتش حاجة انتي ليكي الحق وميلون حق كمان تزعلي وتتعصبي مني و …. ، بصي انزليلي يامهرة وهنروح نقعد في مكان ونتكلم على رواق وافهمك كل حاجة مين هينفع على التلفون كدا
زمت شفتيها بانتعاش وردت برفض :
_ مش هينفع مش فاضية النهارده
_ مــهــرة !!!

 

 

 

 

صاحت بغيظ :
_ قولتلك مش فاضية يا آدم الله
تأفف بصوت مسموع ورفع يده يمسح فوق وجهه وهو يزفر بعدم حيلة ثم يتمتم بخنق :
_ طيب امتى هقدر اشوفك ؟!
_ لما أفضى هكلمك
آدم مستسلمًا ييأس ونبرة حزينة :
_ طيب يامهرة .. خلي بالك من نفسك
_ وإنت كمان ، سلام
فور انتهاء مكالمتها الهاتفية معه امتلأت عيناها بالعبارات والقت بالهاتف فوق الفراش ثم جلست فوق مقعدها الخاص وتطلعت أمامها بشرود تاركة العنان لعباراتها المحبوسة .. تشعر بالندم على أسلوبها الجاف والعنيف معه وبنفس اللحظة غضبها وضيقها منه يتملكها ويجعلها تتصرف بتلقائية دون أي تخطيط منها !!! .
***
داخل منزل عدنان الشافعي …….
نزل درجات الدرج بتريث وعندما وصل لنهايته توقف واستقرت عيناه عليها .. تقف بسكون وبؤس أمام النافذة ، عاقدة ذراعيها أسفل صدرها وخصلاتها السوداء الحريرية تتطاير بحرية بفعل نسمات الهواء الدافئة .
ابتسم بحنو ليصدر تنهيدة طويلة ويضع قبضتيه في جيبي بنطاله ثم يتقدم منها بخطوات هادئة تكاد تكون لا تسمع .
هل كانت تتوقع أنه سيتمكن من الصمود أمامها بعد اعترافتها التي أطلقت سهامها واصابت يساره بها .. هو الآن غارق بحالة من السعادة الجميلة .. قلبه يستمر في النبض بقوة ويتحرق شوقًا لضمها لصدره وامطارها بوابل قبلاته المشتاقة .. وماذا سيريد العُقاب أكثر من حب ورغبة زهرته به ! .
شعرت به وبأنفاسه الساخنة في ظهرها مباشرة .. لم تتحرك خطوة واحدة وبقت ثابتة بأرضها تجاهد في التحكم بدموعها التي توقفت تلقائيًا حين شعرت بذراعيه تلتف حول خصرها محاوطًا إياها من الخلف ويميل عليها لاثمًا شعرها ووجنتيها بعمق ثم يرفع شفتيه ويهمس بالقرب من أذنها في صوت ذائب ومعذب من نيران الشوق والفراق :
_ لو فضلت اشرحلك من هنا للصبح انتي وحشاني إزاي مش هتصدقي .. اشتقتلك أوي يارمانة قلبي !
لا إراديًا عادت لمعة عيناها من جديد وراح ثغرها يفغر عن ابتسامة واسعة كلها أمل وفرحة .. لتستدير له بسرعة وتحدقه مبتسمة بعينان تملأها الدموع ثم تلقي بجسدها بين ذراعيه تعانقه في قوة وتهمس وسط نبرتها الباكية :
_ وإنت كمان وحشتني أوي ياحبيبي

 

 

 

 

لم بجيبها وكانت شفتيه التي تتنقل من شعرها لكتفيها تتحدث بدلًا عنه .. تخبرها عن سعادته وعشقه وشوقه لها .. لحظات اللقاء الأولى والأجمل على الإطلاق بعد فراق دام لشهر وأكثر ! .
ابتعدت عنه بعد دقائق من العناق الحميمي ورفعت كفها تملي فوق لحيته الكثيفة برقة هامسة في بسمة وعين دامعة :
_ سامحتني مش كدا ؟
لاحت ابتسامة عريضة فوق ثغره ثم وجدته يمد أنامله ويمررها بلطف ورقة فوق بشرة وجهها متمتمًا بصوت ساحر ونظرة تذهب العقل :
_ أنا جايز أكون قاسي وجدًا كمان ومش بسامح ولا بصفى بسهولة .. بس معاكي إنتي ببقى ضعيف جدًا ومش بعرف اقسى عليكي أبدًا .. إنتي نقطة ضعفي ياجلنار !
طالعته بعينان تفيض حبًا وحنانًا ثم لفت ذراعيها حول رقبته وهمست بدلال باسمة :
_ ومش خايف استغل نقطة الضعف دي !
ضحك بخفة وهز رأسه بالنفي متمتمًا في عشق :
_ تؤتؤ لإنك استغلتيها من زمان أوي وحتى اللحظة دي وإنتي مستغلاها واكبر دليل إنك قدرتي بكام كلمة بس تخليني انسى كل حاجة وارجعلك بلهفة وشوق
دنت منه ولثمت وجنته برقة مردفة :
_ ده عشان إنت بتعشق رمانتك بس .. ورمانتك كمان بتعشقك
مال برأسه للخلف مصدرًا زفيرًا حارًا وهو يجيبها :
_ يا الله أخيرًا يارمانتي ده إنتي وجعتي قلبي ونشفتي ريقي
قهقهت بخفة ثم اقتربت منه أكثر ورفعت يديها تعبث بخصلات شعره بنعومة متمتمة في خفوت مثير وجميل :
_ من هنا ورايح خلاص مش هتشوف غير الحب والدلع بس ياحياتي
ابتسم ورد بعبث غامزًا بعيناه :

 

 

 

 

_ وعد ؟ .. مفيش نكد تاني يعني !
قهقهت بصوت عالى وردت عليه وهي تهز رأسها بالنفي :
_ لا مفيش اطمن !
بادلها سعادتها ولكن اكتفى بابتسامته وفجأة انحنى عليها ليحملها فوق ذراعيه ويسير بها متجهًا نحو الدرج هاتفًا بعبث وخبث رجولي :
_ حيث كدا بقى تعالي أما افرجك على التجديدات اللي عملتها في الأوضة فوق
ضحكت عاليًا لكن سرعان ما شهقت بصدمة متذكرة وقالت :
_ عدنان هنا زمانها على وصول ولو رجعت البيت عند بابا وملقتنيش هتخرب الدنيا .. خلينا نروح نجيبها من الحضانة الأول ارجوك
_ وتخرب الدنيا ليه ماهي قاعدة مع جدها .. بعدين لسا معاد خروجها مش دلوقتي
انهى عباراته وهو يرفع رأسه لساعة الحائط المعلقة حتى يتأكد من الساعة ثم يبتسم بمكر ويعود بوجهه لها مجددًا ليهمس وهو يصعد بها درجات السلم :
_ سبينا احنا بقى نخطف لحظاتنا الخاصة شوية يارمانة !
ابتسمت له بغرام وفرحة ثم مالت واستندت برأسها فوق صدره مغمضة عيناها بسكينة وراحة .
***
مع حلول مساء ذلك اليوم …….
كانت جلنار تكمن بغرفتها فوق مقعدها الهزاز وعيناها عالقة على ابنتها الجالسة فوق الفراش وتلهو بألعابها بانسجام .. وعقلها شارد بصباح اليوم تتذكر تلك الساعات الرائعة التي قضتها معه .. انتابها شعور وكأنها تحلق بالسماء وهي بين ذراعيه ويغمرها بحنانه وعشقه الدفين .. روحها المشتاقة وجدت ملاذها أخيرًا واستكانت وهدأت بين تفاصيل حبه التي شملت ولمست كل نقطة عميقة منها .. أدركت حقيقة شوقها الجنوني له حين استقرت بين ذراعيه وامتلأت أذنيها بكلمات العشق والغرام من شفتيه تصدرها غمرته رائحته المُسكرة ! .
كانت بعالم موازي لا تشعر بأي شيء من حولها حتى أنها لم تنتبه لدخول والدها الغرفة وأقاربه منها ليجلس على المقعد المجاور لها ويهتف بصوت مرتفع قليلًا بعيدًا تحدث معها مرة وأثنين ولن تجيبه بسبب شرودها المريب :
_ جــلــنــار !!!

 

 

 

 

انتفضت بفزع بسيط على أثر صوت أبيها والتفتت له ببعض الدهشة ثم ابتسمت وأجابت بخفوت واعتذار :
_ آسفة يابابا مخدتش بالي منك .. كنت سرحانة !
ارتفعت البسمة الدافئة لصغر نشأت الذي رمقها بلؤم وهمس :
_ كنتي معاه الصبح مش كدا ؟!!
صمتت لبرهة وهي تبتسم بإحراج بسيط .. ثم أماءت برأسها في إيجاب دون أن تتحدث فيعود وسألها بترقب وحنو :
_ اتصالحتوا يعني خلاص ؟
جلنار بإيحاب وابتسامة عريضة وفرحة :
_ أيوة أخيرًا يا بابا .. أنا كنت غلطانة لما شكيت فيه وروحت واعتذرت منه وصلحت غلطتي .. ومستحيل اسمح إن أي حاجة تاني تبعدني عن عدنان أو تفرقنا
لم تجد ردًا من أبيها فقط رأته يبتسم بقمسات غامضة وغير مفهومة .. لكنها كانت مليئة بالسعادة والعطف .. ورغم ذلك كان الفضول يأكلها لفهم سبب تلك النظرة التي بعيناه .. ولم تلبث للحظة حتى وجدته يقترب منها ويرفع كفه ليمرر أنامله بين خصلات شعرها برقة ويهمس في عينان لامعة بدموع السعادة :
_ فعلًا الزمن والظروف قادرة تخلي من المستحيل ممكن .. مين كان يصدق ياجلنار إنك تحبي عدنان بالشكل ده .. عمري ما كنت أتخيل إني اسمع منك الكلام ده .. عدنان على الأقل كان باين أوي أنه بيحبك وبيعزك من زمان أوي واكبر دليل رفضه إنه يطلقك حتى في وجود فريدة .. لكن إنتي حبك ليه بالشكل ده بنسبالي كان غير متوقع أبدًا
ابتسمت وردت بخفوت ونبرة مختلفة :
_ مش عارفة يابابا .. حتى أنا مش فاهمة ازاي وامتي بقيت بحبه بالشكل ده .. بقيت مش قادرة افارقه وابعد عنه للحظة .. لو عدى يوم واحد بس من غير ما اشوفه بحس إني هتجن
نشأت بحكمة باسمة :
_ كويس إنك فوقتي قبل فوات الآوان ومسمحتيش لكبريائك إنه يدمر علاقتكم ويفرقكم .. لأن عدنان بيحبك أوي وروحه متعلقة بيكي إنتي وبنته
انحرفت عيني جلنار لتلقي نظرة على ابنتها وتهمس بإيجاب باسمة ويدها راحت تتحسس بطنها :
_ عارفة .. أنا وهنا والطفل اللي جاي كل حاجة بالنسبة لعدنان .. ولا يمكن اسمح أنه يبعد عننا أبدًا
دنى نشأت منها ولثم شعرها بدفء متمتمًا في حنان أبوي :
_ ربنا يسعدكم ياحبيبتي .. ويخليكي ليا يارب
_ ويخليك لينا يابابا
***

 

 

 

 

داخل قصر الشافعي …..
اندفعت سماح ( الخادمة ) مسرعة نحو الباب بتلهف .. نفس الوقت من كل ليلة يدق الباب ويأتي الزائر الخفي بالنسبة لأسمهان ، يطمئن ثم يرحل بسرعة دون أن تراه .. لكن حين فتحت الباب فُجأت بأنه لم يكن الزائر المعتاد بل كان ” آدم ” !! .
رغم تعجبها إلا أنها ابتسمت ورحبت به بحرارة هامسة :
_ أهلًا يا آدم بيه اتفضل !
دخل وعيناه تلقى نظرات على الطابق العلوي من المنزل وكأن الخادمة قرأت أفكاره فردت باسمة :
_ الست هانم بتكون نايمة في الوقت ده
إماء برأسه بتفهم ورد بخفوت :
_ كويس .. هي كويسة ياسماح ؟!
زمت شفتيها بعبوس وردت بيأس :
_ هكدب عليك لو قولتلك إنها كويسة .. الست هانم بقت حالتها صعبة أوي من وقت فراقكم ليها إنت وعدنان بيه .. بقت واحدة تاني مش أسمهان هانم أبدًا اللي كلنا نعرفها .. اكلها قليل جدًا وبتاخد علاجها بصعوبة وكل ليلة بتفضل في اوضتها تعيط وهي ماسكة صورتكم
إصابته وغزة مؤلمة بقلبه بعد تلك العبارات القاسية .. لانت صلابة ذلك الحجر القاسي بقلبه وشعر بشوقه لأمه .. الشوق هو ما دفع به لزيارتها خفية بدلًا من الاتصالات الهاتفية كل ليلة ليطمئن عليها من الخادمة دون علمها .. اليوم قرر كسر الروتين ورؤيتها بعيناه .. اشتاق لها وقلبه يتمزق أربًا من الحزن ، لكن غضبه أيضًا يستحوذ عليه بشكل بشع ، مثل أخيه تمامًا ! …
انتبهت كل حواسه عندما سمع عبارة سماح وهي تقول باسمة :
_ أول ما الباب رن أن افتكرت عدنان بيه هو اللي جه .. الصراحة متوقعتش تكون إنت أبدًا !
غضن آدم حاجبيه باستغراب وسألها بحيرة وعدم فهم :
_ عدنان !!! .. هو عدنان بيجي هنا !
سماح بإيجاب وبسمة وجه مشرقة :

 

 

 

 

_ أيوة ده كل ليلة بيجي في نفس المعاد يطمن على الست هانم ويتأكد إذا كنا محتاجين أي حاجة وبيجبها وبيطلع يشوفها في أوضتها فوق وهي نايمة يطمن عليها وبعدين ينزل ويمشي .. ومنبه عليا للأسف إني مجبلهاش أي سيرة إنه بيجي كل ليلة
تملكت الدهشة من آدم للحظات وهي مستمر بالتحديق بسماح مذهولًا من تصرف أخيه غير المتوقع أبدًا .. فغضب عدنان يفوقه بشكل مرعب وأن يأتي ويطمئن على أمهم كل ليلة بهذا الشكل رغم غضبه منها حدث يدعو للذهول حقًا .. وعلى الرغم من صدمته إلا أن البسمة تلقائية شقت طريقها لثغره وتمتم بصوت منخفض :
_ مغلطتش ماما لما قالت عليك عُقاب ياعدنان
ثبت نظره على سماح وقال بهدوء تام :
_ طيب يا سماح أنا هطلع أشوفها اطمن عليها
أماءت لها بالموافقة باسمة وبعد أن خطا أو خطوتين وجدته توقف والتفت برأسه لها ثم همس بابتسامة غريبة ونظرة منذرة :
_ طبعا أنا مش محتاج انبه عليكي كمان ياسموحة !
وختم عباراته وهو يرفع يده ويضم كل من سبابته وابهامه معهًا ويسير بهم على طول شفتيه في حركة مشهورة تعنى ” التزام الصمت وعدم التحدث ” .. فتتنهد هي الصعداء بعدم حيلة وتبتسم وسط أماءت رأسها لها بالموافقة امتثالًا لاوامره ! .
***
داخل غرفة الاجتماعات بشركة أل الشافعي ……
كان عدنان يقضي شطرًا من الليل ينهي بعض الأعمال المتبقية وبصحبته حاتم الذي يجلس على الطرف الآخر من الطاولة ويعمل أمام حاسوبه النقال .. وبين كل لحظة والأخرى كان يرفع عيناه ويلقي نظرة متعجبة على عدنان الذي تارة يجده يعمل وتارة شاردًا بملامح وجه مريبة !! .
طوال الفترة السابقة من خلال عملهم معًا يوميًا كان يشهد على حالات مزاجية متعددة له .. أغلبها كانت اليأس والحزن وكأنه تائه يبحث عن مستقره المفقود .. ينقصه شيء بحياته ولا يمكن المتابعة بدونه .. بالمعنى الأدق كان ينقصه وجود زوجته وابنته ! .. والليلة حالته مختلفة تمامًا على تلك الحالات التي شهدها خلال الفترة السابقة ! .
لحظات معدودة وذلك الشرود أصبح مصحوبًا بابتسامة عاطفية تلمع بعيناه كشرارة العشق .. لم يتمكن حاتم من منع ضحكته التي انطلقت بصمت فوق شفتيه وترك حاسوبه ثم اعتدل في جلسته ليجعل مقعده مقابلته مباشرة ويستمر في التحديق به مبتسمًا على أمل أن ينتبه له ويفيق من بحار العشق الغارق بها .. لكنه لم ينتبه فزدادت ضحكته اتساعًا وبتلقائية أصدر صوت صفير خفيف بشفتيه مصحوبًا بنظرته الخبيثة .. وأخيرًا خرج عدنان من قوقعته وانتبه لذلك المتطفل الذي يشاركه بنفس الغرفة .

 

 

 

 

تقوست ملامح وجهه وأخذت شكل الصلابة والحزم وهو يهتف بخشونة :
_ في إيه !! .. ما تاخدلي صورة احسن !!!
حاتم ضاحكًا بعبث :
_ أن جيت للحق شكلك محتاج يتبروز فعلًا
تأفف بنفاذ صبر ثم اجابه ببرود وهو يعيد نظره للحاسوب :
_ أنا مش فايقلك ياحاتم
الأيام السابقة لم تصنع تغيرًا بعلاقة ابطالنا فقط بل التغير شمل الجميل .. حتى حاتم وعدنان ، بعد أن كانوا أشبه بأعداء باتت علاقتهم أكثر صداقة !!! .. ربما عملهم معًا حتم عليهم التعامل كأصدقاء وليس كأعداء !! .. لكن ذلك لم يمحي السبب الرئيسي في بغضهم لبعض فحين ينطق اسم جلنار على لسان حاتم يصاب عدنان بالجنون .. واليوم هو تعمد أن يلفظ باسمها أمامه بسبب حالته العاطفية الغريبة :
_ أخبار جلنار إيه ؟!
نظرة عدنان المميتة كان كافية لجعله ينفجر ضاحكًا ويتمتم بعبث :
_ طيب بلاش شغل الرعب ده .. أنا كنت بجس نبض بس !
_ نبض إيه ده ؟!!!
سكت للحظة ثم سأله باسمًا بود ورزانة :
_ إنت وهي رجعتوا لبعض ؟
عدنان بغلظة صوته الرجولي :
_ حاجة متخصكش !
ابتسم على رده المتوقع ثم أجاب بهدوء تام :
_ حاجة متخصنيش فعلًا .. بس تقدر تقول مهتم لأمرك خصوصًا بعد ما شوفت بعيني حبك ليها إزاي
رمقه بطرف عيناه في ابتسامة تبدو استنكارية لكنها على العكس تمامًا .. ولم يتحدث لدقيقة كاملة حتى قال بالاخير في لطف :
_ اطمن أنا أساسًا لا يمكن اتخلى عنها أو أسمح إنها تفارقني .. النهاية محتومة من البداية
وختم عبارته الأخيرة بغمزة ثقة منه جعلت حاتم يضحك بخفة ويجيب مرددًا خلفه ومؤيدًا لرأيه :
_ النهاية محتومة من البداية !
تبادلوا النظرات المبتسمة في إشارات في يفهمها سواهم ! .
***

 

 

 

 

ساعات قليلة مرة ومع تمام الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل …….
وصل عدنان لمنزل نشأت ووقف أمام الباب يطرق بيده عدة طرقات خفيفة وبعد برهة من الانتظار فتحت له بدرية ( الخادمة ) واستقبلته كعادتها بحرارة وترحيب حار ثم أخبرته بأن الصغيرة وجلنار بغرفتها بالأعلى .. فسار هو وصعد الدرج للطابق حيث الثاني حيث غرفة ” رمانته ” .
وصل أمام الباب ووقف للحظة ثم مد يده وأمسك بالمقبض ليديره بكل بطء ويفتح الباب ثم يدخل لتقع عيناه على ابنته التي تجلس فوق فراش أمها وتمسك بيدها طلاء أظافر تحاول طلي أظافرها به .. تصلب بأرضه وهو يحدقها مدهوشًا وباسمًا .. بينما هي ففور وقوع نظرها علي أبيها وثبت واقفة وهي تصرخ بفرحة :
_ بابي !
لم تركض عليه كعادتها بل كانت ترفع يدها لأعلى خشية من أن تخرب طلاء أظافرها الذي رسمته بشكل غير منظم .. وتابعته وهو يقترب منها ويبتسم بدهشة متمتمًا :
_ بتعملي إيه ياهنايا ؟!!!
أجابت هنا بكل رقة :
_بحط مانيكير يابابي
_ طيب وهو ينفع ياروح بابي نفصل سهرانين لغاية دلوقتي عشان نحط مانيكير !
ابتسمت له بلطافة اذابت قلبه وهمست بملامح طفولية اثرته بالكامل :
_ آسفة يابابي مش هتكرر تاني
رأته يقترب ويدنو منها كالمغيب ليلثم وجنتيها ويديها بمشاعر أبوية جيَّاشة ويهمس بهيام :
_ياقلب وعيون بابي .. وريني كدا المانيكير ده على إيدك !
رفعت أمامه اصابع يد واحدة بكل حماسة وهي تضحك ورغم أن شكله لم يكن جيدًا إلا أنها وجدته يحتضن كفها الصغير ويرفعه لشفتيه ليلثم ظاهره بكل لطف هامسًا في غزل اخجلها :
_ الله ده إيه الجمال ده .. أجمل إيد تحط مانيكير .. وأجمل هنا في الدنيا دي كلها .. فين ايدك التانية وريني ؟
ردت الصغير بخجل من غزل أبيها بها وهي تضحك برقة :
_ لسا معملتش إيدي التانية
غمز لها بخبث وتمتم بمرح وحب :
_ إيه رأيك احطلك أنا إيدك التانية ؟
لمعت عيناها بحماس وفورًا هزت رأسها بإيجاب توافق على فكرة أبيها .. وسرعان ما جلست فوق الفراش ومدت يدها لها وباليد الأخرى كانت تعطيه زجاجة الطلاء ليضحك هو على حماسها ويجذب الزجاجة من يدها ثم يجلس مقابلتها ويمسك بيدها بكل نعومة وبيده الأخرى يمسك بفرشاة الطلاء وراح يرسم بكل دقة فوق كل ظافر من أظافرها الصغيرة وهي تتابعه مبتسمة بسعادة .

 

 

 

 

خرجت صيحة عالية منها بشهقة مزعورة وهي تقول :
_خلي بالك يابابي كدا شكل ايدي هيبقى وحش لو محطتش المانيكير كويس !
علت صوت ضحكته الرجولية وملأت الغرفة ليجيبها باسمًا :
_ لا متخافيش مش هيبقى شكلها وحش انا مخلي بالي أهو
وبينما كان منشغل وهو والصغيرة برسم أظافرها بالطلاء خرجت جلنار من الحمام بعد انتهائها من حمامها المسائي الدافيء وهي تلف جسدها بمنشفة بيضاء كبيرة .. وفزعت حين رأته لكن تسمرت تتابع مشهدهم اللطيف وهي تبتسم بحنان وحب حتى وجدت صغيرتها تثب جالسة وترتمي على احضان أبيها تعانقه بحرارة وحب بعدما انتهي من رسم أظافرها .
كان هو على وشك أن يسأل عنها لكن عيناه انحرفت تلقائيًا خلفه لتستقر نظراته عليها .. وهي تقف بذلك الشيء المثير وتبتسم له بساحرية .. ازدرد ريقه بصعوبة ولمعت عيناه بوميض ممتلئ بالرغبة والشوق .
وبحركة مفاجئة منه وجدته يلتفت نحو ابنته ويهتف بطريقة غريبة :
_ هنا ياحبيبتي أيه رأيك روحي وري المانيكير الجميل ده وايدك الحلوة دي لجدو
هنا بعبوس :
_بس جدو نايم
عدنان بتصنع الدهشة :
_ نايم إيه أنا لسا شايفه قبل ما اجيلك .. روحيله انتي بس يلا بسرعة اجري قبل ما ينام
بلهفة طفولية وقفت واسرعت ركضًا للخارج تتجه نحو غرفة جدها
حتى تلحق به قبل أن ينام كما زعم أبيها !!! .
أنا عدنان ففور رحيل ابنته وثب واقفًا واسرع نحو الباب لكي يغلقها ثم عاد مجددًا لجلنار التي تقف تضحك بصمت عليه .. وفجأة أطلقت شهقة مدهوشة حين وجدته يلف ذراعه حول خصرها ويجذبها إليه هامسًا بغرام وصوت ذائب :
_وحشتيني يارمانتي
ابتسمت بحب لكن سرعان ما أخفت ابتسامتها وأظهرت الضيق والعيد وهي تهتف :
_ مهو واضح إني وحشتك تقدر تقولي ليه مجيتش تاخدني أنا وبنتك عشان نرجع بيتنا
تنحنح بتوتر بسيط وهو مبتسم ثم قال محاولًا تلطيف الجو :
_ مش هينفع ترجعي البيت دلوقتي يارمانة !
_ نعم .. وده ليه بقى ؟!
عدنان بدفء غامزًا :

 

 

 

 

_مجهزلك مفاجأة عشان كدا الأفضل تفضلي اليومين الجايين دول هنا عند باباكي لغاية ما المفاجأة تجهز
_ والمفاجأة دي مينفعش تعملهالي وأنا موجودة في البيت ؟!
_ تؤتؤ مينفعش وهتعرفي ليه بعدين
زمت شفتيها بعبوس وامتعاض فوجدته يدنو منها ويلثم وجنتها بعمق هامسًا :
_ لو عليا مش عايزك تبعدي عني لحظة كمان والله ياحبيبتي .. اظن إنتي عرفتي أنا مشتقالك قد كدا إيه
ختم العبارة بغمزته الجريئة والمغامرة ثم تابع بغرام :
_ بس كمان متأكد إن المفاجأة هتعجبك أوي والحقيقة هما مفاجتئين كمان مش واحدة
تحمست بشدة وقالت بفضول :
_ طيب امتى بقى هتقولي ايه هما ؟
_أول ما يجهزوا
رفعت جسدها لمستواه ولثمت وجنتيه بعمق لتجد عيناه تلمع بوميض تعلمه جيدًا وباللحظة التالية كان يميل عليها .. لكن هيهات أن تكتمل لحظاتهم لأخره .. كالعادة اقتحمت الصغيرة الغرفة وهي تدخل وتهتف بعبوس محدثة أبيها :
_ بابي جدو نايم مش صاحي
ابتعد مفزوعًا عن جلنار واغمض عيناه وهو يصر على أسنانه بغيظ ثم التفت لها وقال بنفاذ صبر :
_ وأنتي مش نايمة ليه زيه يابابي .. ما تنامي ياحبيبتي دي الساعة 12 دلوقتي .. يلا على السرير قدامي يابت
ملامح وجهه المغتاظة ورغم حدة كلماتها إلا أن الصغيرة راحت تضحك بقوة واسرعت راكضة للخارج متجهة لغرفتها ولحق هو بها حتى يخلدها للنوم !! ….
***

 

 

 

 

 

بصباح اليوم التالي ………
ذهبت جلنار منذ الصباح الباكر هي وابنتها لزيارة أسمهان وبينما كانت تجلس بالصالون وعلى الجانب الآخر أمامها تجلس أسمهان وبجانبها هنا ويضحكون ويتحدثون بانسجام مع بعضهم .. سمعت صوت رنين هاتفها .. ارتبكت قليلًا حين رأت اسم المتصل ، عدنان .. فاستقامت واقفة وابتعدت عن مسامعهم بشكل كلي لتجيبه عليه بتوتر بسيط خشية من أن يكتشف أنها مع أسمهان :
_ الو ياعدنان !
كان صوته مريبًا وكله حدة وهو يسألها :
_ إنتي فين ؟
اضطربت أكثر بعد نبرة صوته تلك ولم تعرف بماذا تجيب وبدلًا من أن تخبره بالحقيقة ، كذبت وربما هذه الوهلة الأولى التي تكذب بها عليه حيث ردت مرتبكة :
_ في البيت عند بابا يعني هكون فين .. هو في حاجة ياعدنان ؟!
لم تحصل على رد منه لدقيقة كاملة ثم سمعته يسألها بتأكيد وبلهجة مخيفة :
_ متأكدة ياجلنار إنك في البيت
ازدردت ريقها مضطربة وردت تؤكد كذبتها :
_ أيوة في البيت
_ طيب
كلمة واحدة انهي بها مكالمته الهاتفية الغريبة تمامًا منيرة صوته .. ورغم قلقه إلا أنها حاولت تهدئة نفسها وإقناع عقلها بأنه قد يكون منزعج من شيء يخص العمل ولذلك كان يتكلم بشكل حاد وغاضب !! .
عادت وجلست على مقعدها بصمت وعقلها لا يتوقف عن التفكير وشعور السوء بثناياها يتزايد كلما يمر الوقت .. لا تعرف هل ذلك الشعور يلازمها بسبب كذبتها عليه أم لأن هناك عاصفة بالطريق إليهم ! .
ولم تلبث للحظة بعد تفكيرها بتلك العاصفة وكأن الواقع استمع لصوت عقلها فسمعت صوت رنين الباب يرتفع .. وجدت نفسها لا أراديًا تقف هي وتقود خطواتها تجاه الباب بينا أسمهان وهنا عيناهم عالقة عليها يتابعونها وهي تتجه للباب والفضول يتملكهم أيضًا لمعرفة هوية الطارق .
وقفت جلنار أمام الباب وأخذت نفسًا عميقًا وكأنها تشعر بالأعصار الذي يقف خلف ذلك الباب وبالفعل حين فتحت الباب وجدته أمامها .. عدنان !!! ……..

يتبع..

‫2 تعليقات

اترك رد

error: Content is protected !!